You are on page 1of 61

‫سلسلة بحوث وتحقيقات مختارة من مجلة الحكمة )‪(14‬‬

‫كشف الستارة‬
‫عن صلة الستخارة‬
‫بقلم ‪ :‬أبي عمرو عبدالله بن محمد الحمادي‬

‫قام بنشره‬
‫أبو مهند النجدي‬
‫‪Almodhe1405@hotmail.com‬‬
‫‪almodhe@yahoo.com‬‬

‫ن الّرحيم ِ‬
‫ه الّر حم ِ‬
‫بسم ِ الل ِ‬

‫مقدمـة‬
‫إن الحمد لله نحمده‪ ،‬ونستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ بالله من شرور‬
‫أنفسنا‪ ،‬ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬من يهممده اللممه فل مضممل لممه‪ ،‬ومممن‬
‫يضلل فل هادي له‪ ،‬وأشهد أن ل إلممه إل اللممه وحممده ل شممري لممه‪،‬‬
‫وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله ‪. ‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن إ ِّل وَأن ْت ُم ْ‬
‫م‬ ‫ممموت ُ ّ‬
‫حمقّ ت َُقممات ِهِ َول ت َ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫من ُمموا ات ُّقمموا الل ّم َ‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬‫﴿ َيا أي ّهَمما ال ّم ِ‬
‫ن ﴾ )آل عمران‪.(102:‬‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬‫ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ق‬
‫خل م َ‬ ‫ح مد َةٍ وَ َ‬‫س َوا ِ‬ ‫ن ن َْف م ٍ‬ ‫مم ْ‬‫م ِ‬ ‫خلَقك ُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫س ات ُّقوا َرب ّك ُ ُ‬‫﴿ َيا أي َّها الّنا ُ‬
‫ذي‬‫ه ال ّم ِ‬ ‫سمماًء َوات ُّقمموا الل ّم َ‬ ‫جممال ً ك َِثيممرا ً وَن ِ َ‬ ‫ممما رِ َ‬ ‫من ْهُ َ‬‫ث ِ‬‫جهَمما وَب َم ّ‬‫من ْهَمما َزوْ َ‬ ‫ِ‬
‫م َرِقيبا ً ﴾ )النساء‪.(1:‬‬ ‫َ‬
‫ن عَل َي ْك ُ ْ‬‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫م إِ ّ‬ ‫ن ب ِهِ َواْلْر َ‬
‫حا َ‬ ‫ساَءُلو َ‬ ‫تَ َ‬
‫كشمممممممممممف السمممممممممممتارة عمممممممممممن صممممممممممملة السمممممممممممتخارة‬
‫‪2‬‬

‫َ‬
‫م‬ ‫ح ل َك ُم ْ‬ ‫ديدا ً ي ُ ْ‬
‫ص مل ِ ْ‬ ‫سم ِ‬‫ه وَُقول ُمموا قَ موْل ً َ‬ ‫من ُمموا ات ُّقمموا الل ّم َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫﴿ َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫وزا ً‬ ‫َ‬
‫ه فََقد ْ َفاَز فَ ْ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ن ي ُط ِِع الل ّ َ‬
‫ه وََر ُ‬ ‫م ْ‬‫م وَ َ‬ ‫م وَي َغِْفْر ل َك ُ ْ‬
‫م ذ ُُنوب َك ُ ْ‬ ‫مال َك ُ ْ‬‫أعْ َ‬
‫ظيما ً ﴾ )الحزاب‪.(71 -70:‬‬ ‫عَ ِ‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فإن أصدق الحديث كتاب الله‪ ،‬وخير الهدي هدي محمد ‪ ،‬وشممر‬
‫المور محدثاتها‪ ،‬وكل محدثة بدعة‪ ،‬وكل بدعة ضللة وكممل ضممللة‬
‫في النار‪.‬‬
‫فهذه رسالة لطيفة‪ ،‬وصفحات أنيقة‪ ،‬فيهمما مسممائل عزيممزة‪ ،‬حممول‬
‫سنة مهمة في حياة المسلم‪ ،‬ل يستغنى عنها‪ ،‬لنها تشمممل كممثيرا ً‬
‫من أمور حياته اليومية‪ ،‬أعني صلة الستخارة‪.‬‬
‫فنظممرا ً لهميممة هممذه العبممادة ومكانتهمما المرموقممة بيممن السممنن‪،‬‬
‫وعلقتها الوطيدة بالعقيدة‪ ،‬قررت أن أفردها في رسالة مستقلة‪،‬‬
‫سهلة التداول والحمممل والتنمماول‪ ،‬تحتمموي علممى مسممائلها المهمممة‬
‫والخافية‪ ،‬مع توضيحها بأسهل عبارة‪ ،‬وأوجز إشارة دون تنطممع ول‬
‫غزارة‪ ،‬فيسهل على كل مسلم فهمها‪ ،‬وتطبيقها فممي كممل شممؤون‬
‫حياته‪.‬‬
‫وسميتها بعون الله وتيسيره‪ :‬كشف الستارة عن صلة الستخارة‬
‫وعلقتها بالعقيدة الصحيحة المختارة‪.‬‬
‫* مــادة البحــث‪ :‬حيممث إن الرسممالة قليلممة المحتمموى‪ ،‬رفيعممة‬
‫المسممتوى‪ ،‬حصممرت بحممثي فيهمما فممي أبحمماث ومطممالب ومسممائل‬
‫جزأتها كما يلي‪:‬‬
‫* المقدمة‪ :‬وقممد احتمموت علممى خطبممة الحاجممة‪ ،‬وسممبب تممأليف‬
‫الرسالة واسمها وعنوانها‪.‬‬
‫* المبحث الول‪ :‬وفيه تعريف الستخارة لغة وشرعًا‪ ،‬وأهميتها‬
‫والدلة على مشروعيتها‪.‬‬
‫وقيه أربعة مطالب‪:‬‬
‫المطلب الول‪ :‬في تعريف الستخارة لغة وشرعًا‪.‬‬
‫المطلــب الثــاني‪ :‬فممي أهميممة السممتخارة فممي حيمماة المسمملم‬
‫وتوصية العلماء بها‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬فيممه بيممان نممص دعمماء ودليممل السممتخارة مممن‬
‫السنة وتخريجه وشرح معانيه الغريبة‪.‬‬
‫أول ً‪ :‬نص دعاء الستخارة‪.‬‬
‫ثانيا ً‪ :‬تخريج النص‪.‬‬
‫كشمممممممممممف السمممممممممممتارة عمممممممممممن صممممممممممملة السمممممممممممتخارة‬
‫‪3‬‬

‫ثالثا ً‪ :‬شرح معاني غريب الحديث‪.‬‬


‫المطلب الرابع‪ :‬في مسائل حول صلة السممتخارة مممن حممديث‬
‫جابر السابق‪.‬‬
‫المسألة الولى‪ :‬حكم صلة الستخارة‪.‬‬
‫المسألة الثانية‪ :‬فيم تكون الستخارة؟‬
‫المســألة الثالثــة‪ :‬ممما الحكمممة مممن تشممبيه صمملة السممتخارة‬
‫بالسورة من القرآن؟‬
‫المسألة الرابعة‪ :‬ممتى تشمرع صمملة السممتخارة؟ أو مممتى يبمدأ‬
‫وقتها؟‬
‫المســألة الخامســة‪ :‬هممل لبممد مممن تخصمميص ركعممتين لصمملة‬
‫الستخارة أم تحصل مع النوافل؟‬
‫المسألة السادسة‪ :‬من عزم على الستخارة بعممد النتهمماء مممن‬
‫صلة النافلممة وأراد أن يممأتي بممدعاء السممتخارة بعممد الصمملة فهممل‬
‫يستخير أم يعيد الصلة؟‬
‫المسألة السابعة‪ :‬أين يقال دعمماء السممتخارة أقبممل السمملم أم‬
‫بعده؟‬
‫المسألة الثامنة‪ :‬هممل هنمماك آيممات أو سممور معينممة مخصوصممة‬
‫لصلة الستخارة؟‬
‫المسألة التاسعة‪ :‬هل تجوز قراءة صلة الستخارة مممن كتمماب‬
‫أم لبد من حفظه‪.‬‬
‫المسألة العاشرة‪ :‬هل تجزئ صلة الستخارة بعد الفريضة؟‬
‫المسألة الحادية عشرة‪ :‬ما حكم صلة الستخارة فممي أوقممات‬
‫النهي؟‬
‫المسألة الثانية عشرة‪ :‬ماذا يفعل المستخير بعد الستخارة؟‬
‫المسألة الثالثة عشرة‪ :‬هل يصح الفصممل بيممن الصمملة ودعمماء‬
‫الستخارة؟‬
‫المسألة الرابعة عشرة‪ :‬ما حكم تكرار صلة الستخارة؟‬
‫المسألة الخامسة عشرة‪ :‬مممن لممم يتمكممن مممن الصمملة فهممل‬
‫يجوز له أن يقتصممر علممى دعمماء السممتخارة فقممط دون أن يصمملي‬
‫ركعتين قبله؟‬
‫المسألة السادسة عشرة‪ :‬ما الحكمة من تقديم صلة ركعتين‬
‫على دعاء الستخارة؟‬
‫كشمممممممممممف السمممممممممممتارة عمممممممممممن صممممممممممملة السمممممممممممتخارة‬
‫‪4‬‬

‫* المبحث الثاني‪ :‬في الجمع بين الستخارة والستشارة‪ ،‬وبيان‬


‫خصال من يلجأ إليه المشورة‪.‬‬
‫* المبحث الثالث‪ :‬في بيان وذكر بعض الستخارات المبتدعة‪.‬‬
‫* المبحث الرابع‪ :‬في الستخارة وعلقتها بالتوحيممد مممن جميممع‬
‫الجهات‪ ،‬وبيان ذلك تفصي ً‬
‫ل‪.‬‬
‫وفيه خمسة مطالب‪:‬‬
‫المطلب الول‪ :‬تحقيق التوحيممد سممبب للنصممر‪ ،‬وفشممو الشممرك‬
‫والبدع سبب للذل والهزائم‪.‬‬
‫المطلــب الثــاني‪ :‬بيمممان تحريمممم إتيمممان الكهمممان والعرافيمممن‬
‫والمنجمين‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬في بيان معنى التطير وكيفية منافاته للتوحيممد‬
‫وصورته في الوقت الحاضر‪.‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬في صلة الستخارة بالتوحيد مباشرة‪.‬‬
‫* المبحث الخامس‪ :‬حممول بيممان ضممعف بعممض الحمماديث فممي‬
‫الستخارة‪.‬‬
‫هذا ما تيسمر جمعمه والحمديث عنمه حمول همذه السمنة العظيممة‪،‬‬
‫أسأل الله سبحانه الخلص في القول والعمل وأن يحيي بها سنة‬
‫نبيه ‪ ،‬وأن ينفع بها المسلمين بمنه وكرمه‪.‬‬

‫المبحث الول‬
‫فيه تعريف الستخارة لغة وشرعا ً‬
‫وأهميتها والدلة على مشروعيتها‬
‫كشمممممممممممف السمممممممممممتارة عمممممممممممن صممممممممممملة السمممممممممممتخارة‬
‫‪5‬‬

‫وفيه أربعة مطالب‪:‬‬


‫المطلب الول‬
‫في تعريف الستخارة لغة وشرعا ً‬
‫‪ -1‬الستخارة لغة‪ " :‬طلب الخيرة في الشيء‪ .‬وخار الله لممك؛‬
‫أي أعطاك ممما هممو خيممر لممك‪ ،‬واسممتخار اللممه‪ :‬طلممب منممه الخيممرة‬
‫والختيار‪ :‬الصطفاء وكذلك التخير‪ ،‬ويقال‪ :‬استخر الله يخر لممك"‬
‫)‪.(1‬‬
‫‪ -2‬والستخارة في الصطلح الشرعي‪ :‬طلب الختيار؛ أي‬
‫طلب صرف الهمة لممما هممو المختممار عنممد اللممه والولممى‪ ،‬بالصمملة‬
‫والدعاء الوارد في الستخارة " )‪.(2‬‬
‫وبعبارة أوضح هي عبارة عن دعمماء معيممن ورد فممي السممنة يقمموله‬
‫المسلم ويدعو به أو يأتي به بعد صلة ركعتين من غير الفريضممة‪،‬‬
‫إذا عزم على فعل شيء ممما مممن زواج أو تجممارة أو سممفر أو نحممو‬
‫ذلك‪ ،‬فيطلب من الله سبحانه وتعالى أن يختممار لممه الخيممر ويعينممه‬
‫عليه‪ ،‬وييسره له‪ ،‬ويطلب منمه سمبحانه أن يصمرفه عمما يريمد إذا‬
‫كان فيه شر له‪ ،‬وسيأتي ذكر هذا الدعاء ومزيد من التفصيل فيه‪.‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫في أهمية الستخارة في حياة المسلم وتوصية العلماء‬
‫بها‬
‫إن النسان مخلمموق ضممعيف‪ ،‬بحاجممة إلممى إعانممة اللممه تعممالى فممي‬
‫أموره كلها؛ وذلك لنه ل يعلم الغيب‪ ،‬فل يدري أين ممموطن الخيممر‬
‫والشر فيما يستقبله من حوادث ووقائع؟‬
‫لذا كان من حكمة الله سبحانه ورحمته بعباده أن شرع لهممم هممذا‬
‫الدعاء‪ ،‬لكي يتوسلوا بربهم ويستغيثوا به فممي تمموجيه السممير نحممو‬
‫الخير والنفع‪.‬‬
‫وإن العبد المسلم علممى يقيممن ل يخممالطه شممك أن تممدابير المممور‬
‫وصرفها بيد الله سبحانه وتعالى وأنه يقدر ويقضي بما شمماء‪ ،‬فممي‬
‫خلقه‪.‬‬
‫م ال ْ ِ‬
‫خي َمَرةُ‬ ‫ن ل َهُم ُ‬ ‫ممما ك َمما َ‬ ‫خت َمماُر َ‬ ‫ممما ي َ َ‬
‫شمماُء وَي َ ْ‬ ‫خل ُقُ َ‬ ‫قال تعالى‪ ﴿ :‬وََرب ّ َ‬
‫ك يَ ْ‬
‫م‬‫دوُرهُ ْ‬ ‫ص ُ‬‫ن ُ‬ ‫ما ت ُك ِ ّ‬‫م َ‬ ‫ك ي َعْل َ ُ‬
‫ن ‪ ‬وََرب ّ َ‬ ‫كو َ‬‫شرِ ُ‬ ‫ن الل ّهِ وَت ََعاَلى عَ ّ‬
‫ما ي ُ ْ‬ ‫حا َ‬
‫سب ْ َ‬
‫ُ‬
‫‪ ()1‬لسان العرب )‪ (4/259‬مادة خير‪.‬‬
‫‪ ()2‬الموسوعة الكويتية )‪.(2413‬‬
‫كشمممممممممممف السمممممممممممتارة عمممممممممممن صممممممممممملة السمممممممممممتخارة‬
‫‪6‬‬

‫حم مد ُ فِممي ا ْ ُ‬
‫لول َممى‬ ‫ه ال ْ َ ْ‬
‫ه إ ِّل هُ موَ ل َم ُ‬
‫ه ل إ ِل َم َ‬‫ن ‪ ‬وَهُ موَ الل ّم ُ‬ ‫ممما ي ُعْل ِن ُممو َ‬
‫وَ َ‬
‫ن ﴾ )القصص‪.(70-68:‬‬ ‫جُعو َ‬ ‫م وَإ ِل َي ْهِ ت ُْر َ‬ ‫ه ال ْ ُ‬
‫حك ْ ُ‬ ‫خَرةِ وَل َ ُ‬ ‫َواْل ِ‬
‫قال العلمة محمد بن أحمد القرطبي المالكي – رحمه الله ‪)) : -‬‬
‫قال بعض العلماء‪ :‬ل ينبغممي لحممد أن يقممدم علممى أمممر مممن أمممور‬
‫الدنيا حتى يسأل الله الخيرة في ذلك‪ ،‬بأن يصمملي ركعممتين صمملة‬
‫الستخارة(( )‪.(1‬‬
‫ولقد فهم السلف الصالح هذا المعنى فكانوا يستخيرون ربهم في‬
‫أمورهم كلها‪.‬‬
‫ومن الدلة على ذلك قصة زينب رضي الله عنها في زواجهمما مممن‬
‫النبي ‪ ،‬فقد استخارت ربها في ذلك‪.‬‬
‫عن أنس رضي الله عنممه قممال‪ )) :‬لممما انقضممت عممدة زينممب قممال‬
‫رسول اللممه ‪ ‬لزيممد‪ ) :‬فاذكرها علــي(‪ .‬قممال زيممد‪ :‬فممانطلقت‬
‫فقلت‪ :‬يمما زينممب أبشممري أرسمملني إليممك رسممول اللممه ‪ ‬يممذكرك‬
‫فقممالت‪ :‬ممما أنمما صممانعة شمميئا ً حممتى أتسممأمر ربممي‪ ،‬فقممامت إلممى‬
‫مسجدها ونزل القرآن‪ .‬وجاء رسول الله ‪ ‬فدخل بغير أمر(( )‪.(2‬‬
‫ومعنى قول زينب‪ )) :‬حتى أستأمر(( أي‪ :‬حتى أستخير‪.‬‬
‫ومعنى قوله‪ )) :‬إلى مسجدها(( أي‪ :‬موضع صلتها من بيتها‪.‬‬
‫ومعنممى قممول النممبي ‪ ) :‬اذكرها علي( أي‪ :‬اخطبهمما لممي مممن‬
‫نفسها )‪.(3‬‬
‫قال محي الدين النووي الشافعي رحمممه اللممه مبين ما ً ممما فممي هممذا‬
‫الحممديث مممن حكممم وفقممه قممال‪ )) :‬وفيممه – أي فممي الحممديث –‬
‫استحباب صلة الستخارة لمن هم بممأمر‪ ،‬سممواء كممان ذلممك المممر‬
‫ظاهر الخير أم ل(( )‪.(4‬‬
‫وقال النووي أيضًا‪ )) :‬ولعلها اسممتخارت لخوفهمما مممن تقصممير فممي‬
‫حقه ‪.(5) (( ‬‬
‫والنووي رحمه الله قال هذه العبارة الخيرة ليرفع الشكال الممذي‬
‫قد يرد وهو أن الستخارة تكون في المر الذي ل يعرف أهو خيممر‬

‫‪ ()1‬الجامع لحكام القرآن )‪.(13/202‬‬


‫‪ ()2‬أخرجه مسلم في كتاب النكاح‪ ،‬باب‪ :‬زواج زينب بنت جحش ونزول الحجاب برقم )‪،(3488‬‬
‫والنسائي واللفظ له )‪ (6/387‬برقم )‪.(3251‬‬
‫‪ ()3‬حاشيتا السندي والسيوطي على سنن النسائي )‪.(388 – 6/387‬‬
‫‪ ()4‬شرح مسلم للنووي )‪.(230 – 9/229‬‬
‫‪ ()5‬شرح مسلم للنووي )‪.(230 – 9/229‬‬
‫كشمممممممممممف السمممممممممممتارة عمممممممممممن صممممممممممملة السمممممممممممتخارة‬
‫‪7‬‬

‫أم شر؟ وأما زواج المرأة من النبي ‪ ‬فخير لها‪ ،‬أي خيره ظمماهر‬
‫فكيف تستخيره؟ فبين ذلك رحمه الله‪.‬‬
‫هكذا كان حرصهم رضي الله عنهم على تطبيق هممذه السممنة فممي‬
‫حياتنا‪ ،‬ونتوكل على ربنا سبحانه‪ ،‬فهو نعم المولى ونعم الوكيل‪.‬‬
‫ولقد أحسن من قال‪:‬‬
‫أردت فمممإن اللمممه يقضمممي‬ ‫توكل علممى الرحمممن فممي‬
‫ويقمممممممممممممممممممممممممممممدر‬ ‫كممممممممممممل حاجممممممممممممة‬
‫يصبه وممما للعبممد ممما يتخيممر‬ ‫إذ ما يرد ذو العرش أمرا ً‬
‫وينجو بحمد الله من حيممث‬ ‫بعبممممممممممممممممممممممممممممده‬
‫يحممممممممممممممممممممممممممذر ‪.‬‬
‫)‪(1‬‬
‫وقممد يهلممك النسممان مممن‬
‫وجمممممممممممه حمممممممممممذره‬

‫المطلب الثالث‬
‫في بيان نص دعاء ودليل صلة الستخارة‬
‫من السنة وتخريجه وشرح معانيه الغريبة‬
‫ل‪ :‬نص دعاء الستخارة‪:‬‬ ‫* أو ً‬
‫عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال‪ ) :‬كان رسول الله ‪‬‬
‫يعلمنا الستخارة في المور كلها كما يعلمنا السورة مممن القممرآن‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ر‬ ‫غي ْـ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫مـ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫عت َي ْـ ِ‬‫ع َرك ْ َ‬ ‫فل ْي َْرك َـ ْ‬ ‫ر َ‬ ‫ِ‬ ‫م‬‫م ب ِــاْل ْ‬ ‫حدُك ُ ْ‬ ‫مأ َ‬ ‫ه ّ‬ ‫ذا َ‬ ‫يقول‪) :‬إ ِ َ‬
‫َ‬
‫ك‬ ‫مــ َ‬ ‫عل ْ ِ‬ ‫ك بِ ِ‬ ‫خيُر َ‬ ‫ســت َ ِ‬ ‫م إ ِّنــي أ ْ‬ ‫هــ ّ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫قــ ْ‬ ‫م ل ِي َ ُ‬ ‫ة ُثــ ّ‬ ‫ضــ ِ‬ ‫ري َ‬ ‫ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ف‬
‫وَل‬ ‫دُر َ‬ ‫قـ ِ‬ ‫ك تَ ْ‬ ‫فإ ِن ّـ َ‬‫ك َ‬ ‫ضل ِ َ‬ ‫ف ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫سأ َل ُ َ‬ ‫ك َ‬
‫وأ ْ‬ ‫قدَْرت ِ َ َ‬ ‫ك بِ ُ‬ ‫دُر َ‬ ‫ق ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫وأ ْ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫م َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أَ ْ‬
‫ف ـإ ِ ْ‬ ‫هـ ّ‬ ‫ب الل ُ‬ ‫غي ُــو ِ‬ ‫م ال ُ‬ ‫عل ُ‬ ‫ت َ‬ ‫وأن ْـ َ‬ ‫م َ‬ ‫عل ـ ُ‬ ‫ول أ ْ‬ ‫م َ‬ ‫عل ـ ُ‬ ‫وت َ ْ‬ ‫دُر َ‬ ‫ق ِ‬
‫َ‬
‫فــي‬ ‫خي ْـًرا ل ِــي ِ‬ ‫ه َ‬ ‫عي ْن ِـ ِ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫مي ِ‬ ‫سـ ّ‬ ‫م تُ َ‬ ‫مـَر ث ُـ ّ‬ ‫ذا اْل ْ‬ ‫هـ َ‬ ‫م َ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫ك ُن ْ َ‬
‫ة‬ ‫قا َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫َ‬
‫قَبــ ِ‬ ‫عا ِ‬ ‫و َ‬ ‫شــي َ‬ ‫عا ِ‬ ‫م َ‬ ‫و َ‬ ‫في ِديِني َ‬ ‫و ِ‬ ‫لأ ْ‬ ‫جل ِ ِ‬ ‫وآ ِ‬ ‫ري َ‬ ‫م ِ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫عا ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫هـ ّ‬‫ه الل ّ ُ‬ ‫فيـ ِ‬ ‫ك ل ِــي ِ‬ ‫ر ْ‬ ‫م ب َــا ِ‬ ‫سْرهُ ِلي ث ُـ ّ‬ ‫وي َ ّ‬ ‫قدُْرهُ ِلي َ‬ ‫فا ْ‬ ‫ري َ‬ ‫ِ‬ ‫م‬‫أ ْ‬
‫َ‬
‫ة‬
‫قَبــ ِ‬ ‫عا ِ‬ ‫و َ‬ ‫شــي َ‬ ‫عا ِ‬ ‫م َ‬ ‫و َ‬ ‫في ِديِني َ‬ ‫شّر ِلي ِ‬ ‫ه َ‬ ‫م أن ّ ُ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫ن ك ُن ْ َ‬ ‫وإ ِ ْ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫ر ْ‬ ‫ه َ‬ ‫َ‬ ‫قا َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عن ْـ ُ‬ ‫فِني َ‬ ‫صـ ِ‬ ‫فا ْ‬ ‫جل ِـ ِ‬ ‫وآ ِ‬ ‫ري َ‬ ‫مـ ِ‬ ‫لأ ْ‬ ‫جـ ِ‬ ‫عا ِ‬ ‫في َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ري أ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫أ ْ‬
‫ه( )‪.(2‬‬ ‫ضِني ب ِ ِ‬ ‫م َر ّ‬ ‫ن ثُ ّ‬ ‫كا َ‬ ‫ث َ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫خي َْر َ‬ ‫قدُْر ِلي ال ْ َ‬ ‫وا ْ‬ ‫َ‬

‫‪ ()1‬ذكر هذه اليات القرطبي في تفسيره )‪.(13/202‬‬


‫‪ ()2‬ونص الحديث نقلته من كتاب صحيح الكلم الطيب لشيخ السلم ابن تيمية‪ ،‬بتحقيق العلمة‬
‫اللباني )ص ‪ (48 – 47‬لنه أسهل في الحفظ والفهم‪.‬‬
‫كشمممممممممممف السمممممممممممتارة عمممممممممممن صممممممممممملة السمممممممممممتخارة‬
‫‪8‬‬

‫* ثانيًا‪ :‬تخريج النص‪:‬‬


‫الحديث‪ :‬أخرجه أحمد في مسنده )‪ (4642) (11/520‬والبخاري‬
‫في عدة مواضع من صحيحه‪ ،‬فقد أخرجه في كتاب التهجممد بمماب‪:‬‬
‫ما جاء في التطوع مثنى مثنى‪ ،‬برقممم )‪ ، (1162‬الفتممح )‪– 3/61‬‬
‫‪ (62‬وأخرجه أيضا ً فممي الممدعوات‪ ،‬بمماب‪ :‬الممدعاء عنممد السممتخارة‪،‬‬
‫برقم )‪ ،(6382‬الفتح )‪.(219 ،11/218‬‬
‫و‬ ‫وأخرجه أيضا ً في كتاب التوحيد‪ ،‬باب‪ :‬قول الله تعممالى‪ ﴿ :‬قُم ْ‬
‫ل هُ م َ‬
‫ال َْقادُِر ﴾ )النعام‪ :‬من الية ‪ (65‬برقم )‪ ،(7390‬الفتح )‪.(13/464‬‬
‫وأخرجممه أبممو داود فممي سممننه‪ ،‬فممي كتمماب الصمملة‪ ،‬بمماب‪ :‬فممي‬
‫الستخارة‪ ،‬برقم )‪.(2/91) (1583‬‬
‫وأخرجه الترمذي في سننه‪ ،‬في أبواب الوتر‪ ،‬ممما جمماء فممي صمملة‬
‫الستخارة‪ ،‬برقم )‪.(2/345) (480‬‬
‫وأخرجممه النسممائي فممي سممننه‪ ،‬فممي كتمماب النكمماح‪ ،‬بمماب‪ :‬كيفيممة‬
‫السممتخارة‪ ،‬برقممم )‪ .(3/3389) (3253‬وأخرجممه أبممو يعلممى فممي‬
‫مسنده )‪ ،(2082) (2/411‬وابن حبان فممي صممحيحه )‪) (3/169‬‬
‫‪.(887‬‬
‫* ثالثًا‪ :‬شرح معاني غريب الحديث‪:‬‬
‫وبعد‬
‫أن بينا بعض من أخرجه لكي تطمئن النفوس على صحة الحديث‬
‫نشرع الن في بيان ما يشكل من بعض معانيه الغريبة‪.‬‬
‫قوله‪ ) :‬إذا هم(‪ ،‬أي إذا قصد‪.‬‬
‫قوله‪ ) :‬بالمر( أي‪ :‬بأمر من المور‪.‬‬
‫قوله‪ ) :‬فليركع ركعتين(‪ :‬أي‪ :‬ليصل‪ ،‬وقد يممذكر الركمموع ويممراد‬
‫به الصلة كما يذكر السجود ويراد به الصلة‪ ،‬من قبل ذكر الجممزء‬
‫وإرادة الكل‪.‬‬
‫قمموله‪ ) :‬من غيــر الفريضــة( يعنممي‪ :‬النوافممل‪ :‬أي تكممون تلممك‬
‫الركعتان من النافلة‪.‬‬
‫قمموله‪ ) :‬أســتخيرك ( أي‪ :‬أطلممب الخيممر‪ ،‬أن تخيممر لممي أصمملح‬
‫المرين؛ أي تختاره‪ ،‬لنك عالم به وأنا جاهل‪.‬‬
‫قمموله‪ ) :‬وأســتقدرك(‪ :‬أي‪ :‬أطلممب أن تقممدرني علممى أصمملح‬
‫المرين‪ ،‬إذ أطلب منك القدرة علممى ممما نممويته‪ ،‬فإنممك قممادر علممى‬
‫إقداري عليه‪ ،‬أو أن تقدر لي الخير بسبب قدرتك عليه‪.‬‬
‫كشمممممممممممف السمممممممممممتارة عمممممممممممن صممممممممممملة السمممممممممممتخارة‬
‫‪9‬‬

‫قوله‪ ) :‬تسميه باسمه( أي‪ :‬تسمي أمرك وحاجتك التي قصدت‬


‫الستخارة لها في هذا الموضع‪.‬‬
‫مثل ً تقول‪ :‬اللهم إن كنت تعلممم أن هممذا السممفر خيممر لممي‪ ،‬أو هممذا‬
‫الزواج‪ ،‬أو هذا النوع من التجارة‪ ،‬أو هذه السيارة‪ ،‬ونحو ذلك مممما‬
‫تريد‪.‬‬
‫قوله‪ ) :‬في ديني ومعاشي وعاقبة أمري وعاجله وآجله(‬
‫يعني‪ :‬إن كان فيه خير يرجع لديني ولمعاشي وعاقبة أمري‪ .‬وإنما‬
‫ذكر عاقبة المر‪ ،‬لنه رب كل شيء يهمه الرجل يكممون فيممه خيممر‬
‫في ذل الحال‪ ،‬ولكن ل يكون خيرا ً في آخر المر‪ ،‬بل ينقلممب إلممى‬
‫عكسه‪ ،‬فزاد ‪ ‬في الدعاء بقوله‪ ) :‬وعاقبة أمري(‪.‬‬
‫قوله‪ ) :‬فاقدره( بضم الدال‪ ،‬أي‪ :‬اقض لي به وهيئه‪.‬‬
‫قوله‪) :‬فاصرفه عني(‪ ،‬أي‪ :‬ل تقض لي به‪ ،‬ول ترزقني إياه‪.‬‬
‫قوله‪ ) :‬واصرفني عنه( أي‪ :‬ل تيسر لي أن أفعلممه وأقلعممه مممن‬
‫خاطري‪ ،‬أي ل أهتم به ول أهمه بعد ذلك‪.‬‬
‫قوله‪ ) :‬حيث كان( أي‪ :‬اقض لي بالخير حيث كان الخير‪.‬‬
‫قمموله‪) :‬ثــم رضــني بــه( أي‪ :‬اجعلنممي راضمميا ً بممذلك‪ ،‬أي‪ :‬بخيممر‬
‫المقدور )‪.(1‬‬

‫‪ ()1‬انظر شرح ما سبق في‪ :‬فتح الباري )‪ ،(223 – 11/220‬نيل الوطار )‪ .(90 – 3/88‬عون‬
‫المعبود )‪ ،(4/277‬شرح الطيبي على المشكاة )‪ ،(4/1245‬مرقاة المفاتيح )‪،(406 – 3/401‬‬
‫عارضة الحوذي )‪ ،(265 – 2/262‬تحفة الحوذي )‪ ،(484 – 2/482‬العلم الهيب في شرح الكلم‬
‫الطيب )ص ‪.(334 – 232‬‬
‫كشمممممممممممف السمممممممممممتارة عمممممممممممن صممممممممممملة السمممممممممممتخارة‬
‫‪10‬‬

‫المطلب الرابع‬
‫في بيان مسائل حول صلة الستخارة‬
‫من حديث جابر السابق‬
‫المراد بهذه المسألة‪ :‬بيان الحكم الشرعي للســتخارة‪،‬‬
‫فهل هي واجبة أم سنة؟‬
‫ل خلف بين العلماء أن صمملة السممتخارة سممنة وليسممت بواجبممة‪،‬‬
‫ومعنى ذلك أن مممن عممزم علممى فعممل أمممر ممما كسممفر أو زواج أو‬
‫تجارة يسن له أن يصلي الستخارة قبل أن يفعل ول يجب عليممه‪،‬‬
‫ولكن ل يترك هذه السنة لن فيها خيرا ً كثيرًا‪ ،‬واللممه يعلممم الغيممب‬
‫والعبممد ل يعلمممه‪ .‬فالحاصممل أنهمما سممنة مممع أن النممبي ‪ ‬قممال‪" :‬‬
‫فليركع ركعتين" ومع ذلك حكم العلماء أنها سنة‪.‬‬
‫قال العلمة زين الدين العراقي الشافعي – رحمه اللممه ‪ ) : -‬ولممم‬
‫أر من قال بوجوب الستخارة( )‪.(1‬‬
‫وقال الحافظ ابن حجر الشافعي – رحمه الله ‪ ) : -‬فكأنهم فهموا‬
‫أن المر فيه للشارة فعممدلوا بممه عممن سممنن الوجمموب‪ ،‬ولممما كممان‬
‫مشتمل ً على ذكر الله والتفويض إليه كان مندوبا ً والله أعلم( )‪.(2‬‬
‫وقممال محممي الممدين النممووي الشممافعي – رحمممه اللممه ‪ ) :-‬صمملة‬
‫الستخارة سنة( )‪.(3‬‬
‫وقممال العلمممة عبممد العزيممز ابممن بمماز – رحمممه اللممه ‪ ) :-‬صمملة‬
‫الستخارة سنة( )‪.(4‬‬
‫ومما يدل على أنها سنة حديث العرابي الممذي أتممى يسممأل النممبي‬
‫‪ ‬ما يجب عليه مممن الفممرائض‪ ،‬وهممو الحممديث الممذي مممن مسممند‬
‫طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال‪ ) :‬جاء رجممل إلممى رسممول‬
‫الله ‪ ‬من أهل نجد ثائر الرأس نسمممع دوي صمموته ول نفقممه ممما‬
‫يقول‪ ،‬حتى دنا من رسول الله ‪ ،‬فإذا هممو يسممأل عممن السمملم‪،‬‬
‫فقال رسول الله ‪ ) :‬خمس صلوات فــي اليــوم والليلــة(‬
‫فقال‪ :‬هل علي غيرهن؟ قال‪) :‬ل‪ ،‬إل أن تطوع‪ ،‬صيام شــهر‬
‫رمضان ( قال‪ :‬هل علي غيره؟ فقال‪ ) :‬ل إل أن تطوع( قال‪:‬‬

‫فتح الباري )‪.(222 – 11/221‬‬ ‫‪()1‬‬


‫فتح الباري )‪.(222 – 11/221‬‬ ‫‪()2‬‬
‫المجموع )‪.(3/546‬‬ ‫‪() 3‬‬
‫مجموع فتاوى ابن باز )‪.(3/546‬‬ ‫‪( )4‬‬
‫كشمممممممممممف السمممممممممممتارة عمممممممممممن صممممممممممملة السمممممممممممتخارة‬
‫‪11‬‬

‫وذكر له رسول الله ‪ ‬الزكاة‪ ،‬فقال‪ :‬هل علي غيرها؟ قال‪ ) :‬ل‪،‬‬
‫إل أن تطوع(‪ .‬قال‪ :‬فأدبر الرجل وهو يقول‪ :‬والله ل أزيممد علممى‬
‫هذا ول أنقص منه‪ .‬فقال رسول الله ‪) : ‬أفلح إن صدق( )‪.(1‬‬
‫والشمماهد مممن الحممديث قممول النممبي ‪) :‬خمس صــلوات فــي‬
‫اليوم والليلة(‪.‬‬
‫فممدل علممى أن الفممرض مممن الصمملة انحصممر فممي هممذه الفممروض‬
‫الخمس‪ ،‬وما سواها نفل‪.‬‬
‫قال بدر الدين العيني الحنفي – رحمه اللممه ‪ ) : -‬فأممما السممتخارة‬
‫فدل على عدم وجوبها للحمماديث الصممحيحة الدالممة علممى انحصممار‬
‫فرض الصلة في الخمس( )‪.(2‬‬
‫وقال العراقي‪ )) :‬ودل على عدم وجوب السممتخارة ممما دل علممى‬
‫عممدم وجمموب صمملة زائدة علممى الخمممس فممي حممديث‪ :‬هممل علممي‬
‫غيرها؟ قال‪ ) :‬ل إل أن تطوع( (( )‪.(3‬‬
‫ولكن هذا الدليل يصلح للستدلل بممه علممى عممدم وجمموب ركعممتي‬
‫الستخارة‪ ،‬فهو صرف المر في حديث جممابر إلممى النممدب‪ ،‬وبقممي‬
‫المر فممي الممدعاء علممى ظمماهره يممدل علممى الوجمموب يحتمماج إلممى‬
‫صارف‪.‬‬
‫وبين الحممافظ رحمممه اللممه كيممف أن الممدعاء منممدوب أيضما ً وليممس‬
‫بممواجب وذلممك كممما فممي قمموله السممابق قبممل قليممل وهممو قمموله‪:‬‬
‫)) فكممأنهم فهممموا أن المممر فيممه للشممارة فعممدلوا بممه عممن سممنن‬
‫الوجوب‪ ،‬ولما كان مشتمل ً علممى ذكممر اللممه والتفممويض إليممه كممان‬
‫مندوبا ً والله أعلم(( )‪ (4‬اهم‪.‬‬
‫ومعنى كلم الحافظ رحمه الله أن الصارف للمر شيئان‪.‬‬
‫الول منهممما‪ :‬أن العلممماء فهممموا أن المممر فممي قمموله‪ " :‬فليركممع‬
‫ركعتين من دون الفريضة ثم يقول" فهموا أن المر فيه من بمماب‬
‫المشورة‪ ،‬ل مممن بمماب اللممزام‪ ،‬أي‪ :‬يشممير عليهممم النممبي ‪ ‬إلممى‬
‫الفضل‪ ،‬وذلك كأن ننصح رجل ً ما يريد وجهة ما فنقول له‪ :‬اذهممب‬
‫من ذاك الطريق الغربي فهو أيسممر لممك‪ ،‬فالمشممورة هنمما واضممحة‬

‫‪ ()1‬أخرجه البخاري في كتاب اليمان برقم )‪ ( 46‬الفتح )‪ ،(2/142‬ومسلم واللفظ له في كتاب‬


‫اليمان برقم )‪ (100‬مسلم – النووي )‪ ،(120 – 1/119‬وأبو داود في سننه )‪،(1/104) (391‬‬
‫والنسائي برقم )‪.(1/246) (457‬‬
‫‪ ()2‬عمدة القارئ )‪.(7/233‬‬
‫‪ ()3‬الفتح )‪.(11/221‬‬
‫‪ ()4‬الفتح )‪.(11/222‬‬
‫كشمممممممممممف السمممممممممممتارة عمممممممممممن صممممممممممملة السمممممممممممتخارة‬
‫‪12‬‬

‫أنها لللممزام والوجمموب؛ فكممأن النممبي ‪ ‬يشممير عليهممم وينصممحهم‬


‫بالستخارة‪.‬‬
‫والثاني منهما‪ :‬حيث إن المر هنا في باب الممدعاء‪ ،‬وأصممل الممدعاء‬
‫من باب الندب والستحباب كان هذا كذلك‪.‬‬
‫وحيث إن هذا الدعاء فيه تفويض المر لله‪ ،‬وتممرك المممر لممه كممان‬
‫ندبا ً والله أعلم‪.‬‬
‫المسألة الثانية‪ :‬فيم تكون الستخارة؟‬
‫تكون الستخارة فمي المممور المباحمة كمالزواج والتجمارة المباحممة‬
‫وغيرها‪ .‬وكذلك تكون الستخارة في المنممدوبات إذا حصممل للمممرء‬
‫بينها تعارض‪ ،‬كأن يحتار الرجل بين أمريممن فيختممار الصمملح منهممما‬
‫والقرب نفعا ً ثم يستخير الله فيه‪ .‬ول تكون الستخارة فممي تممرك‬
‫المحرمات والمكروهات‪ ،‬فل يستخير أحد هل يسر أو ل؟‬
‫كما أنها ل تكون في الواجبات وصنائع المعروف‪ ،‬مما هو معروف‬
‫خيره ونفعه‪ ،‬فل يسممتخير أحممد هممل يصمملي الظهممر و ل؟ لن ذلممك‬
‫واجب عليه‪ ،‬فهي إذن في المور التي ل يدري العبد وجه الصواب‬
‫والخير والنفع فيها‪ ،‬أما الواجبات وصنائع المعروف كالعبممادات فل‬
‫حاجة للستخارة فيها‪.‬‬
‫وقد يستخير النسان في شيء يتعلق بالعبادة‪ ،‬وذلك مثل السممفر‬
‫للحج‪ ،‬فيستخير الله هل يسافر هذه السنة؛ وذلك لحتمال عدو أو‬
‫فتنة؟ واختيار الرفقة هل يرافق فلنا ً أم ل)‪.(1‬؟‬
‫قممال الحممافظ ابممن حجممر‪ ) :‬قممال ابممن أبممي جمممرة‪ :‬فممإن الممواجب‬
‫والمستحب ل يستخار في فعلهما‪ ،‬والحرام والمكممروه ل يسممتخار‬
‫في تركهما‪ ،‬فانحصر في المر المباح‪ ،‬وفممي المممر المسممتحب إذا‬
‫تعارض منه أمران أيهما يبدأ به ويقتصر عليه ( )‪.(2‬‬
‫ول تحتقرن شيئا ً في المر فاستخر الله في المر الصغير والكبير‪،‬‬
‫والعظيم والحقير مما يشرع الستخارة فيممه )فممرب حقيممر يممترتب‬
‫عليه المر العظيم( )‪.(3‬‬
‫المسألة الثالثة‪ :‬ما الحكمة من تشبيه صــلة الســتخارة‬
‫بالسورة من القرآن؟‬
‫‪ ()1‬انظر هذه المسألة في‪ :‬كشاف القناع )‪ ،(1/419‬الذكار للنووي )ص ‪،(112‬عمدة القارئ )‬
‫‪ ،(234 – 7/233‬نيل الوطار )‪ ،(3/88‬تحفة الحوذي )‪ ،(2/482‬غاية المرام )‪ ،(5/528‬الفتح‬
‫الرباني )‪.(5/52‬‬
‫‪ ()2‬فتح الباري )‪.(11/220‬‬
‫‪ ()3‬فتح الباري )‪.(11/220‬‬
‫كشمممممممممممف السمممممممممممتارة عمممممممممممن صممممممممممملة السمممممممممممتخارة‬
‫‪13‬‬

‫المراد بهذه المسألة معرفة الحكمة التي قال لجلها جممابر رضممي‬
‫اللممه عنممه‪ ) :‬كممان النممبي ‪ ‬يعلممما السممتخارة فممي المممور كلهمما‬
‫كالسورة من القرآن(‪.‬‬
‫فشبه جابر رضي اللممه عنممه تعليمهممم النممبي ‪ ‬صمملة السممتخارة‬
‫والممدعاء كممما كممان يعلمهممم السممورة مممن القممرآن‪ .‬وقيممل‪ ) :‬وجممه‬
‫التشبيه عموم الحاجممة فممي المممور كلهمما إلممى السممتخارة كعممموم‬
‫الحاجة إلى القراءة في الصلة( )‪.(1‬‬
‫أي كما أنه يحتاج إلى قراءة القممرآن فممي الصمملة‪ ،‬فكممذلك يحتمماج‬
‫إلى الستخارة في الحياة‪.‬‬
‫هذا ) فيممه إشممارة إلممى العتنمماء التممام البممالغ بهممذا الممدعاء‪ ،‬وهممذه‬
‫الصلة لجعلها تلوين للفريضة والقرآن( )‪.(2‬‬
‫ولعل هناك حكمة أكبر ومعنى أغممزر فممي هممذا التصمموير والتشممبيه‬
‫وهي‪ :‬عدم جواز البتداع في صلة الستخارة وهيئتها بشكل عام‪،‬‬
‫وألفمماظ دعائهمما بشممكل خمماص‪ ،‬فل تممدخل اللفمماظ المسممتحدثة‪،‬‬
‫والفعال المبتدعة فيها‪ ،‬ويجب القتصار على ما ورد النص به من‬
‫قول وفعل‪.‬‬
‫فيكون المعنممى والحكمممة‪ :‬كممما أنممه ل يجمموز التغييممر فممي القممرآن‬
‫عموممما ً ومطلقممًا‪ ،‬فل يممزاد فيممه‪ ،‬ول ينقممص منممه‪ ،‬كممذلك صمملة‬
‫الستخارة وألفاظهمما ل يممزاد فيهمما ول ينقممص منهمما كالسممورة مممن‬
‫القرآن تمامًا‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫وهذا من معجزاته ‪ ،‬فقد حذر من ذلك بإشارة لطيفة‪ ،‬ومع ذلك‬
‫فقد استحدثت اليوم أنواع مبتدعة وجديدة للستخارة‪ ،‬كاسممتخارة‬
‫الكف والفنجان والبراج وغير ذلك كما سيأتي طرحه فممي مبحممث‬
‫مستقل من هذه الرسالة‪.‬‬
‫قال العلمة محمد بن عبد الله بن الحاج المالكي رحمه الله وهممو‬
‫يتحدث عن عدم جواز إضافة شمميء إلممى السممتخارة ليممس منهمما‪،‬‬
‫فبعد أن منع ذلك ونبممه عليممه قممال‪ ) :‬فيمما سممبحان اللممه ! صمماحب‬
‫الشرع اختار لنا ألفاظا ً منتقاة جامعة لخيري الدنيا والخممرة حممتى‬
‫قال الراوي للحديث في صممفتها علممى سممبيل التخصمميص والحممض‬
‫على التمسك بألفاظها وعدم العممدول إلممى غيرهمما ) كممان رسممول‬
‫الله ‪ ‬يعلمنا الستخارة في المور كلها كما يعلمنمما السممورة مممن‬
‫‪ ()1‬الفتح )‪.(11/220‬‬
‫‪ ()2‬المصدر السابق‪.‬‬
‫كشمممممممممممف السمممممممممممتارة عمممممممممممن صممممممممممملة السمممممممممممتخارة‬
‫‪14‬‬

‫القرآن ( والقرآن قد علممم أنممه ل يجمموز أن يغيممر ول يممزاد فيممه ول‬


‫ينقص منه‪ ،‬وإذا نمص فيمه علمى الحكمم نصما ً ل يحتممل التأويمل ل‬
‫يرجع لغيره( )‪ .(1‬اهم‪.‬‬
‫المســألة الرابعــة‪ :‬مــتى تشــرع صــلة الســتخارة؟ ) أو‬
‫متى يبدأ وقتها؟(‪:‬‬
‫المراد بهذه المسألة‪ :‬تحديد الوقت الذي تشرع في الستخارة‪.‬‬
‫يبدأ وقت الستخارة عنممد العممزم علممى فعممل شمميء مممن الشممياء‪،‬‬
‫والقدام على أمر من المور المباحة‪.‬‬
‫ويدل على ذلك قول النبي ‪ ‬في الحديث السابق من رواية جابر‬
‫رضي الله عنه حيث جاء فيه‪ ) :‬إذا هم ( ؛ أي‪ :‬إذا قصد وعزم‪.‬‬
‫وقيممل‪ :‬إذا ورد علممى قلبممه الخمماطر للفعممل أو فعممل الشمميء فممإنه‬
‫يستخير فيظهر له ببركة الدعاء والصلة ما هو خير له‪.‬‬
‫ولكن الستخارة عند العزم على المر والتصميم على فعله وقبممل‬
‫الشروع أرجح؛ لن الخواطر الممتي تممرد علممى القلممب كممثيرة‪ ،‬فلممو‬
‫استخار في كل ما بدا له وخطر على قلبه لضاعت عليه أوقاته)‪.(2‬‬
‫ومما ينبغي التنبه له أن المستخير حال استخارته ينبغي أن يكممون‬
‫خالي الذهن غير متعص لمر بعينه؛ أي‪ :‬ل يميل لهواه ورغبته‪ ،‬بل‬
‫يتجرد من ذلك ويكل المر لله سبحانه ليظهر له الخيممر فيممما عممز‬
‫وأراد‪.‬‬
‫المسألة الخامسة‪ :‬هل لبد من تخصيص ركعتين لصــلة‬
‫الستخارة أم تحصل مع النوافل؟‬
‫المراد بهذه المسألة‪ :‬هل إتيان دعاء الستخارة دبر النوافل وذلك‬
‫ل؛ كأن يصلي المرء راتبة الظهر‪ ،‬وهي‪ :‬أربممع ركعممات‬ ‫كالرواتب مث ً‬
‫قبل الظهر‪ ،‬وركعتان بعدها أو راتبممة المغممرب وهممي ركعتممان بعممد‬
‫صلة المغرب‪ ،‬فلو صلى المسلم راتبة المغرب واسممتخار بعممدها‪،‬‬
‫فهل ذلك كاف ومجممزئ أم لبممد مممن أن يصمملي ركعممتين خاصممتين‬
‫لكي يستخير بعدهما؟‬
‫الصحيح الراجح في هذه المسممألة – واللممه أعلممم – أنممه إن صمملى‬
‫نافلة من النوافل مع نية الستخارة أجزأه ذلك بممإذن اللممه تعممالى‪،‬‬
‫ولكن عليممه أن يعقممد العممزم والنيممة علممى أنممه يريممد بهممذه الصمملة‬
‫النافلة والستخارة معاص‪ ،‬قبل الشروع في النافلة‪.‬‬
‫‪ ()1‬المدخل )‪.(38 – 4/37‬‬
‫‪ ()2‬الفتح )‪.(11/220‬‬
‫كشمممممممممممف السمممممممممممتارة عمممممممممممن صممممممممممملة السمممممممممممتخارة‬
‫‪15‬‬

‫قال محي الدين النووي – رحمممه اللممه ‪) : -‬والظمماهر أنهمما تحصممل‬


‫بركعممتين مممن السممنن الرواتممب‪ ،‬وبتحيممة المسممجد وغيرهمما مممن‬
‫النوافل(‪.‬‬
‫وقال زين الدين العراقي – رحمممه اللممه‪ ) : -‬إن كممان همممه بممالمر‬
‫قبل الشروع في الراتبة ونحوها ثم صلى من غير نيممة السممتخارة‬
‫وبدا لممه بعممد الصمملة التيممان بممدعاء السممتخارة فالظمماهر حصممول‬
‫ذلك(‪.‬‬
‫وقال الحافظ ابممن حجممر – رحمممه اللممه ‪ ) :-‬إن نمموى تلممك الصمملة‬
‫بعينها وصلة الستخارة معا ً أجزأ بخلف ما إذا لم ينو( )‪.(1‬‬
‫والدليل على جواز ذلك قول النبي ‪ ) :‬من غير الفريضممة( فهممذا‬
‫المنطوق مفهومه أنهما تحصممل بعمد النافلمة‪ ،‬أممما بعمد الفممرض فل‬
‫تجزئ‪ ،‬فلو صلى فريضة الصبح – مثل ً – واستخار بعممدها لممم يكممن‬
‫عمله صحيحًا‪.‬‬
‫المســألة السادســة‪ :‬مــن عــزم علــى الســتخارة بعــد‬
‫النتهـــاء مـــن صـــلة النافلـــة‪ ،‬وأراد أن يـــأتي بـــدعاء‬
‫الستخارة بعد الصلة فهل يستخير أم يعيد الصلة؟‬
‫المراد بالمسألة‪ :‬من صلى نافلة من النوافل ثم عرض لممه طلممب‬
‫الستخارة لمر من المور وهو ممن يقصد السممتخارة بعممد صمملة‬
‫ركعممتين‪ ،‬فهممي يكفيممه صمملة النافلممة الممتي صمملها أم يعيممد صمملة‬
‫أخرى؟‬
‫الظاهر – والله أعلم – أنه يعيد ركعتين لجل الستخارة غير الممتي‬
‫صلها منذ قليل؛ وذلك لنه لبد من وجممود الرادة والنيممة؛ أي نيممة‬
‫السممتخارة قبممل الشممروع أو النتهمماء مممن الصمملة؛ وذلممك لعممموم‬
‫حديث النبي ‪ ) :‬إنما العمال بالنيات وإنمــا لكــل امــرئ‬
‫ما نوى(‪.‬‬
‫قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله ‪ ) : -‬ويبعد الجزاء لمن عرض‬
‫لممه الطلممب بعممد فممراغ الصمملة لن ظمماهر الخممبر أن تقممع الصمملة‬
‫والدعاء بعد وجود إرادة المر( )‪.(2‬‬
‫المســألة الســابعة‪ :‬أيــن يقــال دعــاء الســتخارة قبــل‬
‫السلم أم بعده؟‬

‫‪ ()1‬الذكار‪) :‬ص ‪ ،(112‬نيل الوطار )‪ ،(3/88‬الفتح )‪.(11/221‬‬


‫‪ ()2‬فتح الباري )‪.(11/221‬‬
‫كشمممممممممممف السمممممممممممتارة عمممممممممممن صممممممممممملة السمممممممممممتخارة‬
‫‪16‬‬

‫المقصود بهذه المسألة‪ :‬أن دعاء الستخارة الذي جاء في حممديث‬


‫جابر رضي الله عنه يقال بعد السلم والنتهاء من الصلة أم قبممل‬
‫السلم؟‬
‫المر في هذه المسألة فيه سعة‪ ،‬فمن ذكممر الممدعاء بعممد التشممهد‬
‫وقبل السلم فذلك جائز وهو ترجيح شيخ السلم أحمممد بممن عبممد‬
‫السلم بن تيمية رحمه الله حيث قال‪ ) :‬يجوز الممدعاء فممي صمملة‬
‫الستخارة وغيرها قبل السلم وبعده‪ ،‬والدعاء قبل السلم أفضل؛‬
‫فإن النبي ‪ ‬أكثر دعائه كان قبل السلم‪ ،‬والمصلي قبل السمملم‬
‫لم ينصرف‪ ،‬فهذا أحسن‪ ،‬والله تعالى أعلم( )‪.(1‬‬
‫ومن أتى بالممدعاء بعممد السمملم – أيضما ً – جمماز لممه ذلممك‪ ،‬والرجممح‬
‫والقرب والله أعلم أن الممدعاء يكممون بعممد السمملم والنتهمماء مممن‬
‫الصلة‪ ،‬وذلك ظاهر في حديث النبي ‪ ‬كما مر في حممديث جممابر‬
‫حيث قال‪ ) :‬فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم يقــول‪:‬‬
‫اللهم إني أستخيرك ‪.(...‬‬
‫فقول النبي ‪ ) :‬ثم يقول( يدل على تأخير الممدعاء عممن الصمملة؛‬
‫لن ثم في اللغة تفيممد الممترتيب مممع الممتراخي‪ ،‬أي‪ :‬يصمملي أول ً ثممم‬
‫يذكر الدعاء‪.‬‬
‫قال الشموكاني – رحممه اللمه ‪ ) :-‬والحمديث – أي حمديث جمابر –‬
‫يدل على مشروعية صمملة السممتخارة والممدعاء عقيبهمما‪ ،‬ول أعلممم‬
‫في ذلك خلفًا( )‪.(2‬‬
‫وقال الحافظ ابن حجر‪) :‬هو ظاهر في تأخير الدعاء عممن الصمملة‪،‬‬
‫فلو دعا به أثناء الصمملة احتمممل الجممزاء‪ ،‬ويحتمممل الممترتيب علممى‬
‫تقديم المشروع في الصلة قبل الدعاء فممإن ممموطن الممدعاء فممي‬
‫الصلة السجود أو التشهد( )‪.(3‬‬
‫وقال الشيخ العلمة عبد العزيز ابن باز رحمه الله لممما سممئل عممن‬
‫موضع دعاء الستخارة ومتى يكون قال‪) :‬والدعاء فيهمما – أي فممي‬
‫صمملة السممتخارة – يكممون بعممد السمملم كممما جمماء بممذلك الحممديث‬
‫الشريف( )‪.(4‬‬
‫وقال فضيلة الشيخ محمد بمن عمممر بمازمول حفظمه اللمه تعمالى‪:‬‬
‫)محل الدعاء – دعاء الستخارة – يكون بعممد السمملم لقمموله عليممه‬
‫مجموع فتاوى شيخ السلم )‪.(23/177‬‬ ‫‪()1‬‬
‫نيل الوطار )‪.(3/89‬‬ ‫‪()2‬‬
‫الفتح )‪.(11/222‬‬ ‫‪()3‬‬
‫مجموع فتاوى ابن باز )‪.(2/236‬‬ ‫‪( )4‬‬
‫كشمممممممممممف السمممممممممممتارة عمممممممممممن صممممممممممملة السمممممممممممتخارة‬
‫‪17‬‬

‫الصلة والسلم‪ ) :‬إذا هم أحدكم بــالمر؛ فليركــع ركعــتين‬


‫من غير الفريضة‪ ،‬ثم ليقل‪ (.....‬إذ ظاهره أنه بعد الركعتين؛‬
‫يعني بعد السلم( )‪.(1‬‬
‫وبأرجحية وقوع دعاء الستخارة بعد السلم أفممتى أعضمماء اللجنممة‬
‫الدائمة للبحوث العلميممة والفتمماء – وفممق اللممه القممائمين عليهمما –‬
‫برئاسة الشيخ الوالد عبد العزيز بن بمماز رحمممه اللممه تعممالى حيممث‬
‫ورد على اللجنة العلمية للفتاء السؤال التي‪:‬‬
‫)س(‪ :‬هل دعاء الستخارة يكممون قبممل التسممليم أم بعممد التسممليم‬
‫والخروج من الصلة؟‬
‫)ج(‪) :‬دعاء الستخارة يكون بعد التسليم من صلة الستخارة( ‪.‬‬
‫)‪(2‬‬

‫المســألة الثامنــة‪ :‬هــل هنــاك آيــات أو ســور معينــة‬


‫مخصوصة لصلة الستخارة؟‬
‫ل يوجد دليل ما يدل على قراءة سممور أو آيمات معينمة مخصوصممة‬
‫بصلة الستخارة؛ لذا فالصحيح في المسألة أن المسلم إذا صمملى‬
‫الستخارة يقرأ الفاتحة في الركعتين ثم ما تيسر له مممن القممرآن‪.‬‬
‫فيقرأ ما يحفظ من كتاب الله دون تحديمد أو تقييمد لشميء معيمن‬
‫فيه‪ ،‬فهذا هممو الصممواب‪ .‬وإن اسممتحب بعممض أهممل العلممم آيممات أو‬
‫سور معينة فل يلتفت إليه؛ لنه ل يجوز تقييممد ممما أطلقممه الشممرع‪،‬‬
‫ول تخصيص العموم إل بدليل‪ ،‬والسممتحباب حكممم شممرعي يحتمماج‬
‫لدليل‪.‬‬
‫قال العلمة زين المدين العراقمي – رحممه اللمه ‪ ) :-‬لمم أجمد فمي‬
‫شيء من طرق أحاديث الستخارة تعيين ما يقرأ فيها( )‪.(3‬‬
‫ولما سئل العلمة عبد العزيز بن باز رحمه اللممه عممن صممفة صمملة‬
‫الستخارة قمال‪ ) :‬وصمفتها أنهما تصملى ركعمتين مثمل بقيمة صملة‬
‫النافلة‪ ،‬يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وما تيسر من القرآن ثم‬
‫يدعو( )‪.(4‬‬
‫تأمل قوله – رحمه الله‪ ) :-‬فاتحة الكتاب وما تيسر مممن القممرآن(‬
‫فإنه في غاية الهمية والحكمة‪.‬‬
‫وقممال أعضمماء اللجنممة الدائمممة للبحمموث العلميممة والفتمماء برئاسممة‬
‫العلمة عبد العزيز بن باز رحمه الله وقد سئلوا‪ :‬هل تقرأ سور أو‬
‫بغية المتطوع )ص ‪.(106‬‬ ‫‪()1‬‬
‫فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث والفتاء )‪.(8/162‬‬ ‫‪( )2‬‬
‫عمدة القارئ )‪.(7/235‬‬ ‫‪()3‬‬
‫مجموع فتاوى ابن باز)‪.(2/236‬‬ ‫‪( )4‬‬
‫كشمممممممممممف السمممممممممممتارة عمممممممممممن صممممممممممملة السمممممممممممتخارة‬
‫‪18‬‬

‫آيات معينة في صلة الستخارة قالوا‪ ) :‬أما القراءة فيها بالفاتحة‬


‫وما تيسر بعدها من القرآن سورة كاملة أو بعض سورة( )‪.(1‬‬
‫وأقول‪ :‬إن عدم تقييد صلة السممتخارة بسممورة أو آيممات معينممة –‬
‫سوى الفاتحة – هو الذي يناسب حكمة الشرع وسهولته ويسممره؛‬
‫وذلك لن هممذه الصمملة مطلمموب تطبيقهمما والعتنمماء بهمما مممن كممل‬
‫الناس‪ ،‬والنمماس درجممات‪ :‬منهممم مممن يحفممظ القممرآن ومنهممم مممن‬
‫يحفظ آيات أو سورا ً معينة من قصار السور‪ ،‬فلممو حممددها الشممرع‬
‫وقيدها بسور معينة قد ل يكون كل الناس يحفظممون هممذه اليممات‬
‫أو السور المخصوصة بهذه الصلة‪ ،‬وحينئذ يحرم كثير مممن النمماس‬
‫تطبيق هذه السنة العظيمة والتي يوفق الله بها كثيرا ً مممن البشممر‬
‫إلى الخير‪ ،‬ولكن لما شرعت هذه الصلة وترك أمر القراءة فيهمما‬
‫مفتوحا ً للناس دل على تيسير المممر لهمممن فكممل منهممم يقممرأ ممما‬
‫يحفظ ليمكنه تطبيق هممذه السممنة واسممتخارة اللمه عممز وجمل فممي‬
‫شؤون الحياة‪.‬‬
‫فتقييممد صمملة السممتخارة بآيممات معينممة فيممه نمموع تضممييق علممى‬
‫المسلمين‪ ،‬والدين العبادات فيممه مبناهمما علممى اليسممر والسممهولة‪،‬‬
‫فالله عز وجل الذي أوحى إلى نبيه تشممريع هممذه الصمملة والممدعاء‬
‫كممان قممادرا ً علممى تقييممدها بآيممات معينممة لكنممه سممبحانه بحكمتممه‬
‫وتيسيره للناس‪ ،‬ورحمة بهم ترك المر لهم يختارون ممما يشمماءون‬
‫من كتابه‪ ،‬فلله الحمد والمنة‪ ،‬فتأمل‪.‬‬
‫المسألة التاسعة‪ :‬هل تجوز قراءة دعاء الســتخارة مــن‬
‫كتاب أم لبد من حفظ هذا الدعاء؟‬
‫إن بعض الناس قممد يحتممج لممتركه صمملة السممتخارة بعممدم حفظممه‬
‫لدعائها وأنه ل يستطيع حفظه لطوله‪.‬‬
‫ويقال لمثل هذا‪ :‬إن استطعت أن تحفممظ الممدعاء فممذلك خيممر لممك‬
‫وأنفع‪ ،‬وإن لم تسممتطع حفظممه‪ ،‬فل يكلممف اللممه نفسما ً إل وسممعها‪،‬‬
‫ويجوز لك أن تقرأ الدعاء من كتاب مفتوح من كتب الدعية وهممي‬
‫متوفرة‪ ،‬أو تكتبه في ورقة تقرأ منها بعد الصلة‪ ،‬فالمر فيه سعة‬
‫ولله الحمد على تيسيره‪.‬‬
‫ومع كثر تطبيق هممذه السمنة وتكرارهما يحفمظ الممدعاء تلقائيما ً مممع‬
‫مرور اليام‪.‬‬
‫‪ ()1‬فتاوى اللجنة الدائمة )‪ ،(8/161‬واللجنة الدائمة هي‪ :‬اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والفتاء‬
‫بالمملكة العربية السعودية‪.‬‬
‫كشمممممممممممف السمممممممممممتارة عمممممممممممن صممممممممممملة السمممممممممممتخارة‬
‫‪19‬‬

‫وبجواز قراءة دعاء الستخارة من كتاب ما‪ ،‬أفتت اللجنممة الدائمممة‬


‫للبحوث العلمية والفتاء‪ ،‬فقد سئلت اللجنة سؤال ً نصه‪:‬‬
‫)س(‪ :‬بالنسبة إلى صلة الستخارة لعمل ممما‪ ،‬أو حاجممة ممما أو أي‬
‫شيء؛ هل يشترط أن أحفظ الدعاء الوارد عن النبي محمد عليممه‬
‫الصلة والسلم )دعاء الستخارة( أم يمكممن قراءتممه فممي الكتمماب‬
‫فقط وبعد أداء الصلة؟‬
‫فكان الجواب كمــا يلــي‪ ) :‬إن حفظممت الممدعاء للسممتخارة أو‬
‫قرأته ممن الكتماب فمالمر فمي ذلمك واسمع‪ ،‬وعيمك الجتهماد فمي‬
‫إحضار قلبك والخشوع لله‪ ،‬والصدق في الدعاء‪.(1) (..‬‬
‫المســألة العاشــرة‪ :‬هــل تجــزئ صــلة الســتخارة بعــد‬
‫الفريضة؟‬
‫المراد بهذه المسألة‪ :‬إن صلى الفرض كصلة الفجر مثل ً ثم دعاء‬
‫بدعاء الستخارة فهل يجزئ ذلك ويجوز أم ل؟‬
‫ويقال في تفصيل هذه المسألة‪ :‬إن دعا بدعاء الستخارة بعد أداء‬
‫صلة الفرض فل يجزئه ذلك‪ ،‬ومعنممى ل يجمزئ‪ :‬أي‪ :‬لمم يقمع منممه‬
‫الفعل الصحيح للعبادة‪ ،‬فلم تقبل منه‪.‬‬
‫والدليل على ذلك قممول النممبي ‪ ‬فممي صممفة صمملة السممتخارة‪) :‬‬
‫فليركع ركعتين من غير الفريضة(‪.‬‬
‫فقوله‪ ) :‬من غير الفريضة( قال بدر الدين العيني – رحمه الله‬
‫‪ ) :-‬دليل على أنه ل تحصل سنة صلة السممتخارة بوقمموع الممدعاء‬
‫بعد صلة الفريضة لتقييد ذلك في النص بغير الفريضة( )‪.(2‬‬
‫وقال العلمة محمد بن عبد الرحمن المباركفوري رحمه الله فممي‬
‫شرح قول النبي ‪) :‬من غير الفريضة(‪:‬‬
‫) في دليل على أنه ل تحصل سنة صلة الستخارة بوقوع الممدعاء‬
‫بعد صلة الفريضة( )‪.(3‬‬
‫وقال الحافظ ابن حجر‪ ) :‬فيه احتراز عن صلة الصبح مث ً‬
‫ل( )‪.(4‬‬
‫المسألة الحادية عشرة‪ :‬ما حكم صــلة الســتخارة فــي‬
‫أوقات النهي؟‬
‫هناك أوقات معينة نهى النبي ‪ ‬عن الصلة فيها‪ ،‬فهل يجمموز أداء‬
‫صلة الستخارة في مثل هذا الوقت المنهي عنه؟‬
‫فتاوى اللجنة الدائمة )‪.(8/161‬‬ ‫‪( )1‬‬
‫عمدة القارئ )‪.(1/233‬‬ ‫‪()2‬‬
‫تحفة الحوذي )‪.(2/482‬‬ ‫‪() 3‬‬
‫فتح الباري )‪ ،(11/221‬وانظر مرقاة المفاتيحة )‪.(3/402‬‬ ‫‪()4‬‬
‫كشمممممممممممف السمممممممممممتارة عمممممممممممن صممممممممممملة السمممممممممممتخارة‬
‫‪20‬‬

‫وجاءت هذه الوقات الثلثة فممي حممديث عقبممة بممن عممامر الجهنممي‬
‫رضي الله عنه قال‪ ) :‬ثلث ساعات كان رسول الله ‪ ‬ينهانمما أن‬
‫نصلي فيهن‪ ،‬أو أن نقبر فيهن موتانا‪ :‬حين تطلممع الشمممس بازغممة‬
‫حتى ترتفع‪ ،‬وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس‪ ،‬وحيممن‬
‫تضيف الشمس للغروب حتى تغرب( )‪.(1‬‬
‫ومعنى قممول النممبي ‪) :‬حين تطلــع الشــمس بازغــة حــتى‬
‫ترتفع( أي‪ :‬أول ما تطلع‪ ،‬فالوقت وقت نهي إلى أن ترتفممع قيممد‬
‫رمح‪ ،‬وكذلك بعد صلة الفجر وقت نهي عن الصلة إلى أن ترتفع‬
‫قيد رمح‪ ،‬حينها يجوز التنفل كصلة الضحى والستخارة‪.‬‬
‫ومعنى قوله‪) :‬حين يقــوم قــائم الظهيــرة( أي‪ :‬حيممن تكممون‬
‫الشمس في كبد السممماء أي وسممطها عنممد الظهيممرة حممتى تممزول‬
‫وتميل بعدها يدخل وقت الظهر‪.‬‬
‫ومعنممى قمموله‪) :‬حين تضــيف الشــمس للغــروب( أي‪ :‬تميممل‬
‫للغروب )‪ .(2‬فبعد صلة العصر وقت منهي عنه‪ ،‬وكممذلك حيممن تبممدأ‬
‫الشمس في الغروب يكون النهي ساعتها آكد‪.‬‬
‫فهذه الوقات نهي عن الصمملة فيهمما إل لضممرورة‪ ،‬كمممن نممام عممن‬
‫صلة العصر أو الفجر واستيقظ فممي هممذه الوقممات المنهممي عنهمما‬
‫جاز له أن يصلي لن هممذا المموقت بالنسممبة لممه وقممت أداء الصمملة‬
‫المفروضة عليه‪.‬‬
‫فالفضل للمسلم أن ل يؤدي صلة الستخارة فممي هممذه الوقممات‬
‫المنهي عنها كبعد العصر أو الفجممر‪ ،‬ولكممن إن اضممطر إلممى صمملة‬
‫الستخارة بأن كان المر عاجل ً ل يمكن ول يحتمل التأخير جاز لممه‬
‫الستخارة وإن كممان المموقت وقممت نهممي؛ كممأن يحتمماج إلممى شممراء‬
‫سميارة بعمد صملة العصمر ول يسمتطيع التأجيمل إلمى بعمد غمروب‬
‫الشمس فحينئذ يجوز له السممتخارة لنهمما تكممون حينئذ مممن ذوات‬
‫السباب التي يشرع فعلها في وقممت النهممي مثممل تحيممة المسممجد‬
‫وصلة الجنازة‪ ،‬وكسوف الشمس‪ ،‬فلو مممات ميممت واحتجنمما إلممى‬
‫الصلة عليه بعد العصر ودفنه حينئذ جاز الصلة عليه‪ ،‬ولو كسفت‬
‫‪ ()1‬أخرجه مسلم واللفظ له في كتاب الصلة‪ ،‬باب صلة المسافرين برقم )‪ ،(1926‬وأبو داود في‬
‫كتاب الجنائز باب الدفن عند طلوع الشمس وعند غروبها )‪ ،(2192‬والترمذي في كتاب الجنائز‪،‬‬
‫باب ما جاء في كراهية الصلة على الجنائز عند طلوع الشمس وعند غروبها برقم )‪،(1030‬‬
‫والنسائي في كتاب المواقيت‪ ،‬باب الساعات =التي نهي عن الصلة فيها برقم )‪ ،(559‬وابن‬
‫ماجة في كتاب الجنائز‪ ،‬باب ما جاء في الوقات التي ل يصلى فيها على الميت ول يدفن )‬
‫‪.(1519‬‬
‫‪ ()2‬شرح النووي على مسلم )‪ .(6/354‬المعنى الخير فقط‪.‬‬
‫كشمممممممممممف السمممممممممممتارة عمممممممممممن صممممممممممملة السمممممممممممتخارة‬
‫‪21‬‬

‫الشمس بعد صلة العصر جازت صلة الكسوف وإن كان المموقت‬
‫وقت نهي؛ لن هذه الصلوات مممن ذوات السممباب؛ أي‪ :‬الممتي لهمما‬
‫سبب يدفع لفعلها في وقت النهممي؛ وكممذلك صمملة السممتخارة إذا‬
‫كان الذي يستخير لجله يفوت بانتهاء وقت الكراهة‪.‬‬
‫فذوات السباب مممن الصمملة يجمموز فعلهمما فممي وقممت الكراهممة أو‬
‫النهي لنها تفوت إذا أخرت عن وقت النهي‪ ،‬وتنتهي بانتهاء وقممت‬
‫الكراهة‪.‬‬
‫كشمممممممممممف السمممممممممممتارة عمممممممممممن صممممممممممملة السمممممممممممتخارة‬
‫‪22‬‬

‫ولنممه أيضمما ً مممن المسممتقر والمعممروف فممي الشممرع أن الصمملة‬


‫والعبادات إذا أخرت لسبب ما ويفوت وقتها تفعل حسب المكممان‬
‫والقدرة‪ ،‬فالمريض الذي ل يستطيع الوضوء لمرض ألم به يتيمم‪،‬‬
‫وإن لم يستطع التيمم صلى على حاله الممتي هممو عليهمما ول يممؤخر‬
‫الصلة عممن وقتهمما‪ ،‬والمريممض الممذي ل يسممتطيع اسممتقبال القبلممة‬
‫صلى ولو إلى غير القبلة ول ينتظمر ول يمؤخر الصملة عمن وقتهما‪،‬‬
‫وقس على ذلك الكثير‪ ،‬فاعتبار المموقت فممي الصمملة مقممدم علممى‬
‫بقية الواجبات وكذلك المر في التطوع‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية – رحمه الله ‪) :-‬ذوات السباب تفعل‬
‫في وقت النهي‪ ،‬فقممد كتبنمما فيممما تقممدم فممي السممكندرية وغيرهمما‬
‫كلما ً مبسوطا ً في أن أصح قولي العلمماء وهمو ممذهب الشمافعي‬
‫وأحمد في إحدى الروايتين عنه‪ ،‬اختارها أبو الخطاب(‪.‬‬
‫ثم ذكر شيخ السلم ابن تيمية الدلة علممى جممواز فعممل الصمملوات‬
‫ذوات السباب في وقت النهي ثم قال‪ ) :‬فالشرع قد استقر على‬
‫أن الصلة بل العبادة التي تفوت إذا أخرت تفعل بحسب المكممان‬
‫والوقت ولو كان في فعلها من ترك الواجب‪ ،‬وفعل المحظممور ممما‬
‫ل يسوغ عن إمكان فعلممه فممي المموقت‪ ،‬مثممل الصمملة بممل قممراءة‪،‬‬
‫وصلة العريان‪ ،‬وصمملة المريممض‪ ،‬وصمملة المستحاضممة‪ ،‬ومممن بممه‬
‫سلس البول‪ ،‬والصلة مع الحديث بل اغتسال ول وضوء‪ ،‬والصمملة‬
‫إلى غير القبلة‪ ،‬وأمثال ذلك من الصلوات الممتي يحممرم فعلهمما‪ ،‬إذا‬
‫قدر أن يفعلها على الوجه المأمور به في الوقت‪.‬‬
‫ثم إنه يجب عليه فعلهمما فممي المموقت مممع النقممص لئل يفمموت‪ ،‬وإن‬
‫أمكن فعلها بعد الوقت على وجه الكمال‪.‬‬
‫فعلم أن اعتبارات الوقت في الصلة مقدم علممى سممائر واجباتهمما‪،‬‬
‫وهذا في التطوع كذلك فإنه إذا لم يمكنه أن يصلي عريانًا‪ ،‬أو إلى‬
‫غير القبلة أو مع سلس البول‪ ،‬صلى كما الفرض؛ لنه لو لم يفعل‬
‫إل مع الكمال تعذر فعله فكان فعله مع النقص خيرا ً مع تعطيله‪.‬‬
‫وإن كان كذلك فذوات السباب إن لممم تفعممل وقممت النهممي فمماتت‬
‫وتعطلت‪ ،‬بطلب المصلحة الحاصلة به‪ ،‬بخلف التطمموع المطلممق‪،‬‬
‫فإن الوقات فيها سعة‪ ،‬فإذا ترك في أوقات النهي حصلت حكمة‬
‫النهي‪ ،‬وهو قطع للتشبه بالمشركين الذين يسجدون للشمس في‬
‫كشمممممممممممف السمممممممممممتارة عمممممممممممن صممممممممممملة السمممممممممممتخارة‬
‫‪23‬‬

‫الوقت )‪ ،(1‬وهذه الحكمة ل يحتاج حصولها إلممى المنممع مممن جميممع‬


‫الصلوات كما تقدم‪ ،‬بل يحصل المنع فيكفي التطوع المطلق(‪.‬‬
‫ثم قال شيخ السلم ابن تيمية – رحمه الله ‪ ) :-‬وذوات السممباب‬
‫كلها تفوت إذا أخرت عن وقت النهي مثل‪ :‬سممجود التلوة‪ ،‬وتحيممة‬
‫المسجد وصلة الكسوف‪ ،‬ومثل الصلة عقممب الطهممارة كممما فممي‬
‫حديث بلل‪ ،‬وكذلك صمملة السممتخارة إذا كممان الممذي يسممتخير لممه‬
‫يفوت إذا أخرت الصلة )‪ .(2‬انتهى‪.‬‬
‫إذن فإذا كان الذي يستخير له يفوت عليه إن أخرت الصلة حممتى‬
‫ينتهي وقت النهي جاز له الستخارة في وقت النهي‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫المســألة الثانيــة عشــرة‪ :‬مــاذا يفعــل المســتخير بعــد‬
‫الستخارة؟‬
‫إذا صلى المسلم الستخارة واستمر أقممدم علممى ممما ينمموي فعلممه‪،‬‬
‫فإن كان خيممرا ً يسممره اللممه لممه‪ ،‬وإن كممان شممرا ً صممرفه اللممه عنممه‬
‫وأبعده منه‪.‬‬
‫ويعتقد كثير من الناس أو بعضممهم أن المسممتخير إذا اسممتخار ربممه‬
‫في شيء عليه أن ينتظر حتى يرى منامما ً فممي نممومه‪ ،‬وبنمماء علممى‬
‫الرؤيا التي يراها يفعل أو ل يفعل‪ ،‬وهذه خرافممة ل اصممل لهمما مممن‬
‫الدين‪ ،‬ول تبنى الحكام الشرعية على المنامات‪ ،‬فمتى اسممتخرت‬
‫الله لعمل ما‪ ،‬تول عليه واستمر وأقدم على ممما تريممد‪ ،‬ول تنتظممر‬
‫مناما ً ول انشممراح صممدر‪ ،‬لن انشممراح الصممدر ل ضممابط لممه‪ ،‬فقممد‬
‫ينشرح الصدر لهوى في النفس داخلها قبل الستخارة‪.‬‬
‫قال عز الدين بن عبد السلم – رحمه الله ‪ ) :-‬يفعل ما اتفق( ‪.‬‬
‫)‪(3‬‬

‫وقال محمد بن علي كمال الدين الزملكمماني – رحمممه اللممه‪) : -‬إذا‬


‫صلى النسان ركعتي الستخارة لمر‪ ،‬فليفعل بعممدها ممما بممدا لممه‪،‬‬
‫سواء انشرحت نفسه لممه أم ل‪ ،‬فممإن فيممه الخيممر وإن لممم تنشممرح‬
‫نفسه ( قال‪ ) :‬وليس في الحديث انشراح النفس( )‪.(4‬‬
‫وينبغي على المستخير أن يجرد نفسه من الهمموى‪ ،‬فل يتبممع هممواه‬
‫وما تميل إليه نفسه‪ ،‬بل يخلع ذلك كله ثم يسممتخير ويتوكممل علممى‬
‫الله سبحانه‪.‬‬

‫يعني‪ :‬عند طلوع الشمس وعند غروبها‪.‬‬ ‫‪()1‬‬


‫مجموع فتاوى شيخ السلم )‪.(215 ،214 – 213 ،23/210‬‬ ‫‪()2‬‬
‫الفتح )‪.(11/223‬‬ ‫‪()3‬‬
‫طبقات الشافعية الكبرى )‪.(9/206‬‬ ‫‪( )4‬‬
‫كشمممممممممممف السمممممممممممتارة عمممممممممممن صممممممممممملة السمممممممممممتخارة‬
‫‪24‬‬

‫قال القرطبي المالكي – رحمه الله ‪ ) :-‬قال العلماء‪ :‬وينبغممي لممه‬


‫أن يفرغ قلبه من جميع الخواطر حتى ل يكون مائل ً إلى أمممر مممن‬
‫المور( )‪.(1‬‬
‫وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله ‪) :-‬والمعتمد أنه ل يفعممل ممما‬
‫ينشرح به صدره مما له فيه هوى قوي قبل الستخارة( )‪.(2‬‬
‫المسممألة الثالثممة عشممرة‪ :‬هممل يصممح الفصممل بيممن الصمملة ودعمماء‬
‫الستخارة؟‬
‫والمراد بالمسألة أن من صلى صمملة السممتخارة ثممم فصممل بينهمما‬
‫وبين الدعاء بفاصل قليل )‪ .(3‬أو ذكممر اللممه وحمممده قبممل الشممروع‬
‫في الدعاء فهل جائز وتصح به الستخارة أم ل؟‬
‫أهل العلم قالوا‪ :‬إن كان الفاصل قليل ً ولم يطل ل يضر ذلك‪ ،‬كما‬
‫أن الفصل بين الصلة والدعاء بحمممد اللممه والثنمماء عليممه والصمملة‬
‫على رسول الله ‪ ‬ل إشكال فيه‪ ،‬أيضا ً لنه دعمماء والممدعاء يفتممح‬
‫بحمد الله والثناء عليه قبل الشروع فيه قال محي الممدين النممووي‬
‫– رحمممه اللممه‪ ) :-‬ويسممتحب افتتمماح الممدعاء المممذكور )‪ (4‬وختمممه‬
‫بالحمد لله والصلة والتسليم على رسول الله ‪.(5) ( ‬‬
‫وقال بدر الدين العيني رحمه الله مبينا ً قممول النممبي ‪ ‬فممي دعمماء‬
‫الستخارة‪ ) :‬ثم ليقل اللهم ‪.(...‬‬
‫قال‪) :‬دليل على أنه ل يضر تأخير دعاء الستخارة عن الصمملة ممما‬
‫لم يطل الفصل( )‪.(6‬‬
‫وقال الشوكاني – رحمه الله ‪) :-‬قوله‪" :‬ثم ليقل" فيه أنه ل يضممر‬
‫تأخير دعاء الستخارة عن الصلة ما لم يطل الفصل‪ ،‬وأنه ل يضر‬
‫الفصل بكلم آخر يسير خصوصا ً إن كان من آداب الدعاء لنه أتى‬
‫بثم المقتضية للتراخي( )‪.(7‬‬
‫المسألة الرابعة عشرة‪ :‬ما حكم تكرار صلة الستخارة؟‬
‫قد يستخير المسلم ربه في أمر ما‪ ،‬ثم يشعر أن المور لم تنجممل‬
‫جيدًا‪ ،‬ولم تتضح له الصورة ول وجه الخير فيما عزم عليه‪ ،‬فيحتاج‬
‫إلى تكرار وإعادة الستخارة مرة أخرى فهل يشرع له ذلك؟‬
‫الجامع لحكام القرآن )‪.(13/206‬‬ ‫‪()1‬‬
‫الفتح )‪.(11/223‬‬ ‫‪()2‬‬
‫مثل أن يناديه أحد فيرد عليه بقوله‪ :‬لحظة سآتيك بعد قليل‪.‬‬ ‫‪( )3‬‬
‫يعني‪ :‬دعاء صلة الستخارة الذي جاء في حديث جابر رضي الله عنه‪.‬‬ ‫‪()4‬‬
‫الذكار )ص ‪ ،(112‬حاشية ابن عابدين )‪.(2/28‬‬ ‫‪() 5‬‬
‫عمدة القارئ )‪.(7/234‬‬ ‫‪()6‬‬
‫نيل الوطار )‪.(3/89‬‬ ‫‪()7‬‬
‫كشمممممممممممف السمممممممممممتارة عمممممممممممن صممممممممممملة السمممممممممممتخارة‬
‫‪25‬‬

‫قال بدر المدين العينمي – رحمممه اللمه ‪ ) :-‬فمإن قلممت‪ :‬همل يسممتح‬
‫تكرار الستخارة في المر الواحد إذا لم يظهر لممه وجممه الصممواب‬
‫في الفعل أو الترك ما لم ينشرح صممدره لممما يفعممل‪ .‬قلمت‪ :‬بلممى‪،‬‬
‫يستحب تكرار الصلة والدعاء لذلك( )‪.(1‬‬
‫وقال علي القاري – رحمه الله ‪ ) :-‬ويمضممي بعممد السممتخارة لممما‬
‫ينشرح له صدره انشراحا ً خاليا ً عن هوى النفس‪ ،‬فإن لم ينشممرح‬
‫لشيء فالذي يظهر أن يكرر الصلة حتى يظهر له الخير( )‪.(2‬‬
‫وقال الشوكاني )‪ – (3‬رحمه الله ‪ ) :-‬وهل يسممتحب تكممرار الصمملة‬
‫والدعاء؟ قال العراقي‪ :‬الظاهر يستحب( )‪.(4‬‬
‫إذن من أهل العلم من قال إنه يسممتحب فضمل ً عممن الجممواز‪ ،‬مممما‬
‫يؤكد جواز تكرار الستخارة‪ .‬وبجمموز التكممرار – أيضما ً – أي‪ :‬تكممرار‬
‫صلة الستخارة أفتى سماحة الشيخ العلمة عبممد العزيممز بممن بمماز‬
‫رحمه الله تعالى وسماحة الشميخ المحمدث العلممة محممد ناصمر‬
‫الدين اللباني )‪ ،(5‬وقيد التكرار بقيد من لم تطمئن نفسه لصمملته‬
‫الولى(‪.‬‬
‫والدليل على جواز تكرار الستخارة ما يلي‪:‬‬
‫أول ً‪ :‬أن النبي ‪ ‬كان إذا دعا دعا ثلثًا‪ ،‬والستخارة دعاء بصممورة‬
‫مخصوصة فهي صلة ثم دعاء‪ ،‬بمعنى أنها إلى الدعاء أقرب‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬ما أخرجه مسلم في صمحيحه‪ ،‬فمي قصمة غمزو أهمل الشمام‬
‫الكعبة واحتراقها في زمن معاوية‪ ،‬وأراد عبد الله بن الزبير رضي‬
‫الله عنهما أن ينقض بناءها قبممل إصمملحها ثممم يبنيهمما علممى قواعممد‬
‫إبراهيم عليه السلم فقال ابن الزبير‪) :‬يا أيها الناس أشيروا علممي‬
‫في الكعبة‪ :‬أنقضها ثم ابني بناءها‪ ،‬أو أصلح ما وهممي منهمما؟( قممال‬
‫ابن عباس‪ :‬فإني قد فممرق لممي رأي فيهمما‪ ،‬أي أن تصمملح ممما وهممي‬
‫منها‪ ،‬وتدع بيتا ً أسلم الناس عليممه‪ ،‬وأحجممارا ً أسمملم النمماس عليهمما‪،‬‬
‫وبعث عليها النبي ‪ .‬قال ابن الزبيممر‪ ) :‬لممو كممان أحممدكم احممترق‬
‫بيته ما رضي حتى يجده )‪ (6‬فكيف بيت ربكم؟ إني مسممتخير ربممي‬
‫ثلثا ً ثم عازم على أمري ‪.(7) (...‬‬
‫عمدة القارئ )‪.(7/235‬‬ ‫‪()1‬‬
‫ً‬
‫مرقاة المفاتيح )‪ .(3/406‬وبينت آنفا أنه يستخير ويمضي فيها عزم ول ينتظر انشراح الصدر‪.‬‬ ‫‪( )2‬‬
‫هو العلمة القاضي محمد بن علي بن محمد الشوكاني‪ ،‬من علماء اليمن رحمه الله تعالى‪.‬‬ ‫‪( )3‬‬
‫نيل الوطار )‪.(3/89‬‬ ‫‪()4‬‬
‫نقل ترجيحهما عدنان عرعور في كتابه‪ :‬ثلث صلوات مهجورة )ص ‪.(33‬‬ ‫‪( )5‬‬
‫يجده‪ :‬يجدده‪ ،‬انظر شرح مسلم للنووي )‪.(5/105‬‬ ‫‪()6‬‬
‫أخرجه مسلم في الشواهد والمتابعات )‪ (1333/402‬في كتاب الحج‪ ،‬باب‪ :‬نقض الكعبة‪.‬‬ ‫‪()7‬‬
‫كشمممممممممممف السمممممممممممتارة عمممممممممممن صممممممممممملة السمممممممممممتخارة‬
‫‪26‬‬

‫والشاهد من الثر والقصة قول الزبير‪) :‬إني مسممتخير ربممي ثلث مًا(‬
‫فهو دليممل علممى جممواز تكممرار صمملة السممتخارة لنممه قممول وفعممل‬
‫صحابي‪ ،‬فهو حجة إذا لم يعارض بل الدلة العامة فممي مشممروعية‬
‫تكرار الدعاء واللحاح فيه تؤيد هذا العمل‪.‬‬
‫ثالثا ً‪ ) :‬إن صلة الستخارة أشبه ما تكون بصلة الستسقاء مممن‬
‫حيث إنها صلة حاجة‪ ،‬وتشابها ً من حيث ارتبمماط الصمملة بالممدعاء‪،‬‬
‫وهذا النوع من الصلة أشمبه مما يكمون دعماء بصمورة مخصوصمة‪،‬‬
‫فإذا انضم إلى هذا المعنممى اللغمموي للصمملة – وهممو الممدعاء وكممان‬
‫الكثار من الدعاء مطلوبا ً – فل نرى مانعا ً من تكرارها‪.....‬‬
‫ومهما قيل فهي دعاء‪ ،‬والممدعاء يسممتحب تكممراره‪ ،‬واللحمماح فيممه‪،‬‬
‫سواء كان مخصوصا ً أو غير مخصوص( )‪.(1‬‬
‫وأما حديث أنس رضي الله عنه الذي فيه تكممرار السممتخارة سممبع‬
‫مرات فل يصح ول يجوز الحتجاج به على أنهما تكمرر سممبع ممرات‬
‫)‪.(2‬‬
‫المسألة الخامسة عشرة‪ :‬من لم يتمكن من الصلة فهل يجوز له‬
‫أن يقتصر على دعاء الستخارة دون أن يصلي ركعتين قبله؟‬
‫معلوم أن الستخارة تكون بركعتين‪ ،‬ثم الدعاء بعد الصلة‪ ،‬ولكممن‬
‫إن لم يستطع المسلم الصلة فهل يستخير بالممدعاء المموارد فقممط‬
‫دون الصلة؟‬
‫ل‪ ،‬إذا طممرأت لهمما حاجممة وأرادت أن‬ ‫وذلممك كممالمرأة الحممائض مث ً‬
‫تسممتخير فهممي ل تسممتطيع الصمملة‪ ،‬فهممل يشممرع لهمما السممتخارة‬
‫بالدعاء فقط؟‬

‫‪ ()1‬ثلث صلوات مهجورة )ص ‪ (33-32‬عدنان عرعور‪ ،‬وأثر ابن الزبير استفدته من كتابه‪.‬‬
‫‪ ()2‬وهو حديث ضعيف جدًا‪ ،‬وأشبه بالموضوع‪ ،‬أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة )ص‬
‫‪ .(598) (282-281‬من طريق‪ :‬إبراهيم بن البراء بن النضر بن أنس بن مالك حدثنا أبي عن أبيه‬
‫عن جده قال‪ :‬قال رسول الله ‪ ) :‬يا أنس إذا هممت بأمر فاستخر ربك فيه سبع مرات‪ ،‬ثم‬
‫انظر إلى الذي يسبق إلى قلبك فإن الخير فيه(‪.‬‬
‫وآفة هذا الحديث إبراهيم بن البراء بن النضر بن أنس بن مالك‪.‬‬
‫قال عنه ابن حبان في كتاب المجروحين )‪) :(1/118‬شيخ كان يدور بالشام ويحدث عن الثقات‬
‫بالشياء الموضوعة وعن الضعفاء والمجاهيل بالشياء المناكير ل يجوز ذكره في الكتب إل على‬
‫سبيل القدح فيه(‪.‬‬
‫وقال عنه العقيلي‪ ) :‬يحدث عن الثقات بالبواطيل(‪.‬‬
‫وقال ابن عدي‪) :‬ضعيف جدا ً حدث بالبواطيل‪ ،‬ومن اعتبر حديثه علم أنه ضعيف جدا ً وهو متروك‬
‫الحديث(‪.‬‬
‫انظر الكامل لبن عدي )‪ ،(412 – 1/411‬الميزان للذهبي )‪.(1/139‬‬
‫والحديث قال عنه النووي في الذكار )ص ‪ ) :(113‬إسناده غريب فيه من ل أعرفهم(‪.‬‬
‫وقال الحافظ عن هذا الحديث في الفتح )‪) :(11/223‬سنده واه جدًا(‪.‬‬
‫كشمممممممممممف السمممممممممممتارة عمممممممممممن صممممممممممملة السمممممممممممتخارة‬
‫‪27‬‬

‫الجواب‪ :‬نعم تجوز الستخارة بالدعاء دون الصلة لمن ل يمكنممه‬


‫الصلة‪ ،‬وهو مذهب الحنفيممة والمالكيمة والشمافعية‪ ،‬حيممث أجمازوا‬
‫السممتخارة بالممدعاء فقممط مممن غيممر صمملة إذا تعممذرت السممتخارة‬
‫بالصلة والدعاء معا ً)‪.(1‬‬
‫قال محي الدين النووي رحمممه اللممه تعممالى‪ " :‬ولممو تعممذرت عليممه‬
‫الصلة استخار بالدعاء")‪.(2‬‬
‫المسألة السادسة عشرة‪ :‬ما الحكمممة مممن تقممديم صمملة ركعممتين‬
‫على دعاء الستخارة؟‬
‫إن الله سبحانه وتعالى موصوف بالحكمة‪ ،‬وديننمما السمملمي ديممن‬
‫حكمة وتدبر‪ .‬وقد يحاول النسان التوصل إلى شمميء مممن الحكممم‬
‫التي في النصوص الشرعية‪ ،‬فيعرف حكمة التشريع فيزداد إيمانا ً‬
‫وثباتًا‪ ،‬وإن لم تظهر لنا الحكمة قلنا‪ .‬سمعنا وأطعنا‪.‬‬
‫ودعاء الستخارة مسبوق بصلة ركعتين‪ ،‬فحاول بعض أهل العلممم‬
‫معرفة الحكمة من ذلك‪.‬‬
‫فقممالوا‪ :‬إن الهممدف مممن السممتخارة أن يجمممع بيممن خيممري الممدنيا‬
‫والخممرة‪ ،‬وأن يبعممد اللمه عنممه شممر ممما يريممد القممدام عليممه‪ ،‬فهممذا‬
‫الطلب نوع دعاء يحتمماج إلممى مقدمممة فيهمما ذل وخشمموع ومناجمماة‬
‫واعتراف يقرع بها باب الملك قبممل الشممروع فممي الطلممب وليممس‬
‫أفضل وأنجح لذلك من الصلة‪.‬‬
‫قال الحافظ ابممن حجممر‪ " :‬قممال ابممن أبممي جمممرة‪ " :‬الحكمممة فممي‬
‫تقديم الصلة على الممدعاء أن المممراد بالسممتخارة حصممول الجمممع‬
‫بين خيري الدنيا والخرة فيحتاج إلى قرع بمماب الملممك‪ ،‬ول شمميء‬
‫لذلك أنجح مممن الصمملة لممما فيهمما مممن تعظيممم اللممه والثنمماء عليممه‬
‫ل" ")‪.(3‬‬‫والفتقار إليه مآل ً وحا ً‬
‫وقال العلمة ابن الحاج المالكي – رحمه الله ‪ " :-‬ثم انظر رحمنا‬
‫الله وإياك إلى حكمة أمممره عليممه الصمملة والسمملم المكلممف بممأن‬
‫يركع ركعتين من غير الفريضة‪ ،‬وما ذاك إل لن صاحب الستخارة‬
‫يريد أن يطلب من الله قضاء حاجته‪.‬‬
‫وقد قضت الحكمة أن من الدب قرع باب من تريد حاجتممك منممه‪،‬‬
‫وقرع بمماب المممولى سممبحانه وتعممالى إنممما هممو بالصمملة‪ ،...‬ولنهمما‬

‫‪ ()1‬الموسوعة الفقهية الكويتية )‪.(3/243‬‬


‫‪ ()2‬الذكار )ص ‪ ،(112‬حاشية ابن عابدين ) ‪.(2/28‬‬
‫‪ ()3‬فتح الباري )‪.(11/222‬‬
‫كشمممممممممممف السمممممممممممتارة عمممممممممممن صممممممممممملة السمممممممممممتخارة‬
‫‪28‬‬

‫جمعت بين آداب جملة )‪ (1‬فمنها خروجه عن الدنيا كلهمما وأحوالهمما‬


‫بإحرامه بالصلة‪ ،‬أل ترى إلى الشارة برفممع اليممدين عنممد الحممرام‬
‫إلى أنه خلف الدنيا وراء ظهره‪ ،‬وأقبل على موله ينمماجيه‪ ،‬ثممم ممما‬
‫فيها من الخضوع والندم والتذلل بين يدي المولى الكريم بالركوع‬
‫والسجود؟ إلى غير ذلك مما احتمموت عليممه مممن المعمماني الجليلممة‬
‫ليس هذا موضع ذكرها‪.‬‬
‫فلما أن فرغ من تحصيل هذه الفضائل الجمة حينئذ أمره صمماحب‬
‫الشرع عليه الصلة والسلم بالدعاء")‪.(2‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫الجمع بين الستخارة والستشارة‬
‫وبيان خصال من يلجأ إليه للمشورة‬
‫‪ ()1‬هكذا في المطبوع عندي ولعله تصحيف والصواب جمة‪.‬‬
‫‪ ()2‬المدخل )‪ (39 – 4/38‬بتصرف يسير‪.‬‬
‫كشمممممممممممف السمممممممممممتارة عمممممممممممن صممممممممممملة السمممممممممممتخارة‬
‫‪29‬‬

‫إن الله سمبحانه بكرمممه وحكمتمه امتممن علمى بعمض عبماده بعقممل‬
‫راجح‪ ،‬ونظر ثاقب وحكمة بليغة‪ ،‬وتجارب في الحياة كبيرة‪ ،‬وذلك‬
‫فضل الله يؤتيه من يشاء‪ ،‬لذا كان السعد للمسمملم أنممه إذا اختممار‬
‫ربممه فممي أمممر ممما‪ ،‬استشممار ذوي العقممول الناصممحة فممالجمع بيممن‬
‫الستخارة والستشارة من كمال الحكمة والفهم والسلمة‪.‬‬
‫ومن أحسن ما قيل‪:‬‬
‫يوممما ً وإن كنممت مممن أهممل‬ ‫شمماور سممواك إذا نابتممك‬
‫المشممممممممممممممممممممممورات‬ ‫نائبمممممممممممممممممممممممممممممة‬
‫ول ترى نفسها إل بمرآة ‪.‬‬
‫)‪(1‬‬
‫فالعين تلقممى كفاح ما ً مممن‬
‫نممممممممممممأى ودنمممممممممممما‬
‫وقال ابن الحجاج المالكي – رحمه الله‪ " :-‬والجمع بين الستخارة‬
‫والستشممارة مممن كمممال المتثممال للسممنة‪ ،‬فينبغممي للمكلممف أن ل‬
‫يقتصممر علممى إحممداهما‪ ،‬فممإن كممان ولبممد مممن القتصممار فعلممى‬
‫الستخارة لما تقدم من قول الراوي‪) :‬كان رسول الله ‪ ‬يعلمنمما‬
‫السممتخارة فممي المممور كلهمما ممما يعلمنمما السممورة مممن القممرآن(‪.‬‬
‫والستخارة والستشارة بركنهما ظاهرة بينة لما تقدم ذكممره مممن‬
‫المثمال للسمنة والخمروج عمما يقمع فمي النفموس ممن الهمواجس‬
‫والوساوس وهي كثيرة متعددة‪.‬‬
‫وقال بعض السلف‪ ) :‬من حممق العاقممل أن يضمميف إلممى رأيممه آراء‬
‫العلماء ويجمع إلى عقله عقول الحكماء‪ ،‬فممالرأي الفممذ ربممما زل‪،‬‬
‫والعقل الفرد ربما ضل( )‪.(2‬‬
‫وقال أبو الحسن المارودي الشافعي – رحمه الله ‪) :-‬ومن الحزم‬
‫لكممل ذي لمب أن ل يمبرم أممرا ً ول يمضمي عزمما ً إل بمشممورة ذي‬
‫الممرأي الناصممح ومطالعممة ذي العقممل الراجممح؛ فممإن اللممه أمممر‬
‫بالمشورة نبيه ‪ ‬مع ما تكفل به من إرشاده وعونه وتأييده فقال‬
‫َ‬
‫مرِ ﴾ ( )‪.(3‬‬‫م ِفي اْل ْ‬ ‫تعالى‪ ﴿ :‬وَ َ‬
‫شاوِْرهُ ْ‬
‫وقال النووي – رحمه الله‪ ) :-‬يستحب أن يستشير قبل الستخارة‬
‫مممن يعلممم مممن حمماله النصمميحة والشممفقة‪ ،‬والخممبرة‪ ،‬ويثممق بممدينه‬
‫ومعرفته‪ ...‬وإذا استشممار وظهممر أنممه مصمملحة‪ ،‬اسممتخار اللممه فممي‬

‫‪ ()1‬انظر كشف الخفا للعجلوني )‪.(186 – 2/185‬‬


‫‪ ()2‬المدخل )‪ (41 – 4/40‬بتصرف يسير‪.‬‬
‫‪ ()3‬نقله ابن الحاج في المدخل )‪.(4/41‬‬
‫كشمممممممممممف السمممممممممممتارة عمممممممممممن صممممممممممملة السمممممممممممتخارة‬
‫‪30‬‬

‫ذلممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممك(‬
‫)‪.(1‬‬
‫وقممال ابممن حجممر الهيثمممي‪ ) :‬حممتى عنممد التعممارض – ) أي تقممدم‬
‫الستشارة( – لن الطمأنينة إلى قول المستشار أقوى منهمما إلممى‬
‫النفس لغلبة حظوظها وفساد خواطرها‪.‬‬
‫وأما لو كانت نفسه مطمئنة صادقة إرادتها متغلبة عممن حظوظهمما‬
‫قدم الستخارة( )‪ .(2‬اهم‪.‬‬
‫وقممال شمميخ السمملم‪) :‬ممما نممدم مممن اسممتخار الخممالق‪ ،‬وشمماور‬
‫المخلوقين‪ ،‬وتثبت في أمره(‪.‬‬
‫ل عَل َممى الل ّم ِ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫ت فَت َوَك ّم ْ‬
‫م َ‬
‫ذا عََز ْ‬ ‫م ِفي اْل ْ‬
‫مرِ فَإ ِ َ‬ ‫وقال تعالى‪ ﴿ :‬وَ َ‬
‫شاوِْرهُ ْ‬
‫﴾ )آل عمران‪ :‬من الية ‪.(3) (159‬‬
‫وقال قتادة‪ ) :‬ما تشاور قوم يبتغون وجه الله إل هدوا إلى أرشممد‬
‫أمرهم( )‪.(4‬‬
‫* خصال من ُيستشار‪:‬‬
‫فإذا علمت أهمية الستشارة فالعم أن من يستشار وتطلممب منممه‬
‫المشورة له خصممال وصممفات حميممدة‪ ،‬ذكرهمما بعممض أهممل العلممم‪،‬‬
‫فرأيت نقلها إتماما ً للفائدة‪ ،‬وليعلم المسلم على من يطرح أمره‪،‬‬
‫ولمن يفشي سره‪.‬‬
‫قال ابن الحاج المالكي رحمه الله فممي هممذا الصممدد‪ ) :‬فممإذا عممزم‬
‫على المشممورة ارتمماد لهمما مممن أهلهمما مممن اسممتكملت فيممه خمممس‬
‫خصال‪:‬‬
‫إحداهن‪ :‬عقل كامل مع تجربة سابقة‪ ،‬فإن بكثرة التجارب تصممح‬
‫الروية‪ ،‬وقال عبممد اللمه بمن الحسممن لبنمه محمممد‪ :‬احمذر مشممورة‬
‫الجاهل وإن كان ناصحا ً كما تحممذر عممداوة العاقممل إن كممان عممدوًا‪،‬‬
‫فممإنه يوشممك أن يورطممك بمشممورته فيسممبق إليممك مكممر العاقممل‬
‫وتوريط الجاهل‪.‬‬
‫وكان يقال‪ :‬إياك ومشمماورة رجليممن‪ :‬شمماب معجممب بنفسممه قليممل‬
‫التجارب في غرة‪ ،‬وكبير قد أخذ الممدهر مممن عقلممه كممما أخممذ مممن‬
‫جسمه‪ ،‬وقيل في منثور الحكممم‪ :‬كممل شمميء محتمماج إلممى العقممل‪،‬‬
‫والعقل محتاج إلى التجارب‪.‬‬
‫الموسوعة الكويتية )‪.(3/243‬‬ ‫‪() 1‬‬
‫الموسوعة الكويتية )‪.(3/243‬‬ ‫‪() 2‬‬
‫الوابل الصيب )ص ‪.(247‬‬ ‫‪()3‬‬
‫المصدر السابق‪.‬‬ ‫‪()4‬‬
‫كشمممممممممممف السمممممممممممتارة عمممممممممممن صممممممممممملة السمممممممممممتخارة‬
‫‪31‬‬

‫وقال الشاعر‪:‬‬
‫ولكممن تمممام العقممل طممول‬ ‫ألممم تممر أن العقممل زيممن‬
‫التجممممممممممممممممممممممممممارب‬ ‫لهلممممممممممممممممممممممممممممه‬
‫والخصلة الثانية‪ :‬أن يكون ذا ديمن وتقمى فمإن ذلمك عمماد كمل‬
‫صلح وباب كل نجاح‪ ،‬ومن غلب عليه الدين فهو مأمون السريرة‬
‫موفق العزيمة‪.‬‬
‫والخصلة الثالثة‪ :‬أن يكون ناصممحا ً ودودا ً فممإن النصممح والمممودة‬
‫يصدقان الفكرة ويمحصان الرأي‪.‬‬
‫وقال بعض الحكماء‪ :‬ل تشاور إل الحممازم غيممر الحسممود‪ ،‬واللممبيب‬
‫غير الحقود‪ ،‬وإياك ومشمماورة النسمماء فممإن رأيهممم إلممى الفممن )‪،(1‬‬
‫وعزمهن إلى الوهن‪.‬‬
‫وقال بعض الدباء‪ :‬مشورة المشفق الحازم ظفر‪ ،‬ومشممورة غيممر‬
‫الحازم خطر‪.‬‬
‫وقال بعض الشعراء‪:‬‬
‫واسكن إلى ناصح تشمماوره‬ ‫أضممممف ضممممميرا ً لمممممن‬
‫بممما يممؤدي إليممك ظمماهره‬ ‫تشممممممممممممممممممممممممماوره‬
‫وارض ممممن الممممرء فمممي‬
‫ممممممممممممممممممممممممممممودته‬
‫والخصلة الرابعة‪ :‬أن يكون سليم الفكممر مممن هممم قمماطع وغممم‬
‫شاغل‪ .‬فإن من عارضت فكرته شوائب الهموم لم يسلم لممه رأي‬
‫ولم يستقم له خاطر‪ .‬وقد قيل فمي منثمور الحكممم‪ :‬بممترداد الفكمر‬
‫ينجاب لك العكر‪.‬‬
‫والخصلة الخامسة‪ :‬أن ل يكون لممه فممي المممر المستشممار فيممه‬
‫غرض يتابعه ول هوى يساعده‪ ،‬فإن الغراض جاذبة‪ ،‬والهوى صاد‪،‬‬
‫والرأي إذا عارضه الهوى وجاذبته الغراض فسد‪.‬‬
‫وقال الفضل بن العباس‪:‬‬
‫ويردي الهوى ذا الرأي وهو‬ ‫وقد تحكم اليام من كممان‬
‫لممممممممممممممممممممممممممممممبيب‬ ‫جمممممممممممممممممممممممممممماهل ً‬

‫‪ ()1‬الفن‪ :‬بالفتح ضعف الرأي‪ ،‬حاشية المدخل )‪.(4/43‬‬


‫وهذا الكلم ليس على إطلقه بل ينطبق على بعض النساء فقط‪ .‬فكم من نساء مؤمنات‬
‫مشورتهن فلح‪ ،‬وأكبر دليل على ذلك خديجة رضي الله عنها‪ ،‬وقصة النبي ‪ ‬مع أم سلمة حين‬
‫أشارت عليه بحلق رأسه في قصة الحديبية‪.‬‬
‫كشمممممممممممف السمممممممممممتارة عمممممممممممن صممممممممممملة السمممممممممممتخارة‬
‫‪32‬‬

‫ويعذل فممي الحسممان وهممو‬ ‫ويحمممد فممي المممر الفممتى‬


‫مصمممممممممممممممممممممممممممميب‬ ‫وهممممممممممو مخطممممممممممئ‬
‫فممإذا اسممتكملت هممذه الخصممال الخمممس فممي رجممل كممان أهل ً‬
‫للمشورة‪ ،‬ومعدنا ً للرأي فل تعدل عن استشارته اعتمادا ً على ممما‬
‫توهمه من فضل رأيك وثقة بما تستشعره من صحة رويتممك‪ ،‬فممإن‬
‫رأي غير ذي الحاجممة أسمملم‪ ،‬وهممو مممن الصممواب أقممرب؛ لخلمموص‬
‫الفكر وخلو الخاطر مع عدم الهوى وارتفاع الشهوة )‪.(1‬‬
‫وقال بعض الحكممماء‪ " :‬النمماس ثلثممة‪ :‬فواحممد كالغممذاء ل يسممتغنى‬
‫عنه‪ ،‬وواحد كالدواء يحتاج إليه في بعض الوقات‪ ،‬وواحد كالداء ل‬
‫يحتاج إليه أبدًا" )‪.(2‬‬

‫ونقل الخطيب في تلخيص المتشممابه عممن قتممادة قممال‪ " :‬الرجممال‬


‫ثلثة‪ :‬رجل‪ ،‬ونصف رجل‪ ،‬ول شيء‪ .‬فأما الذي هو رجل فرجل له‬
‫عقل ورأي يعمل به وهو يشاور‪ ،‬وأما الذي هو نصف رجل؛ فرجل‬
‫له عقل ورأي يعمل به وهممو ل يشمماور‪ ،‬وأممما الممذي هممو ل شمميء‪:‬‬
‫فرجل له عقل وليس له رأي يعمل به وهو ل يشاور" )‪.(3‬‬
‫* الممذي يممترك السممتخارة والستشممارة يخمماف عليممه مممن الخطممأ‬
‫والتعب‪:‬‬
‫فممإذا علمممت أهميممة السممتخارة وبركتهمما وضممرورة الستشممارة‬
‫والستعانة بآراء الرجال فإن الذي يدعهما يخاف عليه من الخطممأ‬
‫ومجانبة الصواب والزلل في متاعب ل طاقة له بهمما‪ ،‬ومصممائب ل‬
‫حل لها‪.‬‬
‫قال ابن الحاج المالكي – رحمممه اللممه ‪ " :-‬فمممن تممرك السممتخارة‬
‫والستشارة يخاف عليه من التعب فيما أخذ بسمبيله لممدخوله فممي‬
‫الشياء بنفسه دون المتثال للسممنة المطهممرة‪ ،‬وممما أحكمتممه فممي‬
‫ذلك‪ ،‬إذ أنها ل تستعمل في شيء إل عمته البركات‪ ،‬ول تترك من‬
‫شيء إل حصل فيه ضد ذلك‪ ،‬نسأل الله السلمة بمنه " )‪ .(4‬اهم‪.‬‬

‫المدخل )‪ (43 – 4/42‬بتصرف يسير‪.‬‬ ‫‪()1‬‬


‫انظر كشف الخفاء للعجلوني )‪.(2/186‬‬ ‫‪()2‬‬
‫المدخل )‪.(2/43‬‬ ‫‪()3‬‬
‫المدخل )‪.(2/43‬‬ ‫‪()4‬‬
‫كشمممممممممممف السمممممممممممتارة عمممممممممممن صممممممممممملة السمممممممممممتخارة‬
‫‪33‬‬

‫المبحث الثالث‬
‫بيان وذكر الستخارات المبتدعة‬
‫مع أن دعاء صلة الستخارة نطق به خير البشممر بمموحي مممن رب‬
‫البشر والعالم بأحوالهم وما يصلحهم‪ ،‬ومع أن ألفاظ حديثه مانعممة‬
‫جامعة‪ ،‬مع ذلك اختار بعض الناس استخارة لنفسه مبتدعة بعيممدة‬
‫كل البعد عممن الصممحة والصمواب‪ ،‬فحمرم نفسمه الخيممر‪ ،‬بممل ربممما‬
‫أوقعها في الشرك والخرافة‪.‬‬
‫قال العلمة أبو عبد اللممه محمممد العبممدري الشممهير بممابن الحمماج –‬
‫رحمه الله ‪ " :-‬وليحذر مما يفعله بعض الناس ممن ل علممم عنممده‬
‫أو عنده علم وليس عنممده معرفممة بحكمممة الشممرع الشممريف فممي‬
‫ألفاظه الجامعة للسممرار العليممة؛ لن بعضممهم يختممارون لنفسممهم‬
‫استخارة غير الستخارة المتقدمة الممذكر‪ ،‬وهممذا فيمه ممما فيممه ممن‬
‫اختيار المرء لنفسه غير ما اختار له من هو أرحم به وأشفق عليه‬
‫من نفسه ووالديه‪ ،‬العالم بمصالح المور المرشد لممما فيممه الخيممر‬
‫والنجمممممماح والفلح صمممممملوات اللممممممه عليممممممه وسمممممملمه"‬
‫)‪.(1‬‬
‫ومن تلك الستخارات المبتدعة المصنوعة‪:‬‬
‫‪ -1‬اشتراط الرؤية المنامية‪ " :‬كممأن يشممترط فيهمما‪ :‬أن يممرى‬
‫المستخير في منامه ما نواه‪ ،‬أو يرى خضرة أو بياضما ً إن كمان ممما‬
‫يقصده خيرًا‪ ،‬ويمرى حممرة أو سموادا ً إن كمان ممما يقصممده ل خيممر‬
‫فيه")‪.(2‬‬
‫قممال ابممن الحمماج المممالكي – رحمممه اللممه ‪ " : -‬وبعضممهم يسممتخير‬
‫الستخارة الشرعية ويتوقف بعدها حتى يرى مناما ً يفهم منه فعل‬
‫ما استخار فيه أو تركه‪ ،‬أو يراه غيره له‪ .‬وهممذا ليممس بشمميء؛ لن‬

‫‪ ()1‬المدخل )‪.(4/37‬‬
‫‪ ()2‬القول المبين في أخطاء المصلين )ص ‪ (409‬مشهور حسن‪.‬‬
‫كشمممممممممممف السمممممممممممتارة عمممممممممممن صممممممممممملة السمممممممممممتخارة‬
‫‪34‬‬

‫صاحب العصمة ‪ ‬قد أمر بالستخارة والستشارة ل بما يرى في‬


‫المنام ")‪.(3‬‬
‫‪ -2‬استخارة السبحة‪ :‬وصممورتها‪ " :‬أن يأخممذ الشممخص مسممبحة‬
‫فيتمتم عليها بحاجته‪ ،‬ثم يحصر بعممض حباتهمما بيممن يممديه‪ ،‬ويعممدها‪،‬‬
‫فإن كانت فردية عدل عما نواه‪ ،‬وإن كانت زوجية‪ ،‬اعتبر ممما نممواه‬
‫خيرا ً وسار فيه"‪.‬‬
‫‪ -3‬استخارة الفنجــان‪ " :‬يعملهمما عممادة غيممر صمماحب الحاجممة‪،‬‬
‫ويقوم بعلمها رجل أو امرأة‪ ،‬وطريقتها‪ ،‬أن يشرب صاحب الحاجة‬
‫القهمموة المقدمممة إليممه‪ ،‬ثممم يكفممئ الفنجممان‪ ،‬وبعممد قليممل‪ ،‬يقممدمه‬
‫لقارئه‪ ،‬فينظر فيه‪ ] ،‬بعد أن أحمدثت فضمملت القهموة بمه رسموما ً‬
‫وأشكال ً مختلفة‪ ،‬شأنها في ذلك شأن كل راسب فممي أي إنمماء إذا‬
‫انكفأ [‪ ،‬فيتخيل ما يريد‪ ،‬ثم يأخذ في سرد حكايات كثيرة لصاحب‬
‫الحاجمممة‪ ،‬فل يقممموم ممممن عنمممده إل وقمممد امتلت رأسمممه بهمممذه‬
‫السطورة"‪.‬‬
‫‪ -4‬استخارة المندل‪ " :‬وطريقتها‪ :‬أن يوضممع الفنجممان مملمموءا ً‬
‫ماء علممى كممف شممخص مخصمموص فممي كفممه تقمماطيع مخصوصممة‪،‬‬
‫ويكون ذلك في يوم معلوم ممن أيمام السمبوع‪ ،‬ثمم يأخمذ صماحب‬
‫المندل )العراف( في التعزيم والهمهمة بكلم غير مفهوم وينممادي‬
‫بعض الجن ليأتوا بالمتهم السارق"‪.‬‬
‫‪ -5‬اســتخارة الرمــل‪ " :‬وطريقتهمما أن يخطممط الشممخص فممي‬
‫الرمل خطوطا ً متقطعة ثم يجري بعدها طريقة حسممابية معروفممة‬
‫لديهم‪ ،‬فينتهي منها إلى استخراج برج الشخص فيكشف عنه فممي‬
‫كتمماب استحضممره لهممذا الغممرض‪ ،‬فيسممرد عليممه حيمماته الماضممية‬
‫والمستقبلية بزعمه‪ ،‬وهذا الكلم بعينه الذي قيل له‪ ،‬يقممال لغيممره‬
‫ما دام برجاهما قد اتفقا"‪.‬‬
‫‪ -6‬استخارة الكف‪ " :‬ل تخرج عما مضى‪ ،‬فيعمل قممارئ الكممف‬
‫مستعمل ً قوة فراسته مستعينا ً – بزعمه – باختلط خطوط بمماطن‬
‫الكف على سرد حياة الشخص المستقبلية")‪.(1‬‬
‫وهذا يدخل في الكهانة والتنجيم والعرافة المنهممي عنهمما‪ ،‬وسمميأتي‬
‫بيان ذلك‪.‬‬

‫‪ ()3‬المدخل )‪.(4/37‬‬
‫‪ ()1‬انظر ما سبق نقله من الرقم واحد إلى ستة في كتاب القول المبين )ص ‪ (410– 409‬قال‬
‫الشيخ مشهور‪.‬‬
‫كشمممممممممممف السمممممممممممتارة عمممممممممممن صممممممممممملة السمممممممممممتخارة‬
‫‪35‬‬

‫‪ -7‬استخارة المصحف‪ :‬وصورتها أن يفتح المستخير المصحف‬


‫مباشرة دون تخير أو انتقاء ثم ينظر ما نوع الية التي فتح عليهمما‪،‬‬
‫فإن كانت آية رحمة ونعمة استمر فيما عممزم ومضممى‪ ،‬وإن كممانت‬
‫آية عذاب أو نقمة أو نار ترك وأحجم عما نواه‪.‬‬
‫‪ -8‬استخارة الورق‪ :‬وهممي لعبممة الممورق وتسمممى " البلمموت أو‬
‫الكوتشينة" فهي أيضا ً من المبتدعات‪.‬‬
‫‪ -9‬الســتخارة المعتمــدة علــى اســم الــداخل‪ :‬وطريقتهمما‬
‫انتظار من يدخل ليشتق مممن اسمممه الفعممل أو الممترك‪ ،‬فممإن كممان‬
‫الداخل حسن السم فعل ما أراد ونممواه‪ ،‬وإن كممان فيممه شممدة أو‬
‫غلظة كحرب أو جمر ترك ولم يقدم على ما نوى )‪.(1‬‬
‫‪ -10‬الستخارة بواسطة البراج‪ :‬وقد انتشرت هذه الطريقة‬
‫في آخر الزمان‪ ،‬لن هذه البراج تعرض علممى صممفحات الجممرائد‪،‬‬
‫ويقوم كل شخص بمعرفة برجه ويومه الذي ولممد فيممه‪ ،‬ثممم ينظممر‬
‫ل‪ :‬ستواجه مشاكل وحوادث وصعوبات‪،‬‬ ‫ماذا مكتوب فيه‪ ،‬فيجد مث ً‬
‫ل تفعل كذا أو ل تسممافر‪ ،‬وهكممذا إلممى غيممر ذلممك مممن المحرمممات‬
‫والخرافات التي تتعلق بالكهانة والتنجيم‪ ،‬وإلى الله المشتكى‪.‬‬
‫قال ابن الحاج المممالكي – رحمممه اللممه ‪ " :-‬ومممن النمماس مممن هممو‬
‫أسوأ حال ً من هذا‪ ،‬وهو ما يفعله بعضممهم مممن الرجمموع إلممى قممول‬
‫المنجميممن والنظممر فممي النجمموم‪ ،‬إلممى غيممر ذلممك مممما يتعاطمماه‬
‫بعضهم")‪.(2‬‬
‫فالذي يفعل ما ذكر من الستخارات المبتدعممة ويممترك مما شمرعه‬
‫الله على لسان رسوله ‪ ‬لشك أنه محممروم‪ ،‬حممرم نفسممه بركممة‬
‫هذا الدعاء‪ ،‬وحممرم نفسممه التوفيممق ودفممع الضممر الممذي يلحممق بمه‪،‬‬
‫ولشك في بطلن هذا الصنيع‪.‬‬
‫قال ابن الحاج رحمه الله مبينا ً فساد رأي من جنح إلى الستخارة‬
‫المبتدعة‪ " :‬فمن فعل شيئا ً مما ذكره أو غيره‪ ،‬وتممرك السممتخارة‬
‫الشرعية فلشك في فساد رأيه‪ ،‬ولو لم يكن فيه من القبح إل أنه‬
‫من قلة الدب مع صاحب الشرع صلوات الله عليه وسمملمه؛ لنممه‬
‫عليه الصلة والسلم اختار للمكلف ممما جمممع لممه فيممه بيممن خيممري‬
‫الدنيا والخرة بلفمظ يسمير وجيمز‪ ،‬واختمار همو لنفسمه غيمر ذلمك‪،‬‬

‫‪ ()1‬انظر الستخارات المبتدعة أيضا ً في‪ :‬المدخل )‪ .(38 – 4/37‬الفتح الرباني للساعاتي )‪(5/25‬‬
‫القول المبين )ص ‪ (410 – 409‬للشيخ مشهور‪.‬‬
‫‪ ()2‬المدخل )‪.(4/37‬‬
‫كشمممممممممممف السمممممممممممتارة عمممممممممممن صممممممممممملة السمممممممممممتخارة‬
‫‪36‬‬

‫فالمختار في الحقيقة إنما هو ما اختاره المختار صلوات الله عليه‬


‫وسلمه‪.‬‬
‫فعلى هذا ل يشك ول يرتاب في أن مممن عممدل عممن تلممك اللفمماظ‬
‫المباركممة إلممى غيرهمما فنممه يخمماف عليممه مممن التممأديب أن يقممع بممه‬
‫وأنواعه مختلفة إما عاجل ً وإما آجل ً في نفسه أو ولده أو ماله إلى‬
‫غير ذلك")‪.(1‬‬
‫والستخارة المبتدعة مردودة‪ ،‬غيممر مقبولممة‪ ،‬لحممديث النممبي ‪" :‬‬
‫مممن عمممل عمل ً ليممس عليممه أمرنمما فهممو رد" )‪ .(2‬أي مممردود علممى‬
‫صاحبه‪ ،‬وهذا كل بدعة‪ ،‬ول يكون فيها خير‪ ،‬لن كل بدعممة ضممللة‪،‬‬
‫والعجب كيف استبدل الناس الذي هو أدنى بالذي هو خير‪.‬‬
‫قممال ابممن الحمماج المممالكي – رحمممه اللممه ‪ "] :-‬ول يضمميف إلممى‬
‫الستخارة الشرعية غيرها؛ لن ذلك بدعة‪ ،‬ويخشى من أن البدعة‬
‫إذا دخلت في شيء ل ينجح أو ل يتم؛ لن صاحب الشرع ‪ ‬إنممما‬
‫أمر بالستخارة والستشارة )‪ (3‬فقط فينبغي له أن ل يزاد عليهممما‬
‫ول يعرج على غيرهما‪ ،‬فيا سبحان اللممه‪ ،‬صمماحب الشممرع صمملوات‬
‫الله وسلمه عليه اختممار لنمما ألفاظما ً منقمماة جامعممة لخيممري الممدنيا‬
‫والخممرة‪ ،‬حممتى قممال الممراوي للحممديث فممي صممفتها علممى سممبيل‬
‫التخصيص والحممض علممى التمسممك بألفاظهمما وعممدم العممدول إلممى‬
‫غيرها‪ " :‬كان رسول الله ‪ ‬يعلمنا الستخارة في المور كلها كما‬
‫يعلمنا السورة من القممرآن" والقممرآن قممد علممم أنممه ل يجمموز أن ل‬
‫يغير ول يزاد فيه ول ينقص منه‪ ،‬وإذا كان ذلك كذلك فل يعدل عن‬
‫تلممك اللفمماظ المباركممة الممتي ذكرهمما عليممه الصمملة والسمملم فممي‬
‫الستخارة إلى غيرها من اللفاظ التي يختارهمما المممرء لنفسممه ول‬
‫غيرهما من منام يراه هو‪ ،‬أو يراه له غيره‪ ،‬أو انتظار فأل أو نظممر‬
‫في اسم اليام‪ ،‬قال مالك رحمه الله‪ :‬اليام كلها أيام الله"[)‪.(4‬‬

‫‪ ()1‬المدخل )‪.(4/38‬‬
‫‪ ()2‬متفق عليه‪.‬‬
‫‪ ()3‬لعله يشير بذلك إلى حديث يروى عن النبي ‪ ‬أنه قال‪ " :‬ما خاب من استخار ول ندم من‬
‫استشار" وهو حديث موضوع‪ ،‬وسيأتي تخريجه في آخر هذه الرسالة‪.‬‬
‫‪ ()4‬المدخل )‪.(38 – 4/37‬‬
‫كشمممممممممممف السمممممممممممتارة عمممممممممممن صممممممممممملة السمممممممممممتخارة‬
‫‪37‬‬

‫المبحث الرابع‬
‫في الستخارة وعلقتها بالتوحيد‬
‫من جميع الجهات وبيان ذلك تفصيل ً‬
‫وفيه خمسة مطالب‪:‬‬
‫المطلب الول‬
‫تحقيق التوحيد سبب للنصر‬
‫وفشو الشرك والبدع سبب للذل والهزائم‬
‫إن التوحيد معناه كمال العدل والنصاف‪ ،‬والعممدل يسمماوي النصممر‬
‫والعلو؛ وذلك لن التوفيق بيد الله سبحانه فمن وحده كممان عممادل ً‬
‫في جانب حق الله‪ ،‬ومن أشرك ظلم نفسه‪ ،‬ولم ينصف مممع ربممه‬
‫الذي خلقه ورزقممه وسممخر لممه كممل شمميء؛ لممذا كممان الهممم والغممم‬
‫والخذلن والذل حليفه طول حياته‪.‬‬
‫يتساءل كثير من الناس عن سممبب ذلممك وهمموان العممالم السمملم‪،‬‬
‫ويسعون جاهدين في البحث عن السباب‪ ،‬والسعي على بث روح‬
‫الجهاد والنضال في الشعوب السلمية‪ ،‬وهذا جيممد‪ ،‬لكممن السممبب‬
‫الرئيسي للهزيمة لم يلتفتوا إليه ولم يسعوا لصلحه‪.‬‬
‫كشمممممممممممف السمممممممممممتارة عمممممممممممن صممممممممممملة السمممممممممممتخارة‬
‫‪38‬‬

‫إن انتشار الشرك والبدع في المممم المسمملمة‪ ،‬لممو سممعى الممدعاة‬


‫اليوم لمحاربته وجاهممدوا لنشممر التوحيممد‪ ،‬وإحيمماء السممنن‪ ،‬وإخممماد‬
‫البدع‪ ،‬لظفروا بالورقممة الرابحممة الممتي بهمما يحصمملون علممى النصممر‬
‫والفوز‪.‬‬
‫وإذا قيل لهم‪ :‬جاهدوا على إزالة الشممر والبممدع مممن المجتمعممات‪،‬‬
‫أجابوا قائلين‪ :‬ليس هممذا وقتممه‪ ،‬إن الممدعوة إلممى التوحيممد وإخممماد‬
‫البدع تؤدي إلى التفرقة ونحن نريد النصر‪ ،‬ولم الشمل‪ ،‬ونسوا أو‬
‫تناسوا أن وجود النمماس بهممذه الصمورة المخزيمة وانغماسممهم فمي‬
‫مسممتنقعات الشممرك والخرافممات هممو السممبب الرئيسممي للتفرقممة‬
‫والهزيمة‪ ،‬ولو عادوا لطريقة نبيهم في الممدعوة لنتصممروا ولكنهممم‬
‫وقعوا فيما فروا منه‪ ،‬وتشتتوا أكثر فأكثر من حيث ل يشعرون‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابممن تيميممة – رحممه اللمه ‪ :-‬فلممما ظهممر النفمماق‬
‫والبدع والفجور المخالف لدين الرسول ‪ ‬سلطت عليهم العداء‬
‫فخرجت الروم النصممارى إلممى الشممام والجزيممرة مممرة بعممد مممرة‪،‬‬
‫وأخممذوا الثغممور الشممامية شمميئا ً بعممد شمميء إلممى أن أخممذوا بيممت‬
‫المقممدس فممي أواخممر المممائة الرابعممة‪ ،‬وبعممد هممذا بمممدة حاصممروا‬
‫دمشممق‪ ،‬وكممان أهممل الشممام بأسمموأ حممال بيممن الكفممار النصممارى‬
‫والمنافقين الملحدة‪ ،‬إلى أن تولى نور الدين الشممهيد‪ ،‬وقممام بممما‬
‫قام به من أمر السلم والطهارة والجهاد لعدائه‪ ،‬ثم اسممتنجد بممه‬
‫ملوك مصممر بنممو عبيممد علممى النصممارى فأنجممدهم‪ ،‬وجممرت فصممول‬
‫كثيرة إلى أن أخممذت مصممر مممن بنممي عبيممد‪ ،‬أخممذها صمملح الممدين‬
‫يوسف بن شمماذي‪ ،‬وخطممب بهمما لنممبي العبمماس‪ ،‬فمممن حينئذ ظهممر‬
‫السلم بمصر بعد أن مكثت بأيدي المنافقين المرتدين عممن ديممن‬
‫السلم مائة سنة‪.‬‬
‫فكان اليمان بالرسول والجهاد عن دينه سببا ً لخير الدنيا والخرة‪،‬‬
‫وبالعكس فإن البدع واللحاد ومخالفة ما جاء به سبب لشر الممدنيا‬
‫والخرة‪.‬‬
‫فلما ظهر في الشام ومصر والجزيرة اللحمماد والبممدع سمملط اللممه‬
‫عليه الكفار‪ ،‬ولما أقاموا ما أقاموه من السمملم وقهممر الملحممدين‬
‫والمبتدعين نصرهم الله على الكفار تحقيقا ً لقوله تعالى‪َ ﴿ :‬يا أ َي ّهَمما‬
‫ب أ َِلي مم ٍ ‪‬‬ ‫ٍ‬ ‫ن ع َم َ‬
‫ذا‬ ‫ْ‬ ‫مم‬‫م ِ‬‫جيك ُم ْ‬
‫جمماَرةٍ ت ُن ْ ِ‬ ‫م عَل َممى ت ِ َ‬
‫ال ّذين آمنوا هَ ْ َ‬
‫ل أد ُل ّك ُم ْ‬ ‫ِ َ َ ُ‬
‫َ‬
‫وال ِك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م َ‬ ‫ل الّلممهِ ِبممأ ْ‬ ‫سممِبي ِ‬
‫ن ِفممي َ‬ ‫دو َ‬ ‫همم ُ‬ ‫جا ِ‬ ‫سممول ِهِ وَت ُ َ‬ ‫ن ِبممالل ّهِ وََر ُ‬ ‫ت ُؤْ ِ‬
‫مُنممو َ‬
‫َ‬
‫م‬‫م ذ ُن ُمموب َك ُ ْ‬‫ن ‪ ‬ي َغِْف مْر ل َك ُم ْ‬ ‫مممو َ‬‫م ت َعْل َ ُ‬‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬‫خي ٌْر ل َك ُ ْ‬‫م َ‬ ‫م ذ َل ِك ُ ْ‬‫سك ُ ْ‬
‫وَأن ُْف ِ‬
‫كشمممممممممممف السمممممممممممتارة عمممممممممممن صممممممممممملة السمممممممممممتخارة‬
‫‪39‬‬

‫ن ط َي ّب َ ً‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫جن ّمما ِ‬‫ة فِممي َ‬ ‫ساك ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫حت َِها اْلن َْهاُر وَ َ‬ ‫ن تَ ْ‬‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ِ‬ ‫ج‬‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫خل ْك ُ ْ‬ ‫وَي ُد ْ ِ‬
‫ُ‬
‫ح‬ ‫ن الل ّمهِ وَفَت ْم ٌ‬ ‫مم َ‬ ‫صمٌر ِ‬ ‫حّبون َهَمما ن َ ْ‬ ‫خَرى ت ُ ِ‬ ‫م ‪ ‬وَأ ْ‬ ‫ظي ُ‬ ‫ك ال َْفوُْز ال ْعَ ِ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫عَد ْ ٍ‬
‫ن ﴾ )الصف‪ .(13-10 :‬وكذلك لممما كممان أهممل‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫شرِ ال ْ ُ‬ ‫ب وَب َ ّ‬ ‫ري ٌ‬ ‫قَ ِ‬
‫المشرق قائمين بالسلم وكانوا منصورين على الكفار المشركين‬
‫من الترك والهند والصين وغيرهم‪ ،‬فمل ظهر منهم ممما ظهممر مممن‬
‫البدع واللحاد والفجور سلط عليهم الكفار‪.‬‬
‫ن فِممي‬ ‫س مد ُ ّ‬‫ب ل َت ُْف ِ‬ ‫ل فِممي ال ْك ِت َمما ِ‬ ‫سرائي َ‬ ‫ضي َْنا إ َِلى ب َِني إ ِ ْ‬ ‫قال تعالى‪ ﴿:‬وَقَ َ‬
‫ن عُل ُوّا ً ك َِبيرا ً‬ ‫ن وَل َت َعْل ُ ّ‬ ‫ِ‬ ‫مّرت َي ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ِ‬ ‫اْل َْر‬
‫ذا جاَء وعد ُأولهما بعث ْنا عل َيك ُم عبادا ً ل َنا ُأولي ب مأ ْ‬
‫ديدٍ‬‫شم ِ‬ ‫س َ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ََ َ َ ْ ْ ِ َ‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫‪ ‬فَإ ِ َ َ‬
‫م ال ْك َمّرةَ‬ ‫م َرد َد ْن َمما ل َك ُم ُ‬ ‫مْفُعول ً ‪ ‬ث ُم ّ‬ ‫عدا ً َ‬ ‫ن وَ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ل الد َّيارِ وَ َ‬ ‫خل َ‬ ‫سوا ِ‬ ‫جا ُ‬ ‫فَ َ‬
‫م أ َك ْث ََر ن َِفيرا ً ﴾ )السراء‪-4:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جعَل َْناك ُ ْ‬‫ن وَ َ‬ ‫ل وَب َِني َ‬ ‫وا ٍ‬ ‫م َ‬‫م ب ِأ ْ‬ ‫مد َد َْناك ُ ْ‬ ‫م وَأ ْ‬ ‫عَل َي ْهِ ْ‬
‫‪.(6‬‬
‫وكان بعض المشايخ يقول‪ :‬هولكو ملك التتار المذي قهمر الخليفمة‬
‫بالعراق وقتل ببغداد مقتلة عظيمة جممدًا‪ ،‬يقممال‪ :‬قتلممه منهممم ألممف‬
‫ألف وكذلك قتل بحلب دار الملك حينئذ‪.‬‬
‫كان بعض المشايخ يقممول‪ :‬هممو للمسمملمين بمنزلممة بختنصممر لبنممي‬
‫إسرائيل‪.‬‬
‫وكممان مممن أسممباب دخممول هممؤلء ديممار المسمملمين ظهممور اللحمماد‬
‫والنفاق والبدع حتى إنه صنف الرازي كتاب ما ً فممي عبممادة الكممواكب‬
‫والصممنام وعمممل السممحر وسممماه ‪ " :‬السممر المكتمموم ومخاطبممة‬
‫النجوم"‪.‬‬
‫ويقال‪ " :‬إنه صنفه لم السلطان علء الدين محمد بممن لكممش بممن‬
‫جلل الدين خوارزم شاه وكممان مممن أعظممم ملمموك الرض‪ ،‬وكممان‬
‫للرازي به اتصال قوي حتى أنه وصى إليه أولده‪ ،‬وصنف له كتاب ما ً‬
‫سماه‪ " :‬الرسممالة العلئيممة فممي الختيممارات السممماوية" )‪ (1‬انتهممى‬
‫كلم شيخ السلم رحمه الله‪.‬‬
‫قلت‪ :‬تدبر كلم هذا المام الجهبذ‪ ،‬وما تراه مممن حممال المسمملمين‬
‫اليوم تعرف بوضوح الداء والدواء‪ ،‬كممما سممتعرف مممن أيممن تؤكممل‬
‫الكتف‪.‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫بيان تحريم إتيان الكهان والعرافين والمنجمين‬
‫‪ ()1‬انظر الفرقان‪) :‬ص ‪.(116 – 115‬‬
‫كشمممممممممممف السمممممممممممتارة عمممممممممممن صممممممممممملة السمممممممممممتخارة‬
‫‪40‬‬

‫الكهان جمع كاهن‪ ،‬ويجمع أيضا ً على كهنممة‪ " :‬وهممم قمموم يكونممون‬
‫في أحياء العممرب يتحمماكم النمماس إليهممم‪ ،‬وتتصممل بهممم الشممياطين‬
‫وتخبرهم عما جاء في السماء‪ ،‬تسترق السمع من السماء‪ ،‬وتأتي‬
‫وتخبر الكاهن ثم الكاهن يضمميف إلممى هممذا الخممبر ممما يضمميف مممن‬
‫الخبار الكاذبة")‪.(1‬‬
‫والعرافون جمع عراف‪ " :‬والعراف قيممل هممو الكمماهن‪ ،‬وهممو الممذي‬
‫يخممبر عممن المسممتقبل‪ ،‬وقيممل‪ :‬هممو اسممم عممام للكمماهن والمنجممم‬
‫والرمممال ونحمموهم ممممن يسممتدل علممى معرفممة الغيممب بمقممدمات‬
‫يستعملها‪ ،‬وهذا المعنى أعم ويدل عليممه الشممتقاق إذ هممو مشممتق‬
‫من المعرفمة‪ ،‬فشمممل كممل مممن تعماطى همذه المممور وادعممى بهمما‬
‫المعرفة")‪.(2‬‬
‫وقال الخطابي – رحمه اللممه ‪ " :-‬الكهنممة قمموم لهممم أذهممان حممادة‬
‫ونفوس شريرة وطباع نارية‪ ،‬فممألفتهم الشممياطين لممما بينهممم مممن‬
‫التناسممب فممي هممذه المممور وسمماعدتهم بكممل ممما اتصممل قممدرتهم‬
‫إليه")‪.(3‬‬
‫ولقد انخدع البسممطاء مممن النمماس فممي هممذا الزمممان بمثممل هممؤلء‬
‫الدجالين من الكهممان والمشممعوذين الممذي يممدعون معرفممة الغيممب‬
‫وأخبار المستقبل‪ ،‬فإذا أراد الواحد منهم الشروع في أمممر ممما‪ ،‬أو‬
‫السفر أو خسر تجارة‪ ،‬أو غير ذلك من المعاناة كالمرض والعقممم‪،‬‬
‫وأراد الحل والدواء بادر في الذهاب إليهم والستعانة بهم‪.‬‬
‫ولهؤلء الكهممان والمنجميممن والعرافيممن أسملوب ممماكر فممي جلممب‬
‫النتباه وزرع الدهشة والعجب في نفوس الناس؛ وذل بأن يخبروا‬
‫القادم لهم عما حصل له من أمور ومعاناة وما سيحصممل لممه مممن‬
‫أمور ومعاناة وما سيحصل له في المسممتقبل القريممب‪ ،‬كممما أنهممم‬
‫عنممد العلج والمممداواة يتظمماهرون بقممراءة القممرآن ليقنعمموا مممن‬
‫أمامهم أن علجهم شرعي ل شائبة فيه‪ ،‬ول غبار عليه‪ ،‬ولكممن ممما‬
‫تخفي صممدورهم أكممبر؛ فممإن ممما يفعلممونه مممن شممرك وكفممر خلل‬
‫استعانتهم بالجن ل يعلمه الناس‪ ،‬إذ أنهم ل يظهرونه ول يبدو جليا ً‬
‫لكل من وفد عليهم‪.‬‬

‫‪ ()1‬القول المفيد )‪ (2/47‬للعلمة ابن عثيمين‪.‬‬


‫‪ ()2‬المصدر السابق )‪.(2/48‬‬
‫‪ ()3‬نقله الحافظ في الفتح )‪.(10/266‬‬
‫كشمممممممممممف السمممممممممممتارة عمممممممممممن صممممممممممملة السمممممممممممتخارة‬
‫‪41‬‬

‫ول تعجممب يمما أخممي مممما تسمممع مممن هممؤلء الكممذابين مممن بعممض‬
‫أسرارك الخاصة وكيفية معرفتهم لها‪ ،‬إذ أن كل إنسان لممه قريممن‬
‫من الجن يعرف عنه الشمميء الكممثير الممذي ل يعرفممه غيممره‪ ،‬وهممذا‬
‫المشعوذ يستعين بقرينه وغيره من أعوانه من مردة الجممن فيممأتو‬
‫قرينك فيخبرهم بما حصل لممك ثممم يخممبر هممؤلء العمموان بممدورهم‬
‫المشممعوذ والكمماهن‪ ،‬وبممذلك تحصممل لممه المعرفممة‪ ،‬فلممم تكممن إذا‬
‫معرفته بطريق الغيب‪ ،‬وإنما بسبب آخر كما رأيممت‪ ،‬إذ أن الغيممب‬
‫ت‬‫ماَوا ِ‬
‫سمم َ‬
‫ن ِفي ال ّ‬
‫م ْ‬
‫م َ‬‫ل ل ي َعْل َ ُ‬
‫ل يعلمه إل الله سبحانه وتعالى‪ ﴿ :‬قُ ْ‬
‫واْل َ‬
‫ه ﴾ )النمل‪ :‬من الية ‪.(65‬‬ ‫ب إ ِّل الل ّ ُ‬
‫ض ال ْغَي ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫وإذا علمممت ذلممك يمما أخممي زال عجبممك مممن معرفتهممم لشممؤونك‬
‫الخاصة‪ ،‬وقديما ً قيل‪ :‬إذا عرف السبب بطل العجب‪.‬‬
‫واعلم يا موفق لكممل خيممر أن السمملم حممرم عليممك إتيممان هممؤلء‪،‬‬
‫وسؤالهم والستعانة بهم‪ ،‬وقد ثب في ذلك عدة نصوص‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ -1‬عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ‪ ‬قممال‪ " :‬مــن‬
‫أتى عرافا ً أو كاهنا ً فصــدقه بمــا يقــول فقــد كفــر بمــا‬
‫أنزل على محمد ‪.(1) " ‬‬
‫‪ -2‬وأخرج مسلم في صحيحه )‪ (2‬عن معاوية بممن الحكممم السمملمي‬
‫قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول الله أمورا ً كنا نصنعها في الجاهلية‪ ،‬كنا نممأتي‬
‫الكهان قال‪ " :‬فل تأتوا الكهان"‪.‬‬

‫‪ ()1‬أخرجه أبو داود في سننه )‪ ،(3904) (4/14‬والترمذي )‪ ،(135) (4/243‬وابن ماجة )‪(1/354‬‬
‫)‪ ،(639‬وصححه اللباني في صحيح أبي داود )‪.(2/473‬‬
‫‪ ()2‬برقم )‪ (537‬في السلم باب‪ :‬تحريم الكهانة وإتيان الكهان‪.‬‬
‫كشمممممممممممف السمممممممممممتارة عمممممممممممن صممممممممممملة السمممممممممممتخارة‬
‫‪42‬‬

‫قال أبو عبد الله المازري المالكي – رحمه الله ‪ " :-‬وأممما الكهممان‬
‫فهم قوم يزعمون أنهم يعلمون الغيب بأمور تلقى فممي نفوسممهم‪،‬‬
‫وقد كذب الشرع من ادعممى علممم الغيممب ونهممى عممن تصممديقهم"‬
‫)‪.(1‬اهم‪.‬‬
‫وقال أيضا ً – رحمه الله ‪ " :-‬وأما التنجيم‪ :‬فمن اعتقد اعتقاد كثير‬
‫من الفلسفة في كون الفلك فاعلة لما تحتها‪ ،‬وكممل فلممك يفعممل‬
‫فيممما تحتممه حممتى ينتهممي المممر إلينمما وسممائر الحيمموان والمعممادن‬
‫والنبات‪ ،‬ول صنع للباري سبحانه وتعالى في ذلك‪ ،‬فإن ذلك مروق‬
‫في السلم")‪ (2‬اهم‪.‬‬
‫وقممال القاضممي عيمماض بممن موسممى المممالكي رحمممه اللممه معرفما ً‬
‫العراف قال‪ " :‬هو الذي يستدل علممى المممور بأسممباب ومقممدمات‬
‫يدعي معرفته بها‪ .‬وقد يعتقد بعض أهل هذا الفن في ذلك بالرجز‬
‫والطرق والنجوم وأسباب معتادة‪ ،‬وهذا الفن هممي القيافممة باليمماء‪،‬‬
‫وكلها ينطلق عليها اسم الكهانة عندهم‪ ،‬ويعلمها في أكثر كتبهممم"‬
‫)‪ (3‬اهم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ومن أنواع العرافممة‪ ،‬ممما يممدعيه بعضممهم مممن معرفممة مكممان‬
‫الدابة إذا ضلت أو معرفة الشيء المسروق وكذا السممارق‪ ،‬حيممث‬
‫يذهب من ضلت دابته أو سرق متمماعه إلممى العممراف ليخممبره عممن‬
‫مكانها‪ ،‬وهو نوع من الستعانة بالجن لشك في تحريمه‪ ،‬فالعراف‬
‫هذا يستخدم نوعا ً من الرموز والطلسمم الممتي ينممادي بهما أعمموانه‬
‫من الجن يرسلهم للبحث فيخممبرونه؛ لممذا تجممد غممالب العرافيممن ل‬
‫يخبرون من يأتيهم عن ضالتهم إل بعد يوم أو يومين‪.‬‬
‫وهكذا يدجلون على الناس ويخممدعونهم‪ ،‬ويتلفظممون لهممم بألفمماظ‬
‫تغريهم بهم كقول العراف أو الكاهن‪ :‬سنستعين بالله على العثور‬
‫على ما فقدت‪ ،‬وهم أبعد الناس عن الستعانة بالله سبحانه‪.‬‬
‫ولقد فضح النبي ‪ ‬أمر هؤلء وكشف زيغهم وكذبهم‪ ،‬وذلك فيما‬
‫رواه مسلم في صحيحه )‪ (4‬عممن عائشممة رضممي اللممه عنهمما قممالت‪:‬‬
‫سأل أناس رسول الله ‪ ‬عن الكهان؟ فقال لهم رسول الله ‪:‬‬
‫"ليسوا بشيء" قممالوا‪ :‬يمما رسممول اللممه فممإنهم يحممدثون أحيان ما ً‬
‫الشيء يكممون حق مًا‪ ،‬قممال رسممول اللممه ‪ " :‬تلك الكلمــة مــن‬
‫المعلم بفوائد مسلم )‪.(2/275‬‬ ‫‪() 1‬‬
‫المعلم بفوائد مسلم )‪.(2/275‬‬ ‫‪() 2‬‬
‫إكمال المعلم )‪.(7/153‬‬ ‫‪()3‬‬
‫في الشواهد والمتابعات )‪ (123 /2228‬في كتاب السلم‪ ،‬باب‪ :‬تحريم الكهانة وإتيان الكهان‪.‬‬ ‫‪() 4‬‬
‫كشمممممممممممف السمممممممممممتارة عمممممممممممن صممممممممممملة السمممممممممممتخارة‬
‫‪43‬‬

‫الجــن يخطفهــا الجنــي فيقرهــا فــي أذن وليــه قــر‬


‫الدجاجة‪ ،‬فيخلطون فيها أكثر من كذبة"‪.‬‬
‫ومعنى قول النممبي ‪ " :‬فيقرهمما فممي أذن وليممه" قممال المممازوري‬
‫المالكي رحمه الله في بيممان هممذه العبممارة‪" :‬والمعنممى أن الجنممي‬
‫يقذف بالكلمة إلى وليه الكاهن فيتسامع بها الشياطين‪ ،‬كما تؤذن‬
‫الدجاجة بصوتها صواحبها فتتجاوب")‪.(1‬‬
‫وقال النووي – رحمه الله‪ " :-‬قال أهل الغريب واللغة‪ :‬القر ترديد‬
‫الكلم في أذن المخاطب حتى يفهمه")‪.(2‬‬
‫وفي بيان قول النبي ‪ " :‬ليسوا بشيء" قال القاضممي عيمماض‬
‫المالكي – رحمه الله‪ " :-‬وقوله فيهممم ليسمموا علممى شمميء‪ ،‬دليممل‬
‫على بطلن قولهم‪ ،‬وأنه ل صحة ول حقيقة له")‪.(3‬‬
‫وقال الحافظ ابن حجممر‪ " :‬أي ليمس قممولهم بشمميء يعتممد عليممه‪،‬‬
‫والعرب تقول لمن عمل شيئا ً ولم يحكمه‪ :‬ما عمل شيئًا")‪.(4‬‬
‫فإذا علمت ما سبق يا أخي المسلم فل تنخدع بممما يفعممل ويقممول‬
‫أولئك السممحرة‪ ،‬وتممزداد يقين ما ً بكممذبهم إذا علمممت أن النممبي ‪ ‬ل‬
‫يعلم الغيب فكيف يعلمه هؤلء‪ ،‬فقممد بيممن اللممه ذلممك فممي خطممابه‬
‫سي‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫َ‬ ‫لنبيه ليخطب به أمته فقال سبحانه وتعالى‪ ﴿ :‬قُ ْ‬
‫ك ل ِن َْف ِ‬ ‫للأ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ممم َ‬
‫ت ِ‬ ‫ست َك ْث َْر ُ‬‫ب َل ْ‬ ‫م ال ْغَي ْ َ‬
‫ت أعْل َ ُ‬ ‫ه وَل َوْ ك ُن ْ ُ‬‫شاَء الل ّ ُ‬
‫ما َ‬‫ضّرا ً إ ِّل َ‬
‫ن َْفعا ً َول َ‬
‫خيمر ومما مسمن ِي السموُء إ َ‬
‫ن‬ ‫شميٌر ل َِقموْم ٍ ي ُؤْ ِ‬
‫مُنمو َ‬ ‫ذيٌر وَب َ ِ‬ ‫ن أَنما إ ِّل َنم ِ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ال ْ َ ْ ِ َ َ َ ّ َ‬
‫﴾ )العراف‪.(188:‬‬
‫ولقد كان النبي ‪ ‬يستخير ربه فممي المممور الغيبيممة كممما مممر فممي‬
‫دعمماء السممتخارة ومنممه قمموله‪ " :‬وتعلممم ول أعلممم وأنممت علم‬
‫الغيوب"‪.‬‬
‫وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال‪ :‬كنت خلممف النممبي‬
‫‪ ‬يوما ً فقال‪ " :‬يا غلم إني أعلمك كلمات؛ احفظ الله يحفظممك‪،‬‬
‫احفظ اللممه تجممده تجاهممك‪ ،‬إذا سممألت فاسممأل اللممه وإذا اسممتعنت‬
‫فاستعن بالله‪ ،‬واعلم أن المة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء‬
‫لم ينفعوك إل بشمميء قممد كتبممه اللممه لممك‪ ،‬ولممو اجتمعمموا علممى أن‬

‫المعلم )‪.(2/280‬‬ ‫‪()1‬‬


‫شرح مسلم للنووي )‪.(7/486‬‬ ‫‪() 2‬‬
‫إكمال المعلم )‪.(155 – 7/145‬‬ ‫‪()3‬‬
‫الفتح )‪.(10/269‬‬ ‫‪()4‬‬
‫كشمممممممممممف السمممممممممممتارة عمممممممممممن صممممممممممملة السمممممممممممتخارة‬
‫‪44‬‬

‫يضروك بشيء لم يضروك إل بشمميء قممد كتبممه اللممه عليممك‪ ،‬رفممع‬


‫القلم وجفت الصحف")‪.(5‬‬
‫نعم يا أخي في الله ‪ ...‬إذا عزمت على أمر فاستعن بممالله وحممده‬
‫وكفى به وليا ً وناصرا ً لك‪ ،‬وإن تحيرت في أمر فاستخر ربك فممإنه‬
‫سبحانه ل تخفى عليه خافية يختار لك الخير ويدفع عنك الشر‪ ،‬ول‬
‫تلجأ للكهممان ول العرافيممن ول المنجميممن فممإنهم ل يعلمممون شمميئا ً‬
‫وإنما يكذبون ويفترون‪.‬‬
‫أردت فمممإن اللمممه يقضمممي‬ ‫توكل علممى الرحمممن فممي‬
‫ويقمممممممممممممممممممممممممممممدر‬ ‫كممممممممممممل حاجممممممممممممة‬
‫يصبه وممما للعبممد ممما يتخيممر‬ ‫إذا ما يرد ذو العرش أمرا ً‬
‫وينجو بحمد الله من حيممث‬ ‫بعبممممممممممممممممممممممممممممده‬
‫يحممممممممممممممممممممممممممممممذر‬ ‫وقممد يهلممك النسممان مممن‬
‫وجمممممممممممه حمممممممممممذره‬

‫المطلب الثالث‬

‫‪ ()5‬أخرجه أحمد في مسنده )‪ ،(2669) (3/195‬والترمذي في سننه )‪ (2516‬واللفظ له وقال‪" :‬‬


‫هذا حديث حسن صحيح"‪ ،‬وصححه اللباني في صحيح الترمذي )‪.(2/610‬‬
‫كشمممممممممممف السمممممممممممتارة عمممممممممممن صممممممممممملة السمممممممممممتخارة‬
‫‪45‬‬

‫في بيان معنى التطير وكيفية منافاته‬


‫للتوحيد وصورته في الوقت الحاضر‬
‫كان العرب إذا رغبوا في عمل ما أو على فعل شيء ممما اعتمممدوا‬
‫على الطير‪ ،‬فممإذا خممرج أحممدهم وسممار إن رأى الطيممر طممار يمنممة‬
‫وسار عن يمينه استمر في عزمه‪ ،‬وإن رآه طار عن شماله يسرة‬
‫تشاءم به وعاد ورجع عما نواه‪.‬‬
‫قال العلمة أحمممد بممن حجمر الشمافعي – رحممه اللمه ‪ " :-‬وأصممل‬
‫التطير أنهم كانوا في الجاهلية يعتمممدون علممى الطيممر فممإذا خممرج‬
‫أحدهم لمر فإن رأى الطير طار عن يمينه تيمن به واسممتمر‪ ،‬وإن‬
‫رآه طار يسره تشاءم به ورجع‪ ،‬وربممما كممان أحممدهم يهيممج الطيممر‬
‫ليطير فيعتمدها‪ ،‬فجاء الشرع بممالنهي عممن ذلممك‪ ،‬وكممانوا يسمممونه‬
‫السانح بمهملة ثم نون ثم حمماء مهملممة‪ ،‬والبممارح بموحممدة وآخممره‬
‫مهملة‪ ،‬فالسانح ما ولك ميامنه بأن يمر عن يسارك إلممى يمينممك‪،‬‬
‫والبارح بالعكس‪ ،‬وكانوا يتيمنون بالسانح ويتشاءمون بالبارح‪ ،‬لنه‬
‫ل يمكن رميه إل بأن ينحرف إليه")‪.(1‬‬
‫وقممال العلمممة محممي الممدين النممووي الشممافعي – رحمممه اللممه‪:-‬‬
‫"والتطير التشاؤم‪ ،‬وأصله الشيء المكممروه مممن قممول أو فعممل أو‬
‫شمميء‪ ،‬وكممانوا يتطيممرون بالسمموانح والبمموارح‪ ،‬فينفممرون الظبمماء‬
‫والطيور‪ ،‬فإن أخذت ذات اليمين تبركوا بممه ومضمموا فممي سممفرهم‬
‫وحممموائجهم‪ ،‬وإن أخمممذت ذات الشممممال رجعممموا عمممن سمممفرهم‬
‫وحاجتهم‪ ،‬وتشاءموا بها‪ ،‬فكانت تصدهم في كثير من الوقات عن‬
‫مصالحهم‪ ،‬فنفي الشارع ذلك وأبطله ونهى عنه‪ ،‬وأخبر أنممه ليممس‬
‫له تأثير بنفع ول ضر")‪.(2‬‬
‫وقد يتساءل النسان لماذا نهى النبي ‪ ‬عن الطيرة؟ وممما العلممة‬
‫في ذلك؟ الجواب على هذا بممأن يقممال‪ :‬إن المتنمماع عممن المضممي‬
‫والفعل نتج عن أمر غيممبي ل يممدل عليممه دليممل نمماطق‪ ،‬وإنممما هممي‬
‫مجرد حركة لطير ل حول له ول قوة‪ ،‬كما ل تدل حركته على خير‬
‫أو شر فهو نوع استنباط غيبي‪ ،‬والمور الغيبية ل تممدخل للكائنممات‬
‫فيها وإنما هي من خصائص الخالق سبحانه علم الغيوب‪.‬‬

‫‪ ()1‬الفتح )‪.(10/261‬‬
‫‪ ()2‬شرح مسلم للنووي )‪.(7/480‬‬
‫كشمممممممممممف السمممممممممممتارة عمممممممممممن صممممممممممملة السمممممممممممتخارة‬
‫‪46‬‬

‫قال الحافظ ابن حجر – رحممه اللمه ‪ " : -‬وليمس فمي شميء ممن‬
‫سنوح الطيممر وبروحهمما ممما يقتضممي ممما اعتقممدوا وإنممما هممو تكلممف‬
‫بتعاطي ما ل أصل له‪ ،‬إذ ل نطق للطير ول تميممز فيسممتدل بفعلممه‬
‫على مضمون معنى فيه‪ ،‬وطلب العلم من غير مظممانه جهممل مممن‬
‫فمماعله‪ ،‬وقممد كممان بعممض عقلء الجاهليممة ينكممر التطيممر ويمتممدح‬
‫بتركه")‪.(1‬‬
‫ومعلوم أن الفأل الحسن أفضل من الطيرة؛ لما أخرجه البخمماري‬
‫في صحيحه)‪ (2‬عن أبممي هريممرة رضممي اللممه عنممه قممال‪ " :‬سمممعت‬
‫رسول الله ‪ ‬يقول‪ " :‬ل طيرة‪ ،‬وخيرها الفأل"‪ ،‬قممالوا‪ :‬وممما‬
‫الفأل؟ قال‪ " :‬الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم" ‪.‬‬
‫وبين الخطابي سبب هذا التفضيل فقال – رحمممه اللممه ‪ " :-‬وإنممما‬
‫كان ذلك لن مصدر الفأل عن نطق وبيان‪ ،‬فكممأنه خممبر جمماء عممن‬
‫غيب بخلف غيره فإنه مستند إلى حركة الطممائر أو نطقممه وليممس‬
‫ل‪ ،‬وإنما هو تكلف ممن يتعاطاه")‪.(3‬‬ ‫فيه بيان أص ً‬
‫وبيممن النممبي ‪ ‬أن مثممل التشمماؤم ل يصممد المسمملم عممن عزمممه‬
‫وقصده؛ وذلك فيما أخرجه مسلم في صحيحه)‪ (4‬عممن معاويممة بممن‬
‫الحكم السلمي رضي الله عنه قال‪ :‬قلت‪ :‬يمما رسممول اللممه أمممورا ً‬
‫كنمما نصممنعها فممي الجاهليممة‪ ،‬كنمما نممأتي الكهممان قممال‪ " :‬فل تأتوا‬
‫الكهــان" قممال‪ :‬قلممت‪ :‬كنمما نتطيممر‪ ،‬قممال‪ " :‬ذاك شــيء يجــده‬
‫أحدكم في نفسه فل يصدنكم"‪.‬‬
‫تأمل أخي كيف نسب هذا الصممحابي الجليممل هممذين المريممن‪ ،‬أي‪:‬‬
‫إتيان الكهان والتطير نسبهما إلى زمن الجاهلية وأفعال أصممحابها‪،‬‬
‫والمسلم يترفع عن ذلك كله‪.‬‬
‫وأمعن النظر في قوله ‪ " :‬فل يصدنكم " قال القاضي عياض‬
‫– رحمه الله‪ ": -‬أي ل يصدنكم عما كنتم تريدون فعلممه‪ ،‬قيممل‪ :‬دل‬
‫من هذا أن النبي ‪ ‬إنما نهى عن الطيرة أن تعتقد أن لها تممأثيرًا‪،‬‬
‫وأن من يصمم على العمممل بهمما عمممل عمممل أهممل الجاهليممة‪ ،‬وأن‬
‫نفيه لها نفي لحكمها ل نفي لوجودها إذا كانت الجاهليممة تعتقممدها‪،‬‬

‫الفتح )‪.(262– 10/261‬‬ ‫‪()1‬‬


‫برقم ])‪ (5756‬الفتح )‪.[(10/264‬‬ ‫‪() 2‬‬
‫نقله الحافظ في الفتح )‪.(10/264‬‬ ‫‪( )3‬‬
‫برقم )‪ (537‬في السلم‪ ،‬باب‪ :‬تحريم الكهانة وإتيان الكهان‪.‬‬ ‫‪() 4‬‬
‫كشمممممممممممف السمممممممممممتارة عمممممممممممن صممممممممممملة السمممممممممممتخارة‬
‫‪47‬‬

‫وتدين بها‪ ،‬ويجدون تأثيرها مما يقمع فممي أوهمامهم وتصمادف قممدر‬
‫الله وما أمر الكهان" )‪.(1‬‬
‫وقال الحافظ ابن حجر – رحممه اللمه ‪ " :-‬وإنمما جعممل ذل شمركا ً‬
‫لعتقادهم أن ذلك يجلب نفعا ً أو يدفع ضرًا‪ ،‬فكأنهم أشممركوه مممع‬
‫الله تعالى")‪.(2‬‬
‫‪ -2‬وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال‪ :‬قال رسول اللممه ‪" :‬‬
‫ل عدوى ول طيرة‪ ،‬ول هامة ول صقر")‪.(3‬‬
‫‪ -3‬وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله ‪ " :‬ل‬
‫عدوى ول طيرة ول صقر ول هامة")‪.(4‬‬
‫* وجه كون التطير ينافي التوحيد‪:‬‬
‫واعلم أن التطير ينافي التوحيد الذي مقتضمماه التوكممل علممى اللممه‬
‫سبحانه‪ ،‬ولكن كيف ذلك؟‬
‫قال العلمة محمد بن صالح العثيمين حفظه الله‪ " :‬التطير ينممافي‬
‫التوحيد ووجه منافاته له من وجهين‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن المتطير قطع توكله على الله واعتمد على غيره‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أنه متعلق بأمر ل حقيقة له‪ ،‬فأي رابطة بيمن همذا الممر‪،‬‬
‫وبين ما يحصل لك‪ ،‬وهذا لشممك أنممه يخممل بالتوحيممد؛ لن التوحيممد‬
‫ن ﴾ )الفاتحممة‪:‬‬‫ست َِعي ُ‬
‫ك نَ ْ‬‫ك ن َعْب ُد ُ وَإ ِّيا َ‬
‫عبادة واستعانة قال تعالى‪﴿ :‬إ ِّيا َ‬
‫‪.(5) (5‬‬
‫* أنواع أحوال المتطير‪:‬‬
‫وقال ابن عثيمين حفظه الله‪ " :‬والمتطير ل يخلو من حالين‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن يحجم ويستجيب لهذه الطيرة ويدع العمل‪ ،‬وهممذا مممن‬
‫أعظم التطير والتشاؤم‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن يمضي لكن في قلق وهم وغم يخشى من تممأثير هممذا‬
‫المتطير به‪ ،‬وهذا أهون‪.‬‬

‫‪ ()1‬إكمال المعلم )‪.(7/152‬‬


‫‪ ()2‬الفتح )‪.(10/262‬‬
‫‪ ()3‬أخرجه مسلم في صحيحه )‪ (2220‬في السلم‪ ،‬باب‪ :‬ل عدوى ول طيرة‪ ،‬ول هامة وزاد " ول‬
‫نوء" من مسند أبي هريرة وجابر رضي الله عنهما‪ ،‬وأخرجه ابن ماجة في سننه واللفظ له )‬
‫‪ ،(4/3539‬وانظر الصحيحة )‪.(782‬‬
‫‪ ()4‬أخرجه البخاري ])‪ (5756‬الفتح )‪ ،[(10/265‬مسلم )‪ ،(2220‬وأبو داود في سننه )‪) (4/16‬‬
‫‪.(3911‬‬
‫‪ ()5‬القول المفيد )‪.(78-2/77‬‬
‫كشمممممممممممف السمممممممممممتارة عمممممممممممن صممممممممممملة السمممممممممممتخارة‬
‫‪48‬‬

‫وكل المرين نقص في التوحيد وضرر على العبيد‪ ،‬بل انطلق إلممى‬
‫ما تريد بانشراح صممدر وتيسممير واعتممماد علممى اللممه عممز وجممل ول‬
‫تسئ الظن بالله")‪.(1‬‬
‫* صورة التطير في الزمن الحالي‪:‬‬
‫وقد يعترض علينا معترض بقوله‪ :‬ما قلته في زمن قد مضى حيث‬
‫كان التطير بالطيور‪ ،‬أما اليوم فل وجود لمثل هذا‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬إن التطير يوجد اليوم بين أفممراد المجتمممع ولكممن بصممورة‬
‫غير مباشرة‪ ،‬وقد يسمونها بغيممر اسمممها‪ ،‬فكممثير مممن النمماس فممي‬
‫بعض البلد إذا اخرج ورأى شيخا ً كبيرا ً فممي السممن أو عجمموزا ً عمماد‬
‫ورجع عما عزم عليممه وتشمماءم بممما رآه فممي أول خروجممه صممباحا ً‬
‫ولسان حاله يقول‪ :‬طالما رأينا العجوز في الصباح فلن نوفق في‬
‫هذا اليوم‪ ،‬وإن لم ينطممق بممذلك‪ ،‬وأحيان ما ً لسممان الحممال أبلممغ مممن‬
‫لسان المقال‪.‬‬
‫وفي بعض البلد السلمية‪ ،‬أقول‪ :‬مع السف الشممديد فممي بعممض‬
‫البلد السلمية بعض الباعممة أصممحاب المحلت والمتمماجر إذا كممان‬
‫أول زبائنهم أو أول من يممدخل عليهممم صممباحا ً أعممور العيممن فممإنهم‬
‫يغلقون دكانهم ويعودون أدراجهم من حيث قممدموا زاعميممن أنهممم‬
‫لن يوفقوا أو يربحوا في يمموم صمباحه اسمتفتحهم فيممه أعممور فقممد‬
‫إحدى عينيه‪.‬‬
‫وبعضهم إذا خرج ورأى طائر البوم أو الغراب عاد ولم يمض فيما‬
‫عزم لنه يتشاءم من هذين الطيرين‪ ،‬إلى غير ذلممك مممن الغممرائب‬
‫والعجائب‪.‬‬
‫وهذا الذي يصنعه أهل الزمن الحاضر كممان يممتركه ويفتخممر بممتركه‬
‫أهل الزمن الغابر حتى قال شاعرهم في الجاهلية قبل السلم‪:‬‬
‫مضممممللون ودون الغيممممب‬ ‫الزجممر والطيممر والكهممان‬
‫أقفمممممممممممممممممممممممممممممال‬ ‫كلهمممممممممممممممممممممممممممممم‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫ول زاجرات الطير ممما اللممه‬ ‫لعمرك ما تدري الطوارق‬
‫صممممممممممممممممممممممممممممممانع‬ ‫بالحصممممممممممممممممممممممممى‬
‫وقال آخر‪:‬‬

‫‪ ()1‬القول المفيد )‪.(1/78‬‬


‫كشمممممممممممف السمممممممممممتارة عمممممممممممن صممممممممممملة السمممممممممممتخارة‬
‫‪49‬‬

‫لتخمممبره ومممما فيهممما خمممبير‬ ‫تخيممر طيممرة فيهمما زيمماد‬


‫علممى متطيممر وهممو الثبممور‬ ‫تعلممممم أنممممه ل طيممممر إل‬
‫شمممميء أحايينمممما ً وبمممماطله‬ ‫بلممى شمميء يوافممق بعممض‬
‫كمممممممممممممممممممممممممممثير)‪.(2‬‬
‫هكذا كان يقول بعض عقلء الجاهلية فما بال أهل السلم يقعممون‬
‫فيه؟‬
‫أيها المسلم لقد من الله عليك بصلة الستخارة الممتي تممدل علممى‬
‫كمال التوحيد في قلبك‪ ،‬فإذا عزمت علممى أمممر اسممتخر اللممه فيممه‬
‫وامض فيه إذا كان مما يجوز الستخارة فيه كممما سممبق بيممانه‪ ،‬ول‬
‫يصدنك عجوز ل ذنب لها في كبر سممنها ول طيممر ول نمموء ول غيممر‬
‫ذلك‪.‬‬

‫‪ ()2‬نقل هذه البيات الحافظ ابن حجر في الفتح )‪.(1/262‬‬


‫كشمممممممممممف السمممممممممممتارة عمممممممممممن صممممممممممملة السمممممممممممتخارة‬
‫‪50‬‬

‫المطلب الرابع‬
‫في صلة الستخارة بالتوحيد مباشرة‬
‫إن للستخارة صلة قوية بالتوحيد‪ ،‬وذلك أن النسان عمادة – وللمه‬
‫المثل العلممى – ل يستشممير إل مممن يحممب‪ ،‬ول يشمماور إل مممن لممه‬
‫مكانة في القلب‪ ،‬ومنزلة في النفس‪ ،‬وتعظيم لرأيه وتوجيهه‪.‬‬
‫فالعبد الذي يستخير ربه في أموره كلهمما‪ ،‬وينمماديه بتلممك الكلمممات‬
‫الجليلة‪ ،‬ويناجيه بألفاظهمما الغزيممرة‪ ،‬هممذا العبممد قممد عظممم ممموله‪،‬‬
‫وعرف مكانته‪ ،‬وعلمه الذي ل حدود له‪.‬‬
‫فالستخارة توحيد خممالص‪ ،‬فيهمما التسممليم للممه‪ ،‬واليقيممن بتمموفيقه‪،‬‬
‫والعممتراف بعلمممه للمغيبممات‪ ،‬والتصممريح بتصممرفه سممبحانه فممي‬
‫القدار كما شاء‪ ،‬ومن خلل طرح النقاط التالية تنجلي لك الصمملة‬
‫بينهما أكثر فأكثر‪.‬‬
‫* السمتخارة بمديل لمما كمان عليمه العمرب ممن الزلم‪ ،‬والتنجيمم‬
‫والتكهن‪:‬‬
‫ممما‬
‫زي مرِ وَ َ‬ ‫خن ْ ِ‬‫م ال ْ ِ‬ ‫حم ُ‬‫م وَل َ ْ‬ ‫ة َوالمد ّ ُ‬ ‫مي ْت َ ُ‬‫م ال ْ َ‬ ‫ت عَل َي ْك ُ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫حّر َ‬ ‫قال الله تعالى‪ُ ﴿ :‬‬
‫ممما‬‫ة وَ َ‬ ‫حم ُ‬‫طي َ‬ ‫ة َوالن ّ ِ‬ ‫مت ََرد ّي َم ُ‬‫موُْقوذ َةُ َوال ْ ُ‬ ‫ة َوال ْ َ‬ ‫خن َِق ُ‬‫من ْ َ‬ ‫ل ل ِغَي ْرِ الل ّهِ ب ِهِ َوال ْ ُ‬ ‫أ ُهِ ّ‬
‫َ‬ ‫أ َك َ َ‬
‫موا‬ ‫سم ُ‬ ‫ست َْق ِ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫ب وَأ ْ‬ ‫صم ِ‬ ‫ح عَل َممى الن ّ ُ‬ ‫ممما ذ ُب ِم َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ممما ذ َك ّي ْت ُم ْ‬ ‫سب ُعُ إ ِّل َ‬ ‫ل ال ّ‬
‫س ال ّمم ِ‬ ‫َ‬
‫م َفل‬ ‫ن ِدين ِك ُم ْ‬ ‫ممم ْ‬ ‫ن ك ََفممُروا ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ي َئ ِ َ‬ ‫س مقٌ ال ْي َموْ َ‬ ‫م فِ ْ‬ ‫ِبمماْلْزلم ِ ذ َل ِك ُم ْ‬
‫َ‬ ‫ش مون ال ْي مو َ‬
‫م‬‫ت عَل َي ْك ُم ْ‬ ‫مم ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَأت ْ َ‬ ‫م ِدين َك ُم ْ‬ ‫ت ل َك ُم ْ‬ ‫مل ْم ُ‬ ‫م أك ْ َ‬ ‫خ َ ْ ِ َ ْ َ‬ ‫م َوا ْ‬ ‫ش موْهُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫تَ ْ‬
‫صمةٍ غَي ْمَر‬ ‫م َ‬ ‫خ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ضمط ُّر فِممي َ‬ ‫نا ْ‬ ‫مم ِ‬ ‫م ِدينا ً فَ َ‬ ‫سل َ‬ ‫م اْل ِ ْ‬ ‫ت ل َك ُ ُ‬ ‫ضي ُ‬ ‫مِتي وََر ِ‬ ‫ن ِعْ َ‬
‫م ﴾ )المائدة‪.(3:‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫ه غَُفوٌر َر ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ف ل ِث ْم ٍ فَإ ِ ّ‬ ‫جان ِ ٍ‬ ‫مت َ َ‬‫ُ‬
‫والزلم هي‪ :‬قداح الميسر واحدها َزَلم وُزلم ‪.‬‬
‫)‪(1‬‬

‫وكانت الزلم والستقسام – وهو طلب القسممم والنصمميب – عنممد‬


‫العرب على ثلثة أنمواع‪ ،‬ومنهما‪ " :‬المتي كمان يتخمذها كمل إنسمان‬
‫لنفسه‪ ،‬على أحدها‪ :‬افعل‪ ،‬وعلى الثاني‪ :‬ل تفعل‪ ،‬والثالث‪ :‬مهمل‬
‫ل شيء عليه‪ ،‬فيجعلهمما فممي خريطممة معممه‪ ،‬فممإذا أراد فعممل شمميء‬
‫أدخل يده – وهي متشابهة – فإذا خممرج أحممدها ائتمممر وانتهممى بممما‬
‫يخرج له‪ ،‬وغن خرج القدح الذي ل شيء عليه أعاد الضرب‪.‬‬
‫وإنما قيل هذا الفعل استقسام لنهم كانوا يستقسمون به الممرزق‬
‫وما يريدون‪.‬‬
‫‪ ()1‬الجامع لحكام القرآن )‪.(6/40‬‬
‫كشمممممممممممف السمممممممممممتارة عمممممممممممن صممممممممممملة السمممممممممممتخارة‬
‫‪51‬‬

‫ونظير هذا الذي حرمه الله تعالى قول المنجم‪ :‬ل تخرج من أجممل‬
‫س‬
‫ما ت َمد ِْري ن َْف م ٌ‬
‫نجم كذا‪ ،‬واخرج من نجم كذا‪ ،‬وقال عز وجل‪ ﴿ :‬وَ َ‬
‫غدا ً ﴾ )لقمان‪ :‬من الية ‪.(34‬‬ ‫ب َ‬‫س ُ‬‫ذا ت َك ْ ِ‬ ‫ما َ‬‫َ‬
‫هكذا كانت العرب تفعل في الجاهليممة‪ ،‬وهممو عمممل محممرم وصممفه‬
‫الله سبحانه بالفسق كما قال سبحانه في ختام تلك المحرمات‪﴿ :‬‬
‫سقٌ ﴾ )المائدة‪ :‬من الية ‪.(1) (3‬‬‫م فِ ْ‬ ‫ذ َل ِك ُ ْ‬
‫وحرمه الله لنه نوع من التعممرض لممدعوى علممم الغيممب‪ ،‬كممما أنممه‬
‫ليس للزلم في معرفة علم الغيب والمستقبل أي أثر‪ ،‬ما هي إل‬
‫أقداح من خشب وغيره ل حول لها ول قوة‪.‬‬
‫قال العلمة أبممو عبممد اللممه القرطممبي – رحمممه اللممه‪" :-‬قممال الكيمما‬
‫الطبري‪:‬‬
‫وإنما نهى الله عنها فيما يتعلق بأمور الغيب‪ ،‬فإنه ل تممدري نفممس‬
‫ماذا يصيبها غدًا‪ ،‬فليس للزلم في تعريف المغيبات أثر")‪.(2‬‬
‫ولما جاء السلم أبطل هذا العمل الممذي ل ينفممع ول يضممر‪ ،‬وخطممأ‬
‫هذه العقيدة الباطلة ووصفها بالفسق‪ ،‬وشرع لنا الستخارة الممتي‬
‫فيها النفع والخير الكثير‪.‬‬
‫قال العلمممة ابممن القيممم الجوزيممة – رحمممه اللممه ‪ " :-‬وأغنانمما عممن‬
‫الستقسام بالزلم طلبا ً لما هو خيممر وأنفممع لنمما بالسممتخارة الممتي‬
‫هي توحيد وتفويض‪ ،‬واستعانة وتوكل")‪.(3‬‬
‫وقال شيخ السلم ابن تيمية – رحمه الله‪ " :-‬وأهممل النجمموم لهممم‬
‫اختيارات إذا أراد أحدهم أن يفعل فعل ً أخممذ طالعما ً سممعيدا ً فعمممل‬
‫فيه ذلك العمل لينجح بزعمهم‪ ،‬وقد وصف النمماس كتبما ً فممي الممرد‬
‫عليهم وذكروا كثرة ما يقع من خلف مقصودهم فيما يخممبرون بممه‬
‫ويأمرون به‪ ،‬وكم يخممبرون مممن خممبر فيكممون كممذبًا‪ ،‬وكممم يممأمرون‬
‫باختيار فيكون شرًا")‪.(4‬‬
‫وقال أيضا ً – رحمه اللممه ‪ :-‬وهممذه الختيممارات لهممل الضمملل بممدل‬
‫الستخارة التي علمها النممبي ‪ ‬المسمملمين كممما أخممبر جممابر فممي‬
‫الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره")‪.(5‬‬

‫قاله القرطبي في تفسيره )‪.(6/40‬‬ ‫‪( )1‬‬


‫الجامع لحكام القرآن )‪.(6/41‬‬ ‫‪()2‬‬
‫إغاثة اللهفان )‪ ،(2/70‬ومعنى قوله‪ :‬أغنانا أي‪ :‬أغنانا الله سبحانه‪.‬‬ ‫‪( )3‬‬
‫الفرقان بين الحق والباطل )ص ‪.(117‬‬ ‫‪( )4‬‬
‫الفرقان )ص ‪.(116‬‬ ‫‪()5‬‬
‫كشمممممممممممف السمممممممممممتارة عمممممممممممن صممممممممممملة السمممممممممممتخارة‬
‫‪52‬‬

‫* الستخارة فيها التسليم لما يختاره الله‪ ،‬والعتراف الكامل بممأن‬


‫الله علم الغيوب‪:‬‬
‫إن المؤمن يممؤمن إيمانما ً جازمما ً أن اللممه تعممالى يختممار لعبمماده ممما‬
‫يشاء‪ ،‬وسبحانه المتصرف في الكون والقدار بعلمه وحكمته‪.‬‬
‫م ال ْ ِ‬
‫خي َمَرةُ‬ ‫ن ل َهُم ُ‬
‫ممما ك َمما َ‬
‫خت َمماُر َ‬ ‫ممما ي َ َ‬
‫شمماُء وَي َ ْ‬ ‫خل ُمقُ َ‬ ‫قال تعالى‪﴿ :‬وََرب ّ َ‬
‫ك يَ ْ‬
‫ن ﴾ )القصص‪.(68:‬‬ ‫كو َ‬‫شرِ ُ‬ ‫ن الل ّهِ وَت ََعاَلى عَ ّ‬
‫ما ي ُ ْ‬ ‫حا َ‬
‫سب ْ َ‬
‫ُ‬
‫وقال الشاعر‪:‬‬
‫والمممدهر ذو دول والمممرزق‬ ‫العبد ذو ضجر والممرب ذو‬
‫مقسمممممممممممممممممممممممممموم‬ ‫قممممممممممممممممممممممممممممممدر‬
‫وفممي اختيممار سممواه اللمموم‬ ‫والخير أجمممع فيممما اختممار‬
‫والشمممممممممممممممممممممممممموم‬ ‫خالقنممممممممممممممممممممممممممما‬
‫فإذا تقرر ذلك‪ ،‬فن الستخارة خير ما يوكل فيها العبممد أمممره إلممى‬
‫موله ليختار له خيري الدنيا والخرة‪.‬‬
‫ويبدو ذلك جليا ً واضممحا ً فممي لفممظ دعمماء السممتخارة عنممد قمموله‪" :‬‬
‫اللهم إني أستخيرك بعلمك" والبمماء فممي قمموله‪ " :‬بعلمــك"‬
‫سببية؛ أي‪ :‬بسبب علمك بالغيب والخير‪.‬‬
‫" والمعنى‪ :‬أطلب منك أن تشممرح صممدري لخيممر المريممن بسممبب‬
‫علمممك بكيفيممات المممور وجزئياتهمما‪ ،‬وكلياتهمما‪ ،‬إذ ل يحيممط بخيممر‬
‫سممى‬ ‫المرين على الحقيقة إل من هو كذلك كما قممال تعممالى‪﴿ :‬وَعَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫شّر ل َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫شْيئا ً وَهُوَ َ‬
‫حّبوا َ‬
‫ن تُ ِ‬
‫سى أ ْ‬ ‫خي ٌْر ل َك ُ ْ‬
‫م وَعَ َ‬ ‫شْيئا ً وَهُوَ َ‬ ‫ن ت َك َْر ُ‬
‫هوا َ‬ ‫أ ْ‬
‫﴾ )البقرة‪ :‬من الية ‪.(1) (216‬‬
‫ويعترف العبد بقدرة اللممه سممبحانه وعلمممه بممالمور‪ ،‬ويقممر بعجممزه‬
‫وقلة علمه وانعدامه في المور الغيبية‪.‬‬
‫حيث يقول العبد في لفممظ الممدعاء‪ "] :‬فإنك تقــدر ول أقــدر"‬
‫أي‪ :‬ل أقدر على شيء إل بقدرتك وحولك وقوتك[‪.‬‬
‫وتقول‪ " :‬وتعلم ول أعلم" أي‪ :‬وتعلممم بممالعلم المحيممط بجميممع‬
‫الشياء خيرها وشرها كليها وجزئيها وغيرها؛ ول أعلم أي‪ :‬ل أعلممم‬
‫شيئا ً منها إل بإعلمك وإلهامك‪.‬‬
‫وتقول‪ " :‬وأنت علم الغيمموب" وهممذا مممن الكتفمماء أو مممن طريممق‬
‫البرهان؛ أي‪ :‬أنت كثير العلم بما يغيممب عممن السمموى‪ ،‬فإنممك تعلمم‬

‫‪ ()1‬قاله علي القاري في المرقاة شرح المشكاة )‪.(3/402‬‬


‫كشمممممممممممف السمممممممممممتارة عمممممممممممن صممممممممممملة السمممممممممممتخارة‬
‫‪53‬‬

‫السر وأخفى‪ ،‬فضل ً عن المور الحاضممرة والشممياء الظمماهرة فممي‬


‫الدنيا والخرة[ )‪.(1‬‬
‫أرأيممت أخممي كيممف أن النطممق بهممذه العبممارات اعممتراف بالعقيممدة‬
‫الصحيحة‪ ،‬ووصف لله سبحانه بصفات الكمال والتعظيم؟‬
‫وقال العلمة بدر الدين العيني الحنفي رحمه اللممه وهممو يممذكر ممما‬
‫في حديث جابر من الفوائد‪ "] :‬وفيه أنممه يجممب علممى المممؤمن رد‬
‫المور كلها إلى اللممه تعممالى وصممرف أزمتهمما والتممبرؤ مممن الحممول‬
‫والقوة إليه‪ ،‬وأن ل يروم شيئا ً من دقيممق المممور ول جليلهمما حممتى‬
‫يسأل الله فيه‪ ،‬ويسأله أن يحمله فيه على الخيممر‪ ،‬ويصممرف عنممه‬
‫الشر إذعانا ً بالفتقار إليه في كل أمره‪ ،‬والتزام ما ً لممذاته بالعبوديممة‬
‫له‪ ،‬وتبركا ً لتباع سنة سيد المرسلين في السممتخارة‪ ،‬وربممما قممدر‬
‫شممْيئا ً‬ ‫َ‬
‫ن ت َك َْر ُ‬
‫همموا َ‬ ‫سى أ ْ‬ ‫ما هو خير ويراه شرا ً نحو قوله تعالى‪﴿ :‬وَعَ َ‬
‫َ‬
‫م ﴾ )البقممرة‪ :‬مممن‬ ‫شّر ل َك ُ ْ‬‫شْيئا ً وَهُوَ َ‬
‫حّبوا َ‬
‫ن تُ ِ‬
‫سى أ ْ‬
‫م وَعَ َ‬‫خي ٌْر ل َك ُ ْ‬
‫وَهُوَ َ‬
‫الية ‪. (216‬‬
‫)‪(2‬‬

‫‪ ()1‬انظر ما سبق في المرقاة )‪.(3/403‬‬


‫‪ ()2‬عمدة القاري )‪.(2/235‬‬
‫كشمممممممممممف السمممممممممممتارة عمممممممممممن صممممممممممملة السمممممممممممتخارة‬
‫‪54‬‬

‫المبحث الخامس‬
‫حول بيان ضعف بعض الحاديث في الستخارة‬
‫إن الحاديث الضعيفة قد دخلت في جوانب كثيرة من جوانب هذا‬
‫الدين‪ ،‬وغزت الكتب بألوانهمما وعلومهمما مممن فقممه وعقممائد ووعممظ‬
‫وتاريخ وسير وتفسير وغير ذلك‪.‬‬
‫والله سبحانه قيض لهذه المة من يحفظ لها أمر دينها‪ ،‬فيتصدون‬
‫لما أدخل فيه فينفقون عنه تأويل الجمماهلين‪ ،‬وانتحممال المبطليممن‪،‬‬
‫وكذب الوضاعين‪.‬‬
‫ولما قيل للمام عبد الله بن المبارك‪ :‬هذه الحاديث الضعيفة من‬
‫لها؟ قال – رحمه الله ‪ :-‬يعيش لها الجهابدة‪.‬‬
‫فالممدين بحاجممة إلممى تصممفية‪ ،‬تصممفية مممن البممدع والخرافممات‪،‬‬
‫والحمماديث الضممعيفة والموضمموعة الممتي أدخلهمما ضممعفاء النفمموس‬
‫واليمان والحفظ والتقان‪.‬‬
‫لهذا وذاك جعلت آخر بحث لي في هممذه الرسممالة بخصمموص هممذا‬
‫الشأن لعلي أشممارك ولممو بممالنزر اليسممير فممي التصممفية والتربيممة‪،‬‬
‫وأحذر من شيء قد انتشر بين الناس‪ ،‬أسأل الله سبحانه القبممول‬
‫والتوفيق‪.‬‬
‫فجمعت بعممض الحمماديث الضممعيفة فممي السممتخارة‪ ،‬وبينممت وجممه‬
‫الضعف فيها ونقلممت تضممعيف العلممماء لهمما حممتى تطمئن القلمموب‪،‬‬
‫ويحذر من روايتها الناس‪ ،‬ويأبوا قبولهمما والعمممل بهمما إن سمممعوها‬
‫من جهول أو مجهول يروي ما هب ودرج‪ ،‬فإن القصاص قد كثروا‬
‫في آخر الزمان‪ ،‬والله المستعان وعيه التكلن‪.‬‬
‫‪ " -1‬ما خاب من استخار‪ ،‬وما ندم من استشار‪ ،‬ول عال‬
‫من اقتصد" ]موضوع[‪.‬‬
‫أخرجه القضاعي في مسند الشممهاب )‪ .(774) (2/7‬والطممبراني‬
‫فممي الصممغير )‪ (2/175‬برقممم )‪ – 980‬الممروض الممداني (‪ .‬وفممي‬
‫الوسممط )‪ (6627) (6/365‬مممن طريممق عبممد السمملم بممن عبممد‬
‫القدوس عن أبيه عبد القدوس بن حبيب عممن الحسممن عممن أنممس‬
‫بن مالك به‪.‬‬
‫كشمممممممممممف السمممممممممممتارة عمممممممممممن صممممممممممملة السمممممممممممتخارة‬
‫‪55‬‬

‫وهذا إسناد تالف‪ .‬عبد القدوس وابنه متهمان‪.‬‬


‫أما عبد‬
‫السلم بن عبد القدوس‪ ،‬فقد ضعفه أبممو حمماتم‪ ،‬وقممال أبممو داود‪:‬‬
‫ليس بشيء‪ .‬وقال ابن حبان‪ :‬يروي الموضوعات‪.‬‬
‫وقال ابن عدي‪ " :‬عامة ما يرويه ير محفوظ")‪.(1‬‬
‫وأما عبد القدوس بن حبيب فهو الكلعي الشامي أحد المشمماهير‬
‫بالكذب‪.‬‬
‫قال ابن حبان فيه‪ " :‬كان يضع الحديث على الثقات‪ ،‬ل يحل كتابة‬
‫حممديثه ول الروايممة عنممه‪ ،‬وكممان ابممن المبممارك يقممول‪ :‬لن أقطممع‬
‫الطريق أحب إلي من أن أروي عن عبد القدوس الشامي"‪.‬‬
‫وقال عبد الرزاق‪ :‬ما رأيت ابممن المبممارك يفصممح بقمموله كممذاب إل‬
‫لعبد القدوس‪.‬‬
‫وقال الفلس‪ :‬أجمعوا على ترك حديثه‪.‬‬
‫وقال النسائي‪ :‬ليس بثقة‪.‬‬
‫وقال ابن عدي‪ " :‬له أحاديث غير محفوظممة‪ ،‬وهممو منكممر الحممديث‬
‫إسنادا ً ومتنًا")‪.(2‬‬
‫وللحديث طرق أخرى أخرجها الخطيب البغدادي في تاريممخ بغممداد‬
‫)‪ (3/266‬من طريق أبي جعفر محمد بن موسى عممن أبيممه علممي‪،‬‬
‫عن أبيه موسى عن آبممائه عممن علممي قممال‪ :‬بعثنممي النممبي ‪ ‬إلممى‬
‫اليمن فقال لي وهو يوصيني‪ " :‬يا علي ما خاب مممن اسممتخار‪ ،‬ول‬
‫ندم من استشار‪ ،‬يا علي عليك بالدلجة‪ ،‬فإن الرض تطوى بالليل‬
‫ما ل تطوى بالنهار‪ ،‬يا علي اغد باسم الله‪ ،‬فإن اللممه بممارك لمممتي‬
‫في بكورها"‪.‬‬
‫وهذا إسناد مظلم أوهممى مممن السممابق وفيممه انقطمماع ظمماهر آبمماء‬
‫موسى هذا‪ ،‬فل يصلح هذا السناد‪ ،‬ول تقوم به حجة‪:‬‬
‫و الحديث ضعفه أهل العلم وإليك البيان‪:‬‬
‫قال الهيثمي في المجمع )‪ " :(8/99‬رواه الطبراني فممي الوسممط‬
‫والصغير من طريق عبد السلم بن عبد القدوس وكلهما ضممعيف‬
‫جدًا"‪.‬‬
‫وقممال الحممافظ فممي الفتممح )‪ " :(11/220‬أخرجممه الطممبراني فممي‬
‫الصغير بسند واه جدًا"‪.‬‬
‫‪ ()1‬الميزان )‪.(4/349‬‬
‫‪ ()2‬عمدة القاري )‪.(2/235‬‬
‫كشمممممممممممف السمممممممممممتارة عمممممممممممن صممممممممممملة السمممممممممممتخارة‬
‫‪56‬‬

‫وقال العجلوني في الكشف له )‪ " :(2/185‬ضعيف جدًا"‪.‬‬


‫وقممل محمممد الطرابلسممي السندروسممي فممي الكشممف اللهممي )‬
‫‪ " :(2/618‬ضعيف جدًا"‪.‬‬
‫وقال الحوت في أسنى المطالب )ص ‪ " :(247‬سنده واه"‪.‬‬
‫وقممال العلمممة ناصممر الممدين اللبمماني فممي الضممعيفة )‪:(2/78‬‬
‫"موضوع"‪.‬‬
‫‪ " -2‬يا أنس إذا هممت بــأمر فاســتخر ربــك فيــه ســبع‬
‫مرات ثم انظر إلى الذي يسبق إلــى قلبــك فــإن الخيــر‬
‫فيه" ]ضعيف جدًا[‪.‬‬
‫أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة )ص ‪ (598) (362‬من‬
‫طريق إبراهيم بن البراء ثنمما أبممي عممن أبيممه عممن جممده قممال‪ :‬قممال‬
‫رسول الله ‪ " :‬يا انس ‪ "...‬فذكره‪.‬‬
‫وآفة هذا الحديث إبراهيم بن البراء هذا وهممو‪ :‬إبراهيممم بممن الممبراء‬
‫بن النضر بن أنس بممن مالممك‪ .‬قممال عنممه العقيلممي فممي ضممعفائه )‬
‫‪ " :(1/45‬يحدث عن الثقات بالبواطيل"‪.‬‬
‫وقال ابن حبان في المجروحين )‪ " :(1/118‬شيخ كان يدورالشام‬
‫ل يجوز ذكره في الكتب إل على سبيل القدح فيه"‪.‬‬
‫وذكر له ابن عدي في الكامل )‪ (1/412‬عدة أحاديث ثم قال فيه‪:‬‬
‫" وإبراهيم بن البراء هذا أحاديثه التي ذكرتها وما لم أذكرهمما كلهمما‬
‫مناكير موضوعة‪ ،‬ومن اعتبر حممديثه علممم أنممه ضممعيف جممدًا‪ ،‬وهممو‬
‫متروك الحديث"‪.‬‬
‫والحديث تناوله أهل العلم بالضعف‪:‬‬
‫قال النووي في الذكممار )ص ‪ " :(113‬إسممناده غريممب فيممه مممن ل‬
‫أعرفهم"‪ .‬ومعنى غريب؛ أي ضعيف‪ ،‬فممإن أهممل الحممديث يعممبرون‬
‫عن الضعف بالغرابة أحيانًا‪ ،‬كممما يفعممل ذلممك الترمممذي كممثيرا ً فممي‬
‫سننه‪.‬‬
‫وقال العراقي متعقبا ً النووي فيما قاله سابقًا‪ " :‬كلهممم معروفممون‬
‫ولكن بعضهم معروف بالضعف الشديد")‪.(1‬‬
‫وقال العراقي أيضًا‪ " :‬فالحديث على هذا ساقط ل حجة فيه")‪.(2‬‬
‫وقال الحافظ فممي الفتممح )‪ " :(11/223‬وهممذا لممو ثبممت لكممان هممو‬
‫المعتمد لكن سنده واه جدًا"‪.‬‬
‫‪ ()1‬نقل كلمه الشوكاني في النيل )‪.(3/89‬‬
‫‪ ()2‬المصدر السابق‪.‬‬
‫كشمممممممممممف السمممممممممممتارة عمممممممممممن صممممممممممملة السمممممممممممتخارة‬
‫‪57‬‬

‫‪ " -3‬اللهم خر لي واختر لي" ]ضعيف[‪.‬‬


‫أخرجه الترمذي في سننه )‪ ،(3516) (5/250‬والبزار في مسنده‬
‫)‪ ،(1/129‬برقم )‪ ،(59‬البحر الزخار( ‪ ،‬وأبو يعلممى فممي مسممنده )‬
‫‪ ،(40) (1/53‬وابن السني في عمل اليمموم والليلممة )ص ‪) (360‬‬
‫‪ .(597‬والسهمي في تاريخ جرجان )ص ‪ ،(843) (444‬والبيهقي‬
‫في الشعب )‪ ،(204) (1/219‬والعقيلممي فممي الضممعفاء )‪،(2/97‬‬
‫وابن عدي في الكامل )‪ .(4/208‬والمممزي فممي تهممذيب الكمممال )‬
‫‪ ،(9/395‬والذهبي في السير )‪.(13/183‬‬
‫كلهم من طريق زنفل بن عبد الله عن أبي مليكة عن عائشة عن‬
‫أبي بكر الصمديق أن النمبي ‪ ‬كمان إذا أراد أممرا ً قمال‪ ... :‬فمذكر‬
‫الحديث‪ ،‬وزنفل هذا تفرد بهذا الحديث فل يعممرف ل مممن طريقممه‪،‬‬
‫وهو‪ :‬زنفل بن عبد الله ويقال ابن شممداد العرفممي‪ ،‬أبممو عبممد اللممه‬
‫المكي‪.‬‬
‫ضعفه أهل العلم وأجمعوا على ضعفه‪.‬‬
‫قال عنه ابن معين‪ :‬ليس بشيء‪.‬‬
‫وقال النسائي‪ :‬ليس بثقة‪.‬‬
‫وقال الحميدي‪ :‬كان يلعب مع الصبيان‪.‬‬
‫وقال أبو زرعة‪ :‬فيه ضعف ليس بشيء‪.‬‬
‫وقال أبو داود‪ :‬ضعف تجئ عنه مناكير‪.‬‬
‫وقال ابن عدي‪ :‬ل يتابع على ما يرويه‪.‬‬
‫كشمممممممممممف السمممممممممممتارة عمممممممممممن صممممممممممملة السمممممممممممتخارة‬
‫‪58‬‬

‫وضممعفه أبممو حمماتم وزكريمما السمماجي والممدارقطني والحممافظ فممي‬


‫التقريب )‪.(1‬‬
‫والحديث سأل عنه ابن أبي حاتم أبا زرعممة كممما فممي العلممل لممه )‬
‫‪ :(2/204‬فقال أبو زرعة‪ " :‬هذا حديث منكممر وزنفممل فيممه ضممعف‬
‫ليس بشيء" وضعفه الترمذي في سننه بعد إخراجه له )‪(5/500‬‬
‫فقال‪ " :‬هذا حديث غريب‪ ،‬ل نعرفه إل من حديث زنفل‪ ...‬وتفممرد‬
‫بهذا الحديث ول يتابع عليه"‪.‬‬
‫وضعفه الحافظ ابن حجممر فممي الفتممح )‪ (11/220‬وقممال‪ " :‬سممنده‬
‫ضعيف"‪.‬‬
‫وأورده العجلمموني فممي الكشممف لممه )‪ (1/188‬وأعلممه بزنفممل هممذا‬
‫وقال الشوكاني في النيل )‪ " :(3/87‬في إسناده ضعف"‪.‬‬
‫وضعفه العلمة محمد ناصر الدين اللبمماني فممي ضممعيف الترمممذي‬
‫)ص ‪ ،(3516) (385‬وفممي السلسمملة الضممعيفة لممه )‪) (4/25‬‬
‫‪.(1515‬‬
‫‪ " -4‬من سعادة ابن آدم استخارته الله‪ ،‬ومن سعادة ابن‬
‫آدم رضاه بما قضــاه اللــه‪ ،‬ومــن شــقوة ابــن آدم تركــه‬
‫استخارة الله‪ ،‬ومن شقوة ابــن آدم ســخطه بمــا قضــى‬
‫الله" ]ضعيف[‪.‬‬
‫أخرجممه أحمممد فممي مسممنده )‪ (1444) (2/209‬واللفممظ لممه‪،‬‬
‫والترمذي فممي سممننه )‪ ،(2151) (4/396‬والممبزار فممي مسممنده )‬
‫‪ ،(4/18‬برقممم ‪ 1178‬البحممر الزخممار( إل أنممه قممال‪ " :‬مممن سممعادة‬
‫المرء" والحاكم في مستدركه )‪ ،(1955) (1/706‬والبيهقي فممي‬
‫الشعب )‪ .(1/203‬من طريق محمد بن أبي حميد عممن إسممماعيل‬
‫بن محمد بن سرور بن أبي وقاص عن أبيه عممن سممعد قممال‪ :‬قممال‬
‫رسول الله ‪ .... ‬فذكره‪.‬‬
‫وصححه الحمماكم ووافقممه الممذهبي‪ ،‬وحسممن إسممناده الحممافظ فممي‬
‫الفتح )‪ (11/220‬ولكن الحممديث ضممعيف لضممعف محمممد بممن أبممي‬
‫حميد هذا وهو‪ :‬محمد بن أبي حميد إبراهيم النصاري الزرقي أبممو‬
‫المدني‪ ،‬لقبه حماد‪.‬‬
‫قال عنه أحمد‪ :‬أحاديثه مناكير‪.‬‬
‫وقال ابن معين‪ :‬ليس حديثه بشيء‪.‬‬
‫‪ ()1‬ضعفاء العقيلي )‪ ،(2/97‬الكامل )‪ ،(4/209‬تهذيب الكمال )‪ ،(9/394‬التقريب ص)‪ (34‬والعلل‬
‫لبن أبي حاتم )‪.(2101) (2/204‬‬
‫كشمممممممممممف السمممممممممممتارة عمممممممممممن صممممممممممملة السمممممممممممتخارة‬
‫‪59‬‬

‫وقال الجوزجاني‪ :‬واهي الحديث ضعيف‪.‬‬


‫وقال البخاري‪ :‬منكر الحديث‪ ،‬ومعناه‪ :‬ل تحل الرواية عنه‪.‬‬
‫وقال النسائي‪ :‬ليس بثقة‪.‬‬
‫وقال أبو زرعة‪ :‬ضعيف الحديث‪.‬‬
‫وهذا سند عليل كسابقه آفته عبد الرحمن بن أبي بكر وهممو‪ :‬عبممد‬
‫الرحمن بن أبي بكر بن عبيد الله بن أبي مليكة التيمي المدني‪.‬‬
‫قال عنه ابن معين‪ :‬ضعيف‪.‬‬
‫وقال النسائي‪ :‬ليس بثقة‪ ،‬وقال مرة‪ :‬متروك الحديث‪.‬‬
‫وقال أحمد‪ :‬منكر الحديث‪.‬‬
‫وقال البخاري‪ :‬منكر الحديث‪.‬‬
‫وقال أبو حاتم‪ :‬ليس بقوي في الحديث‪.‬‬
‫وقال ابن عدي‪ :‬ل يتابع في حديثه‪.‬‬
‫وقال ابن حبان‪ :‬ينفرد عن الثقات ما ل يشبه حديث الثبات‪.‬‬
‫وقال ابن خراش‪ :‬ضعيف الحديث ليس بشيء‪.‬‬
‫وقال الحافظ ابن حجر‪ :‬ضعيف‪ ،‬وقال البزار‪ :‬لين الحديث" )‪.(1‬‬
‫وضممعف الحممافظ العراقممي رحمممه اللممه هممذين الطريقيممن اللممذين‬
‫أخرجهما البزار وهما‪ :‬طريق محمد وعممامر عممن أبيهممما سممعد بممن‬
‫أبي وقاص رضي الله عنه‪ ،‬وكلهما يرويه عنهما عبد الرحمممن بممن‬
‫أبي بكر وهو الضعيف الذي مممر‪ ،‬فمممدار السممناد عليممه ولممذا قممال‬
‫الحافظ العراقي عن هذين الطريقين‪:‬‬
‫" وكلهما ل يصح إسناده" )‪.(2‬‬
‫‪ " -5‬إذا أراد أحدكم أمرا ً فليقل‪ :‬اللهم إني أســتخيرك‬
‫بعلمــك‪ ،‬وأســتقدرك بقــدرتك وأســألك مــن فضــلك‬
‫العظيم‪ ،‬فإنــك تقــدر ول أقــدر‪ ،‬وتعلــم ول أعلــم وأنــت‬
‫علم الغيــوب‪ .‬اللهــم إن كــان كــذا وكــذا – للمــر الــذي‬
‫يريده – خيرا ً لي فــي دينــي ومعيشــتي وعاقبــة أمــري‪،‬‬
‫فاقدره لي ويسره لي وأعني عليه‪ ،‬وإن كان كذا وكــذا‬
‫– للمــر الــذي يريــد – شــرا ً لــي فــي دينــي ومعيشــتي‬
‫وعاقبة أمري‪ ،‬فاصرفه عني‪ ،‬ثم اقدر لــي الخيــر أينمــا‬

‫‪ ()1‬ضعفاء العقيلي )‪ ،(2/424‬تهذيب التهذيب )‪ ،(5/59‬التقريب )ص ‪ ،(571‬مسند البزار )‬


‫‪.(3/305‬‬
‫‪ ()2‬نقله الشوكاني في نيل الوطار )‪.(3/88‬‬
‫كشمممممممممممف السمممممممممممتارة عمممممممممممن صممممممممممملة السمممممممممممتخارة‬
‫‪60‬‬

‫كان‪ ،‬ل حول ول قوة إل بالله" ]ضعيف بزيادة الحوقلممة فممي‬


‫آخره[‪.‬‬
‫أخرجه أبو يعلى في مسنده )‪ ،(1337) (116 – 2/115‬ابن حبان‬
‫في صحيحه )‪ .(885) (3/167‬والطبراني في الدعاء )‪(3/1408‬‬
‫)‪ ،(1304‬والممبيهقي فممي الشممعب )‪ (206) (1/220‬مممن طريممق‬
‫عيسى بن مالك عن محمد بن عطمماء بممن يسممار عممن أبممي سممعيد‬
‫الخدري رضي الله عنممه قممال‪ :‬سمممعت رسممول اللممه ‪ ‬يقممول ‪...‬‬
‫فذكره‪.‬‬
‫قممال الهيثمممي فممي الجمممع )‪ " :(2/284‬رواه أبممو يعلممى ورجمماله‬
‫موثوقون"‪.‬‬
‫وقال العراقي‪ " :‬إسناده قوي" نقله الشوكاني في النيل )‪.(3/87‬‬
‫قلت‪ :‬لكن في إسناده‪ :‬عيسى بن عبد الله بن مالك الدار‪.‬‬
‫لم يوثقه غير ابن حبممان علممى قاعممدته المشممهورة‪ ،‬واعتمممد عليممه‬
‫الهيثمي فوثق رجال إسناده كما سبق‪.‬‬
‫وقل عنه علي ابن المديني‪ :‬مجهول لم يمرو عنمه غيمر محممد بمن‬
‫إسحاق‪.‬‬
‫قلت‪ :‬لكممن المممزي ذكممر فممي تهممذيبه خلقما ً رووا عنممه؛ لممذا تعقممب‬
‫الحافظ ابن حجر كلم ابن المديني هذا فقال‪ :‬روى عنه جماعة‪.‬‬
‫وقال الحافظ في التقريب‪ :‬مقبول‪ ،‬أي‪ :‬إذا تممابعه أحممد وإل فليممن‬
‫الحديث‪.‬‬
‫فالظاهر أنه خرج من جهالمة العيمن لنمه روى عنمه جماعمة‪ ،‬لكمن‬
‫الظهر أنه بقى على جهالة الحال؛ لممذا كممان ابممن القطممان رحمممه‬
‫الله منصفا ً في حقه لما قال عنه‪ :‬مجهول الحال)‪.(1‬‬
‫قلت‪ :‬وحديث الستخارة جاء من عدة طرق عممن بعممض الصممحابة‬
‫رضي الله عنهم‪ ،‬ولم تأت هذه الزيادة أعني قمموله‪ " :‬ل حممول ول‬
‫قوة إل بممالله" إل عممن أبممي سممعيد الخممدري رضممي اللممه عنممه مممن‬
‫طريق عيسى بن عبد الله‪.‬‬
‫وحاله كما رأيممت‪ ،‬فتفممرده بهممذه الزيممادة ل يسممعفه حمماله لثباتهمما‬
‫وقبولها في باب العبادات‪.‬‬
‫وكثرة شواهد الحديث تقوي رواية جابر رضي الله عنه وتدل على‬
‫نكارة هذه الزيادة لنها من طريق مجهول‪.‬‬

‫‪ ()1‬عمدة القاري )‪.(2/235‬‬


‫كشمممممممممممف السمممممممممممتارة عمممممممممممن صممممممممممملة السمممممممممممتخارة‬
‫‪61‬‬

‫وسبق ذكر حديث جابر ومن أخرجه في بدايممة الكتمماب‪ ،‬كممما جمماء‬
‫الحديث من مسند أبي هريرة رضي الله عنه عن ابممن حبممان فممي‬
‫صحيحه )‪ ،(886) (3/168‬والطبراني فممي الممدعاء )‪) (3/1409‬‬
‫‪ ،(1306‬وكذلك جاء من مسند ابن عمممر رضممي اللممه عنهممما عنممد‬
‫الطبراني في الوسط )‪ ،(935) ( 287 – 1/286‬ومن مسند ابن‬
‫مسعود رضي الله عنه عنممد الطممبراني فممي الوسممط )‪) (4/106‬‬
‫‪ ،(3724) (3723‬وفممي الكممبير )‪،10012) (10/91) (10/78‬‬
‫‪ ، (10052‬وكذل من مسند أبي أيوب النصاري رضممي اللممه عنممه‬
‫عند الطبراني في الدعاء )‪.(1307) (3/1410‬‬
‫وهذه الشواهد تدعم حديث جابر رضي الله عنه وفممي كممثير منهمما‬
‫ضعف‪ ،‬ولكنها تعتضد ببعضها البعض‪ ،‬والملحممظ أنهممم كلهممم رووا‬
‫الحممديث دون الزيممادة الخيممرة‪ ،‬فالحاصممل أن حممديث السممتخارة‬
‫صحيح ولله الحمد لكن دون لفظ الحوقلة‪.‬‬
‫وضعف الحديث بهذه الزيممادة العلمممة ناصممر الممدين اللبمماني فممي‬
‫الضعيفة )‪ .(305) (5/330‬والله أعلم‪.‬‬
‫والحمد لله وصلى الله على محمد وصحبه ومن اتبع هداه‬

You might also like