You are on page 1of 13

‫كل حرب تبدأ من الكلمة‪ .‬وبالكلمة تنتهي‪ .

‬واليوم‪ ،‬حتى الصغير‪ ،‬أصبح يعرف إن‪ :‬الحرب هي استمرار للسياسة ولكن بوسائل أخرى‪ ...‬واليكم‬
‫المثال النموذجي والمعروف جدًا والذي يؤكد تلك المقولة‪ :‬الحرب الباردة بدأت منذ أن ألقى تشرشل خطابه في فولتون عام ‪ .1946‬وفورا "بعد أن‬
‫انتصرت الوليات المتحدة المريكية وحلفاؤها الغربيون في تلك الحرب الباردة باشر هؤلء أنفسهم حربا" جديدة ـ من اجل السيطرة الكاملة على‬
‫العالم‪ .‬وهذه يمكن تسميتها "حرب الكلمات" ذلك أنها بدون إراقة دماء وربما من دون طلقة واحدة قادرة على ابادة الجيوش الوطنية وزعزعة‬
‫الحدود الدولية والقومية‪ ،‬وتقويض استقرار شعوب بأكملها‪ .‬والسلح الساسي في هذه الحرب ـ العولمة !!‬

‫لشك إن العولمة ظاهرة متعددة الوجه ومعقدة للغاية‪ .‬ومن المستحيل الخوض في التفاصيل من خلل مقال واحد مهما كبر‪ .‬ولكن سنحاول الوقوف‬
‫على بعض الجوانب الرئيسية والمفتاحية‪ ،‬من وجهة نظرنا‪ ،‬والتي ستقدم تصوراً كافياً عن هذه العملية ككل‪.‬‬

‫مهما بدا ذلك غريباً فان أفكار العولمة‪ ،‬حقيقة‪ ،‬لم تظهر لول مرة ل في نهاية القرن العشرين ول في أمريكا أو أوروبا الغربية‪ .‬وإنما يمكن القول أن‬
‫أول "إنسان عولمي" في تاريخ البشرية كان‪ ..‬السيد المسيح! هو بالضبط الذي أعلن‪ ،‬ومنذ أكثر من ألفي عام أن ما يجب أن يوحّد البشرية ليس‬
‫النتماء لعرق أو لشعب أو دولة ما‪ ..‬وان ما يوحدها هي "فكرة علوية" حول الخوة والمساواة الكاملة‪ .‬لكن قطعاً لم يكن السيد المسيح يقصد أن‬
‫تحكمنا حكومة عالمية ول حتى قداسة البابا في روما‪ ،‬والذي لم يرد ذكره على لسان يسوع‪ ،‬بل ما قصده المخلص هو الب السماوي‪.‬‬

‫أفكار العولمة على طريقة " السيد المسيح " كانت تفهم وتطبّق‪ ،‬في القرون الوسطى‪ ،‬من قبل أقوياء العالم بشكل مباشر ووحيد الجانب‪ :‬مبشّرين‬
‫بعقيدتهم وبالتالي بإيديولوجيتهم‪ ،‬إن رجالت الكنيسة كانوا يضطهدون مخالفيهم في الرأي بالحديد الملتهب وحاولوا تصفية أصحاب "الرأي الخر"‬
‫بالحرق أو شنوا الحملت الصليبية ضد "الكافرين“‪ .‬وقد مارس الملوك نفس الشيء وبنفس الساليب ولكن بشكل أوسع‪ ..‬إذ لم تتوقف الحروب في‬
‫أوروبا ـ فعلى امتداد ألفي سنة من التاريخ الحديث لم تعرف أوروبا ما مجموعه أكثر من عشرين سنة هدوءاً وبدون حروب !!‬

‫لكن المر تغير قليلً مع نشوء وتمكن الفكار ما فوق الوطنية لمفكرين اشتراكيين ‪ -‬طوباويين من أمثال سان ‪-‬سيمون وفورييه أو من هم اقرب إلينا –‬
‫الشيوعيون‪ :‬ماركس وانجلس ولينين‪ .‬فبالنسبة لهؤلء حلّت "فخامة البروليتاريا" مكان ال كمركز موحّد جامع للعالم‪" ..‬يا عمال العالم اتحدوا" ــ‬
‫تحت هذا الشعار انطلقت أضخم واغرب تجربة سياسية أممية في التاريخ‪ :‬بداية في جمهورية فرنسا القرن التاسع عشر‪ ،‬ومن ثم على سدس الكرة‬
‫الرضية ـ روسيا وبعدها كل العالم‪.‬‬

‫ل من الشتراكيين ‪ -‬المميين جاء العولميون ‪ -‬المحدثون من "موجة جديدة"‪ ،‬مع أفكارهم الخاصة حول القتصاد الممي ومع فكرة حكومة‬
‫واليوم بد ً‬
‫عالمية واحدة‪.‬‬

‫الملفت للنظر انه مع كل انقلب سياسي جديد نرى المنتصرين يلجأون فقط إلى تغيير الغطاء اليديولوجي للصلحات الجارية‪ .‬في حين إن جوهر‬
‫هذه الخيرة هو هو ذاته‪ :‬السيطرة "ما فوق الحكومية"‪ ،‬و"ما فوق الوطنية"‪ ،‬والكاملة للقلية الشوفينية على شعب بلد معين‪ ،‬ومن ثم على شعوب كل‬
‫العالم‪.‬‬

‫كما قال أحد المفكرين إن السياسة هي تكثيف للقتصاد‪ .‬أما أنا فسأغامر وأضيف لذلك المفكر وأقول‪ :‬إن الهرطقة الكلمية لجميع أولئك " الـ‪ ..‬يين"‬
‫هي مجرد غطاء تكتيكي للوصول إلى هدف استراتيجي واحد ‪ -‬أل وهو دوماً السيطرة الكاملة والشاملة‪ ،‬القتصادية في الدرجة الولى‪ ،‬على العالم‪.‬‬
‫إنما اللحظة التاريخية فقط هي التي تفرض من حين لخر التوجهات السياسية اللزمة لتحقيق ذات الهدف أولً وأخيراً‪.‬‬
‫بخلف الشتراكيين ‪-‬المميين السابقين‪ ،‬إن " المميين " (الحاليين ـ العولميون وفي صراعهم مع اليديولوجيا الشيوعية) ل يجهدون أنفسهم بتقديم أية‬
‫أدلة على صحة وجهة نظرهم‪ ،‬ببساطة هم اعتبروا آباءهم الروحيين والسابقين لهم‪ ،‬أي الشيوعيين المميين‪" ،‬خارجين عن القانون"؛ وان أفكارهم‬
‫غبية وهدّامة‪ ،‬وفي أفضل الحالت هي أفكار خاطئة وانسدادية الفق أي غير قابلة للتطبيق‪.‬‬

‫لكن في الواقع فان أوجه القرب أو التشابه بين هذين التيارين من الممية هو أكثر مما يبدو للوهلة الولى‪ .‬التشابه ينبع من وحدة الهدف ‪ .‬مثلً هؤلء‬
‫وأولئك يعتقدون بإمكانية التحكم بالعالم من خلل القوميسارات أو عملء فّعالين‪ .‬فمن اجل الستيلء على بقعة أو بلد ما يتوجب بداية تأسيس‬
‫وصياغة ومن ثم زرع الغطاء اليديولوجي اللزم لمثل هكذا "عملية"‪ .‬بالضبط لهذا السبب يتم اليوم الستيلء على الصحف وقنوات التلفزة كما‬
‫كانوا سابقاً يسعون ولو عبر المعارك والقتال للسيطرة على محطات القطارات ومراكز البريد والهاتف‪ .‬نظرياً‪ ،‬أكثر أهمية فهو أن أية عولمة حالية‬
‫أو لحقة ل تضع هدفاً لها تحسين مستوى معيشة الغلبية‪ .‬نظرياً‪ ،‬في الشعارات ـ نعم ‪ .‬أما على ارض الواقع ـ هراء‪ .‬ففي عصر الشتراكية كان‬
‫يقدم لتلك الغلبية الحد الدنى للمتوسط الضروري ـ في الحقيقة ليس أكثر من مستوى حافة الفقر حيث فعلً لم يكن يوجد جائعين بالمعنى الحرفي‬
‫للكلمة‪ .‬وبما انه من المستحيل أن نصبح جميعاً أغنياء كفاية فقد كانت أمام المجتمع مهمة إيديولوجية ترمي لبناء "إنسان واعي فوق العادة“‪ ،‬الذي‬
‫يجب أن تبقى متطلباته المادية في الحدود الدنيا الممكنة للبقاء‪ .‬تذكّروا شعار مرحلة الشيوعية المنتصرة‪" :‬من كل حسب استطاعته‪ ،‬ولكل حسب‬
‫حاجته" ــ شعار بقدر ما هو رنان بقدر ما هو خيالي‪ .‬الحقيقة هي إن متطلبات الفرد ل حدود لها‪ .‬كلما ازداد تملكه ــ كلما كبرت رغباته وحاجياته‪.‬‬
‫ولن تكون نهاية لتلك الثنائية‪ .‬على كل حال طالما أن الكرة الرضية مصابة بداء الستيطان من قبل بني البشر ؟! ‪.‬‬

‫ذات القضايا والشكاليات كانت قائمة في حينه أمام رجالت الكنيسة‪ .‬في البداية‪ ،‬أنكرت المسيحية على المؤمن الغنى الشخصي واعتبرت الثروة آفة‪،‬‬
‫بينما صار الفقر يعادل الكبرياء و بطاقة مرور إلى جنات السماء‪ .‬خصوصاً لو أصبح المرء فقيراً بسبب تبرعه بأمواله في سبيل قضية إيمانية‪ .‬فقط‬
‫من يضحي لجل "الهيكل" (أي لجل الفكرة)‪ ،‬والذي ل يملك سوى "ما هو ضروري للعيش"‪ ،‬كان لديه المل في دخول الجنة السماوية‪ .‬أما‬
‫المبشرون الرئيسيون لهذه اليديولوجية ـ باباوات الكنيسة في روما ـ فقد أحاطوا أنفسهم بكل أشكال البذخ والثراء لدرجة الل معقول‪.‬‬
‫لشيء جديد في عالمنا الرضي‪ .‬فكل ما يجري في أيامنا معروف وواضح‪ .‬ومهما نظّر العولميون ـ المميون الحاليون فان العولمة تسبب فرزاً‬
‫عميقاً في المجتمع وفق درجة التملك‪ .‬أما المجتمع الديموقراطي‪ ،‬خصوصاً في بلدان الشتراكية سابقاً‪ ،‬فلم يعد له وجود بعد أن انقسمت تلك‬
‫المجتمعات إلى "سوبر أغنياء"‪ ،‬وفقراء بالمعنى البسيط والدقيق للكلمة‪ .‬وحتى في الوليات المتحدة المريكية ـ قلعة العولمة ـ فقد انخفضت أجرة‬
‫العمل حوالي ‪ %10‬من قيمتها الفعلية خلل العشر سنوات الخيرة‪ .‬هذا ما يعلنه صراحة معارضو العولمة في أمريكا‪ ،‬بينما ينكرونه ويتسترون‬
‫عليه خبراء القتصاد ـ العباقرة في روسيا ـ أصحاب التوجه الغربي‪.‬‬

‫ومن خصوصيات العولمة الحالية هو حصول تبدلت بنيوية في سوق الستهلك في البلدان الغربية المتطورة اقتصادياً‪ .‬ذلك إن البضائع والخدمات‬
‫التي كانت متوفرة للغنياء فقط في السابق كانت تدريجياً تصبح في متناول الطبقة الوسطى‪ .‬أما الن يجري تناقص فعلي في الموارد والخدمات ذات‬
‫الطابع الشعبي الواسع‪ ..‬بينما النخبة تسبح في سوق السلع الفخمة والعجائبية‪ .‬وهذا يحصل أبداً ليس لن المواطن المريكي قد أصبح مؤخّرا في‬
‫مصاف الثرياء‪ .‬وهنا قد يتبادر للذهن سؤال عن العلقة بين العولمة وبين انخفاض مستوى معيشة المريكي أو الروسي أو اللماني‪ ..‬الجواب بسيط‬
‫للغاية‪ .‬عندما يتحول راس المال الوطني‪ ،‬في مثالنا المريكي أو الروسي أو اللماني‪ ،‬إلى راس مال عابر للحدود‪ ،‬حينها فانه يفقد بقايا ما يسمى‬
‫"الوطنية"؛ ذلك أن الشركات الفوق ـ قومية‪ ،‬المريكية وغيرها‪ ،‬وبعد أن تتحرر من انتمائها لية دولة‪ ،‬تبني مصانعها ومؤسساتها أينما يحلو لها‬
‫بمجرد أن تتوفر اليد العاملة والمواد الخام الرخيصة‪ .‬بالتالي فان المريكيين وغيرهم‪ ،‬الذين اعتادوا على أجور عمل ممتازة لقاء أعمالهم الرفيعة‪،‬‬
‫سيفقدون أماكن العمل وبعدها الجور العالية‪ .‬كما انه‪ ،‬وهذا هو الهم‪ ،‬لن يعود هناك مفهوم "خيانة الوطن" بالنسبة لذلك "المواطن العولمي“‪ ،‬طالما‬
‫أن مفهوم الوطن بحدوده المعروفة سابقاً لم يعد له وجود بالنسبة لذاك "المواطن المعولم“‪ .‬بل ينشأ لديه مفهوم جديد هو "البيت" الذي يبنيه أو‬
‫يشتريه حيث يجد الراحة في لحظة ما‪ .‬لهذا بالتحديد لجأ من يعرفون اليوم بـ "الروس الجدد" إلى نقل أموالهم‪ ،‬وسوف يقومون بنقل كل ما يستطيعون‬
‫"تحصيله" في روسيا إلى الخارج‪ .‬إن تحويل روسيا إلى مجرد مصدر مواد خام تابع للقتصاد الغربي ـ هو في راس أولويات العولمة الحالية‪ .‬وقد‬
‫سبق واعد نفس المصير لبلدنا منذ أكثر من مائة عام من قبل الشيوعيين ـ المميين‪ .‬لقد تم في حينه توظيف الطاقات القتصادية والعسكرية لروسيا‬
‫من اجل إزالة النظام العالمي المبريالي القديم ذو الخصائص القومية وذلك من اجل بناء الممية الشيوعية‪ .‬لكن السلطة الروسية حينذاك تمكنت من‬
‫قلب المعادلة وبعد أن تخلصت من أباطيل وأوهام الثورة العالمية قامت بنقل البلد إلى مصاف الدول العظمى في العالم‪ .‬الن يحضّر نفس المصير‬
‫لروسيا ـ امتداد من الثروات الطبيعية ملحق باقتصاد أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية‪ .‬ونحن نسير "بنجاح" في هذه الطريق وبسرعة باهرة جدي‪ّ.‬‬
‫صعد عدد السكان حتى الـ ‪ 50‬مليون نسمة "المقررة والمسموح لنا بها‪ ،‬ولذلك نقوم بتهديم كل ما ل يتعلق بتامين عمل القطاعات المعتمدة على‬
‫التصدير؛ وهمنا المحافظة على المستوى المطلوب للغرب من إنتاج النفط والغاز‪ .‬أما احتياجات القتصاد الروسي فل تهم أحدا "بشكل جدي"‪.‬‬
‫بالنسبة لهم أوروبا الموحدة‪ ،‬أما نحن " حق القليات والقوميات في تقرير المصير " لدرجة الفظاعة والنفخ المتزايد في الصراع المفتعل بين‬
‫ديانتين تاريخياً متعايشتين في روسيا‪ :‬المسيحية والسلم‪.‬‬

‫خلل شهري حزيران ـ تموز ‪ 2001‬فقط هبطت أسعار النفط والغاز في السواق العالمية بنسبة ‪ %15‬وبالنسبة للنفط الروسي ‪ .%20‬إن تلك الواقعة‬
‫يمكن أن تعني بداية النهاية "للعجيبة القتصادية" التي وكأنها تحققت في عهد النظام الجديد لروسيا‪ ،‬ذلك أن المقياس لحياة طبيعية في البلد ـ‬
‫الميزانية ـ ل تزال تبنى ليس على بعث وزيادة النتاج المحلي‪ ،‬وإنما فقط على ارتفاع أسعار النفط الخام والغاز المصدّر‪ .‬فإذا ما انخفضت السعار ـ‬
‫تهتز الميزانية‪ :‬إن سياسة العولمة لن تسمح لروسيا أبداً بالنهوض والوقوف على قدميها‪ .‬بالطبع طالما إن حكومتنا الوطنية ستستمر في نهجها‬
‫الموالي للغرب وبشكل أعمى والذي سيؤدي ل محالة إلى الهلك‬
‫العــــولمــة‬

‫مقـاومة واستثمار‬
‫هذه المقالة محاولة اجتهادية لطرح رؤية موضوعية لقضية العولمة‪ ،‬وهي الجمع بين فكرة المقاومة والستثمار؛ وذلك أن معظم الخطاب‬
‫السلمي في هذه القضية يتناول جانب المقاومة وبيان المخاطر الضخمة للعولمة؛ وهذا أمر مهم ل بد منه‪ .‬ولكن جانب الصورة الخرى‬
‫يبدو أنه ل يقل أهمية على الرغم من قلة من يتطرق إليه؛ حيث نتلمس وجودنا السلمي من خلل خريطة العولمة الضخمة والسريعة‬
‫اليقاع فيما نسميه في هذه المقالة بالستثمار‪.‬‬

‫وهناك جانب آخر وهو جانب تصوريٌّ يساعد على التوصل إلى الحكم السابق‪ ،‬وهو فهمنا لطبيعة هذه العولمة من خلل الملمح والواقع‬
‫والمستقبل‪ ،‬وأن فيها جانبا ً ليس إرادة مقصودة للقوياء‪ ،‬وينبني على هذا الفهم أن بعض سلبياتها قد يرتد على أصحابها؛ فهل تنجح هذه‬
‫المقالة في تحويل بعض صور الخطاب العاطفي حول هذه القضية ليكون أكثر موضوعية؟‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫مصطلح العولمة مصطلح جديد ظهر في العالم الغربي في بداية عقد التسعينيات‪ ،‬وقد سبقه حدثان ضخمان أثرا في حركة العلقات‬
‫الدولية واتجاهاتها وعلى موازين القوى في العالم‪ :‬الول‪ :‬سقوط المعسكر الشرقي الذي اتخذ من سقوط جدار برلين رمزا ً له في عام‬
‫‪1989‬م‪ ،‬والذي أنهى فـترة من الحرب الباردة بين المعسكرين (وارسو‪/‬الطلسي) بدأت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية‪ ،‬وصاحبها حالت‬
‫جْزر إلى التهديد بحرب عالمية ثالثة مباشرة أثناء أزمة‬
‫من الستقطاب والمد والجزر في علقات هذين المعسكرين؛ بحيث وصلت في ال َ‬
‫الصواريخ الكوبية‪ ،‬وفي المد وصلت إلى التفاق على تقسيم مناطق نفوذ في بعض بقاع العالم‪ ،‬وبين ذلك حصلت حروب بالوكالة كما‬
‫حصل في فيتنام وأفغانستان‪ .‬وقد أتاحت حالة الحرب الباردة والصراع والتنافس العالمي على مناطق النفوذ وجود هامش من الحرية لما‬
‫سمي بـ (دول عدم النحياز) مكّن كثيرا ً من الدول من الستقلل عن الدولتين الكبيرتين أو إحداهما‪.‬‬

‫ثم جاء الحدث الخر الكبير وهو حرب الخليج الثانية في عام ‪1991‬م‪ ،‬وهي حرب شبه عالمية لكن من طرف واحد ودون تكافؤ في‬
‫القوى‪ .‬وانتهت هذه الحرب بانتصار أمريكي غربي أضيف إلى ذلك النصر التاريخي على المعسكر الشرقي‪ .‬وهذان النتصاران أتاحا‬
‫لمريكا نوعا ً من السيادة العالمية مستغلة تقدمها التقني والقتصادي وقوتها العسكرية في تكريس هذه السيادة‪ .‬فبدأ في هذا الظرف‬
‫التاريخي ظهور مصطلحات جــديدة مثل «العالم الجديد» ومثل «العولمة»‪ .‬وهذا المصطلح الخير أخذ حظه من النتشار باعتبار أنه يمثل‬
‫حركة الهيمنة والسيادة الغربية بأسلوبها الحضاري الجديد‪ ،‬وظهرت أعمال وكتابات كثيرة لدى الغربيين تؤدلج هذه الفكرة مثل فكرة‬
‫شهرت أخيراً‪.‬‬
‫«نهاية التاريخ»‪ ،‬وكذلك فكرة «صراع الحضارات» وإن كانت سابقة لفكرة نهاية التاريخ إل أنها ُ‬

‫تعـاريف‪:‬‬

‫البعد القتصادي يأخذ النصيب الكبر في أدبيات الكُتَّاب الغربيين عن العولمة لقوة تأثيره على الدول والمجتمعات وارتباط كثير من‬
‫المجالت به‪ .‬وكمثال لذلك كتاب‪« :‬فخ العولمة»؛ فإنه يركز على البعد القتصادي وأثره على المجتمعات الغربية‪ .‬كما أن العولمة‬
‫القتصادية هي المجال الوحيد الذي اتفق على تعريف له؛ حيث تبنى مؤتمر المم المتحدة للدارة والتنمية ‪UNCTAD‬تعريفا ً لها يقوم على‬
‫فكرة فتح السـواق والتبادل الحر وتقليل سلطة الدولة على حركة القتصاد‪ .‬لكن هذا المصطلح اكتسب فيما بعد دللت استراتيجية‬
‫وثقافية مهمة من خلل تطورات عديدة بدأت منذ أوائل التسـعينيات‪ .‬ومن هنا ل نستطيع أن نتوقف عند هذه النظـرة والرؤية الجزئية‬
‫للعولمة‪ ،‬وإن كانت مهمة‪ .‬ولذا عبر كثير من المفكـرين والكتاب عن رؤية أشمل للعولمة‪ .‬وهذه النظرة الشمولية بدأت تظهر أخيرا ً حتى‬
‫على الكتابات الغربية‪ .‬ومن الطريف أن كاتبين غربيين أصدرا في عام ‪2000‬م كتابا ً بعنوان‪« :‬إعادة النظر في العولمات» هكذا بصيغة‬
‫الجمع ‪. )Rethinking Globazation)s‬‬

‫ونستطيع أن نلخص أهم توصيفات العولمة وملمحها بما يلي‪:‬‬

‫هي التوجه اليديولوجي لليبرالية الجديدة التي تركز على قوانين السـوق‪ ،‬والحرية المطلقة في انتقال البضائع والموال والشخاص‬
‫والمعلومات في القتصاد‪ ،‬وعلى فكرة الديمقراطية في البعد السياسي‪ ،‬وعلى مفهوم الحرية والمساواة المطلقة في البعد الجتماعي‬
‫والخـلقي‪ .‬فهي نظام عالمي يشمل المجالت السياسية والفكرية والثقافية والجتماعية‪ ،‬كما يشمل مجال التسويق والمبادلت‬
‫والتصال‪.‬‬

‫ويرى بعضهم أنها فكرة تعبر بصورة غير مباشرة عن إرادة الهيمنة على العالم وتغريبه أو أمركته مستغلة مظاهر وآليات التطـور‬
‫الحضاري الذي يشهده العصر‪ :‬فالهيمنة العسكرية بواسطة الحلف العسكرية ومنها حلف الطلسي‪ ،‬والسياسية بواسطة الهيمنة على‬
‫مجلس المـن‪ ،‬والقتصادية من خلل المنظمات الدولية القتصادية مثل منظمة التجارة العالمية‪ ،‬والجتماعية من خلل مؤتمرات دولية‬
‫وإقليمية‪ ،‬والفكرية من خلل القوانين والتفاقيات والصكوك الدولية في هذا المجال؛ مدعومة بقوة دفع ضخمة بواسطة إمبراطوريات‬
‫إعلمية وشبكة معلومات دولية (إنترنت) يسيطر الغربيون على معظمها؛ حيث اعتبر بعضهم (جارودي) العولمة هي السم الجديد‬
‫للستعمار‪.‬‬

‫وفي المقابل يرى بعض آخر أن العولمة هي اتجاه فطري للنسان يتسارع أثره مع تطور آليات التصال بين المجتمعات وتركيز الصناعات‬
‫وتجاوز المجتمع التقليدي‪ ،‬وأنها مظهـر من مظاهر التطور الطبيعي الحضاري المعاصر‪ ،‬وأن المجتمعات الكثر حضارة تفيض على‬
‫المجتمعات القل حضارة بشكل تلقائي عبر قنوات تصل بين المنبع والمصب‪ .‬فهو نظام رأسمالي أكثر تكامل ً وليس رسملة للعالم‬
‫بالمفهوم الغربي أو المريكي‪ .‬وقد يعبر عن ذلك بطريقة أخرى فيقال‪ :‬إن ما يحـدث هو إفراز من إفرازات الدولة الحضارية في لحظة‬
‫تضخم قوتها في المجالت المختلفة على العالم من حولها‪.‬‬

‫ويتفق عدد من المفكرين بأنها آلية يمكن أن تؤدي بشكل متسارع إلى نشـوء نظام عالمي جديد بواسطة ثلثية التكنولوجيا ورأس المال‬
‫والدارة‪ ،‬وتشمل السياسة والقتصاد والثقافة والجتماع والعراف‪ ،‬ليؤسس القرية الكونية الجديدة التي تقوم على ثورة الكمبيوتر‬
‫والتصالت والثورة المعلوماتية والسواق المفتوحة والشركات متعددة الجنسيات لتوحيد مصير النسانية‪.‬‬
‫هذه أهم الدبيات في توصيف واقع العولمة ومستقبلها؛ على أن الساحة الفكرية المنظ ِّرة لفكر العولمة ل تخلو من اتهام لمثل هذه‬
‫الطروحات موجه إلى بعض نقاد العولمة وإلى بعض مؤيديها بالمبالغة‪.‬‬

‫السؤال الن‪:‬‬

‫هل العولمة مظهر من مظاهر التطور الحضاري الطبيعي الذي يشهده العصر ولكنه يتم بمقاييس القوياء؟ أم أنها عقيدة تعبر بصورة‬
‫مباشرة عن إرادة الهيمنة على العالم من قِبَل القوياء؟ ليكن الحال مزيجا ً من المرين والنتيجة واحدة وهي‪ :‬سيطرة القوياء مادياً‬
‫وحضاريا ً على الضعفاء مستخدمين قدراتهم وسبقهم في توظيف آليات العولمة وثمار التقنية لصالحهم؛ حتى تتم عملية «تغريب العالم»‬
‫كما وصفها أحد الكتاب الغربيين أو «أمركة العالم» حسب وصف أحد الكتاب المسلمين‪ ،‬وهو ما دعا الرئيس المريكي السابق كلينتون‬
‫إلى أن يقول‪« :‬إن أمريكا تؤمن بأن قيمـها صالحة لكل الجنس البشري‪ ،‬وإننا نستشعر أن علينا التزاما ً مقدسا ً لتحويل العالم إلى‬
‫صورتنا»‪.‬‬

‫مجـالت العـولمة‪:‬‬

‫تظهر العولمة في مجـالت عديدة من مجالت الحياة التي تشكل شبكة العلقات الدولية المعاصرة‪ ،‬وأهم هذه المجالت‪:‬‬

‫أولً‪ :‬المجال القتصادي‪:‬‬

‫وترتكز العولمة فيه على فكرة وحدة السوق‪ ،‬وإزالة العوائق أمام حركة رأس المال‪ ،‬وحرية القتصاد‪ ،‬واتخاذ الدولر معيارا ً للنقد‪ ،‬وتحويل‬
‫المجتمعات إلى مجتمعات منتجة هي مجتمعات الدول الصناعية‪ ،‬ومجتمعات مستهلكة هي مجتمعات الدول الخرى؛ حتى أصبح مظهر‬
‫التأثر الستهلكي للعولمة هو لبس الجينز وشرب الكوكا كول وأكل الهمبرجر ومشاهدة المحطة الخبارية ‪ ،CNN‬وكلها نتاج أمريكي‪،‬‬
‫لدرجة أن الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا ميتيران وقف يخطب في الجموع المحتشدة محـذرا ً من تفشي ظاهرة لبس بنطلون الجينز‬
‫بين الشباب الفرنسي؛ لنه مظهر من مظاهـر الغزو المريكي‪.‬‬

‫وتستخدم العولمة القتصادية عددا ً من الوسائل والليات‪:‬‬

‫‪ -1‬صندوق النقد الدولي والبنك الدولي‪ :‬وهما منظمتان أمميتان‪ .‬فالول يقوم على ضبط النقد الدولي واستقراره‪ ،‬والخر يمارس عمليات‬
‫القراض ودراسات الجدوى في مجال النشاء والتعمير للدول المتضررة من الحروب والدول الفقيرة ضمن شروط قاسية‪.‬‬

‫‪ - 2‬منظمة التجارة العالمية‪ :‬من خلل قوانينها في السلع والخدمات وحقوق الملكية الفكرية‪ ،‬ومن خلل هيئة فض المنازعات والتحكيم؛‬
‫حيث تحوَّل مفهوم التجارة لدى المنظمة من مفهـوم تقليدي إلى مفهوم يشمل البيئة والعمل وحقوق النسان والعمال‪ .‬وهذه المؤسسات‬
‫الثلث تشكل ثالوثا ً خطيرا ً يمكن أن يمسك بخناق الدول الفقيرة حتى يجعلها في تبعية شبه كاملة للغرب وشركاته‪.‬‬

‫‪ - 3‬العلم والدعاية العلمية‪ :‬وهي من أوضح الوسائل لترويج المنتجات الستهلكية‪ ،‬وتروج معها بشكل غير مباشر البيئات المطلوبة‬
‫التي هي إفراز للثقافة والمصالح الغربية‪ ،‬وتقوم إمبراطوريات إعلمية على خدمة الدعـاية والعلن‪ ،‬وتنفق الشركات الكبرى مئات‬
‫المليين من الدولرات سنويا ً على هذه الخدمة‪.‬‬

‫‪ - 4‬الشركات المتعددة الجنسيات‪ :‬التي نجح الكثير منها في الهيمنة على السوق بنوعية منتجاتها وخدماتها‪ ،‬وبضخامة رأس مالها‪،‬‬
‫وباندماجاتها‪.‬‬

‫ولقد شهد العالم اندماجات ضخمة بين شركات عملقة ‪ Mega Mergers‬فمثلً‪:‬‬

‫أ ‪ -‬في مجال السيارات‪ :‬اندمجت مرسيدس مع كرايزلر‪.‬‬

‫ب ‪ -‬وفي مجال النفط‪ :‬اندمجت شركة أكسون مع شركة موبيل‪.‬‬

‫ج ‪ -‬وفي مجـال التصالت‪ :‬اندمجـت شركة ‪ AT& T‬مع برتش تلكوم‪.‬‬

‫د ‪ -‬وفي المجال المصرفي‪ :‬اندمج ‪ Citi corp‬مع ‪.Travelers group‬‬

‫ويكفي أن نعلم أن رأسمال الشركات المندمجة في مجال الحاسبات فقط على مستوى العالم قد قفز إلى ‪ 246‬مليار دولر عام ‪1999‬م‬
‫بينما كان ‪ 21‬مليار دولر عام ‪ 1988‬م‪.‬‬

‫وهناك صناعات أخرى لم تذكر‪ :‬كالتأمين‪ ،‬وصناعات الطائرات المدنية والحربية‪ .‬وفي المجالت المذكورة أمثلة أخرى مهمة جداً‪.‬‬
‫وقد يكون من المناسب التذكير بالتغير الذي طرأ على موقف الحكومات الغربية من مثل تلك الممارسات؛ فقد كانت تلك الممارسات تعد‬
‫صيغة احتكارية يمنع منها القانون‪ .‬ولكن اللعبة تغيرت‪ ،‬والسوق كبرت‪ ،‬وأصبح التحدي ليس محلياً‪ ،‬بل ول غربياً‪ ،‬بل على مستوى العالم‬
‫كله‪ ،‬مما حدا بالدول الغربية إلى تجاوز الفهم التقليدي للحتكار في أسواقها لمساعدة شركاتها للحصول على نصيب أكبر من السوق‬
‫العالمية‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬المجال الجتماعي‪:‬‬

‫وذلك بتنميط العالم على نحو من نمط المجتمعات الغربية (تغريب العالم) وبالذات أمريكا (المركة)؛ وذلك بنقل قيم المجتمع الغربي‬
‫والمريكي بالذات ليكون المثال والقدوة‪ ،‬سواء ما نقل منها بإرادة مقصودة‪ ،‬أو ما انتقل منها نتيجة طبيعية لرغبة تقليد الغالب؛ لن المة‬
‫المغلوبة مولعة بتقليد الغالب؛ كما قال ابن خلدون‪ .‬وتسلك العولمة الجتماعية وسائل لذلك منها‪:‬‬

‫أ ‪ -‬المؤتمرات الدولية في مجال المرأة والشباب والطفال والسكان والتنمية الجتماعية والمستوطنات البشرية‪ ،‬التي شهدتها حقبة‬
‫التسعينيات بشكل كبير وما زالت متواصلة؛ حيث تطرح وثائقها وتوصياتها نموذج الحياة الجتماعية الغربية‪ .‬ومثال ً على ذلك ما طرح في‬
‫وثيقتي مؤتمر السكان في القاهرة ومؤتمر بكين عن المرأة‪.‬‬

‫ب ‪ -‬نقل السلوكيات والعادات الغربية من خلل المواد العلمية في القنوات الفضائية وشبكة النترنت‪ .‬والمثال على ذلك عيد الحب‬
‫‪ ، Valentine‬وهي عادة غربية ذات أصول دينية وثنية وأخلقية غربية‪ ،‬وقد بدأ ينتشر حتى في المجتمعات المحافظة كدول الخليج‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬المجـال الفكري والثقافي‪:‬‬

‫وذلك بترويج اليديولوجيات الفكرية الغربية‪ ،‬وفرضها في الواقع من خلل الضغوط السياسية والعـلمية والقتصادية والعسكرية أيضاً؛‬
‫وذلك في مجالت عدة كحقوق النسان‪ ،‬والديمقراطية‪ ،‬وحقوق القليات‪ ،‬وحرية الرأي‪ .‬وتستخدم في ذلك آليات ووسائل منها‪:‬‬

‫أ ‪ -‬إصدار الصكوك والتفاقيات الدولية المصاغة بوجهة نظر غربية والضغط من أجل التوقيع عليها‪ ،‬مثل (العـلن العالمي لحقوق النسان‪،‬‬
‫مكافحة التمييز ضد المرأة‪ ..‬إلخ)‪ .‬وهذه التفاقيات وإن كان فيها بعض الحق إل أن فيها الباطل‪ ،‬ويكفي أنها مصاغة بوجهة نظر غربية‬
‫صرفة‪.‬‬

‫ب ‪ -‬إصدار القوانين من أجل استخدامها ضد دول العالم الثالث باسم حماية القليات‪ ،‬مثل قانون التحرر من الضطهاد الديني الصادر عن‬
‫الكونجرس المريكي‪.‬‬

‫ج ‪ -‬إصدار التقارير الدورية للضغط العلمي والسياسي والقتصادي على المجتمعات الخرى‪ ،‬مثل إصدارات الكونجرس المريكي ووزارة‬
‫الخارجية المريكية الدورية‪ ،‬وإصدارات المنظمات العالمية الكبرى الدورية‪ ،‬بل حتى الشركات التي تعنى بالتصنيف الئتماني (أي الملءة‬
‫المالية) للدول؛ حيث تستغل لصالح الدول والبنوك والمؤسسات المالية الغربية‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬المجال السياسي‪:‬‬

‫وذلك من خـلل استخدام المم المتحدة بعد الهيمنة عليها وعلى مؤسساتها السياسية المؤثرة خاصة مجلس المن الذي تعتبر قرارته‬
‫ملزمة عالمياً‪ ،‬واستخدام حق النقض (الفيتو) المجحف عند الضــرورة أو التلويــح باستخدامه لمنـع أي قـــرار ل يريده الغرب وخاصة‬
‫أمريكا‪ .‬ولعل ما يجري الن من تعسف أمريكي بدعم بريطاني ومجاملة من بقية العضاء الدائمين في استعمال هذه المنظمة العالمية‬
‫لتكريس هيمنة أمريكا دليل على ذلك‪ .‬وما كشفه بطرس غالي المين العام السابق للمم المتحدة في كتابه‪« :‬بيت من زجاج» بعد خلفه‬
‫مع أمريكا هو غيض من فيض‪.‬‬

‫خامساً‪ :‬المجال العسكري‪:‬‬

‫وذلك من خلل الحلف والمعاهدات العسكرية التي تعقدها الدول الكبرى وبالذات أمريكا مع الدول الصغيرة‪ ،‬ومن خلل الحلف‬
‫القليمية التي تكون هذه الدول طرفا ً فيها‪ ،‬وكذلك من خلل حلف الطلسي الذي حددت أهدافه تجاه الجنوب بعد أن كان تجاه الشرق‬
‫بعد انتهاء الحرب الباردة وسقوط التحاد السوفييتي وانحلل حلف وارسو‪.‬‬

‫آليـات العولمـة التقنيـة‪:‬‬


‫وهي الوسائل التقنية التي تعتبر ثمرة المعرفة العلمية‪ ،‬ونتاجا ً للثورة التقنية الضخمة التي يشهدها الغـرب؛ حيث تضاعفت الختراعات‬
‫التقنية بشكل كبير ربما يصل إلى معدل اختراع أو اكتشاف جديد كل دقيقتين‪ .‬وأبرز مجال يشهد ثورة تقنية ضخمة هو مجـال التصالت‪.‬‬
‫ومن مظـاهر ذلك ما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬سوف يدور قريبا ً حول الرض حوالي ‪ 2000‬قمر صناعي للتصالت المدنية سوى أقمار التجسس والقمار ذات الغراض العسكرية‪.‬‬
‫ويكفي أن نعرف أن (بل جيتس) صـاحب شركة مايكروسوفت وعد بمفرده بإطلق ‪ 500‬قمر صناعي لخدمة التصالت ونقل المعلومات‪.‬‬

‫‪ -‬تضاعف استخدام هذه التقنية عالميا ً حتى جاوز الوقت الذي استهلك في التصالت ‪ 60‬مليار دقيقة في عام ‪1995‬م‪ ،‬وتضاعف سوقها‬
‫حتى قارب الن من نصف مليار دولر سنوياً‪ ،‬ويزداد بنسبة ‪ %10‬سنوياً‪.‬‬

‫‪ -‬ستقل تكلفة التصالت إلى أن تصبح شبه مجانية في غضون السنوات العشر القادمة‪ .‬فعن طريق النترنت الن بإمكان أي شخص في‬
‫منطقة الخليج التصال بأوروبا وأمريكا بتكلفة ل تزيد عن ‪ 4‬سنتات للدقيقة‪.‬‬

‫‪ -‬صرحت شـركة كيوويست ‪ Qwest‬للتصالت المريكية أن نظامها التقني الحديث يستطيع نقل كم هائل من المعلومـات يوازي ما تحويه‬
‫مكتبة الكونجرس من واشنطن إلى أي مكان في العالم خلل مدة ل تتجاوز عشرين ثانية‪.‬‬

‫‪ -‬التطـور التقني القادم سيشمل أجهـزة التلفـاز خاصة بعد تطـوير الشاشة عـالية الوضوح (‪ .)High definition TV‬وسيكون الدخول‬
‫إلى النترنت عن طريق التلفاز والتحكم بالبرامج أسهل‪ .‬وقد بدأت الكثير من القنوات التلفزيونية بث برامجها عبر شبكة النترنت ‪Web‬‬
‫‪ TV‬مثل قناة ‪ ، CNN‬وقناة الجزيرة‪ ،‬وغيرهما‪.‬‬

‫‪ -‬ومع تطور كاميرات الفيديو الرقمية سيكون بإمكان الشخاص العاديين بث برامج ومعلومات عبر قنوات ومحطـات شخصية خاصة بهم‬
‫كما هو الحال في مواقع شبكة النترنت‪.‬‬

‫‪ -‬وفي مجـال النترنت ـ وهي الشبكة التي حطمت القيود والحواجز وحققت وحدة معلوماتية ـ نرى أهمية هذه الشبكة وخطورتها من‬
‫خلل سعتها ومحتوياتها وحرية استخدامها وسهولته‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬

‫‪ -‬مستخدمو النترنت حوالي ‪ 500‬مليون مستخدم؛ كما أن مواقع النترنت ‪ Web Sites‬التجارية والحكومية والخاصة قد زادت على ‪200‬‬
‫مليون موقع (عام ‪1999‬م)‪ ،‬وهي تزداد يوميا ً بشكل سريع‪.‬‬

‫‪ -‬طرحت بدائل جديدة للتجارة تسمى الن التجارة اللكترونية ‪ E-Commerce‬ونشـأت السواق اللكترونية‪ ،‬وتحققت وحدة للسوق‬
‫ضخت مليارات الدولرات في هذا السوق‪ .‬ولمثل هذا الغرض أنشأت إمارة دبي مدينة النترنت‪ .‬وقد يكون هذا بعض معنى ما‬
‫العالمي و ُ‬
‫روي عن النبي ‪ #‬في تقارب السواق في آخر الزمان‪.‬‬

‫‪ -‬زادت صفحات النترنت (في نهاية عام ‪2000‬م) على ‪5‬ر ‪ 1‬مليار صفحـة‪ ،‬والمستخدمون العرب أقل من ‪ %1‬من مجموع المستخدمين‪.‬‬

‫‪ -‬محركات البحث ل تغطي سوى ‪ %15‬من سعة الشبكة؛ فمحرك ياهو ‪ Yahoo‬مثل ً ل يغطي إل حوالي ‪5‬ر ‪ %7‬تقريبا ً من الشبكة‪.‬‬

‫ومع أن هذه الحصائيات ليست دقيقة؛ وذلك لصعوبة تحقيق ذلك في مثل نظام الشبكة‪ ،‬لكن المقصود هو تقريب الصورة‪.‬‬

‫مخاطـر العولمـة‪:‬‬

‫للعولمة مخاطر ضخمة ومفاسد جمة من خلل تحوُّل العالم إلى غابة إلكترونية يستعلي فيها الكبار على الصغار؛ وتظهر هذه المخاطر‬
‫داخل المجتمع للدولة الواحدة‪ ،‬وكذلك داخل المجتمع العالمي‪ .‬ومن أهم المخاطر‪:‬‬

‫الخطـر المجتمعـي‪:‬‬

‫يحذر علماء الصلح الجتماعي من أن أسوأ ما يقع على المم هو انقسام مجتمعها إلى طبقات الغنياء والفقراء‪ ،‬وأن الثار السيئة‬
‫لتكدس الموال في أيدي قلة من الناس تسبب تسلطهم وتحكمهم في مصير الكثرة‪ ،‬وتسخرهم لخدمتهم بغير حق‪ .‬وكمثال لذلك أمريكا‬
‫ذات النظام الديمقراطي‪ ،‬وكيف يؤثر المال على امتلك وسائل العلم ومن ثم التأثير على العملية النتخابية؛ بحيث ل تعبر في النهاية‬
‫عن رأي الغلبية‪ .‬ولهذا كان منهج السلم هو وجـود تشـريعات تمنع أن يبقى المال دُولة بين الغنياء؛ وقد ظهرت الطبقية والحتكار من‬
‫خلل إيجاد آليات وهياكل ومؤسسات اجتماعية‪ ،‬سواء كانت اقتصادية أو قانونية أو تشريعية‪ ،‬يتم من خللها توجيه المال والسلطة والتأثير‬
‫للغنياء دون الفقراء‪ ،‬وتكرس انعدام الفرص أمام الفقراء في مزاحمة الغنياء‪ .‬بل ويكون المال والغنى معيارا ً لكثير من المناصب‬
‫والمهام‪ .‬ومن ذلك التشريعات الخاصة ببعض السواق التجارية والبورصات والتشريعات القانونية (غير المكتوبة) في أمريكا والمنحازة‬
‫إلى فئة دون أخرى‪ ،‬ومن ذلك ما يظهر في طبيعة هيكلة الحزاب السياسية‪ .‬وقد حذرت مجلة ‪ Foreign Affairs‬المريكيـة في عدد‬
‫سابق من نشوب ثورة اجتماعية عالمية بعد نقدها لفكرة العولمة؛ لنها تترك وراءها المليين من العمال الساخطين‪ ،‬وحالت اللمساواة‪،‬‬
‫والبطالة‪ ،‬والفقر المستوطن‪ ،‬واختلل التوازن الجتماعي‪ ،‬بالضافة إلى تخلي الدولة عن مواطنيها‪ ،‬ونشـوء الطبقية الفاحشة داخل‬
‫مجتمع الدولة الواحدة‪ .‬كذلك تسبب تكريس الهوة بين الدول النامية والدول المتقدمة وبين أغنياء العالم وفقرائه‪.‬‬

‫ومن مظاهر الخطر الجتماعي‪:‬‬

‫‪ -‬ثلثة أغنى أغنياء أمريكا ثروتهم أكثر من ثروة قارة إفريقيا كلها التي فيها ‪ 600‬مليون نسمة‪.‬‬

‫‪ 30% -‬من سكان العالم دخلهم اليومي يقل عن دولرين‪ ،‬و ‪ %20‬من سكان العالم يقل دخلهم اليومي عن دولر واحد‪ ،‬وكلهم من الدول‬
‫النامية‪.‬‬

‫‪ 20% -‬من سكان العالم يملكون ‪ %80‬من ثروته‪ ،‬والباقي من السكان يملكون الباقي من الثروة‪.‬‬

‫‪ -‬حركة المال العالمي اليومي تزيد على ‪ 10‬تريليون دولر يملك معظمه عدد محدود من الشركات والشخاص في هذا العالم‪ ،‬معظمهم‬
‫في العالم الغربي‪.‬‬

‫‪ -‬التجارة اللكترونية (السوق اللكتروني) شبه محتكرة للغربيين خاصة أمريكا التي تحصل على نصيب السد من هذه التجارة‪ ،‬حيث بلغت‬
‫حصتها من هذه السوق نسبة قريبة من النصف والباقي لبقية العالم وخاصة الدول الغربية الخرى‪ ،‬بينما الدول النامية ل تحصل إل على‬
‫واحد باللف‪.‬‬

‫‪ -‬خمس دول غربية فيها ‪ 172‬شركة من أصل ‪ 200‬شركة كبرى في العالم‪ ،‬وهي أمريكا‪ ،‬واليابان‪ ،‬وفرنسا‪ ،‬وألمانيا‪ ،‬وبريطانيا‪.‬‬

‫‪ -‬في العالم ‪ 358‬شخصا ً يملكون ما يملك ‪ %45‬من سكان العالم أي ‪6‬ر ‪ 2‬مليار شخصاً‪.‬‬

‫‪ -‬هناك توقعات بازدياد البطالة والفقر مستقبلً؛ فحوالي ‪ %30‬من طاقات العمـل تكفي عندما تدخل التقنية اللكترونية في الدارة وفي‬
‫سوق العمل‪.‬‬

‫‪ -‬الرباح المتوقعة من اتفاقيات منظمة التجارة العالمية قد تصل إلى ‪ 200‬مليار دولر‪ ،‬معظمها يذهب إلى الشركات الغربية بينما لن‬
‫يحصل العالم العربي إل على ‪ %1‬منها‪.‬‬

‫‪ -‬كل خمس دولرات في العالم يملك الغرب أربعة منها ويترك دولرا ً واحدا ً فقط لبقية المناطق‪.‬‬

‫‪ -‬وفي مجال التكنولوجيا نجد أن ‪ %40‬من كمبيوترات العالم توجد في أمريكا؛ بينما نجد واحدا ً من كل ثلثمائة أفريقي يملك خطا ً هاتفياً‬
‫واحداً‪ ،‬ونجـد أن ‪ % 80‬من مالكي الهواتف الخلوية هم من العالم الغني بينما توصف بنغلدش بأنها صحراء هاتفية‪.‬‬

‫الخطـر الثقـافي‪:‬‬

‫محاولة صهر الثقافات الموجودة في ثقافة واحدة هي الثقافة الغربية وبالذات المريكية‪ ،‬وجعلها النموذج العالمي مستغلة التقدم‬
‫التكنولوجي في مجال التصالت‪ ،‬وما ترسله عبر الفضائيات من سيل جارف من المواد العلمية‪ ،‬وتفريغ العالم من الهوية الوطنية‬
‫والقومية والدينية‪.‬‬

‫ومن مظاهر ذلك أيضاً‪:‬‬

‫‪ -‬يوجد في العالم ‪ 6000‬لغة‪ ،‬لكن ‪ %90‬من برامج النترنت تبث باللغة النجليزية مما يسبب تهميشا ً للغات الخرى حتى الحية منها؛ مما‬
‫دعا الرئيس الفرنسي شيراك إلى الدعوة إلى إقامة تحالف بين الدول التي تعتمد لغات من أصل لتيني للتصدي بشكل أفضل لهيمنة‬
‫اللغة النجليزية لدى افتتاحه منتدى حول تحديات العولمة في ‪20/3/2001‬م‪ .‬ومن المعلوم أن الوكالة الفرنكفونية والمنظمة الدولية‬
‫للفرنكفونية أُنشئتا لهذا السبب‪ .‬كما أفادت دراسة لبرنامج المم المتحدة للبيئة نشرت في ‪8/2/2001‬م أن نصف اللغات المحلية في‬
‫العالم في طريقها للزوال‪ ،‬وحذرت الدراسة من أن ‪ %90‬من اللغات المحلية سوف تختفي في القرن الحادي والعشرين‪.‬‬

‫‪ -‬استخدام بعض الصكوك الدولية والقوانين عند بعض الدول للضغط من أجل تغيير الهويات وصهر الثقافات‪ ،‬وكمثال على ذلك قانون‬
‫(التحرر من الضطهاد الديني) المريكي الذي تستخدمه في التدخل بشؤون العالم السلمي بدعوى حماية القليات‪ ،‬وإتاحة حرية ممارسة‬
‫العبـادة وإقامة دور لها‪.‬‬
‫‪ -‬الثار الثقافية السلبية التي يمكن أن تنشأ من السير في فلك منظمة التجارة العالمية؛ حيث تتيح تفسيرات قوانينها العتداء على‬
‫الخصوصيات الثقافية بدعوى تسهيل انسياب حركة التجارة العالمية‪.‬‬

‫الخطـر الخـلقي‪:‬‬

‫‪ -‬وذلك بما يبث عبر شبكات التلفزة والنترنت من أفلم جنسية ومواد إعلمية تروج الفاحشة والرذيلة‪ .‬وقد بلغ هذا النوع من المواد‬
‫والفلم من الكثرة لدرجة أن ألمانيا التي يسمح قانونها بعرض العملية الجنسية على المسرح مباشرة أمام المشاهدين قامت بإغلق‬
‫‪ 200‬موقـع إباحي عام ‪1996‬م‪ .‬وبلغت تلك البرامج رواجا ً كبيرا ً لدرجة أن استفتاءً في بريطانيا أظهر أن نسبة ‪ 3 :1‬من طلب المدارس‬
‫الثانوية يشاهدون أفلما ً إباحية‪.‬‬

‫‪ -‬هناك نصف مليون موقع على النترنت تتعامل مع الصور المخلة بالداب‪ ،‬وتشرح طرق استعمال المخدرات‪ ،‬ووسائل استخدام العنف (‬
‫‪1997‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬استخدام جسد المرأة أداة نفعية مادية؛ وذلك بتضخيم الجانب الشهواني؛ حيث تعتبر المرأة سلعة يمكن تسويقها من خلل العروض‬
‫التلفزيونية والعلنات‪ .‬وكذلك تعتبر المرأة آلة لتسويق السلع الستهلكية لمستحضرات التجميل والزياء‪ ،‬ويظهر ذلك من خلل عروض‬
‫الزياء‪ ،‬ومسابقات ملكات الجمال‪ ،‬وقد توسعت مسابقات ملكات الجمال لتشمل ملكات جمال النترنت‪.‬‬

‫الخطـر الجتماعي‪:‬‬

‫ويتمثل ذلك بمحاولت الدول الغربية تحت مظلة المم المتحدة أن تفرض أنموذجها الجتماعي‪ ،‬وأن تفرض على العالم قيم المجتمع‬
‫الغربي المختلة في مجال السرة والمرأة من خلل المؤتمرات الدولية في المجالت الجتماعية المختلفة‪ ،‬ومن خلل المؤتمرات القليمية‬
‫ولجان المتابعة لتوصيات هذه المؤتمرات المتعددة والمنتشرة‪ ،‬والتي تدعو إلى اعتماد النموذج الغربي في الحياة الجتماعية والسكان‪،‬‬
‫كما أن توصيات هذه المؤتمرات قد تصل إلى ما يشبه القرارات الملزمة‪.‬‬

‫ومن أبرز توصيات هذه المؤتمرات‪:‬‬

‫‪ -‬الحرية الجنسية وإباحة العلقات الجنسية خارج إطار السرة‪ ،‬وتقليل قيمة الزواج‪.‬‬

‫‪ -‬تكريس المفهوم الغربي للسرة‪ ،‬وهو أنها تتكون من شخصين فأكثر ولو كانا من نوع واحد‪.‬‬

‫مقٌَّر في بعض القوانين الغربية‪.‬‬


‫‪ -‬إباحة الشذوذ الجنسي بكل أنواعه‪ ،‬ومن المعلوم أنه ُ‬

‫‪ -‬فرض مفهوم المساواة الشكلي بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات والحياة العامة‪.‬‬

‫ومن مظاهر الستجابة لهذه العولمة الجتماعية في العالم العربي نلحظ‪:‬‬

‫‪ -‬تزايد النشاط النسوي الوافد بما يحمله من فكر تغريبي‪ ،‬ومثاله‪ :‬الخطة الوطنية لدماج المرأة في التنمية في المغرب (‪2000‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬التجاه لعادة النظر في قوانين السرة في العالم السلمي‪ ،‬كما حصل في مصر أخيراً‪.‬‬

‫‪ -‬تزايد التمويل الجنبي المشبوه لمنظمات وهيئات نسوية أو معنية بشؤون السرة والمرأة‪.‬‬

‫‪ -‬طرح مناقشات وبرامج حـول المرأة في المجتمعات المحافظة‪ ،‬كما حصـل في بعض دول الخليج أخيراً‪.‬‬

‫خطر الفوضى العالميـة وعدم السيطرة‪:‬‬

‫تتيح التقنية وسائل جديدة للمجرمين واللصوص وتجار المخدرات؛ حيث إن توحد السوق وضخامة ما يضخ فيه من مال يغطي عمليات‬
‫السرقة وغسيل الموال‪ ،‬فتكثر عصابات المافيا وأساليب الحتيال‪ ،‬وقد تغري بدخول أجهزة استخبارات لبعض الدول وسط معمعة‬
‫الفوضى لتحقيق أغراض مالية أو سياسية‪ .‬ومن مظاهر ذلك‪:‬‬

‫‪ -‬مواقع على النترنت فيها إرشادات للرهابيين؛ حتى وصل المر إلى أن يناقش هذا الموضوع في الكونجرس المريكي تحت عنوان‪:‬‬
‫«النترنت وعلقته بالرهاب»‪.‬‬

‫‪ -‬عشرات اللوف من المواقع على النترنت تشرح طرق استعمال المخدرات ووسائل استخدام العنف‪.‬‬

‫‪ -‬سرقة البرامج؛ حيث قدرت قيمة البرامج المسروقة في عام ‪1993‬م ببليوني دولر‪.‬‬
‫‪ -‬سرقة أرقام بطاقات الئتمان؛ حيث قامت عصابة واحدة بسرقة ‪ 140.000‬بطاقة عام ‪1994‬م‪ ،‬وتم نشرها على لوائح‪.‬‬

‫‪ -‬إفساد البرامج داخل أنظمة الكمبيوتر‪ .‬وبحكم ترابط شبكات الكمبيوتر والمعلومات يعظم الفساد‪ .‬وكمثال قريب لذلك فيروس‬
‫«الحب»‪ .‬وما زالت محاولت نشر الفيروسيات عبر النترنت والبريد اللكتروني مستمرة‪.‬‬

‫هذه جوانب من المخاطر‪ ،‬وهناك جوانب أخرى لم نتطرق إليها لوضوحها للمراقب والمتابع‪ ،‬ومنها خطر العولمة القتصادية ذلك الغول‬
‫الخطير الذي يهدد دول الجنوب عامة‪ ،‬ويمكن أن يحولها إلى شبه ملكية خاصة للشركات الغرببة العملقة المتعددة الجنسيات‪.‬‬

‫مسـتقبل العــولمـة‪:‬‬

‫يظهر ـ والله أعلم ـ أن هيمنة الغرب وبالذات أمريكا الدولة المركزية على عملية العولمة لن تستمر طويلً؛ وذلك بحسب استشراف‬
‫المريكان أنفسهم لمستقبل دولتهم‪ ،‬وإن كانت ستبقى ذات مـركز عالمي مهم لكن ليس مهيمناً‪ ،‬للسباب التية‪:‬‬

‫‪ - 1‬أن فكرة العولمة ليست مثاقفة بين المجتمعات وحوارا ً بين الحضارات‪ ،‬والتي من شأنها أن تتلقح فيها الحضارات مع الحتفاظ‬
‫بالخصوصيات‪ ،‬وإنما هي هيمنة نمط حضارة واحدة بكل ما تحمله من ازدواجية في المعايير‪ ،‬وتناقض في القيم‪ ،‬وفوضى في الحياة‬
‫الجتماعية‪ ،‬وهذا يؤدي إلى روح المقاومة والمغالبة من الخرين‪ ،‬عندما تبدأ عملية الختراق والتحدي الثقافي والفكري والقتصادي‬
‫والسياسي‪.‬‬

‫ن ظّل ٍو ْ‬
‫ما‬ ‫‪ - 2‬أن طبيعة النسان عندما يملك القوة ول يضبطه منهج رباني‪ ،‬ول يجد مقاومة مكافئة فهو كما قال الله ـ تعالى ـ عنه‪{ :‬إنَّهٍ كّا ّ‬
‫منٍوعْا} [المعارج‪:‬‬ ‫خيًرٍ ّ‬ ‫م َّ‬
‫سهٍ پ ً ّ‬ ‫جزٍوع ْا ><ر ‪20‬ر> ‪ّ$‬إذ ّا ّ‬
‫ر ّ‬ ‫سهٍ پ َّ‬ ‫خلٌقّ هّل ٍوع ْا ><ر ‪19‬ر> إذ ّا ّ‬
‫م َّ‬ ‫جهولْ} [الحزاب‪ ،]72 :‬وقال‪{ :‬إ َّ‬
‫ش ٍَ‬ ‫ن ٍ‬
‫سا ّ‬
‫ن الن ّ‬ ‫ّ ٍ‬
‫‪ .]21 - 19‬ولذلك سيكثر الظلم والبغي والبتزاز ومحاولة السيطرة على موارد الخرين من قِبَل القوياء‪ .‬وأما دعاوى الحرية والمساواة‬
‫وحقوق النسان فتلك داخل مجتمعاتهم‪ ،‬وتستخدم خارجها من أجل مزيد من الهيمنة في الغالب‪ ،‬وهذا سيزيد من حجم العـداء وإثارة روح‬
‫المقاومة‪.‬‬

‫‪ - 3‬أن أيديولوجية العولمة التي تقوم على الترغيب بمجتمع الليبرالية الغربية كما في فكـرة (نهاية التاريخ) عند فوكوياما‪ ،‬وعلى الترهيب‬
‫من الصدام الحضاري كما في أطروحة (صدام الحضارات) عند هنتنجتون‪ ،‬وهما مفكران أمريكيان يستشرفان علقة الغرب بالعالم الخر‪،‬‬
‫هما فكرتان توحيان بأن هذه اليديولوجية التي تسعى إلى محـاولة إلغاء الخصوصيات الحضارية بالترغيب والترهيب يخالف طبيعة الشياء‪،‬‬
‫مما يسبب قيام تيار معاكس في كل حضارة‪ ،‬وبالذات الحضارات التي تملك عناصر القوة والمنعة‪ ،‬ثم يحصل الصراع الذي يعتقده‬
‫هنتنجتون‪ ،‬والسلم في طليعة تلك الحضارات‪ ،‬وخاصة في ظل استهداف السلم بخصومة ضخمة بالرغم من حالة ضعف المسلمين‪.‬‬

‫‪ - 4‬إن توقع أن العالم سيتحول إلى وليات أمريكية كما يعتقد أحد مؤلفي «فخ العولمة» في ندوة له بالرياض هذا العام هو مخالف للسنة‬
‫اللهية التي تحكم هذا الكون‪ ،‬ولسنة التدافع والصراع التي تحكم العلقة بين الحق والباطل منذ وجـود النسان على هذه الرض‪.‬‬
‫فالختلف والتدافع والصـراع كانت من سمات الحياة البشرية عبر التاريخ بسبب الختلف بين الحق الذي جاء به النبياء والباطل الذي‬
‫تدعو إليه الشياطين‪ ،‬أو بسبب نوازع النفس البشـرية وأنانيتها وعنصريتها وظلمها وبغيها على الخرين‪ .‬قال الله ـ تعالى ـ‪ّ${ :‬لّول دفًع پل ّهَ‬
‫ٌ‬ ‫ً ّ ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ت ‪ّ$‬‬ ‫وا ِ‬‫صل ّ ّ‬
‫مٍع ‪ّ$‬بٌيِّع ‪ّ ّ$‬‬‫صوا ٌ‬
‫ت ّ ّ‬ ‫م ً‬ ‫ض ل ّهٍد ٌَ ّ‬
‫ضهٍم بٌبّعً ُ‬‫س بّعً ّ‬‫ه پنَّا ّ‬‫ض} [البقرة‪ ]251 :‬وقال ـ تعالى ـ‪ّ${ :‬لّوًل دّفًٍع پل ّ ٌ‬ ‫ت الًر ٍ‬ ‫سد ّ ٌ‬ ‫ض ل ّفّ ّ‬ ‫ضهٍم بٌبّعً ُ‬‫س بّعً ّ‬‫پنَّا ّ‬
‫َ‬
‫ن ><‪>118‬‬ ‫ختّلٌفٌي ّ‬
‫م ً‬‫ن ٍ‬
‫حدّة ْ ‪ّ$‬ل يّّزال ٍو ّ‬ ‫ة ‪ّ$‬ا ٌ‬‫م ْ‬ ‫ل پنَّا ّ‬
‫س أٍ َّ‬ ‫جعّ ّ‬ ‫ك لّ ّ‬ ‫ه كّثٌيْرا} [الحج‪ ،]40 :‬وقال ـ تعـالى ـ‪ّ${ :‬لّوً ّ‬
‫شاءّ ّرب ٍَ ّ‬ ‫سم ٍ پل ّ ٌ‬ ‫جدٍ يٍذ ًكّرٍ فٌيهّا \ ً‬‫سا ٌ‬
‫م ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫م} [هود‪.]119 ،118 :‬‬ ‫خلقّهٍ ً‬ ‫م ّرب ٍَك ‪ّ$‬لذ ّلك ّ‬ ‫ح ّ‬‫من َّر ٌ‬‫إل ّ‬

‫‪ - 5‬إن وجـود الطائفة المنصورة التي أخبر عنها النبي ‪ #‬إلى نهـاية الزمان والتي هي بعض قدر الله في هذه الرض يتناقض مع الدعوى‬
‫العريضة لهذه العـولمة والمبشرين بها‪ .‬بل فيه إشارة إلى أن ظهور هذه الطائفة سيكون في بعض المراحل على ظلمات وظلم هذه‬
‫العولمة‪ ،‬وأن عدم تضررهم بمن خالفهم وخذلهم إشارة إلى بعض الفئام من المسلمين الذين سيركبون قطارها‪.‬‬

‫وعلى أرض الواقع نشاهد ما يلي‪:‬‬

‫‪ - 1‬المشكلت الداخلية مثـل التفكك السري ـ المخدرات ـ الطبقية‪60 :‬مليون في أمريكا تحت خط الفقر‪ ،‬وفي التحاد الوروبي ‪50‬‬
‫مليون تحت خط الفقـر‪ ،‬وفي أمريكـا ‪ %1‬من الناس يملكون ‪ %40‬من الثروة‪.‬‬

‫‪ - 2‬المراض الناتجة من التحلل الخلقي (اليدز)‪ :‬تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية (الغرب له نصيب كبير من هذه الرقام)‪:‬‬

‫‪ -‬حتى عام ‪2000‬م هناك ‪ 40‬مليون مصاب باليدز‪ ،‬والنساء أكثر إصابة بهذا المرض‪.‬‬
‫‪ -‬عدد المتوفين بسبب اليدز منذ بداية المرض في أواخر السبعينيات حتى عام ‪2000‬م حوالي ‪ 22‬مليون‪ ،‬أكثر من ‪ 4‬مليين منهم من‬
‫الطفال‪.‬‬

‫‪ 250 -‬مليون حالة جديدة من حالت الصابة بأمراض انتقلت عن طريق التصال الجنسي‪.‬‬

‫‪ - 3‬الفوضى الخلقية‪:‬‬

‫وهي إحدى مظاهر القصور في مجتمعات الحضارة المعاصرة‪ ،‬وهذا المظهر مع غيره من جوانب قصور أخرى تخفف من بريق هذه‬
‫المجتمعات وتزهد فيها‪ ،‬ومن أمثلة ذلك‪:‬‬

‫‪ -‬في بعض الدول الوروبية ‪ %65‬من النساء العاملت يتعرضن للتحرش الجنسي في أماكن عملهن‪ ،‬وعلى مستوى كل دول التحاد‬
‫الوروبي تبلغ النسـبة ‪ ،%35‬وهذا بحسب مسؤولة التوظيف والسياسة الجتماعية في المجلس الوروبي في بروكسل‪.‬‬

‫‪ -‬حوالي ‪ %18‬من النساء في أمريكا اغتصبن أو تعرضن لمحاولة اغتصاب في مرحلة من مراحل عمرهن‪ ،‬وأكثر من نصف الضحايا كن‬
‫تحت سن ‪ 17‬سنة عندما تعرضن للغتصاب للمرة الولى‪ ،‬وهذا بحسب دراسة أعدت بتكليف من وزارات العدل والصحة والشؤون‬
‫الجتماعية في أمريكا‪.‬‬

‫‪ -‬كثر التحرش الجنسي في السنوات الخيرة في اليابان حتى بات من الضروري وضع قانون وطني لمكافحته‪ ،‬وذلك بحسب رأي خبيرة‬
‫القضايا القانونية في الحزب الديمقراطي‪ .‬وجاء في هذا الصدد أن شركة القطارات في اليابان تفكر جديا ً بتخصيص عربات خاصة‬
‫بالنساء‪ ،‬وقد بدأ تطبيق ذلك أخيراً‪ ،‬علما ً أن عربات النسـاء الليلية موجودة منذ سنين‪.‬‬

‫‪ - 4‬ظهور ملمح صراع بين أمـريكا وبعض الدول الغربية بسبب الختراق الثقافي والقتصادي كما حصل مع فرنسا ومع كندا عندما احتجتا‬
‫على الهيمنة المريكية على حساب الثقافة المحلية والمتيازات القتصادية‪ .‬وسبق ذكر موقف الرئيس الفرنسي السابق ميتيران من‬
‫ظاهرة لبس الجينز‪ ،‬وموقف الرئيس شيراك من الغزو اللغوي‪.‬‬

‫‪ - 5‬توقع ظهور مراكز قوى جديدة عسكرية واقتصادية (الصين‪ ،‬التحاد الوروبي‪ ،‬اليابان) يمكن أن تنافس أمريكا وتنهي بذلك حقبة‬
‫القطبية الحادية؛ وخاصة مع ما يتوقع من أن أمريكا ستبدأ مرحلة انكفاء على الذات على حساب الهيمنة العالمية في غضون السنوات‬
‫العشرين القادمة حسب دراسات أمريكية‪.‬‬

‫‪ - 6‬مقاومة العديد من دول العالم خاصة النامية للعولمة أو على القل عدم الستسلم لشروطها القاسية؛ وذلك لما ترى لها من أثر على‬
‫تقليص السيادة الوطنية في مـجال صنع السياسات القتصادية وغيرها؛ وخاصة أن هذه الدول ترى أن الزمات المالية والقتصادية‬
‫الطاحنة التي ألمت بالمكسيك عام ‪1994‬م‪ ،‬والبرازيل عام ‪1999‬م وفي غـيرهما كانت نتيجة حتمية للعولمة والندفاع إلى الندماج فيها‬
‫دون قيد وشرط‪ ،‬وأن الطبقية التي تحصل في بعض الدول كمصر‪ ،‬والمتوقعة في أخرى كدول الخليج التي سارت في قطار العولمة أو‬
‫التي تستعد لركوبه مؤشر آخر على ذلك‪ .‬وكمثال على ذلك السعودية التي كان من المقرر أن تنضم لمنظمة التجارة العالمية في نهاية‬
‫عام ‪2000‬م‪ ،‬لكنها قاومت النصياع للشروط واستمرت في المفاوضات إلى الن‪.‬‬

‫‪ - 7‬الزمات العسكرية والثقافية والجتماعية والشعور بالتفكك الداخلي لدى الغرب تزداد عمقاً‪ ،‬كما أنه يزداد عجزا ً عن فرض سياسته‪،‬‬
‫وإن تم له ذلك فبتكاليف باهظة‪.‬‬

‫‪ - 8‬ازدياد وعي جماهير العالم الثالث وخاصة العالم السلمي‪ ،‬وازدياد فهم النخب لقواعد اللعبة الدولية‪ ،‬وبروز روح تمرد عند دوله على‬
‫الهيمنة الغربية (نموذج ليبيا في ما يسمى مشكلة لوكربي)‪ ،‬حيث تمردت دول منظمة الوحدة الفريقية على الحصار الجوي المفروض‬
‫على ليبيا‪ ،‬وتهديد الدول العربية بالتمرد أيضا ً كما في توصيات مؤتمر القمة العربي في عمان‪.‬‬

‫‪ - 9‬إخفاق بعض الطروحات الغربية (تـحرير المرأة) في تلك المجتمعات لدرجة أن باحثة أمريكية أصدرت كتابا ً باسم‪« :‬أخوات في‬
‫الجريمة» ترى أن تحـرر المرأة سوف يزيد من إجرامها‪ ،‬وأنه يمكن التعامل مع الحالة الجرامية للمرأة كمؤشـر على درجة التحـرر التي‬
‫تحققهـا في المجتمع‪ .‬وأوردت بعض الحصائيات التي تدعم وجهة نظرها‪ ،‬وكمثال لذلك خريطة النساء في البرلمانات‪ :‬إحصائية عام‬
‫‪1993‬م الصادرة عن التحاد البرلماني الدولي‪:‬‬

‫أمريكا ‪ %11‬بريطانيا ‪ %9‬فرنسا ‪%6‬‬

‫روسيا ‪ %8‬اليابان ‪ %2‬مصـر ‪ %2‬تركيا ‪%2‬‬


‫ويمكن القول إن معـدل وجود المرأة في البرلمانات والمجالس الشعبية في العالم هو ‪ %10‬بالرغـم من الدعاوى والجهود المبذولة منذ‬
‫مطلع القرن من أجل تحقيق مساواة بين الرجل والمرأة وإلغاء التخصص بين الجنسين على أساس وظيفي‪.‬‬

‫‪ - 10‬مصيدة الديمقراطية وحقوق النسان جعلت الغرب يظهر بعدم صدقه فيما يدعو له‪ ،‬وبأنه صاحب معايير مزدوجة‪ ،‬وهو كذلك كما‬
‫حصل مع الصين ومع التحاد السوفييتي أيام الحرب الباردة‪ ،‬وهو كذلك الن عندما تأتي الديمقراطية بخصوم الغرب إلى الحكم أو تأتي‬
‫حقوق النسـان على حساب بعض أصدقائهم في دول العالم الثالث‪ ،‬ولذا سكت الغرب عن انقلب العسكر على الديمقراطية في كل من‬
‫نيجيريا والجزائر‪ ،‬وهذا يظهر الغرب بعدم صدقه في ادعائه حماية القيم‪.‬‬

‫‪ - 11‬ظهور بوادر إخفاق وعود العولمة ومبشريها في تقليل الفجوة بين الشمال والجنوب على مستوى العالم وعلى مستوى الدولة‬
‫الواحدة؛ فالعولمة تمنح الفرص للشريحة الغنية الضيقة وتظل الشرائح الكبيرة على مستوى الدول والفراد تعاني ويلت العولمة مما‬
‫يعني تكريس الظلم واللمساواة الجتماعية‪ .‬ومن طريف ما كتب في كتاب‪( :‬عالم منفلت ‪ ) Runway World‬أن العولمة التي توصف‬
‫بأنها حولت العالم إلى قرية معولمة صغيرة ‪ global village‬قد حولته أيضا ً إلى عملية نهب معولمة صغيرة ‪. global pillage‬‬

‫‪ - 12‬ظهور تيار عالمي مناوئ للعولمة له جمعياته ومنظماته ومنتدياته داخل الدول الصناعية مثل المنتدى الجتماعي العالمي المناهض‬
‫لمنتدى (دافوس) والتنسيق العالمي المناهض لمنظمة التجارة العالمية‪ .‬ويقوم هذا التيار بدور التوعية بمخاطرها وآثارها السيئة على‬
‫المجتمعات‪ ،‬ويحاول الحتجاج عليها وإبطال أي فعـالية لدفع ودعم تيارها مثلما حدث في (سياتل‪ ،‬ودافوس‪ ،‬ومونتريال‪ ،‬وجنوا أخيراً)‪.‬‬
‫وتظهر عدائية عـدد من منظمات المجتمع المدني الغربي للعولمة في الوليات المتحدة المريكية بشكل أقوى كالمنظمات العمالية‬
‫واتحادات الشغل التي تراقب أثر عولمة القتصاد على معدلت أجور العمال وعلى نسبة البطالة‪.‬‬

‫كيف نستثمر آليات العولمة؟‬

‫كما أن للعـولمة أخطارها الضخمة فإن هناك كثيرا ً من المكاسب والفـرص التي هي جزء من الحركة الفاعلة واليقاع السريع لمعطيات‬
‫العصر؛ فالموقف العقـلني الرشيد ليس فقط المقاومة‪ ،‬وإنما نضيف إلى ذلك ما ينبغي أن يكون عليه موقفنا من استثمار الفرص‬
‫السانحة باستخدام آليات العولمة بما يخدم المسلمين ويحافظ على هويتهم ويبرز موقفهم ويحمي كيانهم‪ .‬ومن أمثلة هذا الستثمار‪:‬‬

‫في مجال العلم والتصالت‪:‬‬

‫‪ -‬إن سهولة التصالت ونقل المعلومات ستُحدِث نقلة نوعية في أساليب الدارة والعمل‪ ،‬فيستطيع الفراد العمل من منازلهم في بعض‬
‫الوظائف‪ .‬وقد بدأت عدد من الشركات المريكية والوروبية بتخصيص أوقـات معينة لكي ينجــز الموظفون أعمالهم الموكلة بهم من‬
‫منـازلهم دون الحاجة للحضور‪ ،‬وأغلب الذين يعملون بهذا السلوب من النساء‪ .‬فهذا السلوب سيتيح الفرصة أمام السر المحافظة‬
‫والمجتمعات المحافظة لنجاز أعمـال كثيرة عن طريق النترنت دون الحاجة لخروج المرأة من منزلها وترك بيتها وأطفالها‪ ،‬وخاصة إذا‬
‫علمنا أن نسبة استخدام النساء للنترنت في مجتمع محافظ كالسعودية نسبة عالية بحسب إحصائية أخيرة‪.‬‬

‫‪ -‬تحرير وسائل العلم وتطورها وسهولة امتلكها وإنشـاء القرى اللكترونية الحرة سيتيح مجال ً لي فرد أو مجموعة أو منظمة تريد أن‬
‫تقيم محطات فضائية أو وسـائل إعلم أخرى لنشر السلم والدعوة إلى الله‪ ،‬ونشر العلم‪ ،‬والدفاع عن المسلمين‪ ،‬والرد على الشبهات‬
‫بحرية دون وصاية أو رقابة رسمية أو الخضوع لنظمة مقيدة‪ ،‬ومن أمثلة ذلك الجهود الحثيثة في أكثر من جهة لنشاء قنوات فضائية‬
‫إسلمية مستقلة داخل القرى العلمية الحرة المقامة في بعض الدول‪.‬‬

‫‪ -‬التغطيه العلمية الواسعة للحداث من خلل الفضائيات أتاحت تغطية واسعة لقضايا المسلمين‪ ،‬وقلل من فرصة العلم الغربي أن‬
‫يعتم إعلميا ً على قضايا المسلمين أو يعرضها من وجهة نظره المنحازة في أغلب الحيان‪ ،‬وكمثال على ذلك التغطية الواسعة لما يجري‬
‫في فلسطين المحتلة بحيث وضع العالم في صورة ما يحدث لحظة لحظة‪ ،‬وكشف ممارسات الصهاينة هناك‪ ،‬ول شك أن العلم له تاثير‬
‫مباشر على صنع الرأي العام الذي يؤثر على النظمة السياسية في سبيل تعديل مواقفها‪ ،‬ومما هو جدير بالذكر أن صورة مقتل (محمد‬
‫الدرة) التي أثرت بشكل ملحوظ على الرأي العام العالمي كانت لقطة لمصور وكالة الصحافة الفرنسية‪ ،‬وهذا أمر أغضب اليهود‪،‬‬
‫وأغضبهم أكثر أن تكون من مصور وكالة غربية‪.‬‬

‫وفي المجال القتصادي‪:‬‬

‫مع التسليم بخطورة العولمة القتصادية على اقتصاديات الدول الضعيفة‪ ،‬وخطورة فتح السواق وتحرير التجارة في هذه الدول والذي‬
‫سيكون لصالح الشركات الكبرى الغربية إل أن كثيرا ً من هذه الدول إذا أحسنت استخدام إمكاناتها وما تتميز فيه من موارد على غيرها من‬
‫الدول الغربية‪ ،‬ورشدت سياساتها القتصادية‪ ،‬وحاربت الفساد المالي والداري المستشري‪ ،‬فإنه يمكنها أن توظف جانبا ً من هذه العولمة‬
‫القتصادية لصالحها فمثلً‪:‬‬

‫‪ -‬النضمام لمنظمة التجارة العالمية يمنع أوروبا من وضع رسم ‪ %12‬على المستوردات البتروكيمائية من بعض الدول السلمية البترولية؛‬
‫فمثل ً النتاج السعودي من البتروكيمائيات يزيد على ‪ %5‬من النتاج العالمي؛ فكم ستكون الفائدة إذا أزيلت الحواجز الجمركية أمام هذه‬
‫السلعة المتوفرة لدى الدول المنتجة للنفط ومعظمها دول إسلمية؟‬

‫‪ -‬يتيح انضمام الدول المنتجة للنفط إلى المنظمة الفرصة للضغط بمعاملته باعتباره سلعة صناعية من سلع المنظمة‪ ،‬فتزول الضرائب‬
‫المفروضة عليه في الدول المستوردة‪ .‬ففي تقرير لمنظمة الوبك مؤخرا ً أظهر أن أكثـر من ‪ %70‬من سـعر النفط المصدر إلى دول‬
‫التحاد الوروبي يذهب إلى الخـزائن الحكومية بينما يحصل منتجو النفط على أقل من ‪ .%30‬كما أوضحت تقارير أخرى أن عائدات أربع‬
‫دول أوروبية من ضرائب النفط في عام ‪1998‬م يفوق عائدات كل دول أوبك من تصدير النفط في ذلك العام‪ .‬فإذا علمنا أن معظم‬
‫الدول المنتجة هي دول إسلمية‪ ،‬ومنها السعودية التي يعادل إنتاجها ‪ %13‬من النتاج العالمي يتبين مدى الفائدة المرجوة‪.‬‬

‫‪ -‬كذلك فالنضمام إلى المنظمة سيدفع إلى إزالة معوقات كثيرة تقف في وجه التنمية‪ ،‬وإلى تحديث النظمة وإلى وجود الشفافية‬
‫لتصحيح مسارات التنمية‪ ،‬وإلى تحديث الجراءات القضائية‪ ،‬وتخليص النظمة الحمائية التي ل تتمشى مع روح النظام القتصادي السلمي‬
‫وتضعف هياكل النتاج‪.‬‬

‫‪ -‬انفتاح السوق مع ما يجلبه من سلبيات إل أنه سيدفع إلى التنافس الذي سيحكم طبيعة السوق الحـر المفتوح‪ ،‬وهذا سيدفع إلى تخصيص‬
‫مؤسسات عامة كثيرة؛ وخاصة قطاع الخدمات الذي يعاني من سـوء في الدارة وضعف في النتاجية في معظم دول العالم الثالث‪،‬‬
‫لتكون أقدر على المنافسة وأوضح للمحاسبة‪ ،‬مما يؤدي إلى ارتفاع مستوى الخدمات وتحسين مستوى المعيشة والرفاهية‪ ،‬وسيخلق بيئة‬
‫عمل حيوية وفعالية أكثر للمجتمع‪.‬‬

‫‪ -‬انفتاح السوق وإزالة العوائق النظامية سيتيح طرح البدائل السلمية في الخدمات‪ ،‬كالبنوك السلمية التي قيد انتشارها في عدد من‬
‫البلدان مع نجاح التجربة‪ ،‬بحيث ستجد فرصتها في سوق الخدمات الحر‪ ،‬كذلك بدائل التأمين التعاوني الشرعي في مواجهة التأمين‬
‫التجاري بصورته الرأسمالية‪.‬‬

‫‪ -‬تتيح التقنية الحديثة للستثمار (التجارة اللكترونية) لمشاركة عدد من مستثمري دول العالم الثالث عبر القنوات المفتوحة‪ ،‬خاصة إذا‬
‫استحدثت قنوات آمنة للستثمار من الناحية الشرعية في أسواق البورصات العالمية‪ ،‬مثل محاولة عدد من المتخصصين في القتصاد‬
‫السلمي إيجاد مؤشر إسلمي على «مؤشر داوجونز» باسم ‪.Dowjones' Islamic Index‬‬

‫وفي مجال النترنت‪:‬‬

‫‪ -‬النترنت ثمرة من ثمار التقنية كسرت احتكار الغرب للمعلومات‪ ،‬وأتاحت فرصة الوصول إلى المعلومات في المجالت المختلفة بنفس‬
‫السرعة المتاحة للغربيين سواء كانت معلومات علمية أو إخبارية‪ .‬وإذا كانت مقولة أن العصر هو عصر المعلومات‪ ،‬وأن هيمنة الغرب هي‬
‫بالمعلومات وذلك باستخدامه الفاعل لها؛ فإن هذه الفرصة أصبحت متاحة لغيرهم‪ ،‬فإذا أحسنا استخدام المعلومة‪ ،‬وعرفنا طرق الوصول‬
‫إليها فسنستطيع أن نقلل الهوة بيننا وبين الغربيين في مجالت عدة‪.‬‬

‫‪ -‬كذلك فالنترنت منبر حـر دون رقيب‪ ،‬وميدان فسيح دون قيود لكل من يحسن استثماره واستغلله‪ ،‬ويستطيع أي مفكر مسلم أو داعية‬
‫مسلم أن يطرح ما يريد من خلل صفحات ل حصر لها‪ ،‬ويمكن نشر السلم والعلم الشرعي وإتاحته لكل من يطلبه دون عناء‪ .‬ويمكن أن‬
‫تصدر صحف ومجلت دورية دون قيد أو شرط‪ .‬وكمثال على ذلك موقع القوقـاز الذي يغطي أخبـار المجاهدين الشيشان على شـبكة‬
‫النترنت؛ فلقد استطاع أن يحطم حاجز التعتيم العلمي عليهم‪ ،‬وأن يضع العالم في صورة ما يحدث هناك بشكل شبه يومي‪ ،‬وشكَّل‬
‫مصدرا ً مهما ً لخبار المجاهدين الشيشان لوكالت النباء العالمية‪.‬‬

‫‪ -‬كذلك نستطيع استخدام هذه الشبكة في مجال الحتساب العام من خلل توسيع مجاله وتطوير مفهومه ليتلءم مع الليات المتطورة‪.‬‬
‫وبذلك نستطيع رفع فعالية المصلحين والمحتسبين على المنكرات العامة الدولية منها والقليمية‪.‬‬

‫ومن أمثـلة هذه المحاولت‪ :‬إصدار وثيقة تستنكر أفعال الصهاينة بالفلسطينيين في بداية النتفاضة الثانية والتي وقعها مئات العلماء‬
‫والدعاة والمفكرين والمثقفين في أنحاء العالم عن طريق النترنت‪ .‬كذلك ما تجريه بعض القنوات الفضائية من التصويت على قضية من‬
‫القضايا وموقف من المواقف الهامة تجاه مستقبل المة ومصيرها‪ ،‬وما تطرحه بعض المواقع على هذه الشبكة من حشد التواقيع ضد‬
‫قضية ظلم تجاه المسلمين وإرسالها إلى الظالمين‪ .‬وكذلك ما تقوم به المنظمات السلمية في أمريكا والمدافعة عن حقوق المسلمين‬
‫مثل منظمة «كير»‪ CAIR‬في واشنطن واستخدامها الفعال للنترنت في الحتساب على منتهكي حقوق السلم والمسلمين‪ .‬ومن أبرز‬
‫المثلة في هذا الجانب كيفية توظيف معارضي العولمـة أثناء قمة سياتل عام ‪1999‬م أدوات العولمة لمواجهتها‪ ،‬حيث نظم المعارضون‬
‫جهودهم ونسقوها عبر شبكة النترنت مما أربك المؤتمر وساعد على هزيمته‪.‬‬

‫‪ -‬استثمار تقنيات نقل المحاضرات‪ ،‬مثل تقنية غرف ‪ PAL TALK‬في نظام هذه الشبكة‪ ،‬حيـث تستطيع أن تلقي دروسا ً وتقدم محاضرات‬
‫وتجري حوارات وتدفع بردود على الهواء مباشرة بشكل مرئي ومسموع‪ ،‬ويُستمع إليك من كل أنحاء العالم‪ .‬وإذا علمت أن المشتركين‬
‫في هذا النظام بلغ حتى الن خمسة مليين مشترك ويزيدون باطراد؛ فلك أن تتصور مقدار المصالح التي يمكن أن تتحقق في باب‬
‫الدعوة ونشر العلم وإزالة الشبهات وترسيخ المنهج‪ .‬وقد استخدم هذا النظام في نقل بعض دروس الحلقات العلمية الصيفية بالرياض‬
‫فكان المستمعون لها من كل أنحاء العالم يتابعون دروسها في الوقت نفسه الذي يستمع لها المشاركون في المسجد نفسه‪ ،‬ويطرح‬
‫البعيدون أسئلتهم كما يطرحها القريبون‪.‬‬

‫وفي المجال الثقافي والفكري والجتماعي‪:‬‬

‫‪ -‬نستطيع أن نوظف المشاركة في هذا النوع من المؤتمرات واللجان في طرح الرؤى السلمية في المجالت الفكرية والثقافية‬
‫حيْدة البشرية عن مصدر الهدى‬ ‫الجتماعية‪ ،‬ونبين مخاطر قيادة الغرب للعالم في هذه المجـالت‪ ،‬ببيان الثار في الواقع وأن ذلك ثمرة ل َ‬
‫والرشاد وهو الوحي‪ .‬كما أن منتديات حوار الحضارات ستكون ميدانا ً فسيحا ً للغزو الفكري المضاد‪ ،‬وسنجد أننا استطعنا القيـام بواجب‬
‫الدعوة إلى الله والشهادة على الناس من خلل هذه المنتديات والفعاليات‪ .‬وسـنجد أننا نملك ما ل يملكه الخر‪ ،‬وأنه أتيحت الفرصة لنا‬
‫لبراز جوانب القوة التي نملكها أمام قوة الغـرب المـادية والتقنية‪ .‬ولعله أن يهتدي من أراد الهدى من خلل الدعوة إلى المنهج الحق‬
‫وبيان محاسنه ومقارنته بفساد مناهج الخرين في هذه المجالت‪.‬‬

‫والملحظ أنه رغم تأثيرات العلم الغربي والمريكي بالذات في نشر نمط الثقافة والحياة المريكية في العالم عبر الفضائيات والفلم‬
‫والمجلت والنترنت فإن الدعوات الدينية والخلقية المضادة ما تزال تكسب أنصارا ً جددا ً في غير مكان من العالم وخاصة في الوليات‬
‫المتحدة المريكية؛ وهذا يجعلنا نتفق مع تأكيد صاحب كتاب‪« :‬توالد العولمة‪ :‬التحولت والممانعة» بتلزم التحولت العولمية مع ازدياد‬
‫تحولت الممانعة والمقاومة لها‪ ،‬وأن المنظومات الدينية تعتبر من أكبر المنتفعين من العولمة ل سيما من جهة استثمار وسائل التصال‬
‫الحديثة وتوظيفها لنشر رسالتها الدينية‪.‬‬

‫‪ -‬كذلك يستطيع العرب المسلمون أن يحدثوا عولمة للغة العربية خاصة في أوساط المسلمين‪ ،‬وذلك بما يضخونه من مواد علمية وفكرية‬
‫وشرعية وقرآنية مكتوبة أو مسموعة بحيث يعتاد المسلمون من غير العرب قراءة هذه المواد وسماعها مما ينعش حيوية اللغة العربية؛‬
‫خاصة إذا استحضرنا العلقة الوثيقة بين اللغة العربية والدين السلمي‪ .‬ومن جهة أخرى يمكن أن يؤدي ذلك إلى تقليل شأن اللهجات‬
‫المحلية والقطرية لصالح الفصحى‪.‬‬

‫وخلصة القول‪:‬‬

‫هناك فرص أخرى كثيرة يمكن للمتأمل أن يجدها فيما تتيحه المعطيات الجديدة المشكِّلة لبيئة العولمة‪ ،‬ولكن ل نعقلها وندرك كيفية‬
‫استثمارها إل بفهم عميق وإدراك ذكي لقوانين هذا العالم وطبيعة هذه العولمة‪ ،‬ومعرفة جوانب القوة وجوانب الضعف في مراكز القوى‪،‬‬
‫وكيف ينشأ القرار العالمي‪ ،‬واستيعاب استخدام التقنية وتعميمها بحيث ل تبقى في محيط النخبة فقط‪.‬‬

You might also like