Professional Documents
Culture Documents
عي الرئي�س الفل�سطيني يف حزيران/يونيو ،2007وبعد حرب �أهلية ق�صرية �شطرت ال�سلطة الوطنية الفل�سطينية �إىل ق�سمني ،نّ
حممود عبا�س �سالم فيا�ض رئي�ساً حلكومة تكنوقراطية .لكن ال�سلطة الوطنية الفل�سطينية (الهيئة التي تدير ال�ش�ؤون الداخلية
موحد ًة .فحكومة فيا�ض ُت�شرِف على ن�صف ال�سلطة الوطنية الفل�سطينية التي
للفل�سطينيني يف ال�ضفة الغربية وغزة) مل َت ُعد ّ
()1
تدير ال�ضفة الغربية ،فيما ال�سلطة الف�سلطينية يف غزة حتت �سيطرة حكومة بقيادة حما�س.
كانت حكومة فيا�ض يف ال�ضفة الغربية ،التي ا�ستلمت احلكم منذ العام 2007مع بع�ض التعديالت الوزارية ،هي امل�ستفيد من
قدر كبري من الدعم الدويل -املادي واملعنوي على ح ّد �سواء – حيث اعتربها داعموها الدوليون نوا ًة لدولة فل�سطينية عتيدة.
�شجع فيا�ض نف�سه ،على الرغم من �أ�سلوبه ال�شخ�صي املتح ّفظ على نحو ممتع ،مثل هذا الكالم :فقبل عام �أ�صدرت حكومته وقد ّ
()2
خطة طموحة «لإقامة جهاز دولة بحكم الأمر الواقع يف غ�ضون العامني املقبلني» .يف جوهره ،يرمي نهج حكومة فيا�ض �إىل
بناء الأ�سا�س الإداري للدولة بد ًال من انتظار الدبلوما�سية الدولية لتقدمي مثل هذا الأ�سا�س .ويف حني �أن العملية الدبلوما�سية
�ستكون �ضرورية لتحويل دولة بحكم الأمر الواقع اىل دولة بحكم القانون ،ف�إن املهمة �ستكون �أ�سهل بكثري لو كان ثمة جهاز
فل�سطيني فاعل ي�شبه جهاز الدولة على �أر�ض الواقع .وقد منحت �إدارة بو�ش بع�ض الدعم لهذه املقاربة ،كما �أن �إدارة �أوباما
�ضاعفت رهانها على فيا�ض وبرناجمه.
مبا �أنه مت ا�ستكمال ن�صف اجلدول الزمني الطموح تقريباً ،هل �أ�صبح الفل�سطينيون �أقرب �إىل �إقامة دولة؟
ل�سوء احلظ ال .يف الواقع ،هم �أبعد مايكونون عن �إقامة دولة .وهذه ح�صيلة المنا�ص منها ت�ستند �إىل الأدلة التي مت جمعها
�أثناء زيارة قمت بها �إىل ال�ضفة الغربية ،ومت ّكنت خاللها من عقد �ساعات من املحادثات مع امل�س�ؤولني والنا�شطني واملراقبني
الفل�سطينيني ،العديد منهم �ساهموا وعملوا بد�أب لبناء امل�ؤ�س�سات التي تعتمد على خطة فيا�ض.
اخللل اليكمن يف فيا�ض نف�سه بل يف امل�سائل التي تعامل معها� ،إذ كانت هناك عمليات بناء م�ؤ�س�سات يف عهد يا�سر عرفات �أكرث
مما جرى يف عهد فيا�ض� .صحيح �أن العديد من هذه امل�ؤ�س�سات ُبنيت على الرغم من معار�ضة عرفات ،و�أن �سلوك فيا�ض ي�شي
باحرتام �أكرب للقواعد وامل�ؤ�س�سات� ،إال �أن هذه تعزية و�سلوان فقط لأولئك الذين يخلطون بني ال�شخ�صيات وال�سيا�سات .فعلى
الرغم من كل العمل النوعي املثري للإعجاب� ،إال �أن ما ا�ستطاع فيا�ض القيام به هو احلفاظ على العديد من امل�ؤ�س�سات التي
()3
ُبن َيت �سابقاً ،وجعل حفنة منها �أكرث فعالي ًة .بيد �أنه فعل ذلك يف �سياق �سلطوي من �ش�أنه حرمان النتائج من ال�شرعية املحلية.
ب ��روك� ��� �س ��ل n ب � � �ي� � ��روت n ب� �ي� �ج� �ي� �ن ��غ n م� ��و� � �س � �ك� ��و n وا�� � �ش� � �ن� � �ط � ��ن
وعلى �أي حال ،وعلى املدى الطويل ،ال فيا�ض وال داعميه الدوليني ينفعهم جتاهل الطبيعة اجلوفاء لال�سرتاتيجية الراهنة.
يف هذا التعليق� ،س�أو�ضح ملاذا الت�سري اجلهود املثرية للإعجاب التي تبذلها حكومة فيا�ض يف اجتاه �إقامة دولة فل�سطينية.
يف ا�ستك�شاف هذه النقطة� ،سيكون من ال�ضروري معار�ضة الكثري من الروايات ال�شائعة يف �ش�أن «الفيا�ضية» يف وا�شنطن.
الفل�سطينيون ،يف املقابل ،لن يفاج�أوا بالنتيجة كثرياً -من ال�صعب العثور على كثري من الفل�سطينيني الذين ي�ؤمنون ب�أنه
ميكن الإبقاء على ا�ستمرار التقدّم امل� ّؤ�س�سي من دون �سيادة -وهذا �صحيح حتى بالن�سبة �إىل الذين ي�شرتكون يف برنامج فيا�ض،
و�أولئك الذين يديرون ال�سلطة الوطنية الفل�سطينية يف ال�ضفة الغربية وميلكون م�ؤ�س�ساتها -مبا يف ذلك فيا�ض نف�سه – �إذ
�إن ه�ؤالء اليرون هذا اجلهد كبديل غري حمدود لبناء الدولة احلقيقية .كما �أن داعمي فيا�ض الدوليني يعرتفون ب�شكل متزايد
()4
�أن «التجميد امل�ؤ ّقت» يف النزاع الإ�سرائيلي-الفل�سطيني (كما �أ�سماه توما�س فريدمان ،الن�صري املتح ّم�س بال حدود لفيا�ض)
الميكن �أن ي�ستم ّر يف غياب تقدّم دبلوما�سي.
لكن تركيزي هنا �سيكون �أقل على الدبلوما�سية منه على واقع امل�ؤ�س�سات على �أر�ض الواقع .لقد كنت �أتابع التط ّور امل� ّؤ�س�سي
لل�سلطة الفل�سطينية منذ ت�أ�سي�سها .وخالل رحلة قمت بها م� ّؤخراً �إىل ال�ضفة الغربية ال�ستكمال بحثي ،وجدت �أنه يف مقابل
()5
كل خطوة واحدة �إىل الأمام مت ا ّتخاذها يف ظ ّل ظروف �صعبة ،تراجعت ال�سيا�سة يف ال�ضفة الغربية خطوتني �إىل الوراء.
فالرتكيز على ف�ضائل فيا�ض ال�شخ�صية طم�س �سل�سلة من التطورات ال�سيا�سية غري ال�صحية ،وهو ي�سيء فهم الإدارة النظيفة
برمته الي�ستند �إىل جم ّرد التقليل من �أهمية الدميقراطية وحقوق الإن�سان �أو على �أنها �سيا�سة �سليمة؛ ذلك �أن الربنامج ّ
�إعاقتهما ،بل على �إنكارهما فعلياً يف الوقت احلا�ضر� .أثر هذا النهج الذي جرى الأخذ به -رمبا بحكم ال�ضرورة �أكرث منه عن
قناعة -لي�س مثرياً للقلق العميق وح�سب ،بل مُ�ستن َزف و�ضا ّر بعمق لأهدافه �أي�ضاً.
لكن كثرياً ماتغيب عن بال املراقبني الدوليني طبيعة برنامج فيا�ض وكيف يقدّم نف�سه �إىل الفل�سطينيني� ،إذ غالباً مايو�صف
فيا�ض على ال�صعيد الدويل ب�أنه يقوم عملياً ببناء الدولة الفل�سطينية بد ًال من �أن يطالب القوى الأجنبية ببناء واحدة .ويحاول
رئي�س الوزراء يف رام اهلل يف الواقع مقاربة الدولة من خالل «بنائها بد ًال من الإعالن عنها ب�أ�ساليب �صاخبة» ،كما �أو�ضح ذلك
روجر كوهني يف �صحيفة نيويورك تاميز )6(.لكن احلقيقة �أنه نادراً مايعمل ب�شكل م�ستقل عن الدعم الدويل .وثمة يف الواقع
يحث الفل�سطينيني على �أال يقلقوا كثرياً يف �ش�أن مت ّلق الأجانب ،و�أن يت�ص ّرفوا يف �أمورهم اخلا�صة ب�أنف�سهم
العب �سيا�سي ّ
بدل ذلك ،وهذا الالعب هو حركة حما�س� .أما فيا�ض ،على النقي�ض من ذلك ،فهو مي ّثل الوعد الذي ميكن �أن يجلبه االحرتام
الدويل :كميات �ضخمة من امل�ساعدات ،ودعم دبلوما�سي �أكرث توا�ضعاً( ،و�إن كان مو�ضع ترحيب).
ر�سالة «الفيا�ضية» وا�ضحة وهي �إىل ذلك �شخ�صية� :إذا كان �سالم فيا�ض رئي�ساً للوزراء ،ف�إن اجلهات املانحة الدولية الغنية
�س ُتبقي ال�سلطة الوطنية الفل�سطينية قادرة على ت�سديد التزاماتها املالية والوفاء بها ،ودفع رواتب موظفيها ومتويل م�شاريع
تطوير البنية الأ�سا�سية ،وحتى فر�ض �ضغوط لطيفة على �إ�سرائيل لتخفيف قيودها امل�شدّدة على حرية التن ّقل والو�صول .وقد
�أ�صبح فيا�ض �شخ�صاً الغنى عنه بالن�سبة �إىل دبلوما�سية الواليات املتحدة على وجه اخل�صو�ص� ،إىل درجة يبدو معها �أن ثمة
الآن ر ّد فعل غري حم�سوب وغريباً على �أي �شيء �سيء يحدث يف غزة :تقدمي املزيد من الأموال �إىل رام اهلل (كما حدث عندما
انتهت حرب غزة يف كانون الثاين/يناير � 2009أو بعد الهجوم الإ�سرائيلي على �أ�سطول امل�ساعدات ّ
املتوجه �إىل غزة يف �أيار/مايو
.)2010
كذلك� ،أ�شرف فيا�ض والرئي�س عبا�س على جتديد التعاون الأمني مع �إ�سرائيل .وقد حدا ذلك – �إ�ضافة �إىل ا�ستعداد امل�ؤ�س�سة
دمرت االقت�صاد الأمنية يف ال�ضفة الغربية ال ّتخاذ �إجراءات �صارمة �ض ّد حما�س -ب�إ�سرائيل �إىل تخفيف القيود العازلة التي ّ
الفل�سطيني خالل �سنوات االنتفا�ضة .و�أدّت هذه النتائج ببع�ض املراقبني الغربيني �إىل املغاالة يف ا�ستخدام اجلمل والتعابري ،كما
يف مقال �ش ّيق ن�شرته م� ّؤخراً جملة «�سليت» ،Slateوجاء فيه:
منذ تعيينه رئي�ساً لوزراء ال�سلطة الوطنية الفل�سطينية يف العام ،2007يف �أعقاب احلرب الأهلية بني فتح وحما�س التي
�أدت �إىل �سيطرة حما�س على غزة ،ح ّول �سالم فيا�ض ال�ضفة الغربية متاماً من مكان يت�سم بالركود �إىل جمتمع مزدهر
ومتكامل .رام اهلل ،العا�صمة ،حيث كان جممع يا�سر عرفات حما�صراً بالأم�س القريب من قبل دبابات جي�ش الدفاع
الإ�سرائيلي ،ت�شبه الآن تل �أبيب �صغرية وت�ضم مباين مكاتب على �أحدث طراز ،ومتاجر ومراكز للت�سوق باهظة ،و�إعالنات
()7
عن �سلع كمالية م�ستوردة.
احلقيقة الأكرث �شيوعاً ،ولكن اجلديرة باملالحظة ،هي �أن نهاية االنتفا�ضة ،وثبات �سيا�سة فيا�ض وان�ضباطه املايل ،واالحرتام
الدويل الذي يحظى به ،والتدابري الأمنية ال�صارمة (والوح�شية يف بع�ض الأحيان) ،ور ّد الفعل اال�سرائيلي ،كلها عوامل �أحدثت
انتعا�شاً اقت�صادياً م�ستداماً يف ال�ضفة الغربية ،لكنه اليزال متخ ّلفاً عن �أداء مرحلة ماقبل االنتفا�ضة .ومع ذلك ،فهو ُيعيد
الفل�سطينيني يف ال�ضفة الغربية ب�سرعة �إىل حيث كانوا قبل ع�شر �سنوات.
كما ح ّقق فيا�ض �إجنازات �أخرى تحُ َ�سب له :الف�ساد �أ�صبح �أق ّل ،والأمن ُ�ضبِط �أكرث .حتى �أنه مت ّكن من تنفيذ بع�ض الإجراءات
ال�سيا�سية ال�صعبة ،مثل جعل الفل�سطينيني يدفعون فواتري الكهرباء اخلا�صة بهم.
فيا�ض مُثري للإعجاب ،لكنه لي�س وحده يف ذلك .فقد التقيت م�س�ؤولني ُم َو َّزعني على جميع م�ؤ�س�سات ال�سلطة الوطنية
الفل�سطينية يف ال�ضفة الغربية الذين �أ ّثروا ّ
يف بقوة بكفاءتهم ونزاهتهم.
ومع ذلك ،متيل وا�شنطن �إىل ارتكاب اخلط�أ نف�سه مراراً وتكراراً يف ال�سيا�سة الفل�سطينية ،حيث تبحث عن �شخ�ص نّ
معي
(وجتده يف بع�ض الأحيان) لديه الف�ضائل الالزمة لقيادة الفل�سطينيني يف امل�سار الذي تريده يف وقت معني .يف وا�شنطن،
فيا�ض هو رجل ال�ساعة الذي الغنى عنه ،مايوحي ب�أن قيادة الواليات املتحدة تخلط مرة �أخرى بني ال�شخ�ص املفيد وبني
ال�سيا�سة ال�سليمة.
ال �أحد من الذين التقيت بهم يف فل�سطني يعاين من االرتباك نف�سه .فحتى امل�س�ؤولون الأكرث جدي ًة ي�شعرون باالحباط جتاه
البيئة ال�سيا�سية جلهودهم� ،إذ هم يرون �أن فعاليتهم يح ّد منها غياب ال�سيادة ،وي�شعرون �أنهم يعملون يف حالة انتظار مريرة،
بدل �أن ي�شاركوا يف م�سرية عنيدة نحو �إقامة الدولة .وبالطبع فيا�ض نف�سه ي�شري دوماً �إىل �أن جهوده الميكن �أن تنجح يف ظلّ
غياب عملية �سيا�سية ودبلوما�سية تدعمها .وهذه العملية الدبلوما�سية بب�ساطة الوجود لها يف الوقت الراهن .ويف الواقع،
والحتى املفاو�ضون من كال اجلانبني (�أو الذين يرغبون يف �أن يكونوا مفاو�ضني ،لأنه الجتري مفاو�ضات حقيقية) يخدعون
املرجح �أن تجُ رى
�أنف�سهم ب�أن ثمة عملية قابلة للحياة .ثمة دالئل بني الو�سطاء الأمريكيني فقط على وجود �أمل يف �أنه من ّ
مفاو�ضات جادة لإنهاء ال�صراع ،ويبدو �أن ذلك الأمل وليد العادة �أكرث منه ح�صيلة الإميان �أو التحليل .لكن خداع الذات مل
َي ُعد �ساحراً كما كان يف ال�سابق ،بل �أ�صبح الآن م�ض ّراً ب�شدّة لأنه ي�ؤدّي بامل�س�ؤولني الأمريكيني �إىل جتاهل احلقائق النا�شئة التي
ت�ستند �إىل اعتقاد غري محُ ت َمل ب�أن مفاو�ضات ذات مغزى هي قاب قو�سني �أو �أدنى.
من بني الدالئل القليلة التي يبدو �أن املتفائلني قادرون على الإ�شارة �إليها هي طوفان بناء امل�ؤ�س�سات الفل�سطينية الذي يجري
حتت قيادة فيا�ض .لكن بعد درا�سة تط ّور امل�ؤ�س�سات الفل�سطينية على �أر�ض الواقع ،ال �أرى �سوى عالمات متفاوتة على وجود
تقدّم ،وثمة �أي�ضاً عالمات مُقلِقة بعمق على وجود تراجع.
ب�صفة عامة �إىل �إدخال حت�سينات على «الأمن» و«حكم القانون»( .ويف مايتع ّلق بالأمن ،هم مييلون �إىل الرتكيز على عمليات
حت�سن -ويغ�ضّ ون الطرف عن �سج ّل �أكرث تق ّلباً لال�ستخبارات والأمن) .هناك �سبب لهذا
�ضبط الأمن يومياً -حيث كان هناك ّ
الغمو�ض :لقد مت بب�ساطة بناء عدد قليل من امل�ؤ�س�سات يف رام اهلل منذ ت�شكيل حكومة فيا�ض الأوىل يف العام .2007وبد ًال من
ذلك ،مت الرتكيز على �إحياء وتنظيم امل�ؤ�س�سات التي ُبن َيت يف فرتات �سابقة.
يف رحلة قمت بها م�ؤخراً ،ر ّكزت على جمالني حاولت تت ّبعهما على مدى الأعوام اخلم�سة ع�شر املا�ضية ،وهما املجاالن القانوين
والتعليمي .وقد ح ّققت ال�سلطة الوطنية الفل�سطينية يف رام اهلل بع�ض الإجنازات يف كال املجالني -عموماً يف جمال الإدارة
العامة ال�سليمة -لكن تلك الإجنازات متوازنة ،و�سيتم تقوي�ضها بعمق على املدى الطويل ،ب�سبب �إ�شكالية البيئة ال�سيا�سية.
القانون
�إذا كان «حكم القانون» بطريقة عامة جداً يمُ ِّثل �أمراً مركزياً لربنامج فيا�ض ،ف�إن هذا الربنامج اليح ّقق النجاح .ثمة تطورات
ّ
وال�شك ،وعلى الأخ�صّ يف احلاالت غري ال�سيا�سية ،حيث بد�أت املحاكم يف ا�ستعادة بع�ض الفعالية التي فقدتها خالل �إيجابية
�سنوات االنتفا�ضة .لكن ال�سماح بعافية جزئية يف نظام املحاكم اليت�ساوى مع بناء حكم القانون.
ينبغي �أن تقوم احلكومة على مبادئ العدالة و�سيادة القانون وامل�ساواة والت�سامح ،عرب حماية الف�صل الوا�ضح بني ال�سلطات
ويتعي على جميع ال�سلطات والوكاالت والإدارات احلكومية والأفراد احرتام القانون نّ التنفيذية والت�شريعية والق�ضائية.
والعمل خلدمة املواطنني من دون متييز على �أي �أ�سا�س كان .ويكفل الد�ستور ا�ستقالل الق�ضاء وح�صانته ،ويعاقب القانون
على �أي انتهاك الكرامة .كما يتم حتديد اجلرمية والعقاب يف �إطار القانون ،الذي يعترب جميع الفل�سطينيني مت�ساوين،
علماً �أن العقاب اجلماعي حمظور متاماً.
امل�شكلة هي �أن العديد من هذه التطورات املوعودة الأكرث عمومية الحتدث بب�ساطة .لي�س ثمة ف�صل بني ال�سلطات ،بل ثمة زيادة
يف تركيز ال�سلطة يف الهيئة التنفيذية .كما التوجد �أي �سلطة ت�شريعية .و�أحكام املحكمة يتم جتاهلها ،والق�ضاة ان�سحبوا من
بع�ض الق�ضايا ال�سيا�سية احلا�سمة ،كما �أن ا�ستقالل ال�سلطة الق�ضائية بالكاد مكفول.
وعلى الرغم من الكفاءة املتزايدة للنظام الق�ضائي وحجم العمل الذي يقوم به ،ف�إن �سل�سلة من امل�شاكل ال�سيا�سية التزال
تعرتيه:
qاخل�صومات ال�شخ�صية وامل�ؤ�س�سية التي اب ُتلي بها النظام القانوين منذ بداية ال�سلطة الوطنية الفل�سطينية (التناف�س
املتوا�صل بني وزارة العدل واملجل�س الأعلى للق�ضاء؛ واجلدل حول دور املكتب امل�س�ؤول عن �صياغة ون�شر الت�شريعات
يف وزارة العدل؛ وال�شكوك حول و�ضع نظام النيابة العامة) مل تحُ َ ّل بب�ساطة� .أو بالأحرى كل حماولة حل ّلها ال ُت�سهِم
�إال يف بدء جولة جديدة من املناف�سات .كل �شخ�ص كان يتابع النظام القانوين الفل�سطيني منذ منت�صف الت�سعينيات،
يالحظ �أن هذه املناف�سات امل�ؤ�س�سية ت�ستم ّر �إىل ما النهاية� :إنها كم�سل�سل تلفزيوين طويل حيث ال�شخ�صيات تتغيرّ
لكن امليلودراما ت�ستم ّر بغ�ض النظر عن ذلك ،ولي�س ثمة ح ّل ُمقترَ َ ح .واجلهات الفاعلة الرئي�سة التعمل ،يف �أغلب
الأحيان ،لأغرا�ض متعار�ضة وح�سب ،بل غالباً ماتكون �أي�ضاً قادر ًة على عرقلة �أي جهود �إ�صالحية �إذا ماقادها مناف�س
يف امل�ؤ�س�سات .وقد مت ت�أخري التدريب الق�ضائي ،والإ�صالحات يف النيابة العامة ،والتعيينات الرئي�سة يف بع�ض
الأحيان ب�سبب االنق�سامات� .أما تد ّفق التمويل الدويل فهو يزيد يف الواقع من تفاقم امل�شكلة ،لأن كل ق�سم من اجلهاز
القانوين يناور �ض ّد الأق�سام الأخرى يف حماولة لت�أمني الدعم املايل اخلارجي.
qتوا�صل الأجهزة الأمنية العمل خارج نطاق القانون؛ فيما ت�ستم ّر املحاكم الع�سكرية يف حماكمة املدنيني من خالل
ا�ستخدام قانون �صادر عن منظمة التحرير الفل�سطينية يف املنفى (وهو قانون يبدو �أنه الميتلك �أي �شرعية يف
القانون الفل�سطيني يف ال�ضفة الغربية( ،))9ويزعم املراقبون القانونيون �أنه غالباً مايتم جتاهل القرارات الق�ضائية
من قبل الأجهزة الأمنية .ويخ�شى �آخرون من �أن �أولئك امل�ستهدفني لأ�سباب �أمنية تخ ّلوا عن اللجوء �إىل املحاكم
لأنواع حمدّدة من الق�ضايا (كالذين خ�سروا وظائفهم �أو وجدوا �أنف�سهم رهن االعتقال دورياً على يد �أجهزة الأمن).
�أوجه الق�صور يف جمال حقوق الإن�سان يف النظام احلايل (تقارير متواترة عن التعذيب وعمليات االعتقال املثرية لل�شك من
قبل الأجهزة الأمنية ،وعدم احرتام بع�ض اجلهات الر�سمية لقرارات املحكمة) حظيت ببع�ض االهتمام من جانب فيا�ض قبل عام.
ويف زيارة قمت بها يف �آب�/أغ�سط�س � ،2009سمعت ادعاءات متك ّررة وذات �صدقية من م�س�ؤولني يف هيئات خمتلفة حول تعليمات
رئي�س الوزراء املبا�شرة وال�شخ�صية� ،صدرت بدعم رئا�سي ،للح ّد من التجاوزات.
لكن يف زيارتي الأخرية ،يبدو من الوا�ضح �أن جهوده مل حت ّقق �سوى جناح جزئي .فقد انخف�ض عدد التقارير التي تتحدث
عن اال�ستخدام الروتيني للتعذيب من قبل �أجهزة الأمن ،ومل �أ�سمع �سوى حفنة من التقارير عن �أحكام ق�ضائية يتم جتاهلها.
وحاولت بع�ض االجهزة الأمنية التح ّرك �ض ّد املعار�ضني ال�سيا�سيني من خالل اال�ست�شهاد بانتهاكات قانونية وا�ضحة (مثل
جرائم الأ�سلحة �أو غ�سل الأموال) بد ًال من التوجه ال�سيا�سي ك�أ�سا�س للعمل.
لكن احلقيقة بالطبع تبقى �أن القيام بحملة من �أجل «الأمن» م�سا ٍو يف مفهومه يف كثري من الأحيان ملحاولة قمع حركة
(التدخل ال�سيا�سي ،وجتاهل �أوامر املحكمة ،وعمليات االحتجاز غري ال�شرعية) مل ّ حما�س .ونتيجة لذلك يبدو �أن م�شاكل �أخرى
يتم الت�صدّي لها� .أو بالأحرى مت الت�صدّي لها ،من خالل قرار ا ُّتخِ ذ على �أعلى امل�ستويات (من قبل ر�ؤ�ساء �أجهزة الأمن ورمبا
الرئي�س نف�سه) ،واعترب �أن ال�صراع �ض ّد حما�س له الأولوية على القانون .وي�شري الن ّقاد على وجه اخل�صو�ص �إىل حالة �سيا�سية
بارزة واحدة تنطوي على ف�صل املعلمني لأ�سباب �سيا�سية بحتة .ففي هذه الق�ضية� ،أ�صدرت املحكمة العليا (الهيئة الق�ضائية
التي تنظر يف الق�ضايا التي تنطوي على �إجراءات ر�سمية) حكماً م�شكوكاً فيه ل�صالح احلكومة )10(.وقد اعتربت منظمات حقوق
الإن�سان وغريها هذا القرار مبثابة �سابقة �ست�سمح ب�إجراء تطهري �سيا�سي للبريوقراطية من دون رقابة قانونية.
خارج القطاع الق�ضائي ،يف النظام القانوين الأو�سع ،ثمة م�شكلتان اثنتان بارزتان ترمزان �إىل ال�صعوبات التي تواجه التط ّور
امل� ّؤ�س�سي الفل�سطيني يف هذه الفرتة :و�ضع القوانني وتنظيم املحامني.
ي�ض ّم الإطار القانوين الفل�سطيني جمموعة من القوانني والأنظمة املوروثة من �سل�سلة من الأنظمة الأجنبية العثمانية
والربيطانية والأردنية وامل�صرية والإ�سرائيلية .يف بع�ض احلاالت تختلف القوانني والأنظمة املعمول بها يف ال�ضفة الغربية
عن تلك املُط َّبقة يف قطاع غزة .هذا الأمر ،بالإ�ضافة �إىل حقيقة �أن جوانب من الإطار القانوين عفا عليها الزمن ،مي ّثل كل
�أنواع التحدّيات ل�ضمان احلكم الر�شيد .و�إحدى الأولويات الق�صوى للحكومة �ستكون و�ضع اللم�سات الأخرية على املراجعة
ال�شاملة التي جتري حالياً للإطار القانوين والتنظيمي الفل�سطيني .ومن ال�ضروري �أن تتوا�صل عملية املراجعة وحتديث
الإطار القانوين هذه قدماً عرب التن�سيق ،ولكل قطاع على حدة ،من خالل الت�شاور الكامل بني جميع م�ؤ�س�سات احلكومة،
واملجتمع املدين وم�ؤ�س�سات القطاع اخلا�ص ذات ال�صلة.
و�صف امل�شكلة �صحيح مبا فيه الكفاية ،لكنه يتجاهل متاماً الإجنازات الت�شريعية الهامة نف�سها للربملان الفل�سطيني املُح َت َ�ضر
الآن ،وهو املجل�س الت�شريعي الفل�سطيني .احلقيقة هي �أن �أكرب اخلطوات يف مراجعة وتعديل وحتديث وتوحيد الإطار القانوين
الفل�سطيني ا ُّتخِ َذت عندما كان هناك برملان قابل للحياة (بني العامني 1996و .)2006كانت العملية فو�ضوي ًة ومثري ًة للجدل
ال�شك .لكنها �أ�سفرت �أي�ضاً عن قوانني ت�ستند �إىل �أ�سا�س �أكرث �صالبة ،وتتميز بليربالية الروح ،و ُتع َتبرَ م�شروع ًة.
وعر�ض ًة �إىل ّ
منذ االنت�صار االنتخابي حلركة حما�س يف كانون الثاين/يناير 2006واعتقال �إ�سرائيل لكثري من نواب حما�س يف وقت الحق
من ذلك العام (�شل الربملان) ،و�صلت العملية الت�شريعية �إىل نهايتها.
لكن ما �إذا كان حلكم القانون �أن ي�سود ،فالب ّد من �صياغة القوانني .وحكومة فيا�ض مل تط ّور الكثري من امل�ؤ�س�سات مللء هذه
الثغرة حيث ارجتلت �آلية لهذا الغر�ض .هذه الآلية هي على الأرجح الآلية الأ�سلم التي ميكن التو�صّ ل �إليها يف ظ ّل الظروف
�صحياً �أو بنا ًء للدولة ،كما الميكن ا�ستخدامها
ال�سيا�سية ال�صعبة التي تعمل فيها� ،إال �أنه الميكن اعتبارها تطويراً م�ؤ�س�سياً ّ
لتحقيق الأهداف النبيلة املو�صوفة يف اخلطة.
لقد حاولت حكومة فيا�ض ملء الفراغ الناجم عن انهيار الربملان من خالل اخرتاع عملية ت�شريعية خم�صّ �صة ت�ستفيد من
�سلطة الرئي�س يف �إ�صدار قرارات طارئة بقوة القانون يف احلاالت التي اليكون فيها الربملان منعقداً .وتقوم جلنة من امل�ست�شارين
القانونيني الذين يعملون ل�صالح الوزارات املختلفة مبراجعة م�شاريع القوانني (وت�ضع م�سودّاتها يف بع�ض الأحيان) على �أن
حتيلها �إىل جمل�س الوزراء الذي يحيلها بدوره �إىل الرئي�س لإ�صدارها.
ال جيداً لهذا النظام .لكن امل�سار الذي �أُرغِ َمت على ا ّتخاذه يطرح م�شاكل خطرية� .أو ًال ،بد ًال من
المتتلك حكومة فيا�ض بدي ً
توحيد ال�ضفة الغربية وقطاع غزة ،ت�ؤدّي كل خطوة ت�شريعية تتخذها حكومة فيا�ض �إىل تعميق االنق�سام بني �شطري ال�سلطة
الوطنية الفل�سطينية (وينطبق ال�شيء نف�سه على التدابري القانونية التي اتخذها الربملان الفل�سطيني الذي ي�ض ّم قل ًة من
الأع�ضاء ،والذي يجتمع حتت قيادة حما�س يف غزة) .ثانياً ،العملية �إدارية تتجاوز العديد من اخلطوات التي يجب �أن تت�ض ّمنها
العملية الت�شريعية الربملانية :فلي�س ثمة ف�صل بني ال�سلطات ،وهناك قدر قليل من الرقابة ،ويتم تنفيذ العملية عادة بقدر
حمدود من التدقيق العام والت�شاور .ومبعنى من املعاين ،فقد ح ّولت حكومة مع ّينة ،متار�س احلكم من دون احل�صول على الثقة
يف الربملان ،ومن دون �أي �أ�سا�س د�ستوري ،نف�سها �إىل هيئة ت�شريعية .ثالثاً ،هذه امل�شاكل ال�سيا�سية التي تكتنف العملية َحدَت
باحلكومة �إىل تقييد ا�ستخدامها �إىل ح ّد كبري يف جماالت �أكرث فنية و�إدارية ،وبكل ب�ساطة مل يكن من امل�ست�ساغ �سيا�سياً تقدمي
()11
الربنامج ال�شامل لتطوير وحتديث الت�شريعات الذي َتعِد به خطة فيا�ض مع هيكل خم�صّ �ص من هذا القبيل.
نقابة املحامني
يرت ّكز معظم االهتمام الدويل بامل�ؤ�س�سات الفل�سطينية على الهيئات احلكومية ،لكن هناك �أي�ضاً جمموعة من امل�ؤ�س�سات الأخرى
(املنظمات غري احلكومية والأحزاب ال�سيا�سية ،وهلم جراً) التي تلعب دوراً هاماً يف املجتمع الفل�سطيني وال�سيا�سة .وعندما
ال على امل�ؤ�س�سات ،ت�صبح بع�ض النقاط املُبهَمة يف برنامج فيا�ض �أكرث و�ضوحاً .ففي القطاع القانوين،
يلقي املرء نظرة �أو�سع قلي ً
ح�سا�ساً لتمثيل املحامني وعر�ض وجهة نظرهم ،حيث تقوم بتوفري التطوير املهني ،وتنظيم ال�ش�ؤون ال ّمت ّثل نقابة املحامني هيك ً
موحدة ملحامي فل�سطني مهمة �صعبة للغاية ،لكنها كانت يف نهاية املطاف على و�شك االنتهاء عندما املهنية .وقد كان �إن�شاء نقابة ّ
ً
اندلعت االنتفا�ضة الثانية يف �أيلول�/سبتمرب .2000ونتيجة لهذه العملية املبكرة يف بناء امل�ؤ�س�سات ،يكمن و�ضع نقابة املحامني
بني القطاع العام والقطاع اخلا�ص ،فهي متتلك ترخي�صاً ر�سمياً ولها قانونها اخلا�ص الذي يحكم عملها ،لكن ع�ضويتها تت�أ ّلف
من �أفراد.
بد ًال من �أن تكون وقتاً للتنمية امل�ؤ�س�سية� ،أدت الفرتة التي انق�ضت منذ حزيران/يونيو ( 2007وانف�صال ال�ضفة الغربية وغزة)
�إىل �إ�ضعاف نقابة املحامني .وقد كانت انتخابات نقابة املحامني �صعب ًة و�ش�أناً حزبياً على الدوام ،كما �أن قيادة النقابة كما هي
قائمة الآن هي هيئة ُتهَيمِ ن عليها حركة فتح .لكن الوالءات ال�سيا�سية امل�شرتكة بالكاد �أدت �إىل تعاون .فنقابة املحامني التزال
موحدة بني ال�ضفة الغربية وقطاع غزة ،لكن �شطريها يخدمان يف ظ ّل حكومتني خمتلفتني .فرع غزة ،الذي على الورق هيئة ّ
غالباً ماكان ي�شعر ب�أنه مه ّم�ش يف املا�ضي ،متخ ّوف الآن من امل�ستقبل حتديدا لأنه �أبرم عالقة عمل مع حكومة حما�س .و�أدّى
ً
هذا باملحامني يف غزة �إىل التحري�ض �ض ّد انتخابات نقابة املحامني ،وجل�أت جمموعة من حمامي غزة ،ب�صفة املحاماة �إىل
املحكمة العليا التي ع ّينتها حما�س يف غزة ،والتي �أ�صدرت �أمراً بوقف االنتخابات .ويف حني مل يتم االعرتاف بحكم حمكمة غزة
يف ال�ضفة الغربية ،ف�إنه الميكن للمركز الرئي�س لنقابة املحامني هناك �أن يفر�ض �إجراء انتخابات يف قطاع غزة .كما �أن �إجراء
االنتخابات يف ال�ضفة الغربية وحدها �سيكون �صعباً من الناحية ال�سيا�سية ،لأنه �س ُي َ
نظر �إىل ذلك على �أنه تعميق لل�شرخ.
عالو ًة على ذلك ،ف�إن نقابة حمامي ال�ضفة الغربية ،حتى و�إن كانت ت�سيطر عليها حركة فتح ،التزال منق�سم ًة على نف�سها ب�شدة.
وكما �أو�ضح �أحد املراقبني القانونيني� ،إن كل ع�ضو يف جمل�س �إدارة النقابة مرتبط بزعيم خمتلف يف حركة فتح ،و«هناك حرب
يف حركة فتح».
على الرغم من طبيعتها البيزنطية ،ت ّتبع تفا�صيل ال�سيا�سة يف نقابة املحامني منطاً وا�ضحاً� :إننا ن�شهد العملية نف�سها التي
حدثت خالل الت�سعينيات بعد ت�شكيل ال�سلطة الوطنية الفل�سطينية ،با�ستثناء �أنها حتدث الآن يف االجتاه املعاك�س .فثمة هيئة
موحدة ب ُع ْ�سر تتال�شى وتفقد فعاليتها ،وتنف�صل �إىل �أجزاء ب�سبب االنق�سامات اجلغرافية وال�سيا�سية التي تزداد �سوءاً مع مرور
ّ
الوقت.
على الأقل يف هذا املجال ،امل�ؤ�س�سات الفل�سطينية تتح ّرك اىل الوراء.
التعليم
احلكومة الراهنة يف رام اهلل مل تبذل �سوى النزر القليل لـ«بناء» النظام التعليمي الفل�سطيني ،ومع ذلك ،حافظت عليه.
وهذا لي�س �إجنازاً ب�سيطاً يف �أي حال ،لكنه يتع ّر�ض �إىل العرقلة بدل �أن يكون �أدا ًة للتغ ّلب على امل�شاكل ال�سيا�سية الأ�سا�سية يف
ال�سيا�سات الفل�سطينية .وتالحظ خطة فيا�ض �أن «�أكرث من ثلث �أبناء ال�شعب الفل�سطيني يلتحقون باملدار�س» ،ولكنها التويل
القطاع التعليمي �إال اهتماماً عابراً .ويبدو �أن ر�سالة اخلطة تتم ّثل يف احلفاظ على النظام بكل ب�ساطة ،يف حني كان �إدخال
كاف من التحدّي.حت�سينات تدريجية متوا�ضعة مي ّثل هدفاً ينطوي على قدر ٍ
املثابرة
مت ّثل املثابرة موقفاً واقعياً جداً ،ولذلك ف�إنه من قبيل الثناء الكبري الإ�شارة �إىل �أنه مت حتقيق الهدف ال�صعب املتم ّثل يف
احلفاظ على النظام .فقد �شهد النظام التعليمي الفل�سطيني بع�ض التح�سينات الطفيفة ،لكن جم ّرد �أنه يعمل كما كان دائماً هو
ي�ستحق الثناء .ويف الواقع ،ف�إن قطاع التعليم هو الأقل ت�أ ّثراً من جراء االنق�سام بني ال�ضفة الغربية وقطاع غزة.
ّ �إجناز
لقد انق�سمت ال�سلطة الوطنية الفل�سطينية �إىل �شطرين اثنني بعد �سنتني فقط من ا�ستكمال َ�سنّ القوانني اخلا�صة باملنهاج
الدرا�سي الفل�سطيني الكامل (بدءاً من العام ،2000حت ّولت املدار�س الفل�سطينية من املناهج الأردنية وامل�صرية التي كانت
موجود ًة �سابقاً �إىل منهج فل�سطيني مبعدّل درجتني كل مرة) .هذا املنهاج مل يتغيرّ �إىل ح ّد كبري ،واليزال ّ
يوحد ال�ضفة الغربية
وقطاع غزة�( .أجرت حما�س تغيريات طفيف ًة جداً يف املناهج الدرا�سية ،عندما تو ّلت وزارة الرتبية والتعليم املوحدة من �آذار/
مار�س 2006حتى حزيران/يونيو ،2007حيث زادت عدد ال�ساعات املخ�ص�صة ملادة الدين( .مل يتم عك�س هذا التغيري من قبل
حكومة فيا�ض ).لي�س ذلك وح�سب ،بل مت ّكن ن�صفا وزارة الرتبية والتعليم من تنفيذ تقييم �شامل للمنهاج اجلديد خالل فرتة
االنق�سام .ويقود ذلك الآن �إىل جمموعة من التغيريات الطفيفة املتفاو�ض عليها بعناية ،مع جمموعة وا�سعة من الإ�صالحات
التي تتم معاجلتها ببطء ،مادة مادة (ابتدا ًء بالتعليم التكنولوجي) .ومع ذلك ،ف�إن التغيريات اجلذرية يف املناهج الدرا�سية
اخلا�صة باملواد الأكرث ح�سا�سية (مثل التاريخ والرتبية املدنية والدين) رمبا �ستكون �صعبة للغاية ،نظراً �إىل �أنها �ستتط ّلب
املرجح �أن يفر�ض االنق�سام قيوداً علىتن�سيقاً بني القيادات يف ال�ضفة الغربية وقطاع غزة ،مع ر�ؤاها املتباينة جداً .وبالتايل ،من ّ
بع�ض الأ�شياء التي كانت حكومة فيا�ض ترغب يف القيام بها.
يوا�صل �شطرا الوزارة التعاون يف كتابة وت�صنيف «التوجيهي» ،وهي املجموعة ال�شاملة من االمتحانات التي ي�ؤدّيها الطالب
الفل�سطينيون بع�صبية يف نهاية درا�ستهم الثانوية العامة (االمتحانات تغطي معظم املواد الدرا�سية يف املدر�سة الثانوية وحتدّد
القبول اجلامعي والتن�سيب) .ويتعاون �شطرا وزارة الرتبية والتعليم بهدوء �شديد يف منح ال�شهادات للخريجني .بعد االنق�سام،
حاولت وزارة الرتبية والتعليم يف غزة بقيادة حما�س �أن ت�صدر ال�شهادات با�سم وزيرها ،لكنها وجدت �أن هذه ال�شهادات لن يكون
معرتفاً بها يف العامل العربي ،لذلك قبلت الر�ضوخ �إىل �ضرورة �إ�صدار ال�شهادات با�سم الوزير الذي مقره رام اهلل.
يف ال�ضفة الغربية ،كانت عملية التطهري ال�سيا�سي ذات �أ�سا�س قانوين مهزوز �أكرث .فقد مت بب�ساطة ف�صل املعلمني املتعاطفني
مع حركة حما�س يف انتهاك م�ؤ ّكد للقانون تقريباً ،وقد غ�ضّ ت املحاكم الطرف عن ذلك .ف ُيطلَب من املعلمني اجلدد � -أو غريهم
ممن يرغبون يف العمل لدى احلكومة -احل�صول على �شهادة ح�سن �سلوك من م�س�ؤويل الأمن املحليني ،ويعترب معظم املراقبني
هذا الإجراء عملية فرز �سيا�سي ُتق�صي الإ�سالميني ومتنح االمتيازات لأن�صار فتح.
ال من جم ّرد الرتكيز على البريوقراطية احلكومية، وكما هو احلال يف القطاع القانوين� ،إذا كان اهتمامنا بـ«امل�ؤ�س�سات» �أو�سع قلي ً
فنحن نرى عالمات وا�ضحة على اخلراب .فنقابة املعلمني ،وهي هيكل مت توحيده ببطء وب�شكل غري محُ دَّد من هياكل متن ّوعة
متناف�سة يف الت�سعينيات ،مثله مثل نقابة املحامني ،تعاين هي نف�سها من �أزمة .رئي�س النقابة لفرتة طويلة ،وهو رجل �شجاع من
املدر�سة القدمية يف حركة فتح ،تويف م� ّؤخراً ،وقد خلفته جمموعة من القادة الذين وجدوا �أن انتماءهم حلركة فتح م�صدراً
لالنق�سام بدل �أن يكون م�صدراً للوحدة .كما �أن �إجراء انتخابات م�س�ألة �صعبة يف �ضوء االنق�سامات يف القيادة واالنق�سام مع
قطاع غزة .وقد ف�شلت حماوالت �إ�صالح �أو ا�ستبدال الهيكل .ويف رحلتي الأخرية ،اجتمعت مع اثنني من الأفراد الذين كانوا
يائ�سني للغاية من النقابة� ،إىل درجة �أنهم بد�أوا حماوالت عدة لإ�صالحها �أو االلتفاف عليها .و�ساعد �أحد القادة من هذا القبيل،
وهو من الي�سار ال�سيا�سي ،يف تنظيم �سل�سلة من «جلان التن�سيق» ال�شعبية التي قادت �إ�ضرابات غري م�شروعة يف الت�سعينيات.
و�ساعد قائد ثان يف �إطالق تنظيم هو نتاج مبادئ ومعتقدات �إ�سالمية �سعى �إىل �أن يكون هيئ ًة بديل ًة للنقابة التي تهيمن عليها
فتح ،ومن بني امل� ّؤ�س�سني الت�سعة الأ�صليني ،يوجد �أربعة يف ال�سجون الإ�سرائيلية ،فيما �ألقي القب�ض على �أربعة من قبل ال�سلطة
الوطنية الفل�سطينية يف رام اهلل ،ومل يفرج عنهم �إال عندما ن�أوا ب�أنف�سهم عن املحاولة ،وبقي واحد فقط دون م�ضايقة( .هو
يقول �إن النقابة نف�سها التزال مغلقة على الرغم من ح�صولها على �أمر من املحكمة بوجوب ال�سماح لها بالعمل).
املرجح �أن يعترب الداعمون الأمريكيون لل�سلطة الفل�سطينية يف رام اهلل �أن من ال�ضروري �أن يدفع الفل�سطينيون ثمن �شنّ من ّ
ّ
حملة على حركة حما�س .لكن حتى لو كان هذا هو احلال ،ف�إن النتيجة التي اللب�س فيها التتمثل يف بناء امل�ؤ�س�سات بل يف ال�شلل
امل� ّؤ�س�سي يف املجتمع املدين ،ويف الرتاجع امللحوظ عما كان عليه احلال يف �سنوات �أو�سلو.
�صحيح �أن ال�سلطوية الفل�سطينية يف العام 2010تختلف عنها يف ظ ّل عرفات ،فهي �أقل ف�ساداً ورمبا �أقل تق ّلباً ،لكنها �أي�ضاً �أكرث
قمعاً.
نعم .فاالفتتان الدويل بهذا اجلهد يحجب تط ّورين غري �صحيّني للغاية ،يرتبط كل منهما باالنق�سام يف ال�سيا�سة الفل�سطينية،
حيث ي�ستند اجلهد على �إنكار الدميقراطية وحقوق الإن�سان ،كما �أنه يتجاوز (ورمبا يفاقم) التدهور يف امل�ؤ�س�سات الفل�سطينية
التي تقع خارج نطاق احلكومة .النظام ال�سيا�سي الفل�سطيني معتل للغاية؛ والفيا�ضية التعالج الأزمة .ففي �أح�سن الأحوال هي
ت�شرف على االدارة يف مواجهة الأزمة ،ويف �أ�سو�أ الأحوال ف�إنها ت�سمح للجهات الدولية واملحلية بتجاهلها ،يف الوقت الراهن.
لقد فوجئت �إىل ح ّد ما ،خالل زيارتي الأخرية ،لأن �أجد درج ًة من اخلوف املتو ّلد من الناحية ال�سيا�سية يف ال�ضفة الغربية
الآن .وينبغي �أال تتم املبالغة يف هذه امل�س�ألة� ،إذ الي�ستطيع �أحد �أبداً �أن يخلط بني فل�سطني حممود عبا�س و كوريا كيم يونغ �إيل
ال�شمالية .والواقع �أن كل املعلومات التي �أ�سندت �إليها حتليلي قدّمها ب�شكل ح ّر وعلني فل�سطينيون من ال�ضفة الغربية الزالوا
يظهرون تن ّوعاً كبرياً يف وجهات نظرهم ال�سيا�سية .لكن ،و�إ�ضاف ًة �إىل �شعور عام بالعزلة ال�سيا�سية ،ثمة تو ّتر وا�ضح مفاده �أن
ممار�سة النوع اخلاطئ من ال�سيا�سة ميكن �أن ت�ؤذي حياتك املهنية� ،أو يف بع�ض احلاالت ،ت�ؤدّي �إىل اعتقالك .ومرة �أخرى ،اجلهد
الذي تقوم به حكومة فيا�ض ،وعلى الأقل بع�ض م�ؤ ّيديها ال�سيا�سيني ،يرمي �إىل �ضمان �أن يتم حتى ا ّتخاذ التدابري ال�سيا�سية
القمعية �ضمن �سياق قانوين وا�ضح (بحيث يتم اتهام اخل�صوم لي�س باملعار�ضة ولكن ب�سبب خمالفات قانونية حقيقية ،وتتم
حماكمتهم من خالل النظام القانوين العادي)� .سيظ ّل الكثريون ينظرون �إىل هذا النظام باعتباره قمعياً ،لكن �سيتم جعله
م�ألوفاً على الأقل ،و�سينطوي على بع�ض ال�ضمانات الإجرائية .لكنه مل ين�ش�أ بعد�( .أحد الباحثني الفل�سطينيني الذي كان
من املفرت�ض �أن �أقابله مل ي�ستطع مقابلتي لأنه «طلب» �إليه �أن يتواجد يف مق ّر املخابرات يف �صباح اليوم الذي كان فيه موعد
لقائنا).
بالطبع� ،إذا ما قورن برنامج فيا�ض بالأفكار املعرو�ضة من قبل اجلهات ال�سيا�سية الفاعلة الأخرى -الذهنية الدموية حلركة
املرجح �أن عدم جاذبية هذه
حما�س ،وحالة الفو�ضى غري الالئقة حلركة فتح -ف�إنه يبدو �أف�ضل بالن�سبة �إىل الكثريين .ومن ّ
تف�سر االرتفاع املطرد ل�شعبية فيا�ض يف ا�ستطالعات الر�أي العام الفل�سطيني.
البدائل هي التي ّ
لكن امل�س�ؤولني الأمريكيني الذين يجدون عزا ًء يف هذه اال�ستطالعات يهملون بع�ض التطورات الهامة الأخرى ،مثل تعميق
الي�أ�س والت�شا�ؤم يف املجتمع الفل�سطيني ،والآثار املزعجة طويلة الأجل ل�سمعة حكومة رام اهلل يف جمال انتهاكات حقوق الإن�سان.
التفجر ال�سابق للعنف بني �إ�سرائيل وحما�س� ،أو ر ّد فعل عبا�س
واحلال �أن مفاج�آت غري �سارة �أو �أخطاء �سيا�سية يف املا�ضي (مثل ّ
على تقرير غولد�ستون) قد كانت لها م�ضاعفات حادة (و�إن م�ؤ ّقتة) بالن�سبة �إىل الواقع املحلي لل�سلطة الفل�سطينية يف رام اهلل.
ُنظمة له ،ويعتمد �أدا�ؤه كلياً على التمويل الدويل املتوا�صل ،بالكاد ميكن اعتباره م�ستقراً �إىل
فنظام حكومة القاعدة حملية م َّ
�أجل غري حمدَّد.
الظروف املحزنة لنقابة املحامني ونقابة املعلمني املذكورة �أعاله لي�ست غريبة .فاملجتمع املدين الفل�سطيني ،القوي ن�سبياً مقارنة
باملعايري الإقليمية ،اليزدهر يف ظ ّل الظروف احلالية .وقد مت �إغالق منظمات املجتمع املدين املرتبطة باملع�سكر الإ�سالمي،
ولو ب�صورة غري ر�سمية ،يف خمتلف �أنحاء ال�ضفة الغربية ،من قبل �إ�سرائيل �أحياناً ،ومن قبل حكومة رام اهلل يف �أحيان �أخرى.
وال�سلطة الوطنية الفل�سطينية التي ت�سيطر عليها حركة حما�س يف غزة لي�ست خمتلفة :فهي �أغرقت بهدوء ع�ضوية بع�ض
املنظمات غري احلكومية ب�أن�صارها ،و�ضغطت على منظمات �أخرى م�سجلة لدى ال�سلطة الوطنية الفل�سطينية التي مقرها رام
اهلل .وقد وجد تقرير �أخري للجنة الفل�سطينية امل�ستقلة حلقوق الإن�سان «خروقات فا�ضح ًة» للقانون من كال ن�صفي ال�سلطة
الوطنية الفل�سطينية ،والحظ ب�شكل جاف �أكرث �أنه «من املمكن اال�ستنتاج �أنه على الرغم من وجود �إطار قانوين حديث يحكم
()12
ت�سجيل اجلمعيات وعملها� ،إال �أن االعتبارات ال�سيا�سية والأمنية الراهنة لها اليد العليا يف نظام احلقوق واحلريات العامة».
تلك املنظمات التي تظهر وك�أنها ت�ؤيد طريف االنق�سام يف ال�ضفة الغربية وغزة تتع ّر�ض �إىل جمازفة غري �ضرورية ب�شكل خا�ص،
حيث يحاول �شطرا ال�سلطة الوطنية الفل�سطينية ت�شديد قب�ضتهما يف مواجهة املعار�ضة ال�سيا�سية .ويف الواقع ،حتدثت اثنتان
من املنظمات غري احلكومية التي زرتها يف رام اهلل ،ولهما مكاتب ن�شطة يف غزة ،عن حماوالت وتهديدات من قبل ال�سلطة
الوطنية الفل�سطينية يف غزة بوقف عملياتهما يف بداية هذا ال�شهر.
لكن املجتمع املدين لي�س الوحيد الذي ي�شعر بالوط�أة .فالأحزاب ال�سيا�سية يف فل�سطني تعي�ش يف �أزمة .ومن امل�ؤ ّكد �أن حما�س
يف �أف�ضل حاالتها ،ولكن فقط يف غزة (يف ال�ضفة الغربية التزال احلركة يف و�ضع �سبات ،حيث يوجد عدد قليل من الأع�ضاء
البارزين النا�شطني يف العلن) .ويف قطاع غزة ،حيث هيمنة حما�س را�سخة ،التزال احلركة تفرز �آثار دجمها بهيكل �سيا�سي حاكم
()13
طاملا نظرت �إليه بازدراء.
الف�صائل الأ�صغر (مثل اجلبهة ال�شعبية وحزب ال�شعب) التزال �صغرية ،و�أحدث املبادرات (و�أبرزها املبادرة الوطنية الفل�سطينية)
الحتظى بالكثري من اجلذب.
لكن ال�شك يف �أن حركة فتح تعي�ش يف حالة فو�ضى كربى .فم�ؤمتر احلركة الذي ُعقِد يف ال�صيف املا�ضي ،والذي احتفي به
10
كثرياً (وت� ّأخر فرتة طويلة) مل يكن كافياً العادة �إحياء املنظمة �أو تهدئة اخل�صومات الداخلية املريرة فيها .ولي�س من الوا�ضح
ما �إذا كانت فتح التزال حقاً حزباً �سيا�سياً ب�أي معنى مفيد ،بل باتت تتك ّون من حر�س قدمي �أ�صابته ال�شيخوخة ويحتكر املنا�صب
توحداً من احلر�س القدمي) ،وجمموعة من الفروع املحلية تبدو العليا ،وجيل الو�سط الذي يقف وراء الكوالي�س (هو لي�س �أكرث ّ
ّ
�صالتها باملركز غري كافية .وقد �أظهرت حركة فتح عدم قدرتها على العمل بطريقة مت�سقة يف انتخابات العام 2006الكارثية
(التي مت ّكنت فيها من تكييف نظام انتخابي وفقا ملوا�صفاتها ،ومن ثم راقبت كيف �أن خالفاتها �سمحت ملناف�ستها الرئي�سة،
حركة حما�س ،برتجمة تعدّدية �شعبية �ضيقة �إىل �أغلبية �ساحقة يف الربملان) .ويف العام ،2010التظهر احلركة �أي دليل على
�أنها ا�سرتدّت عافيتها .وتظهر الهزمية الأخرية يف االنتخابات املحلية -التي �أجرب فيها قادة فتح حكومة فيا�ض على �إلغائها يف
الوقت الذي كان يتم فيه �إغالق ت�سجيل املر�شحني ،ب�سبب عدم قدرة احلركة على جتميع القوائم االنتخابية -مدى الفو�ضى.
وكان من �ش�أن حركة فتح �أن ترق�ص على وقع فوز �ساحق لو �أن حما�س قاطعت االنتخابات ،وقامت جمموعة من الأحزاب
ال�صغرية وامل�ستقلني �إما بالتعاون مع حركة فتح �أو بفر�ض حتديات �ضئيلة .وقد قال يل �أحد املراقبني الأكرث دراية باالنتخابات
الفل�سطينية« :الآن نحن نعلم �أن حركة فتح غري قادرة على خو�ض االنتخابات �ض ّد نف�سها ،ناهيك عن مواجهة حركة حما�س».
�أحد البدائل الذي يبدو �أنه ي�سعى �إىل حتقيقه هو التب ّني احلذر ملا ي�شري �إليه الفل�سطينيون على �أنه «املقاومة ال�شعبية».
تلك العبارة غام�ضة ،لكنها ت�ستخدم عادة للإ�شارة �إىل اجلهد ال�شعبي ملقاومة االحتالل الإ�سرائيلي (غالباً ماينتقد �أولئك
الذين يرفعون مكانة «املقاومة ال�شعبية» ماي�صفونه ب�أنه «ع�سكرة» االنتفا�ضة الثانية) .ولي�س من الوا�ضح ما �إذا كان املجتمع
الفل�سطيني ميتلك القدرة التنظيمية للحفاظ على حملة غري عنيفة ،و«املقاومة ال�شعبية» لي�ست مرادفة دائماً للالعنف.
ولذلك ف�إن خطوات فيا�ض يف هذا املجال تنطوي على خماطر كبرية ،لكنها ت�سمح له �أي�ضاً ببناء �شعبية (�إن مل تكن قاعدة
�سيا�سية منظمة) .ولقد فعل ذلك من خالل ت�أييد اجلهود ال�شعبية ملقاومة بناء اجلدار العازل .و�سارع فيا�ض �أي�ضاً �إىل ت�صدُّ ر
احلملة ملقاطعة منتجات امل�ستوطنات ،لي�س فقط من خالل امل�ساعدة يف تدمري منتجات امل�ستوطنات عالنية ،بل �أي�ضاً (ورمبا
ب�شكل مم ّيز �أكرث) من خالل مر�سوم بقانون حلظر بيع منتجات امل�ستوطنات .وقد امتدّت نزعة فيا�ض ال�شعبوية �إىل �سل�سلة من
الزيارات امليدانية للمدن والقرى يف جميع �أنحاء ال�ضفة الغربية .وي�ساعد التخلي عن النمط ال�سيا�سي املتحفظ الذي يتو ّقعه
الفل�سطينيون من قادتهم على تعزيز مكانة فيا�ض ال�شعبية ،لكن لي�س من الوا�ضح كيف ميكنه احلفاظ على �أي �شيء �أكرث
من غزوات نادرة ملثل هذا الن�شاط من دون تعري�ض عالقاته ال�صحيحة �إىل ح ّد ما مع �إ�سرائيل �إىل اخلطر� .إن التب ّني ال�شامل
لـ«املقاومة ال�شعبية» ،حتى و�إن مت توجيهه �إىل �أ�شكال غري عنيفة ب�شكل �صريح ،من �ش�أنه �أن يكون خطوة حمفوفة باملخاطر على
نحو غري عادي ل�شخ�صية حذرة للغاية.
اخليار الثاين املحفوف باملخاطر على قدم امل�ساواة �سيكون ال�سعي �إىل حتقيق امل�صاحلة مع حما�س .بيد �أن هذا قد اليكون خياراً
لفيا�ض .فامل�صاحلة التزال حتظى ب�شعبية وا�سعة يف �أو�ساط ال�شعب الفل�سطيني ولكن لي�س بني قادتهم (�سواء يف ال�ضفة
الغربية �أو غزة) .و�سيكون من ال�صعب على فيا�ض �أن يتمكن من �إجناز (�أو حتى قيادة) مثل هذا اجلهد .فاملفاو�ضات مع حما�س
التزال يف يد الرئي�س عبا�س وحركة فتح .وهي �أي�ضاً رهينة ملواقف الواليات املتحدة و�أوروبا ،يف ظ ّل اعتماد ال�سلطة الوطنية
الفل�سطينية املايل على الدعم اخلارجي ،حيث يجب �أن تكون امل�صاحلة مقبول ًة من جانب اجلهات املانحة .هناك بع�ض اال�ستعداد
يف �أوروبا للنظر يف الفكرة ،لكن م�س�ؤويل �إدارة �أوباما وا�صلوا �إىل الآن ،و�إىل ح ّد كبري ،املعار�ضة التي ورثوها من �سنوات بو�ش.
ومنذ العام � ،2007أ�صبحت �شروط امل�صاحلة املُحت َملة مع حما�س �أكرث �صعوبة .يف هذه املرحلة ،تبدو حما�س �أكرث تردّداً يف
مق�سماً �سيكون
املوحدة على الورق �ستظ ّل كياناً ّ
التفكري باملقرتحات التي قدّمتها حركة فتح .وحتى ال�سلطة الوطنية الفل�سطينية ّ
من ال�صعب جداً ال�سيطرة عليه .وعندما ع ّلقت �أمام حم ّلل متم ّر�س للغاية بال�سيا�سة الفل�سطينية ب�أننا «مل ن ُعد نتحدث عن
َ
ال« :والحتى ذلك .نحن نتحدث عن تن�سيق حمدود». امل�صاحلة ،بل نتحدث عن تقا�سم ال�سلطة» ،ر ّد قائ ً
11
لكن ،وحتى لو مت الو�صول �إىل هذا الهدف املتوا�ضع ،ف�إن فيا�ض �سيكون �ضحي ًة �أكرث منه منت�صراً (لأنه اليتم ّتع �سوى بدعم
�ضئيل� ،سواء من فتح �أو من حما�س) .ويف �أق�صى احلاالت ،م�شاركته قد يتح ّملها كال الطرفني بو�صفها �أمراً الغنى عنه لأي
موحدة ا�سمياً -لكن لي�س ثمة ماي�ؤ�شّ ر البتة �إىل اهتمام فيا�ض يف دمغ جهد لنيل حظوة ال�شرعية الدولية ل�سلطة فل�سطينية ّ
ً
ا�سمه و�سمعته على جبني هذا امل�شروع( .ويبدو �أن دعم فيا�ض العلني للم�صاحلة ينبع من ح�ساباته ب�أنه من الأف�ضل �سيا�سيا �أن
يكون على اجلانب ال�صحيح يف هذه امل�س�ألة .مع ذلك ،لي�س ثمة دالئل على �أنه مهت ّم بال�سعي �إىل حتقيقها �أو امل�شاركة فيها).
امل�سار الثالث والأرجح الذي عليه �أن ي�ستم ّر فيه ،هو �أن يقنع نف�سه باحلفاظ على حكومة رام اهلل عائمة ،وتقدمي �صورة حمرتمة
للعامل اخلارجي ،وحتقيق �سل�سلة من النجاحات الإدارية واملالية ،وبالتايل احلفاظ على متا�سك النظام ال�سيا�سي حتى يربز �شيء
حت�سناً .وكما ثبت مراراً وتكراراً يف ال�سنوات الأخرية
�أف�ضل .م�شكلة مثل هذا النهج ،بطبيعة احلال ،هو �أن ماقد يحدث قد اليكون ّ
ال من �إ�سرائيل والواليات املتحدة ل�سوء احلظ وب�شكل وا�ضح ،حافظتا (وعلى نحو م ّت�سق متاما)ً
(كان �آخرها مع ح�صار غزة) ،ف�إن ك ً
على �سيا�ساتهما� ،إىل �أن جتربهما �أزمة ما على �إعادة تقوميها� .إ�سرائيل تفعل ذلك ب�سبب عدم وجود بدائل ،وب�سبب قدرتها على
حتمل الو�ضع الراهن ،و قناعتها (على الأقل بالن�سبة �إىل البع�ض) ب�أنه ميكن خدمة البالد ب�شكل �أف�ضل من خالل التغلب على
احلركة الوطنية الفل�سطينية باملناورات واحليلة ب�شكل م�ستمر ،بد ًال من التو�صل �إىل اتفاق معها .وقد قامت الواليات املتحدة
بذلك يف ال�سنوات الأخرية نتيجة الإميان الأعمى باملفاو�ضات على مايبدو.
�إن تكلفة هذه الق�صور الأمريكي والإ�سرائيلي الذاتي ل�سيا�سات البلدين هو �أنهما اليعدّالن ا�سرتاتيجياتهما اخلا�صة يف الوقت
اخلا�ص بهما ،ولكن فقط عندما ُيجبرَ ان على الت�أقلم مع ظروف خارجة عن �إرادتهما� .إن �إعادة الرتتيب الأخرية للإغالق
املفرو�ض على غزة – وهي �سيا�سة مت االعرتاف على نطاق وا�سع ب�أنها غري مجُ دية قبل وقت طويل من حادث �أ�سطول امل�ساعدات
– هي �آخر مثال على م�س�ؤولني يتدافعون لتغيري ال�سيا�سة فقط بعد �أن �أدّى �إفال�سها �إىل دفعها على �شفري االنهيار .وبالتايل،
ف�إن ز ّل ًة �سيا�سي ًة من قبل حكومة ال�ضفة الغربية ،واندالع �أعمال عنف �ض ّد �أهداف ا�سرائيلية من�ش�ؤها �إما يف ال�ضفة الغربية �أو
غزة ،وت�صاعد ال�صراع يف القد�س� ،أو حملة ع�سكرية �إ�سرائيلية مك ّثفة على غزة� ،أو فقدان واحد من رجلي املرحلة اللذين الغنى
عنهما (فيا�ض وحممود عبا�س) �سيجعل البلدين يهرعان مر ًة �أخرى ب�شكل يائ�س ،ولي�س عن تخطيط � ،إىل تكييف �سيا�ساتهما �إزاء
ال�سيا�سات الفل�سطينية الداخلية ،وب�شروط التنا�سبهما على الأرجح.
كما �أن تكاليف اجلمود ال�سيا�سي �أكرب حتى بالن�سبة �إىل الفل�سطينيني� .إذا ماوا�صل فيا�ض ال�سري يف الطريق الأقل مقاومة ،ف�إنه
ي�سخر امل�صري بعيد املدى لل�سلطة الفل�سطينية ل�صالح زعامة �أمريكية �أظهرت قدر ًة حمدود ًة على و�ضع �إ�سرتاتيجية واقعية
قد ّ
()14
على املدى الطويل.
12
مالحظات
-1من ال�شائع دولياً ا�ستخدام تعبري «ال�سلطة الوطنية الفل�سطينية» للإ�شارة فقط �إىل ن�صف ال�سلطة الوطنية الفل�سطينية التابع لفيا�ض .وهذا �أمر
الرت�سخ العميق حلما�س يف ن�صف ال�سلطة يف غزة حيث كان بناء امل�ؤ�س�سات ،يف كثري من النواحي� ،أكرث جناحاً (و�إن كان
ّ م�ض ّلل للغاية� ،إذ هو يُهمِ ل
�سلطوياً �أي�ضاً).
-2
»«Palestine: Ending the Occupation, Establishing the State, Program of the Thirteenth Government, August 2009,
http://www.mop-gov.ps/web_files/issues_file/090825%20Ending%20Occupation,%20Establishing%20the%20State%20-
%20Program%20of%20the%2013%20government.pdf
� -3سبق �أن �شدّدت على هذه النقطة يف ق�سم «هل الفيا�ضية (من فيا�ض) جديدة؟» ،يف« :فل�سطني :ال�شرخ يتع ّمق» .تعليق كارنيغي� ،آب�/أغ�سط�س
،2009
http://carnegieendowment.org/files/palestine_schism1.pdf
-4
Thomas Friedman, «War, War, Timeout, War, Time…«New York Times, June 25, 2010.
-5لالطالع على حتليلي ال�سابق لعملية بناء امل�ؤ�س�سات الفل�سطينية� ،أنظرPalestinian Politics After the Oslo Accords: Resuming Arab» :
،)2003 ,Palestine» (Berkeley: University of California Pressو«رثاء الإ�صالح الفل�سطيني :درو�س وا�ضحة من �سجل م�ضطرب» ،درا�سة
كارنيغي الرقم � ،81شباط/فرباير Requiem for Palestinian Reform: Clear Lessons from a Troubled Record», Carnegie Pap« ،2007
.per no. 81, February 2007, http://carnegieendowment.org/files/cp_81_palestine_final.pdf
-6
«Fayyad’s Road to Palestine,» New York Times, April 29, 2010.
-7
Michael Weiss, «Palestine’s Great Hope,» Slate, June 8, 2010.
-8للح�صول على بع�ض الإح�صاءات� ،أنظر املوقع االلكرتوين ملجل�س الق�ضاء الأعلى:
http://www.courts.gov.ps/atemplate.aspx?id=517
-9للح�صول على معلومات حول ا�ستخدام منظمة التحرير الفل�سطينية للقانون الع�سكري واملحاكم الع�سكرية� ،أنظر:
«The Detention of Civilians by Palestinian Security Agencies with a Stamp of Approval from the Military Judicial Comm
mission», Independent Commission for Human Rights Special Report, no. 64, December 2008, http://www.ichr.ps/pdfs/
.eSP64/pdf
اعرتف م�س�ؤول يف وزارة الداخلية حتدّثت معه ب�أن ا�ستخدام املحاكم الع�سكرية مثري للجدل ،ويحتاج �إىل �أ�سا�س قانوين وا�ضح.
-10ان ُتقِد القرار بق�سوة من قبل جمموعات حقوق الإن�سان واملراقبني امل�ستقلّني .ومت االدعاء على نطاق وا�سع بح�صول تدخّ ل �سيا�سي ،مع �أن الدليل
املبا�شر الوحيد الذي مت تقدميه كان املنطق امل�ش ّوه للقرار نف�سه .لكن النقاد الحظوا �أي�ضاً البيئة املتغيرّ ة للهيئة الق�ضائية التي �أ�صدرت التقرير ،وبع�ض
املراقبني للمحكمة العليا عن كثب يعتقدون ب�أن هذا العمل غري البارع َهدَف ب�شكل مبا�شر �إىل �ضمان خ�سارة املع ّلمني ق�ض ّيتهم.
-11ثمة �شكوك د�ستورية �إزاء املمار�سة التي قد حت ّد من ا�ستخدامها� .أو ًال المتتلك حكومة فيا�ض �أي �أ�سا�س على الإطالق يف القانون الأ�سا�سي
الفل�سطيني .وميكن التغ ّلب على تلك امل�شكلة جزئياً ،لأن القانون الذي و�ضعته حكومة فيا�ض ي�صدر ب�صورة ر�سمية عن الرئي�س ،كما ين�صّ على ذلك
القانون الأ�سا�سي .ولكن ماهو �أكرث خطورة هو �أن �سلطة الرئي�س مبوجب القانون الأ�سا�سي متت ّد فقط �إىل «حاالت ال�ضرورة التي ال حتتمل الت�أجيل».
ويف منا�سبة �سابقة� ،ألغت املحكمة العليا الفل�سطينية (كانت تعمل بو�صفها حمكمة د�ستورية م�ؤ ّقتة) مر�سوماً ت�شريعياً طارئاً باعتباره غري د�ستوري،
ربره .ومع ذلك ،وعلى الرغم من هذه ال�شكوك ،ف�إن الق�ضاة يف ال�ضفة الغربية الآن م ّيالون متاماً �إىل قبول العملية لأنه مل تكن ثمة حالة طارئة ت ّ
الت�شريعية اخلا�صة التي مت و�ضعها ،ويتعاملون مع املرا�سيم اال�شرتاعية الناجمة عنها على �أنها قوانني عادية .واليتعاطف العديد مع احلكومة وح�سب،
بل حتى ذوي اللون امل�ستقل اليرون �أي�ضاً �أي بديل �سوى اخلروج متاماً من �أي �إطار قانوين.
-12
«Report on the Freedom of Association in the Palestinian Controlled Territory», Palestinian Independent Commission for
Human Rights, http://www.ichr.ps/pdfs/eFreedomofassociation.pdf.
� -13أدر�س �آثار ممار�سة احلكم على حما�س يف ف�صل من الكتاب الذي ي�شاركني يف ت�أليفه عمرو حمزاوي« ،بني الدين وال�سيا�سة» Between Religion
( and Politicsوا�شنطن ،م�ؤ�س�سة كارنيغي لل�سالم الدويل ،ي�صدر قريباً).
- 14للح�صول على �صيغة �ألطف من هذا االنتقاد لل�سيا�سة الأمريكية على �أنها تفتقر �إىل التب�صّ ر واالهتمام الكايف بال�سيا�سة الفل�سطينية� ،أنظر «ح ّل
الدولتني ي�ستوجب وجود حياة �سيا�سية فل�سطينية» « ،»A Two-State Solution Requires Palestinian Politicsمي�شيل دن ،درا�سة كارنيغي،
حزيران/يونيو ،2010
http://carnegieendowment.org/files/palestine_politics.pdf
13
ناثان ج .براون باحث �أول غري مقيم يف م�ؤ�س�سة كارنيغي لل�سالم الدويل ،و�أ�ستاذ العلوم ال�سيا�سية
وال�ش�ؤون الدولية يف جامعة جورج وا�شنطن .ر ّكزت �أعماله ال�سابقة على ال�سيا�سات الفل�سطينية ،وحكم القانون
والد�ستوروية يف العامل العربي.
14