You are on page 1of 13

‫نوعية البيئة السكنية الحضرية للمدينة العربية بين النظرية و التطبيق‬

‫دراسة حالة مدينة المسيلة –الجزائر‬

‫إن البيئة هي مجموع العناصر ذات العالقات المركبة تشكل إطار و وسط و شروط حياة اإلنسان إن‬
‫النمو العمراني الطرد للمدن الجزائرية أدى إلى تركز عدد هائل من السكان في المدن‪ .‬و هي تواجه اليوم‬
‫و أكثر من أي وقت مضى تحديات جسام فيما يخص نوعية البيئة الحضرية ؛ ونحن اليوم نواجه‬
‫اختيارات تهيئة متعددة تتفق جميعا في تحقيق النمو االقتصادي‪ ، 5‬االجتماعي و العمراني؛ لكنها ال زالت‬
‫تغض الطرف‪ 5‬على المشاكل البيئية معتبرة إياها جانبا إضافيا‪ 5‬سواء كان ذلك على المدى القريب أو البعيد‬
‫هذا من جهة؛ و من جهة ثانية فإن الموازنة بين هذه التوجهات‪ ،‬و التي قد تبدوا متباعدة‪ ،‬ال يمكن أن‬
‫تتأتى إال بأخذ المركبة البيئية بعين االعتبار في التهيئة الحضرية بطريقة تسمح بنمو حضري‪ 5‬متوازن مع‬
‫‪.‬المحيط في إطار خطة تنمية مستديمة للمدينة‬

‫إذا فالبيئة مركب غاية في األهمية في أي عملية عمرانية مهما كان حجمها الزمني أو المكاني‪ ،‬وهي‬
‫بالنسبة إلينا كمسيري‪ 5‬المدينة تتجاوز اإلنشغاالت اآلنية لخفض التلوث داخل المحيط الحضري‪ 5‬إلى‬
‫حمايته و تثمينه‪ .‬من ثم فإن الرهان األساسي‪ 5‬لمدننا هو ضمان تنمية مستديمة تنطلق من إدخال البعد‬
‫‪.‬البيئي في جميع مراحل العملية العمرانية‬

‫‪:‬إن عملنا هذا يأتي ليحاول تلبية حاجتين ملحتين للتنمية الحضرية و خاصة في الوقت الراهن أال و هما‬
‫أوال ‪ :‬محاولة الخروج باقتراح منهج إجرائي عملي للوصول‪ 5‬إلى بيئة حضرية ذات نوعية‪ ،‬و الذي ال‬
‫يمكن أن تكون بأي حال من األحوال نتاجا لعمليات قطاعية منفصلة زمنيا أو مكانيا؛‬
‫ثانيا‪ :‬تأكيد األهمية التي تكتسيها البيئة في أي عملية عمرانية مهما كان امتدادها المكاني أو الزماني‪.‬و‬
‫التي ال يمكن أن تتأتى إال من خالل معرفة عناصر البيئة الحضرية و تصرفاتها‪ 5‬تجاهها‪ ،‬محاولين‬
‫التركيز‪ 5‬على العنصر‪ 5‬البشري داخل التجمعات السكنية الحضرية للوقوف‪ 5‬على أهمية هذا العنصر‪ 5‬في أي‬
‫‪.‬محاولة إلصالح العطب‬

‫الكلمات المفتاحية‪ :‬البيئة ‪ ،‬المدينة ‪،‬التعمير‪ ،‬األثر البيئي ‪ ،‬نوعية البيئة ‪ ،‬التنمية الحضرية‬
‫المستديمة‬
‫‪.‬‬
‫‪ :‬مقدمة‬

‫في كتابه "العمارة الخضراء" إلى أن المباني تستهلك )‪ (James Wines‬يشير المعماري‪ 5‬جيمس واينز‬
‫سُـدس إمدادات الماء العذب في العالم‪ ،‬وربع إنتاج الخشب‪ ،‬و ُخمسين الوقود والمواد‪ 5‬المصنعة‪ .‬وفي نفس‬
‫في )‪ (built environment‬الوقت تنتج نصف غازات الجنة ‪ ،‬ويضيف‪ 5‬بأن مساحة البيئة المشيدة‬
‫العالم ستتضاعف خالل فترة وجيزة جداً تتراوح بين ‪ 40-20‬سنة قادمة‪ .‬وهذه الحقائق تجعل من‬
‫عمليات تخطيط و تسيير‪ 5‬المجاالت الحضرية واحدة من أكثر المجاالت استهالكا ً للطاقة والموارد في‬
‫العالم‪ .‬كما أن التلوث الناتج عن عدم كفاءة التهيئة الحضرية في التعامل مع مجال فيزيائي ‪ ،‬اجتماعي و‬
‫‪.‬اقتصادي‪5‬‬
‫الشك أن كيفية تقسيم المجال عمرانيا من خالل المقاربة الوظائفية (سكن ‪ ،‬عمل ‪،‬خدمات) هي التي‬
‫تتحكم في العملية التخطيطية و التسييرية برمتها ‪ .‬على هذا المستوى ينبغي أن نمتلك رؤية بعيدة المدى‬
‫‪.‬تتضمن تناسقا مابين طريقة تنظيم المجال من جهة‪ ،‬و تسييره من جهة أخرى‬

‫تنطلق مداخلتنا هذه من ثالث عناصر أساسية يرتكز‪ 5‬حولها المفهوم الحديث لتخطيط وتسيير‪ 5‬المدينة نظرا‬
‫‪ :‬لما وصلت اليه البشرية من تقدم تكنولوجي‪ 5‬مذهل في السنوات األخيرة‬

‫‪ .‬مفهوم التخطيط الحضري المستدام‪ 5‬بشكل عام و خصوصيات تخطيط المدينة العربية •‬
‫‪.‬معنى و هدف التسييرالحديث للمجاالت الحضرية •‬
‫المعاينة الميدانية للتعامل مع القضايا العمرانية للواقع المعاش في مدننا و الوسائل التي تضعها‪ 5‬التقنية •‬
‫‪ .‬الحديثة بين أيدي مخططي‪ 5‬و مسيري‪ 5‬المدن لرفع كفاءة آداء المجاالت الحضرية‬

‫كما ينبغي التنويه إلى أن مضمون المداخلة يرتكز على جملة من التساؤالت التي تنبثق من تنضيد‪5‬‬
‫(نطابق) بين أهداف تخطيط و تسيير المدينة‪ ،‬كما يراه المختصون من جهة‪ ،‬وتطبيق هذا التسيير‪ 5‬في‬
‫واقع مدننا (فالتخطيط‪ 5‬سابق و التسيير‪ 5‬تابع ) وما يترتب عن ذلك من انعكاسات سلبية أو إيجابية على‬
‫الحياة اليومية للمواطن من جهة أخرى ؛ لنصل بعد التحليل‪ ،‬إلى بعض نتائج حول واقع العمليتين‬
‫التخطيطية و التسييرية في مدننا و سبل اإلستفادة من الثورة المعلوماتية لرفع مستوى‪ 5‬آداء مدننا دون‬
‫المساس أو التنازل عن هويتها و الرقي‪ 5‬بها وفقا لخصوصياتها إلى مصاف‪ 5‬المدن الحديثة بمستوى‬
‫خدماتها‪ 5‬؛ وذاك من خالل أبراز قيمة التقنية الحديثة في الحفاظ العمراني و التي تضع بين يدي مسيري‬
‫‪ ...‬و مخططي‪ 5‬المدن وسائل بسيطة تساعد في تبني استراتيجيات‪ 5‬تخطيطية و تسييرية‬

‫‪ :‬التخطيط الحضري المستدام‪ : 5‬خطوة لتدارك الفشل ‪1.‬‬

‫البيئة مركب غاية في األهمية في أي عملية عمرانية مهما كان حجمها الزمني أو المكاني‪ ،‬وخاصة‬
‫بالنسبة لمخططي ومسيري المدن ‪ ،‬تتجاوز االنشغاالت اآلنية لخفض التلوث داخل المحيط الحضري إلى‬
‫حمايته و تثمينه‪ .‬لذا فإن الرهان األساسي‪ 5‬يجب أن نضعه نصب أعيينا كباحثين هو ضمان تنمية مستديمة‬
‫تنطلق من إدخال البعد البيئي في جميع مراحل العملية العمرانية بداء من التخطيط و انتهاء بالتسيير‪ .‬من‬
‫‪.‬أجل ذلك؛ فإن البيئة و المدينة يشكالن ثنائيا متجانسا تربطهما‪ 5‬عالقات متينة‬

‫الشعور المتنامي بأهمية الحفاظ البيئة‪ :‬أول خطوة في االتجاه الصحيح ‪1.1‬‬
‫اهتدى إسالفنا إلى ضرورة الحفاظ على البيئة لتحسين ظروف‪ 5‬الحياة الحضرية ؛ فقد ظللنا لعقود نشيد‬
‫‪ :‬مدنا‬
‫مريحة •‬
‫مزدهرة اقتصاديا نظرا لما توفره من فرص للتجارة و اإلستثمار بأقل تكاليف ( مدينة القاهرة القديمة ‪• ،‬‬
‫دمشق القديمة ‪ ،‬القصبة في الجزائر‪....‬الخ)‬

‫متالئمة مع خصوصيات السكان اإلجتماعية و األقتصادية و األمنية ‪....‬الخ •‬


‫بعد ذلك صرنا ‪ ،‬و في خضم تيار الستينيات و السبعينيات من القرن الماضي ؛ و ألن جل الدول العربية‬
‫خرجت لتوها من استعمار مدمر ‪ ،‬كان لزاما إعادة بعث الحياة الحضرية من جديد ‪ .‬إال أن ذالك جاء في‬
‫خضم انبهار مفرط بما يحصل في الغرب ؛ حتى صرنا ننادي كنظرائنا‪ 5‬في الغرب بالتنمية االقتصادية‬
‫كسبيل وحيد‪ 5‬لتحسين إطار حياة اإلنسان الحضري‪ 5.‬مركزين على الجوانب المادية و مغفلين حقيقتين‬
‫‪:‬مهمتين أجمع عليها المختصون حديثا و قديما هما أن‬
‫النظام الحضري‪ 5‬يعتمد في توازنه على جوانب أخرى ال تقل أهمية عن الجانب االقتصادي ؛ •‬
‫االستغالل الجائر للموارد‪ 5‬الطبيعية يتسبب في إحداث ضغط كبير على البيئة نتيجة لما تفرزه من •‬
‫‪ .‬ملوثات ومخلفات ضارة‬

‫لذلك ظهر مفهوم االستدامة الذي عرفه العرب في مدنهم القديمة لقرون عديدة من جديد ليطرح نفسه حال‬
‫وسطا بين منهجين متضادين (التنمية المادية و التنمية غير المادية ) ‪ ،‬و يقرر أن “تلبية احتياجات‬
‫السكان ضرورة لكنها ال يمكن أن تكون على حساب مستقبل األجيال القادمة"‪ .‬و قد أولت معظم دول‬
‫العالم في العقد األخير من القرن المنصرم‪ 5‬عناية خاصة واهتماما ً واسعا ً بمواضيع‪ 5‬حماية البيئة والتنمية‬
‫المستدامة‪ ،‬ولم يولد هذا االهتمام من فراغ بل كان بعد أن تراءى للعالم محدودية الموارد زمنا و مكانا و‬
‫ما يمكن أن يصير‪ 5‬إليه مستقبل األجيال الحالية و القادمة إذا واصلنا‪ 5‬على نفس النهج في استنزاف الموارد‪5‬‬
‫‪ .‬خاصة غير المتجددة منها‬

‫‪:‬البيئة الحضرية وقود‪ 5‬غير متجدد الحياة البشرية ينبغي المحافظة عليه ‪2.1‬‬

‫البيئة الحضرية هي مجموع العناصر‪ 5‬ذات العالقات المركبة تشكل إطار و وسط‪ 5‬و شروط‪ 5‬حياة‬
‫اإلنسان ‪ .‬نتيجة للنمو العمراني المطرد تركز عدد هائل من السكان في المدن و خاصة في التجمعات‬
‫السكانية الجماعية ذات الكثافة العالية في مجال محدود هو المدينة ؛ هذه األخيرة تواجه اليوم و أكثر من‬
‫أي وقت مضى تحديات جسام فيما يخص نوعية البيئة الحضرية(مياه ‪ ،‬نفايات‪ ،‬ضجيج‪ ،‬مساحات‬
‫‪:‬خضراء‪...،‬الخ) ‪ .‬إذا فالتنمية العمرانية ال يجب أن تتم بمعزل عن الضرورات‪ 5‬البيئية الملحة ‪ ،‬ألن‬

‫المدن تعتبر أحد المستهلكين الرئيسيين للموارد الطبيعية كاألرض والمواد والمياه والطاقة؛ •‬
‫عمليات التعمير الكثيرة والمعقدة ينتج عنها كميات كبيرة من الضجيج والتلوث والمخلفات الصلبة و •‬
‫استهالك للمجال الطبيعي الذي يعد رئة األرض كلها و ليس المدينة فقط من جهة ‪ ،‬و تنتج عالقات‬
‫‪ .‬اجتمتعية و اقتصادية غاية في التعقيد (تحدد شكل و طبيعة الغالقات اإلجتماعية ‪ ،‬اإلقتصادية ‪....‬الخ)‬

‫ونتيجة لتنامي الوعي العام تجاه اآلثار البيئية المصاحبة لألنشطة الحضرية يتبين لنا أن التحدي الذي‬
‫‪:‬يجب على مدننا رفعه يتمثل في‬

‫مقدرتها على اإليفاء بالتزاماتها التخطيطية وأداء دورها التنموي تجاه تحقيق رفاهية الحضر دون •‬
‫اإلضرار‪ 5‬بمستقبل األجيال القادمة ؛‬
‫القدرة على تسيير المجاالت الحضرية بشكل يسمح الحفاظ على نمط حياة حضرية راقية و يقلل من •‬
‫‪.‬استنزاف الموارد‪ 5‬غير المتجددة‬

‫االستدامة سمة عمران القرن الحادي و العشرين ‪3.1‬‬


‫نلمح في اآلونة األخيرة ظهور‪ 5‬مفاهيم وأساليب جديدة للتخطيط و التسيير الحضري‪ 5‬لم تكن مألوفة من‬
‫قبل ‪ ،‬ومن هذه المفاهيم "التخطيط الحضري‪ 5‬المستدام" و"العمران األخضر" و"المدينة المستدامة "‪ ,‬هذه‬
‫المفاهيم جميعها تعكس االهتمام المتنامي بقضايا التخطيط و التسيير الحضري في ظل حماية البيئة ‪،‬‬
‫وخفض استهالك الطاقة‪ ،‬واالستغالل‪ 5‬األمثل للموارد الطبيعية‪ ،‬واالعتماد بشكل أكبر على مصادر‪ 5‬الطاقة‬
‫و تقوية الروابط اإلجتماعية ‪ ،‬اإلقتصادية و الثقافية ‪ .‬من هنا‪ (Renewable Sources).‬المتجددة‬
‫يبرز التخطيط‪ 5‬الحضري المستدام ‪ ...‬العمران األخضر كمفاهيم تعكس طرقا‪ 5‬و أساليب جديدة في التعامل‬
‫مع المجال الحضري‪ 5‬تستحضر التحديات البيئية واالقتصادية التي ألقت بظاللها على مختلف مناحي‬
‫الحياة في هذا العصر‪ ،‬فالمشاريع الحضرية الجديدة يتم تصميمها وتنفيذها وتشغيلها بأساليب وتقنيات‬
‫‪ :‬متطورة تسهم في تقليل التكاليف البيئية مما يتيح مدنا آمنة ومريحــة بيئيا‬

‫)‪ (environmental impact‬يقل فيها األثر على البيئة •‬


‫‪،‬تنخفض فيها تكــاليف التسيير (التشغيل والصيانة) •‬

‫ولهــذا فإن بواعث تبني مفهـــوم االستدامة في التخطيط و التسيير الحضريين ال تختلف عن البواعث‬
‫بأبعادها )‪ (Sustainable Development‬التي أدت إلى ظهور وتبني‪ 5‬مفهوم التنمية المستدامة‬
‫البيئية واالقتصادية واالجتماعية المتداخلة‪ .‬فلم تعد هناك خطوط‪ 5‬فاصلة بين البيئة واالقتصاد و االجتماع‬
‫منذ ظهور وانتشار‪ 5‬مفهوم التنمية المستدامة الذي أكد بما ال يدع مجاالً للشك أن ضمان استمرارية النمو‬
‫االقتصادي ( مع مالحظة أن ثلثي سكان العالم يعيشون في المدن) ال يمكن أن يتحقق في ظل تهديد البيئة‬
‫‪.‬بالملوثات والمخلفات وتدمير‪ 5‬أنظمتها الحيوية واستنزاف مواردها‪ 5‬الطبيعية‬

‫‪ :‬العمران المستدام يثمن ارتباط اإلنسان و بيئته ‪4.1‬‬

‫العمران المستدام يتبنى فكرة أن اإلنسان هو محور االرتباط‪ 5‬بين البيئة –االقتصاد‪-‬االجتماع(ألن تأثيرات‬
‫األنشطة اإلنسانية على البيئة لها أبعاد اقتصادية و اجتماعية واضحة العنصر المتلقي للضرر‪ 5‬في النهاية‬
‫هو اإلنسان) ‪ ،‬فاستهالك الطاقة الذي يتسبب في ارتفاع فاتورة الكهرباء له ارتباط وثيق بظاهرة المباني‬
‫التي تنشأ من االعتماد بشكل أكبر على أجهزة التكييف االصطناعية )‪ (Sick Buildings‬المريضة‬
‫عكس ما كانت عليه مدننا القديمة التي تعتمد على التهوية الطبيعية و التكييف‪ 5‬الطبيعي‪ ، 5‬وهذا الكالم‬
‫ينسحب على االعتماد بشكل أوحد على اإلضاءة االصطناعية إلنارة المبنى من الداخل مما يقود إلى‬
‫زيادة فاتورة الكهرباء وفي نفس الوقت يقلل من الفوائد البيئية والصحية فيما لو كانت أشعة الشمس تدخل‬
‫في بعض األوقات إلى داخل المبنى ‪ .‬و يؤدي في النهاية إلى إصابة اإلنسان بأمراض مختلفة عضوية و‬
‫نفسية( أثبتت األبحاث الحديثة أن التعرض لإلضاءة االصطناعية لفترات طويلة يتسبب في حدوث‬
‫أضرار‪ 5‬جسيمة على صحة اإلنسان على المستويين النفسي والبدني ‪:‬اإلحساس باإلجهاد الجسدي واإلعياء‬
‫والصداع‪ 5‬الشديد واألرق)من جهة ‪ ،‬و من جهة ثانية فإن االستخدام المفرط لمواد البناء أثناء تنفيذ‬
‫المشروع‪ 5‬يتسبب في تكاليف إضافية ويقود في نفس الوقت إلى تلويث البيئة بهذه المخلفات التي تنطوي‬
‫على نسب غير قليلة من المواد السامة‪ .‬وهكذا فإن الحلول والمعالجات البيئية التي يقدمها العمران‬
‫المستدام‪ 5‬تقود في نفس الوقت لتحقيق فوائد اقتصادية ال حصر لها على مستوى الفرد والمجتمع (حسب‬
‫بعض التقديرات فإن مجال العمارة على مستوى العالم يستهلك حوالي (‪ )%40‬من إجمالي المواد األولية‬
‫ويقدر هذا االستهالك بحوالي ‪ 3‬مليار طن سنويا‪ -‬الواليات المتحدة األمريكية تستهلك المباني وحدها (‬
‫‪ )%65‬من إجمالي االستهالك الكلي للطاقة بجميع أنواعها‪ ،‬وتتسبب في (‪ )%30‬من إنبعاثات غازات‬
‫‪ .‬الجنة)‬

‫‪ :‬التخطيط الحضري يلبي احتياجات آنية آخذا في الحسبان ألجيال القادمة ‪5.1‬‬
‫المدينة مجال حضري خصب يثير شهية تخصصات‪ 5‬عدة ‪ ،‬ودراستها‪ 5‬تأخذ أبعادا مجالية ‪ ،‬اجتماعية ‪،‬‬
‫ثقلفية واقتصادية‪ .‬فتخطيطها يرتكز‪ 5‬على عدة تخصصات تتفق جميعها على التعبير الكمي عن بنية (أو‬
‫‪ :‬هيئة) تركيبية (مركبة) تجمع وظائف مختلفة (سكن ‪+‬عمل‪+‬راحة )في مجال محدود‪ ، 5‬لتشكل بذلك‬

‫مسرحا الستعراض قوى متنازعة‪ ,‬فهي تقترح التعددية‪ ،‬وتسمح لكل واحد الختيار نمط حياته‪ .‬فالمدينة •‬
‫هي إذا طراز مميز للحياة الجماعية اإلنسانية‪ .‬وهي في كثير من األحيان‪ ،‬كما يراها بعض علماء‬
‫االجتماع الحضري‪ ،‬موطن أكبر وأكثف‪ 5‬وأدوم ألفراد غير متجانسين تشكل إسقاطا للمجتمع في الواقع‬
‫‪.‬يعبر عن طريقة وجود‪ 5،‬حياة‬
‫المحاوالت األولى الستبدال التطور الطبيعي والعفوي بتطور‪ 5‬مقصود يهدف إلى أيجاد فضاء عمراني •‬
‫‪.‬جديد مصمم عقالنيا‪ ،‬ومحتوي‪ 5‬على كل التجهيزات الضرورية لحياة السكان‬

‫مجاال يجمع بين عناصر متكاملة فيما بينها (تجهيزات بمختلف أنواعها‪ ،‬سكنات‪ ،‬مساحات •‬
‫خضراء‪ ،.........‬وبين متناقضات ( كتوفير سيولة في الحركة‪ ،‬وأمن مروري‪ ،)....‬يصعب التوفيق‬
‫‪.‬بينها‬
‫‪.‬فضاءا ديناميكيا‪ ،‬يتجدد ويتسع في المكان‪ ،‬وينمو عبر الزمن‪ ،‬فتسيير‪ 5‬ها يحتاج إلى مرونة في العمل •‬
‫نستخلص أن التخطيط‪ 5‬الحضري يلبي احتياجات السكان الحاليين‪ ،‬و كذلك المستقبليين‪ ،‬وعليه فالمطلوب‪5‬‬
‫أن يكون تسيير المدينة (تابع كما أشرنا ’نفا ) وفقا لألهداف التي تبنيناها عند إنشائها‬
‫التسيير الحضري المستدام‪ 5‬ضرورة بيئية و حتمية اقتصادية ‪.‬‬
‫تناولنا‪ 5‬فيم سبق التخطيط الحضري بإسهاب ألنه سابق ؛ و ألن التخطيط‪ 5‬و التسيير الحضريين ‪:‬‬
‫تربطهما‪ 5‬عالقات معقدة األمر الذي بدأ يظهر بجالء مع الثورة التكنولوجية و المعلوماتية ‪ ،‬التي و ضعت‬
‫بين أيدي المخططين و المسيرين على حد سواء ؛ وسائل تقنية فائقة الدقة سمحت بتحديد‪ 5‬المشاكل التي‬
‫تعاني منها المدن بدقة متناهية و بالتالي تسهيل التدخل لحلها‪ .‬من بين هذه التقنيات نجد في مقدمتها نظم‬
‫المعلومات الجغرافية و االستشعار‪ 5‬عن بعد ‪ .‬هذه التقنيات سهلت كثيرا تعامل المختصين مع المشاكل‬
‫الحضرية اليومية و ساعدت في عملية التسيير‪ 5‬و التحكم في نمو المدن من جهة و في توفير إطار حياة‬
‫أفضل للسكان من خالل إمكانية التدخل السريع و الدقيق لحل أية مشكلة (اتسيير النفايات الحضرية ‪،‬‬
‫‪.‬النقل الحضري‪ ،‬تحديد مستويات التلوث و طبيعتها ‪).... ،‬‬

‫التسيير الحضري ‪ :‬تعامل مرن مع نسيج حضري معقد ‪1.2‬‬

‫ال شك أن مفهوم تسيير المدينة قد يحمل تصورات وأفكار وسيناريوهات تختلف باختالف المتدخل وحجم‬
‫‪:‬المدينة لكنه يبقى يرتكز حول محورين أساسين متكاملين‬
‫البحث عن كيفية التنسيق والتوفيق بين مختلف المتدخلين في المدينة من سياسيين‪ ،‬تقنيين‪ ،‬إداريين‪• ،‬‬
‫‪....‬جماعات ضاغطة‬

‫البحث عن كيفية التحكم في تسيير كل العناصر التي ترتكز عليها حياة سكان المدينة مثل تسيير •‬
‫‪،...‬الفضاءات العمومية‪ ،‬النفايات‪ ،‬المساحات الخضراء‪ ،‬المياه الصالحة للشرب‪ ،‬المياه المستعملة‬
‫إن مسير المدينة (أو المشارك‪ 5‬في عملية التسيير)‪ ،‬يعمل في ظروف‪( 5‬منها السلبية ومنها‪ 5‬االيجابية)‬
‫تختلف باختالف الزمان والمكان‪ ،‬وباختالف بعض الظروف المحيطة بالعملية برمتها‪ .‬فهنالك ظروف‬
‫تتعلق بالمسير نفسه ( قدراته على االستفادة من الوسائل المتاحة له‪ ،‬ثقافته وتكوينه الشخصي‪، ).....‬‬
‫وأخرى‪ 5‬تتعلق بالمدينة ذاتها (حجمها‪ ،‬نمطها ألبنائي وهيكلتها‪ .).......‬تتفاعل هذه الظروف‪ 5،‬التي يمكن‬
‫أن نسميها متغيرات‪ ،‬مع بعضها‪ 5‬البعض لتبرز لنا جملة من المشاكل التي تِؤثر على نوعية وكيفية‬
‫‪.‬التسيير‪5‬‬

‫فمثال عدم التركيز والتوجيه نحو التصور العمراني والمعماري الذي يحمل البعد الثقافي واالجتماعي في‬
‫المشاريع العمرانية يساعد في إحداث حركة في تعمير المدينة بشكل يجعل االنقطاع أو عدم التفاعل‬
‫واضحا بين الفضاءات العمرانية المنتجة ومستعمليها‪ ،‬مما يتسبب في وجود تداعيات مختلفة تنعكس في‬
‫‪:‬عدة صور منها‬

‫إلى عدم االندماج في ‪‬عدم تمكن المواطن من التفاعل مع المجاالت المصممة خصيصا له‪،‬الشيء الذي‬
‫‪ .‬الحياة الحضرية الجماعية‪ ,‬فيترتب‪ 5‬عنه تراجعا في القيم الجماعية واستفحال للنزعة الفردية‬
‫تهدف إلى إيجاداإلستقرار‪ 5‬األدوات العمرانية والمعايير‪ 5‬التقنية المطبقة على مجالنا الحضري‪ ،‬والتي‬
‫وترفع من كفاءة المجال الحضري‪ ،‬لم تحقق هذا الهدف ميدانيا العتبارات كثيرة إما ذاتية‪ ،‬أي متعلقة‬
‫بالمقاييس العمرانية نفسها (المقاييس العمرانية الخاصة بالتسيير التقني أو المتعلقة بعمليات البرمجة‬
‫للمجال الحضري‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬ال تتماشى مع الحقائق االجتماعية والثقافية والمناخية بصفة عامة‪,‬‬
‫ومع نمط الحياة)‪ ،‬أو لمعايير متعلقة بالمسير نفسه‪ ،‬أو قد تكون لظروف‪ 5‬أخرى كعمل الجماعات‬
‫‪....‬الضاغطة‬

‫من هنا يبدو أن األمر ليس بالهين‪ ،‬حيث أن وضع إطار واضح لهذا المفهوم (الجديد) في بالدنا العربية‬
‫يعتبر‪ -‬لحد اآلن‪ -‬من الصعوبة بمكان‪ ،‬وذلك لوجود‪ 5‬عوامل تثقل من العمل بسهولة إليجاد طرق وآليات‬
‫‪:‬بسيطة وفعالة‪ .‬من بين هذه العوامل نذكر مايلي‬

‫والبشري‪ ،‬أو على ‪‬توفر‪ 5‬مدننا على مميزات غير متجانسة‪ ،‬سواء على مستوى التنوع المعماري‪5‬‬
‫‪.‬مستوى االختالل العمراني الحاصل نتيجة تزايد البنايات‪ ،‬خاصة الفوضوية منها‬
‫الصالحيات بدقة ووضوح‪ 5‬كعدم تحديد بعض( وجود‪ 5‬بعض الغموض أو الثغرات في القوانين العمرانية‬
‫‪.‬الخاصة بالتدخالت على المحيط الحضاري‪) 5‬لكل متدخل‬
‫والمعمارية من تراثنا العتيق ‪‬إفراغ الكثير من المشاريع من قيمنا‪ ،‬وعدم اقتباس في المشاريع العمرانية‬
‫هذا من جهة‪ ،‬وعدم قدرة مسايرة هذه المشاريع للديناميكية العمرانية الحالية (فمدننا تطور‪ 5‬بوتيرة تفوق‬
‫تطور قدراتنا‪ 5‬التقنية والبشرية) من جهة أخرى‬
‫نصفها بالمريضة حيث ‪‬تدهور العيش من قلة الدخل بالنسبة لبعض المواطنين ووجود أحياء يمكن أن‬
‫يتجلى فيها عدم االستقرار‪ ،‬انتشار‪ 5‬التلوث‪ ،‬قلة األمن تدهور‪ 5‬الفضاءات العمومية‪ ،‬إذ أصبحت هذه‬
‫‪.‬األخيرة تشكل مصدر خطر دائم لسكان بعض األحياء‬
‫الوطنية مما أدى إلى إيجاد مدن ‪‬تنامي تجمعات منها الصفيحية‪ ،‬ومنها الخطية المنتشرة بمحاذاة الطرق‬
‫‪.‬ال تعرف بدايتها من نهايتها‪ ،‬بل أحيانا ال تجد فيها للمدينة معنى‬
‫القرويين إلى المدينة ‪‬تدهور‪ 5‬عام في بعض المدن خاصة الداخلية منها مرتبطا‪ 5‬ذلك بهجرة الكثير من‬
‫‪.‬وما يترتب عنه من الضرر المضاعف (نقص زراعي وتزايد‪ 5‬في االكتظاظ السكاني)‬
‫محدودية اإلمكانيات المادية لدى العديد من البلديات‪ ،‬وضعف مصادر‪ 5‬تمويل مشاريع اإلنجاز ‪‬‬
‫‪.‬والصيانة‬
‫‪.‬غياب التأطير‪ :‬قلة التأطير كافي سواء على مستوى الدوائر التقنية‪ ،‬أو على مستوى التكوين ‪‬‬
‫‪.‬كل ذلك يزيد من صعوبة المسير ويقعد أكثر من مهمته‬

‫‪:‬تسيير‪ 5‬المدينة‪ :‬تحكم في نسيج عمراني متغير ‪2.2‬‬

‫تعرف كل مدن العالم حاليا تحوالت عميقة‪ ،‬يصعب قياس عواقبها بدقة‪ .‬وأصبحنا‪ 5‬اليوم نتساءل إن كانت‬
‫أزمة التعمير السابقة هي التي جعلت المدن اليوم عديمة القدرة على الوقوف أمام أوضاع عالمية جديدة‪،‬‬
‫‪ :‬أو أننا أمام مدن جديدة مبنية على عالقات جديدة؛ من هنا يمكن أن نسجل المالحظات التالية‬

‫في وسط هذا الزخم من التحوالت والتراكمات‪ 5‬التي تعرفها المدن بمختلف أحجامها‪ ،‬فإن الجانب •‬
‫ألتسييري للمدينة يبقى يشكل الجانب األكثر تعقيدا‪ ،‬وفي نفس الوقت األكثر حيوية‪ ،‬و هو األساس‬
‫‪.‬إلشكالية التطور‪ 5‬المستديم‬
‫أصبحت المدن حاليا على درجة كبيرة من التعقيد و الالتجانس‪ ،‬والتخصص وتقسيم العمل‪ ،‬واالنفصال •‬
‫‪.‬المكاني‪ ،‬واالجتماعي‬
‫أصبحت المدينة المعاصرة تتمركز‪ 5‬عادة حول قطب وحيد‪ .‬وأن التنطيق‪ 5‬أوجد تخصصات‪ 5‬مبالغ فيها •‬
‫من مناطق‪ 5‬صناعية‪ ،‬سكنية‪ ،‬وتجارية‪.‬وصارت‪ 5‬المدينة تعيش في قطاعات منفصلة‪ :‬من جهة أحياء سكنية‬
‫مخططة‪ ،‬ومن جهة أخرى أحياء شعبية فقيرة‪ ،‬يمكن أن نصفها بالمريضة‪ ،‬حيث تمتاز بعدم االستقرار‪،‬‬
‫التلوث بكل أشكاله‪ ،‬انعدام األمن‪ ،‬انتشارا‪ 5‬في العنف الحضري‪ ,‬كما أوجدت نسج عمرانية مكثفة في‬
‫مراكز المدن ومتناثرة في الضواحي‪ 5.‬قليل من العمارات التي بنيت بشكل منسجم مع محيطها‬
‫‪....‬المجاور‪5‬‬
‫جل مدننا تعرف حاليا تمددا هائال‪ ،‬حيث أن الكثير من األحياء الواسعة صارت تشكل من قبل السكان •‬
‫أنفسهم‪ ،‬على جانب تحكم السلطات العمومية ( األحياء الشعبية‪ :‬الفوضوية‪ ،‬القصديرية‪ ....‬المنظمة ذاتيا‪:‬‬
‫عقود بيع‪ ،‬بناء‪ ......‬بعيدة عن المصالح الرسمية )‪ :‬أوجدت وضعية بعيدة عن مفهوم التسيير‪ 5‬الهادف‪ ،‬أو‬
‫‪.‬التنظيم‪ 5‬المحكم‬
‫النسيج العمراني‪ 5‬يتمدد ويتسع ويتحول‪ ،‬بينما األراضي‪ 5‬الحضرية الضرورية تضيق‪.‬وبالتالي ظهور‪• 5‬‬
‫هفوة بين وتيرة التهيئة العمرانية‪ ،‬وما ينبغي على المدينة توفيره‪ .‬وأصبحنا‪ 5‬نشعر وكأن مدننا تتطور‬
‫بوتيرة تفوق قدراتنا‪ .‬لذا‪ ،‬ونحن في عصر جديد‪ ،‬ومع متغيرات عالمية ومحلية مفروضة‪ ،‬فان مسير‬
‫المدينة مطالب بالتأقلم معها‬
‫في خضم التحوالت التي تعيشها الحضارة اإلنسانية‪ ،‬فان المدن تعمل يوميا منتجة بذلك مشاكل اجتماعية‬
‫واقتصادية متجددة حسب الظروف؛ هذه الحالة تترك الكثير من مسيري المدن يتساءلون عن العالقة بين‬
‫األشكال الفضائية والوظائف الحضرية؟‬

‫‪:‬تسيير المدينة مشاركة عامة ‪3.2‬‬


‫لقد أصبحت فكرة المشاركة العامة في تسير المدينة عملة رابحة آخذة في االنتشار في كثير من الدول‬
‫وخاصة المتقدمة ‪ .‬بل إنها أصبحت توجه أعمال الخبراء‪ ,‬السياسيين المهتمين بتخطيط‪ 5‬وتسير المدينة‪،‬‬
‫ونظرا لكون استخدامات األرض تؤثر على كل أعضاء المجتمع بدرجات متفاوتة فقد وجدت الفكرة‬
‫‪.‬تجاوبا متزايدا من قبل عامة الناس‬
‫في الواقع أن مبدأ المشاركة العامة في التسيير ال يمكن أن ينجح بدون إعداد أفراد المجتمع لتلق‬
‫المشاركة ؛ وهذا يكون عن طريق‪ 5‬بذل الجهود المسبقة إلفهام األفراد األهداف العامة لهذا النوع من‬
‫‪.‬التسيير‬
‫إن تشكيل األهداف العامة وإيجاد الوسائل الفعالة للتسيير يحتاج إلى االنخراط الفعلي للمجموعات‬
‫والمنظمات‪ 5‬المهتمة بالتسيير إلجراء المناقشات واالستشارات‪ 5‬للوصول إلى أفضل أسلوب لعرض األمر‬
‫على أفراد المجتمع حيث أن بعض األهداف قد تكون غامضة على الكثير‪ .‬لهذا قد يلجأ الفرد أحيانا‬
‫‪.‬لبعض المنظمات للمشاركة في المناقشات نيابة عنه كأحد أعضائها‬

‫‪.‬وهنا نسجل إمكانية المساعدة في شرح أهداف واتجاهات التسيير‪ 5‬من قبل وسائل األعالم‬
‫أال أنه ينتج أحيانا عن مبدأ المشاركة العامة نوع من التضارب في عملية التسيير؛ أحيانا إأللحاح على‬
‫تدعيم المشورة بين السكان وبين المسئولين عن التسيير قد يصطدم مع الحاجة لتنفيذ بعض القرارات‬
‫السريعة في بعض عمليات التسيير‪ .‬وبالتالي‪ 5‬قد تكون هذه السرعة المطلوبة أحيانا مستحيلة مع مبدأ‬
‫‪.‬المشاركة العامة (كعمليات تحسين إطار حياة بعض األحياء القديمة‪)....‬‬

‫أما المشاركة العامة المفيدة فهي تلك التي تبدأ منذ التخطيط‪ ، 5‬كنشر الخطط أمام السكان‪ ،‬إلعطائهم‪5‬‬
‫الفرص المالئمة لعرض أرائهم والتي يجب أن تكون األساس في وضع بعض الخطط النهائية‪ .‬وعموما‬
‫فإن فاعلية التسيير تبرز مع تشجيع المشاركة ألكبر عدد ممكن من العامة بالمساعدة في إعداد الخطط‬
‫مثال‪ ,‬ذات العالقة الوطيدة بهم كاألماكن العمومية‪ ،‬وأماكن لعب األطفال‪ ،‬وبعض التجهيزات العامة‪، ....‬‬
‫‪...‬وذلك بإبداء أرائهم إما شفويا أو كتابيا‬
‫طريقة المشاركة هذه تفرض على تسيير المدينة أن يكون في الميدان وأن يعمل وفق تصور‪ 5‬جديد يعتمد‬
‫أساسا على التنسيق والتشاور والشراكة بين الدعم العام والخاص وإشراك‪ 5‬المجتمع المدني ومعرفة جيدة‬
‫لكيفية فتح قنوات االتصال بين مختلف الفاعلين في إطار نظرة شمولية‪ ،‬كي نجعل المواطن يشعر‪5‬‬
‫‪.‬بانتمائه إلى المدينة أي بامتالكه للفضاءات ( حيازته) لها‬
‫تقودنا هذه النظرة األخيرة إلى التساؤالت‪ 5‬التالية‪ :‬ما هي اإلستراتيجية التي ينبغي إتباعها لجعل سكان‬
‫المدينة أكثر فاعلية؟ وأي نوع من التسيير المتطلب إيجاده لتشجيع التزامات السكان ؟‬

‫تسيير المدينة‪ :‬تفعيل للقطاع الخاص ‪4.2‬‬


‫جاء في كتاب مدن للقرن ‪ 21‬ص ‪ 135‬الصادر‪ 5‬عن المنظمة العالمية للتنمية االقتصادية ‪ ،1995‬أن‬
‫مندوب الرئيس األمريكي‪ 5‬جيمي كارتر‪ 5‬قال ‪" :‬السياسة الوطنية للمدينة يجب أن تعكس شراكة قوية‬
‫وفعالة بين القطاع العام والقطاع الخاص‪ .‬االعتمادات الفدرالية‪ ،‬واعتماد الدولة والمحلية رغم أهميتها‪،‬‬
‫‪.‬إال أنها ال تكفي لحل مشاكل مدننا‬
‫يجب تدخل القطاع الخاص‪ .‬هو وحده يستطيع توفير‪ 5‬األحوال الضرورية إلعادة البناء والتوسع‪ 5,‬هو‬
‫‪".‬وحده يستطيع أن ينجز مشاريع التطور‪ 5‬الكبير على المستوى‪ 5‬الواسع إليجاد اقتصاد‪ 5‬محلي كامال‬

‫كما يالحظ في هذا الشأن كذلك بأن الشراكة (العامة‪/‬الخاصة) المتعلقة بالتهيئة‪ ،‬وتحسين الهياكل القاعدية‬
‫تضاعفت‪ ،‬في بعض الدول األوربية‪ ،‬في بداية ‪ :1980‬شركات إنجاز وبناء‪ ،‬مستثمرون‪ ،‬هيئات مالية‬
‫وشركات‪ 5‬تطوير أخرى تعاونت مع السلطات العمومية تحت شعار الثورة العمرانية‪ .‬وتزايدت بعدها‬
‫‪.‬االتفاقيات في مختلف المجاالت‬
‫فالبلدية وحدها‪ 5‬ال تتوفر على وسائل مادية ومالية تسمح لها بحل كل المشاكل المدنية‪........‬بل بمجهودات‪5‬‬
‫كل المهتمين بتسيير المدينة‪ ،‬والتي يمكن أن تجمع بواسطة تعاون فعال‪ ،‬لتواجهة تحديات التسيير‪5‬‬
‫‪.‬المشترك‪5‬‬

‫‪:‬تسيير‪ 5‬المدينة ‪ :‬نماذج مختارة ‪5.2‬‬

‫رغم تعدد المتدخلين في المدينة باعتبار أن لكل رؤيته الخاصة للمشاكل‪ ،‬ولكل أولويته‪ ,‬األمر الذي يجعل‬
‫من عملية التنسيق أمرا معقدا‪ ،‬وبالتالي‪ 5‬التناقض في بعض األحيان بين الكيفيات المطروحة لمعالجة‬
‫الوضع وضبط التعقيدات‪ ،‬لذا كثيرا ما نتساءل عن بعض النماذج الناجعة في التسيير‬

‫هل نعتمد التسيير‪ 5‬الخاص‪ :‬أي أن البلدية هي التي تشرف على تسيير كل القطاعات التابعة لها وذلك‬
‫باستعمال وسائلها البشرية والمادية الخاصة؟‬

‫أم نعتمد التسيير‪ 5‬المشترك وذلك بالتسيير الذي يعتمد على التنسيق بين البلدية والمتعاملين اآلخرين في آن‬
‫‪.‬واحد‬
‫التساؤل على نوع التسيير‪ 5‬األنفع‪ ,‬يقودنا أن نتساءل كذلك ‪,‬وبنفس النظرة إلى محل التسيير (المدينة) ‪.‬هذه‬
‫‪.‬األخيرة يمكن أن نقسمها إلى نموذجين‪ :‬المدينة السوق – المدينة الحي‬
‫المدينة السوق‪ 5:‬أراضي حضرية ‪ ،‬سكن ‪ ،‬قروض ‪ ،‬اتصاالت ‪ ،‬خدمات ‪ ،‬لمختلف الشركات ‪،‬مهن •‬
‫‪..‬حرة ‪ ،‬عمل توظيفي‪5‬‬
‫المدينة الحي‪ :‬خدمات عمومية عبر األحياء والتي هي إما مصالح تجارية ( ماء‪ ،‬تطهير‪ ،‬جمع نفايات •‬
‫منزلية‪ ،‬نقل بعض األشخاص) أو خدمات تنظيمية (الخدمات التي تنظيم فضاء المدينة وتحاول تحسين‬
‫الظروف داخل األحياء)‪ ،‬أو خدمات اجتماعية تهدف إلى إخراج بعض الفقراء من فقرهم‪ ،‬تثقيف آخرين‬
‫‪.‬وتعلمهم‪ .... 5‬أو أفعال ردعية ضرورية للتسيير الحسن للجميع‬
‫يمكن أن ينمو هذا التصور على غرار تصور مفهوم الحي‪ ،‬كما يمكن أن يبنى على ميثاق محلي‬
‫‪.‬للمواطنة‪ ،‬أو على هندسة خاصة ترتكز على سلطة الحي‬
‫العمل هنا يقتضي إيجاد تحالف اجتماعي سياسي واسع النطاق يهدف إلى إيجاد التجانس‪ ،‬التنسيق‬
‫‪.‬واإلدماج االجتماعي‬
‫‪.‬مثال‪ :‬إرسال برنامج إلجتثاث الفقر‪ ،‬برنامج القضاء على اآلفات االجتماعية‬
‫‪.‬في هذه الحالة البلدية تكون هي العمود الفقري الذي يرتكز‪ 5‬حوله هذا النشاط ألتسييري االجتماعي‬

‫تسير المدينة ‪ :‬تسيير‪ 5‬قطاعات لكن بنظرة شمولية ‪6.2‬‬

‫التحكم في تسير المدينة يقتضي تحديد القطاعات المراد التدخل عليها تحديدا واضحا ‪ ,‬لكن بنظرة شمولية‬
‫( تعين خصوصية كل قطاع ومجاالت التداخل بينها)‪.‬ومن بين هذه القطاعات التي ينبغي أن تكون من‬
‫‪ :‬أولويات مسير المدينة –رغم درجات تفاوت تأثيرها من مدينة ألخرى‪ -‬نذكر ما يلي‬

‫الفضاءات العمومية‪ :‬هذه الحالة تفرض على السكان وكذلك أصحاب القرارات أن يعتمدوا طريقة*‬
‫ديناميكية للتهيئة العمرانية وأن يجدوا حلوال متجددة الستغالل المالئم للفضاءات المتواجدة عبر كل أنحاء‬
‫‪.‬المدينة‬

‫إعادة تأهيل األحياء الهامشية ‪ :‬المتضررة (القديمة) و الفضاءات العمومية‪ ،‬الطرقات هي أول اإلجابات*‬
‫‪.‬التي تعصف بمدننا والتي ينبغي للمسئولين على مستوى‪ 5‬البلدية النظر فيها‬

‫النوع الثاني من اإلجابة التي يجب أن ينظر إليها المسئولون على مستوى البلديات هي الجوانب‬
‫‪.‬االجتماعية واالقتصادية لسكان هذا النوع من األحياء‬
‫فإدماج هذا النوع من األحياء ( والمتواجدة عموما في ضواحي المدينة)‪ ,‬ينبغي أن يكون من أولويات‬
‫مسير المدينة ‪ .‬ألن الكثير من هذه األحياء أصبحت أماكن الهية قروية فتطور‪ 5‬مستلزمات‪ 5‬الريف ‪,‬والهي‬
‫‪ .‬حضرية فتستفيد‪ 5‬من خدمات المدينة‬

‫أزمة النقل الحضري‪ :‬شوارع مدننا مكتظة بالمشاة وسائل النقل‪,‬تجهيزات النقل العمومي‪ 5‬ال تستطيع*‬
‫تلبية الطلب‪ ،‬كما ال تستطيع الشوارع‪ 5‬المتدهورة تلبية الحركة في الميكانيكية في الوقت الالزم لالنتقال‬
‫‪.‬من نقطة إلى أخرى‪ ,‬وحوادث المرور في تصاعد مستمر‬

‫عليه النقل الحضري‪ 5‬في أغلب هذه المدن بحاجة إال تسير محكم لالرتقاء به إال أهدافه الحقيقة ( التوصيل‬
‫‪.‬بسرعة ‪,‬بأمان ‪,‬وبأقل التكاليف )‬

‫النفايات الصلبة ‪:‬وضعيتها في جل مدننا تجعل من مسير المدينة يرسم لها العديد من الخطط ليستفيد*‬
‫منها ألنه عبارة عن عائدة أي مادة ثانوية للنشاط العمراني‪.‬كما‪ 5‬يمكن تطبيق عدة مبادئ معروفة في‬
‫‪:‬التسيير تجعل من مسير المدينة يستفيد من وجود هذه النفايات مثال‬

‫‪.‬تطبيق‪ 5‬مبدأ الملوث األكبر يدفع األكثر •‬


‫‪...‬تفعيل الضرائب المتعلقة بحماية المحيط •‬
‫التوعية وإنشاء هيئات تتكفل باستغالل النفايات والتفكير‪ 5‬في تخفيض المصاريف المتعلقة بمعالجتها •‬
‫‪.‬على األقل‪ ,‬والتقليل من االنتشار العشوائي ألماكن جمع النفايات في كل أنحاء المدينة‬

‫‪:‬تسير القطاعات األخرى*‬

‫كالمساحات الخضراء‪( :‬تشجيع المبادرات الفردية والجماعية كإنشاء مؤسسات خاصة ومتخصصة في ‪-‬‬
‫‪.....‬صيانتها‪ ،‬والتي تهدف إلى حمايتها والمحافظة عليها‬
‫المياه الصالحة للشرب‪ ( :‬التفكير في إيجاد طرق‪ 5‬التعامل العقالني معها‪ ،‬خاصة في المناطق الجافة ‪-‬‬
‫والشبه الجافة‪)....‬‬
‫يجب على مسير المدينة أن يبني استراتيجيته على االستغالل األمثل لكل عناصر‪ 5‬المحيط الحضري‪،‬‬
‫ويحسن االستفادة من العوامل المحيطة به مع تطوريها مركزا على بعض النقاط‪ ،‬نذكر منها على سبيل‬
‫‪:‬المثال‪ ،‬ال الحصر‪ ،‬ودون ترتيب ما يلي‬

‫‪.‬اإلشراف‪ 5‬على حمالت تطوعية ‪-‬‬


‫‪.‬مراقبة لكل التغيرات وتشخيص تدهور للمحيط ‪-‬‬
‫‪.‬تشجيع المبادرات الفردية والجماعية الهادفة إلى تحسين إطار الحياة ‪-‬‬
‫‪.‬إشراك أهل الحي في العمليات العمرانية وذلك بواسطة ورشات ميدانية ‪-‬‬
‫‪:‬تحديد نوعية مشاركة السكان‪ ،‬مثال ‪-‬‬
‫هل هي مشاركة تقنية ؟ ‪o‬‬
‫هل هي استثمار‪ 5‬جماعي في فعل معين ؟ ‪o‬‬
‫‪.‬مشاركة مالية ‪o‬‬
‫‪.‬تهيئة وتسيير األحياء على شكل وحدات جوارية لها تجانسها ‪-‬‬
‫‪ :‬تشجيع الدراسات المفيدة لعمليات التسيير ‪-‬‬
‫‪.‬جمع المعلومات وتحليلها ‪-‬‬
‫إيجاد قاعدة بيانات ‪-‬‬
‫تقوية شبكة عالقات واتصاالت‪ 5‬مع المتدخلين والمتعاملين األساسيين ‪-‬‬
‫‪.‬تحديد الشركاء الحقيقيين‪ ،‬والفاعلين ‪-‬‬

‫تسيير المدينة‪ :‬مراحل مدروسة ‪7.2‬‬

‫بعد تعين القطاع المراد دراسة تسيره‪ ,‬وتحديد‪ 5‬كل الظروف الالزمة لذالك‪ ,‬فإن العملية تمر بالمراحل‬
‫‪ :‬التالية‬
‫‪...‬جمع المعلومات‪ :‬البحث عن الوثائق الضرورية واإلحصاءات الالزمة‪,‬تجميعها وتخزينها‪- 5‬‬
‫‪.‬فهم المعطيات وتحليلها وفق‪ 5‬األهداف المسطرة سابقا ‪-‬‬
‫‪.‬ترجمة نتائج التحليل وإخراجها‪ 5‬في الصورة المالئمة لالستعمال ‪-‬‬

‫‪ :‬لمدينة العربية إلى أين ؟ ‪2.‬‬


‫عند التمعن في أوضاعنا‪ 5‬البيئية الصعبة ومواردنا‪ 5‬المحدودة ندرك بأن حاجتنا إلى تطبيقات التخطيط و‬
‫التسيير‪ 5‬الحضري‪ 5‬المستدام أكثر من الدول الصناعية المتقدمة‪ .‬وإذا كانت كميات أشعة الشمس وحرارتها‬
‫ووهجها في منطقتنا من أعلى المعدالت في العالم فإن هذا يعني وجود‪ 5‬فرص ذهبية لتوظيفها كمصدر‪5‬‬
‫بديل إلنتاج الطاقة‪ ،‬باإلضافة إلى استغاللها في إضاءة المباني والمنشآت خالل ساعات النهار‪ .‬ومع ذلك‬
‫فنحن نسمع عن مباني منشأة في بعض البلدان التي تغيب عنها الشمس أليام طويلة في السنة‪ ،‬وهذه‬
‫المباني تعتمد بشكل أساسي في اإلضاءة الداخلية على ضوء النهار الطبيعي حيث توفر‪ 5‬نصف كمية‬
‫الطاقة المستهلكة في اإلضاءة‪ ،‬بينما نرى مبانينا التي تقبع تحت الشمس الحارقة والوهج الضوئي‪ 5‬القوي‬
‫مظلمة ومعتمة من الداخل وتعتمد‪ 5‬فقط على اإلضاءة االصطناعية التي تضيف‪ 5‬أعباء اقتصادية إلى‬
‫فاتورة الكهرباء‪ ،‬بل إن تلك الدول قطعت أشواطاً‪ 5‬متقدمة في تطبيقات استغالل الطاقة الشمسية كمصدر‪5‬‬
‫‪.‬بديل للطاقة في المباني‪ ،‬باإلضافة إلى استغالل الرياح وشالالت المياه في إنتاج الطاقة‬

‫‪ (Conde‬يوجد في الدول الصناعية الكثير من المباني الكبرى التي تجسد االستدامة ‪ ،‬ومنها مبنى برج‬
‫المكون من (‪ 48‬طابقاً) في ساحة التايمز في نيويورك‪ 5‬الذي يعد أحد األمثلة المبكرة التي طبقت )‪Nast‬‬
‫مبادئ التخطيط و التسيير‪ 5‬المستدام ‪ ،‬وقد استعملت فيه تقريبا ً جميع التقنيات التي يمكن تخيلها لتوفير‪5‬‬
‫الطاقة‪ .‬فقد استخدم المبنى نوعية خاصة من الزجاج تسمح بدخول ضوء الشمس الطبيعي وتبقي الحرارة‬
‫واألشعة فوق‪ 5‬البنفسجية خارج المبنى‪ ،‬وتقلل من فقدان الحرارة الداخلية أثناء الشتاء‪ .‬وهناك أيضا ً خليتان‬
‫تعمالن على وقود الغاز الطبيعي تزودان المبنى بـ (‪ 400‬كيلو واط) من الطاقة‪ ،‬وهو ما يكفي لتغذية‬
‫المبنى بكل كمية الكهرباء التي يحتاجها ليالً‪ ،‬باإلضافة إلى (‪ )%5‬من كمية الكهرباء التي يحتاجها‬
‫نهاراً‪ .‬أما عادم الماء الحار فقد أنتج بواسطة خاليا الوقود المستخدمة للمساعدة على تسخين المبنى‬
‫وتزويده بالماء الحار‪ .‬بينما وضعت أنظمة التبريد والتكييف‪ 5‬على السقف كمولد غاز أكثر من كونها مولد‬
‫كهربائي‪ 5،‬وهذا يخفض من فقدان الطاقة المرتبط بنقل الطاقة الكهربائية‪ .‬كما أن لوحات‬
‫الموجودة على المبنى من الخارج تزود‪ 5‬المبنى بطاقة إضافية تصل إلى ( )‪(Photovoltaic Panels‬‬
‫‪ 15‬كيلو واط)‪ .‬وداخل المبنى تتحكم حساسات الحركة بالمراوح وتطفىء اإلضاءة في المناطق قليلة‬
‫اإلشغال مثل الساللم‪ .‬أما إشارات الخروج فهي مضاءة بثنائيات خفيفة مخفضة إلستهالك الطاقة‪.‬‬
‫‪.‬والنتيجة النهائية هي أن المبنى يستهلك طاقة أقل بنسبة (‪ )%40-35‬مقارنة بأي مبنى تقليدي مماثل‬

‫القابع في أحد شوارع‪ (The Swiss Re Tower) 5‬ومن األمثلة األخرى على العمارة الخضراء برج‬
‫مدينة لندن والمصمم‪ 5‬بواسطة المعماري‪ 5‬نورمان فوستر وشركاه‪ ،‬ويشير‪ 5‬اللندنيون لهذا الصرح المعماري‬
‫بأنه اإلضافة األحدث إلى خط أفق مدينتهم العريقة‪ ،‬وهذا البرج المنتصب كثمرة الخيار يتكون من (‪41‬‬
‫طابقا ً)‪ ،‬إال أن الشيء الرائع في هذا المبنى ليس شكله المعماري‪ 5‬الجميل ولكن كفائته العالية في استهالك‬
‫الطاقة‪ ،‬فتصميمه المبدع والخالق يحقق وفراً‪ 5‬متوقعا ً في استهالك الطاقة يصل إلى (‪ )%50‬من إجمالي‬
‫الطاقة الذي تستهلكه بناية تقليدية مماثلة‪ .‬ويتجلى‪ 5‬غنى المبنى بمزايا توفير‪ 5‬الطاقة في استعمال اإلضاءة‬
‫والتهوية الطبيعيتين كل ما أمكن ذلك‪ .‬وتتكون واجهة المبنى من طبقتين من الزجاج (الخارجية منها‬
‫عبارة عن زجاج مزدوج)‪ ،‬والطبقتان تحيطان بتجويف‪ 5‬مهوى بالستائر الموجهة بالحاسب اآللي‪ .‬كما أن‬
‫نظام حساسات الطقس الموجود على المبنى من الخارج يراقب درجة الحرارة وسرعة الرياح ومستوى‬
‫أشعة الشمس‪ ،‬ويقوم بغلق الستائر وفتح لوحات النوافذ عند الحاجة‪ .‬أما شكل المبنى فهو مصمم بحيث‬
‫يزيد من استعمال ضوء النهار الطبيعي‪ ،‬ويقلل من الحاجة لإلضاءة االصطناعية‪ ،‬ويتيح مشاهدة مناظر‪5‬‬
‫‪.‬خارجية طبيعية حتى لمن هم في عمق المبنى من الداخل‬

‫أما المبنى األخضر‪ 5‬األكثر شهرة فهو موجود مؤقتاً‪ 5‬على "لوحة الرسم" لحين إكمال مراحل إنشائه وهو‬
‫برج الحرية الذي سيتم بناؤه في الموقع‪ 5‬السابق‪ 5‬لمبنى مركز التجارة العالمي في نيويورك‪ .‬المعماريون‬
‫& ‪ (Skidmore, Owings‬المصممون سكيدمور‪ 5‬وأوينجز‪ 5‬وميريل وإستوديو دانيال ليبيسكيند‬
‫قاموا‪ 5‬بدمج مزايا التصميم‪ 5‬البيئي في جميع أرجاء )‪Merrill and Studio Daniel Libeskind‬‬
‫المبنى الضخم‪ .‬وسيحوي‪ 5‬البرج الرئيس والذي سيرتفع (‪ 1.776‬قدم) األلواح الشمسية باإلضافة إلى‬
‫محطة طاقــة هوائية (تعمل على الرياح)‪ ،‬التوربينـات يتوقـع‪ 5‬أن تولـد حوالي (‪ 1‬ميجا واط) من الطاقة‪،‬‬
‫وهو ما يكفي لتغذية البرج بنسبة (‪ )%20‬من احتياجه المتوقع من الطاقة‪ .‬ومثل المباني الخضراء‬
‫األخرى فإن البرج سيعتمد على اإلضاءة والتهوية الطبيعيتين‪ ،‬باإلضافة إلى أنظمة وعناصر اإلنارة ذات‬
‫‪.‬الكفاءة العالية في استهالك الطاقة‬

‫إن القدرات الفعلية لألجهزة التخطيطية العربية بدت متدنية للغاية فالهي استطاعت أن تسيطر‪ 5‬على‬
‫التوسع العمراني الذي اكتسى صبغة شبه عشوائية في الكثير من األحيان‪ ،‬أو تمكنت من أن تطرح‬
‫تصورات‪ 5‬واقعية و عملية تواكب التطور الحاصل في مجال تكنولويات‪ 5‬اإلعالم لحل المشاكل التي تعاني‬
‫منها مدننا أو على األقل توفقت في خلق شعور‪ 5‬بالرضى واالرتياح‪ 5‬لدى المخططين و السكان على‬
‫المستوى‪ 5‬الحضري ‪ .‬و لعل أهم االختالالت الهيكلية والوظيفية التي تعاني منها مدننا تتعلق بثالث‬
‫‪:‬مستويات‪5‬‬

‫مستوى التنظيم ‪ :‬تنظيم المجال الحضري بكل جوانبه بشكل يسمح بالعمل ضمن إطار منظم و دقيق‪• 5‬‬
‫‪ ،‬لحل المشكلة الحضرية‬
‫‪،‬مستوى أسلوب القيادة ‪ ،‬إتخاذ القرار والتسيير •‬
‫‪ .‬مستوى التجاوب بين التخطيط‪-‬المستعمل‪-‬الفاعل •‬

‫‪:‬التخطيط‪ 5‬و التسيير المستدام والتراث العمراني ‪3.‬‬


‫مفهوم "االستدامة دخل حيز االستعمال والرواج واالنتشار‪ 5‬في األوساط المهنية في الدول الصناعية‬
‫المتقدمة فقط في التسعينيات من القرن المنصرم‪ ،‬ولكن جذور هذه الحركة يمكن تتبعها لسنوات طويلة‬
‫في العصور الماضية‪ .‬فقد كانت الموارد‪ 5‬المتاحة بما فيها األرض ومواد‪ 5‬البناء المحلية تستغل بكفاءة‬
‫عالية‪ ،‬كما أنها قدمت معالجات بيئية ذكية أسهمت إلى حد كبير في خلق توافق بيئي بين المبنى والبيئة‬
‫المحيطة‪ ،‬ومن تلك المعالجات العناية بتوجيهات المباني‪ ،‬وتوظيف‪ 5‬طبوغرافية األرض‪ ،‬واستخدام‪ 5‬األفنية‬
‫الداخلية‪ ،‬والعرائش‪ ،‬والمشربيات‪ ،‬ومالقف‪ 5‬الهواء‪ ،‬والعناية بأشكال وأحجام النوافذ‪ 5‬والفتحات‪ ،‬والحوائط‪5‬‬
‫السميكة‪ ،‬واالعتماد على المواد المحلية كالطين والخشب‪ ،‬وجعل المباني متالصقة ومتقاربة‪ ،‬باإلضافة‬
‫‪.‬إلى استغالل وتوظيف‪ 5‬العناصر النباتية في التكييف البيئي والتقليل من وطأة الظروف المناخية‬

‫إن الفوائد والمزايا البيئية‪-‬االقتصادية التي حققتها في الماضي عمارتنا المحلية هي بحد ذاتها صور‬
‫وتطبيقات مبكرة لمفهوم التخطيط و التسيير الحضري المستدام‪ .‬لذلك فإن المطلوب اآلن هو تبني أفكار‬
‫ودروس‪ 5‬من منظور بيئي‪-‬اقتصادي‪ 5‬ومن ثم دراستها‪ 5‬وتطويرها‪ 5‬وتوظيفها‪ 5‬في المدن الحديثة بما يتالئم مع‬
‫احتياجات العصر والتقدم العلمي والتكنولوجي‪ . 5‬و قد نشير هنا إلى أن مدننا القديمة اتسمت باالتزان‬
‫‪:‬والتناغم مع المعطيات والمحددات البيئية المحيطة ويمكن ايجاز اهم هذه المالمح في التالي‬

‫يتميز التخطيط العام للمباني بالتالصق وذلك لتوفير‪ 5‬التظليل المتبادل بين المجموعات العمرانية وتقليل •‬
‫‪.‬المساحات المعرضة ألشعة الشمس والتي قد تزيد عن خمسين درجة مئوية في فصل الصيف‬

‫التصميم‪ 5‬يكون متوجها الى داخل المبنى لالستفادة من المناخ وتندرج‪ 5‬الفراغات من فراغ خاص •‬
‫باألسرة داخل المنزل وهو غير قابل للكشف من المباني المحيطة كما يوجد الفراغ الخلفي خارج المبنى‬
‫الذي تستخدم‪ 5‬فيه كاسرات بصرية لتوفير الخصوصية لألسرة‪ ،‬أما الفراغ العام فهو مكشوف‪ 5‬من الشارع‪5‬‬
‫‪.‬والجيران‬

‫‪.‬توصيل‪ 5‬الغرف بالفناء ويتم‪ 5‬عزل دورات المياه والمطابخ وفصلها‪ 5‬بتهوية خاصة •‬

‫‪.‬االكثار من النباتات والمسطحات‪ 5‬المائية لتلطيف المناخ الحار وتحقيق التناغم العمراني •‬

‫النوافذ وفتحات التهوية صغيرة في الحوائط الخارجية ومحمية من اشعة الشمس الساقطة والتهوية أقل •‬
‫ما يمكن خالل النهار واستخدام‪ 5‬الحوائط السميكة التقليدية او استخدام المواد العازلة والعاكسة للحرارا‬
‫‪.‬عند استخدام مواد البناء الحديثة‬

‫استخدام األسقف الصلبة التي تختزن الحرارة وذات االسطح العلوية العاكسة وقد‪ 5‬يستخدم‪ 5‬سقفان بينهما •‬
‫‪.‬فراغ بسيط للتهوية كما تطلى االسطح باللون االبيض الذي يساعد على انعكاس الحرارة وعدم تخزينها‪5‬‬

‫مراعاة خط األفق للنسيج العمراني والحضري‪ 5‬عن طريق التوظيف‪ 5‬األمثل للخطوط‪ 5‬الكنتورية •‬
‫‪.‬ومناسيب األرض المتفاوتة (مثل االستفادة بمآذن المساجد ‪ -‬العناصر‪ 5‬الطبيعية المتوفرة)‬

‫المنظور‪ 5‬البيئي للمجتمع الصحي يعني تحقيق حالة من التوازن بين اإلنسان والمحيط العام ويتحقق هذا •‬
‫التوازن من خالل المحافظة على بيئة عمرانية سليمة بحيث يتيح الوسط مستوى‪ 5‬من التجديد والنمو‪5‬‬
‫الشامل في القطاعات االقتصادية واالجتماعية والثقافية والترشيد العاقل لألنماط االستهالكية‪ ،‬ويلزم‪ 5‬ان‬
‫‪.‬تراعي التشريعات واللوائح المنظمة للتنمية الشروط الصحية لحماية البيئة والمحيط‪ 5‬الحيوي‬

‫التخلص األمثل من النفايات (الترشيد من المصدر وإعادة تدويرها)‪ .‬وتوفير مواقع‪ 5‬سهلة وصحية •‬
‫‪.‬لتجميعها‬

‫رغم ان نمو المدن والتمدن الحضري ضرورة الستمرار العمران فإن مراعاة عوامل التوافق‪ 5‬والتوازن‬
‫بين هذا النمو ومحددات البيئة المحيطة يمثل حاجة ضرورية لتوفير الراحة واألمان والخصوصية‬
‫واستمرار‪ 5‬التنمية المتناغمة لإلنسان والمكان‪ .‬لذلك فإن التوظيف األمثل للموارد واالمكانات الطبيعية‬
‫المتاحة والكامنة في دولنا العربية واألخذ‪ 5‬باألساليب الحديثة المتوازنة وتوافق البيئة والعمران يمثل‬
‫‪:‬ضرورة الزمة لتحقيق المنظومة العمرانية المتجانسة التي يمكن ان تحقق العناصر‪ 5‬التالية‬

‫الشك أن كيفية تقسيم المجال عمرانيا من خالل المقاربة الوظائفية (سكن ‪ ،‬عمل ‪،‬خدمات) هي التي‬
‫تتحكم في العملية التخطيطية و التسييرية برمتها قديما و حديثا ‪ .‬على هذا المستوى ينبغي أن نمتلك رؤية‬
‫بعيدة المدى تتضمن تناسقا مابين طريقة تنظيم المجال من جهة‪ ،‬و تسييره من جهة أخرى‪ .‬وإذا انتقلنا‬
‫المثال ال‬ ‫إلى مستوى أكثر تفصيال‪ ،‬نجد أن التصور‪ 5‬العمراني‪ ،‬ومعالجة الفضاء العام‪ ،‬و على سبيل ًًّ‬
‫ً‬
‫حصرا النماذج‬ ‫—‬ ‫ًًًًّّ‪5‬‬ ‫الحصر فأن خصائص الجادات‪ ،‬وتوفير‪ 5‬المرابد‪ ،‬وتهيئة الطرقات‪.... ،‬الخ هي التي تحدد‬
‫المختلفة لكل من‪ :‬سالسة التنقالت‪ ،‬وانسيابية المرور أو على العكس توقف حركة النقل العمومي‪ 5.‬بكل‬
‫تأكيد‪ ،‬هذا األمر يسري على األحياء الجديدة في محيط المدينة كما يسري‪ 5‬على األحياء الواقعة‬
‫بمركزها‪.‬هذه األخيرة تضطلع بدور‪ 5‬جوهري‪ 5‬في نجاعة منظومة النقل‪ ،‬ذلك بأنها تشكل إما مصدرا وإما‬
‫‪.‬وجهة لغالبية التنقالت‬

‫‪ :‬المدينة بين أمال السكان و نظرة المصممين ‪4.‬‬


‫كشفت الدراسات الميدانية عدة حقائق أهمها على اإلطالق اإلقرار بوجود‪ 5‬بون شاسع بين تطلعت السكان‬
‫من الخدمات الحضرية والقدرة الفعلية للمخطيين على التجاوب مع تطلعات السكان من جهة و أولويات‬
‫التنمية و الحياة الحضرية الحديثة من جهة أخرى‪ .‬كما أن عدم التناعم بين اآلمال العريضة التي علقتها‬
‫الدول العربية في معظمها‪ 5‬على الالمركزية على الصعيد الحضري‪ ،‬وطريقة فهم الفاعلين المحليين‬
‫(مهندسين ‪ ،‬منتخبين ‪ ،‬سكان ‪ ،‬جمعيات أهلية ‪....‬الخ)لمسؤولياتهم‪ 5‬وأدائهم لها أدى إلى استفحال المشاكل‬
‫‪.‬التي تعاني منها المدن‬

‫‪ :‬نطام المعلومات الجغرافية ‪ :‬أداة فعالة للتحكم في المشاكل الحضرية ‪5.‬‬


‫إن القدرات الفعلية لألجهزة التخطيطية ستكون أكثر نجاعة من خالل تسخير التكنولوجات الحديثة‬
‫من وجهة نظر ‪ GIS‬للسيطرة على التوسع العمراني ‪ ،‬من أجل ذلك فإن نظام المعلومات الجغرافي‬
‫‪.‬وظيفية يعد أداة فعالة في التخطيط واالدارة على مختلف المستويات وفي مختلف المجاالت‬
‫التخطيط إعتبارا ُ من المستوى‪ 5‬النظري وحتى التنفيذ الفعلي ‪-‬‬
‫‪.‬االدارة اعتباراً من المستوى االستراتيجي‪ 5‬وانتهاء بالمستوى‪ 5‬التشغيلي‪ 5‬للمشاريع العمرانية(دعم القرار) ‪-‬‬
‫ومن وجهة نظر اجرائية يساعد في تحديد المشكلة الحضرية وايجاد‪ 5‬الحلول من خالل جمع وتخزين‬
‫‪،‬البيانات‪ ،‬إدارتها وتحليلها واخراجها‪ 5‬بالشكل المطلوب واجراء عمليات التحليل الجغرافي‪ 5‬والنمذجة‬
‫أما من وجهة نظر بنيوية يتكون النظام‪ 5‬من خمسة عناصر أساسية هي البيانات واالجهزة والبرمجيات‪5‬‬
‫واالجرائيات والكادر‪ 5‬المتخصص‪ .‬تكمل هذه العناصر‪ 5‬بعضها البعض وأهمها الكادر المتخصص القادر‬
‫‪.‬على تنفيذ وظائف النظام بكافة مراحله‬
‫‪.‬‬

You might also like