You are on page 1of 4

‫*‬

‫أسرار الجور والمرتبات فى الحكومة‬


‫بقلم ‪ /‬عبد الخال قاروق‬
‫الخبير فى الشئون القتصادية‬

‫تواجه الدارس غير المتخصص فى قضايا الجبور والمرتببات فبى مصبر بببوجه‬
‫عام وفى القطاع الحكومي بوجه خاص‪ ،‬مشببكلت مركبببة ومعضببلت متشببابكة‪،‬‬
‫بعضها يعود إلى غياب القاعدة الحصائية التفصيلية لشببكل ونمببط توزيببع الجببور‬
‫والمرتبات وغيرها مبن صببور وأشبكال التعويضببات الجريببة ‪ consumptions‬مثبل‬
‫الحوافز والمكافآت والبببدلت والجببور الضببافية والعلوات الدوريببة والتشببجيعية‬
‫وغيرها مما بات يسمى فى الفقه الداري المصببري " الجببور المتغيببرة " والببتي‬
‫يزيد عددها عن ‪ 30‬شكل وبدل مختلف‪.‬‬
‫وبعضها الخر يرجع الى كثرة القوانين واللببوائح ) القببرارات التنفيذيببة ( الببتى‬
‫تتناول وتنظم قضايا تسويات العاملين وشئونهم الوظيفية والمالية ‪.‬‬
‫ثم هناك أخيببرا صببعوبات تتعلببق بغيبباب الشببفافية الماليببة والمحاسبببية الببتى‬
‫تسببهل علببى الببدارس والمحلببل القتصببادي التعببرف بدقببة علببى هياكببل الجببور‬
‫والمرتبات الحقيقية بعد خصم الضرائب واستقطاعات التأمينات وغيرها‪.‬‬
‫كمببا يببؤدى غيبباب الخلفيببة الداريببة والقانونيببة والماليببة لببدى بعببض الببباحثين‬
‫والدارسين فى هببذا الحقببل المعرفببي الببى وقببوعهم فببى أخطبباء فادحببة ونتببائج‬
‫خاطئة ‪ ،‬كما حدث مثل فى التقريببر القتصببادي السببتراتيجي لعببام ‪ 2002‬الببذى‬
‫صدر عن مركز الدراسببات السياسببية والسببتراتيجية بببالهرام ‪ ،‬والببذي تضببمنت‬
‫صفحاته الثلثة عشر التى تعرضت لموضوع الجور والمرتبات أثنتا عشببرة خطببأ‬
‫معلوماتي ‪ ،‬علوة على ثلثة أخطاء منهجية قاتلة‪ ،‬وهو موضوع تعرضت إليه فببى‬
‫كتابي الجديد المزمع نشره فى السابيع القليلة القادمة‪.‬‬
‫المهم ‪ ..‬ل يستطيع الدارس الخبير فى دهاليز الدارة الحكومية الخطبوطية ‪،‬‬
‫فهم السباب الخفية وراء هذا الرقم أو ذاك ‪ ،‬ولماذا تزيد الجور والمرتبببات فببى‬
‫هذه المصلحة الحكومية أو تلك عن غيرها من المصالح الحكومية الخرى ‪ ،‬حببتى‬
‫لو كانت داخل نفس التقسيم التنظيمي للوزارة نفسها ؟‬
‫هنا ينبغي أن نشير إلى حقيقة خفية ل يعرفها من هم خارج العمببل الحكببومي‬
‫المصببري ‪ ،‬والببتي نسببميها دور "علقببات القببوى والنفببوذ" داخببل بنيببة الجهبباز‬
‫الحكومي كله‪ ،‬حيث يقوم هذا التفاوت فى الجور والمرتبات ليس علببى أسبباس‬
‫قانون العاملين بالضرورة وإنما لسببين مختلفين هما‪:‬‬
‫‪-‬الول‪ :‬سبب شخصببي يتمثببل فببى درجببة نفببوذ وقببوة علقببات رئيببس هببذه‬
‫الوحدة الدارية أو تلك‪ ،‬سواء كان علببى درجببة وزيببر أو رئيببس مصببلحة أو هيئة‪،‬‬
‫وقوة النفببوذ تلببك ترتببط بمبدى قرببه أو بعببده عبن ثلثبة أشببخاص داخبل هبرم‬
‫السلطة الحكومية هم على الترتيب‪ ،‬رئيس الوزراء ووزير المالية ورئيس الجهبباز‬
‫المركزي للتنظيم والدارة‪.‬‬
‫‪-‬الثاني‪ :‬سبب موضوعي يقوم على مدى قوة وفاعليببة ونفببوذ هببذه الوحببدة‬
‫الدارية داخل النظببام الداري المصببري‪ ،‬والببتى تسببمح بببدورها بتعزيببز مواردهببا‬
‫المالية أو اعتماداتها السنوية بما يتجاوز فبى أحيبان كبثيرة العتمببادات المدرجببة‬
‫فى موازنة هذه الوحدة الدارية فى بداية السنة المالية ) يببوليه مببن كببل عببام (‬
‫ومن أبرز هذه الجهات ما أسميهم الجهات العشببر الكبببرى ومنهببا وزارة الماليببة‬
‫والجهاز المركزي للتنظيم والدارة ورئاسة الجمهوريببة ورئاسببة مجلببس الببوزراء‬
‫وهيئة البنيببة التعليميببة والجهبباز المركببزي للمحاسبببات وزارة الداخليببة ووزارة‬
‫التخطيط والمخابرات العامة وبعض الجهات التى ينظمها قوانين الكادر الخاص‪.‬‬
‫*‬
‫الجور المتغيرة وما نتج عنها‪:‬‬
‫ومن الصعوبات أيضا التي ل يدركها كببثير مببن الدارسببين والببباحثين فببى هببذا‬
‫المجال‪ ،‬التغير الهائل الذي طرأ على هياكل الجببور والمرتبببات خلل العشببرين‬
‫عامببا الخيببرة – وتحديببدا منببذ عبام ‪ – 1987‬فغيببرت شبكل ملمحهبا ومكوناتهببا‬
‫بصورة كبيرة‪ ،‬ومن أبرز هذه التغيرات تعاظم دور ما يسمى "الجببور المتغيببرة"‬
‫فى فاتورة الجور والمرتبات مقارنة بما يسمى "المرتببب الساسببي" الببذي ورد‬
‫فى الجداول الملحقة بقوانين العاملين والذي لم يعد يمثل أي شيء حقيقي الن‬
‫)بداية مربوط الدرجة المالية ونهايتها( ‪.‬‬
‫ومن أبرز هذه الجور المتغيرة الببتى أصبببحت جببزءا أساسببيا ومكمل للمرتببب‬
‫الساسببي للمببوظفين مببا أسببتحدث فببى يببوليه مببن عببام ‪ 1987‬تحببت مسببمى‬
‫"العلوات الخاصة"‪ ،‬حيث أضيفت علبى مرتبببات العباملين بنسببب تراوحببت بيبن‬
‫‪ %20‬الى ‪ %10‬سببنويا )مقاببل ‪ %300‬للبوزراء ولرئيبس الجمهوريبة( وأسببتمر‬
‫العمل بها منذ ذلك التاريخ حتى يومنا بحيث زاد الدخل الببوظيفي للعبباملين خلل‬
‫السبعة عشر عاما الماضية بنحو ‪ %250‬فى المتوسط‪.‬‬
‫وهذه الجور المتغيرة )العلوات الخاصة والحوافز والمكافببآت شبببه الشببهرية‬
‫والبدلت والعلوات والجور الضافية ‪..‬الخ( قببد أصبببحت تشببكل أكببثر مببن ثلثببة‬
‫أضعاف المرتب الساسي للعاملين بالجهاز الداري للدولة والهيئات العامببة دون‬
‫الغالبية الساحقة العاملين فى المحافظات ‪ .‬وهببذا هببو السببر وراء هببذا التفبباوت‬
‫الواسع بين العاملين بالحكومة حتى لو كانوا زملء دراسببة حصببلوا علببى نفببس‬
‫المؤهل ونفس سنة التخرج ومدد الخدمة وغيرها من عناصر التساوي ‪ ،‬فببإذا بنببا‬
‫الن أمببام سببيرك للجببور والمرتبببات يخببالف الدسببتور )المببادة ‪ 40‬الخاصببة‬
‫بالمساواة بيببن المببواطنين أصببحاب نفببس المراكببز القانونيببة( علوة عببن كببونه‬
‫الرافعة الساسية لكل مظاهر الفساد والفسبباد المنتشببر فببى معظببم المصببالح‬
‫الحكومية خاصة فى المحليات ‪.‬‬

‫الجور الحقيقية تقل عن المعلنة بنحو ‪ %25‬إلى ‪%30‬‬


‫كما يتوه عن الكثيرين التمييز بيببن ثلثببة معبباني مختلفببة للجببور أو المرتبببات‬
‫بالقطاع الحكومي وهى‪:‬‬

‫‪-1‬ما تعلنه الحكومة سنويا عن اعتمببادات الجببور والمرتبببات للعبباملين بالحكومببة وهببو‬
‫رقم أجمالي أو يسمى إجمالي المستحقات‪.‬‬

‫‪-2‬وما يدخل جيب الموظف فعل ‪ ،‬أي الجببور المسببتحقة بعببد خصببم ضببرائب‬
‫الدخل والتأمينات وغيرهببا مببن الخصببومات الببتى لتببتراوح حاليببا بيببن ‪ %15‬إلببى‬
‫‪ %30‬فى المتوسط ‪ ،‬بينما لم تكن هذه الخصومات تزيد عبن ‪ %13‬فببى الجببور‬
‫والمرتبات طوال عقدي الستينات والسبعينات‪.‬‬
‫‪-3‬ثم أخيرا هناك ما يسمى "الجور والمرتبات الحقيقيببة " بعببد احتسبباب أثببر‬
‫التضخم وارتفاع السعار والتي أدت فعليا الى تآكل القيمة الشببرائية لهببذا الجببر‬
‫أو المرتب ‪.‬‬
‫لذا فأن المفاوضات التى تجرى بين الحكومة أو رجال العمال من جهة وبيببن‬
‫نقابات وممثلي العمال والموظفين فى الدول المتحضببرة أو المتقدمببة غالبببا مببا‬
‫يدور النقاش والجدال فيها حول ماهية الرقم القياسببي للسببعار الببذي يجببب أن‬
‫يستخدم فبى حسباب التضبخم وارتفباع أسبعار الحاجبات الضببرورية والساسبية‬
‫للعاملين وأصحاب الجور والدخول المحدودة ‪ ،‬حيث يميببل ممثلببي العمببال الببى‬
‫استخدام ما يسمى رقم قياسي "لسبيرز" بينما يصر رجال المال والعمال على‬
‫استخدام رقم قياسي أخببر يظهببر ارتفبباع السببعار بأقببل مببن قيمتببه الحقيقيببة و‬
‫يسمى " باش "‪.‬‬

‫الحساب الختامي واعتمادات الموازنة فى قانون الربط‬


‫وهناك صعوبة أخرى فببى دراسببة الجببور والمرتبببات بالقطبباع الحكببومي فببى‬
‫مصر‪ ،‬غالبا ما ل تحظى باهتمام وتدقيق الباحثين المصريين‪ ،‬إل وهى الفارق بين‬
‫ما يدرج من اعتمادات أو مخصصات فى مجلببدات الموازنببة العامببة للدولببة فببى‬
‫بداية السنة المالية )الذي يسمى قانون ربط الموازنة( وبيببن التصببرفات الماليببة‬
‫الحقيقية التى يظهرها "الحساب الختامى" للموازنة‪ ،‬حيث غالبا ما يأتي الحساب‬
‫الختامي للميزانية ‪ ،‬مختلفا عما سبق إدراجببه مببن مخصصببات فببى قببانون ربببط‬
‫الموازنة العامبة البتي سببق وعرضبت علببى مجلبس الشبعب ونبالت مبوافقته‪.‬‬
‫ودائما ما يكون الفارق بين الثنين يدور حببول ‪ %10‬زيببادة أو نقصببانا فببى بعببض‬
‫أبواب النفاق‪.‬‬
‫وبرغم أن الدستور المصري وقانون الموازنببة العامببة للدولببة رقببم ‪ 53‬لسببنة‬
‫‪ 1973‬وتعببديلته بالقببانون رقببم ‪ 11‬لسببنة ‪ 1979‬ينصببان علببى ضببرورة عببرض‬
‫الحساب الختامي على مجلببس الشببعب خلل فببترة ل تتجبباوز سببتة أشببهر الببى‬
‫ثمانية أشهر من السنة المالية المنتهية ‪ ،‬حببتى يتمكببن المجلببس التشببريعي مببن‬
‫محاسبة ومراقبة الحكومببة علببى أدائهببا المببالي ‪ ،‬فببان الجبباري فعل هببو أن هببذا‬
‫الحساب الختامي ل يقدم إل بعد مرور سببنتين وأحيانببا ثلث سببنوات مببن انتهبباء‬
‫السنة المالية ‪ ،‬مما أفقد المجلس أي قدرة على الرقابة والمحاسبببة ‪ ،‬وممببا زاد‬
‫الطين بله منذ تولى الوزير السابق " د‪ .‬مببدحت حسببنين " وبعببض معبباونيه هببو‬
‫تعمد إخفاء مجلدات الحساب الختامي عن الببرأي العببام المتخصببص ‪ ،‬ول يجببرى‬
‫عرض نسخ منها فى بعببض المكتبببات الحكوميببة مثببل وزارة التخطيببط أو معهببد‬
‫التخطيط القومي أو كلية القتصاد والعلببوم السياسببية أو غيرهببم مببن المكتبببات‬
‫الحكومية ‪ ،‬بينما كان نفس الشخاص قبل تولى المنصببب الببوزاري يستصببرخون‬
‫من المعاناة فى الحصول على المعلومات والبيانات !!‬

‫التأشيرات العامة ومخالفتها للدستور والقانون‬


‫كما درجت الحكومات المتعاقبة‪ ،‬خاصة منذ منتصف السبعينات وحتى سنوات‬
‫قليلة ماضية على مخالفة الدسببتور والقببانون‪ ،‬والتحايببل علببى أعضبباء المجلببس‬
‫التشريعي واعتمادا على جهلهم بالموازنة وأساليبها الفنية‪ ،‬وذلك بتضمين قببانون‬
‫الربط‪ ،‬بعض المواد فيما يسمى "التأشببيرات العامببة" الببتي تنببص علببى أمكانيببة‬
‫تعديل وزير المالية ورئيس الوزراء بعض العتمادات المدرجة فيهببا دون الرجببوع‬
‫الى مجلس الشعب والحصول على موافقتهببا مجببدا علببى تلببك التعببديلت الببتى‬
‫غالبا ما تمس هيكل وبنية الموازنة العامة كلها‪ ،‬وتحولها الى موازنة أخرى تمامببا‬
‫غير تلك التى سبق ونالت موافقة المجلس‪ ،‬وهو مببا يعببد احتيببال قانونيببا وتلعبببا‬
‫بالمجلس وأعضائه‪ ،‬ولعنا نتذكر ما جرى فى أبريل من عام ‪ 2000‬حينمببا عببرض‬
‫د‪ .‬مدحت حسنين – وزير الماليببة فببى ذلببك الحيببن – الحسبباب الختببامي للسببنة‬
‫المالية ‪ 98/1999‬وتبين خللها أن الهيئات القتصادية قد حصلت على دعم مالي‬
‫من الموازنبة يقبدر بنحبو ‪ 5‬مليبار جنيبة دون أن يكبون ذلبك مبدرجا فبى قبانون‬
‫الموازنببة لببذلك العببام ودون الحصببول علببى الموافقببة المسبببقة مببن المجلببس‬
‫التشريعي والرقابي الول فى الدولة نظريا على القل‪.‬‬
‫هذه هي بعض أهم الصعوبات التي تواجه الدارس الجاد والمتعمق فى شببئون‬
‫الموازنة العامة للدولة المصرية ‪ ،‬وباب الجور والمرتبات تحديدا ‪ ،‬علوة بببالطبع‬
‫على المشكلت الفنية والمحاسبية التى سوف نتعرض لهبا فببى مقبال أخبر عنببد‬
‫مناقشة الموازنة الجديدة التي أعدها الوزير السليط يوسف بطرس غالى‪.‬‬
‫والخلصة التي نود أن نقدمها هنا لبعض الببباحثين فببى مراكببز البحبباث ولببدى‬
‫السياسببيين وأعضبباء مجلببس الشببعب الببذين يرغبببون فببى التصببدي لمثببل هببذه‬
‫التجبباوزات الخطيببرة هببو البببدء فببى امتلك ثلثببة خبببرات نظريببة وعمليببة هببى‬
‫المعرفة القتصادية الجيدة ‪ ،‬والخبرة الدارية العملية ثم أخيرا الخلفيببة القانونيببة‬
‫والمالية خاصببة مببا يتعلببق منهببا بالقببانون الداري ‪ ،‬وأنببا شخصببيا علببى اسببتعداد‬
‫لتقديم دورات تدريبية مجانية لكل هببؤلء ‪ ،‬إذا مببا تببولى الحببزب الناصببري أو أى‬
‫جمعية أهلية غير هادفة للربح تنظيم مثل هذه الدورات لعضاء مجلببس الشببعب‬
‫أو غيرهم من المهتمين ‪ ،‬والله والوطن من وراء القصد ‪.‬‬

You might also like