Professional Documents
Culture Documents
هارون يحيى
ترجمة :
مصطفى الستيتي
إل القارئ
السبب وراء تصيص فصل خاص لنيار النظرية الداروينية هو أن هذه النظرية تشكل القاعدة الت يعتمد عليها كل الفلسفة اللحدين.
فمنذ أن أنكرت الداروينية حقيقة اللق ،وبالتال حقيقة وجود ال ،تلى الكثيون عن أديانم أو وقعوا ف التشكيك بوجود الالق خلل
الئة والربعي سنة الخية .لذلك يعتب دحض هذه النظرية واجبا يتمه علينا الدين ،وتقع مسؤوليته على كل منا .قد ل تسنح الفرصة
.للقارئ أن يقرأ أكثر من كتاب من كتبنا ،لذلك ارتأينا أن نصص فص ً
ل نلخص فيه هذا الوضوع
ت شرح جيع الوضوعات اليانية الت تناولتها كل هذه الكتب على ضوء اليات القرآنية وهي تدعو الناس إل كلم ال والعيش مع معانيه.
شرحت كل الوضوعات الت تتعلق باليات القرآنية بطريقة ل تدع مكانا للشك أو التساؤل ف ذهن القارئ من خلل السلوب السلس
والبسيط الذي اعتمده الكاتب ف كتبه يكن للقرّاء ف جيع الطبقات الجتماعية والستويات التعليمية أن تستفيد منها وتفهمها .هذا
السلوب الروائي البسيط يكّن القارئ من قراءة الكتاب ف جلسة واحدة ،حت أولئك الذين يرفضون المور الروحانية ول يعتقدون با،
.تأثروا بالقائق الت احتوتا هذه الكتب ول يتمكنوا من إخفاء اقتناعهم با
يكن للقارئ أن يقرأ هذا الكتاب وغيه من كتب الؤلف بشكل منفرد أو يتناوله من خلل مناقشات جاعية .أما أولئك الذين يرغبون ف
.الستفادة منه فسيجدون الناقشة مفيدة جدا إذ إنم سيتمكنون من الدلء بانطباعاتم والتحدث عن تاربم إل الخرين
إضافة إل أن الساهة ف قراءة وعرض هذه الكتب الت كتبت لوجه ال يعتب خدمة للدين .عرضت القائق ف هذه الكتب بأسلوب غاية
.ف القناع ،لذلك نقول للذين يريدون نقل الدين إل الخرين :إن هذه الكتب تقدم لم عونا كبيا
من الفيد للقارئ أن يطلع على ناذج من هذه الكتب الوجودة ف ناية الكتاب ،ليى التنوع الذي تعرضه هذه الصادر الغنية بالواد الدينية
.المتعة والفيدة
لن تد ف هذا الكتاب كما ف غيه من الكتب ،وجهات نظر شخصية للكاتب أو تعليقات تعتمد على كتب التشكيك ،أو أسلوب غامض
.ف عرض موضوعات مغرضة أو عروض يائسة تثي الشكوك وتؤدي إل انراف ف التفكي
حول الؤلف
ولد الكاتب الذي يكتب تت السم الستعار هارون يي ف أنقرة عام 1956،بعد أن أنى تعليمه البتدائي والثانوي ف أنقرة ،درس
الداب ف جامعة ميمار سنان ف جامعة استنبول ،وف الثمانينيات بدأ بإصدار كتبه السياسية والدينية .هارون يي كاتب مشهور بكتاباته
.الت تدحض الداروينية وتعرض لعلقاتا الباشرة مع اليديولوجيات الدموية الدمرة
يتكون السم القلمي أو الستعار ،من اسي ‘’هارون’’ و’’يي’’ ف ذكرى موقرة للنبيّي الّلذَين حاربا الكفر واللاد ،بينما يظهر الات
النبوي على الغلف كرمز لرتباط العان الت تتويها هذه الكتب بضمون هذا الات .يشي الات النبوي إل أن القرآن الكري هو آخر
الكتب السماوية ،وأن نبينا ممدا صلى ال عليه وسلم هو خات النبيي .وف ضوء القرآن والسنة وضع الكاتب هدفه ف نسف السس
اللادية والشركية وإبطال كل الزاعم الت تقوم عليها الركات العادية للدين ،لتكون له كلمة الق الخية ،ويعتبهذا الات الذي مهر به
.كتبه بثابة إعلن عن أهدافه هذه
تدور جيع كتب الؤلف حول هدف واحد وهو نقل الرسالة القرآنية إل الناس ،وتشجيعهم على اليان بال والتفكر بالوضوعات اليانية
تتمتع كتب هارون يي بشعبية كبية لشرية واسعة من القراء تتد من الند إل أمريكا ،ومن إنكلترا إل أندونيسيا وبولندا والبوسنة
.والبازيل وإسبانيا؛ وقد ترجت بعض كتبه إل الفرنسية والنكليزية واللانية والبتغالية والردية والعربية واللبانية والروسية والندونيسية
لقد أثبتت هذه الكتب فائدتا ف دعوة غي الؤمني إل اليان بال ،وتقوية إيان الؤمني ،فالسلوب السهل والقنع الذي تتمتع به هذه
الكتب يقق نتائجا مضمونة ف التأثي السريع والعميق على القارئ .من الستحيل على أي قارئ يقرأ هذه الكتب ويفكر بحتواها بشكل
جدي أن يبقى معتنقا لي نوع من أنواع الفلسفة الادية .ولو بقي أحد يمل لواء الدفاع عنها ،فسيكون ذلك من منطلق عاطفي بت،
لن هذه الكتب تنسف تلك الفلسفات من أساسها .إن جيع اليديولوجيات الت تقول بنكران وجود ال قد دُحضت اليوم والفضل يعود
.إل كتب هارون يي
ل شك أن هذه الصائص مستمدة من حكمة القرآن ووضوحه؛ وهدف الكاتب من وراء نشر هذه الكتب هو خدمة أولئك الذين يبحثون
.عن الطريق الصحيح للوصول إل ال ،وليس تقيق السمعة أو الشهرة ،علوة على أنه ل يوجد هدف مادي من وراء نشر كتبه هذه
وعلى ضوء هذه القائق ،فإن الذين يشجعون الخرين على قراءة هذه الكتب ،الت تفتح أعينهم وقلوبم وترشدهم إل طريق العبودية ل،
من جهة أخرى ،يعتب تناقل الكتب الت تلق نوعا من التشويش ف ذهن القارئ وتقود النسان إل فوضى إيديولوجية ،ول تؤثر ف إزاحة
الشكوك من قلوب الناس ،مضيعة للوقت والهد ،أما هذه الكتب فمن الواضح أنا ل تكن لتترك هذا الثر الكبي على القارئ لو كانت
تركز على القوة الدبية للكاتب أكثر من الدف السامي الذي يسعى إليه ،ومن يشك بذلك يكنه أن يرى أن الدف الوحيد لكتب هارون
.يي هو هزية الكفر وتكريس القيم النسانية
ل بد من الشارة إل أن الالة السيئة والصراعات الت يعيشها العال السلمي ف يومنا هذا ليست إل نتيجة البتعاد عن دين ال النيف
والتوجه نو اليديولوجيات الكافرة ،وهذا لن ينتهي إل بالعودة إل منهج اليان والتخلي عن تلك الناهج الضللة ،والتوجه إل القيم
والشرائع القرآنية الت عرضها لنا خالق الكون لتكون لنا دستورا .وبالنظر إل حالة العال التردية والت تسي به نو هاوية الفساد والدمار،
.هناك واجب ل بد من أدائه وإل ...قد ل نصل ف الوقت الناسب
ل نبالغ إذا قلنا :إن مموعة هارون يي قد أخذت على عاتقها هذا الدور القائد ،وبعون ال ستكون هذه الكتب الوسيلة الت ستحقق
.شعوب القرن العشرين من خللا السلم والعدل والسعادة الت وعد با القرآن الكري
تتضمن أعمال الكاتب :النظام الاسون الديد ،اليهودية والاسونية ،الكوارث الت جرتا الداروينية على العال ،الشيوعية عند المبوش،
اليديولوجية الدموية للداروينية :الفاشية ،السلم يرفض الرهاب ،اليد الفية ف البوسنة ،وراء حوادث الرهاب ،وراء حوادث
الولوكوست ،قيَم القرآن ،الوضوعات 3،-2-1سلح الشيطان :الرومانسية حقائق 2،-1الغرب يتجه إل ال ،خدعة التطور،
أكاذيب التطور ، ،المم البائدة ،لول اللباب ،انيار نظرية التطور ف عشرين سؤالً ،إجابات دقيقة على التطوريي ،النب موسى ،النب
يوسف ،العصر الذهب ،إعجاز ال ف اللوان ،العظمة ف كل مكان ،حقيقة حياة هذا العال ،القرآن طريق العلم ،التصميم ف الطبيعة ،بذل
النفس وناذج رائعة من السلوك ف عال اليوان ،السرمدية قد بدأت فعلً ، ،خلق الكون ،ل تتجاهل ،اللود وحقيقة القدر ،معجزة الذرة،
العجزة ف اللية ،معجزة الهاز الناعي ،العجزة ف العي ،معجزة اللق ف النباتات ،العجزة ف العنكبوت ،العجزة ف البعوضة ،العجزة ف
نل العسل ،العجزة ف النملة ،الصل القيقي للحياة ،الشعور ف اللية ،سلسلة من العجزات ،بالعقل يُعرف ال ،العجزة الضراء ف
DNAالتركيب الضوئي ،العجزة ف البوتي ،أسرار .
وكتب الكاتب للطفال :أيها الطفال كذب داروين! ،عال اليوان ،عظمة السماوات ،عال أصدقائك الصغار ،النمل ،النحل يبن خليته
وتتضمن أعمال الكاتب الخرى الت تتناول موضوعات قرآنية :الفاهيم الساسية ف القرآن ،ال ِقيَم الخلقية ف القرآن ،فهم سريع لليان
3،-2-1هجر متمع الاهلية ،الأوى القيقي للمؤمني :النة ،القيم الروحانية ف القرآن ،علوم القرآن ،الجرة ف سبيل ال ،شخصية
النافقي ف القرآن ،أسرار النافق ،أساء ال ،تبليغ الرسالة والجادلة ف القرآن ،الفاهيم الساسية ف القرآن ،إجابات من القرآن ،بعث النار،
معركة الرسل ،عدو النسان الُعلن :الشيطان ،الوثنية ،دين الاهل ،تكب الشيطان ،الصلة ف القرآن ،أهية الوعي ف القرآن ،يوم البعث ،ل
تنس أبدا ،أحكام القرآن النسية ،شخصية النسان ف متمع الاهلية ،أهية الصب ف القرآن ،معارف عامة من القرآن ،حجج الكفر الواهية،
اليان التكامل ،قبل أن تتوب ،تقول رسلنا ،رحة الؤمني ،خشية ال ،كابوس الكفر ،النب عيسى آتٍ ،المال ف الياة ف القرآن ،مموعة
من جاليات ال 3،-2-1مدرسة يوسف ،الفتراءات الت تعرض لا السلم عب التاريخ ،أهية اتباع كلم ال ،لاذا تدع نفسك ،كيف
.يفسر الكون القرآن ،بعض أسرار القرآن ،ال يتجلى ف كل مكان ،الصب والعدل ف القرآن ،أولئك الذين يستمعون إل القرآن
مدخـــل
عزيزي القارئ ،فكر قليلً فيما تفعله عندما تستيقظ من النوم صباح كل يوم ،تفتح عينيك بعد نوم عميق وقد تأخذ
نفسا أو تعدل وضعك في الفراش .وبعد برهة تنهض لتتمشّى وتتناول فطورك الصّباحي وتغير ثيابك ،وقد تتحدث
مع من معك في البيت مثل والديك أو إخوتك .ثم بعد ذلك قد تخرج من البيت أو تطل من النافذة إلى الخارج،
وربّما شاهدت زرقة السماء ،أو رأيت طيرا يمر من أمام النافذة فتسمع صوته ،وقد ترى ورقة تسقط من شجرة
.فتلفت نظرك الثمار الناضجة في الشجار ،وقد تحسّ بحرارة الشّمس أو بسرعة الرّياح وهبوبها
قد ترى النّاس في الشوارع يسيرون كلّ إلى شأنه ،أي إنّه يوم عادي في حياتك ،وهذه المور التي نراها
.ونشاهدها يوميا ل تلفت انتباهك العميق لكونها وقائع يومية وعادية
ولنفترض أنك موجود في غرفة ،أي بين أربعة جدران منذ لحظة ولدتك ،لتكن هذه الغرفة عديمة المنافذ وتحتوي
على بعض قطع الثاث الضرورية ،وهناك نوع أو نوعان من الغذية والمشروبات تكفي لستمرار الحياة فقط.
ولنفترض كذلك عدم وجود أيّ جهاز يمكن بواسطته معرفة ما يجري في العالم الخارجي مثل الهاتف أو المذياع
.أو التلفزيون ،وبذلك تكون في شبه عزلة تامة عمّا يجري في الخارج
ولنفترض أنك أخرجت من هذه الغرفة فجأة ورأيت العالم الخارجي ،ترى عندئذ كيف سيكون استقبالك لهذا العالم
الخارجي؟ فهذا العالم واسع مترامي الطراف وأشعة الشمس تغمر وجهك ،وترى زرقة السّماء الصافية أو تللؤ
.النجوم إن كان الوقت ليلً ،أو بياض السّحب التي تلبّد السماء
وقد ترى الجبال الشّاهقة الممتدة في عنان السّماء أو الشللت التي تأسر عيون ناظريها ،وكذلك البحيرات و
البحار أو المطار التي تحمل بشارة الخير و بداية الحياة الخضراء ،وتشاهد الشجار الباسقة و الزهور الباهرة
.اللوان مثل البنفسج والقحوان والقرنفل
وتشعر بالنّشوة من رائحة الورود الزّكية مثل النيلج .وتشعر بالمذاق الطيب و النكهة الفائقة عندما تتناول فواكه
كالبرتقال و البطيخ والجّاص والفراولة (الشيليك) والموز والخوخ .وتخالجك مشاعر الرأفة و الشفقة عندما تشاهد
قطة أو كلبا أو أرنبا أو حتى غزالً ،وتأسرك المناظر الخاذة عندما ترى تناسق اللوان الجميلة في الفراش أو
.الطيور أو حتى في الحيوانات المائية
وعندما ترى كل هذا الجمال و التناسق و الروعة يثور في عقلك سؤال كبير ،من الذي صنع هذه الفسيفساء
الجميلة؟ ترى من الذي أضفى على الفواكه لونها و نكهتها الجذابة؟ عندما تتناول قطعة من الشمّام أو التفاح تشعر
بالمذاق اللذيذ ،ترى من أودع فيها هذا المذاق؟ كيف أصبح لبّ هذه الثمرة ذات القشور بهذه الحلوة؟ وعندما ترى
الترتيب المتقن للبذور داخل الثمار تسأل من الذي رتبها بهذا التقان الرائع ؟
وكل جديد تراه أو تتعلمه يزيد حدة الثارة داخلك و يجعل السئلة تزدحم في مخك وتتردد على لسانك كلمات
الستفهام :كيف ولماذا؟
وتبدأ بجمع المعلومات التي تبيّن لك حاجة ثمرة مثل البطيخ إلى البذور للتكاثر ،أو حاجة الطيور إلى الريش في
أجسامها كي تطير ،أو أهمية أشعة الشمس بالنسبة إلينا ،وكذلك تكتشف الهمية القصوى للكسيجين والماء لحياة
.الكائنات الحية ،وتكتشف أيضا أهمية البحار والمحيطات ،وكذلك النباتات في الحفاظ على التوازن البيئي
وبعد تحصيل كم من المعلومات تجد أن البذور المختلفة والشبيهة بقطعة الخشب تستنسخ نباتات مختلفة لختلف
الشّفْرة الوراثية التي تحتوي عليها .وبعد أن تكتشف المزيد من المعلومات تقترب شيئا فشيئا من سر هذه الفسيفساء
.الرائعة
وهذا الذي تتعلمه وتكتشفه في البداية يُ َعدّ قطرة في محيط واسع من الكائنات ،و بعد أن تكتشف أن هذه الكائنات
يرتبط وجودها بعضها مع بعض ،و أن هناك الكثير الذي لم تكتشفه بعد أو لم تره ،أو لم تسمع عنه من قبل ،وأن
الكون له مقاييس وأنظمة خارقة تنظم وجوده ،عندئذ فقط ل تملك سوى الحيرة والدهشة و العجاب .وكلما
خطوت خطوة في طريق المعرفة والستزادة من العلم يتبادر إلى ذهنك السؤال التالي :ترى كيف ظهرت هذه
الكائنات جميعها إلى الوجود؟ كيف ظهرت أنا إلى الوجود؟ مادام لكل شيء سبب ،إذن لماذا أنا موجود؟
عندما تخرج من غرفتك تلك التي مكثت فيها سنين عديدة ستصادفك الكائنات المختلفة ،اختلف في النواع ،روعة
في التصوير ،وحينئذ تبدأ السئلة تدور في ذهنك باحثة عن أجوبة ،وكل سؤال ل بد أن يحتوي على العبارة
”.التالية“ :من المؤكد أنّ هناك صانعا لهذه الكائنات
وعندما تبدؤون بالتفكير متخلّين عن الكسل الذهني والنظرة الرتيبة إلى حولكم ستتوصلون حتما إلى قناعة أكيدة
بوجود خالق لهذه الكائنات .و هذا هو بالضبط ما يجب على كل إنسان أن يفعله ،يجب على كل إنسان أن ينظر
.إلى الشياء بنظرة مختلفة ،نظرة فيها تفكر واعتبار
ومثلما تفترض بأنّ
هناك صانعا للجسر الذي تمر عليه كل يوم ،فهناك صانع لعظام جسمك التي تقترب صلبتها من صلبة
الفولذ الذي صنع منه الجسر .ول يمكن بأي حال من الحوال أن يقوم أحدهم بادعاء أن الحديد و الفحم قد اتحدا
بالمصادفة لينتجا الفولذ ،وأنّ الفولذ والسمنت قد اتحدا مصادفة ليصنعا الجسر؛ لن من يدعي هذا الدعاء ل بد
.أن يكون معتوها أو أن قواه العقلية مصابة بخلل
على الرغم من هذه الحقيقة فإن هناك من يدعي أن الكائنات سواء أكانت في كوكبنا أم خارجه قد ظهرت بمحض
.المصادفة ،وإنّ ضحالة هذا الدعاء واضحة لكل ذي عقل حصيف
واستمر المر على هذا الشكل ،أي إن المصادفة ل تكتفي بإيجاد الحياة في الماء فقط بل أوجدت هذه الحياة على
.اليابسة أيضا ،وبذلك كانت المصادفة العامل الرئيسي الذي ساعد سمكة ما في الخروج من الماء إلى اليابسة
وعن طريق المصادفة أيضا تحولت زعانف السمكة إلى أطراف أو أقدام ،حتى إن هذه المصادفة أيضا أكسبت
السمكة الرئات التي تستطيع بواسطتها أن تتنفس الهواء على اليابسة ،ولكن هذه المرحلة لم تكن كافية لظهور
.أنواع من الحياء البرية .واستمرت المصادفة في تأثيراتها
وكما سوف يتضح من الفصول القادمة لهذا الكتاب فإنّ الكائنات الحية ل تستطيع العيش إل عندما تحتوي أجسامها
ن فشل بعض هذه العضاء في أداء عملها يؤدي إلى عجز على أعضاء حياتية تؤدي عملها بصورة تامة ،و إ ّ
الكائن الحي عن الستمرار في الحياة ،ولن يكون بإمكانه الصمود سوى لبضع دقائق أو لبضعة أيام في أحسن
الحوال ،إلّ أن دعاة التطور يقولون :إنّ المصادفة كانت وحدها “المبدع” الذي فكر وصمم وأبدع هذه الكائنات
.الحية بكل تفاصيلها و بكل دقة وكمال وجمال
ويتضح لنا من هذه المثلة أنّ المصادفة بالنسبة إلى هؤلء صنم يستطيع أن يفعل ما يشاء ،وأن يعطي الشكل لي
جسم كيفما يريد أو أن يحول حيوانا ما إلى حيوان آخر .و عندما ينفذ هذه المور أو عندما يحول المواد غير
الحية إلى كائنات حية يحدد صفات مهمة مثل الرائحة والشكل والمذاق ،ويكسب هذه الصفات المرونة المناسبة
.تجاه أي تحول
وكذلك تستطيع المصادفة حسب ادّعاءاتكم أن توجد الفيتامينات داخل الفواكه ووفقا للمواسم التي تثمر فيها ،وأن
تكسب هذه الفواكه المرونة أو الصّلبة ،وأن تضفي عليها الرائحة والنكهة نفسها أينما وجدت هذه الفواكه ،كما أنّ
.المصادفة حسب هؤلء لها القدرة على أن تودع داخل البذرة أسرار الشّفْرة الوراثية المميّزة لكل نبتة
.إن ما ذكرناه يمثّل الخطوط الرئيسة التي تميّز تفكير أصحاب النظرية المادية ودعاة نظرية التطور
ل ذي عقل منصف وتفكير موضوعي ،كما
والحقيقة التي تبرز أمامنا هي استحالة القتناع بهذه الفكار من قبل ك ّ
.أنه يستحيل قَبول الفكرة التي تقول بأنّ المصادفة وحدها سبب ليجاد كل ما ذكرناه من قوانين في الطبيعة
وتصور عزيزي القارئ :هل تستطيع المصادفات أن تنشئ طريقا بريا سريعا؟ أو هل تستطيع هذه المصادفات أن
تنشئ شركات للنقل وتنظّم عملها بإتقان؟ والجواب مستحيل بالطبع .ومثلما كان من المستحيل أن تظهر شركة
للنقل مصادفة فمن المستحيل أن يظهر جهاز الدوران في جسم النسان مصادفة .ومثلما كان هناك من قام بقطع
الفولذ قطعة فقطعة لتكون المواد اللزمة لنشاء برج إيفل مثلً فهناك من حدد لهذه القطع أطوالها ،وهناك من
صمم للبرج شكله ،وثمّة من نفّذ هذا التصميم بتجميع هذه القطع ومن أكسب هذه القطع القوة و المتانة للحفاظ على
.بنية البرج سليمة
فإذن :هناك من خلق عظام النسان بهذه الطوال المختلفة ورتّبها في جسم النسان هذا التركيب المتناسق مع
شكله ،وبالتالي كان هذا ما نسميه الهيكل العظميّ .ول بد أن الذي خلق العظام بهذا الشكل الرائع ذو قوة خارقة،
ول بد أن تكون هذه القوة أقوى من أية قوة معروفة في الطبيعة وهي بل شكّ أكثر علما ول شبيه لها أبدا .إنّ ال
.عز و جل هو صاحب هذه القوة ،وهو الذي خلق السموات و الرض و ما بينهما
إن المقارنة التي أجريناها إضافة إلى المثلة التي تضمّنها هذا الكتاب تعكس لنا شيئا من قدرة ال تعالى على خلق
.الكائنات بهذه النواع المختلفة ،وك ّ
ل نوع من هذه النواع يحتوي على تفاصيل عميقة وكبيرة جدا
وعلى سبيل المثال :فإنّ هذا الكتاب يحتوي على شرح متعلق ببعض الصفات العامة للفراشات ،ولكن يوجد العديد
من الكتب الخرى تدور حول عين الفراشة بشكل خاص ،إضافة إلى كون الفراشات توجد بأنواع مختلفة وكثيرة
ل نوع له مميزاته وخصائصه .في الطبيعة ،وك ّ
وقد تناول هذا الكتاب أيضا بعض الخصائص المتميزة لجسم النسان بصورة عامة ،ولكن هناك العديد من
البحاث التي أجريت على عظام جسم النسان وتمخّضت عنها مجلدات ضخمة .و هناك كتب موسوعية حول
ن ثمة كتبا قد ألفت عن
عصب ما من أعصاب عين النسان ،وألفت كتب مستقلة عن أجنحة الفراشات ،حتّى إ ّ
.المادة التي تتكون منها أجنحة هذه الفراشات
وكل هذه المور تعتبر آيات صريحة على قدرة ال تعالى .ونستطيع أن نرى قدرة ال في كل مكان ،ويستطيع كل
ذي عقل أن يرى العظمة اللهية في كلّ آنٍ ولحظة ،ويستطيع كلّ إنسان أن يستوعب هذه العظمة بمقدار مستواه
العقلي والوجداني ،وما على النسان الذي يرى هذه القدرة اللهية اللمتناهية والمعجزة اللهية في التصوير
:الخارق إل أن يعود بسرعة إلى ال ويعمل لمرضاته سبحانه وتعالى
النعام{ 102 : ل{
يءٍ َوكِي ٌ
عبُدُوهُ وَهُ َو عَلَى كُلّ شَ ْ
ل شَيْ ٍء فَا ْ
ق كُ ّ
ذَِلكُمُ الُ َرّبكُ ْم لَ إِلَهَ إِل هُوَ خَالِ ُ .
و بعد أن حظيت هذه النظرية بقَبول واسع في دنيا العلم ،لم يكن عاديا إثبات أن جميع النظمة الخارقة التي تحكم
الكون قد ظهرت إلى الوجود بفعل النفجار العظيم؛ لن آلف النفجارات تحدث في أي مكان من هذا الكوكب أو
في أيّ مكان في الكون .فهناك انفجارات لقنابل نووية أو هيدروجينية أو انفجارات محورية “تحت سطح الرض”،
أو انفجارات بركانية ،وحتى انفجارات تحدث نتيجة اشتعال الغاز الطبيعي ،وتوجد كذلك انفجارات تحدث في
.الشمس
وباختصار :فإنّ أي انفجار يحدث ل بد أن يتسم بطابع تدميري و تخريبـي ،ول يوجد أي انفجار يعقبه أثر بنّاء
ن هذا النفجار العظيم قد كان سببا للنتقال من العدم إلى وإيجابي .ولكن العلم الحديث أثبت بوسائله المتقدمة أ ّ
.الوجود وبكل توازن ودقة وإتقان
ولنتفحص معا المثال التي :لنفترض أن انفجارا قد وقع تحت سطح الرض ،وكان من نتيجته أن ظهر إلى
الوجود قصر من أفخم ما يكون و بجميع غرفه وأثاثه و نوافذه و أبهته .هل يمكن لنا أن نقول بأن المصادفة كانت
.سببا في ظهور هذا القصر؟ هل يمكن لهذا الحدث أن يقع من تلقاء نفسه؟ بالطبع ل
أما ولدة الكون نتيجة النفجار العظيم فل يمكن مقارنته بالمثال السابق لكونه ظهورا خارقا و رائعا بكل
.المقاييس .فالدقة المتناهية موجودة في كل صغيرة وكبيرة من هذا الكون ،ويحكمه نظام خارق أيضا
فإذن :إنّ التشبث بالدعاء القائل بأن “الكون ظهر من تلقاء نفسه” ُيعَدّ أمرا ل منطقيا ،وإنّ هذا الحدث يثبت لنا
ن هذا
وجود خالق للمادة من العدم ،وإن هذا الخالق يسيطر على هذه المادة كل لحظة و يمنحها مميزاتها ،وإ ّ
.الخالق لبد أن يكون ذا قوة وعلم ل حد لهما .إن هذا الخالق القويّ هو ال البارئ المصور جل جلله
مفهوم التساع في الفضاء
توجد أنظمة تتحكم في الكون ل يمكن عدها ،ونحن في أدق تفاصيل حياتنا ،عندما نقرأ كتابا أو نمشي أو ننام،
نكون تحت مراقبة ال عز وجل و دون أن نشعر بهذه المراقبة .ولقد خلق ال عز وجل النظمة التي تحكم الكون
بهذه التفاصيل الرائعة كي يستطيع النسان من خللها أن يستوعب عظمة قدرته .وكلم ال عز وجل في القرآن
الكريم موجه لبني النسان مبينا سبب خلق هذه النظمة الكونية ،فقد ورد في سورة الطلق ما يلي { :الُ اّلذِي
ل َقدْ أَحَاطَ
ي ٍء َقدِيرٌ وَ أَنّ ا َ
ل عَلَى كُلّ شَ ْ لمْ ُر َبيْ َنهُنّ ِلتَعَْلمُوا أَنّ ا َ
لاَ
ض ِمثَْلهُنّ َي َتنَزّ ُ
ن الَرْ ِ
سمَاوَاتٍ َو مِ َ
سبْعَ َ
خَلَقَ َ
شيْ ٍء عِلْما {الطلق 12، :و يحتوي الكون على أنظمة خارقة ورائعة وبديعة يعجز عقل النسان عن ِبكُلّ َ
.استيعابها
وعلى سبيل المثال ،كلنا يعلم مدى اتساع الكون وكبره ،ولكن لو بدأنا بالتفكير حول حدود كبر الكون لبدت أمامنا
مفاهيم ل يمكن أن نتخيلها ،فقطر الشمس أكبر بـ 103مرة من قطر الرض ،ولنبسّط هذا المثال بأن نفترض
.أن الرض بحجم الدّعبل (الكرة الزجاجية الصغيرة التي يلعب بها الطفال) عندئذ تكون الشمس بحجم كرة القدم
والمثير هنا هو المسافة الفاصلة بين الرض والشمس ،فلو رجعنا إلى المثال المبسط تكون الكرة الزّجاجية على
بعد 280مترا من كرة القدم اعتمادا على المقاييس الحقيقية ونسبة تصغيرها .أما الكواكب السّيارة الخارجية
.الموجودة في مجموعتنا الشمسية فتكون عندئذ على مسافة كيلومترات عديدة
ومن خلل هذا المثال نستطيع أن نتخيل حجم مجموعتنا الشمسية الهائل .ولكن لو قارنا حجمها بحجم مجرة درب
التبانة التي هي جزء منها ،فالنتيجة تكون هائلة جدا؛ لن هذه المجرة تحوي نجوما غير شمسنا وأغلبها أكبر
.حجما ،ويربو عددها على 250مليار نجمة
ن مجرتنا تغدو صغيرة و تستقر شمسنا على أحد أذرع مجرة درب التبانة ذات الشكل الحلزوني ،والمحيّر هنا أ ّ
جدا لو قارناها بالفضاء الشاسع المترامي الطراف؛ لن الفضاء يحتوي على مجرات أخرى يقدر العلماء عددها
.بـ 300مليار مجرة
إن هذه المثلة التي أوردناها عن حجم الجرام السماوية وطريقة توزيعها في الكون والعظمة التي هي عليها
ن ال ذو القوة المتين سبحانه و تعالى .تعكس لنا قدرة ال التي ل حد لها ،وأنّه ل شريك له في هذه القدرة ،وأ ّ
س ْم َكهَا فَسَوّاهَا{
سمَا ُء َبنَاهَا ٭ َرفَعَ َ
خلْقَا أَمِ ال ّ
شدّ َ
ويدعونا القرآن الكريم إلى التفكّر و التأمل في ملكوت ال { :أََأ ْنتُمْ َأ َ
النازعات28. - 27 :
والمفترض في هذه البلّورات هو أن تتخذ الشكل نفسه مهما اختلفت الحرارة والرطوبة ،ولكنّ الذي يحصل هو أن
شكلها يختلف باختلفهما .لماذا توجد هذه البلورات المتناسقة ذات الشكل المضلع السداسي في كل قطعة ثلج؟
ف هذه الشكال ذات زوايا بدلً من أن تكون
ل مختلفا إحداها عن الخرى؟ لماذا تكون حوا ّ ولماذا تأخذ شك ً
مستقيمة؟ ول زال العلماء مستمرين في أبحاثهم سعيا وراء العثور عن الجوبة 2 .
ولكن الحقيقة الواضحة أن ال فاطر السموات والرض هو الذي خلق كل شيء و سَوّاه .ل شريك له وهو الحد
.الصمد
فنادق النمل
لو أقدم كائن حي على مدّ يد العون لكائن حي آخر كأن يوفر له الوسط الملئم للعيش ويلبي احتياجاته المختلفة،
فإن مثل هذا التعاون ل يمكن أبدا أن يكون نتيجة المصادفة .فالتّعايش الموجود بين الكائنات الحية المختلفة،
والتعاون المتبادل فيما بينها يعكسان كونها وجدت بالخلق من قبل عقل مدبر .فهذه الكائنات الحية خلقها ال البارئ
المصور ومنحها هذه الصفات التي بموجبها تتعاون وتتكافل بعضها مع بعض .ومن أبسط المثلة على هذا التكافل
.بين الحياء هو التكافل الموجود بين النباتات و النمل
تحتوي بعض النباتات على تجاويف خاصة تدعى علميا بـ “ دوماتيا” (كما يرى في الصفحة المقابلة ،الشكل
الصغير) ،والوظيفة الوحيدة لهذه التجاويف أنها ُتعَ ّد مسكنا ملئما لنشاء مستعمرات النحل .وتحتوي هذه النباتات
على فتحات أو أغشية رقيقة يستطيع من خللها النمل أن يعبر إلى الشجرة أو يرجع منها .وتحتوي التجاويف
بدورها على ما يجمعه النمل من المواد الغذائية التي تكونها النبتة نفسها لتتغذّى بها .وهذه المواد الغذائية تنتج
خصوصا لتغذية النمل ،ولم يثبت إلى الن أية فائدة للمواد الغذائية المذكورة بالنسبة إلى النبتة10 .
ن هذه التجاويف “دوماتيا” مخلوقة خصوصا كي تؤوي بداخلها النمل .ونسبة الرطوبة ودرجة وباختصار :فإ ّ
الحرارة داخل هذه التجاويف توفر وسطا ملئما لمعيشة النمل .و يمكن تشبيه هذه التجاويف التي يجد فيها النمل
.كل وسائل الراحة بالفنادق من الدرجة الممتازة التي توفر كل وسائل الراحة للزبائن
وهناك مثال آخر على التكافل بين الحياء وهو الموجود بين أحد أنواع النمل المدعو “فيليدريس” و النبات المدعو
“ديشيديا ميجور” ،فهذان الكائنان الحيان يشتركان طوال حياتهما في إنتاج مواد كيميائية مشتركة .وهذا النبات
عديم الجذور ،ولهذا السبب فإنه يتسلق و يلتف حول باقي النباتات وله أسلوب فريد من نوعه لتوفير أكبر كمية
.ممكنة من الكربون والنتروجين
فالنمل المذكور له مخازن داخل هذا النبات يقوم باستخدامها لرعاية صغاره وخزن الفضلت العضوية
(كالحشرات الميتة أو أجزاء الحشرات .)...وتدعى هذه المخازن بـ “ورقة النمل” ،ويقوم النبات باستخدام هذه
.الفضلت كمصدر للنتروجين
من جهة أخرى ُت َعدّ التجاويف الداخلية لهذه الوراق مصدرا لثاني أكسيد الكربون الذي يطلقه النمل ،و بهذه
الطريقة يتم التقليل من طرح الماء عبر المسامات الموجودة 11 .
وعلى الرغم من وجود هذا النبات في مناطق استوائية إل أنه ل يستطيع امتصاص الماء في التربة لنعدام
.جذوره ،لذا فإن النّمل يوفر للنّبات عنصرين حياتيين مهمين مقابل أن يعيش بداخله
ل معينا ملئما لمعيشة النملومن المستحيل أن تكون المصادفة كما في المثالين السابقين سببا في اتخاذ النبات شك ً
أو إنتاجه مواد غذائية خاصة بتغذية النمل ،وما هذا التكافل بين النمل والنبات سوى دليل على التوازنات الدقيقة
.التي تحكم الطبيعة والتي وضع قواعدها خالق واحد لهذا الوجود ،وهو ال جل جلله
الغدة النخامية
117
132
اليعسوب
نملة