You are on page 1of 24

‫اللغة العربية وضمير المة ‪ ،‬محاضرة لسماحة الشيخ أحمد بن حمد‬

‫الخليلي المفتي العام لسلطنة عمان‬

‫اللغة العربية وضمير المة‬


‫محاضرة لسماحة الشيخ‪ /‬أحمد بن حمد الخليلي‬
‫المفتي العام لسلطنة عمان ‪..‬‬

‫المحاضرة موجودة ضمن مشروع "فذكر"‬


‫بالمجرة بالصيغة الصوتية ‪ ،‬جزى الله خير الجزاء‬
‫من قام بتسجيلها ووضعها على الموقع ‪..‬‬

‫=========‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫الحمد لله الذي خلق النسان وعلمه البيان ‪،‬‬


‫وشرف اللسان العربي على كل لسان ‪ ،‬إذ جعله‬
‫وعاء ذكره الحكيم وبيان صراطه المستقيم ‪،‬‬
‫أنزل به كتابه وجعله معجزا ً بيانه ساطعا ً برهانه‬
‫شامخا ً برهانه ‪ ،‬تحدى به المم فعجزت عن أن‬
‫تأتي بمثله أو عن تأتي بسورة من مثله ‪ ،‬وأشهد‬
‫أن ل إله إل الله وحده ل شريك له وأشهد أن‬
‫سيدنا ونبينا محمدا ً عبده ورسوله أرسله الله‬
‫بأحسن اللسن وأبلغ البيان وأقوى البرهان فبلغ‬
‫رسالة ربه وأدى أمانته ‪ ،‬وبين للناس الطريقة‬
‫وكشف لهم معالم الحقيقة ‪ ،‬صلوات الله‬
‫وسلمه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى‬
‫ن إلى يوم الدين‪.‬‬ ‫تابعيهم بإحسا ٍ‬

‫أما بعد فالسلم عليكم أيها الخوة والخوات‬


‫ورحمة الله وبركاته‪..‬‬

‫أحييكم جميعا ً بهذه التحية الطيبة المباركة‬


‫وأشكر الله سبحانه وتعالى الذي جمعنا هنا تحت‬
‫لواء اللغة العربية ‪ ،‬اللغة التي تجمع المم لنها‬
‫اللسان الذي خاطب الله سبحانه وتعالى به عباده‬
‫‪1‬‬
‫اللغة العربية وضمير المة ‪ ،‬محاضرة لسماحة الشيخ أحمد بن حمد‬
‫الخليلي المفتي العام لسلطنة عمان‬

‫وأمرهم أن يخاطبوه به ‪ ،‬فاللغة العربية ليست‬


‫ملكا ً للعرب وحدهم إذ هي ليست لغة قومية بعد‬
‫أن اختارها الله سبحانه وتعالى لن تكون وعاءً‬
‫لكلمه المنزل بالهداية والعجاز‪ ،‬فهي كانت لغة‬
‫قومية قبل ذلك عندما كانت خاصة بالعرب‬
‫وحدهم ‪ ،‬ولكن بعد أن شرفها الله سبحانه‬
‫وتعالى ورفع من قدرها إذ أنزل بها هذا الكتاب‬
‫المبين وشرفها بأن تكون وعاء هذا الذكر الحكيم‬
‫وأن تكون بيان هذا الصراط المستقيم لم تعد‬
‫لغة العرب وحدهم وإنما أصبحت لغة المة‬
‫المسلمة بأسرها ‪،‬ل فرق في ذلك بين عربي‬
‫وأعجمي ‪ ،‬ول فرق في ذلك بين أسود وأبيض‬
‫لن هذه اللغة هي التي خاطب الله سبحانه‬
‫وتعالى بها عباده جميعا ً إذ أنزل بها هذا الكتاب‬
‫العزيز الذي أخبر أنه ذكٌر للعالمين ‪ ،‬وفرض على‬
‫عباده أن يخاطبوه بها عندما يقف الكل بين يديه‬
‫ك‬‫وإ ِّيا َ‬
‫عب ُدُ َ‬
‫ك نَ ْ‬‫ن عربي مبين ))إ ِّيا َ‬
‫ويقولوا بلسا ٍ‬
‫ن (( ‪ ،‬فإذن هي لغة التخاطب بين العباد‬ ‫عي ُ‬
‫ست َ ِ‬
‫نَ ْ‬
‫ط كما أن‬ ‫وبين ربهم ‪ ،‬ومعنى هذا أنها ربا ٌ‬
‫العقيدة رباط ‪ ،‬فهي رباط بين الناطقين بها كما‬
‫أن العقيدة رباط بين المؤمنين بها‪.‬‬

‫ول ريب أن لغة كل أمة من المم إنما هي وعاءٌ‬


‫حضاري ‪ ،‬إذ اللغة هي التي تجمع شتيت‬
‫معلوماتهم وتؤلف بين علقاتهم وتصل فيما‬
‫بينهم ‪ ،‬ولذلك كانت اللغة جسرا ً تعبر عليه‬
‫الثقافة ‪ ،‬وقد أدرك المستعمرون ذلك فلذلك‬
‫رسخوا لغاتهم في أي مكان ينزلون به ‪ ،‬إذ‬
‫المستعمر أيا ً كان إنما يفرض لغته على من‬
‫تسلط عليه ‪ ،‬فالنجليز فرضوا لغتهم في أي‬
‫بقعة استعمروها وجعلوها هي لغة الثقافة ولغة‬
‫العمل ولغة الفكر وكذلك الفرنسيون وكذلك‬
‫الروس وغيرهم فكل أمة مستعمرة إنما تفرض‬
‫‪2‬‬
‫اللغة العربية وضمير المة ‪ ،‬محاضرة لسماحة الشيخ أحمد بن حمد‬
‫الخليلي المفتي العام لسلطنة عمان‬

‫لغتها ‪ ،‬وقد قلت أكثر من مرة بأنه من العار على‬


‫المسلم أيا ً كان أن يحسن لغة المستعمر الذي‬
‫استعبده وأذله ول يحسن اللغة التي شرفه الله‬
‫سبحانه وتعالى بأن خاطبه بها ليحرره من‬
‫العبودية لغير الله سبحانه وتعالى فإذن العناية‬
‫ن في رقاب المة جميعا ً ‪.‬‬
‫دي ٌ‬
‫باللغة العربية َ‬

‫ونحن ندرك أن السلف أدرك هذه النقطة واهتم‬


‫بها أيما اهتمام ‪ ،‬فنحن نرى كيف جمعت هذه‬
‫اللغة بين العرب والعجم بل كان العجم أكثر‬
‫ة من أجلها ‪،‬‬‫عناية بها ومفاخرة بها وتضحي ً‬
‫خرحوا إلى أصعاق الرض يبحثون عن أي شيء‬
‫يمكن أن يظفروا به من اللغة العربية ‪ ،‬لربما‬
‫ت من‬‫سافر أحدهم من أجل البحث عن بي ٍ‬
‫د معين‬ ‫الشعر ‪ ،‬أو سافر من أجل البحث عن شاه ٍ‬
‫فيما يتعلق باللغة العربية ولربما قطع المسافات‬
‫ة لم يكن متأكدا ً منها‬
‫من أجل التأكد من معلوم ٍ‬
‫من قبل ‪ ،‬كل ذلك من أجل العناية بالعربية ‪ ،‬وقد‬
‫كانت هذه اللغة معقد تفاخرهم ومناط تنافرهم ‪،‬‬
‫فهم يحرصون على أن يظهروا بأنهم متمكنون‬
‫منها ‪ ،‬فهم يتفاخرون بها ‪ ،‬وقد وقع التنافر‬
‫ي‬
‫والتفاخر في ذلك بين سيبوبه والكسائي إمام ّ‬
‫العربية وهما من العجم واشتد تنافرهما في‬
‫ة معينة كانت سببا ً لحتف سيبوبه لنه مات‬ ‫قضي ٍ‬
‫كمدا ً بسبب أن السلطة وقفت بجانب الكسائي‬
‫وبعثت الناس على تأييده وإن كانوا غير مؤمنين‬
‫بما يقولون به ‪ ،‬وهذا مما أدى إلى أن يحس‬
‫سيبويه بظلم ٍ عظيم من هذه الناحية وكان ذلك‬
‫سببا ً لحتفه‪.‬‬
‫فإذن اللغة العربية كانت معقد عناية العجم كما‬
‫أنها كانت شرفا ً للعرب ‪ ،‬عنوا أيما عناية بها‬
‫وكانوا يفاخرون بهذا حتى إن الزمخشري‬
‫العجمي في فاتحة كتابه المفصل قال‪ ) :‬الله‬
‫‪3‬‬
‫اللغة العربية وضمير المة ‪ ،‬محاضرة لسماحة الشيخ أحمد بن حمد‬
‫الخليلي المفتي العام لسلطنة عمان‬

‫أحمد على أن شرفني بأن جعلني من علماء‬


‫ف وأي شرف لن هذه‬ ‫العربية ( نعم إنه لشر ٌ‬
‫اللغة اختارها الله سبحانه وتعالى لن تكون وعاءً‬
‫لكلمه العظيم الذي أنزله ليتحدى به المم جميعا ً‬
‫وليبين للناس أنه الحق المنزل من عند الله‬
‫سبحانه وتعالى عندما تتقاصر عباراتهم جميعا ً‬
‫دي العرب ‪،‬‬‫ح ّ‬
‫عن أن تضاهي عبارته ‪ ،‬فقد ت ُ ُ‬
‫وعندما نزل القرآن على قلب النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم كانت اللغة العربية بلغت أوجها‬
‫الشامخ والعرب كانوا ممسكين بناصيتها لنهم‬
‫روضوها أي ترويض فانقادت لهم في شعرهم‬
‫ونثرهم ‪ ،‬وكانوا يحضرون المساجلت‬
‫والمسابقات في السواق المخصصة لذلك وقد‬
‫وصلت اللغة في ذلك الوقت إلى ما وصلت إليه‬
‫بعدما صقلتها اللسن العربية تمهيدا ً لن تكون‬
‫وعاءً لكتاب الله سبحانه وتعالى ‪ ،‬فكان العرب‬
‫على أي حال عندما نزل القرآن الكريم على قلب‬
‫النبي عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلة‬
‫والتسليم بلغوا من البلغة ما تتقاصر عنه الهمم‬
‫في جميع العصور السابقة واللحقة ‪ ،‬إذ كانت‬
‫الجزيرة العربية تزخر بهذه الفواج من الخطباء‬
‫والشعراء الذين كانوا يتسابقون في مضمار بيان‬
‫نظمه ونثره ول ُيشق لهم في ذلك غبار ‪ ،‬وكانوا‬
‫حدوا أن يأتوا بمثل هذا‬ ‫يتفننون أيما تفنن ‪ ،‬فت ُ ُ‬
‫القرآن فتقاصرت هممهم وعجزوا وعدلوا عن‬
‫المجادلة باللسان إلى المجادلة بالسنان ‪ ،‬آثروا‬
‫القتال على محاولة التيان بمثل القرآن لنهم‬
‫أدركوا أنهم لو حاولوا أن يأتوا بمثله لما كان‬
‫منهم إل السفاف الذي يربأون بأنفسهم عن أن‬
‫حدوا أن يأتوا بعشر‬ ‫ينزلوا لحضيضه فأمسكوا ‪ ،‬وت ُ ُ‬
‫ة‬
‫حدوا أن يأتوا بسور ٍ‬ ‫ر من مثله فعجزوا ‪ ،‬وت ُ ُ‬ ‫سو ٍ‬
‫سع‬ ‫ُ‬
‫و ِ‬
‫خي لهم العنان و ُ‬ ‫من مثله فعجزوا ‪ ،‬وقد أر ِ‬
‫لهم الميدان بحيث يمكنهم أن يستعينوا بأي‬
‫‪4‬‬
‫اللغة العربية وضمير المة ‪ ،‬محاضرة لسماحة الشيخ أحمد بن حمد‬
‫الخليلي المفتي العام لسلطنة عمان‬

‫أحد ‪..‬يمكنهم أن يستعينوا بشهدائهم عندما‬


‫دعون أنهم جاءوا بمثل القرآن ولكنهم مع ذلك‬ ‫ي ّ‬
‫كله أمسكوا عن هذا لما يخافونه من السفاف‬
‫لن شياطينهم أنفسهم أدركوا هذا المر واستقر‬
‫في وجدانهم ‪ ،‬فقد أدركوا أنهم عاجزون عن‬
‫التيان بمثل القرآن الكريم ‪ ،‬ل يمكنهم بحال من‬
‫الحوال ‪ ،‬حتى أولئك الماردون الجبارون إعترفوا‬
‫بهذه الحقيقة كما كان ذلك من الوليد بن المغيرة‬
‫وعتبة بن أبي ربيعة عندما اعترفا بهذه الحقيقة‬
‫على رغم أنفيهما‪.‬‬

‫وهذا تكرر في عهود التأريخ قديمه وحديثه ‪ ،‬إذ‬


‫كثيٌر من أولئك الذين يتحدون القرآن ويحاربون‬
‫القرآن ويحاربون عقيدة اليمان إعترفوا بأن‬
‫القرآن بلغ من العجاز ما تتقاصر دونه بلغات‬
‫البلغاء جميعا ً ‪ ،‬هذا ما اعترفوا بأنفسهم كما كان‬
‫شمّيل الذي كان‬ ‫شبل ٌ‬‫في القرن الماضي من ِ‬
‫أحد الذين ينشرون اللحاد في البلد العربية‬
‫ويروجون له عندما اعترف بذلك نظما ً ونثرا ً‬
‫عندما كان يقرأ مجلة المنار التي كان يحررها‬
‫السيد محمد رشيد رضا وقد خصص فيها صفحات‬
‫لذكر مناقب النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وجه‬
‫إليه رسالة مختصرة يقول له فيها‪ ) :‬إلى غزالي‬
‫عصره السيد محمد رشيد رضا صاحب مجلة‬
‫المنار انت تنظر الى محمد كنبي وتجعله عظيما ً‬
‫وأنا أنظر اليه كرجل وأجعله أعظم ونحن وإن كنا‬
‫في العتقاد الديني أو المبدأ الديني على طرفي‬
‫نقيض فإننا يجمع بيننا العقل الواسع والخلص‬
‫في القول وذلك أوثق لعرى المودة بيننا( ثم‬
‫كتب تحت عنوان »الحق اولى ان يقال« هذه‬
‫البيات‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫اللغة العربية وضمير المة ‪ ،‬محاضرة لسماحة الشيخ أحمد بن حمد‬
‫الخليلي المفتي العام لسلطنة عمان‬

‫دع من محمد في سدى قرآنه‬


‫ما قد نحاه للحمة الغايات‬
‫إني وإن أك قد كفرت بدينه‬
‫هل أكفرن بمحكم اليات‬
‫أو ما حوت في ناصع اللفاظ من‬
‫حكم الروادع للهوى وعظات‬ ‫ِ‬
‫وشرائع لو أنهم أخذوا بها‬
‫ما قيدوا العمران بالعادات‬
‫نعم المدبر والحكيم إنه‬
‫رب الفصاحة مصطفى الكلمات‬
‫رجل الحجى رجل السياسة والدها‬
‫ل حليف النصر في الغارات‬ ‫بط ٌ‬
‫ببلغة القرآن قد غلب النهى‬
‫وبسيفه أنحى على الهامات‬
‫من دونه البطال في كل الورى‬
‫من سابق او حاضر او آت‬

‫وهذا المر يتكرر باستمرار حتى ان‬


‫المستشرقين وهم من غير العرب طبعا ً عندما‬
‫درسوا اللسان العربي ودرسوا القرآن المنزل‬
‫على النبي صلى الله عليه وسلم للهداية‬
‫والعجاز اعترفوا بأن آية هذه الرسالة هي في‬
‫في هذه المعجزة ‪ ،‬في معجزة القرآن الذي ل‬
‫يمكن أن يرقى الى بيانه أي بيان ول يمكن ان‬
‫يأتي أحد بمثله قط حتى أن أحد المستشرقين‬
‫الفرنسيين عندما ُترجمت ‪ 62‬سورة من القرآن‬
‫الكريم الى اللغة الفرنسية بتوصية من وزارة‬
‫التعليم الفرنسية ووزارة الداخلية كتب أحد‬
‫المستشرقين تقديما ً لهذه الترجمة وقال في‬
‫هذا التقديم )إن القرآن ل يمكن أن تفي به لغة‬
‫إل لغته الخاصة التي نزل بها ول يمكن أن يفي‬
‫‪6‬‬
‫اللغة العربية وضمير المة ‪ ،‬محاضرة لسماحة الشيخ أحمد بن حمد‬
‫الخليلي المفتي العام لسلطنة عمان‬

‫ب‬‫بعجائبه أسلوب إل أسلوبه الخاص فإنه أسلو ٌ‬


‫إلهي ولذلك أعجز البشر بسحر بيانه(‪ .‬نعم هم‬
‫يعترفون بأن القرآن الكريم أعجز البشر بسحر‬
‫بيانه‪ .‬فإذن اللغة تكون وعاء لهذا الكتاب العزيز‬
‫الذي اعترف المعترفون جميعا على اختلف‬
‫مللهم وعلى اختلف أفكارهم واختلف وتباين‬
‫أحوالهم بأنه ل يمكن أن يرقى الى بيانه بيان ول‬
‫يأتي بمثله أسلوب هي جديرة بأن تلقى كل‬
‫عناية منه‪.‬‬

‫نعم هذه اللغة كما قلت إنما يفاخر كل مسلم‬


‫بإتقانها هذا ما وجدناه من الذين عنوا باللغة‬
‫العربية وعنوا بفهم السلم في وقتنا هذا فهم‬
‫يعنون أيما عناية بأن يبّرزوا في اللغة العربية‬
‫ويجعلوها مفخرتهم في حديثهم وفي خطابهم‬
‫للخرين ‪ ،‬قبل فترة من الزمن إنعقد مؤتمر في‬
‫باكستان وحضره وفود من مختلف بلد العالم‬
‫في عهد الرئيس الجنرال ضياء الحق ودخلت‬
‫الوفود عليه فتكلم باسم الوفود الشيخ حمدي‬
‫يوسف الذي كان إبان ذلك مفتي يوغسلفيا وهو‬
‫رجل بوسني ‪ ،‬أي معنى ذلك هو رجل أعجمي ‪،‬‬
‫وهو يتقن اللغة النجليزية وبإمكانه ان يكلم بها‬
‫ضياء الحق ولكن بدل ً من أن يكلمه باللغة‬
‫النجليزية كلمه بالعربية فلما قيل له في ذلك‬
‫وقيل له كان بإمكانك أن تكلمه من دون أن‬
‫يترجم له أحدٌ كلمك فلماذا عدلت عن اللغة التي‬
‫يفهمها إلى اللغة التي ل يفهمها؟ كلمته باللغة‬
‫العربية‪ .‬قال‪ :‬وهل يليق بمسلم يمكنه أن يتحدث‬
‫بالعربية أن يتحدث بغيرها؟!! هذا العتزاز باللغة‬
‫العربية إنما هو دليل على العتزاز بعقيدة‬
‫السلم وعلى العتزاز بالنتماء إلى السلم‬
‫والرغبة في أن يعيش صاحب هذا العتزاز عيشة‬
‫‪7‬‬
‫اللغة العربية وضمير المة ‪ ،‬محاضرة لسماحة الشيخ أحمد بن حمد‬
‫الخليلي المفتي العام لسلطنة عمان‬

‫تكون امتدادا ً لعيشة أولئك الذين كرعوا من معين‬


‫هذه اللغة وتشبعوا بها وأروتهم وشغلتهم عن‬
‫كل اللغات وشغلهم أدبها عن كل ادب ‪ ،‬نعم هذه‬
‫هي اللغة العربية التي يفاخر بها المفاخرون‬
‫بسبب أن الله سبحانه وتعالى شرفها لن تكون‬
‫وعاء لكتابه العزيز ‪ ،‬قبل ذلك لم يكن الناس‬
‫يفاخرون بها‪.‬‬

‫ولذلك كانت اللغة العربية مدينة للقرآن كما إن‬


‫السلم أيضا إنما هو مدين للقرآن الكريم ‪ ،‬إذ‬
‫لول القرآن لما بقي السلم ولول القرآن لماتت‬
‫العربية كما ماتت اللغات القديمة الخرى وإنما‬
‫العناية بالقرآن هو الذي شغل الناس بالعربية‬
‫وكان أبناء العجم يفاخرون بأنهم يؤلفون بها‬
‫وأنهم يبّرزون في التعبير بها ‪ ،‬وقد وصلوا إلى‬
‫ما وصلوا إليه فكتب العجم فاقت حتى كتب‬
‫العرب من هذه الناحية ‪ ،‬نحن لو جئنا الى كتاب‬
‫سيبويه في النحو هو أصل الكتب التي ألفت‬
‫فيما بعد وكذلك اذا جئنا الى الكتب الخرى التي‬
‫أّلفها أبناء العجم في شتى الفنون المتعلقة‬
‫ي الجرجاني دلئل‬ ‫بالعربية لو جئنا الى كتاب ّ‬
‫العجاز واسرار البلغة وجدنا ان هذين الكتابين‬
‫يفوقان كل كتاب ألف في مجال البلغة وهكذا‪.‬‬
‫فمعنى ذلك أن العجم بّرزوا في تأليفهم بهذه‬
‫اللغة‪.‬‬

‫قبل فترة وجيزة حدثني أحدٌ من عندنا أنه حضر‬


‫مؤتمرا ً في إحدى الدول التي كانت تحت لواء‬
‫التحاد السوفييتي من قبل وحضرت الوفود من‬
‫كل مكان من بينها وفود العرب وحضر رجل من‬
‫الهند من ندوة العلماء بالهند فتكلم باللسان‬
‫‪8‬‬
‫اللغة العربية وضمير المة ‪ ،‬محاضرة لسماحة الشيخ أحمد بن حمد‬
‫الخليلي المفتي العام لسلطنة عمان‬

‫العربي وبزت بلغته بلغاء العرب الذين حضروا ‪،‬‬


‫فمعنى ذلك أن اللغة العربية هي لغة الجميع ‪،‬‬
‫وقد يسرها الله تبارك وتعالى كما يسر القرآن‬
‫للذكر‪.‬‬

‫ونجد من شواهد هذا انه عندما آذن القرن الرابع‬


‫عشر بالنتهاء وأقبل الخامس عشر الهجري نظم‬
‫القسم العربي بهيئة الذاعة البريطانية مسابقة‬
‫شعرية في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫فاشترك في هذه المسابقة ألف ومئتان من‬
‫الشعراء ولم يكن الفائز الول في حلبتها عربيا ً‬
‫وإنما كان إفريقيا ً من السنغال هو الشاعر‬
‫عبدالله با الذي افتتح قصيدته بقوله‪:‬‬
‫هجرت بطاح مكة والهضابا‬
‫وودعت المنازل والرحابا‬
‫تخذت من الدجى يا بدُر سترا ً‬
‫ومن رهبوت حلكته ثيابا‬
‫ض‬
‫ب تسيء إليك أر ٌ‬ ‫ج ٍ‬
‫ع َ‬
‫ومن َ‬
‫نشأت فما أسأت بها شبابا‬

‫فما هذا السبق في مجال اللغة العربية من قبل‬


‫غير أبناء العرب إل دليل على أن هذه اللغة‬
‫يسرها الله تعالى كما يسر القرآن للذكر ‪ ،‬ولذلك‬
‫كان على المة جميعا ً أن ُتعنى باللغة العربية ‪،‬‬
‫المة جميعا مطالبة بأن تكون على فهم بمعجزة‬
‫القرآن الكريم‪ .‬ول ريب أن الدراك والفهم‬
‫لعجاز القرآن من حيث البيان إنما يتوقف على‬
‫من لم يدرك اللغة العربية أنى‬ ‫فهم هذه اللغة ‪َ ،‬‬
‫له أن يفهم معجزة القرآن‪ .‬ل ريب أن للقرآن‬
‫الكريم حلوة وعذوبة حتى أن الذين ل يفهمون‬
‫العربية قد يدركون بوجدانهم هذه العذوبة‬
‫‪9‬‬
‫اللغة العربية وضمير المة ‪ ،‬محاضرة لسماحة الشيخ أحمد بن حمد‬
‫الخليلي المفتي العام لسلطنة عمان‬

‫ولكنهم ل يستطيعون أن يصلوا إلى تفاصيل هذا‬


‫المر واستكشاف أسراره حتى يتبين لهم كيف‬
‫أن هذا القرآن قاد العرب من ألسنتهم ‪ ،‬حولهم‬
‫من وضع إلى وضع لن العرب كانوا في ذلك‬
‫الوقت مع ضلل ألبابهم وعمى بصائرهم وصلوا‬
‫و رفيع بحيث كانت لغتهم‬ ‫ف البلغة إلى شأ ٍ‬
‫أرقى لغات العالم جميعا وكان أسلوبهم أقوى‬
‫الساليب ولكن مع هذا كله بهرهم القرآن‬
‫ببيانه ‪ ،‬هم كانوا يسلسون قيادهم للسنتهم‬
‫فاقتادهم القرآن من هذا اللسان الذي كان‬
‫يمتلك ألبابهم ‪ ،‬جاءهم بهذا البيان المعجز وحير‬
‫ألبابهم‪ .‬ول ريب أن دراسة ذلك تتوقف على‬
‫معرفة اللغة العربية بفنونها جميعا ً ‪ ،‬ول يمكن أن‬
‫يقتحم أسوار هذا المر دعي ويتحدث فيه بجهل‬
‫ل بد من أن يكون الذي يتحدث في هذا الجانب‬
‫ملما ً بفنون اللغة العربية من نحو وتصريف‬
‫وبلغة حتى يفهم النسان كيف جاء هذا القرآن‬
‫الكريم بهذا السلوب الذي حير اللباب‪.‬‬

‫ل ريب أن القرآن الكريم هو في حقيقته معجز ‪،‬‬


‫اللغة العربية كما قلنا لغة واسعة الساليب تفنن‬
‫الناس فيها وجاءوا في أدبهم الشعري والنثري‬
‫بالعجب العجاب ولكن القرآن الكريم ل يمكن أن‬
‫د كان من الناس ‪ ،‬والقرآن‬ ‫يجارى من أي أح ٍ‬
‫الكريم جاءت كلماته مترتبة متناسقة كل واحدة‬
‫حجزة أختها ‪ ،‬فكل كلمة من الكلمات‬ ‫منها تأخذ ب ُ‬
‫حلت محلها ‪ ،‬وليس هذا العجاز من حيث‬
‫مفردات الكلمات فحسب بل حتى من حيث‬
‫تصفيف الحروف جاء متناسقا ً مع الوجوه التي‬
‫يتحدث عنها القرآن الكريم عندما يتحدث عن‬
‫جانب فيه شيء من الشدة فإن الحروف التي‬
‫تأتي في ذلكم الخطاب تكون حروفا شديدة غالبا‬
‫‪10‬‬
‫اللغة العربية وضمير المة ‪ ،‬محاضرة لسماحة الشيخ أحمد بن حمد‬
‫الخليلي المفتي العام لسلطنة عمان‬

‫كما تجدون ذلك في نحو قول الله تعالى فيما‬


‫فت َأ ُ ت َذْك ُُر‬‫يحكيه عن إخوة يوسف عليه السلم ))ت َ ْ‬
‫كون حر ً َ‬
‫ن ((‬ ‫كي َ‬ ‫هال ِ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫م َ‬
‫ن ِ‬ ‫و تَ ُ‬
‫كو َ‬ ‫ضا أ ْ‬ ‫حّتى ت َ ُ َ َ َ‬
‫ف َ‬
‫س َ‬
‫ُيو ُ‬
‫هذه حروف شديدة كيف تناسقت هذه الحروف‬
‫وجاءت كل واحد منها آخذا ً بحجزة الخر ‪ ،‬كيف‬
‫جاء هذا النسجام ما بين هذه الحروف حتى قالوا‬
‫بأن أحدا ً لو عني بهذا المر في كلمه وحاول أن‬
‫يحاكي القرآن في ذلك لفاتته المعاني بحيث ل‬
‫يمكن أن تستجيب له المعاني إن استجابت له‬
‫الحروف واستطاع أن ينسق بينها ‪ ،‬ل يمكن لحد‬
‫أن يأتي بمثل هذا المر‪.‬‬

‫قبل فترة وجيزة حدثني أحدٌ من عندنا أنه حضر‬


‫مؤتمرا ً في إحدى الدول التي كانت تحت لواء‬
‫التحاد السوفييتي من قبل وحضرت الوفود من‬
‫كل مكان من بينها وفود العرب وحضر رجل من‬
‫الهند من ندوة العلماء بالهند فتكلم باللسان‬
‫العربي وبزت بلغته بلغاء العرب الذين حضروا ‪،‬‬
‫فمعنى ذلك أن اللغة العربية هي لغة الجميع ‪،‬‬
‫وقد يسرها الله تبارك وتعالى كما يسر القرآن‬
‫للذكر‪.‬‬

‫ونجد من شواهد هذا انه عندما آذن القرن الرابع‬


‫عشر بالنتهاء وأقبل الخامس عشر الهجري نظم‬
‫القسم العربي بهيئة الذاعة البريطانية مسابقة‬
‫شعرية في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫فاشترك في هذه المسابقة ألف ومئتان من‬
‫الشعراء ولم يكن الفائز الول في حلبتها عربيا ً‬
‫وإنما كان إفريقيا ً من السنغال هو الشاعر‬
‫عبدالله با الذي افتتح قصيدته بقوله‪:‬‬

‫‪11‬‬
‫اللغة العربية وضمير المة ‪ ،‬محاضرة لسماحة الشيخ أحمد بن حمد‬
‫الخليلي المفتي العام لسلطنة عمان‬

‫هجرت بطاح مكة والهضابا‬


‫وودعت المنازل والرحابا‬
‫تخذت من الدجى يا بدُر سترا ً‬
‫ومن رهبوت حلكته ثيابا‬
‫ض‬
‫ب تسيء إليك أر ٌ‬ ‫ج ٍ‬
‫ع َ‬
‫ومن َ‬
‫نشأت فما أسأت بها شبابا‬

‫فما هذا السبق في مجال اللغة العربية من قبل‬


‫غير أبناء العرب إل دليل على أن هذه اللغة‬
‫يسرها الله تعالى كما يسر القرآن للذكر ‪ ،‬ولذلك‬
‫كان على المة جميعا ً أن ُتعنى باللغة العربية ‪،‬‬
‫المة جميعا مطالبة بأن تكون على فهم بمعجزة‬
‫القرآن الكريم‪ .‬ول ريب أن الدراك والفهم‬
‫لعجاز القرآن من حيث البيان إنما يتوقف على‬
‫من لم يدرك اللغة العربية أنى‬ ‫فهم هذه اللغة ‪َ ،‬‬
‫له أن يفهم معجزة القرآن‪ .‬ل ريب أن للقرآن‬
‫الكريم حلوة وعذوبة حتى أن الذين ل يفهمون‬
‫العربية قد يدركون بوجدانهم هذه العذوبة‬
‫ولكنهم ل يستطيعون أن يصلوا إلى تفاصيل هذا‬
‫المر واستكشاف أسراره حتى يتبين لهم كيف‬
‫أن هذا القرآن قاد العرب من ألسنتهم ‪ ،‬حولهم‬
‫من وضع إلى وضع لن العرب كانوا في ذلك‬
‫الوقت مع ضلل ألبابهم وعمى بصائرهم وصلوا‬
‫و رفيع بحيث كانت لغتهم‬ ‫ف البلغة إلى شأ ٍ‬
‫أرقى لغات العالم جميعا وكان أسلوبهم أقوى‬
‫الساليب ولكن مع هذا كله بهرهم القرآن‬
‫ببيانه ‪ ،‬هم كانوا يسلسون قيادهم للسنتهم‬
‫فاقتادهم القرآن من هذا اللسان الذي كان‬
‫يمتلك ألبابهم ‪ ،‬جاءهم بهذا البيان المعجز وحير‬
‫ألبابهم‪ .‬ول ريب أن دراسة ذلك تتوقف على‬
‫معرفة اللغة العربية بفنونها جميعا ً ‪ ،‬ول يمكن أن‬
‫‪12‬‬
‫اللغة العربية وضمير المة ‪ ،‬محاضرة لسماحة الشيخ أحمد بن حمد‬
‫الخليلي المفتي العام لسلطنة عمان‬

‫يقتحم أسوار هذا المر دعي ويتحدث فيه بجهل‬


‫ل بد من أن يكون الذي يتحدث في هذا الجانب‬
‫ملما ً بفنون اللغة العربية من نحو وتصريف‬
‫وبلغة حتى يفهم النسان كيف جاء هذا القرآن‬
‫الكريم بهذا السلوب الذي حير اللباب‪.‬‬

‫ل ريب أن القرآن الكريم هو في حقيقته معجز ‪،‬‬


‫اللغة العربية كما قلنا لغة واسعة الساليب تفنن‬
‫الناس فيها وجاءوا في أدبهم الشعري والنثري‬
‫بالعجب العجاب ولكن القرآن الكريم ل يمكن أن‬
‫د كان من الناس ‪ ،‬والقرآن‬ ‫يجارى من أي أح ٍ‬
‫الكريم جاءت كلماته مترتبة متناسقة كل واحدة‬
‫حجزة أختها ‪ ،‬فكل كلمة من الكلمات‬ ‫منها تأخذ ب ُ‬
‫حلت محلها ‪ ،‬وليس هذا العجاز من حيث‬
‫مفردات الكلمات فحسب بل حتى من حيث‬
‫تصفيف الحروف جاء متناسقا ً مع الوجوه التي‬
‫يتحدث عنها القرآن الكريم عندما يتحدث عن‬
‫جانب فيه شيء من الشدة فإن الحروف التي‬
‫تأتي في ذلكم الخطاب تكون حروفا شديدة غالبا‬
‫كما تجدون ذلك في نحو قول الله تعالى فيما‬
‫فت َأ ُ ت َذْك ُُر‬‫يحكيه عن إخوة يوسف عليه السلم ))ت َ ْ‬
‫كون حر ً َ‬
‫ن ((‬ ‫كي َ‬ ‫هال ِ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫م َ‬
‫ن ِ‬ ‫و تَ ُ‬
‫كو َ‬ ‫ضا أ ْ‬ ‫حّتى ت َ ُ َ َ َ‬ ‫ف َ‬
‫س َ‬‫ُيو ُ‬
‫هذه حروف شديدة كيف تناسقت هذه الحروف‬
‫وجاءت كل واحد منها آخذا ً بحجزة الخر ‪ ،‬كيف‬
‫جاء هذا النسجام ما بين هذه الحروف حتى قالوا‬
‫بأن أحدا ً لو عني بهذا المر في كلمه وحاول أن‬
‫يحاكي القرآن في ذلك لفاتته المعاني بحيث ل‬
‫يمكن أن تستجيب له المعاني إن استجابت له‬
‫الحروف واستطاع أن ينسق بينها ‪ ،‬ل يمكن لحد‬
‫أن يأتي بمثل هذا المر‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫اللغة العربية وضمير المة ‪ ،‬محاضرة لسماحة الشيخ أحمد بن حمد‬
‫الخليلي المفتي العام لسلطنة عمان‬

‫وكذلك نجد من الكلمات التي شاعت الن شيوعا ً‬


‫عجيبا ً حتى أنه لو حاول أحد أن يتحدث بحسب‬
‫لغة القرآن الكريم لتسارع الناس إلى نقده وإلى‬
‫جع( ‪ ،‬ل يفهمون أن كلمة‬ ‫تخطئته ‪ ،‬هي كلمة )َر َ‬
‫جع( يكون لزما ً ومتعديا ً بحيث إن كان لزما ً‬ ‫)َر َ‬
‫جوع( ‪ ،‬وإن كان متعديا ً‬ ‫فإنه يأتي مصدره على )ُر ُ‬
‫جع( ‪ ،‬الناس لغة الرجع ‪،‬‬ ‫يأتي مصدره على )َر ْ‬
‫ه‬‫ع ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫عه ُير ِ‬ ‫ج َ‬ ‫وإنما يفهمون لغة )ِإرجاع( ‪ ،‬أر َ‬
‫ِإرجاعا‪ ،‬وهم يقرأون القرآن ول يتدبرونه ‪ ،‬فإن‬
‫ة‬
‫ف ٍ‬ ‫ه إ َِلى َ‬
‫طائ ِ َ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫ع َ‬ ‫ج َ‬ ‫ن َر َ‬ ‫فإ ِ ْ‬ ‫الله تعالى يقول ‪َ )) :‬‬
‫عك إلى طائفة‬ ‫ج َ‬ ‫م(( ‪ ،‬ولم يقل ))فإن أر َ‬ ‫ه ْ‬‫من ْ ُ‬‫ِ‬
‫ن (( ‪ ،‬ولم يقل قال‬ ‫عو ِ‬ ‫ج ُ‬ ‫ب اْر ِ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫منهم(( ‪َ )) ،‬‬
‫قا َ‬
‫ن((‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ت‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ر‬ ‫ص‬ ‫ب‬‫جع ال ْ‬ ‫ر‬ ‫))ا‬ ‫‪:‬‬ ‫وقال‬ ‫‪،‬‬ ‫جعوني‬ ‫رب َ‬
‫أر‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬
‫ولم يقل )فأرجع البصر كرتين( ‪ ،‬وقال الله‬
‫قاِدٌر(( ولم‬ ‫ه لَ َ‬ ‫ع ِ‬ ‫ج ِ‬‫عَلى َر ْ‬ ‫ه َ‬ ‫سبحانه وتعالى ‪)) :‬إ ِن ّ ُ‬
‫يقل )إنه على إرجاعه لقادر( ‪ ،‬فكله في القرآن‬
‫عل ولم يأتي على وزن‬ ‫ف َ‬ ‫الكريم يأتي على وزن َ‬
‫ع( ‪ ،‬أي مكان ما جاء في‬ ‫ج َ‬ ‫ل في مادة )َر َ‬ ‫ع َ‬ ‫ف َ‬‫أ ْ‬
‫عل( ‪ ،‬هذه اللغة‬ ‫عل ُيف ِ‬ ‫ف َ‬‫القرآن قط على وزن )أ ْ‬
‫هديل وهي على أي حال‬ ‫رواها أبو زيد عن ُ‬
‫ليست هي اللغة الفصيحة‪.‬‬

‫والناس بسبب البعد عن تدبر القرآن الكريم‬


‫وقعوا في هذه المتاهات فضل ً عن الكثير من‬
‫الكلمات التي شاع فيها الخطأ الن شيوعا ً‬
‫عظيما ً وأصبحت لغة الخطأ هي اللغة المعتبرة‬
‫المعول عليها ‪ ،‬كم من كلمة تلوكها اللسن وهي‬
‫خطأ وما كان ينبغي للناس أن يقعوا في الخطأ‬
‫ر من الحقائق ويؤدي‬ ‫ويؤدي ذلك إلى غموض كثي ِ‬
‫ر من العقيسة عندما‬ ‫أيضا ً إلى انعتاق كثي ِ‬
‫تستعمل ‪ ،‬لذلك كان من الواجب المة اليوم أن‬
‫ة وتدريسا ً بالرجوع إلى‬‫ُتعنى بهذه اللغة دراس ً‬
‫‪14‬‬
‫اللغة العربية وضمير المة ‪ ،‬محاضرة لسماحة الشيخ أحمد بن حمد‬
‫الخليلي المفتي العام لسلطنة عمان‬

‫مصادرها ‪ ،‬ل بد من أن ترجع المة إلى المصادر‬


‫الصيلة لهذه اللغة ‪ ،‬فمن حيث اللغة الرجوع إلى‬
‫كتب اللغة الصيلة ككتاب العين للخليل بن أحمد‬
‫وكتاب التهذيب للزهري وكتاب الصحاح‬
‫للجوهري والقاموس وشرحه ولسان العرب‬
‫وكذلك كتاب الجمهرة لبن دريد وأمثال هذه‬
‫الكتب ‪ ،‬هذه الكتب هي التي ترسخ الملكة‬
‫العربية بحكم ممارستها ‪ ،‬ومن بين هذه الكتب‬
‫التي تعنى باللغة العربية وتعنى أيضا ً ببلغتها‬
‫كتاب أساس البلغة للزمخشري مع اختصاره هو‬
‫كتاب مهم جدا ً ‪ ،‬فينبغي لمن أراد أن يعرف‬
‫العربية حقا ً أن يرجع إلى هذه الكتب وأن يقرأها‬
‫بإمعان وتبصر حتى ل يقع في الخطاء وأن‬
‫يقارن أيضا ً بين مقولة ُتقال ومقولة أخرى ‪ ،‬أن‬
‫يحرص على المقارنة وأن ينظر في الشواهد ‪،‬‬
‫كما من أشياء شائعة والشواهد تدل على خلفها‪.‬‬
‫كذلك بالنسبة إلى العراب فإنه من المهم أن‬
‫يكون الرجوع إلى الكتب الصيلة ككتاب سيبويه‬
‫وكتب ابن هشام ول سيما )مغني اللبيب( ذلكم‬
‫الكتاب الذي قال عنه ابن هشام في مقدمته ‪:‬‬
‫) فدونك كتابا ً ُتشد الرحال فيما دونه وتقف عنده‬
‫فحول الرجال ول يعدونه إذ كان بهذا الحال لم‬
‫ة‬
‫ج على منواله ولم يسمح قريح ٌ‬ ‫ينسج ناس ٌ‬
‫بأمثاله( ‪ ،‬وكذلك كتب ابن مالك وغيرها من كتب‬
‫العربية الصيلة‪.‬‬

‫وبالنسبة إلى إعراب القرآن الرجوع إلى كتب‬


‫التفسير المعنية بهذا الجانب ‪ ،‬المعنية ببيان‬
‫وجوه إعراب القرآن الكريم ككتاب الفّراع وكتاب‬
‫حاس في‬ ‫جاد وكتاب أبي حيان وكذلك كتاب الن ّ‬ ‫الز ّ‬
‫إعراب القرآن الكريم ‪ ،‬وبالنسبة إلى البلغة‬
‫الرجوع إلى كتب البلغة الصيلة ‪ ،‬وكذلك‬
‫‪15‬‬
‫اللغة العربية وضمير المة ‪ ،‬محاضرة لسماحة الشيخ أحمد بن حمد‬
‫الخليلي المفتي العام لسلطنة عمان‬

‫جرجاني فإنها‬ ‫بالنسبة إلى كتب النقد ككتب ال ُ‬


‫فاقت كتب البلغة وإن كانت بعيدة عن تعقيدات‬
‫المصطلحات ‪ ،‬هي لم ُتعنى بالمصطلحات وإنما‬
‫كة حتى يتبين للنسان أن‬ ‫مل َ َ‬
‫عنيت بترسيخ ال َ‬ ‫ُ‬
‫البلغة إنما هي من علم النفس ‪ ،‬البلغة لها‬
‫علقة قوية بعلم النفس ‪ ،‬فالنسان ينظر كيف‬
‫يؤثر خطابه ويمكنه أن يتغلغل في أعماق‬
‫ب الناس من وضع‬ ‫النفوس ‪ ،‬ولربما حول خطا ٌ‬
‫إلى وضع ومن تصور إلى تصور ومن اتجاه إلى‬
‫اتجاه آخر ‪ ،‬فتأثيره على النفوس لنه يتغلغل‬
‫عمق الخطاب في هذه النفوس ‪ ،‬فل بد من‬
‫الرجوع إلى هذه الكتب ‪ ،‬وكذلك في كتب النقد‬
‫ككتاب الصناعتين لبي هلل العسكري ‪،‬‬
‫وبالنسبة إلى كتب الدب كتاب الماني أبي علي‬
‫ب عميق في الدب وفي عرضه‬ ‫القالي فإنه كتا ٌ‬
‫لما يعرضه من مفردات الدب‪.‬‬
‫فهذه الكتب هي التي يجب أن يكون الرتكاز‬
‫ة قطوفها‬ ‫عليها وأن تكون مسهلة للناس داني ً‬
‫لهم ول مانع من تأليف مؤلفات جديدة بالسلوب‬
‫الجديد على أن تستمد من هذه الكتب جميعا ً وأن‬
‫تكون مرجعا ً لها وأن يعود الناس إلى الصالة في‬
‫العربية والنطق بها بحيث يتجنبون الشاذ‬
‫ويتجنبون الخطأ ‪ ،‬كم من خطأ الن يشيع على‬
‫اللسن حتى يكاد النسان أن يذكرها ‪ ،‬كان في‬
‫فترة من الفترات كما هو شائع عندنا أن ُيجمع‬
‫مدراء ‪ ،‬وعندما ذكرت لبعض الناس‬ ‫المدير على ُ‬
‫كيف ُيجمع مدير على مدراء؟ قال مثلما ُيجمع‬
‫الوزير على وزراء ‪ ،‬قلت له الفارق بينهما أكبر‬
‫من الفارق بين منصبيهما ‪ ،‬فإن الوزير على وزن‬
‫عل ‪ ،‬كيف يجمع‬ ‫مف ِ‬‫عيل ‪ ،‬والمدير على وزن ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫َ‬
‫مدير على مدراء؟ وهذه شاعت الن شيوعا ً غريبا ً‬
‫‪ ،‬مدراء العموم ومثل هذه الكلمات أصبحت الن‬
‫معين على‬ ‫مَبناء و ُ‬
‫مبين على ُ‬ ‫شائعة ‪ ،‬هل ُيجمع ُ‬
‫‪16‬‬
‫اللغة العربية وضمير المة ‪ ،‬محاضرة لسماحة الشيخ أحمد بن حمد‬
‫الخليلي المفتي العام لسلطنة عمان‬

‫عناء؟ ما وجه هذا الجمع مدير على مدراء؟!!!‬


‫م َ‬
‫ُ‬
‫هذه الكلمات أصبحت الن شائعة على اللسن‪.‬‬

‫كذلك نجد مما شاع )مدير عام كذا( ‪ ،‬أو )أمين‬


‫صل بين المضاف والمضاف إليه‬ ‫عام كذا( ‪ُ ،‬يف َ‬
‫بأجنبي من غير أن يكون ذلك فيما يقتضيه‬
‫الجواز ‪ ،‬هذا مما شاع على اللسن ‪ ،‬كم من‬
‫أخطاء شائعة ‪ ،‬كلمة )إعاقة( حدث عنها ول‬
‫حرج ‪ ،‬أعاق يعيق إعاقة ‪ ،‬هذه من أكبر الخطاء ‪،‬‬
‫عاقَ يعوق إعاقة ؟ من أين جاءوا‬ ‫كيف ل يقولون َ‬
‫بكلمة إعاقة؟ أعال يعيل إعالة أيضا ً كيف ل‬
‫يقولون عال يعول؟!! هذه من أم الخطاء التي‬
‫أصبحت الن شائعة على اللسن ‪ ،‬كلمة )ذوي‬
‫العاقة( وغيرها من الكلمات التي أصبحت شائعة‬
‫‪ ،‬هم ل يفكرون في أن عاق يعوق عوقا ً ‪ ،‬وإذا‬
‫ويقا ً ‪ ،‬كما‬ ‫وقُ تع ِ‬ ‫وقَ ُيع ّ‬
‫ع ّ‬
‫كانت هنالك مبالغة يقال َ‬
‫يقول ُ‬
‫كثّير‪:‬‬
‫ن عليها‬ ‫صا ٌ‬ ‫ح َ‬‫إذا ما أراد الحرب لم تثني عزمه ‪َ ..‬‬
‫ر يزينها‬ ‫نظم د ِ‬
‫قه ‪.......‬بكت فبكى مما‬ ‫نهته فلما لم تر النهي عا َ‬
‫شجاها فطيُنها‬
‫لم يقل )لم تر النهي أعاقه( ‪ ،‬وإنما قال )لم تر‬
‫النهي عاقه(‪.‬‬
‫كلمة )أثرى( حدث عنها ول حرج يستعملونها من‬
‫المتعديات )أثرى المكتبة السلمية بالمؤلفات( ‪،‬‬
‫أو )أثرى المة بعطائه( يستعملونها بمعنى‬
‫أغنى ‪ ،‬وهم ل يعلمون بأن الهمزة هنا هي‬
‫للصيرورة أي صار ثريا ً ‪) ،‬أثرى( لزم وليس‬
‫سر(‬ ‫سر( بمعنى صار ذا ُيسر ‪ ،‬و)أع َ‬ ‫د ‪ ،‬كـ) أي َ‬ ‫بمتع ٍ‬
‫عسر ‪ ،‬ول يمكن أن ُيقال )أثرى(‬ ‫بمعنى صار ذا ُ‬
‫بمعنى أغنى ‪ ،‬نعم استعمل كلمة أغنى أما كلمة‬
‫عل(‬‫أثرى فهي بمعنى صار ذا ثراء ‪ ،‬كلمة )أف َ‬
‫‪17‬‬
‫اللغة العربية وضمير المة ‪ ،‬محاضرة لسماحة الشيخ أحمد بن حمد‬
‫الخليلي المفتي العام لسلطنة عمان‬

‫تستعمل في غير موضعها ‪ ،‬فمما سمعته جديدا ً‬


‫هر( ‪ ،‬من‬
‫هر( ‪ ،‬و)أتى بخطاب مب ِ‬ ‫هَر( )ُيب ِ‬
‫الن )أب َ‬
‫هر؟!! كلمة‬ ‫أين بخطاب مبهر؟ لماذا ل يقولون با ِ‬
‫مبهر هذه شاعت الن على اللسن‪.‬‬

‫كل يوم يأتي بجديد من الخطاء التي تشيع‬


‫اللسن في استعمالها فضل ً عن التركيب ‪ ،‬أما‬
‫التركيب حدث ول حرج ‪ ،‬نجد أنهم يكررون أداة‬
‫الشرط مع الشرط ومع الجزاء )كلما كان كذا‬
‫كلما كان كذا( ‪ ،‬لماذا كلمة )كلما(‬
‫تتكررمرتين ؟!! ما وجهة التكرر؟! هي رابطة‬
‫تربط بين الشرط والجزاء ول يتكرر الشرط مع‬
‫الجزاء ‪ ،‬فإذن لماذا ل تقولون )إن جاءني فلني‬
‫إن أكرمُته( ؟!! كذلك إذا كنتم ل بد من أن تكرروا‬
‫شرط كرروا إذن في أول الشرط وفي أول‬
‫الجزاء ‪ ،‬وهؤلء يقرأون القرآن ول يتدبرون‬
‫ع في التعبير‬ ‫عبارات القرآن مع أن القرآن تشري ٌ‬
‫كما أنه تشريع في التعبد ‪ ،‬وكم من آية نقرأها‬
‫َ‬
‫دوا َناًرا‬ ‫و َ‬
‫ق ُ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫في كتاب الله تبارك وتعالى ))ك ُل ّ َ‬
‫ه (( ‪ ،‬ما قال )كلما أوقدوا نارا ً‬ ‫ها الل ّ ُ‬ ‫فأ َ َ‬ ‫ب أ َطْ َ‬ ‫حْر ِ‬ ‫ل ِل ْ َ‬
‫م‬
‫ه ْ‬‫ضاءَ ل َ ُ‬ ‫ما أ َ َ‬ ‫للحرب كلما أطفأها الله ( ‪)) ،‬ك ُل ّ َ‬
‫فيه(( ‪ ،‬ما قال )كلما أضاء لهم كلما مشوا‬ ‫وا ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ها (( ‪ ،‬ما قال‬ ‫خت َ َ‬ ‫تأ ْ‬ ‫ة لَ َ‬
‫عن َ ْ‬ ‫م ٌ‬
‫تأ ّ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ما دَ َ‬ ‫فيه( ‪)) ،‬ك ُل ّ َ‬
‫)كلما دخلت أمة كلما لعنت أختها(‪ .‬هذا مما شاع‬
‫رف ‪ ،‬من تدبر القرآن وجد هذه اليات تأتيه‬ ‫ع ِ‬ ‫و ُ‬
‫الشواهد الكثيرة التي تدل على أن أداة الشرط‬
‫ل تتكرر مع الشرط ومع الجزاء ‪ ،‬فهذا مما هو‬
‫شائع في القرآن الكريم ولكن عدم تدبر القرآن‬
‫ذي‬ ‫ذا ال ّ ِ‬‫ه َ‬ ‫قاُلوا َ‬ ‫قا َ‬ ‫رْز ً‬
‫ة ِ‬‫مَر ٍ‬ ‫ن ثَ َ‬‫م ْ‬‫ها ِ‬ ‫من ْ َ‬
‫قوا ِ‬ ‫ز ُ‬
‫ما ُر ِ‬ ‫))ك ُل ّ َ‬
‫ل (( ‪ ،‬هذا متكرر ‪ ،‬لماذا ل ي ُت َدَّبر‬ ‫قب ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫قَنا ِ‬ ‫ز ْ‬ ‫ُر ِ‬
‫القرآن؟ لماذا ل نستمسك بأسلوب القرآن‬
‫الكريم في العبارة فضل ً عن الشواهد العربية ‪،‬‬
‫نحن نقرأ القرآن صباحا ً ومساءً ولكن مع ذلك ل‬
‫‪18‬‬
‫اللغة العربية وضمير المة ‪ ،‬محاضرة لسماحة الشيخ أحمد بن حمد‬
‫الخليلي المفتي العام لسلطنة عمان‬

‫نتدبر القرآن الكريم ‪ ،‬كما قلنا كم من شخص‬


‫قبول( ويكرر هذه الكلمة مع أنه يقرأ‬ ‫يقول ) ُ‬
‫ن(( ‪ ،‬أنا ل‬ ‫س ٍ‬
‫ح َ‬ ‫ل َ‬ ‫قُبو ٍ‬ ‫ها ب ِ َ‬
‫ها َرب ّ َ‬ ‫قب ّل َ َ‬ ‫فت َ َ‬
‫القرآن )) َ‬
‫أقول بأنه ل توجد لغة ولكن اللغة ضعيفة جدا ً ‪،‬‬
‫ولماذا نعدل عن لغة القرآن وقد قالوا فيما‬
‫قبول هو المصدر الوحيد الذي جاء‬ ‫ذكرت بأن ال َ‬
‫عول( ‪ ،‬ولربما عكسوا فهم‬ ‫ف ُ‬ ‫على وزن ) َ‬
‫عول( ‪،‬‬ ‫ف ُ‬ ‫عول( في موضع )ال ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫يستعملون )ال َ‬
‫خُلوف( بفتح الخاء‬ ‫خُلوف( يستعملونها ) َ‬ ‫ككلمة ) ُ‬
‫خلوف( خطأ وهذا مما نبه عليه حتى‬ ‫ن) َ‬ ‫مع أ ّ‬
‫خلوف( خطأ لن‬ ‫شّراح الحديث ‪ ،‬قالوا بأن )ال َ‬ ‫ُ‬
‫خُلوفا ً ‪،‬‬ ‫خَلف يخُلف ُ‬ ‫خلوف مصدر ‪ ،‬مصدر َ‬ ‫ال َ‬
‫والقياس في الفعل اللزم الذي يكون على وزن‬
‫خَرج‬‫ل( و) َ‬ ‫خو ً‬ ‫خل دُ ًُ‬ ‫عودًا( و)دَ َ‬ ‫عد ُ‬
‫ق ُ‬ ‫ق َ‬ ‫عل( كــ ) َ‬ ‫ف َ‬‫) َ‬
‫عول( ‪ ،‬ولكنهم‬ ‫ف ُ‬‫خُروجًا( وهلم جرا ‪ ،‬هذا ) ُ‬ ‫ُ‬
‫عول(‬ ‫ف ُ‬‫عول( قالوا ) ُ‬ ‫ف ُ‬‫يعكسون ‪ ،‬موضوع )ال َ‬
‫عول( ‪ ،‬وهكذا تتكرر‬ ‫ف ُ‬‫عول( قالوا ) َ‬ ‫ف ُ‬ ‫وموضع )ال ُ‬
‫الخطاء‪.‬‬
‫وهذه تترسخ في أذهان الناشئة جيل ً بعد جيل ‪،‬‬
‫كلما جاء جيل كان أكثر خطأ ً وأبعد عن الصواب ‪،‬‬
‫فمعنى هذا أنه كلما جاء جيل كان أبعد عن هداية‬
‫القرآن الكريم ‪ ،‬كان أبعد عن فهم القرآن الكريم‬
‫الكتاب المنزل بالهداية والعجاز وكان أبعد ما‬
‫يكون عن فهم إعجاز القرآن الكريم ‪ ،‬فلذلك‬
‫تحتاج هذه المة إلى دورة جديدة في اللغة‬
‫العربية بحيث ُتدرب من جديد على النطق بلسان‬
‫عربي وعلى فهم هذا اللسان العربي وعلى‬
‫تصريف هذا اللسان العربي ‪ ،‬المة بحاجة إلى‬
‫هذا حتى تخرج من هذا الجهل وترتفع من هذا‬
‫الحضيض‪.‬‬

‫هذا ومما ُيعجب أيضا ً منه أن العرب صاروا أزهد‬


‫‪19‬‬
‫اللغة العربية وضمير المة ‪ ،‬محاضرة لسماحة الشيخ أحمد بن حمد‬
‫الخليلي المفتي العام لسلطنة عمان‬

‫الناس في هذه اللغة العربية ‪ ،‬هم يحاولون أن‬


‫ُيميتوها من كل جانب ‪ ،‬ولذلك كانت هناك حتى‬
‫قَبل‬
‫من فترة سابقة كانت دعوات من ِ‬
‫المبهورين بالغرب والمتأثرين بهم أو بالحرى‬
‫ربين أي الذين انتقلوا إلى ثقافة الغرب‬ ‫مستغ ِ‬‫ال ُ‬
‫وتشبعوا بهذه الثقافة وبهرتهم وملكت ألبابهم ‪،‬‬
‫كانت هناك دعوات من هؤلء بأن ُتكتب العربية‬
‫بالحرف اللتينية وُتترك الحرف العربية ‪ ،‬مع أن‬
‫كثيرا ً من الحروف العربية ل يوجد لها نظير في‬
‫اللغات اللتينية ‪ ،‬ول يمكن أن ُتكتب بالكتابة‬
‫اللتينية المعروفة ‪ ،‬وعندما سأل أحد العلماء كان‬
‫وقف بأحد هؤلء وعارضه معارضة شديدة فيما‬
‫كان يدعو إليه من كتابة العربية بالحرف اللتينية‬
‫قال له‪ :‬ما الذي يدعو إلى هذا المر؟ ما الذي‬
‫يدعوك إلى أن تحرص على أن ُتكتب العربية بدل ً‬
‫من أن ُتكتب بحروفها المعهودة أن ُتكتب‬
‫بالحروف اللتينية؟! قال‪ :‬أريد أن أعممها ‪ ،‬قال‬
‫له‪ :‬لست تريد أن تعممها ولكنك تريد أن ُتبرِنطها‬
‫‪ ،‬أي تريد أن ُتلبسها البرنيطة بدل ً من لبس‬
‫العمامة بحيث تكون تابعة للغرب‪.‬‬
‫وكذلك بالنسبة إلى لغة العلم الن ل يوجد بلد‬
‫عربي ُيدّرس المواد العلمية باللغة العربية ما عدا‬
‫سوريا ‪ ،‬بينما المم الخرى تعتز بأن تستعمل‬
‫لغاتها في دراسة العلوم ‪ ،‬حتى اللغات الميتة ‪..‬‬
‫اللغة العبرية التي كانت ميتة ومتهالكة بعثوها‬
‫من أجداثها ونفخوا فيها الحياة وأخذوا يدّرسون‬
‫ة على‬ ‫بها العلوم بينما العرب وحدهم هم عال ٌ‬
‫الخرين ل يحرصون أبدا ً على أن يدّرسوا العلوم‬
‫بهذه اللغة كما قلت ما عدا سوريا البلد العربي‬
‫الوحيد الذي ُيدّرس العلوم باللغة العربية‪.‬‬

‫قد حدثني أحد من الناس بأنه التقى بوفد عندما‬


‫‪20‬‬
‫اللغة العربية وضمير المة ‪ ،‬محاضرة لسماحة الشيخ أحمد بن حمد‬
‫الخليلي المفتي العام لسلطنة عمان‬

‫كان يدرس في إحدى الجامعات في بلد عربي‬


‫شقيق إلتقى بوفد من كوريا الجنوبية حضر في‬
‫طرح على ذلك الوفد سؤال‪:‬‬ ‫تلك الجامعة ‪ ،‬ف ٌ‬
‫بماذا ُتدّرسون العلوم؟ قالوا هذا سؤال عجيب ‪،‬‬
‫بماذا ندرس العلوم!! أليست لنا لغة؟ لماذا ل‬
‫ندرس العلوم بلغتنا؟!! وما وجه طرح هذا‬
‫السؤال؟!! هم عجبوا من هذا السؤال لنهم‬
‫جاءوا بين قوم ل يعتزون بلغتهم ويحسبون أنهم‬
‫مثلهم ل يعتزون بلغتهم ‪ ،‬فلذلك يحسبونهم عالة‬
‫على الخرين في دراسة العلوم ‪ ،‬هذا مع‬
‫الرتباط الذي يربط ما بين كوريا الجنوبية‬
‫والوليات المتحدة المريكية التي تتحدث باللغة‬
‫حراصا ً على‬ ‫النجليزية ‪ ،‬ولكن مع ذلك كانوا ِ‬
‫تدريس العلوم بلغتهم ‪ ،‬وهكذا جميع المم التي‬
‫تعتز بحضاراتها وتعتز بمواريثها التأريخية‬
‫ومواريثها الفكرية إنما ُتدّرس العلوم بلغاتها ما‬
‫عدا العرب ‪ ،‬وما عدا المة السلمية جميعا ً كما‬
‫قلت لن المة السلمية جميعا ً هي مدينة‬
‫للعربية وعليها أن تجعل اللغة العربية هي لغة‬
‫التخاطب فيما بينها ‪ ،‬هي التي تجمع شتاتها إذ‬
‫ليست هنالك لغة في هذا العالم مرشحة لن‬
‫تجمع هذا الشتيت من المة السلمية التي تنحدر‬
‫من شعوب مختلفة ومن عناصر متعددة وتلتقي‬
‫جميعا ً في ظلل العبودية لله تعالى تحت عقيدة‬
‫السلم ‪ ،‬ليست هنالك لغة مرشحة لن تجمع هذا‬
‫الشتيت إل هذه اللغة ‪ ،‬اللغة العربية التي‬
‫خاطبهم الله تعالى بها جميعا ً ‪.‬‬

‫سف له بأنني حضرت في أحد القطار‬ ‫ومما ُيؤ َ‬


‫السلمية وحضرت خطبة جمعة ‪ ،‬فكان الخطيب‬
‫وهو عربي من أصل عربي كان الخطيب يتحدث‬
‫مر هناك ‪ ،‬ألقى الخطبة بلغة‬
‫مستع ِ‬‫بلغة ال ُ‬
‫‪21‬‬
‫اللغة العربية وضمير المة ‪ ،‬محاضرة لسماحة الشيخ أحمد بن حمد‬
‫الخليلي المفتي العام لسلطنة عمان‬

‫هم الناس ‪ ،‬بدل ًَ من أن‬‫المستعمر لجل أن ُيف ّ‬


‫يدعو الناس إلى أن يعتزوا بالرتباط باللغة‬
‫العربية وفهم هذه اللغة وأن يخاطبهم بما‬
‫يصلون به ‪ ..‬باللغة التي يصلون بها ‪ ..‬خاطبهم‬
‫بلغة المستعمر ‪ ،‬وهذا من الهزيمة النفسية التي‬
‫أصابت هذه المة بحيث صارت تعتز بما ورثها‬
‫إياه المستعمر بدل ً من أن تعتز بما خاطبها الله‬
‫تعالى به وبما شرفها برفعها إليه من عقيدة‬
‫السلم ولغة السلم لغة هذا الدين الحنيف ‪ ،‬لغة‬
‫القرآن الذي خاطبهم الله سبحانه وتعالى به ‪،‬‬
‫وحل لهم فيه ألغاز الوجود وعّرفهم بحقائق‬
‫أسراره في خلقه ‪ ،‬هم ل يبحثون عن هذه‬
‫السرار من خلل دراستهم لهذه اللغة حتى‬
‫يصلوا إلى هداية القرآن ويفهموا كيف تحقق‬
‫مَلكات العرب على أن‬ ‫إعجازه ‪ ،‬وكيف عجزت َ‬
‫تأتي بمثله‪.‬‬

‫هذا مما أصبح الناس في عمى عنه ‪ ،‬أصبحوا‬


‫بعيدين كل البعد عنه ‪ ،‬فلذلك صارت المة‬
‫بأسرها بحاجة إلى دورة تأريخية تعيدها إلى دينها‬
‫وتعيدها إلى لغتها التي أضاعتها ‪ ،‬فعلى الجميع‬
‫أن تتضافر جهودهم على هذا المر ‪ ،‬على‬
‫المؤسسات الرسمية الرسمية وغير الرسمية‬
‫وعلى المسئولين على اختلف مسئولياتهم أن‬
‫يضاعفوا جهودهم من أجل استقلل هذه المة‬
‫في فكرها وفي تصورها وفي لسانها ‪ ،‬كما يجب‬
‫عليهم أن يحرصوا على استقللها في جميع‬
‫مواريثها الفكرية حتى ل تكون عالة على المم‬
‫الخرى‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫اللغة العربية وضمير المة ‪ ،‬محاضرة لسماحة الشيخ أحمد بن حمد‬
‫الخليلي المفتي العام لسلطنة عمان‬

‫نحن كم وجدنا في التأريخ الماضي أن غير‬


‫المسلمين وغير العرب من المم التي كانت على‬
‫غير السلم وليست هي من العرب كانت تعتز‬
‫عم كلمها بالكلم‬ ‫في العهود السابقة بأن ُتط ّ‬
‫العربي لن عزة السلم السلم كانت شامخة‬
‫في ذلك الوقت ‪ ،‬فكان الشاب عندما يلتقي‬
‫بزملئه ويريد أن يثبت لهم بأنه على ثقافة‬
‫ووعي كان يطعم كلمه ببعض الكلم العربي‬
‫وهذا ما كان في الندلس عندما كان السلم‬
‫سائدا ً ‪ ،‬كان أبناء النصارى من القوط هناك‬
‫يطعمون كلمهم بالكلم العربي ‪ ،‬كما أن‬
‫كن هكذا ‪ ،‬والن انقلب المر‬ ‫الفتيات أيضا ً ُ‬
‫بالعكس ‪ ،‬الن كثير من الكلمات التي تدرج في‬
‫اللسان بقصد أو بغير قصد بل هي بقصد ‪ ،‬تدرج‬
‫في اللسان بسبب انبهار الناس باللغة الخرى‬
‫باللغات الجنبية ‪ ،‬وهذه كلمات أصبحت الن‬
‫مألوفة ‪ ،‬كلمة )ألو( أصبحت الن مألوفة ‪ ،‬وكلمة‬
‫)أوكي( أصبحت مألوفة في اللسن ‪ ،‬كل هذا مما‬
‫يعود إلى الهزيمة النفسية التي لحقت هذه المة‬
‫‪ ،‬هذه المة إذن عليها أن تتحرر من هذه التبعية‬
‫العمياء لغيرها وأن تعرف مواطن الضعف والقوة‬
‫فيها لتتمسك بأسباب القوة وتترفع عن أسباب‬
‫الضعف‪.‬‬

‫أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وإياكم‬


‫جميعا ً لما يحبه ويرضاه ‪ ،‬وأسأله سبحانه أن يعز‬
‫السلم والمسلمين وأن يرفع راية الدين وأن‬
‫صرنا‬
‫يرفع راية اللسان العربي المبين وأن يب ّ‬
‫دَينا صراطه‬‫بكتابه الكريم وذكره الحكيم وأن يه ِ‬
‫المستقيم وأن يوفقنا لطاعته ويهدينا لمرضاته‬
‫ء قدير وبالجابة جدير نعم‬ ‫إنه على كل شي ٍ‬
‫المولى ونعم النصير ‪ ،‬وصلى الله وسلم على‬
‫‪23‬‬
‫اللغة العربية وضمير المة ‪ ،‬محاضرة لسماحة الشيخ أحمد بن حمد‬
‫الخليلي المفتي العام لسلطنة عمان‬

‫سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ‪،‬‬


‫والسلم عليكم ورحمة الله وبركاته‪.‬‬

‫‪24‬‬

You might also like