Professional Documents
Culture Documents
الاجتهاد في شعبان.. لماذا؟ والمنحة الربانية... لمن؟
الاجتهاد في شعبان.. لماذا؟ والمنحة الربانية... لمن؟
والمنحة الربانية
شهر شعبان والمنحة الربانية
إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره ،ونعوذ باهلل تعالى من شرور
أنفسنا وسيئات أعمالنا ،من يهد هللا فال مضل له ،ومن يضلل فال هادى له ،وأشهد أن
ال ِإله إال هللا وحده ال شريك له ،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.....
ث ِم ْن ُه َما
ق ِم ْن َها َز ْو َج َها َوبَ َّاح َد ٍة َو َخلَ َس َو ِ { يَا أَ ُّي َها النَّ ُ
اس اتَّقُو ْا َربَّ ُك ُم الَّ ِذي َخلَقَ ُكم ِّمن نَّ ْف ٍ
(سورة ون بِ ِه َواألَ ْر َحا َم إِنَّ هّللا َ َك َ
ان َعلَ ْي ُك ْم َرقِيبًا} ساءلُ َVساء َواتَّقُو ْا هّللا َ الَّ ِذي تَ َ ِر َجاالً َكثِي ًرا َونِ َ
النساء)1 :
أما بعد،...
فإن أصدق الحديث كتاب اهلل – تعالى -وخير الهدي هدي محمد وشر األمور محدثاتها ،وكل
محدثة بدعة وكل بدعة ضاللة ،وكل ضاللة في النار.
1
شهر شعبان والمنحة الربانية
في ْك ِثر فيه من فعل الخيرات ،لكن يبقَى السؤال. على اإلنسان َّ
منا أن يجتهد في شهر( شعبانُ ،
لمــاذا االجـتـهــاد فـي شـعـبــان؟
االجتهاد في شعبان يكون ألمور منها-:
أوالً :حتى يتعود اإلنسان منَّا فعل الخيرات وترك المنكرات فيكون له سجية وطبع وعادة،
واألمر كما قال النبي :r
(أخرجه ابن ماجة بسند صحيح) ومن ُي ِرد اهلل به خيراً يفقهه في الدين"
"الخير عادة والشر لجاجةَ ،
ومن الفقه في الدين عمل الخيرات في كل األوقات ،وخصوصاً األوقات الفاضالت.
ثانياً :االجتهاد في شعبان يكون استعداداً لرمضان:
وكما هو معلوم أن رمضان من األوقات الفاضالت ،ومن النفحات الربانية على األمة المحمدية ،واألمر
كما قال خير البرية" :rافعلوا الخير دهركم ،وتعرضوا لنفحات رحمة اهلل ،فإن هلل نفحات من
ؤمن روعاتكم" رحمته ،يصيب بها َمن يشاء من عباده ،وسلوا اهلل أن يستر عوراتكم ،وأن ُي ِّ
(أخرجه ابن أبى الدنيا والطبراني من حديث أنس )t
2
شهر شعبان والمنحة الربانية
وهـو شهر ...تفتح فيه أبواب الجنان فال يغلق منها باب.
وهـو شهر ...تغلق فيه أبواب النيران فال يفتح منها باب.
وهـو شهر ...تُصفَّد فيه الشياطين ومردة الجان.
وهـو شهرَ ...من أتى فيه بعمرة كان كمن حج مع النبي .r
وهـو شهرَ ...من فَطَّر فيه صائماً كان له مثل أجره.
عرض لهذه وغير ذلك من الجوائز والمنح الربانية ،والتي وهبها رب البرية لألمة المحمدية ،فهنيئَاًـًَ َ
لمن تَ َّ
النفحات ،وخرج من رمضان وقد ُغ ِفر له جميع السيئات.
فمن أراد أن يفوز بجوائز رمضان فليستعد لها من اآلن
فإنه ال يحصل على جوائز رمضان وهذه المنح الربانية ،إال لمن استعد لها من شعبان.
ولذلك جاء في الحديث الذي أخرجه الترمذي والبيهقي بسند فيه مقال عن أنس :t
"س ِئل النبيrأي الصوم أفضل بعد رمضان؟ قال :شعبان؛ لتعظيم رمضان"(ضعيف الجامع)1023:
ُ
وإ ن كان الحديث ضعيفاً إال أن معناه صحيح.
ـ ومن المعلوم أن الفرض يسبقه نافلة ويعقُبه نافلة ,والنافلة التي تتبع الفرض وتكون بعده إنما تكون لجبر
النقص الذي تم في الفرض ،وأما السنة القبلية والتي تسبق الفرض هي بمثابة التوطئة والتمهيد الستقبال
الفرض ,وتعويد النفس على فعل الخير ،كما سبق معنا في الحديث الذي أخرجه ابن ماجة" :الخير
عادة والشر لجاجة" فمن تَ َّدرب في شعبان على الصيام ،والقيام ،وقراءة القرآن ،والصدقة ،كان كذلك
ومـن لم يتعود من اآلن على فعل الخيرات؛ فإنه سيخرج من رمضان كما دخل فيه ،وله
في رمضانَ .
حظ ونصيب من هذا الحديث الذي أخرجه الترمذي والحاكم:
"رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن ُي ْغفر له"
وي َمِّني نفسه أنه في العام القادم سيكون أكثر اجتهاداً
ويخرج من رمضان وهو غير راض عن نفسهُ ،
ومن يضمن قلبه؟!
ونشاطاً .لكن َمن يضمن عمره؟! َ
فالعمر بيد اهلل ,كما أن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن ُيقلُِّبها كيف يشاء ,فربما كتب اهلل له البقاء
حتى أدرك رمضان القادم كما كان َّ
يتمنى ,لكن هل يضمن قلبه؟! فإذا كان خرج من رمضان وهو موسم
المغفرة سفر اليدين ,فمتى سيغفر له إن لم يغفر له في رمضان فمتى؟! إن لم تثمر الشجرة في أوانها
فمتى تثمر؟!
فهيا ...هيا من اآلن نستعد لموسم الغفران.
3
شهر شعبان والمنحة الربانية
وكما أن مجاهدة النفس ،واإلكثار من النوافل سبب لمحبة اهلل ,فهي كذلك سبب في سكنى
أعلى درجات الجنة مع الحبيب النبي .r
فقد أخرج اإلمام مسلم من حديث ربيعة بن كعب األسلمي :t
"أن النبي rقال له :سل ،فقلت :أسالك مرافقتَ َك في الجنة ،قال :أوغير ذلك .قلت :هو ذاك.
فأعني على نفسك بكثر ِة السجود"
قالِّ :
فبكثرة السجود يصل المرء إلى هذه األشواق العالية من مصاحبة خير البرية في الجنة ,وال تكون هذه
ِّ
واإلدعاءات الكاذبة. المصاحبة باألماني
.2اإلكثار من الصيام في شعبان:
-1فقد أخرج البخاري عن عائشة – رضي اهلل عنها – قالت:
ويفطر حتى نقول :ال يصوم ،وما رأيت
"كان رسول اهلل rيصوم حتى نقول :ال ُيفطرُ ،
رسول اهلل rاستكمل صيام ٍ
شهر إال رمضان ،وما رأيته أكثر صياماً من شعبان"
وفي رواية" :وما رأيته في شهر أكثر صياماً منه في شعبان:
-2وأخرج البخاري ومسلم من حديث عائشة – رضي اهلل عنها -قالت:
" لم يكن النبي rيصوم من شهر أكثر من شعبان ،فإنه كان يصوم شعبان كله"
وفي رواية في الصحيحين" :كان يصوم شعبان إال قليالً"
روى ابن وهب عن عائشة ـ رضي اهلل عنها ـ قالت:
"ذكر لرسول اهلل rناس يصومون رجب ،فقال :أين هم من شعبان؟!"
وباع قوم من السلف جارية ألحد الناس :فلما أقبل رمضان أخذ سيدها الجديد يتهيأ بألوان
المطعومات والمشروبات الستقبال رمضان ،كما يصنع كثير من الناس اليوم ،فلما رأت الجارية ذلك
4
شهر شعبان والمنحة الربانية
منهم ،قالت :لماذا تصنعون ذلك؟ قالوا :الستقبال شهر رمضان .فقالت :وأنتم ال تصومون إال في
السَنة عندهم كأنها كلها رمضان ،ال حاجة لي فيكمُ ،رُّدوني إليهم،
رمضان ،واهلل لقد جئت من عند قوم َّ
ورجعت إلى سيدها األول".
فعليك أخي الحبيب ...أن تكثر من الصيام في شعبان ,والذي يدفعك لإلكثار من الصيام فيه ،وفي غيره
أن تعلم فضل الصيام.
فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبى سعيد الخدري tقال :قال رسول اهلل :r
"ال يصوم عبد يوماً في سبيل اهلل إال باعد اهلل بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً"
هذا بصيام يوم واحد فقط نافلة ،في حين أن رب العالمين يقول في كتابه الكريم:
ع ا ْل ُغ ُرو ِ
ر }(آل عمران: { فَ َمن ُز ْح ِز َح َع ِن النَّا ِر َوأُد ِْخ َل ا ْل َجنَّةَ فَقَ ْد فَ َ
از َوما ا ْل َحيَاةُ ال ُّد ْنيَا إِالَّ َمتَا ُ
)185
5
شهر شعبان والمنحة الربانية
فجاء رمضان يوم الثالثاء ،فال مانع أن يصوم يوم االثنين ،وهو ما قبل رمضان بيوم ,فهذا جائز بنص
الحديث .واهلل أعلم.
.3ويستحب اإلكثار من الصدقة ،وقراءة القرآن في شعبان:
يقول ابن رجب ـ رحمه اهلل ـ كما في "لطائف المعارف":
"والصيام في شعبان كالتمرين على صيام رمضان؛ لئال يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة ,بل
يكون قد تمرن على الصيام واعتاده ,ووجد بصيام شعبان قبله حالوة الصيام ولذته؛ فيدخل في صيام
رمضان بقوة ونشاط.
شِرع في رمضان ،من الصيام ،وقراءة القرآن؛
شِرع فيه ما ُ
ـ ولما كان شعبان كالمقدمة لرمضانُ ،
ليحصل التأهب لتلقي رمضان ،وترتاض النفوس بذلك على طاعة الرحمن
وقد روينا بإسناد ضعيف عن أنس tقال:
"كان المسلمون إذا دخل شعبان ،انكبوا على المصاحف فقرءوها ،وأخرجوا زكاة أموالهم تقوية للضعيف
والمسكين على صيام رمضان"
قال سلمة بن كهيل" :كان يقال :شهر شعبان شهر القراء"
وكان حبيب بن أبى ثابت -رحمه اهلل -يقول" :إذا دخل شعبان قال :هذا شهر القراء "
وكان عمرو بن قيس المالئي" :إذا دخل شعبان أغلق حانوته ,وتفرغ لقراءة القرآن"
قال الحسن بن سهل" :قال شعبان :يا ربِّ ...جعلتني بين شهرين عظيمين ،فما لي؟ قال :جعلت فيك
قراءة القرآن" .أهـ من كالم ابن رجب
يكفيك أن تعرف أخي الحبيب ...أن لك بكل حرف تقرؤه حسنة ،والحسنة بعشر أمثالها
فقد أخرج الترمذي بسند صحيح عن عبد اهلل بن مسعود :t
" أن رسول اهلل rقال :من قرأ حرفاً من كتاب اهلل فله به حسنة ،والحسنة بعشر أمثالها ،ال
أقول" :آلم" حرف ،ولكن ألف حرف ،والم حرف ،وميم حرف".
وفضائل القرآن كثيرة كثيرة ال يسعنا ذكرها في هذا المقام.
6
شهر شعبان والمنحة الربانية
ثالثاً :االجتهاد في شعبان من أجل أنه ترفع فيه األعمال:
فقد أخرج اإلمام أحمد وأبو داود والنسائي عن أسامة بن زيد tقال:
" قلت يا رسول اهلل ،لم أرك تصوم من الشهور ما تصوم من شعبان قال :ذاك شهر يغفل
ب أن الناس عنه ،بين رجب ورمضان ،وهو شهر ترفع اإلعمال فيه إلى رب العالمينِ ,
فأح ُّ
يرفع عملي وأنا صائم"
وفي رواية أخرى عند البيهقي في شعب اإليمان من حديث أسامة بن زيد ـ رضي اهلل
عنهما ـ أن النبي rقال:
" شعبان بين رجب وشهر رمضان ،تغفل الناس عنه ،تُْرفع فيه أعمال العباد ،فأحب أن ال
(صحيح الجامع( ، )3711:الصحيحة)1898: يرفع عملي إال وأنا صائم"
فحيث إن رجب من األشهر المحرمة ،ورمضان من الشهور المعظمة ،فإن الناس يجتهدون فيها ،فإذا ما
في ِّ
حدث أحدهما نفسه فيقول :سأجتهد جاء شعبان ترك الناس العبادة ،وفتح الشيطان لهم باب التسويفُ ،
في رمضان ،وسأفعل ...وسأفعل ,فيفتح لهم الشيطان باب ِّ
التمني واألمل ،حتى يقعدهم عن العمل في
وي ِّ
منيهم الشيطان أنهم في وي ْد ُخ ُل عليهم رمضان وهم خائبون ،وينصرف عنهم وهم خاسرونُ ،
شعبانَ ،
عوضون.
سي ِّ
العام القادم ُ
وصدق الحبيب النبي rحيث قال كما عند ابن النجار:
"أخسر الناس صفقة :رجل أخلق يده في أمانيه ،ولم تساعده األيام على تحقيق أمنيته،
فخرج من الدنيا بغير زاد ،وقدم على اهلل بغير حجة"
أمد له الشيطان في األمل ،وأنساه بغتة األجل ,وأنساه قرب الموت والرحيل،
وكأن ابن أدم من كثرة ما ّ
وكأنه بمأمن أن ينتقل إلى الرب الجليل ،وأنه راحل إليه ،وأنه واقف بين يديه .
ـ ولذلك كان النبي rيحب أن يصوم االثنين والخميس ألن األعمال ترفع فيهما
فقد أخرج الترمذي من حديث أبى هريرة tأن النبي rقال:
عرض عملي وأنا صائم"
فأحب أن ُي َ
ُّ "تُعرض األعمال يوم االثنين ويوم الخميس،
وكان الضحاك ـ رحمه اهلل ـ يبكي آخر النهار ويقول:
"ال أدري ما ُر ِفع من عملي ,يا من عمله معروض على َمن يعلم السر وأخفي ال تبهرج ،فإن الناقد
بصير".
7
شهر شعبان والمنحة الربانية
فـائــدة:
ورفع األعمال إلى رب العالمين على ثالثة أنواع-:
النوع األول :أن تُرفع األعمال على اهلل تعالى رفعاً عاماً كل يوم
كما في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبى هريرة tأن النبي rقال:
"يتعاقبون فيكم مالئكة بالليل ومالئكة بالنهار ،ويجتمعون في صالة الفجر وصالة العصر,
ثم يعرج الذين باتوا فيكم ،فيسألهم -وهو أعلم بهم-؟ كيف تركتم عبادي؟ فيقولون(:
تركناهم وهم ُيصلُّون وأتيناهم وهو ُيصلُّون"
وأخرج اإلمام مسلم عن أبى موسى األشعري tقال:
"قام فينا رسول اهلل rبخمس كلمات ،فقال :إن اهلل ال ينام وال ينبغي له أن ينام ,يخفض
القسط ويرفعه ،يرفع اهلل عمل الليل قبل النهار ,وعمل النهار قبل الليل ،حجابه النور لو
كشفه ألحرقت سبحات وجهه ما انتهي إليه بصره من خلقه"
النوع الثاني :رفع األعمال إلى اهلل تعالى يوم االثنين( والخميس ،وهذا عرض خاص
غير العرض العام كل يوم
فقد أخرج اإلمام أحمد في مسنده" :أن رسول اهلل rكان أكثر ما يصوم االثنين والخميس،
في ْغفَر لكل مسلم ـ أو
سئل عن ذلك) :قال :إن األعمال تُعرض كل اثنين وخميس ُ
فقيل له (أي ُ
لكل مؤمن ـ إال المتهاجرين (،فيقول أ ِّ
َخرهما"
فأحب أن ُي ْعرض عملي وأنا
ُّ وعند الترمذي بلفظ" :تعرض األعمال يوم االثنين والخميس،
صائم"
وكان إبراهيم النخعي يبكى على امرأته يوم الخميس وتبكي إليه ،ويقول :اليوم تُ ْع َرض أعمالنا على اهللU
.
النوع الثالث :هو رفع األعمال إلى اهلل تعالى في شعبان
كما جاء في الحديث الذي أخرجه اإلمام أحمد والنسائي عن أسامة بن زيد ـ رضي اهلل
عنهما ـ أن النبي rقال عن شهر شعبان:
فأحب أن ُي ْرفَع عملي وأنا صائم"
ُّ "وهو شهر تُرفع األعمال فيه إلى رب العالمين U
مر بنا ـ
ورفع األعمال إلى اهلل تعالى مع كونه صائماً أدعى إلى القبول عند اهلل تعالى ـ كما ّ
8
شهر شعبان والمنحة الربانية
9
شهر شعبان والمنحة الربانية
10
شهر شعبان والمنحة الربانية
واعلم أخي الحبيب ...أن العمل على طاعة اهلل وقت غفلة الناس له فوائد منها-:
أنه أعظم لألجر: .1
فالعبادة في وقت غفلة الناس أشق على النفس ،وأعظم األعمال وأفضلها أشقها على النفس ،وسبب ذلك
أن النفوس تتأسى بمن حولها فإذا كثرت يقظة الناس وطاعاتهم كثر أهل الطاعة لكثرة المقتدين بهم
فسهلت الطاعات ،وإ ذا كثرت الغفالت وأهلها تأسى بهم عموم الناس فيشق على نفوس المستيقظين
(لطائف المعارف صـ )183 طاعاتهم لقلة من يقتدون بهم فيها "
ولهذا المعنى قال النبي rفيما رواه الترمذي وأبو داود من حديث أبي ثعلبة الخشني:
" للعامل منهم أجر خمسين منكم ،إنكم تجدون على الخير أعواناً وال يجدون"
وعند الطبراني في المعجم الكبير بسند صحيح من حديث عبد اهلل بن مسعود tأن النبي r
قال ":إن من ورائكم زمان صبر ،للمتمسك فيه أجر خمسين شهيداً منكم"
وفي رواية ":للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجالً يعملون مثل عملكم ،قيل :يا رسول اهلل r
أجر خمسين منا أو منهم؟ قال :بل أجر خمسين منكم".
فتضاعف أجر الذين يتفردون بطاعة اهلل في وقت ال يجدون فيه معين ،وتكثر فيه الغفلة ،ويعم البالء،
ويكثر الفساد ،فهؤالء الغرباء الذين دعا لهم النبي rفقال كما عند اإلمام مسلم وأحمد:
" بدأ اإلسالم غريباً وسيعود غريباً كما بدأ ،فطوبى للغرباء " ـ وفي رواية ":قيل ومن
الغرباء؟ قال :الذين يصلحون إذا فسد الناس" ـ وفي رواية ":يصلحون ما أفسد الناس "
(السلسلة الصحيحة)1273 :
11
شهر شعبان والمنحة الربانية
.2
ومن فوائد العمل وقت غفلة الناس أنه يدفع البالء:
يقول ابن رجب في "لطائف المعارف":
" إن المنفرد بالطاعة من أهل المعاصي والغفلة قد ُيدفع به البالء عن الناس كلهم ،فكأنه (أي المنفرد
بالطاعة في وقت الغفلة ) يحميهم ويدافع عنه.
(البقرة: ت األَ ْر ُ
ض} ض لَّفَ َ
س َد ِ ض ُه ْم بِبَ ْع ٍ
اس بَ ْع َ وقد قيل في تأويل قوله تعالىَ :
{ولَ ْوالَ َد ْف ُع هّللا ِ النَّ َ
)251
12
شهر شعبان والمنحة الربانية
ويشهد لهذا المعنى أيضاً ما أخرجه اإلمام مسلم من حديث أبي موسى األشعري tأن
النبي rقال ":أصحابي أمنة ألمتي ،فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون "
ومعنى الحديث :أن أصحاب النبي rاألمان لألمة ،ومن بعدهم كذلك ،كلما كان فيهم صالح من
الصالحين إذ باهلل تعالى يجعله أمنة لهم وحفظاً لهم بما يقدم هلل تعالى من العمل الصالح ،من ذكر ودعاء
وصيام وقيام وصالة ونصح للمسلمين ،واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،والسعي في مصالح
المسلمين ،والقيام على ما يصلح شئونهم ،والدعوة إلى اهلل ...وغير ذلك مما يكون سبب في دفع البالء
ت ض لَّفَ َ
س َد ِ ض ُه ْم بِبَ ْع ٍ
اس بَ ْع َ عن المؤمنين ،وصدق ربنا تعالى حيث قالَ :
{ولَ ْوالَ َد ْف ُع هّللا ِ النَّ َ
ين } (البقرة)251 : ض ٍل َعلَى ا ْل َعالَ ِم َ األَ ْر ُ
ض َولَـ ِكنَّ هّللا َ ُذو فَ ْ
13
شهر شعبان والمنحة الربانية
))1قال األلباني ـ رحمه هللا ـ كما في السلسلة الصحيحة جـ 3تعليقا ً على هذا الحديث " :وجملة القول :إن الحديث بمجموع هذه الطرق
صحيح بال ريب ،والصحة تثبت بأقل منها عدداً ،ما دامت سـالمة من الضعف الشديد كما هو الشـأن في هذا الحديـث،
فما نقله الشيخ القـاسمي ـ رحمه هللا ـ في إصالح المساجد صـ 107عن أهل التعديل والتجريح " :أنه ليس في فضل ليلة النصف من
شعبان حديث ال يصح ،فليس مما ينبغي االعتماد عليه ،ولئن كان أحد منهم أطلق مثل هذا القول ،فإنما أوتي من قبل التسرع ،وعدم وسع
الجهد ؛ لتتبع الطرق على هذا النحو الذي بين يديكـ وهللا تعالى هو الموفق .أهـ .
14
شهر شعبان والمنحة الربانية
وال يفوز بهذه الجائزة العظيمة ،والمنحة الربانية الجليلة إال لمن خلُص توحيده من الشرك ،وخلُص
صدره من الشحناء والغل والحسد.
ـ فكل منا ينظر إلى حال نفسه ،فمن كانت فيه إحدى هاتين اآلفتين أو كلتيهما ؛ فليتخلص منهما اآلن قبل
ليلة النصف من شعبان ،فليتخلص من الشرك ،وليخلص التوحيد ويفرد اهلل بالعبادة ،وليتخلص من
الشحناء وليخلص قلبه ليصبح سليم الصدر.
فالشرك والشحناء من الذنوب المانعة من المغفرة في هذا الشهر ،وفي غيره.
فعليك أخي الحبيب ...أن تتخلص من الشرك
فهو من أعظم الذنوب عند اهلل تعالى ،وكذا قتل النفس والزنا،
وهذه الثالثة من أعظم الذنوب عند اهلل
كما جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم من حديث عبد اهلل بن مسعود :t
"أنه سأل النبي rأي الذنب أعظم؟ قال :أن تجعل هلل نداً وهو خلقك (،قال :ثم أي ؟ قال :أن
تقتل ولدك خشية أن يطعم معك ،قال :ثم أي ؟ قال :أن تزاني حليلة جارك ،فأنزل اهلل تعالى
ق ون النَّ ْف َ
س الَّتِي َح َّر َم هَّللا ُ إِاَّل بِا ْل َح ِّ ُون َم َع هَّللا ِ إِلَها ً َ
آخ َر َواَل يَ ْقتُلُ َ ين اَل يَ ْدع َ تصديق ذلكَ { :والَّ ِذ َ
اب يَ ْو َم ا ْلقِيَا َم ِة َويَ ْخلُ ْد فِي ِه ُم َهاناً} ق أَثَاماً{ }68يُ َ
ضاعَفْ لَهُ ا ْل َع َذ ُ ون َو َمن يَ ْف َع ْل َذلِ َك يَ ْل َ
َواَل يَ ْزنُ َ
(الفرقان" )69-68 :
هو الذنب الوحيد الذي ال يغفره اهلل إذا مات صاحبه عليه فالـشـرك:
(النساء، 48 : كما قال تعالى{ :إِنَّ هّللا َ الَ يَ ْغفِ ُر أَن يُش َْركَ بِ ِه َويَ ْغفِ ُر َما د َ
ُون َذلِكَ لِ َمن يَشَا ُء} ...
)116
بل سيكون عقاب المشرك الحرمان من الجنة ،ويغضب عليه الجبار ،ويدخله النار ،كما قال تعالى:
ر} ( المائدة:
صا ٍ ش ِركْ بِاهّلل ِ فَقَ ْد َح َّر َم هّللا ُ َعلَي ِه ا ْل َجنَّةَ َو َمأْ َواهُ النَّا ُر َو َما لِلظَّالِ ِم َ
ين ِمنْ أَن َ {إِنَّهُ َمن يُ ْ
)72
15
شهر شعبان والمنحة الربانية
وكما في الحديث القدسي الذي أخرجه الترمذي" :يا ابن آدم ،لو آتيتني بقراب ( )1األرض
خطايا ،ثم لقيتني ال تُشرك بي شيئاً؛ ألتيتك بقرابها مغفرة"
( )1قراب األرض :أي ما يقارب ملء األرض.
وإ خالص التوحيد ،ونبذ الشرك من األمور المهمة ،بل هي أهم األمور ،وقد أُف ِْردت لها المجلدات،
وتناولها العلماء بالشرح والتحليل ،وال يتسع المقام هنا للكالم عن هذا الموضوع المهم ،إنما هذه فقط
إشارات لبيان أهمية( األمر.
أما الشحناء
وهي حقد المسلم على أخيه المسلم بغضاً له ولهوى نفسه .فعلى اإلنسان أن يتخلص منها ،فهي المانعة
من المغفرة ،ليس في ليلة النصف من شعبان فقط ،بل في جميع أوقات المغفرة والرحمة.
كما جاء في الحديث الذي أخرجه اإلمام مسلم من حديث أبي هريرة tأن النبي rقال:
في ْغفَر لكل عبد ال يشرك باهلل شيئاً ،إال رجالً كانت
"تفتح أبواب الجنة يوم االثنين والخميسُ ،
بينه وبين أخيه شحناء ،فيقال :انظروا هذين حتى يصطلحا"
أخرج ابن ماجة من حديث أبي هريرة tقال:
" كان النبي rيصوم االثنين والخميس ،فقيل له :يا رسول اهلل .إنك تصوم االثنين
والخميس ،فقال :إن يوم االثنين والخميس ِ
يغفر اهلل فيهما لكل مسلم إال من مهتجرين،
فيقول :دعوهما حتى يصطلحا".
16
شهر شعبان والمنحة الربانية
سئل في ذلك) وعند اإلمام أحمد بلفظ ":كان أكثر ما يصوم االثنين والخميس ،فقيل له( :أي ُ
قال :إن األعمال تعرض كل اثنين وخميس ،فيغفر لكل مسلم ـ أو لكل مؤمن ـ إال
( صحيح الجامع)4804 : المتهاجرين ،فيقول ِّ
أخرهما".
فمن لم ينزع الشحناء من صدره حتى يفوز بهذه الجائزة العظيمة في ليلة النصف من شعبان :وهي
مغفرة الرحمن ،أتراه يتحصل على المغفرة في رمضان ؟! كيف وقد فاتته في موسم الغفران.
17
شهر شعبان والمنحة الربانية
ِ
اصطلح مع َمن خاصمته ،وأبدأ فهيا ...هيا من اآلن ...أخي الحبيب ...كبِّر على الشحناء أربع تكبيرات،
أنت بالسالم حتى تكون من خير األنام.
فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي أيوب األنصاري أن رسول اهلل rقال:
يهجر أخاه فوق ثالث ٍ
ليال ،يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا ،وخيرهما " ال يحل لمسلم أن ُ
الذي يبدأ بالسالم" .
سيِّئَةُ ا ْدفَ ْع بِالَّتِي ِه َي أَ ْح َ
سنُ فَإِ َذا الَّ ِذي بَ ْينَكَ َوبَ ْينَهُ سنَةُ َواَل ال َّ
ستَ ِوي ا ْل َح َ
{واَل تَ ْوقال تعالىَ :
َع َدا َوةٌ َكأَنَّهُ َولِ ٌّي َح ِمي ٌم }
(فصلت)34:
عمن ظلمك ،واعط من حرمك " كما وصاك النبي r صل َمن قطعك ،واعف َّ فهيا ...هيا ِ
هيا ...هيا اعملوا بوصية رب العالمين ،حيث قال في كتابه الكريم{:فَاتَّقُو ْا هّللا َ َوأَ ْ
صلِ ُحو ْا َذاتَ بِ ْينِ ُك ْم }
(األنفال)1:
18
شهر شعبان والمنحة الربانية
فهل يتصور بعد هذا الكالم أن يكون في قلبك شحناء أو بغضاء ألحد؟!.
ـ إذا قلت مازلت أجد هذا في صدري
وصى به رسول اهلل rحيث قال:
فأنا أوصيك بما َّ
"أال أخبركم بما يذهب وحر الصدر ـ أي حقده وحسده ـ قالوا :بلى يا رسول اهلل ،قال صوم
ثالثة أيام من كل شهر".
ـ وإ ذا قلت لي :ذهب عني ما أجد وأصبحت سليم الصدر ،وال أحمل في قلبي غالً،
وال حقداً ،وال غشاً ،وال حسداً ،وال شحناء ،وال بغضاء ألحد ...والحمد هلل
فأنا أقول لك :أبشر فلقد أصبحت أفضل الناس.
فقد أخرج ابن ماجة بسند صحيح عن عبد اهلل بن عمرو ـ رضي اهلل عنهما ـ قال:
"قيل يا رسول اهلل :أي الناس أفضل؟ قال :كل مخموم القلب ،صدوق اللسان .قالوا :صدوق
اللسان نعرفه ،فما مخموم القلب؟ قال :هو النقي الذي ال إثم فيه ،وال بغي وال غل وال حسد"
ـ مخموم القلب :طاهر القلب نظيفه.
19
شهر شعبان والمنحة الربانية
وأبشرك وأقول لك :إن سالمة صدرك إلخوانك سبب لدخولك الجنة.
فقد أخرج اإلمام أحمد من حديث أنس بن مالك tقال:
" كنا جلوساً مع رسول اهلل rفقال :يطلع عليكم اآلن رجل من أهل الجنة.
فطلع رجل من األنصار تنطف لحيته(" )1من وضوئه" ،وقد تعلق نعليه في يديه الشمال
فلما كان الغد قال النبي rمثل ذلك :فطلع ذلك الرجل مثل المرة األولى.
فلما كان اليوم الثالث :قال النبيrمثل مقالته أيضاً ،فطلع ذلك الرجل على مثل حالة األولى
أبي( فلما قام النبي rتبعه عبد اهلل بن عمرو بن العاص (أي تابع الرجل) ،فقال :إني الحيت
،)2فأقسمت أال أدخل عليه ثالثاً ،فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمض فعلت ،قال :نعم،
قال أنس :وكان عبد اهلل يحدث أنه بات معه الليالي الثالث ،فلم يره يقوم من الليل شيئاً
غير أنه إذا تعار وتقلَّب على فراشه ذكر اهلل Uحتى يقوم لصالة الفجر.
قال عبد اهلل :غير أني لم أسمعه يقول إال خيراً .فلما مضت الثالث ٍ
ليال ،وكدت أحتقر
عمله .قلت :يا عبد اهلل إني لم يكن بيني وبين أبي غضب وال هجر ،ولكني سمعت رسول
اهلل rيقول لك ثالث مرار :يطلع عليكم اآلن رجل من أهل الجنة ،فطلعت أنت الثالث مرار،
فأردت أن آوى إليك ألنظر ما عملك فأقتدي به ،فلم أرك تعمل كثير عمل ،فما الذي بلغ بك
ما قال رسول اهلل ،rفقال :ما هو إال ما رأيت ،قال :فلما وليت دعاني ،فقال :ما هو إال ما
رأيت ،غير أني ال أجد في نفسي ٍ
ألحد من المسلمين غشاً ،وال أحسد أحداً على خير أعطاه
اهلل إياه ،.فقال عبد اهلل :هذه التي بلغت بك ،وهي التي ال نطيق.
( )1تنطف لحيته :يتساقط منها الماء.
( )2الحيت أبي :أي نازعته.
فهيا أخي ...هيا ...طهر قلبك وكن سليم الصدر إلخوانك لتسعد في الدنيا واآلخرة ،ودائماً وأبداً
ِّ
رد ْد كما كان أسالفك يرددون:
ان َواَل ت َْج َع ْل فِي قُلُوبِنَا ِغاّل ً لِّلَّ ِذ َ
ين آ َمنُوا َربَّنَا سبَقُونَا بِاإْل ِ ي َم ِ { َربَّنَا ا ْغفِ ْر لَنَا َوإِل ِ ْخ َوانِنَا الَّ ِذ َ
ين َ
حي ٌم }(الحشر)10 : إِنَّكَ َر ُؤوفٌ َّر ِ
يطهرها من نسأل اهلل أن ُيؤلِّف بين قلوب المسلمين ،وال يجعل فيها غالً وال حسداً ،وأن ِّ
الشحناء والبغضاء ...آمين.
20
شهر شعبان والمنحة الربانية
ـ وكذلك اجتماع بعض الناس بعد صالة المغرب والعشاء ويقرءون سورة " يس" ثالث مرات:
وذلك بصوت جماعي ويقول اإلمام " :اقرءوا .الدعاء بعد ذلك" وهذا كله باطل ال دليل عليه.
21
شهر شعبان والمنحة الربانية
وقال شارح اإلحياء " :وهذه الصالة مشهورة في كتب المتأخرين من السادة الصوفية ،ولم أر لها وال
لدعائها مستنداً صحيحاً في السنة ،وقد قال أصحابنا" :إنه يكره االجتماع على إحياء ليلة من هذه الليالي
(السنن والمبتدعات صـ )128 في المساجد وغيرها ".
وقال اإلمام القتني في "تذكرة الموضوعات"(:
"ومما أُحدث في ليلة النصف (الصالة األلفية) مائة ركعة باإلخالص ،عشراً عشراً بالجماعة ،واهتموا
بها أكثر من الجمع واألعياد ،ولم يأت بها خبر وال أثر إال ضعيف أو موضوع ،وال يغتر بذكره لها
صاحب القوت واإلحياء ...وغيرهم ،وال بذكر الثعلبي إنها ليلة القدر .أهـ
( السنن والمبتدعات للشقيري صـ )128
قال ابن رجب في "لطائف المعارف" صـ :191
"وليلة النصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام :كخالد بن معدان ،ومكحول ،ولقمان بن عامر...
وغيرهم يعظمونهم ويجتهدون فيها في العبادة ،وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها ،وقد قيل :إنه بلغهم
في ذلك آثار إسرائيلية ،وأنكر ذلك علماء الحجاز ،ومنهم عطاء ،وابن أبي ُمليكة ،ومالك ....وغيرهم.
وقالوا :ذلك كله بدعة .أهـ.
وحديث" :إذا كانت ليلة النصف من شعبان ،فقوموا ليلها ،وصوموا نهارها ،فإن اهلل تبارك
ٍ
مستغفر فأغفر له ؟ أال وتعالى ينـزل فيها لغروب الشمس إلى السماء الدنيا ،فيقول :أال من
مسترز ٍ
ق فأرزقه ؟ أال مبتلى فأعافيه؟ أال سائل فأعطيه ؟ أال كذا.أال كذا ؟ حتى يطلع
(حديث موضوع أيضاً) الفجر".
وحديث " :من أحيا الليالي األربع ،وجبت له الجنة :ليلة التروية ،وليلة عرفة ،وليلة
النحر ،وليلة الفطر "...والحديث أورده المنذري في الترغيب بلفظ" :الليـالي الخمس"
فذكره وزاد في آخره " :وليلة النصف من شعبان" وأشار المنذري إلى ضعفه أو وضعه.
قال الحافظ العراقي ":حديث :صالة ليلة النصف (موضوع) على رسول اهلل rوكذب عليه"
قال اإلمام النووى في المجموع ( :)3/549
ٍ
ركعة بين المغرب والعشاء ،وليلة أول جمعة من "الصالة المعروفة بصالة الرغائب :وهي اثنتا عشرة
رجب ،وصالة ليلة النصف من شعبان مائة ركعة ،هاتان الصالتان بدعتان منكرتان ،وال ُيغتر بذكرهما
في كتاب قوت القلوب وإ حياء علوم الدين ،وال بالحديث المذكور فيهما ،فإن كل ذلك باطل ،وال يغتر
ببعض من اشتبه عليه حكمهما من األئمة ،فصنف ورقات في استحبابها فإنه غالط في ذلك.أهـ
قال ابن رجب ـ رحمه اهلل ـ في "لطائف المعارف":
22
شهر شعبان والمنحة الربانية
))1ودعاء النصف من شعبان البدعى الذي يشير إليه الشيخ محمود شتلتوت -رحمه هللا-هو " :اللهم إن كنت كتبتني عندك في أم الكتاب
فامح اللهم بفضلك شقاوتي وحرماني وطردي وإقتار رزقي ،وأثبتني عندك في أم ُ شقيا ً أو محروما ً أو مطروداً أو ُمقتَّراً علي في الرزق،
الكتاب سعيداً موفقا ً للخيرات فإنك قلت ـ وقولك الحق ـ في كتابك ال ُمن َّزل على لسان نبيك المرسل{ :يَ ْم ُحو هّللا ُ َما يَشَا ُء َويُ ْثبِتُ َو ِعن َدهُ أُ ُّم
ب } ( الرعد ،)39 :وقد أشار شارح اإلحياء وصاحب أسنى المطالب وغيرهما من أهل العلم إلى أن هذا الدعاء ال اصل له وال مستند" ا ْل ِكتَا ِ
23
شهر شعبان والمنحة الربانية
24
شهر شعبان والمنحة الربانية
شعبان: االعتقاد أنه ُيكتب على كل نفس أجلها في ليلة النصف من
وذلك للحديث الذي أخرجه أبو يعلى عن عائشة ـ رضي اهلل عنها ـ:
" أن النبي rكان يصوم شعبان كله ،قالت عائشة :يا رسول اهلل أحب الشهور إليك أن
تصوم شعبان؟ قال :إن اهلل يكتب على كل نفس ميتة تلك السنة ،فأحب أن يأتيني أجلى وأنا
صائم"
لكن الحديث منكر ال يعول عليه ،لذا فإن هذا االعتقاد فاسد.
وقالوا أيضاً :إن هذه الليلة تسمي الرحمة والغفران ،وهي ليلة الصالة على
النبي :r
صلُّوا َعلَ ْي ِه ون َعلَى النَّبِ ِّي يَا أَيُّ َها الَّ ِذ َ
ين آ َمنُوا َ ألن اهلل أنزل فيها{ :إِنَّ هَّللا َ َو َماَل ئِ َكتَهُ يُ َ
صلُّ َ
سلِيماً}(األحزاب)56 : سلِّ ُموا تَ ْ
َو َ
وهذا كله كالم باطل ال دليل عليه.
25
شهر شعبان والمنحة الربانية
تتمة للفائدة فهذه باقة من األحاديث الضعيفة والموضوعة في فضل شعبان ومنها:
سمي رمضان؛ ألنه يرمض
"تدرون لما سمي شعبان؟ ألنه يشعب فيه خير كثير ،وإ نما ُ
الذنوب ،أي يدنيها من الحر( "...موضوع)
"رجب شهر اهلل ،وشعبان شهري ،ورمضان شهر أمتي ،فمًن صام من رجب يومين فله من
األجر ضعفان ،ووزن كل ضعف مثل جبال الدنيا"(.موضوع)
المكفِّر" (موضوع)
طهر ،ورمضان ُ
الم ِّ
"شعبان شهري ،ورمضان شهر اهلل ،وشعبان ُ
المكفِّر"
طهر ،ورمضان ُ
الم ِّ
"شهر رمضان شهر اهلل ،وشهر شعبان شهري ،شعبان ُ
(ضعيف جداً)
"خيرة اهلل من الشهور شهر رجب ،وهو شهر اهللَ ،من عظَّم شهر رجب فقد عظم أمر اهلل،
ظم أمر اهلل أدخله جنات النعيم وأوجب له ،وشعبان شهري فمن َع َّ
ظم شعبان فقد ومن َع َّ
َ
ومن عظم أمري كنت له فرطاً وذخراً يوم القيامة ،وشهر رمضان شهر أمتي َّ
َعظم أمريَ ،
ظم حرمته ولم ينتهكه ،وصام نهاره وقام ليله ،وحفظ جوارحه وع َّ
ظم شهر رمضان َ فمن َع َّ
َ
خرج من رمضان وليس عليه ذنب يطلبه اهلل به" (منكر)
26
شهر شعبان والمنحة الربانية
"أتاني جبريل uفقال :هذه ليلة النصف من شعبان ،وهلل فيها عتقاء من نار بعدد شعور غنم
بني كلب ،ال ينظر اهلل فيها إلى مشرك ،وال إلى مشاحن ،وال إلى قاطع رحم ،وال إلى مسبل،
وال إلى عاق لوالديه ،وال إلى مدمن خمر " (ضعيف جداً)
"إن اهلل يطلع على عباده في ليلة النصف من شعبان ،فيغفر للمستغفرين ،ويرحم
المسترحمين ،ويؤخر أهل الحقد كما هم"( .ضعيف)
"خمس ليال ال ترد فيهن الدعوة :أول ليلة من رجب ،وليلة النصف من شعبان ،وليلة
الجمعة ،وليلة الفطر ،وليلة النحر"( .موضوع)
( رواه ابن عساكر ،وفيه كذابان وهما :بندار بن عمر الروياني ،وإ براهيم بن أبي يحي ) ( انظر السلسلة الضعيفة لأللباني)7452 :
"يطلع اهلل Uإلى خلقه ليله النصف من شعبان ،فيغفر لعباده إال اثنين :مشاحن ،وقاتل نفس
"( .ضعيف)
27
شهر شعبان والمنحة الربانية
فصلى فأطال السجود ،حتى ظننت أنه قد ُقِبض ،فلما رأيت ذلك
" قام رسول اهلل rمن الليل َّ
قمت حتى حركت إبهامه فتحركت ،فرجعت فسمعته يقول في سجوده" :أعوذ بعفوك من
ثناء عليك أنت كما
عقابك ،وأعوذ برضاك من سخطك ،وأعوذ بك منك إليك ،ال ُأحصي ً
أثنيت على نفسك" .فلما رفع رأسه من السجود وفرغ من صالته قال":يا عائشة ! ـ أو يا
حميراء ـ أظننت أن النبي rقد خاس بك؟".قلت:ال واهلل يا رسول اهلل ! ولكني ظننت أنك
قُِبضتَ لطول سجودك .فقال":أتدرين أي ليلة هذه؟" .قلت:اهلل ورسوله أعلم .قال":هذه ليلة
النصف من شعبان،إن( اهلل Uيطلع على عباده في ليلة النصف من شعبان ،فيغفر
للمستغفرين ،ويرحم المسترحمين ،ويؤخر أهل الحقد كما هم"( .ضعيف)
"في ليلة النصف من شعبان يوحي اهلل إلى ملك الموت يقبض كل نفس يريد قبضها في تلك
السنة" ( .ضعيف)
" رجب شهر اهلل ،وشعبان شهري ،ورمضان شهر أمتي " (موضوع)
28
شهر شعبان والمنحة الربانية
وبعد،...
فهذا آخر ما تيسر جمعه في هذه الرسالة
نسأل اهلل أن يكتب لها القبول ،وأن يتقبلها منا بقبول حسن ،كما أسأله سبحانه أن ينفع بها مؤلفها
وقارئها ومن أعان على إخراجها ونشرها......إنه ولي ذلك والقادر عليه.
هذا وما كان فيها من صواب فمن اهلل وحده ،وما كان من سهو أو خطأ أو نسيان فمني ومن الشيطان،
واهلل ورسوله منه( براء ،وهذا بشأن أي عمل بشري يعتريه الخطأ والصواب ،فإن كان صواباً فادع لي
ثم خطأ فاستغفر لي
بالقبول والتوفيق ،وإ ن كان ّ
ج ّل من ال عيب فيه وعال وإ ن وجدت العيب فسد الخلال
فاللهم اجعل عملي كله صالحاً ولوجهك خالصاً ،وال تجعل ألحد فيه نصيب
والحمد هلل الذي بنعمته( تتم الصالحات.
وآخر دعوانا أن الحمد هلل رب العالمين ،وصلّى اهلل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
هذا واهلل تعالى أعلى وأعلم.........
سبحانك اللهم وبحمدك ،أشهد أن ال إله إال أنت ،أستغفرك وأتوب إليك
29