Professional Documents
Culture Documents
كل حرب تبدأ من الكلمة
كل حرب تبدأ من الكلمة
واليوم ،حتى الصغير ،أصبح يعرف إن :الحرب هي استمرار للسياسة ولكن بوسائل أخرى ...واليكم
المثال النموذجي والمعروف جدًا والذي يؤكد تلك المقولة :الحرب الباردة بدأت منذ أن ألقى تشرشل خطابه في فولتون عام .1946وفورا "بعد أن
انتصرت الوليات المتحدة المريكية وحلفاؤها الغربيون في تلك الحرب الباردة باشر هؤلء أنفسهم حربا" جديدة ـ من اجل السيطرة الكاملة على
العالم .وهذه يمكن تسميتها "حرب الكلمات" ذلك أنها بدون إراقة دماء وربما من دون طلقة واحدة قادرة على ابادة الجيوش الوطنية وزعزعة
الحدود الدولية والقومية ،وتقويض استقرار شعوب بأكملها .والسلح الساسي في هذه الحرب ـ العولمة !!
لشك إن العولمة ظاهرة متعددة الوجه ومعقدة للغاية .ومن المستحيل الخوض في التفاصيل من خلل مقال واحد مهما كبر .ولكن سنحاول الوقوف
على بعض الجوانب الرئيسية والمفتاحية ،من وجهة نظرنا ،والتي ستقدم تصوراً كافياً عن هذه العملية ككل.
مهما بدا ذلك غريباً فان أفكار العولمة ،حقيقة ،لم تظهر لول مرة ل في نهاية القرن العشرين ول في أمريكا أو أوروبا الغربية .وإنما يمكن القول أن
أول "إنسان عولمي" في تاريخ البشرية كان ..السيد المسيح! هو بالضبط الذي أعلن ،ومنذ أكثر من ألفي عام أن ما يجب أن يوحّد البشرية ليس
النتماء لعرق أو لشعب أو دولة ما ..وان ما يوحدها هي "فكرة علوية" حول الخوة والمساواة الكاملة .لكن قطعاً لم يكن السيد المسيح يقصد أن
تحكمنا حكومة عالمية ول حتى قداسة البابا في روما ،والذي لم يرد ذكره على لسان يسوع ،بل ما قصده المخلص هو الب السماوي.
أفكار العولمة على طريقة " السيد المسيح " كانت تفهم وتطبّق ،في القرون الوسطى ،من قبل أقوياء العالم بشكل مباشر ووحيد الجانب :مبشّرين
بعقيدتهم وبالتالي بإيديولوجيتهم ،إن رجالت الكنيسة كانوا يضطهدون مخالفيهم في الرأي بالحديد الملتهب وحاولوا تصفية أصحاب "الرأي الخر"
بالحرق أو شنوا الحملت الصليبية ضد "الكافرين“ .وقد مارس الملوك نفس الشيء وبنفس الساليب ولكن بشكل أوسع ..إذ لم تتوقف الحروب في
أوروبا ـ فعلى امتداد ألفي سنة من التاريخ الحديث لم تعرف أوروبا ما مجموعه أكثر من عشرين سنة هدوءاً وبدون حروب !!
لكن المر تغير قليلً مع نشوء وتمكن الفكار ما فوق الوطنية لمفكرين اشتراكيين -طوباويين من أمثال سان -سيمون وفورييه أو من هم اقرب إلينا –
الشيوعيون :ماركس وانجلس ولينين .فبالنسبة لهؤلء حلّت "فخامة البروليتاريا" مكان ال كمركز موحّد جامع للعالم" ..يا عمال العالم اتحدوا" ــ
تحت هذا الشعار انطلقت أضخم واغرب تجربة سياسية أممية في التاريخ :بداية في جمهورية فرنسا القرن التاسع عشر ،ومن ثم على سدس الكرة
الرضية ـ روسيا وبعدها كل العالم.
ل من الشتراكيين -المميين جاء العولميون -المحدثون من "موجة جديدة" ،مع أفكارهم الخاصة حول القتصاد الممي ومع فكرة حكومة
واليوم بد ً
عالمية واحدة.
الملفت للنظر انه مع كل انقلب سياسي جديد نرى المنتصرين يلجأون فقط إلى تغيير الغطاء اليديولوجي للصلحات الجارية .في حين إن جوهر
هذه الخيرة هو هو ذاته :السيطرة "ما فوق الحكومية" ،و"ما فوق الوطنية" ،والكاملة للقلية الشوفينية على شعب بلد معين ،ومن ثم على شعوب كل
العالم.
كما قال أحد المفكرين إن السياسة هي تكثيف للقتصاد .أما أنا فسأغامر وأضيف لذلك المفكر وأقول :إن الهرطقة الكلمية لجميع أولئك " الـ ..يين"
هي مجرد غطاء تكتيكي للوصول إلى هدف استراتيجي واحد -أل وهو دوماً السيطرة الكاملة والشاملة ،القتصادية في الدرجة الولى ،على العالم.
إنما اللحظة التاريخية فقط هي التي تفرض من حين لخر التوجهات السياسية اللزمة لتحقيق ذات الهدف أولً وأخيراً.
بخلف الشتراكيين -المميين السابقين ،إن " المميين " (الحاليين ـ العولميون وفي صراعهم مع اليديولوجيا الشيوعية) ل يجهدون أنفسهم بتقديم أية
أدلة على صحة وجهة نظرهم ،ببساطة هم اعتبروا آباءهم الروحيين والسابقين لهم ،أي الشيوعيين المميين" ،خارجين عن القانون"؛ وان أفكارهم
غبية وهدّامة ،وفي أفضل الحالت هي أفكار خاطئة وانسدادية الفق أي غير قابلة للتطبيق.
لكن في الواقع فان أوجه القرب أو التشابه بين هذين التيارين من الممية هو أكثر مما يبدو للوهلة الولى .التشابه ينبع من وحدة الهدف .مثلً هؤلء
وأولئك يعتقدون بإمكانية التحكم بالعالم من خلل القوميسارات أو عملء فّعالين .فمن اجل الستيلء على بقعة أو بلد ما يتوجب بداية تأسيس
وصياغة ومن ثم زرع الغطاء اليديولوجي اللزم لمثل هكذا "عملية" .بالضبط لهذا السبب يتم اليوم الستيلء على الصحف وقنوات التلفزة كما
كانوا سابقاً يسعون ولو عبر المعارك والقتال للسيطرة على محطات القطارات ومراكز البريد والهاتف .نظرياً ،أكثر أهمية فهو أن أية عولمة حالية
أو لحقة ل تضع هدفاً لها تحسين مستوى معيشة الغلبية .نظرياً ،في الشعارات ـ نعم .أما على ارض الواقع ـ هراء .ففي عصر الشتراكية كان
يقدم لتلك الغلبية الحد الدنى للمتوسط الضروري ـ في الحقيقة ليس أكثر من مستوى حافة الفقر حيث فعلً لم يكن يوجد جائعين بالمعنى الحرفي
للكلمة .وبما انه من المستحيل أن نصبح جميعاً أغنياء كفاية فقد كانت أمام المجتمع مهمة إيديولوجية ترمي لبناء "إنسان واعي فوق العادة“ ،الذي
يجب أن تبقى متطلباته المادية في الحدود الدنيا الممكنة للبقاء .تذكّروا شعار مرحلة الشيوعية المنتصرة" :من كل حسب استطاعته ،ولكل حسب
حاجته" ــ شعار بقدر ما هو رنان بقدر ما هو خيالي .الحقيقة هي إن متطلبات الفرد ل حدود لها .كلما ازداد تملكه ــ كلما كبرت رغباته وحاجياته.
ولن تكون نهاية لتلك الثنائية .على كل حال طالما أن الكرة الرضية مصابة بداء الستيطان من قبل بني البشر ؟! .
ذات القضايا والشكاليات كانت قائمة في حينه أمام رجالت الكنيسة .في البداية ،أنكرت المسيحية على المؤمن الغنى الشخصي واعتبرت الثروة آفة،
بينما صار الفقر يعادل الكبرياء و بطاقة مرور إلى جنات السماء .خصوصاً لو أصبح المرء فقيراً بسبب تبرعه بأمواله في سبيل قضية إيمانية .فقط
من يضحي لجل "الهيكل" (أي لجل الفكرة) ،والذي ل يملك سوى "ما هو ضروري للعيش" ،كان لديه المل في دخول الجنة السماوية .أما
المبشرون الرئيسيون لهذه اليديولوجية ـ باباوات الكنيسة في روما ـ فقد أحاطوا أنفسهم بكل أشكال البذخ والثراء لدرجة الل معقول.
لشيء جديد في عالمنا الرضي .فكل ما يجري في أيامنا معروف وواضح .ومهما نظّر العولميون ـ المميون الحاليون فان العولمة تسبب فرزاً
عميقاً في المجتمع وفق درجة التملك .أما المجتمع الديموقراطي ،خصوصاً في بلدان الشتراكية سابقاً ،فلم يعد له وجود بعد أن انقسمت تلك
المجتمعات إلى "سوبر أغنياء" ،وفقراء بالمعنى البسيط والدقيق للكلمة .وحتى في الوليات المتحدة المريكية ـ قلعة العولمة ـ فقد انخفضت أجرة
العمل حوالي %10من قيمتها الفعلية خلل العشر سنوات الخيرة .هذا ما يعلنه صراحة معارضو العولمة في أمريكا ،بينما ينكرونه ويتسترون
عليه خبراء القتصاد ـ العباقرة في روسيا ـ أصحاب التوجه الغربي.
ومن خصوصيات العولمة الحالية هو حصول تبدلت بنيوية في سوق الستهلك في البلدان الغربية المتطورة اقتصادياً .ذلك إن البضائع والخدمات
التي كانت متوفرة للغنياء فقط في السابق كانت تدريجياً تصبح في متناول الطبقة الوسطى .أما الن يجري تناقص فعلي في الموارد والخدمات ذات
الطابع الشعبي الواسع ..بينما النخبة تسبح في سوق السلع الفخمة والعجائبية .وهذا يحصل أبداً ليس لن المواطن المريكي قد أصبح مؤخّرا في
مصاف الثرياء .وهنا قد يتبادر للذهن سؤال عن العلقة بين العولمة وبين انخفاض مستوى معيشة المريكي أو الروسي أو اللماني ..الجواب بسيط
للغاية .عندما يتحول راس المال الوطني ،في مثالنا المريكي أو الروسي أو اللماني ،إلى راس مال عابر للحدود ،حينها فانه يفقد بقايا ما يسمى
"الوطنية"؛ ذلك أن الشركات الفوق ـ قومية ،المريكية وغيرها ،وبعد أن تتحرر من انتمائها لية دولة ،تبني مصانعها ومؤسساتها أينما يحلو لها
بمجرد أن تتوفر اليد العاملة والمواد الخام الرخيصة .بالتالي فان المريكيين وغيرهم ،الذين اعتادوا على أجور عمل ممتازة لقاء أعمالهم الرفيعة،
سيفقدون أماكن العمل وبعدها الجور العالية .كما انه ،وهذا هو الهم ،لن يعود هناك مفهوم "خيانة الوطن" بالنسبة لذلك "المواطن العولمي“ ،طالما
أن مفهوم الوطن بحدوده المعروفة سابقاً لم يعد له وجود بالنسبة لذاك "المواطن المعولم“ .بل ينشأ لديه مفهوم جديد هو "البيت" الذي يبنيه أو
يشتريه حيث يجد الراحة في لحظة ما .لهذا بالتحديد لجأ من يعرفون اليوم بـ "الروس الجدد" إلى نقل أموالهم ،وسوف يقومون بنقل كل ما يستطيعون
"تحصيله" في روسيا إلى الخارج .إن تحويل روسيا إلى مجرد مصدر مواد خام تابع للقتصاد الغربي ـ هو في راس أولويات العولمة الحالية .وقد
سبق واعد نفس المصير لبلدنا منذ أكثر من مائة عام من قبل الشيوعيين ـ المميين .لقد تم في حينه توظيف الطاقات القتصادية والعسكرية لروسيا
من اجل إزالة النظام العالمي المبريالي القديم ذو الخصائص القومية وذلك من اجل بناء الممية الشيوعية .لكن السلطة الروسية حينذاك تمكنت من
قلب المعادلة وبعد أن تخلصت من أباطيل وأوهام الثورة العالمية قامت بنقل البلد إلى مصاف الدول العظمى في العالم .الن يحضّر نفس المصير
لروسيا ـ امتداد من الثروات الطبيعية ملحق باقتصاد أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية .ونحن نسير "بنجاح" في هذه الطريق وبسرعة باهرة جديّ.
صعد عدد السكان حتى الـ 50مليون نسمة "المقررة والمسموح لنا بها ،ولذلك نقوم بتهديم كل ما ل يتعلق بتامين عمل القطاعات المعتمدة على
التصدير؛ وهمنا المحافظة على المستوى المطلوب للغرب من إنتاج النفط والغاز .أما احتياجات القتصاد الروسي فل تهم أحدا "بشكل جدي".
بالنسبة لهم أوروبا الموحدة ،أما نحن " حق القليات والقوميات في تقرير المصير " لدرجة الفظاعة والنفخ المتزايد في الصراع المفتعل بين
ديانتين تاريخياً متعايشتين في روسيا :المسيحية والسلم.
خلل شهري حزيران ـ تموز 2001فقط هبطت أسعار النفط والغاز في السواق العالمية بنسبة %15وبالنسبة للنفط الروسي .%20إن تلك الواقعة
يمكن أن تعني بداية النهاية "للعجيبة القتصادية" التي وكأنها تحققت في عهد النظام الجديد لروسيا ،ذلك أن المقياس لحياة طبيعية في البلد ـ
الميزانية ـ ل تزال تبنى ليس على بعث وزيادة النتاج المحلي ،وإنما فقط على ارتفاع أسعار النفط الخام والغاز المصدّر .فإذا ما انخفضت السعار ـ
تهتز الميزانية :إن سياسة العولمة لن تسمح لروسيا أبداً بالنهوض والوقوف على قدميها .بالطبع طالما إن حكومتنا الوطنية ستستمر في نهجها
الموالي للغرب وبشكل أعمى والذي سيؤدي ل محالة إلى الهلك
العــــولمــة
مقـاومة واستثمار
هذه المقالة محاولة اجتهادية لطرح رؤية موضوعية لقضية العولمة ،وهي الجمع بين فكرة المقاومة والستثمار؛ وذلك أن معظم الخطاب
السلمي في هذه القضية يتناول جانب المقاومة وبيان المخاطر الضخمة للعولمة؛ وهذا أمر مهم ل بد منه .ولكن جانب الصورة الخرى
يبدو أنه ل يقل أهمية على الرغم من قلة من يتطرق إليه؛ حيث نتلمس وجودنا السلمي من خلل خريطة العولمة الضخمة والسريعة
اليقاع فيما نسميه في هذه المقالة بالستثمار.
وهناك جانب آخر وهو جانب تصوريٌّ يساعد على التوصل إلى الحكم السابق ،وهو فهمنا لطبيعة هذه العولمة من خلل الملمح والواقع
والمستقبل ،وأن فيها جانبا ً ليس إرادة مقصودة للقوياء ،وينبني على هذا الفهم أن بعض سلبياتها قد يرتد على أصحابها؛ فهل تنجح هذه
المقالة في تحويل بعض صور الخطاب العاطفي حول هذه القضية ليكون أكثر موضوعية؟
مقدمة:
مصطلح العولمة مصطلح جديد ظهر في العالم الغربي في بداية عقد التسعينيات ،وقد سبقه حدثان ضخمان أثرا في حركة العلقات
الدولية واتجاهاتها وعلى موازين القوى في العالم :الول :سقوط المعسكر الشرقي الذي اتخذ من سقوط جدار برلين رمزا ً له في عام
1989م ،والذي أنهى فـترة من الحرب الباردة بين المعسكرين (وارسو/الطلسي) بدأت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ،وصاحبها حالت
جْزر إلى التهديد بحرب عالمية ثالثة مباشرة أثناء أزمة
من الستقطاب والمد والجزر في علقات هذين المعسكرين؛ بحيث وصلت في ال َ
الصواريخ الكوبية ،وفي المد وصلت إلى التفاق على تقسيم مناطق نفوذ في بعض بقاع العالم ،وبين ذلك حصلت حروب بالوكالة كما
حصل في فيتنام وأفغانستان .وقد أتاحت حالة الحرب الباردة والصراع والتنافس العالمي على مناطق النفوذ وجود هامش من الحرية لما
سمي بـ (دول عدم النحياز) مكّن كثيرا ً من الدول من الستقلل عن الدولتين الكبيرتين أو إحداهما.
ثم جاء الحدث الخر الكبير وهو حرب الخليج الثانية في عام 1991م ،وهي حرب شبه عالمية لكن من طرف واحد ودون تكافؤ في
القوى .وانتهت هذه الحرب بانتصار أمريكي غربي أضيف إلى ذلك النصر التاريخي على المعسكر الشرقي .وهذان النتصاران أتاحا
لمريكا نوعا ً من السيادة العالمية مستغلة تقدمها التقني والقتصادي وقوتها العسكرية في تكريس هذه السيادة .فبدأ في هذا الظرف
التاريخي ظهور مصطلحات جــديدة مثل «العالم الجديد» ومثل «العولمة» .وهذا المصطلح الخير أخذ حظه من النتشار باعتبار أنه يمثل
حركة الهيمنة والسيادة الغربية بأسلوبها الحضاري الجديد ،وظهرت أعمال وكتابات كثيرة لدى الغربيين تؤدلج هذه الفكرة مثل فكرة
شهرت أخيراً.
«نهاية التاريخ» ،وكذلك فكرة «صراع الحضارات» وإن كانت سابقة لفكرة نهاية التاريخ إل أنها ُ
تعـاريف:
البعد القتصادي يأخذ النصيب الكبر في أدبيات الكُتَّاب الغربيين عن العولمة لقوة تأثيره على الدول والمجتمعات وارتباط كثير من
المجالت به .وكمثال لذلك كتاب« :فخ العولمة»؛ فإنه يركز على البعد القتصادي وأثره على المجتمعات الغربية .كما أن العولمة
القتصادية هي المجال الوحيد الذي اتفق على تعريف له؛ حيث تبنى مؤتمر المم المتحدة للدارة والتنمية UNCTADتعريفا ً لها يقوم على
فكرة فتح السـواق والتبادل الحر وتقليل سلطة الدولة على حركة القتصاد .لكن هذا المصطلح اكتسب فيما بعد دللت استراتيجية
وثقافية مهمة من خلل تطورات عديدة بدأت منذ أوائل التسـعينيات .ومن هنا ل نستطيع أن نتوقف عند هذه النظـرة والرؤية الجزئية
للعولمة ،وإن كانت مهمة .ولذا عبر كثير من المفكـرين والكتاب عن رؤية أشمل للعولمة .وهذه النظرة الشمولية بدأت تظهر أخيرا ً حتى
على الكتابات الغربية .ومن الطريف أن كاتبين غربيين أصدرا في عام 2000م كتابا ً بعنوان« :إعادة النظر في العولمات» هكذا بصيغة
الجمع . )Rethinking Globazation)s
هي التوجه اليديولوجي لليبرالية الجديدة التي تركز على قوانين السـوق ،والحرية المطلقة في انتقال البضائع والموال والشخاص
والمعلومات في القتصاد ،وعلى فكرة الديمقراطية في البعد السياسي ،وعلى مفهوم الحرية والمساواة المطلقة في البعد الجتماعي
والخـلقي .فهي نظام عالمي يشمل المجالت السياسية والفكرية والثقافية والجتماعية ،كما يشمل مجال التسويق والمبادلت
والتصال.
ويرى بعضهم أنها فكرة تعبر بصورة غير مباشرة عن إرادة الهيمنة على العالم وتغريبه أو أمركته مستغلة مظاهر وآليات التطـور
الحضاري الذي يشهده العصر :فالهيمنة العسكرية بواسطة الحلف العسكرية ومنها حلف الطلسي ،والسياسية بواسطة الهيمنة على
مجلس المـن ،والقتصادية من خلل المنظمات الدولية القتصادية مثل منظمة التجارة العالمية ،والجتماعية من خلل مؤتمرات دولية
وإقليمية ،والفكرية من خلل القوانين والتفاقيات والصكوك الدولية في هذا المجال؛ مدعومة بقوة دفع ضخمة بواسطة إمبراطوريات
إعلمية وشبكة معلومات دولية (إنترنت) يسيطر الغربيون على معظمها؛ حيث اعتبر بعضهم (جارودي) العولمة هي السم الجديد
للستعمار.
وفي المقابل يرى بعض آخر أن العولمة هي اتجاه فطري للنسان يتسارع أثره مع تطور آليات التصال بين المجتمعات وتركيز الصناعات
وتجاوز المجتمع التقليدي ،وأنها مظهـر من مظاهر التطور الطبيعي الحضاري المعاصر ،وأن المجتمعات الكثر حضارة تفيض على
المجتمعات القل حضارة بشكل تلقائي عبر قنوات تصل بين المنبع والمصب .فهو نظام رأسمالي أكثر تكامل ً وليس رسملة للعالم
بالمفهوم الغربي أو المريكي .وقد يعبر عن ذلك بطريقة أخرى فيقال :إن ما يحـدث هو إفراز من إفرازات الدولة الحضارية في لحظة
تضخم قوتها في المجالت المختلفة على العالم من حولها.
ويتفق عدد من المفكرين بأنها آلية يمكن أن تؤدي بشكل متسارع إلى نشـوء نظام عالمي جديد بواسطة ثلثية التكنولوجيا ورأس المال
والدارة ،وتشمل السياسة والقتصاد والثقافة والجتماع والعراف ،ليؤسس القرية الكونية الجديدة التي تقوم على ثورة الكمبيوتر
والتصالت والثورة المعلوماتية والسواق المفتوحة والشركات متعددة الجنسيات لتوحيد مصير النسانية.
هذه أهم الدبيات في توصيف واقع العولمة ومستقبلها؛ على أن الساحة الفكرية المنظ ِّرة لفكر العولمة ل تخلو من اتهام لمثل هذه
الطروحات موجه إلى بعض نقاد العولمة وإلى بعض مؤيديها بالمبالغة.
السؤال الن:
هل العولمة مظهر من مظاهر التطور الحضاري الطبيعي الذي يشهده العصر ولكنه يتم بمقاييس القوياء؟ أم أنها عقيدة تعبر بصورة
مباشرة عن إرادة الهيمنة على العالم من قِبَل القوياء؟ ليكن الحال مزيجا ً من المرين والنتيجة واحدة وهي :سيطرة القوياء مادياً
وحضاريا ً على الضعفاء مستخدمين قدراتهم وسبقهم في توظيف آليات العولمة وثمار التقنية لصالحهم؛ حتى تتم عملية «تغريب العالم»
كما وصفها أحد الكتاب الغربيين أو «أمركة العالم» حسب وصف أحد الكتاب المسلمين ،وهو ما دعا الرئيس المريكي السابق كلينتون
إلى أن يقول« :إن أمريكا تؤمن بأن قيمـها صالحة لكل الجنس البشري ،وإننا نستشعر أن علينا التزاما ً مقدسا ً لتحويل العالم إلى
صورتنا».
مجـالت العـولمة:
تظهر العولمة في مجـالت عديدة من مجالت الحياة التي تشكل شبكة العلقات الدولية المعاصرة ،وأهم هذه المجالت:
وترتكز العولمة فيه على فكرة وحدة السوق ،وإزالة العوائق أمام حركة رأس المال ،وحرية القتصاد ،واتخاذ الدولر معيارا ً للنقد ،وتحويل
المجتمعات إلى مجتمعات منتجة هي مجتمعات الدول الصناعية ،ومجتمعات مستهلكة هي مجتمعات الدول الخرى؛ حتى أصبح مظهر
التأثر الستهلكي للعولمة هو لبس الجينز وشرب الكوكا كول وأكل الهمبرجر ومشاهدة المحطة الخبارية ،CNNوكلها نتاج أمريكي،
لدرجة أن الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا ميتيران وقف يخطب في الجموع المحتشدة محـذرا ً من تفشي ظاهرة لبس بنطلون الجينز
بين الشباب الفرنسي؛ لنه مظهر من مظاهـر الغزو المريكي.
-1صندوق النقد الدولي والبنك الدولي :وهما منظمتان أمميتان .فالول يقوم على ضبط النقد الدولي واستقراره ،والخر يمارس عمليات
القراض ودراسات الجدوى في مجال النشاء والتعمير للدول المتضررة من الحروب والدول الفقيرة ضمن شروط قاسية.
- 2منظمة التجارة العالمية :من خلل قوانينها في السلع والخدمات وحقوق الملكية الفكرية ،ومن خلل هيئة فض المنازعات والتحكيم؛
حيث تحوَّل مفهوم التجارة لدى المنظمة من مفهـوم تقليدي إلى مفهوم يشمل البيئة والعمل وحقوق النسان والعمال .وهذه المؤسسات
الثلث تشكل ثالوثا ً خطيرا ً يمكن أن يمسك بخناق الدول الفقيرة حتى يجعلها في تبعية شبه كاملة للغرب وشركاته.
- 3العلم والدعاية العلمية :وهي من أوضح الوسائل لترويج المنتجات الستهلكية ،وتروج معها بشكل غير مباشر البيئات المطلوبة
التي هي إفراز للثقافة والمصالح الغربية ،وتقوم إمبراطوريات إعلمية على خدمة الدعـاية والعلن ،وتنفق الشركات الكبرى مئات
المليين من الدولرات سنويا ً على هذه الخدمة.
- 4الشركات المتعددة الجنسيات :التي نجح الكثير منها في الهيمنة على السوق بنوعية منتجاتها وخدماتها ،وبضخامة رأس مالها،
وباندماجاتها.
ولقد شهد العالم اندماجات ضخمة بين شركات عملقة Mega Mergersفمثلً:
ويكفي أن نعلم أن رأسمال الشركات المندمجة في مجال الحاسبات فقط على مستوى العالم قد قفز إلى 246مليار دولر عام 1999م
بينما كان 21مليار دولر عام 1988م.
وهناك صناعات أخرى لم تذكر :كالتأمين ،وصناعات الطائرات المدنية والحربية .وفي المجالت المذكورة أمثلة أخرى مهمة جداً.
وقد يكون من المناسب التذكير بالتغير الذي طرأ على موقف الحكومات الغربية من مثل تلك الممارسات؛ فقد كانت تلك الممارسات تعد
صيغة احتكارية يمنع منها القانون .ولكن اللعبة تغيرت ،والسوق كبرت ،وأصبح التحدي ليس محلياً ،بل ول غربياً ،بل على مستوى العالم
كله ،مما حدا بالدول الغربية إلى تجاوز الفهم التقليدي للحتكار في أسواقها لمساعدة شركاتها للحصول على نصيب أكبر من السوق
العالمية.
وذلك بتنميط العالم على نحو من نمط المجتمعات الغربية (تغريب العالم) وبالذات أمريكا (المركة)؛ وذلك بنقل قيم المجتمع الغربي
والمريكي بالذات ليكون المثال والقدوة ،سواء ما نقل منها بإرادة مقصودة ،أو ما انتقل منها نتيجة طبيعية لرغبة تقليد الغالب؛ لن المة
المغلوبة مولعة بتقليد الغالب؛ كما قال ابن خلدون .وتسلك العولمة الجتماعية وسائل لذلك منها:
أ -المؤتمرات الدولية في مجال المرأة والشباب والطفال والسكان والتنمية الجتماعية والمستوطنات البشرية ،التي شهدتها حقبة
التسعينيات بشكل كبير وما زالت متواصلة؛ حيث تطرح وثائقها وتوصياتها نموذج الحياة الجتماعية الغربية .ومثال ً على ذلك ما طرح في
وثيقتي مؤتمر السكان في القاهرة ومؤتمر بكين عن المرأة.
ب -نقل السلوكيات والعادات الغربية من خلل المواد العلمية في القنوات الفضائية وشبكة النترنت .والمثال على ذلك عيد الحب
، Valentineوهي عادة غربية ذات أصول دينية وثنية وأخلقية غربية ،وقد بدأ ينتشر حتى في المجتمعات المحافظة كدول الخليج.
وذلك بترويج اليديولوجيات الفكرية الغربية ،وفرضها في الواقع من خلل الضغوط السياسية والعـلمية والقتصادية والعسكرية أيضاً؛
وذلك في مجالت عدة كحقوق النسان ،والديمقراطية ،وحقوق القليات ،وحرية الرأي .وتستخدم في ذلك آليات ووسائل منها:
أ -إصدار الصكوك والتفاقيات الدولية المصاغة بوجهة نظر غربية والضغط من أجل التوقيع عليها ،مثل (العـلن العالمي لحقوق النسان،
مكافحة التمييز ضد المرأة ..إلخ) .وهذه التفاقيات وإن كان فيها بعض الحق إل أن فيها الباطل ،ويكفي أنها مصاغة بوجهة نظر غربية
صرفة.
ب -إصدار القوانين من أجل استخدامها ضد دول العالم الثالث باسم حماية القليات ،مثل قانون التحرر من الضطهاد الديني الصادر عن
الكونجرس المريكي.
ج -إصدار التقارير الدورية للضغط العلمي والسياسي والقتصادي على المجتمعات الخرى ،مثل إصدارات الكونجرس المريكي ووزارة
الخارجية المريكية الدورية ،وإصدارات المنظمات العالمية الكبرى الدورية ،بل حتى الشركات التي تعنى بالتصنيف الئتماني (أي الملءة
المالية) للدول؛ حيث تستغل لصالح الدول والبنوك والمؤسسات المالية الغربية.
وذلك من خـلل استخدام المم المتحدة بعد الهيمنة عليها وعلى مؤسساتها السياسية المؤثرة خاصة مجلس المن الذي تعتبر قرارته
ملزمة عالمياً ،واستخدام حق النقض (الفيتو) المجحف عند الضــرورة أو التلويــح باستخدامه لمنـع أي قـــرار ل يريده الغرب وخاصة
أمريكا .ولعل ما يجري الن من تعسف أمريكي بدعم بريطاني ومجاملة من بقية العضاء الدائمين في استعمال هذه المنظمة العالمية
لتكريس هيمنة أمريكا دليل على ذلك .وما كشفه بطرس غالي المين العام السابق للمم المتحدة في كتابه« :بيت من زجاج» بعد خلفه
مع أمريكا هو غيض من فيض.
وذلك من خلل الحلف والمعاهدات العسكرية التي تعقدها الدول الكبرى وبالذات أمريكا مع الدول الصغيرة ،ومن خلل الحلف
القليمية التي تكون هذه الدول طرفا ً فيها ،وكذلك من خلل حلف الطلسي الذي حددت أهدافه تجاه الجنوب بعد أن كان تجاه الشرق
بعد انتهاء الحرب الباردة وسقوط التحاد السوفييتي وانحلل حلف وارسو.
-سوف يدور قريبا ً حول الرض حوالي 2000قمر صناعي للتصالت المدنية سوى أقمار التجسس والقمار ذات الغراض العسكرية.
ويكفي أن نعرف أن (بل جيتس) صـاحب شركة مايكروسوفت وعد بمفرده بإطلق 500قمر صناعي لخدمة التصالت ونقل المعلومات.
-تضاعف استخدام هذه التقنية عالميا ً حتى جاوز الوقت الذي استهلك في التصالت 60مليار دقيقة في عام 1995م ،وتضاعف سوقها
حتى قارب الن من نصف مليار دولر سنوياً ،ويزداد بنسبة %10سنوياً.
-ستقل تكلفة التصالت إلى أن تصبح شبه مجانية في غضون السنوات العشر القادمة .فعن طريق النترنت الن بإمكان أي شخص في
منطقة الخليج التصال بأوروبا وأمريكا بتكلفة ل تزيد عن 4سنتات للدقيقة.
-صرحت شـركة كيوويست Qwestللتصالت المريكية أن نظامها التقني الحديث يستطيع نقل كم هائل من المعلومـات يوازي ما تحويه
مكتبة الكونجرس من واشنطن إلى أي مكان في العالم خلل مدة ل تتجاوز عشرين ثانية.
-التطـور التقني القادم سيشمل أجهـزة التلفـاز خاصة بعد تطـوير الشاشة عـالية الوضوح ( .)High definition TVوسيكون الدخول
إلى النترنت عن طريق التلفاز والتحكم بالبرامج أسهل .وقد بدأت الكثير من القنوات التلفزيونية بث برامجها عبر شبكة النترنت Web
TVمثل قناة ، CNNوقناة الجزيرة ،وغيرهما.
-ومع تطور كاميرات الفيديو الرقمية سيكون بإمكان الشخاص العاديين بث برامج ومعلومات عبر قنوات ومحطـات شخصية خاصة بهم
كما هو الحال في مواقع شبكة النترنت.
-وفي مجـال النترنت ـ وهي الشبكة التي حطمت القيود والحواجز وحققت وحدة معلوماتية ـ نرى أهمية هذه الشبكة وخطورتها من
خلل سعتها ومحتوياتها وحرية استخدامها وسهولته ،ومن ذلك:
-مستخدمو النترنت حوالي 500مليون مستخدم؛ كما أن مواقع النترنت Web Sitesالتجارية والحكومية والخاصة قد زادت على 200
مليون موقع (عام 1999م) ،وهي تزداد يوميا ً بشكل سريع.
-طرحت بدائل جديدة للتجارة تسمى الن التجارة اللكترونية E-Commerceونشـأت السواق اللكترونية ،وتحققت وحدة للسوق
ضخت مليارات الدولرات في هذا السوق .ولمثل هذا الغرض أنشأت إمارة دبي مدينة النترنت .وقد يكون هذا بعض معنى ما
العالمي و ُ
روي عن النبي #في تقارب السواق في آخر الزمان.
-زادت صفحات النترنت (في نهاية عام 2000م) على 5ر 1مليار صفحـة ،والمستخدمون العرب أقل من %1من مجموع المستخدمين.
-محركات البحث ل تغطي سوى %15من سعة الشبكة؛ فمحرك ياهو Yahooمثل ً ل يغطي إل حوالي 5ر %7تقريبا ً من الشبكة.
ومع أن هذه الحصائيات ليست دقيقة؛ وذلك لصعوبة تحقيق ذلك في مثل نظام الشبكة ،لكن المقصود هو تقريب الصورة.
مخاطـر العولمـة:
للعولمة مخاطر ضخمة ومفاسد جمة من خلل تحوُّل العالم إلى غابة إلكترونية يستعلي فيها الكبار على الصغار؛ وتظهر هذه المخاطر
داخل المجتمع للدولة الواحدة ،وكذلك داخل المجتمع العالمي .ومن أهم المخاطر:
الخطـر المجتمعـي:
يحذر علماء الصلح الجتماعي من أن أسوأ ما يقع على المم هو انقسام مجتمعها إلى طبقات الغنياء والفقراء ،وأن الثار السيئة
لتكدس الموال في أيدي قلة من الناس تسبب تسلطهم وتحكمهم في مصير الكثرة ،وتسخرهم لخدمتهم بغير حق .وكمثال لذلك أمريكا
ذات النظام الديمقراطي ،وكيف يؤثر المال على امتلك وسائل العلم ومن ثم التأثير على العملية النتخابية؛ بحيث ل تعبر في النهاية
عن رأي الغلبية .ولهذا كان منهج السلم هو وجـود تشـريعات تمنع أن يبقى المال دُولة بين الغنياء؛ وقد ظهرت الطبقية والحتكار من
خلل إيجاد آليات وهياكل ومؤسسات اجتماعية ،سواء كانت اقتصادية أو قانونية أو تشريعية ،يتم من خللها توجيه المال والسلطة والتأثير
للغنياء دون الفقراء ،وتكرس انعدام الفرص أمام الفقراء في مزاحمة الغنياء .بل ويكون المال والغنى معيارا ً لكثير من المناصب
والمهام .ومن ذلك التشريعات الخاصة ببعض السواق التجارية والبورصات والتشريعات القانونية (غير المكتوبة) في أمريكا والمنحازة
إلى فئة دون أخرى ،ومن ذلك ما يظهر في طبيعة هيكلة الحزاب السياسية .وقد حذرت مجلة Foreign Affairsالمريكيـة في عدد
سابق من نشوب ثورة اجتماعية عالمية بعد نقدها لفكرة العولمة؛ لنها تترك وراءها المليين من العمال الساخطين ،وحالت اللمساواة،
والبطالة ،والفقر المستوطن ،واختلل التوازن الجتماعي ،بالضافة إلى تخلي الدولة عن مواطنيها ،ونشـوء الطبقية الفاحشة داخل
مجتمع الدولة الواحدة .كذلك تسبب تكريس الهوة بين الدول النامية والدول المتقدمة وبين أغنياء العالم وفقرائه.
-ثلثة أغنى أغنياء أمريكا ثروتهم أكثر من ثروة قارة إفريقيا كلها التي فيها 600مليون نسمة.
30% -من سكان العالم دخلهم اليومي يقل عن دولرين ،و %20من سكان العالم يقل دخلهم اليومي عن دولر واحد ،وكلهم من الدول
النامية.
20% -من سكان العالم يملكون %80من ثروته ،والباقي من السكان يملكون الباقي من الثروة.
-حركة المال العالمي اليومي تزيد على 10تريليون دولر يملك معظمه عدد محدود من الشركات والشخاص في هذا العالم ،معظمهم
في العالم الغربي.
-التجارة اللكترونية (السوق اللكتروني) شبه محتكرة للغربيين خاصة أمريكا التي تحصل على نصيب السد من هذه التجارة ،حيث بلغت
حصتها من هذه السوق نسبة قريبة من النصف والباقي لبقية العالم وخاصة الدول الغربية الخرى ،بينما الدول النامية ل تحصل إل على
واحد باللف.
-خمس دول غربية فيها 172شركة من أصل 200شركة كبرى في العالم ،وهي أمريكا ،واليابان ،وفرنسا ،وألمانيا ،وبريطانيا.
-في العالم 358شخصا ً يملكون ما يملك %45من سكان العالم أي 6ر 2مليار شخصاً.
-هناك توقعات بازدياد البطالة والفقر مستقبلً؛ فحوالي %30من طاقات العمـل تكفي عندما تدخل التقنية اللكترونية في الدارة وفي
سوق العمل.
-الرباح المتوقعة من اتفاقيات منظمة التجارة العالمية قد تصل إلى 200مليار دولر ،معظمها يذهب إلى الشركات الغربية بينما لن
يحصل العالم العربي إل على %1منها.
-كل خمس دولرات في العالم يملك الغرب أربعة منها ويترك دولرا ً واحدا ً فقط لبقية المناطق.
-وفي مجال التكنولوجيا نجد أن %40من كمبيوترات العالم توجد في أمريكا؛ بينما نجد واحدا ً من كل ثلثمائة أفريقي يملك خطا ً هاتفياً
واحداً ،ونجـد أن % 80من مالكي الهواتف الخلوية هم من العالم الغني بينما توصف بنغلدش بأنها صحراء هاتفية.
الخطـر الثقـافي:
محاولة صهر الثقافات الموجودة في ثقافة واحدة هي الثقافة الغربية وبالذات المريكية ،وجعلها النموذج العالمي مستغلة التقدم
التكنولوجي في مجال التصالت ،وما ترسله عبر الفضائيات من سيل جارف من المواد العلمية ،وتفريغ العالم من الهوية الوطنية
والقومية والدينية.
-يوجد في العالم 6000لغة ،لكن %90من برامج النترنت تبث باللغة النجليزية مما يسبب تهميشا ً للغات الخرى حتى الحية منها؛ مما
دعا الرئيس الفرنسي شيراك إلى الدعوة إلى إقامة تحالف بين الدول التي تعتمد لغات من أصل لتيني للتصدي بشكل أفضل لهيمنة
اللغة النجليزية لدى افتتاحه منتدى حول تحديات العولمة في 20/3/2001م .ومن المعلوم أن الوكالة الفرنكفونية والمنظمة الدولية
للفرنكفونية أُنشئتا لهذا السبب .كما أفادت دراسة لبرنامج المم المتحدة للبيئة نشرت في 8/2/2001م أن نصف اللغات المحلية في
العالم في طريقها للزوال ،وحذرت الدراسة من أن %90من اللغات المحلية سوف تختفي في القرن الحادي والعشرين.
-استخدام بعض الصكوك الدولية والقوانين عند بعض الدول للضغط من أجل تغيير الهويات وصهر الثقافات ،وكمثال على ذلك قانون
(التحرر من الضطهاد الديني) المريكي الذي تستخدمه في التدخل بشؤون العالم السلمي بدعوى حماية القليات ،وإتاحة حرية ممارسة
العبـادة وإقامة دور لها.
-الثار الثقافية السلبية التي يمكن أن تنشأ من السير في فلك منظمة التجارة العالمية؛ حيث تتيح تفسيرات قوانينها العتداء على
الخصوصيات الثقافية بدعوى تسهيل انسياب حركة التجارة العالمية.
الخطـر الخـلقي:
-وذلك بما يبث عبر شبكات التلفزة والنترنت من أفلم جنسية ومواد إعلمية تروج الفاحشة والرذيلة .وقد بلغ هذا النوع من المواد
والفلم من الكثرة لدرجة أن ألمانيا التي يسمح قانونها بعرض العملية الجنسية على المسرح مباشرة أمام المشاهدين قامت بإغلق
200موقـع إباحي عام 1996م .وبلغت تلك البرامج رواجا ً كبيرا ً لدرجة أن استفتاءً في بريطانيا أظهر أن نسبة 3 :1من طلب المدارس
الثانوية يشاهدون أفلما ً إباحية.
-هناك نصف مليون موقع على النترنت تتعامل مع الصور المخلة بالداب ،وتشرح طرق استعمال المخدرات ،ووسائل استخدام العنف (
1997م).
-استخدام جسد المرأة أداة نفعية مادية؛ وذلك بتضخيم الجانب الشهواني؛ حيث تعتبر المرأة سلعة يمكن تسويقها من خلل العروض
التلفزيونية والعلنات .وكذلك تعتبر المرأة آلة لتسويق السلع الستهلكية لمستحضرات التجميل والزياء ،ويظهر ذلك من خلل عروض
الزياء ،ومسابقات ملكات الجمال ،وقد توسعت مسابقات ملكات الجمال لتشمل ملكات جمال النترنت.
الخطـر الجتماعي:
ويتمثل ذلك بمحاولت الدول الغربية تحت مظلة المم المتحدة أن تفرض أنموذجها الجتماعي ،وأن تفرض على العالم قيم المجتمع
الغربي المختلة في مجال السرة والمرأة من خلل المؤتمرات الدولية في المجالت الجتماعية المختلفة ،ومن خلل المؤتمرات القليمية
ولجان المتابعة لتوصيات هذه المؤتمرات المتعددة والمنتشرة ،والتي تدعو إلى اعتماد النموذج الغربي في الحياة الجتماعية والسكان،
كما أن توصيات هذه المؤتمرات قد تصل إلى ما يشبه القرارات الملزمة.
-الحرية الجنسية وإباحة العلقات الجنسية خارج إطار السرة ،وتقليل قيمة الزواج.
-تكريس المفهوم الغربي للسرة ،وهو أنها تتكون من شخصين فأكثر ولو كانا من نوع واحد.
-فرض مفهوم المساواة الشكلي بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات والحياة العامة.
-تزايد النشاط النسوي الوافد بما يحمله من فكر تغريبي ،ومثاله :الخطة الوطنية لدماج المرأة في التنمية في المغرب (2000م).
-التجاه لعادة النظر في قوانين السرة في العالم السلمي ،كما حصل في مصر أخيراً.
-تزايد التمويل الجنبي المشبوه لمنظمات وهيئات نسوية أو معنية بشؤون السرة والمرأة.
-طرح مناقشات وبرامج حـول المرأة في المجتمعات المحافظة ،كما حصـل في بعض دول الخليج أخيراً.
تتيح التقنية وسائل جديدة للمجرمين واللصوص وتجار المخدرات؛ حيث إن توحد السوق وضخامة ما يضخ فيه من مال يغطي عمليات
السرقة وغسيل الموال ،فتكثر عصابات المافيا وأساليب الحتيال ،وقد تغري بدخول أجهزة استخبارات لبعض الدول وسط معمعة
الفوضى لتحقيق أغراض مالية أو سياسية .ومن مظاهر ذلك:
-مواقع على النترنت فيها إرشادات للرهابيين؛ حتى وصل المر إلى أن يناقش هذا الموضوع في الكونجرس المريكي تحت عنوان:
«النترنت وعلقته بالرهاب».
-عشرات اللوف من المواقع على النترنت تشرح طرق استعمال المخدرات ووسائل استخدام العنف.
-سرقة البرامج؛ حيث قدرت قيمة البرامج المسروقة في عام 1993م ببليوني دولر.
-سرقة أرقام بطاقات الئتمان؛ حيث قامت عصابة واحدة بسرقة 140.000بطاقة عام 1994م ،وتم نشرها على لوائح.
-إفساد البرامج داخل أنظمة الكمبيوتر .وبحكم ترابط شبكات الكمبيوتر والمعلومات يعظم الفساد .وكمثال قريب لذلك فيروس
«الحب» .وما زالت محاولت نشر الفيروسيات عبر النترنت والبريد اللكتروني مستمرة.
هذه جوانب من المخاطر ،وهناك جوانب أخرى لم نتطرق إليها لوضوحها للمراقب والمتابع ،ومنها خطر العولمة القتصادية ذلك الغول
الخطير الذي يهدد دول الجنوب عامة ،ويمكن أن يحولها إلى شبه ملكية خاصة للشركات الغرببة العملقة المتعددة الجنسيات.
مسـتقبل العــولمـة:
يظهر ـ والله أعلم ـ أن هيمنة الغرب وبالذات أمريكا الدولة المركزية على عملية العولمة لن تستمر طويلً؛ وذلك بحسب استشراف
المريكان أنفسهم لمستقبل دولتهم ،وإن كانت ستبقى ذات مـركز عالمي مهم لكن ليس مهيمناً ،للسباب التية:
- 1أن فكرة العولمة ليست مثاقفة بين المجتمعات وحوارا ً بين الحضارات ،والتي من شأنها أن تتلقح فيها الحضارات مع الحتفاظ
بالخصوصيات ،وإنما هي هيمنة نمط حضارة واحدة بكل ما تحمله من ازدواجية في المعايير ،وتناقض في القيم ،وفوضى في الحياة
الجتماعية ،وهذا يؤدي إلى روح المقاومة والمغالبة من الخرين ،عندما تبدأ عملية الختراق والتحدي الثقافي والفكري والقتصادي
والسياسي.
ن ظّل ٍو ْ
ما - 2أن طبيعة النسان عندما يملك القوة ول يضبطه منهج رباني ،ول يجد مقاومة مكافئة فهو كما قال الله ـ تعالى ـ عنه{ :إنَّهٍ كّا ّ
منٍوعْا} [المعارج: خيًرٍ ّ م َّ
سهٍ پ ً ّ جزٍوع ْا ><ر 20ر> ّ$إذ ّا ّ
ر ّ سهٍ پ َّ خلٌقّ هّل ٍوع ْا ><ر 19ر> إذ ّا ّ
م َّ جهولْ} [الحزاب ،]72 :وقال{ :إ َّ
ش ٍَ ن ٍ
سا ّ
ن الن ّ ّ ٍ
.]21 - 19ولذلك سيكثر الظلم والبغي والبتزاز ومحاولة السيطرة على موارد الخرين من قِبَل القوياء .وأما دعاوى الحرية والمساواة
وحقوق النسان فتلك داخل مجتمعاتهم ،وتستخدم خارجها من أجل مزيد من الهيمنة في الغالب ،وهذا سيزيد من حجم العـداء وإثارة روح
المقاومة.
- 3أن أيديولوجية العولمة التي تقوم على الترغيب بمجتمع الليبرالية الغربية كما في فكـرة (نهاية التاريخ) عند فوكوياما ،وعلى الترهيب
من الصدام الحضاري كما في أطروحة (صدام الحضارات) عند هنتنجتون ،وهما مفكران أمريكيان يستشرفان علقة الغرب بالعالم الخر،
هما فكرتان توحيان بأن هذه اليديولوجية التي تسعى إلى محـاولة إلغاء الخصوصيات الحضارية بالترغيب والترهيب يخالف طبيعة الشياء،
مما يسبب قيام تيار معاكس في كل حضارة ،وبالذات الحضارات التي تملك عناصر القوة والمنعة ،ثم يحصل الصراع الذي يعتقده
هنتنجتون ،والسلم في طليعة تلك الحضارات ،وخاصة في ظل استهداف السلم بخصومة ضخمة بالرغم من حالة ضعف المسلمين.
- 4إن توقع أن العالم سيتحول إلى وليات أمريكية كما يعتقد أحد مؤلفي «فخ العولمة» في ندوة له بالرياض هذا العام هو مخالف للسنة
اللهية التي تحكم هذا الكون ،ولسنة التدافع والصراع التي تحكم العلقة بين الحق والباطل منذ وجـود النسان على هذه الرض.
فالختلف والتدافع والصـراع كانت من سمات الحياة البشرية عبر التاريخ بسبب الختلف بين الحق الذي جاء به النبياء والباطل الذي
تدعو إليه الشياطين ،أو بسبب نوازع النفس البشـرية وأنانيتها وعنصريتها وظلمها وبغيها على الخرين .قال الله ـ تعالى ـّ${ :لّول دفًع پل ّهَ
ٌ ً ّ ٍ
َ َ ّ َ
ت ّ$ وا ِصل ّ ّ
مٍع ّ$بٌيِّع ّ ّ$صوا ٌ
ت ّ ّ م ً ض ل ّهٍد ٌَ ّ
ضهٍم بٌبّعً ُس بّعً ّه پنَّا ّض} [البقرة ]251 :وقال ـ تعالى ـّ${ :لّوًل دّفًٍع پل ّ ٌ ت الًر ٍ سد ّ ٌ ض ل ّفّ ّ ضهٍم بٌبّعً ُس بّعً ّپنَّا ّ
َ
ن ><>118 ختّلٌفٌي ّ
م ًن ٍ
حدّة ْ ّ$ل يّّزال ٍو ّ ة ّ$ا ٌم ْ ل پنَّا ّ
س أٍ َّ جعّ ّ ك لّ ّ ه كّثٌيْرا} [الحج ،]40 :وقال ـ تعـالى ـّ${ :لّوً ّ
شاءّ ّرب ٍَ ّ سم ٍ پل ّ ٌ جدٍ يٍذ ًكّرٍ فٌيهّا \ ًسا ٌ
م ّ ّ
ّ ّ ٌ ٌ ّ َ ّ
م} [هود.]119 ،118 : خلقّهٍ ً م ّرب ٍَك ّ$لذ ّلك ّ ح ّمن َّر ٌإل ّ
- 5إن وجـود الطائفة المنصورة التي أخبر عنها النبي #إلى نهـاية الزمان والتي هي بعض قدر الله في هذه الرض يتناقض مع الدعوى
العريضة لهذه العـولمة والمبشرين بها .بل فيه إشارة إلى أن ظهور هذه الطائفة سيكون في بعض المراحل على ظلمات وظلم هذه
العولمة ،وأن عدم تضررهم بمن خالفهم وخذلهم إشارة إلى بعض الفئام من المسلمين الذين سيركبون قطارها.
- 1المشكلت الداخلية مثـل التفكك السري ـ المخدرات ـ الطبقية60 :مليون في أمريكا تحت خط الفقر ،وفي التحاد الوروبي 50
مليون تحت خط الفقـر ،وفي أمريكـا %1من الناس يملكون %40من الثروة.
- 2المراض الناتجة من التحلل الخلقي (اليدز) :تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية (الغرب له نصيب كبير من هذه الرقام):
-حتى عام 2000م هناك 40مليون مصاب باليدز ،والنساء أكثر إصابة بهذا المرض.
-عدد المتوفين بسبب اليدز منذ بداية المرض في أواخر السبعينيات حتى عام 2000م حوالي 22مليون ،أكثر من 4مليين منهم من
الطفال.
250 -مليون حالة جديدة من حالت الصابة بأمراض انتقلت عن طريق التصال الجنسي.
- 3الفوضى الخلقية:
وهي إحدى مظاهر القصور في مجتمعات الحضارة المعاصرة ،وهذا المظهر مع غيره من جوانب قصور أخرى تخفف من بريق هذه
المجتمعات وتزهد فيها ،ومن أمثلة ذلك:
-في بعض الدول الوروبية %65من النساء العاملت يتعرضن للتحرش الجنسي في أماكن عملهن ،وعلى مستوى كل دول التحاد
الوروبي تبلغ النسـبة ،%35وهذا بحسب مسؤولة التوظيف والسياسة الجتماعية في المجلس الوروبي في بروكسل.
-حوالي %18من النساء في أمريكا اغتصبن أو تعرضن لمحاولة اغتصاب في مرحلة من مراحل عمرهن ،وأكثر من نصف الضحايا كن
تحت سن 17سنة عندما تعرضن للغتصاب للمرة الولى ،وهذا بحسب دراسة أعدت بتكليف من وزارات العدل والصحة والشؤون
الجتماعية في أمريكا.
-كثر التحرش الجنسي في السنوات الخيرة في اليابان حتى بات من الضروري وضع قانون وطني لمكافحته ،وذلك بحسب رأي خبيرة
القضايا القانونية في الحزب الديمقراطي .وجاء في هذا الصدد أن شركة القطارات في اليابان تفكر جديا ً بتخصيص عربات خاصة
بالنساء ،وقد بدأ تطبيق ذلك أخيراً ،علما ً أن عربات النسـاء الليلية موجودة منذ سنين.
- 4ظهور ملمح صراع بين أمـريكا وبعض الدول الغربية بسبب الختراق الثقافي والقتصادي كما حصل مع فرنسا ومع كندا عندما احتجتا
على الهيمنة المريكية على حساب الثقافة المحلية والمتيازات القتصادية .وسبق ذكر موقف الرئيس الفرنسي السابق ميتيران من
ظاهرة لبس الجينز ،وموقف الرئيس شيراك من الغزو اللغوي.
- 5توقع ظهور مراكز قوى جديدة عسكرية واقتصادية (الصين ،التحاد الوروبي ،اليابان) يمكن أن تنافس أمريكا وتنهي بذلك حقبة
القطبية الحادية؛ وخاصة مع ما يتوقع من أن أمريكا ستبدأ مرحلة انكفاء على الذات على حساب الهيمنة العالمية في غضون السنوات
العشرين القادمة حسب دراسات أمريكية.
- 6مقاومة العديد من دول العالم خاصة النامية للعولمة أو على القل عدم الستسلم لشروطها القاسية؛ وذلك لما ترى لها من أثر على
تقليص السيادة الوطنية في مـجال صنع السياسات القتصادية وغيرها؛ وخاصة أن هذه الدول ترى أن الزمات المالية والقتصادية
الطاحنة التي ألمت بالمكسيك عام 1994م ،والبرازيل عام 1999م وفي غـيرهما كانت نتيجة حتمية للعولمة والندفاع إلى الندماج فيها
دون قيد وشرط ،وأن الطبقية التي تحصل في بعض الدول كمصر ،والمتوقعة في أخرى كدول الخليج التي سارت في قطار العولمة أو
التي تستعد لركوبه مؤشر آخر على ذلك .وكمثال على ذلك السعودية التي كان من المقرر أن تنضم لمنظمة التجارة العالمية في نهاية
عام 2000م ،لكنها قاومت النصياع للشروط واستمرت في المفاوضات إلى الن.
- 7الزمات العسكرية والثقافية والجتماعية والشعور بالتفكك الداخلي لدى الغرب تزداد عمقاً ،كما أنه يزداد عجزا ً عن فرض سياسته،
وإن تم له ذلك فبتكاليف باهظة.
- 8ازدياد وعي جماهير العالم الثالث وخاصة العالم السلمي ،وازدياد فهم النخب لقواعد اللعبة الدولية ،وبروز روح تمرد عند دوله على
الهيمنة الغربية (نموذج ليبيا في ما يسمى مشكلة لوكربي) ،حيث تمردت دول منظمة الوحدة الفريقية على الحصار الجوي المفروض
على ليبيا ،وتهديد الدول العربية بالتمرد أيضا ً كما في توصيات مؤتمر القمة العربي في عمان.
- 9إخفاق بعض الطروحات الغربية (تـحرير المرأة) في تلك المجتمعات لدرجة أن باحثة أمريكية أصدرت كتابا ً باسم« :أخوات في
الجريمة» ترى أن تحـرر المرأة سوف يزيد من إجرامها ،وأنه يمكن التعامل مع الحالة الجرامية للمرأة كمؤشـر على درجة التحـرر التي
تحققهـا في المجتمع .وأوردت بعض الحصائيات التي تدعم وجهة نظرها ،وكمثال لذلك خريطة النساء في البرلمانات :إحصائية عام
1993م الصادرة عن التحاد البرلماني الدولي:
- 10مصيدة الديمقراطية وحقوق النسان جعلت الغرب يظهر بعدم صدقه فيما يدعو له ،وبأنه صاحب معايير مزدوجة ،وهو كذلك كما
حصل مع الصين ومع التحاد السوفييتي أيام الحرب الباردة ،وهو كذلك الن عندما تأتي الديمقراطية بخصوم الغرب إلى الحكم أو تأتي
حقوق النسـان على حساب بعض أصدقائهم في دول العالم الثالث ،ولذا سكت الغرب عن انقلب العسكر على الديمقراطية في كل من
نيجيريا والجزائر ،وهذا يظهر الغرب بعدم صدقه في ادعائه حماية القيم.
- 11ظهور بوادر إخفاق وعود العولمة ومبشريها في تقليل الفجوة بين الشمال والجنوب على مستوى العالم وعلى مستوى الدولة
الواحدة؛ فالعولمة تمنح الفرص للشريحة الغنية الضيقة وتظل الشرائح الكبيرة على مستوى الدول والفراد تعاني ويلت العولمة مما
يعني تكريس الظلم واللمساواة الجتماعية .ومن طريف ما كتب في كتاب( :عالم منفلت ) Runway Worldأن العولمة التي توصف
بأنها حولت العالم إلى قرية معولمة صغيرة global villageقد حولته أيضا ً إلى عملية نهب معولمة صغيرة . global pillage
- 12ظهور تيار عالمي مناوئ للعولمة له جمعياته ومنظماته ومنتدياته داخل الدول الصناعية مثل المنتدى الجتماعي العالمي المناهض
لمنتدى (دافوس) والتنسيق العالمي المناهض لمنظمة التجارة العالمية .ويقوم هذا التيار بدور التوعية بمخاطرها وآثارها السيئة على
المجتمعات ،ويحاول الحتجاج عليها وإبطال أي فعـالية لدفع ودعم تيارها مثلما حدث في (سياتل ،ودافوس ،ومونتريال ،وجنوا أخيراً).
وتظهر عدائية عـدد من منظمات المجتمع المدني الغربي للعولمة في الوليات المتحدة المريكية بشكل أقوى كالمنظمات العمالية
واتحادات الشغل التي تراقب أثر عولمة القتصاد على معدلت أجور العمال وعلى نسبة البطالة.
كما أن للعـولمة أخطارها الضخمة فإن هناك كثيرا ً من المكاسب والفـرص التي هي جزء من الحركة الفاعلة واليقاع السريع لمعطيات
العصر؛ فالموقف العقـلني الرشيد ليس فقط المقاومة ،وإنما نضيف إلى ذلك ما ينبغي أن يكون عليه موقفنا من استثمار الفرص
السانحة باستخدام آليات العولمة بما يخدم المسلمين ويحافظ على هويتهم ويبرز موقفهم ويحمي كيانهم .ومن أمثلة هذا الستثمار:
-إن سهولة التصالت ونقل المعلومات ستُحدِث نقلة نوعية في أساليب الدارة والعمل ،فيستطيع الفراد العمل من منازلهم في بعض
الوظائف .وقد بدأت عدد من الشركات المريكية والوروبية بتخصيص أوقـات معينة لكي ينجــز الموظفون أعمالهم الموكلة بهم من
منـازلهم دون الحاجة للحضور ،وأغلب الذين يعملون بهذا السلوب من النساء .فهذا السلوب سيتيح الفرصة أمام السر المحافظة
والمجتمعات المحافظة لنجاز أعمـال كثيرة عن طريق النترنت دون الحاجة لخروج المرأة من منزلها وترك بيتها وأطفالها ،وخاصة إذا
علمنا أن نسبة استخدام النساء للنترنت في مجتمع محافظ كالسعودية نسبة عالية بحسب إحصائية أخيرة.
-تحرير وسائل العلم وتطورها وسهولة امتلكها وإنشـاء القرى اللكترونية الحرة سيتيح مجال ً لي فرد أو مجموعة أو منظمة تريد أن
تقيم محطات فضائية أو وسـائل إعلم أخرى لنشر السلم والدعوة إلى الله ،ونشر العلم ،والدفاع عن المسلمين ،والرد على الشبهات
بحرية دون وصاية أو رقابة رسمية أو الخضوع لنظمة مقيدة ،ومن أمثلة ذلك الجهود الحثيثة في أكثر من جهة لنشاء قنوات فضائية
إسلمية مستقلة داخل القرى العلمية الحرة المقامة في بعض الدول.
-التغطيه العلمية الواسعة للحداث من خلل الفضائيات أتاحت تغطية واسعة لقضايا المسلمين ،وقلل من فرصة العلم الغربي أن
يعتم إعلميا ً على قضايا المسلمين أو يعرضها من وجهة نظره المنحازة في أغلب الحيان ،وكمثال على ذلك التغطية الواسعة لما يجري
في فلسطين المحتلة بحيث وضع العالم في صورة ما يحدث لحظة لحظة ،وكشف ممارسات الصهاينة هناك ،ول شك أن العلم له تاثير
مباشر على صنع الرأي العام الذي يؤثر على النظمة السياسية في سبيل تعديل مواقفها ،ومما هو جدير بالذكر أن صورة مقتل (محمد
الدرة) التي أثرت بشكل ملحوظ على الرأي العام العالمي كانت لقطة لمصور وكالة الصحافة الفرنسية ،وهذا أمر أغضب اليهود،
وأغضبهم أكثر أن تكون من مصور وكالة غربية.
مع التسليم بخطورة العولمة القتصادية على اقتصاديات الدول الضعيفة ،وخطورة فتح السواق وتحرير التجارة في هذه الدول والذي
سيكون لصالح الشركات الكبرى الغربية إل أن كثيرا ً من هذه الدول إذا أحسنت استخدام إمكاناتها وما تتميز فيه من موارد على غيرها من
الدول الغربية ،ورشدت سياساتها القتصادية ،وحاربت الفساد المالي والداري المستشري ،فإنه يمكنها أن توظف جانبا ً من هذه العولمة
القتصادية لصالحها فمثلً:
-النضمام لمنظمة التجارة العالمية يمنع أوروبا من وضع رسم %12على المستوردات البتروكيمائية من بعض الدول السلمية البترولية؛
فمثل ً النتاج السعودي من البتروكيمائيات يزيد على %5من النتاج العالمي؛ فكم ستكون الفائدة إذا أزيلت الحواجز الجمركية أمام هذه
السلعة المتوفرة لدى الدول المنتجة للنفط ومعظمها دول إسلمية؟
-يتيح انضمام الدول المنتجة للنفط إلى المنظمة الفرصة للضغط بمعاملته باعتباره سلعة صناعية من سلع المنظمة ،فتزول الضرائب
المفروضة عليه في الدول المستوردة .ففي تقرير لمنظمة الوبك مؤخرا ً أظهر أن أكثـر من %70من سـعر النفط المصدر إلى دول
التحاد الوروبي يذهب إلى الخـزائن الحكومية بينما يحصل منتجو النفط على أقل من .%30كما أوضحت تقارير أخرى أن عائدات أربع
دول أوروبية من ضرائب النفط في عام 1998م يفوق عائدات كل دول أوبك من تصدير النفط في ذلك العام .فإذا علمنا أن معظم
الدول المنتجة هي دول إسلمية ،ومنها السعودية التي يعادل إنتاجها %13من النتاج العالمي يتبين مدى الفائدة المرجوة.
-كذلك فالنضمام إلى المنظمة سيدفع إلى إزالة معوقات كثيرة تقف في وجه التنمية ،وإلى تحديث النظمة وإلى وجود الشفافية
لتصحيح مسارات التنمية ،وإلى تحديث الجراءات القضائية ،وتخليص النظمة الحمائية التي ل تتمشى مع روح النظام القتصادي السلمي
وتضعف هياكل النتاج.
-انفتاح السوق مع ما يجلبه من سلبيات إل أنه سيدفع إلى التنافس الذي سيحكم طبيعة السوق الحـر المفتوح ،وهذا سيدفع إلى تخصيص
مؤسسات عامة كثيرة؛ وخاصة قطاع الخدمات الذي يعاني من سـوء في الدارة وضعف في النتاجية في معظم دول العالم الثالث،
لتكون أقدر على المنافسة وأوضح للمحاسبة ،مما يؤدي إلى ارتفاع مستوى الخدمات وتحسين مستوى المعيشة والرفاهية ،وسيخلق بيئة
عمل حيوية وفعالية أكثر للمجتمع.
-انفتاح السوق وإزالة العوائق النظامية سيتيح طرح البدائل السلمية في الخدمات ،كالبنوك السلمية التي قيد انتشارها في عدد من
البلدان مع نجاح التجربة ،بحيث ستجد فرصتها في سوق الخدمات الحر ،كذلك بدائل التأمين التعاوني الشرعي في مواجهة التأمين
التجاري بصورته الرأسمالية.
-تتيح التقنية الحديثة للستثمار (التجارة اللكترونية) لمشاركة عدد من مستثمري دول العالم الثالث عبر القنوات المفتوحة ،خاصة إذا
استحدثت قنوات آمنة للستثمار من الناحية الشرعية في أسواق البورصات العالمية ،مثل محاولة عدد من المتخصصين في القتصاد
السلمي إيجاد مؤشر إسلمي على «مؤشر داوجونز» باسم .Dowjones' Islamic Index
-النترنت ثمرة من ثمار التقنية كسرت احتكار الغرب للمعلومات ،وأتاحت فرصة الوصول إلى المعلومات في المجالت المختلفة بنفس
السرعة المتاحة للغربيين سواء كانت معلومات علمية أو إخبارية .وإذا كانت مقولة أن العصر هو عصر المعلومات ،وأن هيمنة الغرب هي
بالمعلومات وذلك باستخدامه الفاعل لها؛ فإن هذه الفرصة أصبحت متاحة لغيرهم ،فإذا أحسنا استخدام المعلومة ،وعرفنا طرق الوصول
إليها فسنستطيع أن نقلل الهوة بيننا وبين الغربيين في مجالت عدة.
-كذلك فالنترنت منبر حـر دون رقيب ،وميدان فسيح دون قيود لكل من يحسن استثماره واستغلله ،ويستطيع أي مفكر مسلم أو داعية
مسلم أن يطرح ما يريد من خلل صفحات ل حصر لها ،ويمكن نشر السلم والعلم الشرعي وإتاحته لكل من يطلبه دون عناء .ويمكن أن
تصدر صحف ومجلت دورية دون قيد أو شرط .وكمثال على ذلك موقع القوقـاز الذي يغطي أخبـار المجاهدين الشيشان على شـبكة
النترنت؛ فلقد استطاع أن يحطم حاجز التعتيم العلمي عليهم ،وأن يضع العالم في صورة ما يحدث هناك بشكل شبه يومي ،وشكَّل
مصدرا ً مهما ً لخبار المجاهدين الشيشان لوكالت النباء العالمية.
-كذلك نستطيع استخدام هذه الشبكة في مجال الحتساب العام من خلل توسيع مجاله وتطوير مفهومه ليتلءم مع الليات المتطورة.
وبذلك نستطيع رفع فعالية المصلحين والمحتسبين على المنكرات العامة الدولية منها والقليمية.
ومن أمثـلة هذه المحاولت :إصدار وثيقة تستنكر أفعال الصهاينة بالفلسطينيين في بداية النتفاضة الثانية والتي وقعها مئات العلماء
والدعاة والمفكرين والمثقفين في أنحاء العالم عن طريق النترنت .كذلك ما تجريه بعض القنوات الفضائية من التصويت على قضية من
القضايا وموقف من المواقف الهامة تجاه مستقبل المة ومصيرها ،وما تطرحه بعض المواقع على هذه الشبكة من حشد التواقيع ضد
قضية ظلم تجاه المسلمين وإرسالها إلى الظالمين .وكذلك ما تقوم به المنظمات السلمية في أمريكا والمدافعة عن حقوق المسلمين
مثل منظمة «كير» CAIRفي واشنطن واستخدامها الفعال للنترنت في الحتساب على منتهكي حقوق السلم والمسلمين .ومن أبرز
المثلة في هذا الجانب كيفية توظيف معارضي العولمـة أثناء قمة سياتل عام 1999م أدوات العولمة لمواجهتها ،حيث نظم المعارضون
جهودهم ونسقوها عبر شبكة النترنت مما أربك المؤتمر وساعد على هزيمته.
-استثمار تقنيات نقل المحاضرات ،مثل تقنية غرف PAL TALKفي نظام هذه الشبكة ،حيـث تستطيع أن تلقي دروسا ً وتقدم محاضرات
وتجري حوارات وتدفع بردود على الهواء مباشرة بشكل مرئي ومسموع ،ويُستمع إليك من كل أنحاء العالم .وإذا علمت أن المشتركين
في هذا النظام بلغ حتى الن خمسة مليين مشترك ويزيدون باطراد؛ فلك أن تتصور مقدار المصالح التي يمكن أن تتحقق في باب
الدعوة ونشر العلم وإزالة الشبهات وترسيخ المنهج .وقد استخدم هذا النظام في نقل بعض دروس الحلقات العلمية الصيفية بالرياض
فكان المستمعون لها من كل أنحاء العالم يتابعون دروسها في الوقت نفسه الذي يستمع لها المشاركون في المسجد نفسه ،ويطرح
البعيدون أسئلتهم كما يطرحها القريبون.
-نستطيع أن نوظف المشاركة في هذا النوع من المؤتمرات واللجان في طرح الرؤى السلمية في المجالت الفكرية والثقافية
حيْدة البشرية عن مصدر الهدى الجتماعية ،ونبين مخاطر قيادة الغرب للعالم في هذه المجـالت ،ببيان الثار في الواقع وأن ذلك ثمرة ل َ
والرشاد وهو الوحي .كما أن منتديات حوار الحضارات ستكون ميدانا ً فسيحا ً للغزو الفكري المضاد ،وسنجد أننا استطعنا القيـام بواجب
الدعوة إلى الله والشهادة على الناس من خلل هذه المنتديات والفعاليات .وسـنجد أننا نملك ما ل يملكه الخر ،وأنه أتيحت الفرصة لنا
لبراز جوانب القوة التي نملكها أمام قوة الغـرب المـادية والتقنية .ولعله أن يهتدي من أراد الهدى من خلل الدعوة إلى المنهج الحق
وبيان محاسنه ومقارنته بفساد مناهج الخرين في هذه المجالت.
والملحظ أنه رغم تأثيرات العلم الغربي والمريكي بالذات في نشر نمط الثقافة والحياة المريكية في العالم عبر الفضائيات والفلم
والمجلت والنترنت فإن الدعوات الدينية والخلقية المضادة ما تزال تكسب أنصارا ً جددا ً في غير مكان من العالم وخاصة في الوليات
المتحدة المريكية؛ وهذا يجعلنا نتفق مع تأكيد صاحب كتاب« :توالد العولمة :التحولت والممانعة» بتلزم التحولت العولمية مع ازدياد
تحولت الممانعة والمقاومة لها ،وأن المنظومات الدينية تعتبر من أكبر المنتفعين من العولمة ل سيما من جهة استثمار وسائل التصال
الحديثة وتوظيفها لنشر رسالتها الدينية.
-كذلك يستطيع العرب المسلمون أن يحدثوا عولمة للغة العربية خاصة في أوساط المسلمين ،وذلك بما يضخونه من مواد علمية وفكرية
وشرعية وقرآنية مكتوبة أو مسموعة بحيث يعتاد المسلمون من غير العرب قراءة هذه المواد وسماعها مما ينعش حيوية اللغة العربية؛
خاصة إذا استحضرنا العلقة الوثيقة بين اللغة العربية والدين السلمي .ومن جهة أخرى يمكن أن يؤدي ذلك إلى تقليل شأن اللهجات
المحلية والقطرية لصالح الفصحى.
وخلصة القول:
هناك فرص أخرى كثيرة يمكن للمتأمل أن يجدها فيما تتيحه المعطيات الجديدة المشكِّلة لبيئة العولمة ،ولكن ل نعقلها وندرك كيفية
استثمارها إل بفهم عميق وإدراك ذكي لقوانين هذا العالم وطبيعة هذه العولمة ،ومعرفة جوانب القوة وجوانب الضعف في مراكز القوى،
وكيف ينشأ القرار العالمي ،واستيعاب استخدام التقنية وتعميمها بحيث ل تبقى في محيط النخبة فقط.