You are on page 1of 30

‫االجتهاد في شعبان‬

‫والمنحة الربانية‬
‫شهر شعبان والمنحة الربانية‬

‫‪‬‬
‫إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل تعالى من شرور‬
‫أنفسنا وسيئات أعمالنا‪ ،‬من يهد هللا فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل فال هادى له‪ ،‬وأشهد أن‬
‫ال ِإله إال هللا وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمداً عبده ورسوله‪.....‬‬

‫(سورة آل عمران‪:‬‬ ‫ون }‬ ‫ق تُقَاتِ ِه َوالَ تَ ُموتُنَّ إِالَّ َوأَنتُم ُّم ْ‬


‫سلِ ُم َ‬ ‫{ يَا أَيُّ َها الَّ ِذ َ‬
‫ين آ َمنُو ْا اتَّقُو ْا هّللا َ َح َّ‬
‫‪)102‬‬

‫ث ِم ْن ُه َما‬
‫ق ِم ْن َها َز ْو َج َها َوبَ َّ‬‫اح َد ٍة َو َخلَ َ‬‫س َو ِ‬ ‫{ يَا أَ ُّي َها النَّ ُ‬
‫اس اتَّقُو ْا َربَّ ُك ُم الَّ ِذي َخلَقَ ُكم ِّمن نَّ ْف ٍ‬
‫(سورة‬ ‫ون بِ ِه َواألَ ْر َحا َم إِنَّ هّللا َ َك َ‬
‫ان َعلَ ْي ُك ْم َرقِيبًا}‬ ‫ساءلُ َ‪V‬‬‫ساء َواتَّقُو ْا هّللا َ الَّ ِذي تَ َ‬ ‫ِر َجاالً َكثِي ًرا َونِ َ‬
‫النساء‪)1 :‬‬

‫صلِ ْح لَ ُك ْم أَ ْع َمالَ ُك ْم َويَ ْغفِ ْر لَ ُك ْم‬


‫س ِدي ًدا (‪ )70‬يُ ْ‬‫ين آ َمنُوا اتَّقُوا هَّللا َ َوقُولُوا قَ ْواًل َ‬ ‫{ يَا أَيُّ َها الَّ ِذ َ‬
‫(سورة األحزاب‪)70،71:‬‬ ‫از فَ ْو ًزا َع ِظي ًما }‬
‫سولَهُ فَقَ ْد فَ َ‬‫ُذنُوبَ ُك ْم َو َمن يُ ِط ْع هَّللا َ َو َر ُ‬

‫أما بعد‪،...‬‬
‫فإن أصدق الحديث كتاب اهلل – تعالى‪ -‬وخير الهدي هدي محمد ‪ ‬وشر األمور محدثاتها‪ ،‬وكل‬
‫محدثة بدعة وكل بدعة ضاللة‪ ،‬وكل ضاللة في النار‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫شهر شعبان والمنحة الربانية‬

‫في ْك ِثر فيه من فعل الخيرات‪ ،‬لكن يبقَى السؤال‪.‬‬ ‫على اإلنسان َّ‬
‫منا أن يجتهد في شهر( شعبان‪ُ ،‬‬
‫لمــاذا االجـتـهــاد فـي شـعـبــان؟‬
‫االجتهاد في شعبان يكون ألمور منها‪-:‬‬
‫أوالً‪ :‬حتى يتعود اإلنسان منَّا فعل الخيرات وترك المنكرات فيكون له سجية وطبع وعادة‪،‬‬
‫واألمر كما قال النبي ‪:r‬‬
‫(أخرجه ابن ماجة بسند صحيح)‬ ‫ومن ُي ِرد اهلل به خيراً يفقهه في الدين"‬
‫"الخير عادة والشر لجاجة‪َ ،‬‬
‫ومن الفقه في الدين عمل الخيرات في كل األوقات‪ ،‬وخصوصاً األوقات الفاضالت‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬االجتهاد في شعبان يكون استعداداً لرمضان‪:‬‬
‫وكما هو معلوم أن رمضان من األوقات الفاضالت‪ ،‬ومن النفحات الربانية على األمة المحمدية‪ ،‬واألمر‬
‫كما قال خير البرية‪" :r‬افعلوا الخير دهركم‪ ،‬وتعرضوا لنفحات رحمة اهلل‪ ،‬فإن هلل نفحات من‬
‫ؤمن روعاتكم"‬ ‫رحمته‪ ،‬يصيب بها َمن يشاء من عباده‪ ،‬وسلوا اهلل أن يستر عوراتكم‪ ،‬وأن ُي ِّ‬
‫(أخرجه ابن أبى الدنيا والطبراني من حديث أنس ‪)t‬‬

‫وعند الطبراني في األوسط من حديث محمد ابن مسلمة أن النبي ‪ r‬قال‪:‬‬


‫"إن لربكم في أيام دهركم نفحات‪ ،‬فتعرضوا لها‪ ,‬لعل أحدكم أن يصيبه منها نفحة ال يشقى‬
‫بعدها أبداً"‬
‫ولقد َّبين النبي ‪ r‬في هذه األحاديث أنه ينبغي على اإلنسان َّ‬
‫منا أن يتعرض لهذه النفحات الربانية‪ ،‬والمنح‬
‫اإللهية‪ .‬وشهر رمضان من النفحات الربانية‪ ،‬والمنح اإللهية على األمة المحمدية‪.‬‬
‫ـ ففي رمضان منح الرحمن‪ ،‬ونسائم القرآن‪ ،‬وروائح الجنان‪ ,‬فيه تطيب األفواه‪ ،‬وتطهر األلسنة‪ ،‬وتصان‬
‫الفروج‪ ,‬وتمنع اآلثام‪ ,‬فهو ُجنة من الزلل‪ ,‬ووقاية من المعاصي‪ ،‬وحصن من السيئات‪.‬‬
‫ال يخيب فيه سائل‪ ،‬أو ُيطرد عنه محروم‪ ,‬عطاؤه كثير‪ ،‬وفيضه عميم‪ ،‬تُِّوج بليلة القدر‪ ،‬وتشرف بنزول‬
‫الم ِّ‬
‫وحدين‪ ,‬فقد تم فيه نصر بدر‪ ,‬وفيه تم فتح مكة‪،‬‬ ‫ورفعت فيه راية ُ‬
‫القرآن‪ ,‬وبورك بنزول المالئكة‪ُ ،‬‬
‫فكان هو الفوز في البدء والختام والفرح بالسيادة واإليمان‪.‬‬
‫فالحمد هلل ِل َما أوالنا فيه من النعيم‪ ,‬وحبانا فيه من الرحمات والطيبات‪.‬‬
‫فهو شهر‪ ...‬تنهمر فيه الرحمات من رب َّ‬
‫البريات ‪.‬‬
‫وهـو شهر‪ ...‬مبارك كريم وموسم رابح عظيم و شهر تتضاعف فيه الحسنات‪.‬‬
‫وهـو شهر‪ ...‬أنزل اهلل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان‪.‬‬
‫وهـو شهر‪ ...‬من صامه إيماناً واحتساباً ُغ ِفر له ما تقدم من ذنبه‪.‬‬
‫وهـو شهر‪ ...‬من قامه إيماناً واحتساباً ُغ ِفر له ما تقدم من ذنبه‬
‫وهـو شهر‪ ...‬فيه ليلة خير من ألف شهر من قامها إيماناً واحتساباً ُغ ِفر له ما تقدم من ذنبه‬

‫‪2‬‬
‫شهر شعبان والمنحة الربانية‬

‫وهـو شهر‪ ...‬تفتح فيه أبواب الجنان فال يغلق منها باب‪.‬‬
‫وهـو شهر‪ ...‬تغلق فيه أبواب النيران فال يفتح منها باب‪.‬‬
‫وهـو شهر‪ ...‬تُصفَّد فيه الشياطين ومردة الجان‪.‬‬
‫وهـو شهر‪َ ...‬من أتى فيه بعمرة كان كمن حج مع النبي ‪.r‬‬
‫وهـو شهر‪َ ...‬من فَطَّر فيه صائماً كان له مثل أجره‪.‬‬
‫عرض لهذه‬ ‫وغير ذلك من الجوائز والمنح الربانية‪ ،‬والتي وهبها رب البرية لألمة المحمدية‪ ،‬فهنيئَاًـًَ َ‬
‫لمن تَ َّ‬
‫النفحات‪ ،‬وخرج من رمضان وقد ُغ ِفر له جميع السيئات‪.‬‬
‫فمن أراد أن يفوز بجوائز رمضان فليستعد لها من اآلن‬
‫فإنه ال يحصل على جوائز رمضان وهذه المنح الربانية‪ ،‬إال لمن استعد لها من شعبان‪.‬‬
‫ولذلك جاء في الحديث الذي أخرجه الترمذي والبيهقي بسند فيه مقال عن أنس ‪:t‬‬
‫"س ِئل النبي‪r‬أي الصوم أفضل بعد رمضان؟ قال‪ :‬شعبان؛ لتعظيم رمضان"(ضعيف الجامع‪)1023:‬‬
‫ُ‬
‫وإ ن كان الحديث ضعيفاً إال أن معناه صحيح‪.‬‬

‫ـ ومن المعلوم أن الفرض يسبقه نافلة ويعقُبه نافلة‪ ,‬والنافلة التي تتبع الفرض وتكون بعده إنما تكون لجبر‬
‫النقص الذي تم في الفرض‪ ،‬وأما السنة القبلية والتي تسبق الفرض هي بمثابة التوطئة والتمهيد الستقبال‬
‫الفرض‪ ,‬وتعويد النفس على فعل الخير‪ ،‬كما سبق معنا في الحديث الذي أخرجه ابن ماجة‪" :‬الخير‬
‫عادة والشر لجاجة" فمن تَ َّدرب في شعبان على الصيام‪ ،‬والقيام‪ ،‬وقراءة القرآن‪ ،‬والصدقة‪ ،‬كان كذلك‬
‫ومـن لم يتعود من اآلن على فعل الخيرات؛ فإنه سيخرج من رمضان كما دخل فيه‪ ،‬وله‬
‫في رمضان‪َ .‬‬
‫حظ ونصيب من هذا الحديث الذي أخرجه الترمذي والحاكم‪:‬‬
‫"رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن ُي ْغفر له"‬
‫وي َمِّني نفسه أنه في العام القادم سيكون أكثر اجتهاداً‬
‫ويخرج من رمضان وهو غير راض عن نفسه‪ُ ،‬‬
‫ومن يضمن قلبه؟!‬
‫ونشاطاً‪ .‬لكن َمن يضمن عمره؟! َ‬
‫فالعمر بيد اهلل‪ ,‬كما أن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن ُيقلُِّبها كيف يشاء‪ ,‬فربما كتب اهلل له البقاء‬
‫حتى أدرك رمضان القادم كما كان َّ‬
‫يتمنى‪ ,‬لكن هل يضمن قلبه؟! فإذا كان خرج من رمضان وهو موسم‬
‫المغفرة سفر اليدين‪ ,‬فمتى سيغفر له إن لم يغفر له في رمضان فمتى؟! إن لم تثمر الشجرة في أوانها‬
‫فمتى تثمر؟!‬
‫فهيا‪ ...‬هيا من اآلن نستعد لموسم الغفران‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫شهر شعبان والمنحة الربانية‬

‫واالجتهـاد في شعبان يكون عـن طريق‪-:‬‬


‫‪ .1‬المحافظة على الفرائض‪ ،‬وعدم التفريط فيها‪ ،‬واإلكثار من النوافل‪:‬‬
‫فقد أخرج البخاري من حديث أبى هريرة ‪t‬أن النبي ‪ r‬قال‪ :‬قال اهلل ‪:U‬‬
‫إلي‬
‫افترضت عليه‪ ،‬وما يزال عبدي يتقرب ّ‬
‫ُ‬ ‫إلي مما‬
‫إلي عبدي بشيء أحب ّ‬ ‫"وما تقرب ّ‬
‫بالنوافل حتى أحبه‪ ،‬فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به‪ ,‬وبصره الذي يبصر به‪ ,‬ويده‬
‫َّ‬
‫ألعيذن ُه"‬ ‫َّ‬
‫ألعطين ُه‪ ،‬ولئن استعاذني‬ ‫التي يبطش بها‪ِ ,‬‬
‫ور ْجله التي يمشى بها‪ ،‬وإ ن سألني‬

‫وكما أن مجاهدة النفس‪ ،‬واإلكثار من النوافل سبب لمحبة اهلل‪ ,‬فهي كذلك سبب في سكنى‬
‫أعلى درجات الجنة مع الحبيب النبي ‪.r‬‬
‫فقد أخرج اإلمام مسلم من حديث ربيعة بن كعب األسلمي ‪:t‬‬
‫"أن النبي ‪ r‬قال له‪ :‬سل‪ ،‬فقلت‪ :‬أسالك مرافقتَ َك في الجنة‪ ،‬قال‪ :‬أوغير ذلك‪ .‬قلت‪ :‬هو ذاك‪.‬‬
‫فأعني على نفسك بكثر ِة السجود"‬
‫قال‪ِّ :‬‬
‫فبكثرة السجود يصل المرء إلى هذه األشواق العالية من مصاحبة خير البرية في الجنة‪ ,‬وال تكون هذه‬
‫ِّ‬
‫واإلدعاءات الكاذبة‪.‬‬ ‫المصاحبة باألماني‬
‫‪ .2‬اإلكثار من الصيام في شعبان‪:‬‬
‫‪-1‬فقد أخرج البخاري عن عائشة – رضي اهلل عنها – قالت‪:‬‬
‫ويفطر حتى نقول‪ :‬ال يصوم‪ ،‬وما رأيت‬
‫"كان رسول اهلل ‪ r‬يصوم حتى نقول‪ :‬ال ُيفطر‪ُ ،‬‬
‫رسول اهلل ‪ r‬استكمل صيام ٍ‬
‫شهر إال رمضان‪ ،‬وما رأيته أكثر صياماً من شعبان"‬
‫وفي رواية‪" :‬وما رأيته في شهر أكثر صياماً منه في شعبان‪:‬‬
‫‪-2‬وأخرج البخاري ومسلم من حديث عائشة – رضي اهلل عنها‪ -‬قالت‪:‬‬
‫" لم يكن النبي ‪ r‬يصوم من شهر أكثر من شعبان‪ ،‬فإنه كان يصوم شعبان كله"‬
‫وفي رواية في الصحيحين‪" :‬كان يصوم شعبان إال قليالً"‬
‫روى ابن وهب عن عائشة ـ رضي اهلل عنها ـ قالت‪:‬‬
‫"ذكر لرسول اهلل ‪ r‬ناس يصومون رجب‪ ،‬فقال‪ :‬أين هم من شعبان؟!"‬
‫وباع قوم من السلف جارية ألحد الناس‪ :‬فلما أقبل رمضان أخذ سيدها الجديد يتهيأ بألوان‬
‫المطعومات والمشروبات الستقبال رمضان‪ ،‬كما يصنع كثير من الناس اليوم‪ ،‬فلما رأت الجارية ذلك‬

‫‪4‬‬
‫شهر شعبان والمنحة الربانية‬

‫منهم‪ ،‬قالت‪ :‬لماذا تصنعون ذلك؟ قالوا‪ :‬الستقبال شهر رمضان‪ .‬فقالت‪ :‬وأنتم ال تصومون إال في‬
‫السَنة عندهم كأنها كلها رمضان‪ ،‬ال حاجة لي فيكم‪ُ ،‬رُّدوني إليهم‪،‬‬
‫رمضان‪ ،‬واهلل لقد جئت من عند قوم َّ‬
‫ورجعت إلى سيدها األول"‪.‬‬
‫فعليك أخي الحبيب‪ ...‬أن تكثر من الصيام في شعبان‪ ,‬والذي يدفعك لإلكثار من الصيام فيه‪ ،‬وفي غيره‬
‫أن تعلم فضل الصيام‪.‬‬
‫فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبى سعيد الخدري ‪ t‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪:r‬‬
‫"ال يصوم عبد يوماً في سبيل اهلل إال باعد اهلل بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً"‬
‫هذا بصيام يوم واحد فقط نافلة‪ ،‬في حين أن رب العالمين يقول في كتابه الكريم‪:‬‬
‫ع ا ْل ُغ ُرو ِ‬
‫ر }(آل عمران‪:‬‬ ‫{ فَ َمن ُز ْح ِز َح َع ِن النَّا ِر َوأُد ِْخ َل ا ْل َجنَّةَ فَقَ ْد فَ َ‬
‫از َوما ا ْل َحيَاةُ ال ُّد ْنيَا إِالَّ َمتَا ُ‬
‫‪)185‬‬

‫فما بالك بمَن زحزح وجهه عن النار سبعين خريفاً؟!!‬


‫تنبيه‪:‬‬
‫ذهب الشافعية‪ :‬إلى عدم جواز الصيام بعد النصف من شعبان‬
‫واستدلوا بالحديث الذي أخرجه أبو داود والترمذي عن أبى هريرة ‪:t‬‬
‫"أن النبي ‪ r‬قال‪ :‬إذا انتصف شعبان فال تصوموا"‬
‫بينما ذهب جمهور أهل العلم‪ :‬إلى جواز الصيام بعد النصف من شعبان‪.‬‬
‫وحكم أهل العلم على الحديث السابق بـ"النكارة"‪( ,‬فهو حديث منكر)‪ ,‬وحكم عليه البعض بالشذوذ؛ ألنه‬
‫يخالف الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبى هريرة ‪:t‬‬
‫"أن النبي ‪ r‬قال ال يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين‪ ,‬إال أن يكون رجل كان‬
‫يصوم صومه؛ فليصم ذلك اليوم"‬
‫وفى هذا الحديث دليل على جواز الصيام بعد النصف من شعبان‬
‫ويدل على ذلك أيضاً‪ :‬األحاديث المتقدمة في صفة صيام النبي‪ r‬في شعبان‪.‬‬
‫أضف إلى هذه األدلة حديثاً آخر أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة بسند صحيح عن أم‬
‫سلمة‪-‬رضي اهلل عنها‪ -‬قالت‪":‬ما رأيت النبي‪ r‬يصوم شهرين متتابعين إال شعبان ورمضان"‬
‫وفي رواية أخرى عند أبي داود أنها قالت‪":‬أنه ‪ r‬لم يكن يصوم من السنة شهراً تاماً إال‬
‫(صحيح الترغيب‪ ،1025:‬صحيح أبي داود‪)2048 :‬‬ ‫شعبان يصله برمضان"‬
‫فالراجح‪ :‬هو قول الجمهور على جواز الصيام بعد النصف من شعبان‪ ,‬على أن يتوقف عن الصيام قبل‬
‫رمضان بيوم أو يومين‪ ،‬إال صوماً كان يصومه أحدهم‪ ،‬أي أنه إذا كان من عادته صيام االثنين والخميس‬

‫‪5‬‬
‫شهر شعبان والمنحة الربانية‬

‫فجاء رمضان يوم الثالثاء‪ ،‬فال مانع أن يصوم يوم االثنين‪ ،‬وهو ما قبل رمضان بيوم‪ ,‬فهذا جائز بنص‬
‫الحديث‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫‪ .3‬ويستحب اإلكثار من الصدقة‪ ،‬وقراءة القرآن في شعبان‪:‬‬
‫يقول ابن رجب ـ رحمه اهلل ـ كما في "لطائف المعارف"‪:‬‬
‫"والصيام في شعبان كالتمرين على صيام رمضان؛ لئال يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة‪ ,‬بل‬
‫يكون قد تمرن على الصيام واعتاده‪ ,‬ووجد بصيام شعبان قبله حالوة الصيام ولذته؛ فيدخل في صيام‬
‫رمضان بقوة ونشاط‪.‬‬
‫شِرع في رمضان‪ ،‬من الصيام‪ ،‬وقراءة القرآن؛‬
‫شِرع فيه ما ُ‬
‫ـ ولما كان شعبان كالمقدمة لرمضان‪ُ ،‬‬
‫ليحصل التأهب لتلقي رمضان‪ ،‬وترتاض النفوس بذلك على طاعة الرحمن‬
‫وقد روينا بإسناد ضعيف عن أنس ‪ t‬قال‪:‬‬
‫"كان المسلمون إذا دخل شعبان‪ ،‬انكبوا على المصاحف فقرءوها‪ ،‬وأخرجوا زكاة أموالهم تقوية للضعيف‬
‫والمسكين على صيام رمضان"‬
‫قال سلمة بن كهيل‪" :‬كان يقال‪ :‬شهر شعبان شهر القراء"‬
‫وكان حبيب بن أبى ثابت‪ -‬رحمه اهلل‪ -‬يقول‪" :‬إذا دخل شعبان قال‪ :‬هذا شهر القراء "‬
‫وكان عمرو بن قيس المالئي‪" :‬إذا دخل شعبان أغلق حانوته‪ ,‬وتفرغ لقراءة القرآن"‬
‫قال الحسن بن سهل‪" :‬قال شعبان‪ :‬يا ربِّ‪ ...‬جعلتني بين شهرين عظيمين‪ ،‬فما لي؟ قال‪ :‬جعلت فيك‬
‫قراءة القرآن" ‪ .‬أهـ من كالم ابن رجب‬
‫يكفيك أن تعرف أخي الحبيب‪ ...‬أن لك بكل حرف تقرؤه حسنة‪ ،‬والحسنة بعشر أمثالها‬
‫فقد أخرج الترمذي بسند صحيح عن عبد اهلل بن مسعود ‪:t‬‬
‫" أن رسول اهلل‪ r‬قال‪ :‬من قرأ حرفاً من كتاب اهلل فله به حسنة‪ ،‬والحسنة بعشر أمثالها‪ ،‬ال‬
‫أقول‪" :‬آلم" حرف‪ ،‬ولكن ألف حرف‪ ،‬والم حرف‪ ،‬وميم حرف"‪.‬‬
‫وفضائل القرآن كثيرة كثيرة ال يسعنا ذكرها في هذا المقام‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫شهر شعبان والمنحة الربانية‬
‫ثالثاً‪ :‬االجتهاد في شعبان من أجل أنه ترفع فيه األعمال‪:‬‬
‫فقد أخرج اإلمام أحمد وأبو داود والنسائي عن أسامة بن زيد ‪ t‬قال‪:‬‬
‫" قلت يا رسول اهلل‪ ،‬لم أرك تصوم من الشهور ما تصوم من شعبان قال‪ :‬ذاك شهر يغفل‬
‫ب أن‬ ‫الناس عنه‪ ،‬بين رجب ورمضان‪ ،‬وهو شهر ترفع اإلعمال فيه إلى رب العالمين‪ِ ,‬‬
‫فأح ُّ‬
‫يرفع عملي وأنا صائم"‬
‫وفي رواية أخرى عند البيهقي في شعب اإليمان من حديث أسامة بن زيد ـ رضي اهلل‬
‫عنهما ـ أن النبي ‪ r‬قال‪:‬‬
‫" شعبان بين رجب وشهر رمضان‪ ،‬تغفل الناس عنه‪ ،‬تُْرفع فيه أعمال العباد‪ ،‬فأحب أن ال‬
‫(صحيح الجامع‪( ، )3711:‬الصحيحة‪)1898:‬‬ ‫يرفع عملي إال وأنا صائم"‬
‫فحيث إن رجب من األشهر المحرمة‪ ،‬ورمضان من الشهور المعظمة‪ ،‬فإن الناس يجتهدون فيها‪ ،‬فإذا ما‬
‫في ِّ‬
‫حدث أحدهما نفسه فيقول‪ :‬سأجتهد‬ ‫جاء شعبان ترك الناس العبادة‪ ،‬وفتح الشيطان لهم باب التسويف‪ُ ،‬‬
‫في رمضان‪ ،‬وسأفعل‪ ...‬وسأفعل‪ ,‬فيفتح لهم الشيطان باب ِّ‬
‫التمني واألمل‪ ،‬حتى يقعدهم عن العمل في‬
‫وي ِّ‬
‫منيهم الشيطان أنهم في‬ ‫وي ْد ُخ ُل عليهم رمضان وهم خائبون‪ ،‬وينصرف عنهم وهم خاسرون‪ُ ،‬‬
‫شعبان‪َ ،‬‬
‫عوضون‪.‬‬
‫سي ِّ‬
‫العام القادم ُ‬
‫وصدق الحبيب النبي‪ r‬حيث قال كما عند ابن النجار‪:‬‬
‫"أخسر الناس صفقة‪ :‬رجل أخلق يده في أمانيه‪ ،‬ولم تساعده األيام على تحقيق أمنيته‪،‬‬
‫فخرج من الدنيا بغير زاد‪ ،‬وقدم على اهلل بغير حجة"‬
‫أمد له الشيطان في األمل‪ ،‬وأنساه بغتة األجل‪ ,‬وأنساه قرب الموت والرحيل‪،‬‬
‫وكأن ابن أدم من كثرة ما ّ‬
‫وكأنه بمأمن أن ينتقل إلى الرب الجليل‪ ،‬وأنه راحل إليه‪ ،‬وأنه واقف بين يديه ‪.‬‬

‫فأحب أن يرفع عملي وأنا‬


‫ُّ‬ ‫وقول النبي‪" :r‬وهو شهر تُْرفَع األعمال فيه إلى رب العالمين‪,‬‬
‫صائم" فهذا أدعى لقبول العمل‪.‬‬

‫ـ ولذلك كان النبي‪ r‬يحب أن يصوم االثنين والخميس ألن األعمال ترفع فيهما‬
‫فقد أخرج الترمذي من حديث أبى هريرة ‪t‬أن النبي‪ r‬قال‪:‬‬
‫عرض عملي وأنا صائم"‬
‫فأحب أن ُي َ‬
‫ُّ‬ ‫"تُعرض األعمال يوم االثنين ويوم الخميس‪،‬‬
‫وكان الضحاك ـ رحمه اهلل ـ يبكي آخر النهار ويقول‪:‬‬
‫"ال أدري ما ُر ِفع من عملي‪ ,‬يا من عمله معروض على َمن يعلم السر وأخفي ال تبهرج‪ ،‬فإن الناقد‬
‫بصير"‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫شهر شعبان والمنحة الربانية‬
‫فـائــدة‪:‬‬
‫ورفع األعمال إلى رب العالمين على ثالثة أنواع‪-:‬‬
‫النوع األول‪ :‬أن تُرفع األعمال على اهلل تعالى رفعاً عاماً كل يوم‬
‫كما في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبى هريرة ‪t‬أن النبي‪ r‬قال‪:‬‬
‫"يتعاقبون فيكم مالئكة بالليل ومالئكة بالنهار‪ ،‬ويجتمعون في صالة الفجر وصالة العصر‪,‬‬
‫ثم يعرج الذين باتوا فيكم‪ ،‬فيسألهم ‪-‬وهو أعلم بهم‪-‬؟ كيف تركتم عبادي؟ فيقولون‪(:‬‬
‫تركناهم وهم ُيصلُّون وأتيناهم وهو ُيصلُّون"‬
‫وأخرج اإلمام مسلم عن أبى موسى األشعري ‪t‬قال‪:‬‬
‫"قام فينا رسول اهلل‪ r‬بخمس كلمات‪ ،‬فقال‪ :‬إن اهلل ال ينام وال ينبغي له أن ينام‪ ,‬يخفض‬
‫القسط ويرفعه‪ ،‬يرفع اهلل عمل الليل قبل النهار‪ ,‬وعمل النهار قبل الليل‪ ،‬حجابه النور لو‬
‫كشفه ألحرقت سبحات وجهه ما انتهي إليه بصره من خلقه"‬
‫النوع الثاني‪ :‬رفع األعمال إلى اهلل تعالى يوم االثنين( والخميس‪ ،‬وهذا عرض خاص‬
‫غير العرض العام كل يوم‬
‫فقد أخرج اإلمام أحمد في مسنده‪" :‬أن رسول اهلل‪ r‬كان أكثر ما يصوم االثنين والخميس‪،‬‬
‫في ْغفَر لكل مسلم ـ أو‬
‫سئل عن ذلك)‪ :‬قال‪ :‬إن األعمال تُعرض كل اثنين وخميس ُ‬
‫فقيل له (أي ُ‬
‫لكل مؤمن ـ إال المتهاجرين‪ (،‬فيقول أ ِّ‬
‫َخرهما"‬
‫فأحب أن ُي ْعرض عملي وأنا‬
‫ُّ‬ ‫وعند الترمذي بلفظ‪" :‬تعرض األعمال يوم االثنين والخميس‪،‬‬
‫صائم"‬
‫وكان إبراهيم النخعي يبكى على امرأته يوم الخميس وتبكي إليه‪ ،‬ويقول‪ :‬اليوم تُ ْع َرض أعمالنا على اهلل‪U‬‬
‫‪.‬‬
‫النوع الثالث‪ :‬هو رفع األعمال إلى اهلل تعالى في شعبان‬
‫كما جاء في الحديث الذي أخرجه اإلمام أحمد والنسائي عن أسامة بن زيد ـ رضي اهلل‬
‫عنهما ـ أن النبي‪ r‬قال عن شهر شعبان‪:‬‬
‫فأحب أن ُي ْرفَع عملي وأنا صائم"‬
‫ُّ‬ ‫"وهو شهر تُرفع األعمال فيه إلى رب العالمين ‪U‬‬
‫مر بنا ـ‬
‫ورفع األعمال إلى اهلل تعالى مع كونه صائماً أدعى إلى القبول عند اهلل تعالى ـ كما ّ‬

‫‪8‬‬
‫شهر شعبان والمنحة الربانية‬

‫رابعاً‪ :‬االجتهاد في شعبان حتى ال تكتب فيه من الغافلين‪:‬‬


‫بين النبي األمين ‪ :r‬أن شهر شعبان شهر َيغف ُل فيه الناس‬
‫فقد َّ‬
‫فقال كما عند اإلمام أحمد والنسائي من حديث أسامة بن زيد‪-‬رضي اهلل عنهما‪:-‬‬
‫"ذلك شهر يغفل الناس عنه"‬
‫وإ ذا غفل الناس عن شعبان‪ ،‬لم يكن للمؤمنين أن يغفلوا عنه‪ ،‬فإن المؤمنين ُم ْقبِلون دوماً على ربهم‪ ،‬ال‬
‫يغفلون عن ذكره‪ ،‬وال ينقطعون عن عبادته‪ ،‬فهو سبحانه الذي ُيدبِّر شئونهم‪ ،‬ويصلح أحوالهم‪ ،‬ويأخذ‬
‫بنواصيهم إليه أخذ الكرام عليه‪ ,‬فالمؤمنون يعلمون أن البعد عن اهلل سبب الشقاء والخسران‪،‬‬
‫كما قال تعالى‪{ :‬يَا أَيُّ َها الَّ ِذ َ‬
‫ين آ َمنُوا اَل تُ ْل ِه ُك ْم أَ ْم َوالُ ُك ْم َواَل أَ ْواَل ُد ُك ْم َعن ِذ ْك ِر هَّللا ِ َو َمن يَ ْف َع ْل َذلِ َك‬
‫ون }‬ ‫اس ُر َ‬ ‫فَأ ُ ْولَئِ َك ُه ُم ا ْل َخ ِ‬
‫(المنافقون‪)9:‬‬
‫فلذلك هم دائماً وقوف ببابه‪ ،‬يلذون بجنابه‪ ,‬عزهم في االنكسار والتذلل له‪َّ ،‬‬
‫لذتُهم في مناجاته‪ ,‬حياتهم في‬
‫طاعته وعبادته‪.‬‬
‫ويزدادون طاعة وعبادة في مواسم الطاعات‪ ،‬ويتعرضونـ للنفحات لعل اهلل أن يرزقهم الجنات‪ ،‬وينجيهم‬
‫من اللفحات‪.‬‬
‫ويزدادون طاعة وعبادة كذلك في وقت الهرج‪ ,‬وحين يغفل الناس‬
‫ففي هذا الشهر الذي قال عنه النبي ‪:r‬‬
‫"ذلك شهر يغفل الناس عنه"‬
‫ينبغي للمؤمنين أن يكونوا في شأن غير شأن الناس‪ ,‬الذين هم أهل الغفلة‪.‬‬
‫كما قال الحسن البصري ـ رحمه اهلل ـ‪:‬‬
‫"المؤمن في الدنيا كالغريب‪ ،‬ال يجزع من ذلها‪ ،‬وال ينافس في ِّ‬
‫عزها‪ ،‬له شأن وللناس شأن"‪.‬‬
‫فعلى المؤمنين في وقت الغفلة أن يزدادوا قرباً وطاعة هلل تعالى‪ ،‬وهذا ما كان َي ُّ‬
‫حث عليه النبي‪.r‬‬

‫‪9‬‬
‫شهر شعبان والمنحة الربانية‬

‫محبوب هلل تعالى‪ ,‬لذا َّ‬


‫حث عليه النبي‪.r‬‬ ‫ٌ‬ ‫واعلم أخي الحبيب‪ ...‬أن العمل وقت الغفلة‬
‫فاستحب النبي ‪ r‬القيام وسط الليل وقت غفلة الناس‬
‫فقد أخرج الترمذي أن الحبيب النبي‪ r‬قال لبعض أصحابه‪:‬‬
‫"إن استطعت أن تكون ممن يذكر اهلل في تلك الساعة فكن"‬
‫فهذا الوقت هو وقت نوم الناس وغفلتهم‪ ,‬فإذا قام المؤمن لرب العالمين ليفوز بجنة النعيم‪ ,‬فال يستوي هو‬
‫ومن آثر الوسادة على العبادة‪ ,‬وكما قيل‪" :‬من أراد الراحة‪ ،‬تََر َك الراحة "‬
‫ولذلك جاء في الحديث الذي أخرجه الترمذي والنسائي وأحمد عن أبى ذر‪:t‬‬
‫"ثالثة يحبهم اهلل‪ :‬قوم ساروا ليلتهم حتى إذا كان النوم أحب إليهم مما ُي ْع َد ُل به‪ ،‬نزلوا‬
‫ويتلوا آياتي"‬ ‫(‪)1‬‬ ‫فوضعوا رءوسهم ‪ ,‬فقام أحدهم يتملقني‬
‫(‪ )1‬يتملقني‪ :‬يتضرع َّ‬
‫إلي بالثناء والدعاء‪.‬‬
‫ومعنى الحديث‪ :‬أن هؤالء القوم كان النوم لهم ال يعادله شيء فهو أحب شيء إليهم في هذا الوقت‬
‫فناموا‪ ,‬لكن قام أحدهم حال تعبه‪ ،‬وحال كون النوم أحب إليه مما سواه‪ ،‬قام يدعو ربه ويتلو آياته‬
‫ويتضرع إليه‪ ،‬فهذا هو نعيمه الذي ال يغنى‪ ،‬وقرة عينيه التي ال تنقضي‪ ،‬وهي سعادته العظمى وغايته‬
‫المنشودة‪.‬‬
‫وفى يوم َّ‬
‫أخر النبي‪ r‬العشاء إلى ثلث الليل فقال كما عند البخاري‪:‬‬
‫"ما ينتظرها‪ -‬يعنى العشاء‪ -‬أحد من أهل األرض غيركم"‬
‫وكأنه ‪ r‬يقول لصحابته‪ :‬هذه الصالة التي تُصلُّون إنما أنتم الذين تصلونها في الدنيا كلها‪ ،‬حال غفلة‬
‫الناس عن اهلل تعالى‪.‬‬
‫ففي هذا الشهر الذي يغفل فيه الناس‪ ،‬عليك أخي الحبيب أن تكون أنت المقبل حال فرار الناس‪،‬‬
‫والمتصدق حال بخلهم وإ حجامهم وحرصهم‪ ...‬وأن تكون القائم حال نومهم وغفلتهم‪ ...‬وتكون الذاكر هلل‬
‫تعالى حين إعراضهم‪،‬ـ فإن هذا سبب لمحبة اهلل تعالى لك‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫شهر شعبان والمنحة الربانية‬

‫واعلم أخي الحبيب‪ ...‬أن العمل على طاعة اهلل وقت غفلة الناس له فوائد منها‪-:‬‬
‫أنه أعظم لألجر‪:‬‬ ‫‪.1‬‬
‫فالعبادة في وقت غفلة الناس أشق على النفس‪ ،‬وأعظم األعمال وأفضلها أشقها على النفس‪ ،‬وسبب ذلك‬
‫أن النفوس تتأسى بمن حولها فإذا كثرت يقظة الناس وطاعاتهم كثر أهل الطاعة لكثرة المقتدين بهم‬
‫فسهلت الطاعات‪ ،‬وإ ذا كثرت الغفالت وأهلها تأسى بهم عموم الناس فيشق على نفوس المستيقظين‬
‫(لطائف المعارف صـ ‪)183‬‬ ‫طاعاتهم لقلة من يقتدون بهم فيها "‬
‫ولهذا المعنى قال النبي ‪ r‬فيما رواه الترمذي وأبو داود من حديث أبي ثعلبة الخشني‪:‬‬
‫" للعامل منهم أجر خمسين منكم‪ ،‬إنكم تجدون على الخير أعواناً وال يجدون"‬
‫وعند الطبراني في المعجم الكبير بسند صحيح من حديث عبد اهلل بن مسعود‪ t‬أن النبي ‪r‬‬
‫قال‪ ":‬إن من ورائكم زمان صبر‪ ،‬للمتمسك فيه أجر خمسين شهيداً منكم"‬
‫وفي رواية‪ ":‬للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجالً يعملون مثل عملكم‪ ،‬قيل‪ :‬يا رسول اهلل ‪r‬‬
‫أجر خمسين منا أو منهم؟ قال‪ :‬بل أجر خمسين منكم‪".‬‬
‫فتضاعف أجر الذين يتفردون بطاعة اهلل في وقت ال يجدون فيه معين‪ ،‬وتكثر فيه الغفلة‪ ،‬ويعم البالء‪،‬‬
‫ويكثر الفساد‪ ،‬فهؤالء الغرباء الذين دعا لهم النبي ‪ r‬فقال كما عند اإلمام مسلم وأحمد‪:‬‬
‫" بدأ اإلسالم غريباً وسيعود غريباً كما بدأ‪ ،‬فطوبى للغرباء " ـ وفي رواية‪ ":‬قيل ومن‬
‫الغرباء؟ قال‪ :‬الذين يصلحون إذا فسد الناس" ـ وفي رواية‪ ":‬يصلحون ما أفسد الناس "‬
‫(السلسلة الصحيحة‪)1273 :‬‬

‫وفي صحيح مسلم من حديث معقل بن يسار ‪ t‬أن النبي ‪ r‬قال‪:‬‬


‫إلي"‬
‫" العبادة في الهرج كالهجرة ّ‬
‫وعند أحمد بلفظ‪ " :‬العبادة في الفتنة كالهجرة ّ‬
‫إلي"‬
‫وسبب ذلك أن الناس في زمن الفتن يتبعون أهواءهم‪ ،‬وال يرجعون إلى دين‪ ،‬فيكون حالهم شبيهاً بحال‬
‫الجاهلية‪ ،‬فإذا انفرد من بينهم من يتمسك بدينه‪ ،‬ويعبد ربه‪ ،‬ويتبع مراضيه‪ ،‬ويجتنب مساخطه‪ ،‬كان‬
‫بمنزلة من هاجر من بين أهل الجاهلية إلى رسول اهلل ‪ r‬مؤمناً به متبعاً ألوامره‪ ،‬مجتنباً لنواهيه"‪.‬‬
‫( لطائف المعارف صـ ‪)184‬‬

‫‪11‬‬
‫شهر شعبان والمنحة الربانية‬

‫‪.2‬‬
‫ومن فوائد العمل وقت غفلة الناس أنه يدفع البالء‪:‬‬
‫يقول ابن رجب في "لطائف المعارف"‪:‬‬
‫" إن المنفرد بالطاعة من أهل المعاصي والغفلة قد ُيدفع به البالء عن الناس كلهم‪ ،‬فكأنه (أي المنفرد‬
‫بالطاعة في وقت الغفلة ) يحميهم ويدافع عنه‪.‬‬
‫(البقرة‪:‬‬ ‫ت األَ ْر ُ‬
‫ض}‬ ‫ض لَّفَ َ‬
‫س َد ِ‬ ‫ض ُه ْم بِبَ ْع ٍ‬
‫اس بَ ْع َ‬ ‫وقد قيل في تأويل قوله تعالى‪َ :‬‬
‫{ولَ ْوالَ َد ْف ُع هّللا ِ النَّ َ‬
‫‪)251‬‬

‫أنه يدخل فيها دفعه عن العصاة بأهل الطاعة‪.‬‬


‫بمن ُيصلِّي "‬ ‫ِّ‬
‫وقال ابن عباس ـ رضي اهلل عنهما ـ‪ ":‬يدفع اهلل َمن ال ُيصلي َ‬
‫وهناك جملة من اآلثار تشهد لهذا المعنى‪ ،‬ذكرها ابن رجب ـ رحمه اهلل ـ في "لطائف‬
‫المعارف" صـ ‪ ،85 ،84‬لكن ال تخلو من مقال منها‪:‬‬
‫ما جاء في األثر‪ " :‬إن اهلل يدفع بالرجل الصالح عن أهله وولده وذريته ومن حوله"‬
‫َّ‬
‫المشاءون في األرض‬ ‫وفي بعض اآلثار يقول اهلل ‪ ":U‬أحب العباد َّ‬
‫إلي المتحابون بجاللي‪،‬‬
‫للج ُمعات‪ ،‬المتعلقة قلوبهم بالمساجد‪ ،‬والمستغفرون‬
‫بالنصيحة‪ ،‬الماشون على أقدامهم ُ‬
‫باألسحار‪ ،‬فإذا أردت إنزال عذاب بأهل األرض‪ ،‬فنظرت إليهم صرفت العذاب عن الناس"‬
‫وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي بسند فيه مقال عن ابن عمر ـ رضي اهلل عنهما ـ أن النبي ‪r‬‬
‫وبمن ُي ِّ‬
‫زكي‬ ‫ومن يحج عمن ال يحج‪َ ،‬‬ ‫قال‪ ":‬ذاكر اهلل في الغافلين كالذي ُيقاتل عن ِّ‬
‫الفارين‪َ ،‬‬
‫عمن ال ُي ِّ‬
‫زكي "‬ ‫َّ‬
‫وأخرج الطبراني في الكبير والبيهقى والبزار بسند فيه مقال عن أبي هريرة ‪ t‬أن النبي ‪r‬‬
‫قال‪ ":‬مهالً عن اهلل مهالً فلوال عباد ركع‪ ،‬وأطفال( رضع‪ ،‬وبهائم رتع ؛ لصب عليكم العذاب‬
‫صباً‪".‬‬
‫وقال بعضهم‪:‬‬
‫وصبية( من اليتـامى ُرضَّع‬ ‫لوال ِعبـاد لإلله ُر َّكـع‬
‫صب عليكم العذاب الموجع‬ ‫ِ‬
‫الفالة ُرتَّع‬ ‫ومهمالت من‬

‫‪12‬‬
‫شهر شعبان والمنحة الربانية‬

‫ويشهد لهذا المعنى أحاديث صحيحة منها‪-:‬‬


‫‪ ‬ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة ‪ t‬أن النبي ‪ r‬قال‪:‬‬
‫" لقد هممت أن آمر رجالً ُيصلي بالناس‪ ،‬ثم أخالف إلى رجال يتخلفون عنها(أي عن الصالة)‪،‬‬
‫فآمر بهم فيحرقوا عليهم بيوتهم "‬
‫زاد اإلمام أحمد‪ ":‬لوال ما في البيوت من النساء والذرية "‬
‫فالنساء واألطفال كانوا سبباً في دفع العذاب عن هؤالء الرجال‪.‬‬
‫‪ ‬وفي صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد اهلل ـ رضي اهلل عنهما ـ‪:‬‬
‫" أن النبي ‪ r‬كان يخطب قائماً فجاءت عير من الشام‪ ،‬فانتقل الناس إليها حتى لم يبق معه‬
‫ارةً أَ ْو لَ ْهواً‬ ‫إال اثنى عشر رجالً‪ ،‬فنزلت هذه اآلية التي في سورة الجمعة‪َ :‬‬
‫{وإِ َذا َرأَ ْوا تِ َج َ‬
‫ضوا إِلَ ْي َها َوت ََر ُكوكَ قَائِماً} (الجمعة‪")11:‬‬
‫انفَ ُّ‬
‫وقال النبي ‪ r‬عندما بقي معه اثنا عشر رجالً منهم أبو بكر وعمر‪ ،‬فقال فيما معناه‪:‬‬
‫لصب اهلل عليكم هذا الوادي ناراً"‬
‫َّ‬ ‫" واهلل لو خرجتم جميعاً‬
‫ـ فدفع اهلل العذاب بهؤالء الذين جلسوا مع النبي ‪r‬‬
‫أحد السلف في منامه من ينشد ويقول‪:‬‬ ‫ورأى‬
‫وآخرون لهم سرد يصومونا‬ ‫لوال الذين لهم ورد يصـلونـا‬
‫ألنكم قوم سو ٍء ما تطيعونـا‬ ‫لدكدكت( أرضكم من تحتكم سحراً‬

‫‪ ‬ويشهد لهذا المعنى أيضاً ما أخرجه اإلمام مسلم من حديث أبي موسى األشعري ‪ t‬أن‬
‫النبي ‪ r‬قال‪ ":‬أصحابي أمنة ألمتي‪ ،‬فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون "‬
‫ومعنى الحديث‪ :‬أن أصحاب النبي ‪ r‬األمان لألمة‪ ،‬ومن بعدهم كذلك‪ ،‬كلما كان فيهم صالح من‬
‫الصالحين إذ باهلل تعالى يجعله أمنة لهم وحفظاً لهم بما يقدم هلل تعالى من العمل الصالح‪ ،‬من ذكر ودعاء‬
‫وصيام وقيام وصالة ونصح للمسلمين‪ ،‬واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬والسعي في مصالح‬
‫المسلمين‪ ،‬والقيام على ما يصلح شئونهم‪ ،‬والدعوة إلى اهلل‪ ...‬وغير ذلك مما يكون سبب في دفع البالء‬
‫ت‬ ‫ض لَّفَ َ‬
‫س َد ِ‬ ‫ض ُه ْم بِبَ ْع ٍ‬
‫اس بَ ْع َ‬ ‫عن المؤمنين‪ ،‬وصدق ربنا تعالى حيث قال‪َ :‬‬
‫{ولَ ْوالَ َد ْف ُع هّللا ِ النَّ َ‬
‫ين } (البقرة‪)251 :‬‬ ‫ض ٍل َعلَى ا ْل َعالَ ِم َ‬ ‫األَ ْر ُ‬
‫ض َولَـ ِكنَّ هّللا َ ُذو فَ ْ‬

‫‪13‬‬
‫شهر شعبان والمنحة الربانية‬

‫‪ ‬شـعـبــان والمـنـحـة الـربــانـيـة ‪‬‬


‫مر بنا في الحديث الذي أخرجه الطبراني في األوسط من حديث محمد بن مسلمة ‪t‬‬
‫أن النبي ‪ r‬قال‪:‬‬
‫" إن لربكم في أيام دهركم نفحات‪ ،‬فتعرضوا لها‪ ،‬لعل أحدكم أن يصيبه منها نفحة‪ ،‬ال يشقى‬
‫بعدها أبداً "‬
‫فمن هذه النفحات الربانية على األمة المحمدية ( ليلة النصف من شعبان) وما أعظمها من ليلة ؟!‬
‫فقد أخرج ابن حبان والبيهقي في شعب اإليمان والطبراني في المعجم الكبير واألوسط‪،‬‬
‫وابن أبي عاصم في كتاب السنة عن معاذ بن جبل ‪ t‬أن النبي ‪ r‬قال‪:‬‬
‫"يطلع اهلل تبارك وتعالى إلى خلقه ليلة النصف من شعبان ؛ فيغفر لجميع خلقه‪ ،‬إال لمشرك‬
‫(السلسلة الصحيحة جـ ‪)1144 / 3‬‬
‫(‪)1‬‬
‫أو مشاحن "‬
‫ـ مشاحن‪ :‬أي مخاصم لمسلم أو مهاجر له‪.‬‬
‫أخرج ابن ماجة من حديث أبي موسى األشعري ‪ t‬أن النبي ‪ r‬قال‪:‬‬
‫"إن اهلل تعالى ليطلع في ليلة النصف من شعبان ؛ فيغفر لجميع خلقه‪ ،‬إال لمشرك أو مشاحن"‬
‫(صحيح الجامع‪)1819 :‬‬

‫وأخرج البزار في مسنده عن أبي هريرة ‪ t‬أن النبي ‪ r‬قال‪:‬‬


‫(السلسلة الصحيحة‪:‬جـ ‪)3‬‬ ‫"إذا كان ليلة النصف من شعبان؛ يغفر اهلل لعباده إال لمشرك أو مشاحن"‬
‫وأخرج البيهقى في شعب اإليمان‪ ،‬والطبراني في الكبير‪ ،‬وحسنة األلباني من حديث أبي‬
‫ثعلبة الخشني ‪ t‬أن النبي ‪ r‬قال‪:‬‬
‫" إذا كان ليلة النصف من شعبان‪ ،‬اطَّلع اهلل إلى خلقه ؛ فيغفر للمؤمنين‪ُ ،‬‬
‫ويملي للكافرين‪،‬‬
‫( صحيح الجامع‪)771 :‬‬ ‫ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه"‬
‫وعند البيهقي بسند صحيح عن كثير بن ُمرة ‪ t‬عن النبي ‪ r‬قال‪:‬‬
‫" في ليلة النصف من شعبان يغفر اهلل ‪ U‬ألهل األرض إال لمشرك أو مشاحن"‬

‫‪ ))1‬قال األلباني ـ رحمه هللا ـ كما في السلسلة الصحيحة جـ ‪ 3‬تعليقا ً على هذا الحديث ‪" :‬وجملة القول‪ :‬إن الحديث بمجموع هذه الطرق‬
‫صحيح بال ريب‪ ،‬والصحة تثبت بأقل منها عدداً‪ ،‬ما دامت سـالمة من الضعف الشديد كما هو الشـأن في هذا الحديـث‪،‬‬
‫فما نقله الشيخ القـاسمي ـ رحمه هللا ـ في إصالح المساجد صـ ‪ 107‬عن أهل التعديل والتجريح‪ " :‬أنه ليس في فضل ليلة النصف من‬
‫شعبان حديث ال يصح‪ ،‬فليس مما ينبغي االعتماد عليه‪ ،‬ولئن كان أحد منهم أطلق مثل هذا القول‪ ،‬فإنما أوتي من قبل التسرع‪ ،‬وعدم وسع‬
‫الجهد ؛ لتتبع الطرق على هذا النحو الذي بين يديكـ وهللا تعالى هو الموفق‪ .‬أهـ ‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫شهر شعبان والمنحة الربانية‬

‫وال يفوز بهذه الجائزة العظيمة‪ ،‬والمنحة الربانية الجليلة إال لمن خلُص توحيده من الشرك‪ ،‬وخلُص‬
‫صدره من الشحناء والغل والحسد‪.‬‬
‫ـ فكل منا ينظر إلى حال نفسه‪ ،‬فمن كانت فيه إحدى هاتين اآلفتين أو كلتيهما ؛ فليتخلص منهما اآلن قبل‬
‫ليلة النصف من شعبان‪ ،‬فليتخلص من الشرك‪ ،‬وليخلص التوحيد ويفرد اهلل بالعبادة‪ ،‬وليتخلص من‬
‫الشحناء وليخلص قلبه ليصبح سليم الصدر‪.‬‬
‫فالشرك والشحناء من الذنوب المانعة من المغفرة في هذا الشهر‪ ،‬وفي غيره‪.‬‬
‫فعليك أخي الحبيب‪ ...‬أن تتخلص من الشرك‬
‫فهو من أعظم الذنوب عند اهلل تعالى‪ ،‬وكذا قتل النفس والزنا‪،‬‬
‫وهذه الثالثة من أعظم الذنوب عند اهلل‬
‫كما جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم من حديث عبد اهلل بن مسعود ‪:t‬‬
‫"أنه سأل النبي ‪ r‬أي الذنب أعظم؟ قال‪ :‬أن تجعل هلل نداً وهو خلقك‪ (،‬قال‪ :‬ثم أي ؟ قال‪ :‬أن‬
‫تقتل ولدك خشية أن يطعم معك‪ ،‬قال‪ :‬ثم أي ؟ قال‪ :‬أن تزاني حليلة جارك‪ ،‬فأنزل اهلل تعالى‬
‫ق‬ ‫ون النَّ ْف َ‬
‫س الَّتِي َح َّر َم هَّللا ُ إِاَّل بِا ْل َح ِّ‬ ‫ُون َم َع هَّللا ِ إِلَها ً َ‬
‫آخ َر َواَل يَ ْقتُلُ َ‬ ‫ين اَل يَ ْدع َ‬ ‫تصديق ذلك‪َ { :‬والَّ ِذ َ‬
‫اب يَ ْو َم ا ْلقِيَا َم ِة َويَ ْخلُ ْد فِي ِه ُم َهاناً}‬ ‫ق أَثَاماً{‪ }68‬يُ َ‬
‫ضاعَفْ لَهُ ا ْل َع َذ ُ‬ ‫ون َو َمن يَ ْف َع ْل َذلِ َك يَ ْل َ‬
‫َواَل يَ ْزنُ َ‬
‫(الفرقان‪" )69-68 :‬‬
‫هو الذنب الوحيد الذي ال يغفره اهلل إذا مات صاحبه عليه‬ ‫فالـشـرك‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫(النساء‪، 48 :‬‬ ‫كما قال تعالى‪{ :‬إِنَّ هّللا َ الَ يَ ْغفِ ُر أَن يُش َْركَ بِ ِه َويَ ْغفِ ُر َما د َ‬
‫ُون َذلِكَ لِ َمن يَشَا ُء‪} ...‬‬
‫‪)116‬‬

‫بل سيكون عقاب المشرك الحرمان من الجنة‪ ،‬ويغضب عليه الجبار‪ ،‬ويدخله النار‪ ،‬كما قال تعالى‪:‬‬
‫ر} ( المائدة‪:‬‬
‫صا ٍ‬ ‫ش ِركْ بِاهّلل ِ فَقَ ْد َح َّر َم هّللا ُ َعلَي ِه ا ْل َجنَّةَ َو َمأْ َواهُ النَّا ُر َو َما لِلظَّالِ ِم َ‬
‫ين ِمنْ أَن َ‬ ‫{إِنَّهُ َمن يُ ْ‬
‫‪)72‬‬

‫وطم‪ ،‬فتعلق البعض باألنداد والشركاء‪ ،‬وتعلق قلبه بغير اهلل‪.‬‬


‫وعم َّ‬
‫وقد كثر الشرك َّ‬
‫فطاف بالقبور ودعا المقبور ونذر له واستعان به‪ ،‬وخاف منه‪ ،‬وتوكل عليه‪ ،‬واستغاث به‬
‫ومن صور الشرك‪ :‬الحلف بغير اهلل ( وهو شرك أصغر)‬
‫ومن صور الشرك في هذا الزمان‪ :‬الطيرة‪ :‬وهو ما يعرف بالتشاؤم‪ ،‬ولبس الحظاظة‪ ،‬والخرزة‬
‫الزرقاء‪ ،‬وقرن الفلفل األحمر‪ ،‬والخمسة وخميسة‪ ،‬وحدوة الحصان‪ ،‬ونجمة البحر‪ ،‬وتعليق الحذاء على‬

‫‪15‬‬
‫شهر شعبان والمنحة الربانية‬

‫السيارات‪ ،‬ورش الملح في المناسبات‪ ...‬وغير ذلك من ِ‬


‫الش ْركيات التي ال ترضي رب األرض‬
‫والسماوات‪.‬‬
‫وأخلص توحيده هلل‪ ،‬فاز بجوائز عديدة منها‪:‬‬
‫فمن تخلص من الشرك ْ‬
‫‪ .1‬الفوز بالمغفرة ليلة النصف من شعبان‪.‬‬
‫‪ .2‬يبدل اهلل سيئاته حسنات‪ ،‬كما قال تعالى‪:‬‬
‫ان هَّللا ُ َغفُوراً‬ ‫سنَا ٍ‬
‫ت َو َك َ‬ ‫صالِحا ً فَأ ُ ْولَئِكَ يُبَ ِّد ُل هَّللا ُ َ‬
‫سيِّئَاتِ ِه ْم َح َ‬ ‫{إِاَّل َمن ت َ‬
‫َاب َوآ َم َن َو َع ِم َل َع َمالً َ‬
‫َّر ِحيما ً } (الفرقان‪)70:‬‬
‫‪ .3‬يغفر اهلل له ذنوبه( مهما كانت‪ ،‬طالما أنه ال يشرك باهلل شيئاً‪.‬‬
‫(النساء‪، 48 :‬‬ ‫ُون َذلِكَ لِ َمن يَشَا ُء‪} ...‬‬ ‫كما قال تعالى‪{ :‬إِنَّ هّللا َ الَ يَ ْغفِ ُر أَن يُ ْ‬
‫ش َركَ بِ ِه َويَ ْغفِ ُر َما د َ‬
‫‪)116‬‬

‫وكما في الحديث القدسي الذي أخرجه الترمذي‪" :‬يا ابن آدم‪ ،‬لو آتيتني بقراب (‪ )1‬األرض‬
‫خطايا‪ ،‬ثم لقيتني ال تُشرك بي شيئاً؛ ألتيتك بقرابها مغفرة"‬
‫(‪ )1‬قراب األرض‪ :‬أي ما يقارب ملء األرض‪.‬‬
‫وإ خالص التوحيد‪ ،‬ونبذ الشرك من األمور المهمة‪ ،‬بل هي أهم األمور‪ ،‬وقد أُف ِْردت لها المجلدات‪،‬‬
‫وتناولها العلماء بالشرح والتحليل‪ ،‬وال يتسع المقام هنا للكالم عن هذا الموضوع المهم‪ ،‬إنما هذه فقط‬
‫إشارات لبيان أهمية( األمر‪.‬‬
‫‪ ‬أما الشحناء‬
‫وهي حقد المسلم على أخيه المسلم بغضاً له ولهوى نفسه‪ .‬فعلى اإلنسان أن يتخلص منها‪ ،‬فهي المانعة‬
‫من المغفرة‪ ،‬ليس في ليلة النصف من شعبان فقط‪ ،‬بل في جميع أوقات المغفرة والرحمة‪.‬‬
‫كما جاء في الحديث الذي أخرجه اإلمام مسلم من حديث أبي هريرة ‪ t‬أن النبي ‪ r‬قال‪:‬‬
‫في ْغفَر لكل عبد ال يشرك باهلل شيئاً‪ ،‬إال رجالً كانت‬
‫"تفتح أبواب الجنة يوم االثنين والخميس‪ُ ،‬‬
‫بينه وبين أخيه شحناء‪ ،‬فيقال‪ :‬انظروا هذين حتى يصطلحا"‬
‫أخرج ابن ماجة من حديث أبي هريرة ‪ t‬قال‪:‬‬
‫" كان النبي ‪ r‬يصوم االثنين والخميس‪ ،‬فقيل له‪ :‬يا رسول اهلل‪ .‬إنك تصوم االثنين‬
‫والخميس‪ ،‬فقال‪ :‬إن يوم االثنين والخميس ِ‬
‫يغفر اهلل فيهما لكل مسلم إال من مهتجرين‪،‬‬
‫فيقول‪ :‬دعوهما حتى يصطلحا‪".‬‬

‫‪16‬‬
‫شهر شعبان والمنحة الربانية‬

‫سئل في ذلك)‬ ‫وعند اإلمام أحمد بلفظ‪ ":‬كان أكثر ما يصوم االثنين والخميس‪ ،‬فقيل له‪( :‬أي ُ‬
‫قال‪ :‬إن األعمال تعرض كل اثنين وخميس‪ ،‬فيغفر لكل مسلم ـ أو لكل مؤمن ـ إال‬
‫( صحيح الجامع‪)4804 :‬‬ ‫المتهاجرين‪ ،‬فيقول ِّ‬
‫أخرهما"‪.‬‬
‫فمن لم ينزع الشحناء من صدره حتى يفوز بهذه الجائزة العظيمة في ليلة النصف من شعبان‪ :‬وهي‬
‫مغفرة الرحمن‪ ،‬أتراه يتحصل على المغفرة في رمضان ؟! كيف وقد فاتته في موسم الغفران‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫شهر شعبان والمنحة الربانية‬

‫ِ‬
‫اصطلح مع َمن خاصمته‪ ،‬وأبدأ‬ ‫فهيا‪ ...‬هيا من اآلن‪ ...‬أخي الحبيب‪ ...‬كبِّر على الشحناء أربع تكبيرات‪،‬‬
‫أنت بالسالم حتى تكون من خير األنام‪.‬‬
‫فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي أيوب األنصاري أن رسول اهلل ‪ r‬قال‪:‬‬
‫يهجر أخاه فوق ثالث ٍ‬
‫ليال‪ ،‬يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا‪ ،‬وخيرهما‬ ‫" ال يحل لمسلم أن ُ‬
‫الذي يبدأ بالسالم‪" .‬‬
‫سيِّئَةُ ا ْدفَ ْع بِالَّتِي ِه َي أَ ْح َ‬
‫سنُ فَإِ َذا الَّ ِذي بَ ْينَكَ َوبَ ْينَهُ‬ ‫سنَةُ َواَل ال َّ‬
‫ستَ ِوي ا ْل َح َ‬
‫{واَل تَ ْ‬‫وقال تعالى‪َ :‬‬
‫َع َدا َوةٌ َكأَنَّهُ َولِ ٌّي َح ِمي ٌم }‬
‫(فصلت‪)34:‬‬

‫عمن ظلمك‪ ،‬واعط من حرمك " كما وصاك النبي ‪r‬‬ ‫صل َمن قطعك‪ ،‬واعف َّ‬ ‫فهيا‪ ...‬هيا ِ‬
‫هيا‪ ...‬هيا اعملوا بوصية رب العالمين‪ ،‬حيث قال في كتابه الكريم‪{:‬فَاتَّقُو ْا هّللا َ َوأَ ْ‬
‫صلِ ُحو ْا َذاتَ بِ ْينِ ُك ْم }‬
‫(األنفال‪)1:‬‬

‫أي‪ :‬أصلحوا حقيقة ما بينكم بالمودة وترك النزاع‪.‬‬


‫منا رب العالمين‪ ،‬وأما ما يريده الشيطان اللعين‪ ،‬فقد أخبرنا عنه رب العالمين فقال‪:‬‬ ‫هذا ما يريده َّ‬
‫ضاء} المائدة‪)91 :‬‬ ‫ش ْيطَانُ أَن يُوقِ َع بَ ْينَ ُك ُم ا ْل َع َد َ‬
‫اوةَ َوا ْلبَ ْغ َ‬ ‫{إِنَّ َما يُ ِري ُد ال َّ‬

‫فمن تطيع؟! قبل أن تجيب اسمع هذا الحديث‪:‬‬‫َ‬


‫حديث أخرجه أبو داود وأحمد والبخاري في األدب والترمذي من حديث أبى الدرداء قال‪:‬‬
‫قال رسول اهلل ‪:r‬‬
‫"أال أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصالة والصدقة؟ قالوا‪ :‬بلى يا رسول اهلل‪.‬‬
‫قال‪ :‬إصالح ذات البين‪ ،‬وفساد ذات البين هي الحالقة "‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫شهر شعبان والمنحة الربانية‬

‫هيا‪ ...‬هيا اعملوا بوصية الرسول األمين‪.‬‬


‫فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أنس ‪ t‬أن رسول اهلل ‪ r‬قال‪:‬‬
‫" ال تباغضوا وال تحاسدوا وال تدابروا‪ ،‬و ُكونوا عباد اهلل إخواناً‪ ،‬وال ُّ‬
‫يحل لمسلم أن يهجر‬
‫أخاه فوق ثالث"‬

‫فهل يتصور بعد هذا الكالم أن يكون في قلبك شحناء أو بغضاء ألحد؟!‪.‬‬
‫ـ إذا قلت مازلت أجد هذا في صدري‬
‫وصى به رسول اهلل ‪ r‬حيث قال‪:‬‬
‫فأنا أوصيك بما َّ‬
‫"أال أخبركم بما يذهب وحر الصدر ـ أي حقده وحسده ـ قالوا‪ :‬بلى يا رسول اهلل‪ ،‬قال صوم‬
‫ثالثة أيام من كل شهر"‪.‬‬

‫ـ وإ ذا قلت لي‪ :‬ذهب عني ما أجد وأصبحت سليم الصدر‪ ،‬وال أحمل في قلبي غالً‪،‬‬
‫وال حقداً‪ ،‬وال غشاً‪ ،‬وال حسداً‪ ،‬وال شحناء‪ ،‬وال بغضاء ألحد‪ ...‬والحمد هلل‬
‫فأنا أقول لك‪ :‬أبشر فلقد أصبحت أفضل الناس‪.‬‬
‫فقد أخرج ابن ماجة بسند صحيح عن عبد اهلل بن عمرو ـ رضي اهلل عنهما ـ قال‪:‬‬
‫"قيل يا رسول اهلل‪ :‬أي الناس أفضل؟ قال‪ :‬كل مخموم القلب‪ ،‬صدوق اللسان‪ .‬قالوا‪ :‬صدوق‬
‫اللسان نعرفه‪ ،‬فما مخموم القلب؟ قال‪ :‬هو النقي الذي ال إثم فيه‪ ،‬وال بغي وال غل وال حسد"‬
‫ـ مخموم القلب‪ :‬طاهر القلب نظيفه‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫شهر شعبان والمنحة الربانية‬

‫وأبشرك وأقول لك‪ :‬إن سالمة صدرك إلخوانك سبب لدخولك الجنة‪.‬‬
‫فقد أخرج اإلمام أحمد من حديث أنس بن مالك ‪ t‬قال‪:‬‬
‫" كنا جلوساً مع رسول اهلل ‪ r‬فقال‪ :‬يطلع عليكم اآلن رجل من أهل الجنة‪.‬‬
‫فطلع رجل من األنصار تنطف لحيته(‪" )1‬من وضوئه"‪ ،‬وقد تعلق نعليه في يديه الشمال‬
‫فلما كان الغد قال النبي ‪ r‬مثل ذلك‪ :‬فطلع ذلك الرجل مثل المرة األولى‪.‬‬
‫فلما كان اليوم الثالث‪ :‬قال النبي‪r‬مثل مقالته أيضاً‪ ،‬فطلع ذلك الرجل على مثل حالة األولى‬
‫أبي(‬ ‫فلما قام النبي ‪ r‬تبعه عبد اهلل بن عمرو بن العاص (أي تابع الرجل)‪ ،‬فقال‪ :‬إني الحيت‬
‫‪ ،)2‬فأقسمت أال أدخل عليه ثالثاً‪ ،‬فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمض فعلت‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪،‬‬
‫قال أنس‪ :‬وكان عبد اهلل يحدث أنه بات معه الليالي الثالث‪ ،‬فلم يره يقوم من الليل شيئاً‬
‫غير أنه إذا تعار وتقلَّب على فراشه ذكر اهلل ‪ U‬حتى يقوم لصالة الفجر‪.‬‬
‫قال عبد اهلل‪ :‬غير أني لم أسمعه يقول إال خيراً‪ .‬فلما مضت الثالث ٍ‬
‫ليال‪ ،‬وكدت أحتقر‬
‫عمله‪ .‬قلت‪ :‬يا عبد اهلل إني لم يكن بيني وبين أبي غضب وال هجر‪ ،‬ولكني سمعت رسول‬
‫اهلل ‪ r‬يقول لك ثالث مرار‪ :‬يطلع عليكم اآلن رجل من أهل الجنة‪ ،‬فطلعت أنت الثالث مرار‪،‬‬
‫فأردت أن آوى إليك ألنظر ما عملك فأقتدي به‪ ،‬فلم أرك تعمل كثير عمل‪ ،‬فما الذي بلغ بك‬
‫ما قال رسول اهلل ‪ ،r‬فقال‪ :‬ما هو إال ما رأيت‪ ،‬قال‪ :‬فلما وليت دعاني‪ ،‬فقال‪ :‬ما هو إال ما‬
‫رأيت‪ ،‬غير أني ال أجد في نفسي ٍ‬
‫ألحد من المسلمين غشاً‪ ،‬وال أحسد أحداً على خير أعطاه‬
‫اهلل إياه‪ ،.‬فقال عبد اهلل‪ :‬هذه التي بلغت بك‪ ،‬وهي التي ال نطيق‪.‬‬
‫(‪ )1‬تنطف لحيته‪ :‬يتساقط منها الماء‪.‬‬
‫(‪ )2‬الحيت أبي‪ :‬أي نازعته‪.‬‬
‫فهيا أخي‪ ...‬هيا ‪ ...‬طهر قلبك وكن سليم الصدر إلخوانك لتسعد في الدنيا واآلخرة‪ ،‬ودائماً وأبداً‬
‫ِّ‬
‫رد ْد كما كان أسالفك يرددون‪:‬‬
‫ان َواَل ت َْج َع ْل فِي قُلُوبِنَا ِغاّل ً لِّلَّ ِذ َ‬
‫ين آ َمنُوا َربَّنَا‬ ‫سبَقُونَا بِاإْل ِ ي َم ِ‬ ‫{ َربَّنَا ا ْغفِ ْر لَنَا َوإِل ِ ْخ َوانِنَا الَّ ِذ َ‬
‫ين َ‬
‫حي ٌم }(الحشر‪)10 :‬‬ ‫إِنَّكَ َر ُؤوفٌ َّر ِ‬
‫يطهرها من‬ ‫نسأل اهلل أن ُيؤلِّف بين قلوب المسلمين‪ ،‬وال يجعل فيها غالً وال حسداً‪ ،‬وأن ِّ‬
‫الشحناء والبغضاء ‪ ...‬آمين‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫شهر شعبان والمنحة الربانية‬

‫ليلة النصف من شعبان وما يتعلق بها من بدع وخرافات‪:‬‬


‫ذهب بعض الناس‪ :‬إلى تخصيص ليلة النصف من شعبان بصيام وقيام دون غيرها‪ ،‬وهذا ال أصل له‪،‬‬
‫ومن قال بخالف هذا‪ :‬فمستنده أحاديث ضعيفة وموضوعة‪ ،‬ومنها حديث‪:‬‬
‫"يا علي َمن صلَّى مائة ركعة ليلة النصف من شعبان‪ ،‬يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وقل‬
‫هو اهلل أحد عشر مرات‪ ،‬إال قضى اهلل له كل حاجة"‪.‬‬
‫قال اإلمام الشوكاني في كتابه "الفوائد المجموعة"‪:‬‬
‫" هذا حديث موضوع " وكذا أخرجه ابن الجوزي في كتابه "الموضوعات"‪.‬‬
‫وذكر ابن القيم ـ رحمه اهلل ـ في كتابه القيم "المنار المنيف في الصحيح والضعيف" صـ‬
‫‪ ،90‬هذا الحديث وفيه‪" :‬يا علي َمن صلَّى ليلة النصف من شعبان مائة ركعة بألف (قل هو‬
‫اهلل أحد) قضى اهلل له كل حاجة طلبها تلك الليلة ـ وساق خرافات كثيرة ـ‪ ،‬وأعطي سبعين‬
‫ألف حوراء‪ ،‬لكل حوراء سبعون ألف غالم وسبعون ألف والدن‪ ،‬إلى أن قال‪ :‬ويشفع والده‬
‫كل واحد منهما في سبعين ألفاً‪".‬‬
‫والعجب ممن شم رائحة العلم بالسنن أن يغتر بمثل هذا الهذيان ويصليها‪ .‬وهذه الصالة وضعت في‬
‫اإلسالم بعد األربعمائة‪ ،‬ونشأت من بيت المقدس‪ .‬فوضع لها عدة أحاديث منها‪:‬‬
‫"من قرأ ليلة النصف من شعبان ألف مرة ( قل هو اهلل أحد ) في مائة ركعة‪(...‬‬
‫ـ الحديث بطوله ـ وفيه‪ ...":‬بعث اهلل إليه مائة ملك يبشرونه"‬
‫"من صلَّى ليلة النصف من شعبان اثنتى عشرة ركعة‪ ،‬يقرأ في كل ركعة ثالثين‬
‫وحديث‪َ :‬‬
‫شفِّع في عشرة من أهل بيته‪ ،‬قد استوجبوا النار"‬
‫مرة ( قل هو اهلل أحد) ُ‬
‫وغير ذلك من األحاديث التي ال يصح فيها شيء"‪ .‬أهـ من كالم ابن القيم ـ رحمه اهلل ـ‪.‬‬

‫ـ وكذلك صالة الست ركعات في ليلة النصف َّ‬


‫بنية دفع البالء‪ ،‬وطول العمر‪ ،‬واالستغناء عن الناس‪،‬‬
‫وقـراءة " يس"‪ ،‬والدعاء بين ذلك ال شك أنه حدث في الديـن‪ ،‬ومخـالفة لسنة سيد المرسليـن (عليه الصالة‬
‫والسالم)‬

‫ـ وكذلك اجتماع بعض الناس بعد صالة المغرب والعشاء ويقرءون سورة " يس" ثالث مرات‪:‬‬
‫وذلك بصوت جماعي ويقول اإلمام‪ " :‬اقرءوا‪ .‬الدعاء بعد ذلك" وهذا كله باطل ال دليل عليه‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫شهر شعبان والمنحة الربانية‬

‫وقال شارح اإلحياء‪ " :‬وهذه الصالة مشهورة في كتب المتأخرين من السادة الصوفية‪ ،‬ولم أر لها وال‬
‫لدعائها مستنداً صحيحاً في السنة‪ ،‬وقد قال أصحابنا‪" :‬إنه يكره االجتماع على إحياء ليلة من هذه الليالي‬
‫(السنن والمبتدعات صـ ‪)128‬‬ ‫في المساجد وغيرها "‪.‬‬
‫وقال اإلمام القتني في "تذكرة الموضوعات"‪(:‬‬
‫"ومما أُحدث في ليلة النصف (الصالة األلفية) مائة ركعة باإلخالص‪ ،‬عشراً عشراً بالجماعة‪ ،‬واهتموا‬
‫بها أكثر من الجمع واألعياد‪ ،‬ولم يأت بها خبر وال أثر إال ضعيف أو موضوع‪ ،‬وال يغتر بذكره لها‬
‫صاحب القوت واإلحياء‪ ...‬وغيرهم‪ ،‬وال بذكر الثعلبي إنها ليلة القدر‪ .‬أهـ‬
‫( السنن والمبتدعات للشقيري صـ ‪)128‬‬
‫قال ابن رجب في "لطائف المعارف" صـ ‪:191‬‬
‫"وليلة النصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام‪ :‬كخالد بن معدان‪ ،‬ومكحول‪ ،‬ولقمان بن عامر‪...‬‬
‫وغيرهم يعظمونهم ويجتهدون فيها في العبادة‪ ،‬وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها‪ ،‬وقد قيل‪ :‬إنه بلغهم‬
‫في ذلك آثار إسرائيلية‪ ،‬وأنكر ذلك علماء الحجاز‪ ،‬ومنهم عطاء‪ ،‬وابن أبي ُمليكة‪ ،‬ومالك‪ ....‬وغيرهم‪.‬‬
‫وقالوا‪ :‬ذلك كله بدعة‪ .‬أهـ‪.‬‬
‫وحديث‪" :‬إذا كانت ليلة النصف من شعبان‪ ،‬فقوموا ليلها‪ ،‬وصوموا نهارها‪ ،‬فإن اهلل تبارك‬
‫ٍ‬
‫مستغفر فأغفر له ؟ أال‬ ‫وتعالى ينـزل فيها لغروب الشمس إلى السماء الدنيا‪ ،‬فيقول‪ :‬أال من‬
‫مسترز ٍ‬
‫ق فأرزقه ؟ أال مبتلى فأعافيه؟ أال سائل فأعطيه‪ ‬؟ أال كذا‪.‬أال كذا ؟ حتى يطلع‬
‫(حديث موضوع أيضاً)‬ ‫الفجر"‪.‬‬
‫وحديث‪ " :‬من أحيا الليالي األربع‪ ،‬وجبت له الجنة‪ :‬ليلة التروية‪ ،‬وليلة عرفة‪ ،‬وليلة‬
‫النحر‪ ،‬وليلة الفطر‪ "...‬والحديث أورده المنذري في الترغيب بلفظ‪" :‬الليـالي الخمس"‬
‫فذكره وزاد في آخره‪ " :‬وليلة النصف من شعبان" وأشار المنذري إلى ضعفه أو وضعه‪.‬‬
‫قال الحافظ العراقي‪ ":‬حديث‪ :‬صالة ليلة النصف (موضوع) على رسول اهلل ‪ r‬وكذب عليه"‬
‫قال اإلمام النووى في المجموع ( ‪:)3/549‬‬
‫ٍ‬
‫ركعة بين المغرب والعشاء‪ ،‬وليلة أول جمعة من‬ ‫"الصالة المعروفة بصالة الرغائب‪ :‬وهي اثنتا عشرة‬
‫رجب‪ ،‬وصالة ليلة النصف من شعبان مائة ركعة‪ ،‬هاتان الصالتان بدعتان منكرتان‪ ،‬وال ُيغتر بذكرهما‬
‫في كتاب قوت القلوب وإ حياء علوم الدين‪ ،‬وال بالحديث المذكور فيهما‪ ،‬فإن كل ذلك باطل‪ ،‬وال يغتر‬
‫ببعض من اشتبه عليه حكمهما من األئمة‪ ،‬فصنف ورقات في استحبابها فإنه غالط في ذلك‪.‬أهـ‬
‫قال ابن رجب ـ رحمه اهلل ـ في "لطائف المعارف"‪:‬‬

‫‪22‬‬
‫شهر شعبان والمنحة الربانية‬

‫" ويكره االجتماع لها في المساجد للصالة والدعاء‪ ،‬والقصص"‬


‫قال الشيخ محمود شلتوت ـ رحمه اهلل ـ شيخ األزهر سابقاً‪:‬‬
‫"اعتقاد العامة وأشباههم أن ليلة النصف من شعبان ليلة ذات مكانة خاصة عند اهلل‪ ،‬وأن االجتماع‬
‫إلحيائها بالذكر والعبادة والدعاء والقرآن مشروع ومطلوب وتبع ذلك أن وضع لهم في إحيائهم نظام‬
‫خاص يجتمعون في المسجد ويصلون صالة باسم صالة النصف من شعبان‪ ،‬ثم يقرءون سورة "يس" ثم‬
‫ـ حتى قال‪ :‬والذي صح عن النبي ‪ r‬إنما هو‬ ‫(‪)1‬‬
‫يبتهلون بدعاء معروف ( دعاء النصف من شعبان)‬
‫فضل شهر شعبان كله وفيه اإلكثار من الصوم‪ ،‬أما خصوص ليلة النصف واالجتماع إلحيائها وصالتها‬
‫ودعائها لم يرد فيها شيء صحيح عن النبي ‪ r‬ولم يعرفها أحد من أهل الصدر األول‪.‬‬
‫(الفتاوى للشيخ محمود شلتوت دار الشروق صـ ‪ 188‬طبعة ‪6/1972‬م)‬

‫وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (‪:)3/49‬‬


‫االحتفال بليلة النصف من شعبان بالصالة أو غيرها أو تخصيص يومها بالصيام بدعة منكرة عند أهل‬
‫العلم وليس له أصل في الشرع المطهر بل هو مما حدث في اإلسالم بعد عصر الصحابة ـ رضي اهلل‬
‫عنهم ـ ويكفي طالب الحق قول اهلل ‪:U‬‬
‫(المائدة‪)3:‬‬ ‫سالَ َم }‬
‫اإل ْ‬ ‫{ا ْليَ ْو َم أَ ْك َم ْلتُ لَ ُك ْم ِدينَ ُك ْم َوأَ ْت َم ْمتُ َعلَ ْي ُك ْم نِ ْع َمتِي َو َر ِ‬
‫ضيتُ لَ ُك ُم ِ‬
‫وقول النبي ‪ ":r‬من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" أهـ‪.‬‬
‫وخالصة المسألة‪:‬‬
‫والذي عليه جمهور العلماء‪ :‬أن تخصيص ليلة النصف من شعبان بشيء من العبادة سواء االحتفال بها‬
‫أو تخصيص يومها بصيام أو ليلها بقيام فكل ذلك من البدع‪ ،‬وكذلك اتخاذ شعبان موسماً تصنع فيه‬
‫األطعمة وتظهر فيه الزينة‪ ،‬فهذا مما ال أصل له وهو من المواسم المحدثة المبتدعة"‬
‫(اقتضاء الصراط المستقيم صـ ‪)436‬‬

‫مالحظة‪ :‬جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (‪:)11/385‬‬


‫"ال حرج على المسلم في صيام النصف من شعبان إن وافق صيامه الثالث أيام البيض (الثالث عشر‪،‬‬
‫والرابع عشر‪ ،‬والخامس عشر) وكذلك االثنين أو الخميس‪ ،‬أما تخصيص اليوم الموافق لنصف من‬
‫شعبان بالصوم فمكروه وال دليل عليه"‬

‫‪ ))1‬ودعاء النصف من شعبان البدعى الذي يشير إليه الشيخ محمود شتلتوت‪ -‬رحمه هللا‪-‬هو‪ " :‬اللهم إن كنت كتبتني عندك في أم الكتاب‬
‫فامح اللهم بفضلك شقاوتي وحرماني وطردي وإقتار رزقي‪ ،‬وأثبتني عندك في أم‬ ‫ُ‬ ‫شقيا ً أو محروما ً أو مطروداً أو ُمقتَّراً علي في الرزق‪،‬‬
‫الكتاب سعيداً موفقا ً للخيرات فإنك قلت ـ وقولك الحق ـ في كتابك ال ُمن َّزل على لسان نبيك المرسل‪{ :‬يَ ْم ُحو هّللا ُ َما يَشَا ُء َويُ ْثبِتُ َو ِعن َدهُ أُ ُّم‬
‫ب } ( الرعد‪ ،)39 :‬وقد أشار شارح اإلحياء وصاحب أسنى المطالب وغيرهما من أهل العلم إلى أن هذا الدعاء ال اصل له وال مستند"‬ ‫ا ْل ِكتَا ِ‬

‫‪23‬‬
‫شهر شعبان والمنحة الربانية‬

‫اعتقادات وأفعال خاطئة خاصة بليلة النصف من شعبان‪:‬‬


‫‪ ‬االعتقاد أن ليلة النصف من شعبان هي ليلة القدر‪:‬‬
‫ذكر الثعلبي في تفسيره أن ليلة النصف من شعبان هي ليلة القدر‪ ،‬وقال غيره‪ :‬إنها الليلة المباركة‬
‫ين} (الدخان‪ ،)3:‬لكن هذا الكالم غلط‬ ‫المقصودة بقوله تعالى‪{ :‬إِنَّا أَ َ‬
‫نز ْلنَاهُ فِي لَ ْيلَ ٍة ُّمبَا َر َك ٍة إِنَّا ُكنَّا ُمن ِذ ِر َ‬
‫واضح أبطله اإلمام ابن كثير ـ رحمه اهلل ـ في تفسيره‪.‬‬
‫يقول ابن العربي ـ رحمه اهلل ـ‪:‬‬
‫"من قال إن المقصود باآلية‪ :‬ليلة النصف من شعبان فقد أعظم الفرية على اهلل"‪.‬‬
‫وقال أيضاً ـ رحمه اهلل ـ كما في شرح الترمذي‪:‬‬
‫ين} أنها في ليلة‬ ‫وقد ذكر بعض المفسرين أن قوله تعالى‪{:‬إِنَّا أَ َ‬
‫نز ْلنَاهُ فِي لَ ْيلَ ٍة ُّمبَ َ‬
‫ار َك ٍة إِنَّا ُكنَّا ُمن ِذ ِر َ‬
‫النصف من شعبان‪ ،‬وهذا باطل؛ ألن اهلل لم ينزل القرآن في شعبان‪ ،‬وإ نما قال‪{:‬إِنَّا أَ َ‬
‫نز ْلنَاهُ فِي لَ ْيلَ ِة‬
‫ا ْلقَ ْد ِر}‬
‫(القدر‪)1:‬‬
‫(البقرة‪)185:‬‬ ‫ي أُن ِز َل فِي ِه ا ْلقُ ْرآنُ }‬
‫ان الَّ ِذ َ‬
‫ض َ‬ ‫وليلة القدر في رمضان‪ ،‬وقد قال تعالى‪َ { :‬‬
‫ش ْه ُر َر َم َ‬
‫فهذا كالم َمن تعدى على كتاب اهلل ولم يبال ما تكلم به‪ ،‬ونحن نحذركم من ذلك‪ ،‬فإنه قال أيضاً‪:‬‬
‫ق ُك ُّل أَ ْم ٍر َح ِك ٍ‬
‫يم} (الدخان‪ ،)4:‬وإ نما تقرر األمور للمالئكة في ليلة القدر المباركة ال في ليلة‬ ‫{فِي َها يُ ْف َر ُ‬
‫النصف من شعبان‪ .‬أهـ‬

‫‪ ‬االعتقاد أن ليلة النصف من شعبان لها نفس أجر ليلة القدر‪:‬‬


‫وهذا غلط واضح ال دليل عليه‬
‫وقد قيل البن أبي مليكة‪:‬‬
‫قاصاً) يقول‪" :‬إن أجر ليلة النصف من شعبان كأجر ليلة القدر‬
‫إن زياداً النميري (وكان َّ‬
‫فقال ابن أبي مليكة‪ :‬لو سمعته وبيدي عصا لضربته"‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫شهر شعبان والمنحة الربانية‬

‫شعبان‪:‬‬ ‫‪ ‬االعتقاد أنه ُيكتب على كل نفس أجلها في ليلة النصف من‬
‫وذلك للحديث الذي أخرجه أبو يعلى عن عائشة ـ رضي اهلل عنها ـ‪:‬‬
‫" أن النبي ‪ r‬كان يصوم شعبان كله‪ ،‬قالت عائشة‪ :‬يا رسول اهلل أحب الشهور إليك أن‬
‫تصوم شعبان؟ قال‪ :‬إن اهلل يكتب على كل نفس ميتة تلك السنة‪ ،‬فأحب أن يأتيني أجلى وأنا‬
‫صائم"‬
‫لكن الحديث منكر ال يعول عليه‪ ،‬لذا فإن هذا االعتقاد فاسد‪.‬‬

‫‪ ‬وقالوا إن ليلة النصف من شعبان تسمي ليلة الحياة‪:‬‬


‫فال يموت فيها أحداً أبداً‪ ،‬ولو مات فيها أحد قالوا‪ :‬لقد أخطأ الناس حساب هذه الليلة‪.‬‬

‫‪ ‬وقالوا أيضاً‪ :‬إن هذه الليلة تسمي الرحمة والغفران‪ ،‬وهي ليلة الصالة على‬
‫النبي ‪:r‬‬
‫صلُّوا َعلَ ْي ِه‬ ‫ون َعلَى النَّبِ ِّي يَا أَيُّ َها الَّ ِذ َ‬
‫ين آ َمنُوا َ‬ ‫ألن اهلل أنزل فيها‪{ :‬إِنَّ هَّللا َ َو َماَل ئِ َكتَهُ يُ َ‬
‫صلُّ َ‬
‫سلِيماً}(األحزاب‪)56 :‬‬ ‫سلِّ ُموا تَ ْ‬
‫َو َ‬
‫وهذا كله كالم باطل ال دليل عليه‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫شهر شعبان والمنحة الربانية‬

‫تتمة للفائدة فهذه باقة من األحاديث الضعيفة والموضوعة في فضل شعبان ومنها‪:‬‬
‫سمي رمضان؛ ألنه يرمض‬
‫"تدرون لما سمي شعبان؟ ألنه يشعب فيه خير كثير‪ ،‬وإ نما ُ‬
‫الذنوب‪ ،‬أي يدنيها من الحر‪( "...‬موضوع)‬

‫الج َّنة" (موضوع)‬


‫يتشعب فيه خير كثير للصائم فيه حتى يدخل َ‬
‫َّ‬ ‫س ِّمي شعبان؛ ألنه‬
‫"إنما ُ‬

‫"رجب شهر اهلل‪ ،‬وشعبان شهري‪ ،‬ورمضان شهر أمتي‪ ،‬فمًن صام من رجب يومين فله من‬
‫األجر ضعفان‪ ،‬ووزن كل ضعف مثل جبال الدنيا"‪(.‬موضوع)‬

‫المكفِّر" (موضوع)‬
‫طهر‪ ،‬ورمضان ُ‬
‫الم ِّ‬
‫"شعبان شهري‪ ،‬ورمضان شهر اهلل‪ ،‬وشعبان ُ‬

‫المكفِّر" ‪ ‬‬
‫طهر‪ ،‬ورمضان ُ‬
‫الم ِّ‬
‫"شهر رمضان شهر اهلل‪ ،‬وشهر شعبان شهري‪ ،‬شعبان ُ‬
‫(ضعيف جداً)‬

‫"خيرة اهلل من الشهور شهر رجب‪ ،‬وهو شهر اهلل‪َ ،‬من عظَّم شهر رجب فقد عظم أمر اهلل‪،‬‬
‫ظم أمر اهلل أدخله جنات النعيم وأوجب له‪ ،‬وشعبان شهري فمن َع َّ‬
‫ظم شعبان فقد‬ ‫ومن َع َّ‬
‫َ‬
‫ومن عظم أمري كنت له فرطاً وذخراً يوم القيامة‪ ،‬وشهر رمضان شهر أمتي‬ ‫َّ‬
‫َعظم أمري‪َ ،‬‬
‫ظم حرمته ولم ينتهكه‪ ،‬وصام نهاره وقام ليله‪ ،‬وحفظ جوارحه‬ ‫وع َّ‬
‫ظم شهر رمضان َ‬ ‫فمن َع َّ‬
‫َ‬
‫خرج من رمضان وليس عليه ذنب يطلبه اهلل به" (منكر)‬

‫وصوموا يومها ؛ فإن اهلل تبارك وتعالى ينـزل‬


‫فقوموا ليلها‪ُ ،‬‬
‫"إذا كانت ليلة نصف شعبان ُ‬
‫ق‬ ‫ٍ‬
‫مستغفر فأغفر له ؟ أال من مسترز ٍ‬ ‫فيها لغروب الشمس إلى السماء الدنيا فيقول‪ (:‬أال من‬
‫فأرزقه ؟ أال من مبتل ٍي فأعافيه ؟ أال سائل فأعطيه‪ ‬؟ أال كذا‪ (...‬أال كذا ؟حتى يطلع الفجر"‪.‬‬
‫(موضوع)‬

‫‪26‬‬
‫شهر شعبان والمنحة الربانية‬

‫"أتاني جبريل ‪ u‬فقال‪ :‬هذه ليلة النصف من شعبان‪ ،‬وهلل فيها عتقاء من نار بعدد شعور غنم‬
‫بني كلب‪ ،‬ال ينظر اهلل فيها إلى مشرك‪ ،‬وال إلى مشاحن‪ ،‬وال إلى قاطع رحم‪ ،‬وال إلى مسبل‪،‬‬
‫وال إلى عاق لوالديه‪ ،‬وال إلى مدمن خمر " (ضعيف جداً)‬

‫ويروى عن عائشة ـ رضي اهلل عنها ـ أنها قالت‪:‬‬


‫فقدت النبي ‪ r‬ليلة‪ ،‬فخرجت فإذا هو بالبقيع رافع رأسه إلى السماء فقال لي‪ :‬أكنت تخافين‬
‫" ُ‬
‫أن يحيف اهلل عليك ورسوله؟ قالت‪ :‬قلت يا رسول اهلل‪ ،‬ظننت أنك أتيت بعض نسائك‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫إن اهلل ‪ U‬ينـزل ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا فيغفر ألكثر من عدد شعر غنم‬
‫كلب"‪(.‬ضعيف جداً)‬

‫"إن اهلل يطلع على عباده في ليلة النصف من شعبان‪ ،‬فيغفر للمستغفرين‪ ،‬ويرحم‬
‫المسترحمين‪ ،‬ويؤخر أهل الحقد كما هم"‪( .‬ضعيف)‬

‫"خمس ليال ال ترد فيهن الدعوة‪ :‬أول ليلة من رجب‪ ،‬وليلة النصف من شعبان‪ ،‬وليلة‬
‫الجمعة‪ ،‬وليلة الفطر‪ ،‬وليلة النحر"‪( .‬موضوع)‬
‫( رواه ابن عساكر‪ ،‬وفيه كذابان وهما‪ :‬بندار بن عمر الروياني‪ ،‬وإ براهيم بن أبي يحي ) ( انظر السلسلة الضعيفة لأللباني‪)7452 :‬‬

‫"يطلع اهلل ‪ U‬إلى خلقه ليله النصف من شعبان‪ ،‬فيغفر لعباده إال اثنين‪ :‬مشاحن‪ ،‬وقاتل نفس‬
‫"‪( .‬ضعيف)‬

‫‪27‬‬
‫شهر شعبان والمنحة الربانية‬

‫فصلى فأطال السجود‪ ،‬حتى ظننت أنه قد ُقِبض‪ ،‬فلما رأيت ذلك‬
‫" قام رسول اهلل ‪ r‬من الليل َّ‬
‫قمت حتى حركت إبهامه فتحركت‪ ،‬فرجعت فسمعته يقول في سجوده‪" :‬أعوذ بعفوك من‬
‫ثناء عليك أنت كما‬
‫عقابك‪ ،‬وأعوذ برضاك من سخطك‪ ،‬وأعوذ بك منك إليك‪ ،‬ال ُأحصي ً‬
‫أثنيت على نفسك"‪ .‬فلما رفع رأسه من السجود وفرغ من صالته قال‪":‬يا عائشة ! ـ أو يا‬
‫حميراء ـ أظننت أن النبي ‪ r‬قد خاس بك؟"‪.‬قلت‪:‬ال واهلل يا رسول اهلل ! ولكني ظننت أنك‬
‫قُِبضتَ لطول سجودك‪ .‬فقال‪":‬أتدرين أي ليلة هذه؟"‪ .‬قلت‪:‬اهلل ورسوله أعلم‪ .‬قال‪":‬هذه ليلة‬
‫النصف من شعبان‪،‬إن( اهلل ‪ U‬يطلع على عباده في ليلة النصف من شعبان‪ ،‬فيغفر‬
‫للمستغفرين‪ ،‬ويرحم المسترحمين‪ ،‬ويؤخر أهل الحقد كما هم"‪( .‬ضعيف)‬

‫"إذا كان ليلة النصف من شعبان نادى ٍ‬


‫مناد‪ :‬هل من مستغفر فأغفر له؟‪ ‬هل من سائل‬
‫فأعطيه؟ فال يسأل أحد شيئاً إال أعطي‪ ،‬إال زانية بفرجها أو مشرك"‪( .‬ضعيف)‬

‫"في ليلة النصف من شعبان يوحي اهلل إلى ملك الموت يقبض كل نفس يريد قبضها في تلك‬
‫السنة" ‪( .‬ضعيف)‬

‫ومن كان عليه صوم من رمضان فليسرده‬


‫"ال صوم بعد النصف من شعبان حتى رمضان‪َ ،‬‬
‫وال يقطعه"‪( .‬ضعيف)‬

‫"ال صيام بعد النصف من شعبان حتى يدخل رمضان"‪( .‬ضعيف)‬

‫أخر ذلك حتى يجتمع عليه صوم‬


‫"كان رسول اهلل ‪ r‬يصومُ من كل شهر ثالثة أيام‪ ،‬فربما َّ‬
‫(ضعيف)‬ ‫أخره حتى يصوم شعبان"‪.‬‬
‫السنة‪ ،‬وربما َّ‬

‫" رجب شهر اهلل‪ ،‬وشعبان شهري‪ ،‬ورمضان شهر أمتي " (موضوع)‬

‫‪28‬‬
‫شهر شعبان والمنحة الربانية‬

‫(المنار المنيف ـ الفوائد المجموعة)‬

‫وبعد‪،...‬‬
‫فهذا آخر ما تيسر جمعه في هذه الرسالة‬
‫نسأل اهلل أن يكتب لها القبول‪ ،‬وأن يتقبلها منا بقبول حسن‪ ،‬كما أسأله سبحانه أن ينفع بها مؤلفها‬
‫وقارئها ومن أعان على إخراجها ونشرها‪......‬إنه ولي ذلك والقادر عليه‪.‬‬
‫هذا وما كان فيها من صواب فمن اهلل وحده‪ ،‬وما كان من سهو أو خطأ أو نسيان فمني ومن الشيطان‪،‬‬
‫واهلل ورسوله منه( براء‪ ،‬وهذا بشأن أي عمل بشري يعتريه الخطأ والصواب‪ ،‬فإن كان صواباً فادع لي‬
‫ثم خطأ فاستغفر لي‬
‫بالقبول والتوفيق‪ ،‬وإ ن كان ّ‬
‫ج ّل من ال عيب فيه وعال‬ ‫وإ ن وجدت العيب فسد الخلال‬
‫فاللهم اجعل عملي كله صالحاً ولوجهك خالصاً‪ ،‬وال تجعل ألحد فيه نصيب‬
‫والحمد هلل الذي بنعمته( تتم الصالحات‪.‬‬
‫وآخر دعوانا أن الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصلّى اهلل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫هذا واهلل تعالى أعلى وأعلم‪.........‬‬
‫سبحانك اللهم وبحمدك‪ ،‬أشهد أن ال إله إال أنت‪ ،‬أستغفرك وأتوب إليك‬

‫‪29‬‬

You might also like