You are on page 1of 14

‫تعـلـيق كـارنـيـغي‬

‫ه�����ل ي���ب���ن���ي ال���ف���ل�������س���ط���ي���ن���ي���ون دول�������ة؟‬


‫ن���ـ���اث���ـ���ان ج‪ .‬ب����ـ����راون‬
‫حزيران‪/‬يونيو ‪2010‬‬
‫برنامج كارنيغي لل�شرق الأو�سط‬

‫عي الرئي�س الفل�سطيني‬ ‫يف حزيران‪/‬يونيو ‪ ،2007‬وبعد حرب �أهلية ق�صرية �شطرت ال�سلطة الوطنية الفل�سطينية �إىل ق�سمني‪ ،‬نّ‬
‫حممود عبا�س �سالم فيا�ض رئي�ساً حلكومة تكنوقراطية‪ .‬لكن ال�سلطة الوطنية الفل�سطينية (الهيئة التي تدير ال�ش�ؤون الداخلية‬
‫موحد ًة‪ .‬فحكومة فيا�ض ُت�شرِف على ن�صف ال�سلطة الوطنية الفل�سطينية التي‬
‫للفل�سطينيني يف ال�ضفة الغربية وغزة) مل َت ُعد ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫تدير ال�ضفة الغربية‪ ،‬فيما ال�سلطة الف�سلطينية يف غزة حتت �سيطرة حكومة بقيادة حما�س‪.‬‬

‫كانت حكومة فيا�ض يف ال�ضفة الغربية‪ ،‬التي ا�ستلمت احلكم منذ العام ‪ 2007‬مع بع�ض التعديالت الوزارية‪ ،‬هي امل�ستفيد من‬
‫قدر كبري من الدعم الدويل ‪ -‬املادي واملعنوي على ح ّد �سواء – حيث اعتربها داعموها الدوليون نوا ًة لدولة فل�سطينية عتيدة‪.‬‬
‫�شجع فيا�ض نف�سه‪ ،‬على الرغم من �أ�سلوبه ال�شخ�صي املتح ّفظ على نحو ممتع‪ ،‬مثل هذا الكالم‪ :‬فقبل عام �أ�صدرت حكومته‬ ‫وقد ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫خطة طموحة «لإقامة جهاز دولة بحكم الأمر الواقع يف غ�ضون العامني املقبلني»‪ .‬يف جوهره‪ ،‬يرمي نهج حكومة فيا�ض �إىل‬
‫بناء الأ�سا�س الإداري للدولة بد ًال من انتظار الدبلوما�سية الدولية لتقدمي مثل هذا الأ�سا�س‪ .‬ويف حني �أن العملية الدبلوما�سية‬
‫�ستكون �ضرورية لتحويل دولة بحكم الأمر الواقع اىل دولة بحكم القانون‪ ،‬ف�إن املهمة �ستكون �أ�سهل بكثري لو كان ثمة جهاز‬
‫فل�سطيني فاعل ي�شبه جهاز الدولة على �أر�ض الواقع‪ .‬وقد منحت �إدارة بو�ش بع�ض الدعم لهذه املقاربة‪ ،‬كما �أن �إدارة �أوباما‬
‫�ضاعفت رهانها على فيا�ض وبرناجمه‪.‬‬
‫مبا �أنه مت ا�ستكمال ن�صف اجلدول الزمني الطموح تقريباً‪ ،‬هل �أ�صبح الفل�سطينيون �أقرب �إىل �إقامة دولة؟‬

‫ل�سوء احلظ ال‪ .‬يف الواقع‪ ،‬هم �أبعد مايكونون عن �إقامة دولة‪ .‬وهذه ح�صيلة المنا�ص منها ت�ستند �إىل الأدلة التي مت جمعها‬
‫�أثناء زيارة قمت بها �إىل ال�ضفة الغربية‪ ،‬ومت ّكنت خاللها من عقد �ساعات من املحادثات مع امل�س�ؤولني والنا�شطني واملراقبني‬
‫الفل�سطينيني‪ ،‬العديد منهم �ساهموا وعملوا بد�أب لبناء امل�ؤ�س�سات التي تعتمد على خطة فيا�ض‪.‬‬

‫اخللل اليكمن يف فيا�ض نف�سه بل يف امل�سائل التي تعامل معها‪� ،‬إذ كانت هناك عمليات بناء م�ؤ�س�سات يف عهد يا�سر عرفات �أكرث‬
‫مما جرى يف عهد فيا�ض‪� .‬صحيح �أن العديد من هذه امل�ؤ�س�سات ُبنيت على الرغم من معار�ضة عرفات‪ ،‬و�أن �سلوك فيا�ض ي�شي‬
‫باحرتام �أكرب للقواعد وامل�ؤ�س�سات‪� ،‬إال �أن هذه تعزية و�سلوان فقط لأولئك الذين يخلطون بني ال�شخ�صيات وال�سيا�سات‪ .‬فعلى‬
‫الرغم من كل العمل النوعي املثري للإعجاب‪� ،‬إال �أن ما ا�ستطاع فيا�ض القيام به هو احلفاظ على العديد من امل�ؤ�س�سات التي‬
‫(‪)3‬‬
‫ُبن َيت �سابقاً‪ ،‬وجعل حفنة منها �أكرث فعالي ًة‪ .‬بيد �أنه فعل ذلك يف �سياق �سلطوي من �ش�أنه حرمان النتائج من ال�شرعية املحلية‪.‬‬

‫ب ��روك� ��� �س ��ل‬ ‫‪n‬‬ ‫ب � � �ي� � ��روت‬ ‫‪n‬‬ ‫ب� �ي� �ج� �ي� �ن ��غ‬ ‫‪n‬‬ ‫م� ��و� � �س � �ك� ��و‬ ‫‪n‬‬ ‫وا�� � �ش� � �ن� � �ط � ��ن‬
‫‬
‫وعلى �أي حال‪ ،‬وعلى املدى الطويل‪ ،‬ال فيا�ض وال داعميه الدوليني ينفعهم جتاهل الطبيعة اجلوفاء لال�سرتاتيجية الراهنة‪.‬‬

‫يف هذا التعليق‪� ،‬س�أو�ضح ملاذا الت�سري اجلهود املثرية للإعجاب التي تبذلها حكومة فيا�ض يف اجتاه �إقامة دولة فل�سطينية‪.‬‬
‫يف ا�ستك�شاف هذه النقطة‪� ،‬سيكون من ال�ضروري معار�ضة الكثري من الروايات ال�شائعة يف �ش�أن «الفيا�ضية» يف وا�شنطن‪.‬‬
‫الفل�سطينيون‪ ،‬يف املقابل‪ ،‬لن يفاج�أوا بالنتيجة كثرياً ‪ -‬من ال�صعب العثور على كثري من الفل�سطينيني الذين ي�ؤمنون ب�أنه‬
‫ميكن الإبقاء على ا�ستمرار التقدّم امل� ّؤ�س�سي من دون �سيادة ‪ -‬وهذا �صحيح حتى بالن�سبة �إىل الذين ي�شرتكون يف برنامج فيا�ض‪،‬‬
‫و�أولئك الذين يديرون ال�سلطة الوطنية الفل�سطينية يف ال�ضفة الغربية وميلكون م�ؤ�س�ساتها ‪ -‬مبا يف ذلك فيا�ض نف�سه – �إذ‬
‫�إن ه�ؤالء اليرون هذا اجلهد كبديل غري حمدود لبناء الدولة احلقيقية‪ .‬كما �أن داعمي فيا�ض الدوليني يعرتفون ب�شكل متزايد‬
‫(‪)4‬‬
‫�أن «التجميد امل�ؤ ّقت» يف النزاع الإ�سرائيلي‪-‬الفل�سطيني (كما �أ�سماه توما�س فريدمان‪ ،‬الن�صري املتح ّم�س بال حدود لفيا�ض)‬
‫الميكن �أن ي�ستم ّر يف غياب تقدّم دبلوما�سي‪.‬‬

‫لكن تركيزي هنا �سيكون �أقل على الدبلوما�سية منه على واقع امل�ؤ�س�سات على �أر�ض الواقع‪ .‬لقد كنت �أتابع التط ّور امل� ّؤ�س�سي‬
‫لل�سلطة الفل�سطينية منذ ت�أ�سي�سها‪ .‬وخالل رحلة قمت بها م� ّؤخراً �إىل ال�ضفة الغربية ال�ستكمال بحثي‪ ،‬وجدت �أنه يف مقابل‬
‫(‪)5‬‬
‫كل خطوة واحدة �إىل الأمام مت ا ّتخاذها يف ظ ّل ظروف �صعبة‪ ،‬تراجعت ال�سيا�سة يف ال�ضفة الغربية خطوتني �إىل الوراء‪.‬‬
‫فالرتكيز على ف�ضائل فيا�ض ال�شخ�صية طم�س �سل�سلة من التطورات ال�سيا�سية غري ال�صحية‪ ،‬وهو ي�سيء فهم الإدارة النظيفة‬
‫برمته الي�ستند �إىل جم ّرد التقليل من �أهمية الدميقراطية وحقوق الإن�سان �أو‬ ‫على �أنها �سيا�سة �سليمة؛ ذلك �أن الربنامج ّ‬
‫�إعاقتهما‪ ،‬بل على �إنكارهما فعلياً يف الوقت احلا�ضر‪� .‬أثر هذا النهج الذي جرى الأخذ به ‪ -‬رمبا بحكم ال�ضرورة �أكرث منه عن‬
‫قناعة ‪ -‬لي�س مثرياً للقلق العميق وح�سب‪ ،‬بل مُ�ستن َزف و�ضا ّر بعمق لأهدافه �أي�ضاً‪.‬‬

‫�إجنازات حقيقية‪� ،‬ضمن حدود‬


‫متتلك حكومة فيا�ض بالفعل بع�ض النجاحات احلقيقية التي ميكنها التباهي بها‪ .‬ولعل الإجناز الأكرث �إثارة للإعجاب هو‬
‫االحرتام الذي حتظى به على ال�صعيد الدويل‪.‬‬

‫لكن كثرياً ماتغيب عن بال املراقبني الدوليني طبيعة برنامج فيا�ض وكيف يقدّم نف�سه �إىل الفل�سطينيني‪� ،‬إذ غالباً مايو�صف‬
‫فيا�ض على ال�صعيد الدويل ب�أنه يقوم عملياً ببناء الدولة الفل�سطينية بد ًال من �أن يطالب القوى الأجنبية ببناء واحدة‪ .‬ويحاول‬
‫رئي�س الوزراء يف رام اهلل يف الواقع مقاربة الدولة من خالل «بنائها بد ًال من الإعالن عنها ب�أ�ساليب �صاخبة»‪ ،‬كما �أو�ضح ذلك‬
‫روجر كوهني يف �صحيفة نيويورك تاميز‪ )6(.‬لكن احلقيقة �أنه نادراً مايعمل ب�شكل م�ستقل عن الدعم الدويل‪ .‬وثمة يف الواقع‬
‫يحث الفل�سطينيني على �أال يقلقوا كثرياً يف �ش�أن مت ّلق الأجانب‪ ،‬و�أن يت�ص ّرفوا يف �أمورهم اخلا�صة ب�أنف�سهم‬
‫العب �سيا�سي ّ‬
‫بدل ذلك‪ ،‬وهذا الالعب هو حركة حما�س‪� .‬أما فيا�ض‪ ،‬على النقي�ض من ذلك‪ ،‬فهو مي ّثل الوعد الذي ميكن �أن يجلبه االحرتام‬
‫الدويل‪ :‬كميات �ضخمة من امل�ساعدات‪ ،‬ودعم دبلوما�سي �أكرث توا�ضعاً‪( ،‬و�إن كان مو�ضع ترحيب)‪.‬‬

‫ر�سالة «الفيا�ضية» وا�ضحة وهي �إىل ذلك �شخ�صية‪� :‬إذا كان �سالم فيا�ض رئي�ساً للوزراء‪ ،‬ف�إن اجلهات املانحة الدولية الغنية‬
‫�س ُتبقي ال�سلطة الوطنية الفل�سطينية قادرة على ت�سديد التزاماتها املالية والوفاء بها‪ ،‬ودفع رواتب موظفيها ومتويل م�شاريع‬
‫تطوير البنية الأ�سا�سية‪ ،‬وحتى فر�ض �ضغوط لطيفة على �إ�سرائيل لتخفيف قيودها امل�شدّدة على حرية التن ّقل والو�صول‪ .‬وقد‬
‫�أ�صبح فيا�ض �شخ�صاً الغنى عنه بالن�سبة �إىل دبلوما�سية الواليات املتحدة على وجه اخل�صو�ص‪� ،‬إىل درجة يبدو معها �أن ثمة‬
‫الآن ر ّد فعل غري حم�سوب وغريباً على �أي �شيء �سيء يحدث يف غزة‪ :‬تقدمي املزيد من الأموال �إىل رام اهلل (كما حدث عندما‬
‫انتهت حرب غزة يف كانون الثاين‪/‬يناير ‪� 2009‬أو بعد الهجوم الإ�سرائيلي على �أ�سطول امل�ساعدات ّ‬
‫املتوجه �إىل غزة يف �أيار‪/‬مايو‬
‫‪.)2010‬‬
‫كذلك‪� ،‬أ�شرف فيا�ض والرئي�س عبا�س على جتديد التعاون الأمني مع �إ�سرائيل‪ .‬وقد حدا ذلك – �إ�ضافة �إىل ا�ستعداد امل�ؤ�س�سة‬
‫دمرت االقت�صاد‬ ‫الأمنية يف ال�ضفة الغربية ال ّتخاذ �إجراءات �صارمة �ض ّد حما�س ‪ -‬ب�إ�سرائيل �إىل تخفيف القيود العازلة التي ّ‬

‫‬
‫الفل�سطيني خالل �سنوات االنتفا�ضة‪ .‬و�أدّت هذه النتائج ببع�ض املراقبني الغربيني �إىل املغاالة يف ا�ستخدام اجلمل والتعابري‪ ،‬كما‬
‫يف مقال �ش ّيق ن�شرته م� ّؤخراً جملة «�سليت» ‪ ،Slate‬وجاء فيه‪:‬‬

‫منذ تعيينه رئي�ساً لوزراء ال�سلطة الوطنية الفل�سطينية يف العام ‪ ،2007‬يف �أعقاب احلرب الأهلية بني فتح وحما�س التي‬
‫�أدت �إىل �سيطرة حما�س على غزة‪ ،‬ح ّول �سالم فيا�ض ال�ضفة الغربية متاماً من مكان يت�سم بالركود �إىل جمتمع مزدهر‬
‫ومتكامل‪ .‬رام اهلل‪ ،‬العا�صمة‪ ،‬حيث كان جممع يا�سر عرفات حما�صراً بالأم�س القريب من قبل دبابات جي�ش الدفاع‬
‫الإ�سرائيلي‪ ،‬ت�شبه الآن تل �أبيب �صغرية وت�ضم مباين مكاتب على �أحدث طراز‪ ،‬ومتاجر ومراكز للت�سوق باهظة‪ ،‬و�إعالنات‬
‫(‪)7‬‬
‫عن �سلع كمالية م�ستوردة‪.‬‬

‫احلقيقة الأكرث �شيوعاً‪ ،‬ولكن اجلديرة باملالحظة‪ ،‬هي �أن نهاية االنتفا�ضة‪ ،‬وثبات �سيا�سة فيا�ض وان�ضباطه املايل‪ ،‬واالحرتام‬
‫الدويل الذي يحظى به‪ ،‬والتدابري الأمنية ال�صارمة (والوح�شية يف بع�ض الأحيان)‪ ،‬ور ّد الفعل اال�سرائيلي‪ ،‬كلها عوامل �أحدثت‬
‫انتعا�شاً اقت�صادياً م�ستداماً يف ال�ضفة الغربية‪ ،‬لكنه اليزال متخ ّلفاً عن �أداء مرحلة ماقبل االنتفا�ضة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فهو ُيعيد‬
‫الفل�سطينيني يف ال�ضفة الغربية ب�سرعة �إىل حيث كانوا قبل ع�شر �سنوات‪.‬‬

‫كما ح ّقق فيا�ض �إجنازات �أخرى تحُ َ�سب له‪ :‬الف�ساد �أ�صبح �أق ّل‪ ،‬والأمن ُ�ضبِط �أكرث‪ .‬حتى �أنه مت ّكن من تنفيذ بع�ض الإجراءات‬
‫ال�سيا�سية ال�صعبة‪ ،‬مثل جعل الفل�سطينيني يدفعون فواتري الكهرباء اخلا�صة بهم‪.‬‬

‫فيا�ض مُثري للإعجاب‪ ،‬لكنه لي�س وحده يف ذلك‪ .‬فقد التقيت م�س�ؤولني ُم َو َّزعني على جميع م�ؤ�س�سات ال�سلطة الوطنية‬
‫الفل�سطينية يف ال�ضفة الغربية الذين �أ ّثروا ّ‬
‫يف بقوة بكفاءتهم ونزاهتهم‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬متيل وا�شنطن �إىل ارتكاب اخلط�أ نف�سه مراراً وتكراراً يف ال�سيا�سة الفل�سطينية‪ ،‬حيث تبحث عن �شخ�ص نّ‬
‫معي‬
‫(وجتده يف بع�ض الأحيان) لديه الف�ضائل الالزمة لقيادة الفل�سطينيني يف امل�سار الذي تريده يف وقت معني‪ .‬يف وا�شنطن‪،‬‬
‫فيا�ض هو رجل ال�ساعة الذي الغنى عنه‪ ،‬مايوحي ب�أن قيادة الواليات املتحدة تخلط مرة �أخرى بني ال�شخ�ص املفيد وبني‬
‫ال�سيا�سة ال�سليمة‪.‬‬

‫ال �أحد من الذين التقيت بهم يف فل�سطني يعاين من االرتباك نف�سه‪ .‬فحتى امل�س�ؤولون الأكرث جدي ًة ي�شعرون باالحباط جتاه‬
‫البيئة ال�سيا�سية جلهودهم‪� ،‬إذ هم يرون �أن فعاليتهم يح ّد منها غياب ال�سيادة‪ ،‬وي�شعرون �أنهم يعملون يف حالة انتظار مريرة‪،‬‬
‫بدل �أن ي�شاركوا يف م�سرية عنيدة نحو �إقامة الدولة‪ .‬وبالطبع فيا�ض نف�سه ي�شري دوماً �إىل �أن جهوده الميكن �أن تنجح يف ظلّ‬
‫غياب عملية �سيا�سية ودبلوما�سية تدعمها‪ .‬وهذه العملية الدبلوما�سية بب�ساطة الوجود لها يف الوقت الراهن‪ .‬ويف الواقع‪،‬‬
‫والحتى املفاو�ضون من كال اجلانبني (�أو الذين يرغبون يف �أن يكونوا مفاو�ضني‪ ،‬لأنه الجتري مفاو�ضات حقيقية) يخدعون‬
‫املرجح �أن تجُ رى‬
‫�أنف�سهم ب�أن ثمة عملية قابلة للحياة‪ .‬ثمة دالئل بني الو�سطاء الأمريكيني فقط على وجود �أمل يف �أنه من ّ‬
‫مفاو�ضات جادة لإنهاء ال�صراع‪ ،‬ويبدو �أن ذلك الأمل وليد العادة �أكرث منه ح�صيلة الإميان �أو التحليل‪ .‬لكن خداع الذات مل‬
‫َي ُعد �ساحراً كما كان يف ال�سابق‪ ،‬بل �أ�صبح الآن م�ض ّراً ب�شدّة لأنه ي�ؤدّي بامل�س�ؤولني الأمريكيني �إىل جتاهل احلقائق النا�شئة التي‬
‫ت�ستند �إىل اعتقاد غري محُ ت َمل ب�أن مفاو�ضات ذات مغزى هي قاب قو�سني �أو �أدنى‪.‬‬

‫من بني الدالئل القليلة التي يبدو �أن املتفائلني قادرون على الإ�شارة �إليها هي طوفان بناء امل�ؤ�س�سات الفل�سطينية الذي يجري‬
‫حتت قيادة فيا�ض‪ .‬لكن بعد درا�سة تط ّور امل�ؤ�س�سات الفل�سطينية على �أر�ض الواقع‪ ،‬ال �أرى �سوى عالمات متفاوتة على وجود‬
‫تقدّم‪ ،‬وثمة �أي�ضاً عالمات مُقلِقة بعمق على وجود تراجع‪.‬‬

‫هل يتم بناء امل�ؤ�س�سات؟ نظرة عن كثب‬


‫مَن ي�ست�شهدون بنجاح فيا�ض يف بناء امل�ؤ�س�سات‪ ،‬نادراً ماي�ست�شهدون مب�ؤ�س�سة واحدة مت بنا�ؤها‪ ،‬وهم بد ًال من ذلك ي�شريون‬

‫‬
‫ب�صفة عامة �إىل �إدخال حت�سينات على «الأمن» و«حكم القانون»‪( .‬ويف مايتع ّلق بالأمن‪ ،‬هم مييلون �إىل الرتكيز على عمليات‬
‫حت�سن ‪ -‬ويغ�ضّ ون الطرف عن �سج ّل �أكرث تق ّلباً لال�ستخبارات والأمن)‪ .‬هناك �سبب لهذا‬
‫�ضبط الأمن يومياً ‪ -‬حيث كان هناك ّ‬
‫الغمو�ض‪ :‬لقد مت بب�ساطة بناء عدد قليل من امل�ؤ�س�سات يف رام اهلل منذ ت�شكيل حكومة فيا�ض الأوىل يف العام ‪ .2007‬وبد ًال من‬
‫ذلك‪ ،‬مت الرتكيز على �إحياء وتنظيم امل�ؤ�س�سات التي ُبن َيت يف فرتات �سابقة‪.‬‬

‫يف رحلة قمت بها م�ؤخراً‪ ،‬ر ّكزت على جمالني حاولت تت ّبعهما على مدى الأعوام اخلم�سة ع�شر املا�ضية‪ ،‬وهما املجاالن القانوين‬
‫والتعليمي‪ .‬وقد ح ّققت ال�سلطة الوطنية الفل�سطينية يف رام اهلل بع�ض الإجنازات يف كال املجالني ‪ -‬عموماً يف جمال الإدارة‬
‫العامة ال�سليمة ‪ -‬لكن تلك الإجنازات متوازنة‪ ،‬و�سيتم تقوي�ضها بعمق على املدى الطويل‪ ،‬ب�سبب �إ�شكالية البيئة ال�سيا�سية‪.‬‬

‫القانون‬
‫�إذا كان «حكم القانون» بطريقة عامة جداً يمُ ِّثل �أمراً مركزياً لربنامج فيا�ض‪ ،‬ف�إن هذا الربنامج اليح ّقق النجاح‪ .‬ثمة تطورات‬
‫ّ‬
‫وال�شك‪ ،‬وعلى الأخ�صّ يف احلاالت غري ال�سيا�سية‪ ،‬حيث بد�أت املحاكم يف ا�ستعادة بع�ض الفعالية التي فقدتها خالل‬ ‫�إيجابية‬
‫�سنوات االنتفا�ضة‪ .‬لكن ال�سماح بعافية جزئية يف نظام املحاكم اليت�ساوى مع بناء حكم القانون‪.‬‬

‫حماكم �أكرث كفاءة و�شعبية‪ ،‬لكن مع تدخّ ل �سيا�سي م�ستم ّر‬


‫امل�ؤ�شّ ران االثنان اللذان يبعثان على الأمل �أكرث من غريهما يف املجال القانوين ي�شتمالن على عدد الق�ضايا املنظورة يف املحاكم‪.‬‬
‫مطرد‪ ،‬يف حني يتم رفع ق�ضايا جديدة مبعدل متزايد‪ .‬كال االجتاهني ثابتان‬ ‫فقد انخف�ض عدد الق�ضايا املرتاكمة ب�شكل ّ‬
‫ومثريان للإعجاب‪ ،‬ويتم دعمهما من خالل بع�ض عمليات ا�ستخدام املوظفني القانونيني وتدريبهم (مع �أن ال�سج ّل يف �ش�أن‬
‫هذا التعداد يبدو متفاوتاً)‪ .‬واالنخفا�ض يف الأعمال غري امل ُ َ‬
‫نجزة ي�شري �إىل �أن املحاكم �أ�صبحت �أكرث كفاءة‪ ،‬والزيادة يف الق�ضايا‬
‫(‪)8‬‬
‫اجلديدة توحي ب�أن املحاكم �أ�صبحت �أكرث �شعبي ًة كو�سيلة حل ّل املنازعات‪.‬‬
‫وبالتايل ثمة تقدّم ميكن التفاخر به‪ ،‬لكن خطة فيا�ض �أكرث طموحاً يف مطالبها النبيلة‪:‬‬

‫ينبغي �أن تقوم احلكومة على مبادئ العدالة و�سيادة القانون وامل�ساواة والت�سامح‪ ،‬عرب حماية الف�صل الوا�ضح بني ال�سلطات‬
‫ويتعي على جميع ال�سلطات والوكاالت والإدارات احلكومية والأفراد احرتام القانون‬ ‫نّ‬ ‫التنفيذية والت�شريعية والق�ضائية‪.‬‬
‫والعمل خلدمة املواطنني من دون متييز على �أي �أ�سا�س كان‪ .‬ويكفل الد�ستور ا�ستقالل الق�ضاء وح�صانته‪ ،‬ويعاقب القانون‬
‫على �أي انتهاك الكرامة‪ .‬كما يتم حتديد اجلرمية والعقاب يف �إطار القانون‪ ،‬الذي يعترب جميع الفل�سطينيني مت�ساوين‪،‬‬
‫علماً �أن العقاب اجلماعي حمظور متاماً‪.‬‬

‫امل�شكلة هي �أن العديد من هذه التطورات املوعودة الأكرث عمومية الحتدث بب�ساطة‪ .‬لي�س ثمة ف�صل بني ال�سلطات‪ ،‬بل ثمة زيادة‬
‫يف تركيز ال�سلطة يف الهيئة التنفيذية‪ .‬كما التوجد �أي �سلطة ت�شريعية‪ .‬و�أحكام املحكمة يتم جتاهلها‪ ،‬والق�ضاة ان�سحبوا من‬
‫بع�ض الق�ضايا ال�سيا�سية احلا�سمة‪ ،‬كما �أن ا�ستقالل ال�سلطة الق�ضائية بالكاد مكفول‪.‬‬
‫وعلى الرغم من الكفاءة املتزايدة للنظام الق�ضائي وحجم العمل الذي يقوم به‪ ،‬ف�إن �سل�سلة من امل�شاكل ال�سيا�سية التزال‬
‫تعرتيه‪:‬‬

‫‪ q‬اخل�صومات ال�شخ�صية وامل�ؤ�س�سية التي اب ُتلي بها النظام القانوين منذ بداية ال�سلطة الوطنية الفل�سطينية (التناف�س‬
‫املتوا�صل بني وزارة العدل واملجل�س الأعلى للق�ضاء؛ واجلدل حول دور املكتب امل�س�ؤول عن �صياغة ون�شر الت�شريعات‬
‫يف وزارة العدل؛ وال�شكوك حول و�ضع نظام النيابة العامة) مل تحُ َ ّل بب�ساطة‪� .‬أو بالأحرى كل حماولة حل ّلها ال ُت�سهِم‬
‫�إال يف بدء جولة جديدة من املناف�سات‪ .‬كل �شخ�ص كان يتابع النظام القانوين الفل�سطيني منذ منت�صف الت�سعينيات‪،‬‬
‫يالحظ �أن هذه املناف�سات امل�ؤ�س�سية ت�ستم ّر �إىل ما النهاية‪� :‬إنها كم�سل�سل تلفزيوين طويل حيث ال�شخ�صيات تتغيرّ‬
‫لكن امليلودراما ت�ستم ّر بغ�ض النظر عن ذلك‪ ،‬ولي�س ثمة ح ّل ُمقترَ َ ح‪ .‬واجلهات الفاعلة الرئي�سة التعمل‪ ،‬يف �أغلب‬

‫‬
‫الأحيان‪ ،‬لأغرا�ض متعار�ضة وح�سب‪ ،‬بل غالباً ماتكون �أي�ضاً قادر ًة على عرقلة �أي جهود �إ�صالحية �إذا ماقادها مناف�س‬
‫يف امل�ؤ�س�سات‪ .‬وقد مت ت�أخري التدريب الق�ضائي‪ ،‬والإ�صالحات يف النيابة العامة‪ ،‬والتعيينات الرئي�سة يف بع�ض‬
‫الأحيان ب�سبب االنق�سامات‪� .‬أما تد ّفق التمويل الدويل فهو يزيد يف الواقع من تفاقم امل�شكلة‪ ،‬لأن كل ق�سم من اجلهاز‬
‫القانوين يناور �ض ّد الأق�سام الأخرى يف حماولة لت�أمني الدعم املايل اخلارجي‪.‬‬

‫‪ q‬توا�صل الأجهزة الأمنية العمل خارج نطاق القانون؛ فيما ت�ستم ّر املحاكم الع�سكرية يف حماكمة املدنيني من خالل‬
‫ا�ستخدام قانون �صادر عن منظمة التحرير الفل�سطينية يف املنفى (وهو قانون يبدو �أنه الميتلك �أي �شرعية يف‬
‫القانون الفل�سطيني يف ال�ضفة الغربية(‪ ،))9‬ويزعم املراقبون القانونيون �أنه غالباً مايتم جتاهل القرارات الق�ضائية‬
‫من قبل الأجهزة الأمنية‪ .‬ويخ�شى �آخرون من �أن �أولئك امل�ستهدفني لأ�سباب �أمنية تخ ّلوا عن اللجوء �إىل املحاكم‬
‫لأنواع حمدّدة من الق�ضايا (كالذين خ�سروا وظائفهم �أو وجدوا �أنف�سهم رهن االعتقال دورياً على يد �أجهزة الأمن)‪.‬‬

‫احل�سا�سة �أو ممار�سة الرتهيب من قبل املوظفني يف املحاكم‬ ‫‪ q‬ال�شكاوى حول ّ‬


‫تدخل �أجهزة الأمن يف الق�ضايا ال�سيا�سية ّ‬
‫الفل�سطينية‪ ،‬التزال ت�ش ّكل احلديث اليومي يف النظام الق�ضائي‪.‬‬

‫�أوجه الق�صور يف جمال حقوق الإن�سان يف النظام احلايل (تقارير متواترة عن التعذيب وعمليات االعتقال املثرية لل�شك من‬
‫قبل الأجهزة الأمنية‪ ،‬وعدم احرتام بع�ض اجلهات الر�سمية لقرارات املحكمة) حظيت ببع�ض االهتمام من جانب فيا�ض قبل عام‪.‬‬
‫ويف زيارة قمت بها يف �آب‪�/‬أغ�سط�س ‪� ،2009‬سمعت ادعاءات متك ّررة وذات �صدقية من م�س�ؤولني يف هيئات خمتلفة حول تعليمات‬
‫رئي�س الوزراء املبا�شرة وال�شخ�صية‪� ،‬صدرت بدعم رئا�سي‪ ،‬للح ّد من التجاوزات‪.‬‬

‫لكن يف زيارتي الأخرية‪ ،‬يبدو من الوا�ضح �أن جهوده مل حت ّقق �سوى جناح جزئي ‪ .‬فقد انخف�ض عدد التقارير التي تتحدث‬
‫عن اال�ستخدام الروتيني للتعذيب من قبل �أجهزة الأمن‪ ،‬ومل �أ�سمع �سوى حفنة من التقارير عن �أحكام ق�ضائية يتم جتاهلها‪.‬‬
‫وحاولت بع�ض االجهزة الأمنية التح ّرك �ض ّد املعار�ضني ال�سيا�سيني من خالل اال�ست�شهاد بانتهاكات قانونية وا�ضحة (مثل‬
‫جرائم الأ�سلحة �أو غ�سل الأموال) بد ًال من التوجه ال�سيا�سي ك�أ�سا�س للعمل‪.‬‬

‫لكن احلقيقة بالطبع تبقى �أن القيام بحملة من �أجل «الأمن» م�سا ٍو يف مفهومه يف كثري من الأحيان ملحاولة قمع حركة‬
‫(التدخل ال�سيا�سي‪ ،‬وجتاهل �أوامر املحكمة‪ ،‬وعمليات االحتجاز غري ال�شرعية) مل‬ ‫ّ‬ ‫حما�س‪ .‬ونتيجة لذلك يبدو �أن م�شاكل �أخرى‬
‫يتم الت�صدّي لها‪� .‬أو بالأحرى مت الت�صدّي لها‪ ،‬من خالل قرار ا ُّتخِ ذ على �أعلى امل�ستويات (من قبل ر�ؤ�ساء �أجهزة الأمن ورمبا‬
‫الرئي�س نف�سه)‪ ،‬واعترب �أن ال�صراع �ض ّد حما�س له الأولوية على القانون‪ .‬وي�شري الن ّقاد على وجه اخل�صو�ص �إىل حالة �سيا�سية‬
‫بارزة واحدة تنطوي على ف�صل املعلمني لأ�سباب �سيا�سية بحتة‪ .‬ففي هذه الق�ضية‪� ،‬أ�صدرت املحكمة العليا (الهيئة الق�ضائية‬
‫التي تنظر يف الق�ضايا التي تنطوي على �إجراءات ر�سمية) حكماً م�شكوكاً فيه ل�صالح احلكومة‪ )10(.‬وقد اعتربت منظمات حقوق‬
‫الإن�سان وغريها هذا القرار مبثابة �سابقة �ست�سمح ب�إجراء تطهري �سيا�سي للبريوقراطية من دون رقابة قانونية‪.‬‬

‫خارج القطاع الق�ضائي‪ ،‬يف النظام القانوين الأو�سع‪ ،‬ثمة م�شكلتان اثنتان بارزتان ترمزان �إىل ال�صعوبات التي تواجه التط ّور‬
‫امل� ّؤ�س�سي الفل�سطيني يف هذه الفرتة‪ :‬و�ضع القوانني وتنظيم املحامني‪.‬‬

‫الت�شريع‪ :‬عمليات التزوير كو�سيلة لو�ضع القوانني‬


‫�أو ًال‪ ،‬جلبت احلكومة �إىل ح ّيز الوجود عملية ت�شريعية مخُ َّ�ص�صة وغري خا�ضعة للم�ساءلة متاماً‪ .‬وعندما و�صفت نهجها يف‬
‫الت�شريع‪ ،‬كانت خطة فيا�ض طموح ًة يف �أهدافها على نحو مم ّيز‪:‬‬

‫ي�ض ّم الإطار القانوين الفل�سطيني جمموعة من القوانني والأنظمة املوروثة من �سل�سلة من الأنظمة الأجنبية العثمانية‬
‫والربيطانية والأردنية وامل�صرية والإ�سرائيلية‪ .‬يف بع�ض احلاالت تختلف القوانني والأنظمة املعمول بها يف ال�ضفة الغربية‬

‫‬
‫عن تلك املُط َّبقة يف قطاع غزة‪ .‬هذا الأمر‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل حقيقة �أن جوانب من الإطار القانوين عفا عليها الزمن‪ ،‬مي ّثل كل‬
‫�أنواع التحدّيات ل�ضمان احلكم الر�شيد‪ .‬و�إحدى الأولويات الق�صوى للحكومة �ستكون و�ضع اللم�سات الأخرية على املراجعة‬
‫ال�شاملة التي جتري حالياً للإطار القانوين والتنظيمي الفل�سطيني‪ .‬ومن ال�ضروري �أن تتوا�صل عملية املراجعة وحتديث‬
‫الإطار القانوين هذه قدماً عرب التن�سيق‪ ،‬ولكل قطاع على حدة‪ ،‬من خالل الت�شاور الكامل بني جميع م�ؤ�س�سات احلكومة‪،‬‬
‫واملجتمع املدين وم�ؤ�س�سات القطاع اخلا�ص ذات ال�صلة‪.‬‬

‫و�صف امل�شكلة �صحيح مبا فيه الكفاية‪ ،‬لكنه يتجاهل متاماً الإجنازات الت�شريعية الهامة نف�سها للربملان الفل�سطيني املُح َت َ�ضر‬
‫الآن‪ ،‬وهو املجل�س الت�شريعي الفل�سطيني‪ .‬احلقيقة هي �أن �أكرب اخلطوات يف مراجعة وتعديل وحتديث وتوحيد الإطار القانوين‬
‫الفل�سطيني ا ُّتخِ َذت عندما كان هناك برملان قابل للحياة (بني العامني ‪ 1996‬و‪ .)2006‬كانت العملية فو�ضوي ًة ومثري ًة للجدل‬
‫ال�شك‪ .‬لكنها �أ�سفرت �أي�ضاً عن قوانني ت�ستند �إىل �أ�سا�س �أكرث �صالبة‪ ،‬وتتميز بليربالية الروح‪ ،‬و ُتع َتبرَ م�شروع ًة‪.‬‬
‫وعر�ض ًة �إىل ّ‬
‫منذ االنت�صار االنتخابي حلركة حما�س يف كانون الثاين‪/‬يناير ‪ 2006‬واعتقال �إ�سرائيل لكثري من نواب حما�س يف وقت الحق‬
‫من ذلك العام (�شل الربملان)‪ ،‬و�صلت العملية الت�شريعية �إىل نهايتها‪.‬‬

‫لكن ما �إذا كان حلكم القانون �أن ي�سود‪ ،‬فالب ّد من �صياغة القوانني‪ .‬وحكومة فيا�ض مل تط ّور الكثري من امل�ؤ�س�سات مللء هذه‬
‫الثغرة حيث ارجتلت �آلية لهذا الغر�ض‪ .‬هذه الآلية هي على الأرجح الآلية الأ�سلم التي ميكن التو�صّ ل �إليها يف ظ ّل الظروف‬
‫�صحياً �أو بنا ًء للدولة‪ ،‬كما الميكن ا�ستخدامها‬
‫ال�سيا�سية ال�صعبة التي تعمل فيها‪� ،‬إال �أنه الميكن اعتبارها تطويراً م�ؤ�س�سياً ّ‬
‫لتحقيق الأهداف النبيلة املو�صوفة يف اخلطة‪.‬‬

‫لقد حاولت حكومة فيا�ض ملء الفراغ الناجم عن انهيار الربملان من خالل اخرتاع عملية ت�شريعية خم�صّ �صة ت�ستفيد من‬
‫�سلطة الرئي�س يف �إ�صدار قرارات طارئة بقوة القانون يف احلاالت التي اليكون فيها الربملان منعقداً‪ .‬وتقوم جلنة من امل�ست�شارين‬
‫القانونيني الذين يعملون ل�صالح الوزارات املختلفة مبراجعة م�شاريع القوانني (وت�ضع م�سودّاتها يف بع�ض الأحيان) على �أن‬
‫حتيلها �إىل جمل�س الوزراء الذي يحيلها بدوره �إىل الرئي�س لإ�صدارها‪.‬‬

‫ال جيداً لهذا النظام‪ .‬لكن امل�سار الذي �أُرغِ َمت على ا ّتخاذه يطرح م�شاكل خطرية‪� .‬أو ًال‪ ،‬بد ًال من‬
‫المتتلك حكومة فيا�ض بدي ً‬
‫توحيد ال�ضفة الغربية وقطاع غزة‪ ،‬ت�ؤدّي كل خطوة ت�شريعية تتخذها حكومة فيا�ض �إىل تعميق االنق�سام بني �شطري ال�سلطة‬
‫الوطنية الفل�سطينية (وينطبق ال�شيء نف�سه على التدابري القانونية التي اتخذها الربملان الفل�سطيني الذي ي�ض ّم قل ًة من‬
‫الأع�ضاء‪ ،‬والذي يجتمع حتت قيادة حما�س يف غزة)‪ .‬ثانياً‪ ،‬العملية �إدارية تتجاوز العديد من اخلطوات التي يجب �أن تت�ض ّمنها‬
‫العملية الت�شريعية الربملانية‪ :‬فلي�س ثمة ف�صل بني ال�سلطات‪ ،‬وهناك قدر قليل من الرقابة‪ ،‬ويتم تنفيذ العملية عادة بقدر‬
‫حمدود من التدقيق العام والت�شاور‪ .‬ومبعنى من املعاين‪ ،‬فقد ح ّولت حكومة مع ّينة‪ ،‬متار�س احلكم من دون احل�صول على الثقة‬
‫يف الربملان‪ ،‬ومن دون �أي �أ�سا�س د�ستوري‪ ،‬نف�سها �إىل هيئة ت�شريعية‪ .‬ثالثاً‪ ،‬هذه امل�شاكل ال�سيا�سية التي تكتنف العملية َحدَت‬
‫باحلكومة �إىل تقييد ا�ستخدامها �إىل ح ّد كبري يف جماالت �أكرث فنية و�إدارية‪ ،‬وبكل ب�ساطة مل يكن من امل�ست�ساغ �سيا�سياً تقدمي‬
‫(‪)11‬‬
‫الربنامج ال�شامل لتطوير وحتديث الت�شريعات الذي َتعِد به خطة فيا�ض مع هيكل خم�صّ �ص من هذا القبيل‪.‬‬

‫نقابة املحامني‬
‫يرت ّكز معظم االهتمام الدويل بامل�ؤ�س�سات الفل�سطينية على الهيئات احلكومية‪ ،‬لكن هناك �أي�ضاً جمموعة من امل�ؤ�س�سات الأخرى‬
‫(املنظمات غري احلكومية والأحزاب ال�سيا�سية‪ ،‬وهلم جراً) التي تلعب دوراً هاماً يف املجتمع الفل�سطيني وال�سيا�سة‪ .‬وعندما‬
‫ال على امل�ؤ�س�سات‪ ،‬ت�صبح بع�ض النقاط املُبهَمة يف برنامج فيا�ض �أكرث و�ضوحاً‪ .‬ففي القطاع القانوين‪،‬‬
‫يلقي املرء نظرة �أو�سع قلي ً‬
‫ح�سا�ساً لتمثيل املحامني وعر�ض وجهة نظرهم‪ ،‬حيث تقوم بتوفري التطوير املهني‪ ،‬وتنظيم ال�ش�ؤون‬ ‫ال ّ‬‫مت ّثل نقابة املحامني هيك ً‬
‫موحدة ملحامي فل�سطني مهمة �صعبة للغاية‪ ،‬لكنها كانت يف نهاية املطاف على و�شك االنتهاء عندما‬ ‫املهنية‪ .‬وقد كان �إن�شاء نقابة ّ‬
‫ً‬
‫اندلعت االنتفا�ضة الثانية يف �أيلول‪�/‬سبتمرب ‪ .2000‬ونتيجة لهذه العملية املبكرة يف بناء امل�ؤ�س�سات‪ ،‬يكمن و�ضع نقابة املحامني‬
‫بني القطاع العام والقطاع اخلا�ص‪ ،‬فهي متتلك ترخي�صاً ر�سمياً ولها قانونها اخلا�ص الذي يحكم عملها‪ ،‬لكن ع�ضويتها تت�أ ّلف‬

‫‬
‫من �أفراد‪.‬‬

‫بد ًال من �أن تكون وقتاً للتنمية امل�ؤ�س�سية‪� ،‬أدت الفرتة التي انق�ضت منذ حزيران‪/‬يونيو ‪( 2007‬وانف�صال ال�ضفة الغربية وغزة)‬
‫�إىل �إ�ضعاف نقابة املحامني‪ .‬وقد كانت انتخابات نقابة املحامني �صعب ًة و�ش�أناً حزبياً على الدوام‪ ،‬كما �أن قيادة النقابة كما هي‬
‫قائمة الآن هي هيئة ُتهَيمِ ن عليها حركة فتح‪ .‬لكن الوالءات ال�سيا�سية امل�شرتكة بالكاد �أدت �إىل تعاون‪ .‬فنقابة املحامني التزال‬
‫موحدة بني ال�ضفة الغربية وقطاع غزة‪ ،‬لكن �شطريها يخدمان يف ظ ّل حكومتني خمتلفتني‪ .‬فرع غزة‪ ،‬الذي‬ ‫على الورق هيئة ّ‬
‫غالباً ماكان ي�شعر ب�أنه مه ّم�ش يف املا�ضي‪ ،‬متخ ّوف الآن من امل�ستقبل حتديدا لأنه �أبرم عالقة عمل مع حكومة حما�س‪ .‬و�أدّى‬
‫ً‬
‫هذا باملحامني يف غزة �إىل التحري�ض �ض ّد انتخابات نقابة املحامني‪ ،‬وجل�أت جمموعة من حمامي غزة ‪ ،‬ب�صفة املحاماة �إىل‬
‫املحكمة العليا التي ع ّينتها حما�س يف غزة‪ ،‬والتي �أ�صدرت �أمراً بوقف االنتخابات‪ .‬ويف حني مل يتم االعرتاف بحكم حمكمة غزة‬
‫يف ال�ضفة الغربية‪ ،‬ف�إنه الميكن للمركز الرئي�س لنقابة املحامني هناك �أن يفر�ض �إجراء انتخابات يف قطاع غزة‪ .‬كما �أن �إجراء‬
‫االنتخابات يف ال�ضفة الغربية وحدها �سيكون �صعباً من الناحية ال�سيا�سية‪ ،‬لأنه �س ُي َ‬
‫نظر �إىل ذلك على �أنه تعميق لل�شرخ‪.‬‬

‫عالو ًة على ذلك‪ ،‬ف�إن نقابة حمامي ال�ضفة الغربية‪ ،‬حتى و�إن كانت ت�سيطر عليها حركة فتح‪ ،‬التزال منق�سم ًة على نف�سها ب�شدة‪.‬‬
‫وكما �أو�ضح �أحد املراقبني القانونيني‪� ،‬إن كل ع�ضو يف جمل�س �إدارة النقابة مرتبط بزعيم خمتلف يف حركة فتح‪ ،‬و«هناك حرب‬
‫يف حركة فتح»‪.‬‬

‫على الرغم من طبيعتها البيزنطية‪ ،‬ت ّتبع تفا�صيل ال�سيا�سة يف نقابة املحامني منطاً وا�ضحاً‪� :‬إننا ن�شهد العملية نف�سها التي‬
‫حدثت خالل الت�سعينيات بعد ت�شكيل ال�سلطة الوطنية الفل�سطينية‪ ،‬با�ستثناء �أنها حتدث الآن يف االجتاه املعاك�س‪ .‬فثمة هيئة‬
‫موحدة ب ُع ْ�سر تتال�شى وتفقد فعاليتها‪ ،‬وتنف�صل �إىل �أجزاء ب�سبب االنق�سامات اجلغرافية وال�سيا�سية التي تزداد �سوءاً مع مرور‬
‫ّ‬
‫الوقت‪.‬‬

‫على الأقل يف هذا املجال‪ ،‬امل�ؤ�س�سات الفل�سطينية تتح ّرك اىل الوراء‪.‬‬

‫التعليم‬
‫احلكومة الراهنة يف رام اهلل مل تبذل �سوى النزر القليل لـ«بناء» النظام التعليمي الفل�سطيني‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬حافظت عليه‪.‬‬
‫وهذا لي�س �إجنازاً ب�سيطاً يف �أي حال‪ ،‬لكنه يتع ّر�ض �إىل العرقلة بدل �أن يكون �أدا ًة للتغ ّلب على امل�شاكل ال�سيا�سية الأ�سا�سية يف‬
‫ال�سيا�سات الفل�سطينية‪ .‬وتالحظ خطة فيا�ض �أن «�أكرث من ثلث �أبناء ال�شعب الفل�سطيني يلتحقون باملدار�س»‪ ،‬ولكنها التويل‬
‫القطاع التعليمي �إال اهتماماً عابراً‪ .‬ويبدو �أن ر�سالة اخلطة تتم ّثل يف احلفاظ على النظام بكل ب�ساطة‪ ،‬يف حني كان �إدخال‬
‫كاف من التحدّي‪.‬‬‫حت�سينات تدريجية متوا�ضعة مي ّثل هدفاً ينطوي على قدر ٍ‬

‫املثابرة‬
‫مت ّثل املثابرة موقفاً واقعياً جداً‪ ،‬ولذلك ف�إنه من قبيل الثناء الكبري الإ�شارة �إىل �أنه مت حتقيق الهدف ال�صعب املتم ّثل يف‬
‫احلفاظ على النظام‪ .‬فقد �شهد النظام التعليمي الفل�سطيني بع�ض التح�سينات الطفيفة‪ ،‬لكن جم ّرد �أنه يعمل كما كان دائماً هو‬
‫ي�ستحق الثناء‪ .‬ويف الواقع‪ ،‬ف�إن قطاع التعليم هو الأقل ت�أ ّثراً من جراء االنق�سام بني ال�ضفة الغربية وقطاع غزة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫�إجناز‬

‫لقد انق�سمت ال�سلطة الوطنية الفل�سطينية �إىل �شطرين اثنني بعد �سنتني فقط من ا�ستكمال َ�سنّ القوانني اخلا�صة باملنهاج‬
‫الدرا�سي الفل�سطيني الكامل (بدءاً من العام ‪ ،2000‬حت ّولت املدار�س الفل�سطينية من املناهج الأردنية وامل�صرية التي كانت‬
‫موجود ًة �سابقاً �إىل منهج فل�سطيني مبعدّل درجتني كل مرة)‪ .‬هذا املنهاج مل يتغيرّ �إىل ح ّد كبري‪ ،‬واليزال ّ‬
‫يوحد ال�ضفة الغربية‬
‫وقطاع غزة‪�( .‬أجرت حما�س تغيريات طفيف ًة جداً يف املناهج الدرا�سية‪ ،‬عندما تو ّلت وزارة الرتبية والتعليم املوحدة من �آذار‪/‬‬
‫مار�س ‪ 2006‬حتى حزيران‪/‬يونيو ‪ ،2007‬حيث زادت عدد ال�ساعات املخ�ص�صة ملادة الدين‪( .‬مل يتم عك�س هذا التغيري من قبل‬
‫حكومة فيا�ض‪ ).‬لي�س ذلك وح�سب‪ ،‬بل مت ّكن ن�صفا وزارة الرتبية والتعليم من تنفيذ تقييم �شامل للمنهاج اجلديد خالل فرتة‬
‫‬
‫االنق�سام‪ .‬ويقود ذلك الآن �إىل جمموعة من التغيريات الطفيفة املتفاو�ض عليها بعناية‪ ،‬مع جمموعة وا�سعة من الإ�صالحات‬
‫التي تتم معاجلتها ببطء‪ ،‬مادة مادة (ابتدا ًء بالتعليم التكنولوجي)‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ف�إن التغيريات اجلذرية يف املناهج الدرا�سية‬
‫اخلا�صة باملواد الأكرث ح�سا�سية (مثل التاريخ والرتبية املدنية والدين) رمبا �ستكون �صعبة للغاية‪ ،‬نظراً �إىل �أنها �ستتط ّلب‬
‫املرجح �أن يفر�ض االنق�سام قيوداً على‬‫تن�سيقاً بني القيادات يف ال�ضفة الغربية وقطاع غزة‪ ،‬مع ر�ؤاها املتباينة جداً‪ .‬وبالتايل‪ ،‬من ّ‬
‫بع�ض الأ�شياء التي كانت حكومة فيا�ض ترغب يف القيام بها‪.‬‬

‫يوا�صل �شطرا الوزارة التعاون يف كتابة وت�صنيف «التوجيهي»‪ ،‬وهي املجموعة ال�شاملة من االمتحانات التي ي�ؤدّيها الطالب‬
‫الفل�سطينيون بع�صبية يف نهاية درا�ستهم الثانوية العامة (االمتحانات تغطي معظم املواد الدرا�سية يف املدر�سة الثانوية وحتدّد‬
‫القبول اجلامعي والتن�سيب)‪ .‬ويتعاون �شطرا وزارة الرتبية والتعليم بهدوء �شديد يف منح ال�شهادات للخريجني‪ .‬بعد االنق�سام‪،‬‬
‫حاولت وزارة الرتبية والتعليم يف غزة بقيادة حما�س �أن ت�صدر ال�شهادات با�سم وزيرها‪ ،‬لكنها وجدت �أن هذه ال�شهادات لن يكون‬
‫معرتفاً بها يف العامل العربي‪ ،‬لذلك قبلت الر�ضوخ �إىل �ضرورة �إ�صدار ال�شهادات با�سم الوزير الذي مقره رام اهلل‪.‬‬

‫ال�سيا�سة تقف عائق ًا‬


‫الإجناز الرئي�س حلكومة فيا�ض ‪ -‬احلفاظ على �أداء النظام التعليمي ووحدته ‪ -‬مثري للإعجاب‪ ،‬لكن ينظر �إليه ب�شكل �أف�ضل‬
‫بو�صفه �صيانة م� ّؤ�س�سية‪ ،‬ولي�س بناء م�ؤ�س�سات‪ .‬فحتى قطاع التعليم لي�س يف م�أمن من امل�شاكل الناجمة عن البيئة ال�سيا�سية‪.‬‬
‫الأهم من ذلك هو �أن املناف�سة بني حما�س وفتح والإجراءات الأمنية القمعية التي اتخذت يف كال �شطري ال�سلطة الوطنية‬
‫الفل�سطينية ت�س ّببت يف ت�سميم �سيا�سة مهنة التدري�س من ناحيتني‪� .‬أو ًال‪ ،‬ا ّتخذ �شطرا ال�سلطة يف كل من غزة ورام اهلل خطوات‬
‫لف�صل املعلمني املوالني للحركة املناف�سة‪ .‬ففي غزة‪ ،‬كان هذا يتم ب�سهولة وب�شكل قانوين‪ .‬وعندما �سيطرت حما�س على ن�صف‬
‫ال�سلطة الوطنية الفل�سطينية يف قطاع غزة يف يونيو‪/‬حزيران ‪� ،2007‬أمرت النقابات اخلا�ضعة �إىل �سيطرة حركة فتح (نقابة‬
‫اخلدمة املدنية ونقابة املعلمني) بتنفيذ �إ�ضراب‪ .‬وقيل للذين ك�سروا الإ�ضراب �إنهم لن يتل ّقوا رواتبهم (والتي التزال ُتد َفع عادةً‬
‫من قبل حكومة رام اهلل كو�سيلة للمطالبة بالنفوذ وال�شرعية يف غزة)‪ .‬وانتهى الإ�ضراب يف نهاية املطاف‪ ،‬لكن لي�س قبل �أن‬
‫تف�صل احلكومة التي ت�سيطر عليها حركة حما�س املعلمني‪ .‬ومت ّثلت �آثار ذلك يف تطهري مهنة التدري�س من العديد من املوالني‬
‫حلركة فتح (العاملون الذين كان من الأرجح �أن يحرتموا الإ�ضراب) وال�سماح حلركة حما�س بتوظيف معلمني بدالء (لي�سوا‬
‫جديرين �أكرث بالثقة من الناحية ال�سيا�سية وح�سب‪ ،‬بل هم �أي�ضاً �أقل تكلف ًة بكثري ب�سبب افتقارهم �إىل الأقدمية)‪.‬‬

‫يف ال�ضفة الغربية‪ ،‬كانت عملية التطهري ال�سيا�سي ذات �أ�سا�س قانوين مهزوز �أكرث‪ .‬فقد مت بب�ساطة ف�صل املعلمني املتعاطفني‬
‫مع حركة حما�س يف انتهاك م�ؤ ّكد للقانون تقريباً‪ ،‬وقد غ�ضّ ت املحاكم الطرف عن ذلك‪ .‬ف ُيطلَب من املعلمني اجلدد ‪� -‬أو غريهم‬
‫ممن يرغبون يف العمل لدى احلكومة ‪ -‬احل�صول على �شهادة ح�سن �سلوك من م�س�ؤويل الأمن املحليني‪ ،‬ويعترب معظم املراقبني‬
‫هذا الإجراء عملية فرز �سيا�سي ُتق�صي الإ�سالميني ومتنح االمتيازات لأن�صار فتح‪.‬‬

‫ال من جم ّرد الرتكيز على البريوقراطية احلكومية‪،‬‬ ‫وكما هو احلال يف القطاع القانوين‪� ،‬إذا كان اهتمامنا بـ«امل�ؤ�س�سات» �أو�سع قلي ً‬
‫فنحن نرى عالمات وا�ضحة على اخلراب‪ .‬فنقابة املعلمني‪ ،‬وهي هيكل مت توحيده ببطء وب�شكل غري محُ دَّد من هياكل متن ّوعة‬
‫متناف�سة يف الت�سعينيات‪ ،‬مثله مثل نقابة املحامني‪ ،‬تعاين هي نف�سها من �أزمة‪ .‬رئي�س النقابة لفرتة طويلة‪ ،‬وهو رجل �شجاع من‬
‫املدر�سة القدمية يف حركة فتح‪ ،‬تويف م� ّؤخراً‪ ،‬وقد خلفته جمموعة من القادة الذين وجدوا �أن انتماءهم حلركة فتح م�صدراً‬
‫لالنق�سام بدل �أن يكون م�صدراً للوحدة‪ .‬كما �أن �إجراء انتخابات م�س�ألة �صعبة يف �ضوء االنق�سامات يف القيادة واالنق�سام مع‬
‫قطاع غزة‪ .‬وقد ف�شلت حماوالت �إ�صالح �أو ا�ستبدال الهيكل‪ .‬ويف رحلتي الأخرية‪ ،‬اجتمعت مع اثنني من الأفراد الذين كانوا‬
‫يائ�سني للغاية من النقابة‪� ،‬إىل درجة �أنهم بد�أوا حماوالت عدة لإ�صالحها �أو االلتفاف عليها‪ .‬و�ساعد �أحد القادة من هذا القبيل‪،‬‬
‫وهو من الي�سار ال�سيا�سي‪ ،‬يف تنظيم �سل�سلة من «جلان التن�سيق» ال�شعبية التي قادت �إ�ضرابات غري م�شروعة يف الت�سعينيات‪.‬‬
‫و�ساعد قائد ثان يف �إطالق تنظيم هو نتاج مبادئ ومعتقدات �إ�سالمية �سعى �إىل �أن يكون هيئ ًة بديل ًة للنقابة التي تهيمن عليها‬
‫فتح‪ ،‬ومن بني امل� ّؤ�س�سني الت�سعة الأ�صليني‪ ،‬يوجد �أربعة يف ال�سجون الإ�سرائيلية‪ ،‬فيما �ألقي القب�ض على �أربعة من قبل ال�سلطة‬
‫الوطنية الفل�سطينية يف رام اهلل‪ ،‬ومل يفرج عنهم �إال عندما ن�أوا ب�أنف�سهم عن املحاولة‪ ،‬وبقي واحد فقط دون م�ضايقة‪( .‬هو‬

‫‬
‫يقول �إن النقابة نف�سها التزال مغلقة على الرغم من ح�صولها على �أمر من املحكمة بوجوب ال�سماح لها بالعمل)‪.‬‬

‫املرجح �أن يعترب الداعمون الأمريكيون لل�سلطة الفل�سطينية يف رام اهلل �أن من ال�ضروري �أن يدفع الفل�سطينيون ثمن �شنّ‬ ‫من ّ‬
‫ّ‬
‫حملة على حركة حما�س‪ .‬لكن حتى لو كان هذا هو احلال‪ ،‬ف�إن النتيجة التي اللب�س فيها التتمثل يف بناء امل�ؤ�س�سات بل يف ال�شلل‬
‫امل� ّؤ�س�سي يف املجتمع املدين‪ ،‬ويف الرتاجع امللحوظ عما كان عليه احلال يف �سنوات �أو�سلو‪.‬‬

‫�صحيح �أن ال�سلطوية الفل�سطينية يف العام ‪ 2010‬تختلف عنها يف ظ ّل عرفات‪ ،‬فهي �أقل ف�ساداً ورمبا �أقل تق ّلباً‪ ،‬لكنها �أي�ضاً �أكرث‬
‫قمعاً‪.‬‬

‫امل�شكلة الكامنة‪ :‬ال�سعي �إىل ممار�سة الإدارة على ح�ساب ال�سيا�سة‬


‫ال هادئاً ونزيهاً يك�شف �أنه بد ًال من بناء امل�ؤ�س�سات‪ ،‬تعكف حكومة فيا�ض على �إحياء بع�ضها‪ ،‬وحماولة �ضخ املزيد من‬ ‫�إن حتلي ً‬
‫العنا�صر ذات قدر �أكرب من الكفاءة والفعالية يف مواقع �إدارية خمتارة‪ .‬ومن ثم ف�إن هذا برنامج لتح�سني الإدارة العامة �أكرث‬
‫منه جهداً لبناء دولة‪.‬‬
‫لكن هل هناك �أي �ضرر يف الأن�شطة امل�ؤ ّيدة لـ«الفيا�ضية؟»‬

‫نعم‪ .‬فاالفتتان الدويل بهذا اجلهد يحجب تط ّورين غري �صحيّني للغاية‪ ،‬يرتبط كل منهما باالنق�سام يف ال�سيا�سة الفل�سطينية‪،‬‬
‫حيث ي�ستند اجلهد على �إنكار الدميقراطية وحقوق الإن�سان‪ ،‬كما �أنه يتجاوز (ورمبا يفاقم) التدهور يف امل�ؤ�س�سات الفل�سطينية‬
‫التي تقع خارج نطاق احلكومة‪ .‬النظام ال�سيا�سي الفل�سطيني معتل للغاية؛ والفيا�ضية التعالج الأزمة‪ .‬ففي �أح�سن الأحوال هي‬
‫ت�شرف على االدارة يف مواجهة الأزمة‪ ،‬ويف �أ�سو�أ الأحوال ف�إنها ت�سمح للجهات الدولية واملحلية بتجاهلها‪ ،‬يف الوقت الراهن‪.‬‬

‫نهاية الدميقراطية الفل�سطينية‬


‫لقد و�صلت الدميقراطية الفل�سطينية بب�ساطة �إىل نهايتها يف ن�صفي ال�سلطة الوطنية الفل�سطينية‪ .‬فقد انتهت فرتة والية‬
‫الرئي�س‪ ،‬كما انتهت فرتة والية الربملان �أي�ضاً‪ ،‬ولي�س ثمة انتخابات جديدة يف الأفق‪ ،‬فيما ُي�ص َرف امل�س�ؤولون املحليون ب�شكل‬
‫انتقائي‪ ،‬حتى �أن االنتخابات املحلية �ألغيت‪ .‬وقد �أق�صي �أن�صار املعار�ضة من اخلدمة املدنية واحلكومة املحلية‪ ،‬ومت �إيقاف‬
‫املنظمات التابعة لهم عن العمل‪ .‬ويتم احتجاز الن�شطاء من دون تهمة‪ ،‬وجتاهل �أوامر املحكمة‪ ،‬كما تتم �إدارة املواطنني كافة‬
‫على نحو متزايد وفقاً لقوانني ي�صوغها البريوقراطيون بعيداً عن �أعني الر�أي العام‪ .‬و�إىل احل ّد الذي تبني فيه الفيا�ضية‬
‫امل�ؤ�س�سات‪ ،‬ف�إنها تفعل ذلك ب�شكل اللب�س فيه يف حميط �سلطوي‪ .‬ولي�س ثمة من �سبب لربط فيا�ض �شخ�صياً باجلوانب الأكرث‬
‫فظاع ًة من هذه ال�سلطوية اجلديدة‪ ،‬ولكن التوجد �إمكانية كان ميكن من خاللها ت�أ�سي�س حكومته �أو الإبقاء عليها يف بيئة �أكرث‬
‫دميقراطية‪.‬‬

‫لقد فوجئت �إىل ح ّد ما‪ ،‬خالل زيارتي الأخرية‪ ،‬لأن �أجد درج ًة من اخلوف املتو ّلد من الناحية ال�سيا�سية يف ال�ضفة الغربية‬
‫الآن‪ .‬وينبغي �أال تتم املبالغة يف هذه امل�س�ألة‪� ،‬إذ الي�ستطيع �أحد �أبداً �أن يخلط بني فل�سطني حممود عبا�س و كوريا كيم يونغ �إيل‬
‫ال�شمالية‪ .‬والواقع �أن كل املعلومات التي �أ�سندت �إليها حتليلي قدّمها ب�شكل ح ّر وعلني فل�سطينيون من ال�ضفة الغربية الزالوا‬
‫يظهرون تن ّوعاً كبرياً يف وجهات نظرهم ال�سيا�سية‪ .‬لكن‪ ،‬و�إ�ضاف ًة �إىل �شعور عام بالعزلة ال�سيا�سية‪ ،‬ثمة تو ّتر وا�ضح مفاده �أن‬
‫ممار�سة النوع اخلاطئ من ال�سيا�سة ميكن �أن ت�ؤذي حياتك املهنية‪� ،‬أو يف بع�ض احلاالت‪ ،‬ت�ؤدّي �إىل اعتقالك‪ .‬ومرة �أخرى‪ ،‬اجلهد‬
‫الذي تقوم به حكومة فيا�ض‪ ،‬وعلى الأقل بع�ض م�ؤ ّيديها ال�سيا�سيني‪ ،‬يرمي �إىل �ضمان �أن يتم حتى ا ّتخاذ التدابري ال�سيا�سية‬
‫القمعية �ضمن �سياق قانوين وا�ضح (بحيث يتم اتهام اخل�صوم لي�س باملعار�ضة ولكن ب�سبب خمالفات قانونية حقيقية‪ ،‬وتتم‬
‫حماكمتهم من خالل النظام القانوين العادي)‪� .‬سيظ ّل الكثريون ينظرون �إىل هذا النظام باعتباره قمعياً‪ ،‬لكن �سيتم جعله‬
‫م�ألوفاً على الأقل‪ ،‬و�سينطوي على بع�ض ال�ضمانات الإجرائية‪ .‬لكنه مل ين�ش�أ بعد‪�( .‬أحد الباحثني الفل�سطينيني الذي كان‬
‫من املفرت�ض �أن �أقابله مل ي�ستطع مقابلتي لأنه «طلب» �إليه �أن يتواجد يف مق ّر املخابرات يف �صباح اليوم الذي كان فيه موعد‬

‫‬
‫لقائنا)‪.‬‬
‫بالطبع‪� ،‬إذا ما قورن برنامج فيا�ض بالأفكار املعرو�ضة من قبل اجلهات ال�سيا�سية الفاعلة الأخرى ‪ -‬الذهنية الدموية حلركة‬
‫املرجح �أن عدم جاذبية هذه‬
‫حما�س‪ ،‬وحالة الفو�ضى غري الالئقة حلركة فتح ‪ -‬ف�إنه يبدو �أف�ضل بالن�سبة �إىل الكثريين‪ .‬ومن ّ‬
‫تف�سر االرتفاع املطرد ل�شعبية فيا�ض يف ا�ستطالعات الر�أي العام الفل�سطيني‪.‬‬
‫البدائل هي التي ّ‬
‫لكن امل�س�ؤولني الأمريكيني الذين يجدون عزا ًء يف هذه اال�ستطالعات يهملون بع�ض التطورات الهامة الأخرى‪ ،‬مثل تعميق‬
‫الي�أ�س والت�شا�ؤم يف املجتمع الفل�سطيني‪ ،‬والآثار املزعجة طويلة الأجل ل�سمعة حكومة رام اهلل يف جمال انتهاكات حقوق الإن�سان‪.‬‬
‫التفجر ال�سابق للعنف بني �إ�سرائيل وحما�س‪� ،‬أو ر ّد فعل عبا�س‬
‫واحلال �أن مفاج�آت غري �سارة �أو �أخطاء �سيا�سية يف املا�ضي (مثل ّ‬
‫على تقرير غولد�ستون) قد كانت لها م�ضاعفات حادة (و�إن م�ؤ ّقتة) بالن�سبة �إىل الواقع املحلي لل�سلطة الفل�سطينية يف رام اهلل‪.‬‬
‫ُنظمة له‪ ،‬ويعتمد �أدا�ؤه كلياً على التمويل الدويل املتوا�صل‪ ،‬بالكاد ميكن اعتباره م�ستقراً �إىل‬
‫فنظام حكومة القاعدة حملية م َّ‬
‫�أجل غري حمدَّد‪.‬‬

‫لن يكون املوقف العابر يف ا�ستطالعات الر�أي بدي ً‬


‫ال ل�شرعية دميقراطية �أكرث جت ّذراً �إذا (�أو متى) وقعت الأزمة املقبلة‪.‬‬

‫�سبات املجتمع املدين واملجتمع ال�سيا�سي‬


‫�إن ان�شطار ال�سلطة الوطنية الفل�سطينية‪ ،‬و�سلطوية كال الن�صفني‪� ،‬أ�صابا بالعدوى امل�ؤ�س�سات الفل�سطينية الأخرى‪ ،‬حتى تلك‬
‫املوجودة خارج البنية احلكومية‪.‬‬

‫الظروف املحزنة لنقابة املحامني ونقابة املعلمني املذكورة �أعاله لي�ست غريبة‪ .‬فاملجتمع املدين الفل�سطيني‪ ،‬القوي ن�سبياً مقارنة‬
‫باملعايري الإقليمية‪ ،‬اليزدهر يف ظ ّل الظروف احلالية‪ .‬وقد مت �إغالق منظمات املجتمع املدين املرتبطة باملع�سكر الإ�سالمي‪،‬‬
‫ولو ب�صورة غري ر�سمية‪ ،‬يف خمتلف �أنحاء ال�ضفة الغربية‪ ،‬من قبل �إ�سرائيل �أحياناً‪ ،‬ومن قبل حكومة رام اهلل يف �أحيان �أخرى‪.‬‬
‫وال�سلطة الوطنية الفل�سطينية التي ت�سيطر عليها حركة حما�س يف غزة لي�ست خمتلفة‪ :‬فهي �أغرقت بهدوء ع�ضوية بع�ض‬
‫املنظمات غري احلكومية ب�أن�صارها‪ ،‬و�ضغطت على منظمات �أخرى م�سجلة لدى ال�سلطة الوطنية الفل�سطينية التي مقرها رام‬
‫اهلل‪ .‬وقد وجد تقرير �أخري للجنة الفل�سطينية امل�ستقلة حلقوق الإن�سان «خروقات فا�ضح ًة» للقانون من كال ن�صفي ال�سلطة‬
‫الوطنية الفل�سطينية‪ ،‬والحظ ب�شكل جاف �أكرث �أنه «من املمكن اال�ستنتاج �أنه على الرغم من وجود �إطار قانوين حديث يحكم‬
‫(‪)12‬‬
‫ت�سجيل اجلمعيات وعملها‪� ،‬إال �أن االعتبارات ال�سيا�سية والأمنية الراهنة لها اليد العليا يف نظام احلقوق واحلريات العامة‪».‬‬

‫تلك املنظمات التي تظهر وك�أنها ت�ؤيد طريف االنق�سام يف ال�ضفة الغربية وغزة تتع ّر�ض �إىل جمازفة غري �ضرورية ب�شكل خا�ص‪،‬‬
‫حيث يحاول �شطرا ال�سلطة الوطنية الفل�سطينية ت�شديد قب�ضتهما يف مواجهة املعار�ضة ال�سيا�سية‪ .‬ويف الواقع‪ ،‬حتدثت اثنتان‬
‫من املنظمات غري احلكومية التي زرتها يف رام اهلل‪ ،‬ولهما مكاتب ن�شطة يف غزة‪ ،‬عن حماوالت وتهديدات من قبل ال�سلطة‬
‫الوطنية الفل�سطينية يف غزة بوقف عملياتهما يف بداية هذا ال�شهر‪.‬‬

‫لكن املجتمع املدين لي�س الوحيد الذي ي�شعر بالوط�أة‪ .‬فالأحزاب ال�سيا�سية يف فل�سطني تعي�ش يف �أزمة‪ .‬ومن امل�ؤ ّكد �أن حما�س‬
‫يف �أف�ضل حاالتها‪ ،‬ولكن فقط يف غزة (يف ال�ضفة الغربية التزال احلركة يف و�ضع �سبات‪ ،‬حيث يوجد عدد قليل من الأع�ضاء‬
‫البارزين النا�شطني يف العلن)‪ .‬ويف قطاع غزة‪ ،‬حيث هيمنة حما�س را�سخة‪ ،‬التزال احلركة تفرز �آثار دجمها بهيكل �سيا�سي حاكم‬
‫(‪)13‬‬
‫طاملا نظرت �إليه بازدراء‪.‬‬

‫الف�صائل الأ�صغر (مثل اجلبهة ال�شعبية وحزب ال�شعب) التزال �صغرية‪ ،‬و�أحدث املبادرات (و�أبرزها املبادرة الوطنية الفل�سطينية)‬
‫الحتظى بالكثري من اجلذب‪.‬‬

‫لكن ال�شك يف �أن حركة فتح تعي�ش يف حالة فو�ضى كربى‪ .‬فم�ؤمتر احلركة الذي ُعقِد يف ال�صيف املا�ضي‪ ،‬والذي احتفي به‬

‫‪10‬‬
‫كثرياً (وت� ّأخر فرتة طويلة) مل يكن كافياً العادة �إحياء املنظمة �أو تهدئة اخل�صومات الداخلية املريرة فيها‪ .‬ولي�س من الوا�ضح‬
‫ما �إذا كانت فتح التزال حقاً حزباً �سيا�سياً ب�أي معنى مفيد‪ ،‬بل باتت تتك ّون من حر�س قدمي �أ�صابته ال�شيخوخة ويحتكر املنا�صب‬
‫توحداً من احلر�س القدمي)‪ ،‬وجمموعة من الفروع املحلية تبدو‬ ‫العليا‪ ،‬وجيل الو�سط الذي يقف وراء الكوالي�س (هو لي�س �أكرث ّ‬
‫ّ‬
‫�صالتها باملركز غري كافية‪ .‬وقد �أظهرت حركة فتح عدم قدرتها على العمل بطريقة مت�سقة يف انتخابات العام ‪ 2006‬الكارثية‬
‫(التي مت ّكنت فيها من تكييف نظام انتخابي وفقا ملوا�صفاتها‪ ،‬ومن ثم راقبت كيف �أن خالفاتها �سمحت ملناف�ستها الرئي�سة‪،‬‬
‫حركة حما�س‪ ،‬برتجمة تعدّدية �شعبية �ضيقة �إىل �أغلبية �ساحقة يف الربملان)‪ .‬ويف العام ‪ ،2010‬التظهر احلركة �أي دليل على‬
‫�أنها ا�سرتدّت عافيتها‪ .‬وتظهر الهزمية الأخرية يف االنتخابات املحلية ‪ -‬التي �أجرب فيها قادة فتح حكومة فيا�ض على �إلغائها يف‬
‫الوقت الذي كان يتم فيه �إغالق ت�سجيل املر�شحني‪ ،‬ب�سبب عدم قدرة احلركة على جتميع القوائم االنتخابية ‪ -‬مدى الفو�ضى‪.‬‬
‫وكان من �ش�أن حركة فتح �أن ترق�ص على وقع فوز �ساحق لو �أن حما�س قاطعت االنتخابات‪ ،‬وقامت جمموعة من الأحزاب‬
‫ال�صغرية وامل�ستقلني �إما بالتعاون مع حركة فتح �أو بفر�ض حتديات �ضئيلة‪ .‬وقد قال يل �أحد املراقبني الأكرث دراية باالنتخابات‬
‫الفل�سطينية‪« :‬الآن نحن نعلم �أن حركة فتح غري قادرة على خو�ض االنتخابات �ض ّد نف�سها‪ ،‬ناهيك عن مواجهة حركة حما�س»‪.‬‬

‫جمموعة من اخليارات غري امل�ست�ساغة‬


‫قد يكون بناء الدولة الفل�سطينية حتت قيادة فيا�ض �أمراً م�ستع�صياً يف ح ّد ذاته‪ .‬بع�ض النجاحات امل�ؤ�س�سية ممكنة‪ ،‬لكن لي�س‬
‫املرجح �أن ت�ؤدّي جمتمع ًة �إىل �إقامة دولة فل�سطينية‪ .‬فهل لديه �أي بدائل؟‬
‫النجاحات التي من ّ‬

‫�أحد البدائل الذي يبدو �أنه ي�سعى �إىل حتقيقه هو التب ّني احلذر ملا ي�شري �إليه الفل�سطينيون على �أنه «املقاومة ال�شعبية»‪.‬‬
‫تلك العبارة غام�ضة‪ ،‬لكنها ت�ستخدم عادة للإ�شارة �إىل اجلهد ال�شعبي ملقاومة االحتالل الإ�سرائيلي (غالباً ماينتقد �أولئك‬
‫الذين يرفعون مكانة «املقاومة ال�شعبية» ماي�صفونه ب�أنه «ع�سكرة» االنتفا�ضة الثانية)‪ .‬ولي�س من الوا�ضح ما �إذا كان املجتمع‬
‫الفل�سطيني ميتلك القدرة التنظيمية للحفاظ على حملة غري عنيفة‪ ،‬و«املقاومة ال�شعبية» لي�ست مرادفة دائماً للالعنف‪.‬‬
‫ولذلك ف�إن خطوات فيا�ض يف هذا املجال تنطوي على خماطر كبرية‪ ،‬لكنها ت�سمح له �أي�ضاً ببناء �شعبية (�إن مل تكن قاعدة‬
‫�سيا�سية منظمة)‪ .‬ولقد فعل ذلك من خالل ت�أييد اجلهود ال�شعبية ملقاومة بناء اجلدار العازل‪ .‬و�سارع فيا�ض �أي�ضاً �إىل ت�صدُّ ر‬
‫احلملة ملقاطعة منتجات امل�ستوطنات‪ ،‬لي�س فقط من خالل امل�ساعدة يف تدمري منتجات امل�ستوطنات عالنية‪ ،‬بل �أي�ضاً (ورمبا‬
‫ب�شكل مم ّيز �أكرث) من خالل مر�سوم بقانون حلظر بيع منتجات امل�ستوطنات‪ .‬وقد امتدّت نزعة فيا�ض ال�شعبوية �إىل �سل�سلة من‬
‫الزيارات امليدانية للمدن والقرى يف جميع �أنحاء ال�ضفة الغربية‪ .‬وي�ساعد التخلي عن النمط ال�سيا�سي املتحفظ الذي يتو ّقعه‬
‫الفل�سطينيون من قادتهم على تعزيز مكانة فيا�ض ال�شعبية‪ ،‬لكن لي�س من الوا�ضح كيف ميكنه احلفاظ على �أي �شيء �أكرث‬
‫من غزوات نادرة ملثل هذا الن�شاط من دون تعري�ض عالقاته ال�صحيحة �إىل ح ّد ما مع �إ�سرائيل �إىل اخلطر‪� .‬إن التب ّني ال�شامل‬
‫لـ«املقاومة ال�شعبية»‪ ،‬حتى و�إن مت توجيهه �إىل �أ�شكال غري عنيفة ب�شكل �صريح‪ ،‬من �ش�أنه �أن يكون خطوة حمفوفة باملخاطر على‬
‫نحو غري عادي ل�شخ�صية حذرة للغاية‪.‬‬

‫اخليار الثاين املحفوف باملخاطر على قدم امل�ساواة �سيكون ال�سعي �إىل حتقيق امل�صاحلة مع حما�س‪ .‬بيد �أن هذا قد اليكون خياراً‬
‫لفيا�ض‪ .‬فامل�صاحلة التزال حتظى ب�شعبية وا�سعة يف �أو�ساط ال�شعب الفل�سطيني ولكن لي�س بني قادتهم (�سواء يف ال�ضفة‬
‫الغربية �أو غزة)‪ .‬و�سيكون من ال�صعب على فيا�ض �أن يتمكن من �إجناز (�أو حتى قيادة) مثل هذا اجلهد‪ .‬فاملفاو�ضات مع حما�س‬
‫التزال يف يد الرئي�س عبا�س وحركة فتح‪ .‬وهي �أي�ضاً رهينة ملواقف الواليات املتحدة و�أوروبا‪ ،‬يف ظ ّل اعتماد ال�سلطة الوطنية‬
‫الفل�سطينية املايل على الدعم اخلارجي‪ ،‬حيث يجب �أن تكون امل�صاحلة مقبول ًة من جانب اجلهات املانحة‪ .‬هناك بع�ض اال�ستعداد‬
‫يف �أوروبا للنظر يف الفكرة‪ ،‬لكن م�س�ؤويل �إدارة �أوباما وا�صلوا �إىل الآن‪ ،‬و�إىل ح ّد كبري‪ ،‬املعار�ضة التي ورثوها من �سنوات بو�ش‪.‬‬
‫ومنذ العام ‪� ،2007‬أ�صبحت �شروط امل�صاحلة املُحت َملة مع حما�س �أكرث �صعوبة‪ .‬يف هذه املرحلة‪ ،‬تبدو حما�س �أكرث تردّداً يف‬
‫مق�سماً �سيكون‬
‫املوحدة على الورق �ستظ ّل كياناً ّ‬
‫التفكري باملقرتحات التي قدّمتها حركة فتح‪ .‬وحتى ال�سلطة الوطنية الفل�سطينية ّ‬
‫من ال�صعب جداً ال�سيطرة عليه‪ .‬وعندما ع ّلقت �أمام حم ّلل متم ّر�س للغاية بال�سيا�سة الفل�سطينية ب�أننا «مل ن ُعد نتحدث عن‬
‫َ‬
‫ال‪« :‬والحتى ذلك‪ .‬نحن نتحدث عن تن�سيق حمدود»‪.‬‬ ‫امل�صاحلة‪ ،‬بل نتحدث عن تقا�سم ال�سلطة»‪ ،‬ر ّد قائ ً‬

‫‪11‬‬
‫لكن‪ ،‬وحتى لو مت الو�صول �إىل هذا الهدف املتوا�ضع‪ ،‬ف�إن فيا�ض �سيكون �ضحي ًة �أكرث منه منت�صراً (لأنه اليتم ّتع �سوى بدعم‬
‫�ضئيل‪� ،‬سواء من فتح �أو من حما�س)‪ .‬ويف �أق�صى احلاالت‪ ،‬م�شاركته قد يتح ّملها كال الطرفني بو�صفها �أمراً الغنى عنه لأي‬
‫موحدة ا�سمياً ‪ -‬لكن لي�س ثمة ماي�ؤ�شّ ر البتة �إىل اهتمام فيا�ض يف دمغ‬ ‫جهد لنيل حظوة ال�شرعية الدولية ل�سلطة فل�سطينية ّ‬
‫ً‬
‫ا�سمه و�سمعته على جبني هذا امل�شروع‪( .‬ويبدو �أن دعم فيا�ض العلني للم�صاحلة ينبع من ح�ساباته ب�أنه من الأف�ضل �سيا�سيا �أن‬
‫يكون على اجلانب ال�صحيح يف هذه امل�س�ألة‪ .‬مع ذلك‪ ،‬لي�س ثمة دالئل على �أنه مهت ّم بال�سعي �إىل حتقيقها �أو امل�شاركة فيها)‪.‬‬

‫امل�سار الثالث والأرجح الذي عليه �أن ي�ستم ّر فيه‪ ،‬هو �أن يقنع نف�سه باحلفاظ على حكومة رام اهلل عائمة‪ ،‬وتقدمي �صورة حمرتمة‬
‫للعامل اخلارجي‪ ،‬وحتقيق �سل�سلة من النجاحات الإدارية واملالية‪ ،‬وبالتايل احلفاظ على متا�سك النظام ال�سيا�سي حتى يربز �شيء‬
‫حت�سناً‪ .‬وكما ثبت مراراً وتكراراً يف ال�سنوات الأخرية‬
‫�أف�ضل‪ .‬م�شكلة مثل هذا النهج‪ ،‬بطبيعة احلال‪ ،‬هو �أن ماقد يحدث قد اليكون ّ‬
‫ال من �إ�سرائيل والواليات املتحدة ل�سوء احلظ وب�شكل وا�ضح‪ ،‬حافظتا (وعلى نحو م ّت�سق متاما)ً‬
‫(كان �آخرها مع ح�صار غزة)‪ ،‬ف�إن ك ً‬
‫على �سيا�ساتهما‪� ،‬إىل �أن جتربهما �أزمة ما على �إعادة تقوميها‪� .‬إ�سرائيل تفعل ذلك ب�سبب عدم وجود بدائل‪ ،‬وب�سبب قدرتها على‬
‫حتمل الو�ضع الراهن‪ ،‬و قناعتها (على الأقل بالن�سبة �إىل البع�ض) ب�أنه ميكن خدمة البالد ب�شكل �أف�ضل من خالل التغلب على‬
‫احلركة الوطنية الفل�سطينية باملناورات واحليلة ب�شكل م�ستمر‪ ،‬بد ًال من التو�صل �إىل اتفاق معها‪ .‬وقد قامت الواليات املتحدة‬
‫بذلك يف ال�سنوات الأخرية نتيجة الإميان الأعمى باملفاو�ضات على مايبدو‪.‬‬

‫�إن تكلفة هذه الق�صور الأمريكي والإ�سرائيلي الذاتي ل�سيا�سات البلدين هو �أنهما اليعدّالن ا�سرتاتيجياتهما اخلا�صة يف الوقت‬
‫اخلا�ص بهما‪ ،‬ولكن فقط عندما ُيجبرَ ان على الت�أقلم مع ظروف خارجة عن �إرادتهما‪� .‬إن �إعادة الرتتيب الأخرية للإغالق‬
‫املفرو�ض على غزة – وهي �سيا�سة مت االعرتاف على نطاق وا�سع ب�أنها غري مجُ دية قبل وقت طويل من حادث �أ�سطول امل�ساعدات‬
‫– هي �آخر مثال على م�س�ؤولني يتدافعون لتغيري ال�سيا�سة فقط بعد �أن �أدّى �إفال�سها �إىل دفعها على �شفري االنهيار‪ .‬وبالتايل‪،‬‬
‫ف�إن ز ّل ًة �سيا�سي ًة من قبل حكومة ال�ضفة الغربية‪ ،‬واندالع �أعمال عنف �ض ّد �أهداف ا�سرائيلية من�ش�ؤها �إما يف ال�ضفة الغربية �أو‬
‫غزة‪ ،‬وت�صاعد ال�صراع يف القد�س‪� ،‬أو حملة ع�سكرية �إ�سرائيلية مك ّثفة على غزة‪� ،‬أو فقدان واحد من رجلي املرحلة اللذين الغنى‬
‫عنهما (فيا�ض وحممود عبا�س) �سيجعل البلدين يهرعان مر ًة �أخرى ب�شكل يائ�س‪ ،‬ولي�س عن تخطيط ‪� ،‬إىل تكييف �سيا�ساتهما �إزاء‬
‫ال�سيا�سات الفل�سطينية الداخلية‪ ،‬وب�شروط التنا�سبهما على الأرجح‪.‬‬

‫كما �أن تكاليف اجلمود ال�سيا�سي �أكرب حتى بالن�سبة �إىل الفل�سطينيني‪� .‬إذا ماوا�صل فيا�ض ال�سري يف الطريق الأقل مقاومة‪ ،‬ف�إنه‬
‫ي�سخر امل�صري بعيد املدى لل�سلطة الفل�سطينية ل�صالح زعامة �أمريكية �أظهرت قدر ًة حمدود ًة على و�ضع �إ�سرتاتيجية واقعية‬
‫قد ّ‬
‫(‪)14‬‬
‫على املدى الطويل‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫مالحظات‬
‫‪ -1‬من ال�شائع دولياً ا�ستخدام تعبري «ال�سلطة الوطنية الفل�سطينية» للإ�شارة فقط �إىل ن�صف ال�سلطة الوطنية الفل�سطينية التابع لفيا�ض‪ .‬وهذا �أمر‬
‫الرت�سخ العميق حلما�س يف ن�صف ال�سلطة يف غزة حيث كان بناء امل�ؤ�س�سات‪ ،‬يف كثري من النواحي‪� ،‬أكرث جناحاً (و�إن كان‬
‫ّ‬ ‫م�ض ّلل للغاية‪� ،‬إذ هو يُهمِ ل‬
‫�سلطوياً �أي�ضاً)‪.‬‬
‫‪-2‬‬
‫»‪«Palestine: Ending the Occupation, Establishing the State, Program of the Thirteenth Government, August 2009,‬‬
‫‪http://www.mop-gov.ps/web_files/issues_file/090825%20Ending%20Occupation,%20Establishing%20the%20State%20-‬‬
‫‪%20Program%20of%20the%2013%20government.pdf‬‬
‫‪� -3‬سبق �أن �شدّدت على هذه النقطة يف ق�سم «هل الفيا�ضية (من فيا�ض) جديدة؟»‪ ،‬يف‪« :‬فل�سطني‪ :‬ال�شرخ يتع ّمق»‪ .‬تعليق كارنيغي‪� ،‬آب‪�/‬أغ�سط�س‬
‫‪،2009‬‬
‫‪http://carnegieendowment.org/files/palestine_schism1.pdf‬‬
‫‪-4‬‬
‫‪Thomas Friedman, «War, War, Timeout, War, Time…«New York Times, June 25, 2010.‬‬
‫‪ -5‬لالطالع على حتليلي ال�سابق لعملية بناء امل�ؤ�س�سات الفل�سطينية‪� ،‬أنظر‪Palestinian Politics After the Oslo Accords: Resuming Arab» :‬‬
‫‪ ،)2003 ,Palestine» (Berkeley: University of California Press‬و«رثاء الإ�صالح الفل�سطيني‪ :‬درو�س وا�ضحة من �سجل م�ضطرب»‪ ،‬درا�سة‬
‫كارنيغي الرقم ‪� ،81‬شباط‪/‬فرباير ‪Requiem for Palestinian Reform: Clear Lessons from a Troubled Record», Carnegie Pap« ،2007‬‬
‫‪.per no. 81, February 2007, http://carnegieendowment.org/files/cp_81_palestine_final.pdf‬‬
‫‪-6‬‬
‫‪«Fayyad’s Road to Palestine,» New York Times, April 29, 2010.‬‬
‫‪-7‬‬
‫‪Michael Weiss, «Palestine’s Great Hope,» Slate, June 8, 2010.‬‬
‫‪ -8‬للح�صول على بع�ض الإح�صاءات‪� ،‬أنظر املوقع االلكرتوين ملجل�س الق�ضاء الأعلى‪:‬‬
‫‪http://www.courts.gov.ps/atemplate.aspx?id=517‬‬
‫‪ -9‬للح�صول على معلومات حول ا�ستخدام منظمة التحرير الفل�سطينية للقانون الع�سكري واملحاكم الع�سكرية‪� ،‬أنظر‪:‬‬
‫‪«The Detention of Civilians by Palestinian Security Agencies with a Stamp of Approval from the Military Judicial Comm‬‬
‫‪mission», Independent Commission for Human Rights Special Report, no. 64, December 2008, http://www.ichr.ps/pdfs/‬‬
‫‪.eSP64/pdf‬‬
‫اعرتف م�س�ؤول يف وزارة الداخلية حتدّثت معه ب�أن ا�ستخدام املحاكم الع�سكرية مثري للجدل‪ ،‬ويحتاج �إىل �أ�سا�س قانوين وا�ضح‪.‬‬
‫‪ -10‬ان ُتقِد القرار بق�سوة من قبل جمموعات حقوق الإن�سان واملراقبني امل�ستقلّني‪ .‬ومت االدعاء على نطاق وا�سع بح�صول تدخّ ل �سيا�سي‪ ،‬مع �أن الدليل‬
‫املبا�شر الوحيد الذي مت تقدميه كان املنطق امل�ش ّوه للقرار نف�سه‪ .‬لكن النقاد الحظوا �أي�ضاً البيئة املتغيرّ ة للهيئة الق�ضائية التي �أ�صدرت التقرير‪ ،‬وبع�ض‬
‫املراقبني للمحكمة العليا عن كثب يعتقدون ب�أن هذا العمل غري البارع َهدَف ب�شكل مبا�شر �إىل �ضمان خ�سارة املع ّلمني ق�ض ّيتهم‪.‬‬
‫‪ -11‬ثمة �شكوك د�ستورية �إزاء املمار�سة التي قد حت ّد من ا�ستخدامها‪� .‬أو ًال المتتلك حكومة فيا�ض �أي �أ�سا�س على الإطالق يف القانون الأ�سا�سي‬
‫الفل�سطيني‪ .‬وميكن التغ ّلب على تلك امل�شكلة جزئياً‪ ،‬لأن القانون الذي و�ضعته حكومة فيا�ض ي�صدر ب�صورة ر�سمية عن الرئي�س‪ ،‬كما ين�صّ على ذلك‬
‫القانون الأ�سا�سي‪ .‬ولكن ماهو �أكرث خطورة هو �أن �سلطة الرئي�س مبوجب القانون الأ�سا�سي متت ّد فقط �إىل «حاالت ال�ضرورة التي ال حتتمل الت�أجيل»‪.‬‬
‫ويف منا�سبة �سابقة‪� ،‬ألغت املحكمة العليا الفل�سطينية (كانت تعمل بو�صفها حمكمة د�ستورية م�ؤ ّقتة) مر�سوماً ت�شريعياً طارئاً باعتباره غري د�ستوري‪،‬‬
‫ربره‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬وعلى الرغم من هذه ال�شكوك‪ ،‬ف�إن الق�ضاة يف ال�ضفة الغربية الآن م ّيالون متاماً �إىل قبول العملية‬ ‫لأنه مل تكن ثمة حالة طارئة ت ّ‬
‫الت�شريعية اخلا�صة التي مت و�ضعها‪ ،‬ويتعاملون مع املرا�سيم اال�شرتاعية الناجمة عنها على �أنها قوانني عادية‪ .‬واليتعاطف العديد مع احلكومة وح�سب‪،‬‬
‫بل حتى ذوي اللون امل�ستقل اليرون �أي�ضاً �أي بديل �سوى اخلروج متاماً من �أي �إطار قانوين‪.‬‬
‫‪-12‬‬
‫‪«Report on the Freedom of Association in the Palestinian Controlled Territory», Palestinian Independent Commission for‬‬
‫‪Human Rights, http://www.ichr.ps/pdfs/eFreedomofassociation.pdf.‬‬
‫‪� -13‬أدر�س �آثار ممار�سة احلكم على حما�س يف ف�صل من الكتاب الذي ي�شاركني يف ت�أليفه عمرو حمزاوي‪« ،‬بني الدين وال�سيا�سة» ‪Between Religion‬‬
‫‪( and Politics‬وا�شنطن‪ ،‬م�ؤ�س�سة كارنيغي لل�سالم الدويل‪ ،‬ي�صدر قريباً)‪.‬‬
‫‪ - 14‬للح�صول على �صيغة �ألطف من هذا االنتقاد لل�سيا�سة الأمريكية على �أنها تفتقر �إىل التب�صّ ر واالهتمام الكايف بال�سيا�سة الفل�سطينية‪� ،‬أنظر «ح ّل‬
‫الدولتني ي�ستوجب وجود حياة �سيا�سية فل�سطينية» «‪ ،»A Two-State Solution Requires Palestinian Politics‬مي�شيل دن‪ ،‬درا�سة كارنيغي‪،‬‬
‫حزيران‪/‬يونيو ‪،2010‬‬
‫‪http://carnegieendowment.org/files/palestine_politics.pdf‬‬

‫‪13‬‬
‫ناثان ج‪ .‬براون باحث �أول غري مقيم يف م�ؤ�س�سة كارنيغي لل�سالم الدويل‪ ،‬و�أ�ستاذ العلوم ال�سيا�سية‬
‫وال�ش�ؤون الدولية يف جامعة جورج وا�شنطن‪ .‬ر ّكزت �أعماله ال�سابقة على ال�سيا�سات الفل�سطينية‪ ،‬وحكم القانون‬
‫والد�ستوروية يف العامل العربي‪.‬‬

‫© ‪ 2010‬م�ؤ�س�سة كارنيغي لل�سالم الدويل‬


‫م�ؤ�س�سة كارنيغي لل�سالم الدويل م�ؤ�س�سة خا�صة غري ربحية مك ّر�سة لرتقية التعاون بني الدول وتعزيز امل�شاركة‬
‫الدولية الفعالة للواليات املتحدة‪ .‬كارنيغي التي ت�أ�س�ست يف العام ‪ ،1910‬هي م�ؤ�س�سة غري حزبية ومك ّر�سة‬
‫لتحقيق نتائج عملية‪.‬‬

‫‪14‬‬

You might also like