‫مات العقل وبقيت "الرجل"؟!

‬
‫بقلم‪ :‬قادة بن عمار‬

‫حبين أو متسائلين‪ ،‬أن ثقافة القدام في وقتنا الراهففن تفففوقت‬

‫يدرك الجميع‪ ،‬مستغربين أو مر ّ‬
‫ن ثقافففة‬
‫بالضربة القاضية على ثقافة القلم‪ ،‬ويا ليت المر اقتصر على الولى فحسففب‪ ،‬بففل إ ّ‬
‫الهز و"التحزيم"‪ ،‬والشطيح والرديح‪ ،‬تكاد تتفوق على القدام والقلم معا في عالمنففا العربففي‬
‫والسلمي المعاصر؟!‬

‫ة محدودة المستوى‪ ،‬مثل سوزان تميم‪ ،‬وقبلها المغنية ذكرى‪ ،‬ومففن‬ ‫هل ينكر أحد أن رحيل مغني ٍ‬
‫د‬ ‫قبلهما أم كلثوم وعبد الحليم ومحمد عبد الوهاب‪ ،‬ش ّ‬
‫كل لدى الرأي العام العربففي‪ ،‬صففدمة أش ف ّ‬
‫من رحيل كبار العلماء‪ ،‬ك ّ‬
‫ل في مجاله؟!‬
‫إلى متى ستظل هذه المة تقاس براقصاتها ل بعلمائهففا‪ ،‬وبمغنييهففا ل بمفكريهففا‪ ،‬وبلعبيهففا ل‬
‫بفلسفتها؟! أل يتحمل أصحاب القرار السياسي والثقافي جففزءا كففبيرا مففن المسففؤولية‪ ،‬حيففن‬
‫يصبح فتح قناة موسيقية لممارسة الردح‪ ،‬ليففل نهففار‪ ،‬أبسففط بكففثير مففن إنشففاء قنففاة علميففة أو‬
‫إخبارية أو تربوية؟! لماذا نستعجل ونغضففب كففثيرا فففي الجففزائر مثل‪ ،‬لتففأخر فتففح قنففاة رياضففية‬
‫خاصة بالمونديال‪ ،‬أكثر من غضبنا لعدم فتح المجال السمعي البصري برمته ومنع إنشاء قنوات‬
‫ول منصفب حفارس مرمفى ففي قائمفة الفريفق الفوطني‬ ‫ثقافيفة واجتماعيفة وفكريفة؟ ألفم يتحف ّ‬
‫ن في منصب مفتي البلد؟!‬ ‫بالمونديال عند البعض إلى أهم وأخطر‪ ،‬من تعيين عالم دي ٍ‬
‫ي شخص آخر‪ ،‬مهمففا بلغففت‬‫لم يكن المفكر والفيلسوف العربي البارز محمد عابد الجابري‪ ،‬ول أ ّ‬
‫درجة علمه‪ ،‬ووصل مستوى تفوقه ونبوغه‪ ،‬سففيدرك تاريفخ رحيلفه‪ ،‬أو يعفرف يفوم وففاته‪ ،‬قبفل‬
‫وقوعها بالفعل‪ ،‬فالموت يأتي بغتة‪ ،‬ويدركنا ولو كّنا في بروج مشّيدة‪ ،‬لكن رحيل الجابري على‬
‫مكتبه‪ ،‬وبين مؤلفاته‪ ،‬يحمل أكثر من دللة ورمزية‪ ،‬على هذا النضال الفكري الكبير الففذي تميففز‬
‫به الرجل‪ ،‬وافترقت حفوله الراء‪ ،‬حّتفى وإن كّنفا نعلفم تمفام العلفم‪ ،‬أن الجفابري وغيفره‪ ،‬كفانوا‬
‫يدركون أن وفاته ستمر هكذا‪ ،‬بدون إحداث ربع ضففجة إعلميففة أو شففعبية‪ ،‬كتلففك الففتي تصففاحب‬
‫رحيل مغنية أو راقصة أو لعب كرة قدم؟!‬
‫ة في كباريه‪ ،‬أو مقتل راقصة على يد عشيقها‪ ،‬أو مصرع لعب كففرة قففدم‬ ‫لقد أصبح رحيل مغني ٍ‬
‫كل فارقا في هذه المة‪ ،‬أكثر من رحيل عالم جليل تم تعذيبه فففي سففجن‪ ،‬أو مفكففر‬‫انتحارا‪ُ ،‬يش ّ‬
‫ة‪ ،‬ترتففب‬
‫كبير‪ ،‬مات يصارع الفكار بيففن كتبففه‪ ،‬مثلمففا وقففع للجففابري قبففل أيففام‪ ،‬ول ريففب أن أمف ً‬
‫أولوياتها‪ ،‬بهذا الشكل‪ ،‬لن تستمر طويل‪ ،‬لنها كتبت شهادة وفاتها بيديها حين قررت أن تفكففر‬
‫طها‪ ،‬وليس بعقلها؟!‬
‫برجليها ووس ِ‬

‫المصدر‪ :‬الشروق اليومي‬

‫‪ 7‬ماي ‪2010‬‬
‫الصور‪ :‬ج‪.‬مسعودي )مصدر‪ :‬النترنيت(‬