You are on page 1of 121

‫تقديم‬

‫للدكتور‪ /‬نور هنري‬


‫دوس‬
‫يتناول الكتاب الذي بييين أيييدينا مجموعة‬
‫متنوعتتة متتن المفتتاهيم التتتي يحتتتاج‬
‫شتتتبابنا الطلع عليهتتتا‪ ،‬حيييتى تسيييتزيد‬
‫ن بعضييا ً ميين تلييك‬ ‫معرفتييه بهييا لسيييما وأ ّ‬
‫كز علييى أبعيياد ترتبييط باسييتخدام‬ ‫المفاهيم ُير ّ‬
‫العقل في تفسير حياتنا‪ ،‬المر الذي دفع أبانييا‬
‫ي‪ ،‬إلييى بييذل‬ ‫محرق ي ّ‬‫الراهب القس‪ /‬كاراس ال ُ‬
‫الجهد لترجمة ذلك في عمل يصل لبنائنا فييي‬
‫كنهييم ميين َفهييم المعنييى‬ ‫صيييغة مكتوبيية‪ُ ،‬تم ّ‬
‫دف من وراء استخدام العقل المييوجه‬ ‫مسَته َ‬ ‫ال ُ‬
‫ُ‬
‫من اللييه‪ ،‬كأسييلوب ضييروريّ لقتنيياء أيّ ميين‬
‫الفكار أو المعلومات‪ ،‬وفييي تفسييير الحقييائق‬
‫تفسيييرا ً واعيييا ً ل يعتمييد إل ّ علييى الوضييوح‬
‫والموضوعية وعدم التناقض‪.‬‬
‫ن‬
‫و ْ‬‫مكت ّ‬‫وُيخبرنا علمييياء النفييس بأهمييية ال ُ‬
‫ي " ‪" Cognitive Component‬‬ ‫المعرفتتتت ّ‬
‫ي فييي تشييكيل التجاهييات "‬ ‫ن أساسيي ّ‬ ‫مكييوّ ْ‬‫ك ُ‬
‫‪5‬‬
‫ن ذليييك‬ ‫‪ " Attitudes‬ليييدى النسيييان‪ ،‬حييييث إ ّ‬
‫ن هييو المسييئول عيين بنيياء اتجاهييات‬ ‫مكييوّ ْ‬ ‫ال ُ‬
‫مسييتقرة لييدى الفييرد‪ ،‬الييذي يييؤمن بعقلييه‬
‫بسلمة انحيازه وجدانيا ً وسلوكيا ً نحييو أيّ ميين‬
‫التجاهييات‪ ،‬ولييذلك مييا أحوجنييا اليييوم إلييى‬
‫استخدام لغيية العقييل‪ ،‬الييذي خلقييه لنيا اليرب‬
‫جده به‪ ،‬ونكون جديرين بأن نخدمه بييوعي‬ ‫لنم ّ‬
‫" وليس كما لقوم عادة " وهذا ما وجهنا إليييه‬
‫ب إ ِل َي ْ ُ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫كيي ْ‬ ‫معلمنا بولس الرسول بقوله‪ " :‬أط ْل ُ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫أ َي َّها ال ِ ْ‬
‫م‬ ‫سيياد َك ُ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫موا أ ْ‬ ‫ن ت ُقَ يد ّ ُ‬‫خوَةُ ب َِرأفَ يةِ الل يهِ أ ْ‬
‫م‬ ‫عَبيياد َت َك ُ ُ‬ ‫عْنيد َ اللهِ ِ‬ ‫ة ِ‬ ‫ضي ّ ً‬ ‫مْر ِ‬
‫ة َ‬ ‫س ً‬‫قد ّ َ‬ ‫م َ‬
‫ة ُ‬
‫حي ّ ً‬ ‫ة َ‬ ‫ح ً‬‫ذ َِبي َ‬
‫صيييّلي ِبيييالّروِح‬ ‫ة " )رو ‪" ،(1:12‬أ ُ‬ ‫ييييي‬ ‫ال ْعَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ق ِّ‬
‫ل‬
‫ُ‬
‫ل ِبييالّروِح وَأَرّتيي ُ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫ن أْيضييا أَرّتيي ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫صييلي ِبالييذ ّهْ ِ‬ ‫وَأ َ‬
‫ن أْيضا ً " )‪1‬كو ‪.(15:14‬‬ ‫َ‬
‫ِبالذ ّهْ ِ‬
‫ولذلك يجب علينا أن ُنعلم أنفسيينا وأبناءنييا‬ ‫ّ‬
‫كيفية اسييتخدام العقييل حسييب مرضيياة الليه‪،‬‬
‫ليزدهر الفرد والمجتمييع‪ ،‬وهنييا فقييط سيينبتعد‬
‫عن التواكل واللمبيالة والنانييية والكييثير مين‬
‫خصييال الييتي تتنيياقض مييع سييمو النسييان‪،‬‬ ‫ال ِ‬
‫ي‬
‫ّ‬ ‫ي‬ ‫الحقيق‬ ‫ير‬ ‫ي‬ ‫غي‬ ‫يير‬ ‫ي‬ ‫التفس‬ ‫ين‬ ‫ي‬ ‫ع‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫أيض‬ ‫ينبتعد‬ ‫ي‬ ‫وس‬
‫ور لبنائنييا‬ ‫لحياتنا الروحية‪ ،‬فمن الخطأ أن ُنصي ّ‬
‫‪6‬‬
‫ن الصلة يمكين أن تكيون بديلية عين جهيدنا‬ ‫أ ّ‬
‫البشريّ لنيل مانريده‪.‬‬
‫شكوا إليييه تلميييذه‬ ‫فالسيد المسيح عندما َ‬
‫خت ْ‬
‫ذ‬ ‫م ن َأ ْ ُ‬ ‫ت‬
‫ُ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫و‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫عب َْنا الل ّي ْ َ‬
‫ل‬ ‫قدْ ت َ ِ‬ ‫قائلين‪َ " :‬‬
‫شتتْيئا ً "‪ ،‬قييال لهييم فييي شييخص بطييرس‬ ‫َ‬
‫قتتوا‬ ‫وأ َل ْ ُ‬‫ُ ْ ِ َ‬‫ق‬ ‫متت‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫لتتى‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫د‬ ‫عتت‬
‫ْ ُ ْ ِ‬ ‫ب‬ ‫ا‬ ‫"‬ ‫الرسييول‪:‬‬
‫د" )لو ‪ (5:4،5‬أيّ اجتهدوا فييي‬ ‫صي ْ ِ‬ ‫م ِلل ّ‬‫شَباك َك ُ ْ‬‫ِ‬
‫ن‬
‫ّ‬ ‫أ‬ ‫كميا‬ ‫الليه‪،‬‬ ‫ييتدخل‬ ‫ي‬‫س‬ ‫وهنيا‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫البشر‬ ‫عملكم‬
‫المسيييح ليين يتعييذر عليييه كمقيييم لعييازر ميين‬
‫الموت أن ُيدحرج حجرًا‪ ،‬ولكّنه دعا البشر أن‬
‫جتتَر "‬ ‫ح َ‬ ‫عوا ال ْ َ‬ ‫ف ُ‬‫يبذلوا جهدا ً فقال لهييم‪ " :‬اْر َ‬
‫)يو ‪.(39:11‬‬
‫فمييا أحييوج شييبابنا للطلع علييى الكتيياب‬
‫الذي بين أيدينا ِلميا فيييه ميين مفيياهيم كييثيرة‪،‬‬
‫ي أن‬ ‫محرقيي ّ‬ ‫أراد بها الراهب القس‪ /‬كاراس ال ُ‬
‫ي فييي كييل ميين‬ ‫ُينبه إلى أهمية التأمييل العقل ي ّ‬
‫الخييوف والييذات والغييرائز وعمييل الييذهن‪،‬‬
‫بالضافة إلى عدد من المفاهيم الشيقة الييتي‬
‫تعني بحياة النسان داخل المجتمييع بمييا فيهييا‬
‫ي نيابع‬ ‫من صراعات متنوعة‪ ،‬منها ميا هيو ذاتي ّ‬

‫‪7‬‬
‫من الفرد نفسه‪ ،‬ومنها ما هو نابع ميين خييارج‬
‫الذات‪.‬‬
‫وإياه نسأل أن يستخدم هذا الكتاب لمجييد‬
‫اسمه القييدوس بشييفاعة كلييية الطهيير والييدة‬
‫الله القديسة مريم العييذراء‪ ،‬وجميييع مصيياف‬
‫السمائيين والقديسين‪ ،‬وصلوات قداسة البابيا‬
‫المعظم النبييا شيينودة الثييالث‪ ،‬وشييريكه فييي‬
‫الخدمييية الرسيييولية أبينيييا السيييقف النبيييا‬
‫سيياويرس‪ ،‬وللهنييا المجييد الييدائم إلييى البييد‬
‫آمين‪.‬‬
‫د‪ /‬نور هنري دوس‬
‫القاهرة في‪:‬‬
‫‪2007 /7 /16‬‬

‫‪8‬‬
‫مقدمة‬
‫عنيدما ُيرييد إنسيان أن ييدخل فيي علقية‬
‫حميمة‪ ،‬أو عندما يحاول أن يتحرر من قيوده‪،‬‬
‫فسرعان ما يخرج الخوف من شقوق النفس‬
‫ليعيييوق انطلقيييه! فميييا أكيييثر اليييذين ظليييوا‬
‫يتحسسييون حييرارة الميياء قبييل أن يسييبحوا‪،‬‬
‫فميياتوا دون أن ينعمييوا بالسييباحة فييي مييياه‬
‫العلقيات اليتي تكيون أكثرهيا صيافية! أليييس‬
‫أفضل لك أن تنزل بالتدريج فتتعلييم السييباحة‬
‫ببطء ميين أن تعييتزل؟! ثييق أن ّييك فييي البداييية‬
‫سوف تواجه بعييض الصييعوبات‪ ..‬ولكن ّييك فييي‬
‫النهاييية سييتجني ثمييار شييجاعتك‪ ،‬فالحييياة ل‬
‫يمكيين أن تنمييو فييي محيييط قفيير‪ ،‬وأنييت ل‬
‫تستطيع أن تعيش في جزيرة وحدك‪.‬‬
‫ن قيودا ً كييثيرة ُتقي ّييدنا وتحييد ميين‬
‫نعترف بأ ّ‬
‫حركتنا‪ ،‬ففي الداخل نجد الغييرائز بسييلطانها‪،‬‬
‫ن الخييارج هييو أيض يا ً‬ ‫والفكيير بتمييرده‪ ..‬كمييا أ ّ‬
‫ُيقّيدنا‪ ،‬فالمجتمع بقييوانينه الصييارمة‪ ،‬والنيياس‬
‫بكييثرة واختلف آرائهييم‪ ،‬والشيييطان بحروبييه‪،‬‬
‫عوامل كثيرة ُتقّيد النسان‪ ..‬ومييع ذلييك ل بييد‬
‫‪9‬‬
‫من النطلق والتقدم إليى الميام! دون أدنيى‬
‫ن " ل َي ْ َ‬
‫س‬ ‫تفكييير فييي العييودة إلييى الخلييف ل ّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫وي َن ْظ تُر‬‫ث َ‬ ‫ح تَرا ِ‬
‫م ْ‬‫عل َتتى ال ْ ِ‬ ‫ع ي َتدَهُ َ‬ ‫ضت ُ‬‫حد ٌ ي َ َ‬
‫أ َ‬
‫ه " )لييو‬ ‫ت الل ت ِ‬ ‫مل َك ُتتو ِ‬
‫ح لِ َ‬‫ص تل ُ ُ‬
‫ء يَ ْ‬ ‫وَرا ِ‬‫إ َِلى ال ْت َ‬
‫‪. (62:9‬‬
‫ن كييل ميين يرتضييي بوضييعه‪ ،‬هييو‬ ‫ّ‬ ‫إ‬ ‫يق‬ ‫والحي‬
‫أشبه براكب الدراجة‪ ،‬الذي إذا حاول الوقوف‬
‫بدراجته فسرعان ما يسقط!‬
‫نسأل الله أن ُيبارك هذا العمييل المتواضييع‬
‫وض كييل ميين‬ ‫لمجييد اسييمه القييدوس‪ ،‬ويعيي ّ‬
‫ت بمؤلفاتهم والذين تعبوا معي‪ ،‬وأخييص‬ ‫انتفع ُ‬
‫بالسم الَعاِلم الجليييل الييدكتور‪ /‬نور هنتتري‬
‫ضييل مشييكورا ً بمراجعيية‬ ‫دوس الييذي قييد تف ّ‬
‫الكتاب بدقة والتقديم له‪ ،‬الرب يبييارك حييياته‬
‫وُيكليل خيدماته‪ ...‬وللهنيا المجيد اليدائم إليى‬
‫البد آمين‪.‬‬

‫ي‬
‫محرق ّ‬
‫كاراس ال ُ‬

‫‪10‬‬
11
‫الفصل الول‬
‫صيحييييراء الخيييوف‬

‫ملزمة للنسان‪ ،‬الييذي‬ ‫ن الخوف ظاهيرة ُ‬ ‫إ ّ‬


‫َ‬
‫كف بحثا عن الميين والسييلم‪ ،‬لن ّييه يشييعر‬‫ً‬ ‫ل يَ ُ‬
‫مهييددة بالخطييار‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ياته‬
‫ي‬ ‫حي‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫يأ‬
‫ي‬ ‫ب‬ ‫ية‬‫ي‬‫لحظ‬ ‫كل‬ ‫في‬
‫سواء كانت تلك الخطار ميين خييارج الفييرد أو‬
‫داخله‪.‬‬
‫ن التجربيية تشييهد بأننتتا جميعتا ً‬ ‫والحييق إ ّ‬
‫نختتاف‪ ،‬فنحييين نرهيييب الميييوت‪ ،‬ونخشيييى‬
‫الفشل‪ ،‬ونجزع من الشيييخوخة‪ ،‬ونخيياف ميين‬
‫المجهول‪ ،‬ولكننييا ونحيين بصييدد الحييديث عيين‬
‫الخييوف‪ ،‬يجييب علينييا أن ُنفيّرق بيين مخيياوف‬
‫ُ‬
‫مَرض تّية‬‫طبيعية نميير بهييا جميعييًا‪ ،‬وأخييرى َ‬
‫وهييى الييتي تتملييك علييى فئة المضييطربين‬
‫والمنحرفين‪..‬‬
‫ي أن يحييترس النسييان ميين‬ ‫فميين الطييبيع ّ‬
‫المييرض ويتجنييب العييدوى‪ ،‬ولكيين أن يغسييل‬

‫‪12‬‬
‫يديه عقب كييل مقابليية ُيصييافح فيهييا آخيير‪ ،‬أو‬
‫أثناء أداء أيّ عمل‪ ..‬فهذا مرض!‬
‫وليس من الغرابيية أن يييتردد المييرء‪ ،‬قبييل‬
‫سياس‪،‬‬ ‫القدام على عمل كيبير أو مشيروع ح ّ‬
‫ن يستمر التردد فيشل إرادتييه‪،‬‬ ‫ن الغرابة أ ْ‬ ‫ولك ّ‬
‫ذر إلى خوف دائم من المسييئولية‬ ‫ح َ‬
‫َ‬ ‫ال‬ ‫ول‬ ‫ويتح ّ‬
‫كرون قول يعقييوب‬ ‫وعجز تام عن العمل‪ ،‬أتتذ ّ‬
‫قتت ٌ‬
‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫ذو َرأ ْي َي ْ ِ ُ َ ُ َ‬
‫ت‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫هتت‬ ‫ن‬ ‫ل ُ‬ ‫ج ٌ‬‫الرسول‪َ " :‬ر ُ‬
‫ه " )يع‪.(8:1‬‬ ‫ع طُُر ِ‬
‫ق ِ‬ ‫مي ِ‬‫ج ِ‬‫في َ‬ ‫ِ‬
‫ن النسان يحيا في عالم مليء‬ ‫ّ‬ ‫إ‬
‫بالتهديدات‪ ،‬فيه الوعد والوعيد ‪ ،‬وهو يشعر‬
‫ن ضربات‬ ‫بأّنه مهما تكن قوته وقدراته‪ ،‬فإ ّ‬
‫الحياة وأخطار المجتمع قد تأتي عليه فتفسد‬
‫كل مشروعاته‪ ..‬ومادام النسان عاجزا ً عن‬
‫التوفيق بين كل ما بداخله من آمال‪ ،‬وما يأتي‬
‫عليه من الخارج من قيود‪ ،‬فلبد إذن أن‬
‫يستسلم لقوى العالم المظلمة‪ ،‬أو الطبيعة‬
‫ن النجاح ل يمكن أن‬ ‫الغاشمة‪ ..‬وبالتالي فإ ّ‬
‫يكون أمرا ً أكيدا ً يستطيع أن ُيسيطر عليه‬
‫بإرادته‪.‬‬
‫ت الحياة علينا‬ ‫والواقع أّنه مهما قس ْ‬
‫‪13‬‬
‫ن‬
‫بضرباتها‪ ،‬أو زادت إعاقات البشر لنا‪ ..‬فإ ّ‬
‫النسان ل يمكن أن يكون ُألعوبة في يد‬
‫الخوف! فالنسان الذي يخاف هو الذي يملك‬
‫ل‪ ،‬له القدرة على تحويل العوائق إلى‬ ‫عق ً‬
‫وسائط‪.‬‬
‫ن الخوف من الفشل قد يكون سببا ً‬ ‫على ّ‬
‫أ‬
‫من أسباب عدم المبادأة والخنوع‪ ،‬وليس من‬
‫ن هذا الشعور يختلف باختلف‬ ‫شك في أ ّ‬
‫ن كثيرين‬ ‫ن المشكلة أ ّ‬ ‫مراحل الحياة‪ ،‬ولك ّ‬
‫يظلون أو يريدون أن يظلوا أطفال ً في‬
‫سلوكهم‪ ،‬إزاء موجات الخطر التي تتهددهم‪،‬‬
‫فيستجيبون لحالت الخطر القديمة كما لو‬
‫مطلقا ً‬ ‫كانت قائمة بالفعل‪ ،‬دون أن ينجحوا ُ‬
‫في التغّلب على العوامل القديمة للخوف‪،‬‬
‫وهؤلء هم المرضى النفسانيون!‬
‫سم قاتييل‬ ‫ُ‬ ‫هو‬ ‫ي‬‫مَرض ّ‬‫ن الخوف ال َ‬ ‫والحق إ ّ‬
‫مميّزق للييروح‪ ،‬وهييو‬ ‫وق للتقييدم‪ُ ،‬‬‫معي ّ‬ ‫للحييياة‪ُ ،‬‬
‫يقود إلى الكذب وخطايا ُأخرى كثيرة‪ ،‬ويجعل‬
‫النسيييان ل ُيطليييق ميييا فيييي وجيييدانه مييين‬
‫ما العقل الخيائف الميتردد فحتميا ً‬ ‫أحاسيس‪ ،‬أ ّ‬

‫‪14‬‬
‫سيصيبه الشييلل وينطفيييء فيييه نييور الحكميية‬‫ُ‬
‫والمعرفة‪..‬‬
‫والن كيف نتحرر من قيود الخوف؟ أعتقد‬
‫ن جوهر مشكلة الخوف يكمن في ضعف‬ ‫أ ّ‬
‫وي‬ ‫اليمان‪ ،‬فإن أردت أن تتحرر يجب أن ُتق ّ‬
‫ي عندما‬ ‫إيمانك‪ ،‬فاليمان حفظ دانيال النب ّ‬
‫لسود! والثلثة فتية‬ ‫جب ا ُ‬ ‫ُ‬
‫ألقي في ُ‬
‫ُ‬
‫حفظهم اليمان من لهيب النار عندما ألقوا‬
‫في التون! ويوسف الصديق بسبب إيمانه‬
‫حفظه الله في السجن وخرج منه لكي يصير‬
‫ثاني رجل في مملكة مصر بعد فرعون!‬
‫ثق أّنك بحصاة داود الفتى‪ ،‬تستطيع أن‬
‫تنتصر على كل الجبابرة وتتغلب على‬
‫الشرار‪ ،‬كما انتصر هو على جليات الجّبار‪،‬‬
‫حتى وإن دخلت في حرب معهم فاعلم أنّ "‬
‫الحرب للرب " )‪1‬صم ‪.(47 :17‬‬
‫فل تهييتز أمييام التجييارب‪ ،‬ول تخيير أمييام‬
‫ي على‬ ‫الضيقات‪ ،‬إّنما كن كالبيت المتين المبن ّ‬
‫الصخر‪ ،‬حيث ل تقوى عليه المطار ول تهدمه‬
‫الرياح )مت‪.(25:7‬‬

‫‪15‬‬
‫ي‬ ‫عَلتتى ك َ ّّ‬ ‫و َ‬
‫فتت ّ‬ ‫ذا َ‬ ‫هتت َ‬ ‫ألييم يقييل اللييه‪ُ " :‬‬
‫ك " )إش‪ ،(16:49‬إّنهييا آييية تفتييح لنييا‬ ‫شت ُ ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫نَ َ‬
‫كل أبييواب الرجيياء الييتي أغلقهييا الخييوف فييي‬
‫كرنا بعادة شييرقية قديميية أل‬ ‫وجوهنا‪ ،‬وهى ُتذ ّ‬
‫وهى‪ :‬نقش الرجل اسم محبوبه على كفييه أو‬
‫ن كييل‬ ‫كتفه كعلمة أّنه لن ينساه إلى البد‪ ،‬وأ ّ‬
‫ما يعمله بيده سيكون له! وهكييذا رب المجييد‬
‫قد نقش اسم كنيسته بل نقش اسم كل فرد‬
‫عليييى كفيييه بالمسيييامير‪ ،‬لكيييي تبقيييى آثيييار‬
‫حب أبديّ على محبيية اللييه‬ ‫الجراحات علمة ُ‬
‫وعنايته!‬
‫ن كلمة " ل تخف " ميين أكييثر الكلمييات‬ ‫إ ّ‬
‫الييتي تكييررت فييي الكتيياب المقييدس‪ ،‬ولهييذا‬
‫وي اليمييان‬ ‫ننصح بحفظ بعض آيات ُتعّزى وُتق ّ‬
‫ت لَ‬ ‫م يو ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ل ال َ‬ ‫ت فِييي َواِدي ظ ِي ّ‬ ‫سيْر ُ‬ ‫مثييل‪ " :‬إَذا ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫أَ َ‬
‫ك‬ ‫ك وَعُك ّيياُز َ‬ ‫صييا َ‬ ‫َ َ‬ ‫ع‬ ‫يي‬ ‫ي‬ ‫ع‬ ‫م‬
‫ْ َ َ ِ‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫شّرًا‪ّ ،‬‬
‫ن‬ ‫ل‬ ‫ف َ‬ ‫خا ُ‬
‫مييا ي ُعَّزي َييان ِِني" )مييز‪،(4:23‬ي " إن يحيياربني‬ ‫هُ َ‬
‫ي قتييال فَفِييي‬ ‫َ‬
‫َ َ ّ‬‫ل‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫إ‬ ‫بي‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ق‬ ‫ف‬ ‫َ َ ُ‬ ‫خا‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ش‬‫جي ْ ٌ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫م‬ ‫فوا‬ ‫ُ‬ ‫خا‬
‫َ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫"‬ ‫(‪،‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪27‬‬ ‫)مز‬ ‫"‬ ‫ن‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ط‬ ‫م‬ ‫نا‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ذَ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫َ ُِ َ‬‫رو‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫س‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫َ َ َ َ ِ ّ ّ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ل‬‫و‬ ‫د‬ ‫س‬ ‫ج‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ُ‬
‫ا ِ َ َ ُ َ‬
‫لو‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬
‫ها " )مت‪.(28 :10‬‬ ‫قت ُُلو َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫َ‬
‫أ ْ‬
‫‪16‬‬

‫‪05‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬
‫ن مجرد نظرة‬ ‫بالضافة إلى ما سبق‪ ،‬فإ ّ‬
‫سريعة إلى ُأسلوب السيد المسيح وتعاملته‬
‫مع القادة‪ ،‬نجد ما ُيشجعنا وُيقوينا‪ ،‬عندما‬
‫مى‬‫ت هيرودس الملك بالثعلب‪ ،‬وس ّ‬ ‫نع َ‬
‫الفريسيين بالحيات أولد الفاعي‪ ،‬وشحذ‬
‫حّراس شريعة‬ ‫فكر رؤساء الكهنة والكتبة ُ‬
‫موسي‪ ،‬وأمسك سوطا ً وهو إنسان فقير يحيا‬
‫فى ُأسرة فقيرة ل يحمل سلطة ول يؤيده‬
‫قانون وضرب باعة الحمام وقلب موائد‬
‫الصيارفة‪..‬‬
‫وهكذا زلزل المسيح في ثورته العارمة‬
‫لمة‬‫ضد الظلم والفساد‪ ،‬كل أركان ا ُ‬
‫اليهودية‪ ،‬فتلعثمت قلوبهم‪ ،‬واضطربت‬
‫سيوفهم‪ ،‬وخجل قوادهم وعلماؤهم‪ ،‬وهرب‬
‫التجار والعبيد والحراس‪ ..‬ولم يجسر أحد أن‬
‫دى له أو يرد عليه أو يدنو منه‪ ،‬لّنه قد‬ ‫يتص ّ‬
‫جاء لكي ُيحرر النسان من خوف السماء‬
‫واستبداد البشر‪.‬‬

‫‪17‬‬

‫‪61‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫سيييجين الييييييييذات‬
‫مقّيدا ً‬‫ما من إنسان يولد إل ّ ويجد نفسه ُ‬
‫حب الذات هو أول‬ ‫بذاته‪ ،‬مشدودا ً إليها‪ ،‬ف ُ‬
‫حب التي يعرفها النسان‪،‬‬ ‫صورة من صور ال ُ‬
‫ول إلى صورة من صور‬ ‫ولكّنه إذا تضخم وتح ّ‬
‫السلب والبتزاز‪ ،‬دون أدنى رغبة في العطاء‪،‬‬
‫ن الذات‬ ‫فسرعان ما يتحقق النسان من أ ّ‬
‫قوقعة صلبة‪ ،‬لبد من تحطيمها لكي يرى‬
‫الحياة ويتمتع بجمالها‪.‬‬
‫حب هو أنفاس الحياة‪،‬‬ ‫ن ال ُ‬
‫والحق إ ّ‬
‫ولوله لختنق البشر بدخان الغيرة‬
‫والكراهية‪ ..‬وهو أرقى ما يمكن أن يصل إليه‬
‫النسان في هذه الحياة‪ ،‬إّنه دعوة إلهية أو‬
‫س َ‬
‫ك‬ ‫ف ِ‬ ‫ك ك َن َ ْ‬‫ريب َ َ‬ ‫ب َ‬
‫ق ِ‬ ‫ح ّ‬‫قل‪ :‬وصية سمائية " أ َ ِ‬
‫" )مت ‪ ،(19:19‬فإن كنت ُتريد أن تحيا على‬
‫الرض كملك يرتدى زي بشر‪ ،‬يجب عليك أن‬

‫‪18‬‬
‫تمل قلبك بتلك العاطفة السامية‪ ،‬لّنك بها‬
‫تتشّبه بالله المحبة‪.‬‬
‫ّ‬
‫حب هو الذي ُيحطم‬ ‫ن ال ُ‬‫وهل ُننكر أ ّ‬
‫القوقعة الذاتية‪ ،‬لكي تخرج الذات من سجنها‬
‫المظلم‪ ،‬إلى عالم النور والحرية‪ ،‬وتنفتح‬
‫على الخرين من أجل رعايتهم والهتمام بهم‬
‫ما النانية فتقود النسان‬ ‫وليس ابتزازهم‪ ..‬أ ّ‬
‫أيضا ً إلى حياة ولكن داخل دائرة الذات‪،‬‬
‫من أجل تلبية رغباتها والستجابة لنداء‬
‫شهواتها‪ ،‬بأي صورة حتى وإن كانت خاطئة!‬
‫ي!‬
‫وهى بهذا الشكل ُتعد مصدر كل شر أخلق ّ‬
‫وتقود إلى الشقاء والسقوط في بئر‬
‫المراض النفسية‪ ،‬وتجعل النسان كفراشة‬
‫حائرة تطير هنا وهناك‪ ،‬بحثا ً عن ماٍء يرويها‬
‫إلى أن تسقط من شدة التعب!‬
‫حب الذات؟ أليس إلى‬ ‫إلى أيّ شيء يقود ُ‬
‫ن من ل‬ ‫الحسد والنغلق والتعصب‪..‬؟! ل ّ‬
‫مه سوى مصالحه‬ ‫يعرف سوى ذاته‪ ،‬ل ته ّ‬
‫ما مفهوم النتماء فليس له‬ ‫الشخصية‪ ،‬أ ّ‬
‫معنى في قاموس حياته‪ ،‬وقد نكون على‬

‫‪19‬‬
‫ن النانية تجعل من الذات‬ ‫صواب إذا قلنا‪ :‬إ ّ‬
‫قطعة صلبة‪.‬‬
‫ي بل مشاعر إيجابية تجاه‬ ‫وهكذا يحيا النان ّ‬
‫الخرين‪ ،‬ولّنه يبحث عن ذاته بطريقة‬
‫خاطئة‪ ،‬فهو لذلك يعجز عن معرفة أعماق‬
‫ن علقته بغيره‬ ‫قريبه فيظل غريبا ً عنه! كما أ ّ‬
‫ول‪ ،‬سهلة النقلب‪،‬‬ ‫سطحية‪ ،‬سريعة التح ّ‬
‫تقوم على السلب‪ ..‬وهى لذلك ل تدوم‪.‬‬
‫ن البداييية‬ ‫ما هو سر شقاء البشتتر؟! إ ّ‬
‫ترجيع إلى الشيطان‪ ،‬الذي تكّبر وأحب ذاتييه‬
‫ي هييو‬ ‫مَرض ي ّ‬ ‫حييب ال َ‬ ‫بطريقيية خيياطئة‪ ،‬وهييذا ال ُ‬
‫للوهة ليصير مثييل اللييه "‬ ‫الذي جعله يشتهى ا ُ‬
‫صيُر‬ ‫ه‪ ..‬أ َ ِ‬ ‫ب الل ّ ِ‬ ‫واك ِ ِ‬ ‫وقَ ك َ َ‬ ‫ف ْ‬‫سّيي َ‬ ‫ع ك ُْر ِ‬ ‫ف ُ‬‫أ َْر َ‬
‫حدَْر‬ ‫عِليّ" ! فكانت النتيجيية أّنييه " ان ْ َ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ِ‬
‫ب " )إش‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫جت ّ‬ ‫ل ال ُ‬ ‫ِ‬ ‫ف‬‫ِ‬ ‫تا‬‫ت‬ ‫س‬
‫َ‬ ‫أ‬ ‫تى‬ ‫ت‬ ‫ل‬‫ِ‬ ‫إ‬ ‫ة‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ي‬‫و‬ ‫ِ‬ ‫ها‬‫َ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫لى‬ ‫إِ‬
‫‪.(15-13:14‬‬
‫حب الذات هييو الييذي جعييل آدم يشييتهي‬ ‫و ُ‬
‫أن يأكل من الشجرة المحّرمة التي نهاه اللييه‬
‫هتتا‬
‫ر َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ثَ َ‬ ‫مت ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫خذ َ ْ‬ ‫فأ َ َ‬ ‫عيين أن يأكييل منهييا " َ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع َ‬ ‫وأ َ ْ‬ ‫َ‬
‫هتتا‬ ‫ع‬
‫َ َ َ‬ ‫م‬ ‫ا‬ ‫يضتت‬ ‫ْ‬ ‫أ‬ ‫هتتا‬‫ت َر ُ َ‬
‫ل‬ ‫ج‬ ‫طتتت ْ‬ ‫ت َ‬ ‫وأك ََلتت ْ‬ ‫َ‬
‫طرد‬ ‫ل " )تك‪ ،(6:3‬فتعّرى من مجيده‪ ،‬و ُ‬ ‫فأ َك َ َ‬ ‫َ‬
‫‪20‬‬
‫من حضييرة اللييه‪ ،‬وصييار يأكييل عشييب الرض‬
‫الذي كان قبل ً طعاما ً للحيوان‪ ،‬كما فقد حاليية‬
‫البساطة والبراءة والنقاوة‪ ..‬التي كييان عليهييا‬
‫وقد مل الخوف قلبه‪..‬‬
‫ن النانية‬
‫ليست مبالغة مّنا إذا قلنا‪ :‬إ ّ‬
‫سجن للنفس‪ ،‬فيه ُيقاسي النسان كل‬
‫أنواع الذل والعبودية‪ ..‬وها نحن نتساءل‪ :‬ماذا‬
‫لو عاش النسان في جو خانق من القلق‪،‬‬
‫خوفا ً أن ُيحرم من شيء أو يفوته شيئًا؟! أو‬
‫ظل يعاني شعورا ً حاسدا ً يحرق أعماقه‪،‬‬
‫لرؤية غيره يتمتع بشيء ل يملكه أو يتميز‬
‫ن الحياة تفقد قيمتها‬ ‫بشيء لم ينله؟! أعتقد أ ّ‬
‫ول إلى حصان سباق في‬ ‫ن النسان تح ّ‬ ‫لو أ ّ‬
‫دنيا اللذات أو عالم المقتنيات!!‬
‫ن كل من يعيش لذاته فقط‪ ،‬لن‬ ‫نعترف بأ ّ‬
‫ن‬
‫ّ‬ ‫أ‬ ‫كما‬ ‫أعماقه‪،‬‬ ‫في‬ ‫الفوضى‬ ‫على‬ ‫يحصل إل ّ‬
‫قيود الرغبات وسلسل الشهوات سُتكّبل‬
‫حياته! وتجعله غير قادر على تخطي مرحلة‬
‫ي‪ ،‬الذي يؤدي في النهاية إلى‬ ‫التمّركز الذات ّ‬
‫" عبادة الذات "! هنا تكون الذات قد‬
‫وصلت إلى مرحلة العمى‪ ،‬فنراها تعجز عن‬
‫‪21‬‬
‫ي‬
‫حب‪ ،‬ول يكون لديها أ ّ‬ ‫إرسال إشعاعات ال ُ‬
‫ميل للتضحية لّنها لم تعد ترى إل ّ نفسها!‬
‫ن مع‬‫ي سني َ‬ ‫عاش يهوذا السخريوط ّ‬
‫سيده‪ ،‬لم ينظر فيها إلى السماء‪ ،‬بل إلى‬
‫ممالك الرض الواسعة ومدن سليمان الرائعة‬
‫حب المال‬ ‫ن نفسه المريضة ب ُ‬ ‫كان يتطلع ل ّ‬
‫والسلطة‪ ..‬اشتاقت إلى مملكة عظيمة يكون‬
‫ما يسوع فأراد مملكة يكون فيها‬ ‫فيها أميرًا! أ ّ‬
‫ُ‬
‫جميع الناس أمراء!‬
‫ن وراء‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫باله‪،‬‬ ‫على‬ ‫يخطر‬ ‫ن يهوذا لم‬ ‫ولك ّ‬
‫ما ينظر ملكوت أسمى يحكمه من خانه‬
‫ن من يحوط الرض بجناحيه ل‬ ‫وغدر به! ل ّ‬
‫يمكن أن ينشد ملجأ في عش مهجور! كما‬
‫ي ل يرتفع ويتشرف بواسطة لبسي‬ ‫ن الح ّ‬ ‫أ ّ‬
‫الكفان! وها نحن نتساءل‪ :‬هل يمكن أن ُتبنى‬
‫مملكة المسيح على جماجم الموتى‬
‫والزناة والمجرمين‪..‬؟! وهكذا يستهلك‬
‫ي نفسه بسرعة زائدة‪ ،‬لّنه يحيا على‬ ‫النان ّ‬
‫حساب نفسه قبل أن يحيا على‬
‫حساب الخرين دون أن يدري! فهل لنا‬
‫ن النانية انحلل وتفكك تام‬ ‫أن نقول‪ :‬إ ّ‬
‫‪22‬‬
‫ي هو إنسان‬ ‫للذات؟! نعم! والشخص الذات ّ‬
‫حب ذاته بالمعنى الصحيح‪ ،‬بل هو‬ ‫مريض ل ي ُ ِ‬
‫يكرهها ويضرها بسمومه!‬
‫حب الذات فبدايته هى نهايته‬ ‫ما ُ‬
‫أ ّ‬
‫مغلقة!‬ ‫ومستقبله مثل ماضيه! إّنه دائرة ُ‬
‫ن‬
‫ّ‬ ‫أ‬ ‫والعجيب‬ ‫ول يقود إلى إثراء أو إبداع‪..‬‬
‫ي‬
‫سبات العشق الذات ّ‬ ‫النسان وهو في غمرة ُ‬
‫طم‬‫حب هذا الذي ُيح ّ‬ ‫حب! فأي ُ‬ ‫يتوهم أّنه ي ُ ِ‬
‫البشر من أجل الحصول على منفعة أو‬
‫ممزقة ؟! إن‬ ‫حطاما ً ُ‬ ‫لذة‪ ..‬ومتى نالها يتركه ِ‬
‫حب فما عسى أن يكون‬ ‫كان هذا هو ال ُ‬
‫المرض؟!‬
‫ملزم بتنمية‬ ‫ن كل إنسان ُ‬ ‫ونحن ل ُننكر أ ّ‬
‫شخصيته‪ ،‬والبحث عن سعادته‪ ،‬وهذه‬
‫اللتزامات هى التي تدفعه إلى الخروج من‬
‫عزلته‪ ،‬وتحطيم قيود سجنه‪ ،‬والتخلي عن‬
‫أنانيته‪ ..‬من أجل الندماج في العالم‬
‫ي‪ ،‬لكي يحقق ميوله ويحصل على‬ ‫الخارج ّ‬
‫ً‬
‫رغباته ولهذا يجد نفسه مدفوعا باستمرار‪،‬‬
‫إلى البحث عن شيء آخر غير الذات‪ ،‬ليتعلق‬
‫به ويحن إليه ويتجاوب معه‪ ..‬ويبقى السؤال‪:‬‬
‫‪23‬‬
‫ي لو عاش في عزلة‬ ‫ماذا ينتفع الشخص الذات ّ‬
‫بسبب هجر الناس له؟ من الذي سوف ُيعّلمه‬
‫ويسانده ويقف إلى جواره؟‬
‫ن الصلة بين‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫يدرك‬ ‫ن الشخص الحكيم ُ‬ ‫إ ّ‬
‫الداخل والخارج وثيقة‪ ،‬ولهذا يبذل كل‬
‫ن‬
‫طاقته لكي ل تنقطع علقاته بالخرين‪ ،‬ل ّ‬
‫النسان ل يخرج من ذاته إل ّ لكي يعود إليها‪،‬‬
‫ي‪ ،‬إل ّ‬‫وهو ل ُيحقق أعماله في العالم الخارج ّ‬
‫لكي يزيد من خصب حياته الباطنية‪ ،‬و‬
‫ي‪ ،‬إّنها علقة‬ ‫ُيضاعف من ثراء عالمه الداخل ّ‬
‫تبادلية ل غنى عنها‪ ،‬قوامها الخذ والعطاء‬
‫وليس السلب‪.‬‬
‫ن النسان ضعيف أمام‬ ‫ولكننا نؤكد أ ّ‬
‫ن الخروج من الذات أصعب‬ ‫ذاته‪ ،‬ولهذا فإ ّ‬
‫ن كثيرين قد‬ ‫من المكوث بها! وهل ُننكر أ ّ‬
‫وقفوا أمام ملوك ورؤساء‪ ،‬وحاوروا فلسفة‬
‫وعلماء‪ ..‬ولكّنهم كانوا يخشون مواجهة‬
‫أنفسهم؟!‬
‫ويبقى السؤال‪ :‬كيف ينطلق النسان‬
‫ن‬
‫من سجن الذات‪ ،‬بعد أن عاش سني َ‬
‫كثيرة داخله‪ ،‬يعد قفص كبير فما أن انتهى‬
‫‪24‬‬
‫من تطريق قضبانه حتى وجد نفسه محبوسا ً‬
‫داخله! والن بعد أن سئم الحياة في الداخل‪،‬‬
‫حيث الهواء الملوث والعفن يدب في جوانبه‪،‬‬
‫مخيف ُترهبه‪ ..‬يريد أن يخرج‬ ‫والعزلة كشبح ُ‬
‫ليحيا في عالم النور والحرية‪..‬؟!‬
‫ن بداية النطلق هى‪ :‬التخّلص‬ ‫نعترف بأ ّ‬
‫من كل ما يستعبد الذات ويقّيدها‪ ،‬هنا‬
‫يأتي دور جلسات محاسبة النفس‪ ،‬فمن خلل‬
‫حوار صادق مع الذات يستطيع النسان أن‬
‫يحدد سلبياته وأيضا ً إيجابياته ل تتعجب! فهذا‬
‫ن اليجابيات هى أيضا ً تحتاج‬ ‫ليس كبرياًء! ل ّ‬
‫ن النسان من خلل‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫كما‬ ‫أكثر‪،‬‬ ‫أن تنمو وُتثمر‬
‫إيجابياته‪ ،‬يمكن أن يتغلب على سلبيات‬
‫كثيرة‪.‬‬
‫ّ‬
‫هناك ثلثة أشياء تستعبد الذات إذا تملكت‬
‫عليها‪ ،‬أل وهى‪ :‬المال والجنس والجستتد!‬
‫ن‬
‫دُرو َ‬ ‫ولهذا شّبه المسيح المال بإله " ل َ ت َ ْ‬
‫قتت ِ‬
‫َ‬
‫ل " )لييو ‪،(13:16‬‬ ‫متتا َ‬‫وال ْ َ‬
‫ه َ‬‫موا الل ت َ‬ ‫د ُ‬
‫خ ِ‬
‫ن تَ ْ‬
‫أ ْ‬
‫وأمرنا ل أن نبتعد عن الزنى فقط‪ ،‬بييل وعيين‬
‫ل‬‫النظرة الشهوانية التي تقود إلى الزنى " ك ُ ّ‬

‫‪25‬‬
‫د‬
‫قت ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ها َ‬‫هي َ َ‬‫ش تت َ ِ‬‫ة ل ِي َ ْ‬‫م تَرأ َ ٍ‬‫ن ي َن ْظُتُر إ ِل َتتى ا ْ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ه " )مت ‪.(28:5‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ب‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫في‬ ‫ها‬
‫ِ َ ِ‬ ‫ب‬ ‫نى‬ ‫َ َ‬ ‫ز‬
‫ما الجسد فقد أعطانا بحياته البسيطة‬ ‫أ ّ‬
‫مثال ُيحتذى به للحد من جماح الجسد‪ ،‬فقد‬
‫عاش الحياة بعد أن حررها من قيودها ولهذا‬
‫تمتع بكل ما فيها‪ ،‬فكان يجلس على‬
‫شواطيء بحر طبرية يتأمل في ذاته ماء‬
‫ي كان يقضي‬ ‫الحياة‪ ،‬وفي بستان جسثيمان ّ‬
‫مصليا ً ومتأم ً‬
‫ل‪.‬‬ ‫خلواته ُ‬
‫ت قيييوده‪،‬‬ ‫ُ ْ‬ ‫حل‬ ‫لو‬ ‫العصفور‬ ‫ينتفع‬ ‫ماذا‬ ‫ولكن‬
‫ولم يطر لكي ُيحلق فييي السييماء؟! إذن لبييد‬
‫للنسييان أن يسييمو بييذاته‪ ،‬ميين خلل علقيية‬
‫طاهرة مع الله‪ ،‬وهل يمكن أن تحيا ميييع اللييه‬
‫بدون وصاياه؟! وماذا تقول لك الوصتتية؟‬
‫ريب َ َ‬ ‫ل قَل ْب ِ َ‬‫ن كُ ّ‬ ‫ب إ ِل َهَ َ‬
‫ك‬ ‫ب قَ ِ‬
‫ح ّ‬ ‫ك‪ ..‬ت ُ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ب الّر ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫َ"ت ُ ِ‬
‫ك" )مر ‪.(30:12،31‬‬ ‫س َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ك َن َ ْ‬
‫ن التخلص من قيود الذات‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫والحق إ ّ‬
‫والحياة مع الله‪ ،‬والعمل بوصاياه‪ ..‬يقود‬
‫الذات المنتصرة إلى المتلء والستمتاع‪،‬‬
‫فتصل إلى السعادة التي تنشدها! وهذه‬
‫السعادة تجعلها ترفض كل ما ُيقّيدها‪ ،‬ولكننا‬
‫‪26‬‬

‫‪81‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬
‫ن تحويل نقطة الرتكاز من النا إلى‬ ‫نعترف بأ ّ‬
‫الخر أمر بالغ الصعوبة‪ ،‬إل ّ إذا كان همزة‬
‫الوصل بينهما هو الله‪ ،‬إذ كيف نضع الخرين‬
‫ودنا أن نكون! ولهذا‬ ‫في المقدمة حيث تع ّ‬
‫حب‬ ‫ُ‬
‫يقول القديس أغسطينوس‪ " :‬ل يوجد ُ‬
‫حب‬ ‫حب الخرين ما لم ن ُ ِ‬ ‫ي به ن ُ ِ‬ ‫حقيق ّ‬
‫الله " ‪.‬‬
‫ويسييعى أطّبيياء وعلميياء النفييس لتحرييير‬
‫النسان من ذاته ولكن دون جدوى! فالنسان‬
‫خرج من الله ولن يحيا سعيدا ً بعيدا ً عنه‪ ،‬ومن‬
‫ينفصل عن الله هو في الحقيقة ينفصييل عيين‬
‫ن السيد المسيح قييال لمرثييا‪ " :‬أ ََنا‬ ‫الحياة! ل ّ‬
‫و‬
‫ولتت ْ‬‫َ‬ ‫ن ِبتتي َ‬ ‫م َ‬
‫نآ َ‬ ‫م ْ‬‫ة‪َ ،‬‬
‫حَيا ُ‬ ‫ْ‬
‫وال َ‬ ‫ة َ‬‫م ُ‬ ‫قَيا َ‬‫و ال ْ ِ‬
‫ه َ‬
‫ُ‬
‫حَيا " )يو ‪.(25:11‬‬ ‫ي‬
‫َ َ ْ‬ ‫س‬ ‫ف‬‫َ‬ ‫ت‬ ‫ما‬
‫َ َ‬
‫ن مشاكلنا الداخلية التي تؤلمنا‬ ‫وهل ُننكر أ ّ‬
‫والسياجات الواقية التي نضعها حولنا‪ ،‬وآثار‬
‫الجروح التي ورثناها ولم تبرأ‪ ،‬والصراعات‬
‫المريرة بين البشر‪ ..‬عوامل ُتزيد من صعوبة‬
‫حب‪ ،‬لو عشنا‬ ‫التضحية التي يفرضها علينا ال ُ‬
‫مستقلين عن الله؟!‬

‫‪27‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫شييييقياء اليييييذهييين‬

‫خلق الله النسان من تييراب الرض‪ ،‬ثييم "‬


‫م‬‫صتتاَر آدَ ُ‬ ‫ة‪َ ،‬‬
‫ف َ‬ ‫حي َتتا ٍ‬
‫ة َ‬
‫م َ‬
‫ست َ‬
‫ه نَ َ‬ ‫في أ َن ْ ِ‬
‫ف ِ‬ ‫خ ِ‬ ‫َن َ َ‬
‫ف َ‬
‫ة " )تييك‪ ،(7:2‬ومييا هييذه النفخيية‬ ‫ت‬
‫َ ّ ً‬ ‫ي‬ ‫ح‬ ‫ً‬ ‫ا‬‫فس‬ ‫نَ ْ‬
‫المقدسة سوى الروح العاقلة‪ ،‬التي مّيزه بهييا‬
‫الله عن الحيوان‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫مفك ّتتتر ولهتتتذا‬ ‫إذن فالنسيييان كتتتائن ُ‬
‫السبب قتتد يستتعد أو يتتتألم! لن ّييه يملييك‬
‫وعيييا ً يجعلييه يييدرك مشيياكله ويعييرف سيير‬
‫شقائه! أليس الفكر هييو الييذي يضييع النسييان‬
‫وجهييا ً لييوجه أمييام العييدم؟ أل يقييترن الفكيير‬
‫البشريّ بمشاعر الضيق والخوف والقلق‪..‬؟‬
‫ن عقل النسييان‬ ‫نستطيع أن نقول‪ :‬إ ّ‬
‫هو أرض معركة استراتيجية فييي الكييون‪،‬‬
‫وهذه المعركة لن تنتهييي إل ّ بمييوت النسييان‪،‬‬
‫ن الفكر ل يتوقف حييتى أثنيياء النييوم! ولهييذا‬ ‫ل ّ‬
‫ن النضال من أجل السيطرة على الفكييار‪،‬‬ ‫فإ ّ‬
‫هييو نضييال دائم وكفيياح مسييتمر‪ ،‬ميين أجييل‬
‫السيطرة على النسييان‪ ،‬فعقييل النسييان هييو‬
‫ي بييين سائرالعضيياء‬ ‫مركييز التصييال الرئيس ي ّ‬
‫والجهزة المختلفة‪ ،‬وكل مييا يييدور فييي ذهننييا‬
‫ُيحدد نوعية شخصيييتنا‪ ،‬ولهيذا يقييول سييليمان‬
‫َ‬
‫ه‬
‫ست ِ‬ ‫فتتي ن َ ْ‬
‫ف ِ‬ ‫عَر ِ‬ ‫متتا َ‬
‫شت َ‬ ‫ه كَ َ‬
‫الحكيييم‪ " :‬لن ّ ت ُ‬
‫و " )أم‪ ،(7:23‬فما نفكيير فيييه ُيحييدد‬ ‫ه َ‬ ‫هك َ َ‬
‫ذا ُ‬ ‫َ‬
‫ميا نفعليه‪ ،‬وميا نفعلييه ُيحيدد مسييتقبلنا أو ميا‬
‫سنكون عليه‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫ولو نظرنا إلى طبيعة الحياة‪ ،‬لوجدنا أّنها‬
‫تتذبذب بين قطبي اللذة واللم‪ ،‬هنا تظهر‬
‫إيجابية التفكير‪ ،‬عندما يقود النسان إلى‬
‫حدة‬ ‫الفرح! وما هو الفرح؟ أليس تخفيف ِ‬
‫ما إذا استغرق النسان في تأملته‬ ‫اللم! أ ّ‬
‫النرجسية‪ ،‬مستسلما ً لفكاره العنكبوتية‪ ،‬فإّنه‬
‫لن يرى في النهاية سوى صورة شبحه‪.‬‬
‫يقول أحد الباء‪ " :‬أنت ل تستطيع أن‬
‫غرابا ً يحوم حولك‪ ،‬ولكّنك تستطيع أن‬ ‫تمنع ُ‬
‫تمنعه من أن ُيعشعش داخل رأسك! "‪ ،‬وهذا‬
‫مطلق‬ ‫ن النسان ليس له سلطان ُ‬ ‫يؤكد لنا أ ّ‬
‫على أفكاره‪ ،‬ولكّنه يملك القدرة على إنهاء‬
‫كر فيه ‪ ،‬وهل ُننكر أننا فجأة وعلى غير‬ ‫ما ُيف ّ‬
‫كر مواقف حدثت في طفولتنا‬ ‫المتوقع‪ ،‬نتذ ّ‬
‫واعتقدنا أّنها قد ماتت؟! وما أكثر الشخصيات‬
‫همنا أننا نسيناها وإذا بصورهم تتراءى‬ ‫التي تو ّ‬
‫على شاشة الذهن!!‬
‫ن النسان ليس جهاز تسجيل أو‬ ‫والحق إ ّ‬
‫ور دون إرادته! إّنما‬‫آلة تصوير‪ُ ،‬يسجل أو يص ّ‬
‫النسان إدراك يلتقط ويميز ما يلتقطه‪،‬‬
‫وذاكرة تتخير وتستبقي ما ُتريده‪ ،‬ومعنى هذا‪:‬‬
‫‪30‬‬

‫‪02‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪81‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬
‫ن النسان له قدرة أل ّ يتفاعل مع كل ما‬ ‫إ ّ‬
‫تقع عليه عيناه‪ ،‬أو ما يطرق بياب ُأذنيه‪ ،‬بل‬
‫ما يريده فقط! والحكيم هو من ل يفتح أبوابه‬
‫ور‪،‬‬
‫ن الفكر يتط ّ‬‫إل ّ للفكر البّناء لّنه يعرف أ ّ‬
‫فعن طريق الحواس ينتقل ما يراه أو‬
‫يسمعه‪ ..‬إلى الذهن‪ ،‬فيتناوله الخيال فتصير‬
‫الفكرة أفكار‪ ،‬تتملك على القلب‪ ،‬وُتسيطر‬
‫على المشاعر‪..‬‬
‫وينظر كثيرون للفكر على أّنه سبب‬
‫شقاء النسان‪ ،‬لّنه ُيزيد من إحساسه‬
‫بحقيقته الضعيفة والعاجزة! ولكن أل تدلنا‬
‫ن البحث والستكشاف بكل ما‬ ‫التجربة على أ ّ‬
‫ً‬
‫يشمل من جهد وأخطاء‪ ..‬كثيرا ما يكون‬
‫سبب لذة كبرى لعلماء ومفكرين؟! المهم هو‬
‫كر؟ وعندما ُنفكر‬ ‫ي شيء نحن ُنف ّ‬ ‫في أ ّ‬
‫هل يكون لله دور أم نعتمد على أنفسنا؟‬
‫قد نكون على صواب إذا قلنا مع أحد‬
‫ن متعة النسان ل تنحصر في‬ ‫المفكرين‪ :‬إ ّ‬
‫امتلكه الحقيقة فقط‪ ،‬بل في الجهد الذي‬
‫يبذله من أجل الوصول إليها!‬

‫‪31‬‬
‫ن كل ما يحصل عليه النسان‬ ‫والحق إ ّ‬
‫بسهولة يقوده إلى التكاسل والغرور‪ ..‬وكما‬
‫ي‪ " :‬كل فضيلة‬ ‫قال مار إسحق السريان ّ‬
‫تحصل عليها بغير تعب هى من نصيب‬
‫الشيطان "‪.‬‬
‫ن الفكر هو سر عظمة‬ ‫ّ‬ ‫بأ‬ ‫نعترف‬
‫النسان‪ ،‬وبدونه ل تكتمل إنسانية النسان‪،‬‬
‫ولهذا يقول " باسكال " الفيلسوف‬
‫ً‬
‫ور إنسانا بل‬ ‫ي‪ :‬إنني أستطيع أن أتص ّ‬ ‫الفرنس ّ‬
‫ور‬‫ّ‬ ‫أتص‬ ‫أن‬ ‫أستطيع‬ ‫ل‬ ‫ولكنني‬ ‫رجلين‪،‬‬ ‫يدين أو‬
‫إنسانا ً بل فكر‪ ،‬لّنه سيكون مجرد صخرة أو‬
‫جماد!‬
‫هناك قصة طريفة تقول‪ :‬في يوم ما‬
‫حدثت مشاحنة بين الورق والقلم والحبر‪،‬‬
‫حول من هو العظم في الرواية! واستمع‬
‫المؤلف وابتسم‪ ،‬لّنه يعرف جيدا ً أّنهم جميعا ً‬
‫ل يستطيعون أن يعملوا شيئا ً بدونه‪ ،‬إذ هو‬
‫الذي يضع البطال في أماكنهم‪ ،‬ويربط بينهم‪،‬‬
‫وُيحدد دور كل بطل‪ ،‬وجمال الرواية ل يقف‬
‫عند ورق الكتاب الذي يكتب عليه‪ ،‬أو نوع‬
‫كتب به‪،‬‬ ‫القلم الذي يكتب به‪ ،‬أو الحبر الذي ُ‬
‫‪32‬‬
‫بل يرجع أول ً وأخيرا ً إلى المادة التي أفرغها‬
‫ذهن المؤلف‪ ،‬أو صنعها بعبقريته وفهمه!‬
‫؟؟؟؟ ؟؟ ؟؟؟ ؟؟؟؟ ؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟‬
‫ن " أفكار البشر ذات أحجام "‬ ‫الواقع أ ّ‬
‫)حكمة ‪ ،(14:9‬فإذا حاول النسان أن يتخطى‬
‫السياج الذي وضعه الله فيه‪ ،‬فإّنه سيجد‬
‫ي‬
‫نفسه بإزاء ألغاز أبدية‪ ،‬يستحيل على أ ّ‬
‫فكر محدود أن يعرف أسرارها‪ ،‬ولهذا فإّنه‬
‫سيعود من جولته الفكرية خائبًا! وها نحن‬
‫كر بعقل‬ ‫نتساءل‪ :‬كيف لنسان محدود أن ُيف ّ‬
‫محدود في الله غير المحدود؟! هل يمكن‬
‫لكائن ماديّ أن يرى الروح؟! نعترف بأن‬
‫التفكير الخاطيء في نشأة وتكوين‬
‫الحياة هو انصراف عن المعنى‬
‫خلق ل لكي‬ ‫ي للحياة‪ ،‬فالنسان ُ‬ ‫الحقيق ّ‬
‫مطلقة بل ليعيشها!‬ ‫ُ‬ ‫بصورة‬ ‫الحياة‬ ‫يفهم‬
‫ن كثيرين من الذين يتميزون ببساطة‬ ‫ولهذا فإ ّ‬
‫الفكر ينعمون بحياة هادئة‪ ،‬بينما يبقى‬
‫فلسفة وعلماء ومفكرون‪ ..‬عاجزون عن‬
‫ي مع غيرهم‪ ،‬ولهذا‬ ‫تحقيق تواصل حقيق ّ‬
‫‪33‬‬

‫‪22‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬
‫اقترنت حياة كثيرين من أصحاب الفكر‬
‫بمعاني التوتر واللم‪!..‬‬
‫وقيييد يطييييع النسيييان العتتالم فيخضيييع‬
‫لمعتقداته‪ ،‬وتتقّيد أفكيياره بالعييادات والتقاليييد‬
‫ن سييعادته ليين‬ ‫السائدة‪ ،‬ويتوّلد لديه اعتقاد بييأ ّ‬
‫تتحقييق إل ّ إذا حصييل علييى رغبيياته العالمييية!‬
‫وهنا نتساءل‪ :‬أين الله؟ أليس له مكان فييي‬
‫مطابقيا ً لفكييار‬ ‫ن فكره قد صييار ُ‬ ‫ة؟! ول ّ‬ ‫الخط ‍‬
‫فتتي‬ ‫ع ِ‬‫ضت َ‬‫و ِ‬‫ق تد ْ ُ‬ ‫ن العالم " َ‬
‫العالم في حين أ ّ‬
‫ن النسيان‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫نجد‬ ‫لذلك‬ ‫(‪،‬‬‫‪19:5‬‬ ‫شّرير" )‪1‬يو‬ ‫ال ّ‬
‫يجلب لنفسه الشقاء‪ ،‬بسييبب عييدم اسييتخدام‬
‫العقل ‪ -‬عطية الله الصالحة ‪ -‬بصورة إيجابية‪.‬‬
‫ن العالم كثيرا ً ما يجرفنا لنسير‬ ‫ل ُننكر أ ّ‬
‫ن الله يمل‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫ننسى‬ ‫ل‬ ‫ولكن‬ ‫مع أمواجه‪،‬‬
‫الكون‪ ،‬وهو موجود بجوار المياه الجارفة‬
‫حتى متى جرفتنا أمواج العالم‪ ،‬واستحوذت‬
‫دوامة المور الزمنية على أفكارنا ومشاعرنا‬
‫ُنسرع إليه ونمسك به طالبين المعونة‬
‫والنجاة‪.‬‬
‫وبنفس الطريقة يستطيع الجسد أن‬
‫يأسر العقل‪ ،‬عندما يخضع النسان لسلطان‬
‫‪34‬‬

‫‪42‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬
‫غرائزه ويستجيب لنداء شهواته‪ ..‬فيصير‬
‫العقل مهتما ً بالجسد وشهواته‪ ،‬ويبتعد تلقائيا ً‬
‫وةٌ‬ ‫دا َ‬ ‫ع َ‬‫و َ‬ ‫ه َ‬
‫د ُ‬‫س ِ‬ ‫ج َ‬‫م ال ْ َ‬
‫ما َ‬‫هت ِ َ‬‫نا ْ‬ ‫عن الله " ل َ ّ‬
‫د لَ‬
‫س ِ‬‫ج َ‬ ‫في ال ْ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬‫ن ُ‬ ‫ذي َ‬‫وال ّ ِ‬
‫ه‪َ ..‬‬ ‫ل ِل ّ ِ‬
‫ه" )رو‪.(7 :8‬‬ ‫َ‬
‫ضوا الل َ‬ ‫ن ي ُْر ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫عو َ‬ ‫طي ُ‬‫ست َ ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫ما الشيطان فيستطيع أن يصل بسهولة‬ ‫ّ‬ ‫أ‬
‫إلى أذهاننا‪ ،‬ليغرس فينا أفكار شك وتجديف‬
‫ونجاسة‪ ..‬وكثير من أبناء الله ينزعجون من‬
‫هذه الفكار‪ ،‬وأكثرهم يتساءلون‪ :‬كيف نكون‬
‫أولد الله‪ ،‬ومثل تلك الفكار تتسرب إلى‬
‫عقولنا؟!‬
‫ن الفكر ل يولد من رحم‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫نؤكد‬ ‫هنا‬
‫ي ثم يأتي للنسان‪ ،‬فمعظم أفكارنا‬ ‫خارج ّ‬
‫ما‬
‫ّ‬ ‫أ‬ ‫‪،‬‬‫واهتماماتنا‬ ‫وغرائزنا‬ ‫حواسنا‬ ‫عن‬ ‫ناتجة‬
‫كل ما يأتينا من الخارج فهو مجرد معلومات"‬
‫‪ "Information‬ل تدخل الذاكرة" ‪ " Memory‬إل ّ‬
‫إذا اندمجت مع الفكار السابقة‪.‬‬
‫ن هناك صورا ً كثيرة من‬ ‫ومن الملحظ أ ّ‬
‫ي‪ ،‬ومنها استرجاع‬ ‫صور التفكير السلب ّ‬
‫الذكريات القديمة رغم ما فيها من جروح‬
‫ن مثل هذه الذكريات‬ ‫وعثرات! وننسى أ ّ‬
‫‪35‬‬
‫الباهتة ذخيرة حّية تقتلنا‪ ،‬أو هى قيد‬
‫يحد من حركتنا في كل من الحاضر‬
‫ن النفخ في الرماد‬ ‫والمستقبل‪ ،‬وهل ُننكر أ ّ‬
‫قد يؤذي العيون؟ أليس أفضل لنا أن نجعله‬
‫يذهب مع الريح؟‬
‫أمام هذه التحديات التي تواجه الفكر‪ ،‬ل‬
‫يوجد سوى سلح التوبة نستطيع به أن‬
‫ض‬ ‫ّ‬
‫ُنحارب أعداءنا‪ ،‬ونتخلص من شوائب ما ٍٍ‬
‫عشناه في حياة لوثتها الخطية‪ ،‬وفكر أسره‬
‫العالم‪ ،‬وسباه الشيطان‪ ،‬فالتوبه ُتنير القلب‬
‫حب الله‪ ،‬وتجعل الضمير يتعامل مع‬ ‫وتمله ب ُ‬
‫د! فإذا اعترفنا بخطايا‬ ‫العقل بُأسلوب جدي ‍‬
‫الفكر‪ ،‬ورأى الله رغبتنا الصادقة في حياة‬
‫التوبة‪ ،‬ففي الحال يتدخل بنعمته اللهية وذلك‬
‫لكي يساعد النسان على التخّلص من هيمنة‬
‫وسلطان أفكاره الخاطئة‪ ،‬ولكن ليس بصورة‬
‫مطلقة‪ ،‬فالمغفرة ل تعني العصمة من‬ ‫ُ‬
‫الخطية‪.‬‬
‫فالمسيح قد أقام لعازر من الموت! ولكّنه‬
‫خرج من القبر مربوطا ً بأربطة الكفن‪،‬‬
‫ن الجسد بغرائزه والشيطان‬ ‫كما أ ّ‬
‫‪36‬‬
‫بحسده‪ ،‬يكافحان باستمرار لسترجاع ما قد‬
‫ن باب العقل قد ُفتح‬ ‫ضاع منهم‍ا! حقا ً إ ّ‬
‫ً‬
‫لستقبال كلمة الله‪ ،‬لكّنه ل يزال منفتحا على‬
‫أشياء ُأخرى‪ ،‬فأشباح الفكر القديم تريد‬
‫بمداومة أن تهزمنا‪ ،‬وُتدخل اليأس إلى‬
‫ي القبيح باستمرار ُيلحقنا‪.‬‬ ‫عقولنا‪ ،‬والماض ّ‬
‫ن منياطق كيثيرة فيي العقيل‪ ،‬ظليت‬ ‫كما أ ّ‬
‫ن كييثيرة تحييت حكييم السييادة القييدامى‬ ‫سييني َ‬
‫الييذين يبثييون سييمومهم‪ ،‬ولكيين هييذا ليييس‬
‫ح‬
‫ضدّ التتّرو ِ‬ ‫هي ِ‬ ‫سدَ ي َ ْ‬
‫شت َ ِ‬ ‫ج َ‬ ‫ن " ال ْ َ‬‫بغريب‪ ،‬ل ّ‬
‫م‬‫و ُ‬‫قتتا ِ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫هتت َ‬
‫ذا ِ‬ ‫و َ‬‫د‪َ ،‬‬ ‫ستت ِ‬‫ج َ‬ ‫ْ‬
‫ضتتدّ ال َ‬ ‫ح ِ‬ ‫والتتّرو ُ‬ ‫َ‬
‫ختتتتَر " )غييييل‪ ،(17:5‬وأرض‬ ‫ما ال َ‬ ‫َ‬
‫ه َ‬‫حتتتتدُ ُ‬‫أ َ‬
‫المعركة هى العقل‪ ،‬ومن ي ُييدرك هييذا يكسييب‬
‫ما لصالح الجسد أو لصالح الروح !‬ ‫المعركة‪ ،‬إ ّ‬
‫هنا تأتي المرحلة الثانية‪ ،‬من مراحل‬
‫تحرير الفكر أل وهى‪ :‬رفض بل نبذ كل‬
‫سلطان منحناه في عقولنا‪ ،‬سواء للعالم أو‬
‫للشيطان أو للجسد أو للناس‪ ..‬عن طريق‬
‫إرادتنا‪ ،‬التي يجب أن تشترك مع الله وإل ّ‬
‫مصّيرة! فالله منحك‬ ‫أصبحنا كائنات سلبية‪ُ ،‬‬
‫حّرة لكي تستخدمها‪ ،‬ولهذا قال‬ ‫إرادة ُ‬
‫‪37‬‬
‫ن الله الذي خلقك‬ ‫ُ‬
‫القديس أغسطينوس‪ :‬إ ّ‬
‫بدونك لن ُيخّلصك بدونك‪.‬‬
‫ن التوقف عند مرحلة التوبة فقط ل‬ ‫لك ّ‬
‫م"‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫ه‬‫ذ‬ ‫ح‬
‫ِ ُ ِ ِ ْ ِ ْ‬ ‫رو‬ ‫ب‬ ‫دوا‬ ‫د‬ ‫ج‬
‫َ َ َ ّ ُ‬‫ت‬ ‫ت‬ ‫"‬ ‫أن‬ ‫فلبد‬ ‫يكفي‪،‬‬
‫)أف ‪ ،(22 :4‬بأن يكون لنا فكر المسيح )‬
‫‪1‬كو ‪ ،(16:2‬فالعقل أشبه بماء راكض‪ ،‬وهو‬
‫ي‪ ،‬لكي يدفعه إلى‬ ‫في حاجة إلى ماء ح ّ‬
‫المام‪ ،‬وتتنقى الترعة من عفونته‪ ،‬وهكذا‬
‫تتقيد الفكار القديمة التي كانت تقهرنا‬
‫ي‪ ،‬لكي تسيطر‬ ‫وُتطالب بأحقية الحكم الذات ّ‬
‫طمت العبودية‬ ‫كم فينا‪ ،‬لقد تح ّ‬ ‫علينا وتتح ّ‬
‫ن أفكارنا أصبحت‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ً‬ ‫ا‬‫حر‬ ‫أصبح‬ ‫والذهن‬
‫خاضعة لفكر المسيح‪.‬‬
‫دث مرة‬ ‫ُ‬ ‫يح‬ ‫ل‬ ‫الذهن‬ ‫ن تجديد‬ ‫إل ّ أ ّ‬
‫ن الصراع لن‬ ‫فحسب‪ ،‬بل هو تجديد دائم‪ ،‬ل ّ‬
‫ينتهي‪ ،‬والحروب لن تهدأ‪ ،‬والسقوط ل‬
‫ن حياتنا الروحية أشبه‬ ‫يتوقف‪ ،‬وهل ُننكر أ ّ‬
‫بترمومتر‪ ،‬حرارته في صعود وهبوط على‬
‫الدوام؟! هنا يأتي دور التوبة المستمرة‪،‬‬
‫والرغبة الصادقة في الحياة مع الله‪ ،‬وشغل‬
‫الفكر باليجابيات والروحيات‪...‬‬
‫‪38‬‬
‫ن الله‬
‫كما أنّ التجديد ل يمنع التجربة‪ ،‬ل ّ‬
‫قد يقطع خط السلطان‪ ،‬ولكّنه ل يقطع خط‬
‫التصال‪ ،‬وهو ل يسلب حريتنا‪ ،‬ولكن ما الذي‬
‫يمكن أن يعمله خيط مقطوع أو فخ‬
‫مكسور؟!‬
‫ن التجربة ليست هى المشكلة‬ ‫ّ‬ ‫بأ‬ ‫نعترف‬
‫الحقيقية وإّنما الخطورة هى السلطان الذي‬
‫تحتله التجربة في عقولنا‪ ،‬إذن ليس النسان‬
‫حبيس أفكاره فكل شيء قابل للصلح وكل‬
‫ن الله أعطانا هذا‬
‫فكر قابل للتغيير‪ ،‬ل ّ‬
‫السلطان‪.‬‬

‫‪39‬‬

‫‪62‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬
‫الفصل الرابع‬

‫سيلطيان الغيييرائيز‬

‫ن كلمة غريزة ُتشير إلى كل ما غرزه أو‬ ‫إ ّ‬


‫وضعه الله فينا‪ ،‬إذن فالغرائز ليست شرًا‪،‬‬
‫إّنما استخدام النسان الخاطيء لها‪ ،‬هو الذي‬
‫يقوده إلى فعل الشرور‪.‬‬
‫ما الغرائز فكثيرة ولكننا سوف نتحدث‬ ‫أ ّ‬
‫خلق‬ ‫ُ‬ ‫أن‬ ‫منذ‬ ‫‪،‬‬ ‫أساسيتين‬ ‫غريزتين‬ ‫عن‬
‫ن الحياة ل يمكن أن‬ ‫النسان وهو يدرك أ ّ‬
‫تنمو بدونهما أل وهما‪ :‬الطعام والجنس‪.‬‬
‫ن الله قد أعطانا الطعام‬ ‫ونحن ل ُننكر أ ّ‬
‫لنأكل‪ ،‬فننمو ونعمل‪ ،‬أليس الله هو الذي خلق‬
‫النبات والشجار بثمارها الشهية؟ ولماذا‬
‫خلقها؟ أليس لكي يأكل منها النسان فيحيا‬

‫‪40‬‬

‫‪-6 -‬‬
‫ن الله يريد أن نحيا فقط ل‬ ‫)تك ‪ ،(16 :2‬لك ّ‬
‫أن نكون عبيدا ً لبطوننا!‬
‫قل بالطعام‪،‬‬ ‫ن البطن عندما ُتث ّ‬ ‫نعترف بأ ّ‬
‫ن الذهن ل يقوى على ضبط أفكاره فُيصيبه‬ ‫فإ ّ‬
‫التشتت‪ ،‬هذا وقد أوضح لنا الكتاب المقدس‪،‬‬
‫ن السبب الرئيسي لشهوة الجسد في مدينة‬ ‫أ ّ‬
‫سدوم‪ ،‬ليس هو السكر بالخمر فقط‪ ،‬وإّنما‬
‫الكبرياء مع الشبع الزائد بالطعام‪ ،‬ولهذا‬
‫عندما أراد الله أن يوبخ أورشليم قال‪ " :‬ه َ‬
‫ذا‬
‫ع‬ ‫وال ّ‬
‫شب َ ُ‬ ‫رَياءُ َ‬‫م ال ْك ِب ْ ِ‬
‫دو َ‬‫س ُ‬
‫ك َ‬ ‫خت ِ ِ‬ ‫م أُ ْ‬ ‫ن إ ِث ْ َ‬
‫كا َ‬ ‫َ‬
‫ز" )حز ‪.(49 :16‬‬ ‫خب ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫ن السحابة تحجب ضوء‬ ‫ّ‬ ‫إ‬ ‫قلنا‬ ‫إذا‬
‫ن بخار البطن الناتج عن كثرة‬ ‫الشمس‪ ،‬فإ ّ‬
‫الطعمة يحجب عنا حكمة الله‪.‬‬
‫ن النار تتأجج بالحطب اليابس‪،‬‬ ‫وكما أ ّ‬
‫هكذا أيضا ً الجسد يشتعل عندما تتخم البطن‬
‫بالطعمة الدسمة‪.‬‬
‫أليست إضافة الحطب إلى الحطب ُيزيد‬
‫لهيب النار اشتعال ً ؟ وهكذا أيضا ً تنوع‬
‫الطعمة والتلذذ بها‪ُ ،‬يزيد شهوات الجسد‬
‫ويشعل نيرانها في أعضائه‪.‬‬
‫‪41‬‬
‫ن شهوة الطعام كما يرى القديس‬ ‫والحق إ ّ‬
‫يوحنا كاسيان‪ ،‬تكشف عيين حاليية الفتتراغ‬
‫ي الذي يعيييش فيييه النسييان! فييالن ََهم‬ ‫الداخل ّ‬
‫هو ترمومتر‪ ،‬غالبيا ً مييا ُيشييير إلييى مييرض قييد‬
‫أصييياب النفيييس فأفقيييدها فرحهيييا وسيييلمها‬
‫ن النفييس‬ ‫ي‪ ،‬فميين المعييروف أ ّ‬ ‫وشبعها الروح ّ‬
‫البشييرية عنييدما ُتعليين إفلسييها‪ ،‬فإّنهييا تفسييح‬
‫المجييال للجسييد ل َعَّلييه بكييثرة الكييل وتنييوع‬
‫الطعام بغير ضابط‪ ،‬يمكن أن يتلّهى النسييان‬
‫ويجد سعادته!‬
‫هم ليييس هييو مجييرد‬ ‫ن علج الن َ َ‬ ‫ولهذا فييإ ّ‬
‫المتناع عن بعض الطعمة‪ ،‬أو الصوم فييترات‬
‫طويليية‪ ..‬وإّنمييا إشباع العمتتاق الداخليتتة‬
‫ي النازل من الستتماء! ولهييذا‬ ‫بالخبز الح ّ‬
‫حيد َهُ‬ ‫خب ْزِ وَ ْ‬ ‫ْ‬
‫س ِبيال ُ‬ ‫َ‬
‫يقول رب المجد يسوع‪ " :‬لي ْ َ‬
‫ن فَم ِ الل ِّ‬
‫ه‬ ‫خ ُ ُ ِ ْ‬
‫م‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫ل ك َل ِ َ‬
‫مة ٍ ت َ ْ‬ ‫ل ب ِك ُ ّ‬
‫ن‪ ،‬ب َ ْ‬ ‫سا ُ‬
‫حَيا ال ِن ْ َ‬
‫يَ ْ‬
‫" )مت ‪.(4:4‬‬
‫ي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الروحان‬ ‫مفهومه‬ ‫في‬ ‫الصوم‬ ‫ن‬‫والحق إ ّ‬
‫ليس حرمان الجسد وإذلله كما يظن البعض‪،‬‬
‫فهذا ليس في حد ذاته فضيلة‪ ،‬فالصوم‬
‫وسيلة تقيود إلى انطلق الروح‪ ،‬وهو ليس‬
‫‪42‬‬
‫مجرد علقة ثنائية بين النسان والطعام‪ ،‬إّنما‬
‫الصوم كما يقول قداسة البابا شنوده‪" :‬‬
‫علقة ُثلثية مركزها الله الذي يربط بين‬
‫النسان والطعام‪ ،‬وليس علقة بين اثنين هما‬
‫النسان والطعام " ‪.‬‬
‫ن الريشة إذا كانت غير ملتصقة بشيء‬ ‫إ ّ‬
‫ما إذا كانت‬ ‫ترفعها أخف ريح عن الرض‪ ،‬أ ّ‬
‫مبتلة فإّنها تصبح ثقيلة‪ ،‬هكذا أيضا ً النسان‬
‫المنهمك باللذات فلثقله ل يرتفع إلى العلء‪،‬‬
‫والعود المتشبع بالرطوبة إذا وضع في النار‪،‬‬
‫ل تؤثر فيه إلى أن ُتنزع منه الرطوبة‪،‬‬
‫والجسد الشبعان ل تؤثر فيه نار محبة الله‬
‫حتى يجف بالصوم‪.‬‬
‫وأيضا ً الزرع النابت في مستنقع الماء‪ ،‬ل‬
‫يعيش لمتناع حرارة الشمس عنه بسبب‬
‫كثرة الرطوبة‪ ،‬فإن أردت أن ينمو فاقطع‬
‫الماء عنه واسقه عند اللزوم‪ ،‬وهكذا الجسد‬
‫المنغمس في مياه الشراهة قّلما يعيش‪.‬‬
‫ن الصوم هو أكبر معين على‬ ‫والحق إ ّ‬
‫تهذيب الحواس وتسكين شهوات الجسد‪،‬‬
‫وكل جهاد ضد الشهوة يجب أن يبدأ أول ً‬
‫‪43‬‬
‫بالصوم‪ ،‬الذي وصفه القديس باسيليوس‬
‫الكبير بأّنه‪ " :‬سجن الرذائل "‪.‬‬
‫ن المبالغة في الصوم لها سلبياتها‬ ‫غير أ ّ‬
‫ورّبما ُتضعف الجسد وبالتالي تعوق انطلق‬
‫الروح! من هنا كانت أهمية العتدال الذي‬
‫يصفيه مار ُأغريس بأّنه " زينة الفضائل"‪.‬‬
‫ن العازف الماهر ل يشد أوتار الجيتار‬ ‫إ ّ‬
‫بقوة لكي ل تنقطع‪ ،‬وعليه أيضا ً أل ّ يرخيها‬
‫كثيرًا‪ ،‬حتى ل تفقد نغمتها وتتوقف الموسيقى‬
‫العذبة عن النسياب منها‪.‬‬
‫ِقلة المياه ُتجفف المحصول‪ ،‬ولكن كثرة‬
‫المياه أيضا ً ُتفسده‪ ،‬المر نفسه بالنسبة‬
‫للصوم‪ ،‬فالمتناع عن الطعام الزائد عن طاقة‬
‫النسان ُيضعفه وُيمرضه وُيعيق تركيزه‬
‫ي‪.‬‬
‫الداخل ّ‬
‫من‬ ‫َ‬ ‫تعزياته‪،‬‬ ‫يختبر‬ ‫أن‬ ‫يمكن‬ ‫فل‬ ‫الله‬ ‫ما‬‫أ ّ‬
‫من ينام‬ ‫ً‬
‫من ل يأكل أبدا ‪ ،‬ول َ‬ ‫ً‬
‫يأكل كثيرا أو َ‬
‫من هيو مستيقظ دائمًا‪ ،‬فالتقدم في‬ ‫كثيرا ً أو َ‬
‫الحياة الروحية يكون بالعتدال في الكل‬
‫ن الله ل ُيدرك عبر‬ ‫والنوم والقراءة‪ ...‬ل ّ‬
‫المجهودات العنيفة التي تفوق طاقتنا‪ ،‬بل‬
‫‪44‬‬

‫‪01‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬
‫كيرل‬
‫شيريس إبرام‬
‫دينا‬
‫ندرك الله عبر الحكمة والوعي‬ ‫نستطيع أنمينا‬
‫والنتباه‪ ..‬وفى التوازن بين العمل واللعمل‪..‬‬ ‫عادل‬
‫والتجرد‪ ..‬والخدمة والوحدة‪ ..‬تكمن‬ ‫أمجد‬ ‫هالة‬
‫والمتلك‬
‫ي‪.‬‬‫أسرار النجاح الروح ّ‬
‫ما الجنتتس فهييو‬ ‫هذا عن غريزة الطعام‪ ،‬أ ّ‬
‫ن اللييه خلييق كييل شييئ طياهرا ً فيي‬ ‫دس ل ّ‬ ‫مق ّ‬ ‫ُ‬
‫النسان! وقد أشار اللييه منييذ بداييية الخليقيية‪،‬‬
‫ك‬ ‫إلييى اتحيياد الرجييل بييامرأته إذ قييال‪ " :‬ل ِذَل ِ َ‬
‫مَرأ َت ِ ِ‬ ‫ل أ َباه ُ‬
‫ه‬ ‫ق ِبا ْ‬
‫ص ُ‬‫وي َل ْت َ ِ‬‫ه َ‬‫م ُ‬
‫وأ ّ‬ ‫ج ُ َ ُ َ‬ ‫ك الّر ُ‬ ‫ي َت ُْر ُ‬
‫حدا ً " )تك ‪.(24:2‬‬ ‫َ ِ‬‫وا‬ ‫ً‬ ‫ا‬‫سد‬‫وي َ ُ َ ِ َ َ‬
‫ج‬ ‫ن‬ ‫نا‬ ‫كو‬ ‫َ‬
‫ن الجنس وإن كييان وسيييلة‬ ‫ونحن ل ُننكر أ ّ‬
‫ن هناك أهييداف ُأخييرى وراء‬ ‫لحفظ النوع‪ ،‬إل ّ أ ّ‬
‫العلقة الجنسية في إطار الزواج‪ ،‬وهييل خلييق‬
‫الله حواء من أجل النجيياب فقييط؟ ألييم يقييل‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ع‬
‫صين َ َ‬ ‫حيد َهُ فَأ ْ‬‫م وَ ْ‬‫ن آد َ ُ‬ ‫كو َ‬‫ن يَ ُ‬‫جّيدا ً أ ْ‬ ‫س َ‬ ‫الله‪ " :‬ل َي ْ َ‬
‫ظيَرهُ " )تك‪.(18:2‬‬ ‫عينا ً ًن َ ِ‬‫م ِ‬‫ه ُ‬‫لَ ُ‬
‫ن التحيياد الجسييديّ بييين الرجييل‬ ‫والحييق إ ّ‬
‫والمرأة‪ ،‬ل يمكن أن ُيحقق هييدفه إذا اسييتقل‬
‫عن الله! الذي له الدور العظييم فييي توطيييد‬
‫حييب بييين الزوجييين‪ ،‬أل تييرى كييثيرين‬ ‫دعائم ال ُ‬
‫تزوجوا ولم ُيحققييوا الوحييدة المطلوبيية الييتي‬
‫‪45‬‬
‫ن هييذا‬ ‫تمنوها؟ فلماذا هييذا الخفيياق؟ أعتقيد أ ّ‬
‫يرجع إلى نقص عنصتتر هتتام‪ ،‬يسييتطيع أن‬
‫يجمعهمييا فييي جسييد واحييد‪ ،‬فمييا هييو هييذا‬
‫ن هنيياك غييير رب المجد‬ ‫العنصر؟ ل أظن أ ّ‬
‫يسوع يستطيع أن يؤدي هذه المهمة بنجيياح‪،‬‬
‫مهميية توحيييد البشييرية كلهييا ‪ -‬ل المييتزوجين‬
‫فقط ‪ -‬في جسد واحد‪.‬‬
‫ن للجنس أهدافا ً كثيرة سامية‬ ‫نعترف بأ ّ‬
‫ن النسان المّيال للشر‪ ،‬انحرف به عن‬ ‫ولك ّ‬
‫ي‪ ،‬فأصبحنا نسمع عن‬ ‫ّ‬ ‫الطبيع‬ ‫مساره‬
‫انحرافات ل حصر لها‪ ،‬وأصبح الجنس مصدر‬
‫عذاب للنسان وصاحب سيادة‪ ،‬وهيهات‬
‫للنسان الذي يعانق الشهوة أن يكون بعيدا ً‬
‫عن نيران اللم‪.‬‬
‫ن الجنس غريزة‪ ،‬إذن فجذوره‬ ‫نعترف بأ ّ‬
‫متأصلة في صميم التربة البشرية ولهذا ليس‬
‫ِبدعا ً أن يكون له سلطان علينا‪ ،‬وما على‬
‫ن يحترسوا‪ ،‬فالشبل قد يصير‬ ‫البشر إل ّ أ ّ‬
‫أسدًا‪ ،‬والبذرة شجرة‪ ،‬والدودة ثعبانا‪..‬‬
‫ً‬
‫ن رفض الله للعلقات الجنسية‬ ‫والحق إ ّ‬
‫خارج نطاق الزيجة‪ ،‬صادر عن معرفة عميقة‬
‫‪46‬‬
‫حب الذي يرتقي بالنسان‬ ‫خص في تغذية ال ُ‬ ‫تتل ّ‬
‫إلى قمة النسانية‪ ،‬ل أن يهبط به إلى‬
‫ما العلقة القائمة على الشهوانية‪،‬‬ ‫الحيوانية‪ ،‬أ ّ‬
‫حب ما أن ينمو حتى يذبل‬ ‫فهى تجعل ُ‬
‫ال‬
‫سريعًا!!‬
‫ي ُيكلف قليل ً هذه حقيقة‪،‬‬ ‫ن الحب الجنس ّ‬ ‫إ ّ‬
‫ً‬
‫ولكّنه ل يساوي إل ّ القليل أيضا! وإن قال‬
‫حب زهرة سريعة العطب والجنس‬ ‫البعض‪ :‬ال ُ‬
‫ن الزهرة يمكن أن تنمو‬ ‫سماد لها‪ ،‬نسوا أ ّ‬
‫سب الطبيعة‬ ‫ُ ِ‬ ‫يك‬ ‫فل‬ ‫السماد‬ ‫ما‬
‫بدون سماد‪ ،‬أ ّ‬
‫جمال ً بدون الزهرة‪ ,‬وفى عصرنا الحال ّ‬
‫ي‬
‫ُيطلق اسم الزهرة على السماد‪ ،‬ولهذا ل‬
‫نستغرب من النفصال السريع‪.‬‬
‫ويتساءل البعض كيف نسيطر على‬
‫ن هناك ثلثة أشياء‬ ‫غرائزنا؟! فُنجيب بأ ّ‬
‫ُتحررنا من سلطان الغرائز وهى‪:‬‬

‫‪ -1‬إرادة بشرية قوية‬


‫ن الغريزة وإن كانت‬ ‫يجب أن نعترف بأ ّ‬
‫تغلبنا أحيانًا‪ ،‬إل ّ أّنها ليست أقوى مّنا‪ ،‬بل‬
‫بسبب إهمالنا وتكاسلنا‪ ..‬تتملك علينا! فأنا‬
‫‪47‬‬

‫‪03‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬
‫ع‬
‫طي ُ‬‫بقوتي وتقواي ضعيف ولكني " َأست َ ِ‬
‫ويِني"‬ ‫ق ّ‬ ‫ح ال ّ ِ‬
‫ذي ي ُ َ‬ ‫سي ِ‬ ‫في ال ْ َ‬
‫م ِ‬ ‫ء ِ‬‫ي ٍ‬
‫ش ْ‬ ‫كُ ّ‬
‫ل َ‬
‫)فى ‪.(13:4‬‬
‫إذن لكي نتغلب على هذا المارد‪ ،‬لبد أن‬
‫نتيقظ لحروبه ونضع الرادة البشرية بجانب‬
‫ن أقل حركة تنتفض بها‬ ‫النعمة اللهية‪ ،‬ل ّ‬
‫الرادة تكون كافية لتحطيم شهوات كثيرة‪،‬‬
‫ولهذا يقول أنبا أنطونيوس‪ " :‬إن أردت‬
‫تستطيع أن تكون عبدا ً للشهوات‪ ،‬وإن أردت‬
‫ن الله‬‫تقدر أن تتحرر منها ول تخضع لنيرها‪ ،‬ل ّ‬
‫أعطاك هذا السلطان "‪.‬‬

‫‪ -2‬حياة روحية نقية‬


‫متى تشتعل شهوة الجسد؟ أليس عندما‬
‫ن شهوة‬ ‫تبطل شهوة الروح! والحق إ ّ‬
‫ن‬
‫الروح إذا اشتعلت في الفكار فإ ّ‬
‫شهوة الجسد ل تشتعل في العضاء!‬
‫ولهذا أوصى الباء بأن نجتهد ونشعل حرارة‬
‫الروح فينا‪ ،‬مادام في جسدنا قوة وشهوة‬
‫الطبيعة تعمل فينا‪.‬‬

‫‪48‬‬

‫‪85‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬
‫ل ُننكر أننا جميعا ً نولد وفى داخلنا نحمل‬
‫صلت‬ ‫جرثومة الشهوة‪ ،‬تلك البذرة التي قد تأ ّ‬ ‫ُ‬
‫في أعماق التربة البشرية ول يمكن أن ُتنزع‬
‫ن المرء ل يصبح شهوانيا ً إل ّ‬ ‫منها‪ ،‬ولك ّ‬
‫حينما تتعطل قواه الروحية‪ ،‬ويبتعد‬
‫عن الله كلية‪ ،‬فمع الله أستطيع أن أضبط‬
‫غرائزي‪ ،‬وبعيدا ً عن الله ل حياة ول أمل في‬
‫حياة‪...‬‬

‫‪ -3‬نظرة إيجابية للشياء‬


‫ن النظرة اليجابية للشياء ُتساعد‬ ‫كما أ ّ‬
‫على ضبط الغرائز‪ ،‬فالطباء ينظرون لجسيياد‬
‫البشيييييير بهييييييدف فحصييييييها وعلجهييييييا‪،‬‬
‫والشهوانيون هم أيضا ً ينظرون‪ ،‬ولكن من‬
‫أجل تفريغ شحنات شهوانية‪ ،‬ويبقى السييؤال‪:‬‬
‫مييا هييو الهييدف ميين النظييرة؟ يقييول السيييد‬
‫م تَرأ َ ٍ‬
‫ة‬ ‫ن ي َن ْظُ تُر إ ِل َتتى ا ْ‬
‫مت ْ‬
‫ل َ‬‫المسيييح‪ " :‬ك ُت ّ‬
‫ه" )مت‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫في قلب ِ ِ‬ ‫ها ِ‬‫قدْ َزَنى ب ِ َ‬‫ف َ‬‫ها َ‬‫هي َ َ‬ ‫ل ِي َ ْ‬
‫شت َ ِ‬
‫‪ ،(28 :5‬وقد كتب أحد الحكماء‪ :‬من النظر‬
‫تتوّلد الرغبة‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫الفصل الخامس‬
‫غيييييييدر الطييبيعيييية‬

‫ن النسان هو ابن الطبيعة‪ ،‬وربيب‬‫إ ّ‬


‫المجتمع‪ ،‬وخليقة الله الحسنة‪ ،‬ومع هذا ل‬
‫يبقى على وفائه للطبيعة‪ ،‬أو يعترف بحقوق‬

‫‪50‬‬
‫صَر‬
‫قي ْ َ‬‫صَر ل ِ َ‬
‫قي ْ َ‬ ‫ما ل ِ َ‬
‫المجتمع‪ ،‬أو ُيعطي " َ‬
‫ه " )مت ‪! (21:22‬‬ ‫ه ل ِل ّ ِ‬‫ما ل ِل ّ ِ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫ما الطبيعة فهى رحم خصب يفيض‬ ‫أ ّ‬
‫ن الطبيعة هى التي‬ ‫بالحياة‪ ،‬وهل ُننكر أ ّ‬
‫جعلت النسان يسبح في الفضاء‪ ،‬ويغوص‬
‫في أعماق البحار‪ ،‬ويتذوق كافة المتع‬
‫والمسرات؟! أليست المعرفة البشرية نوعا ً‬
‫من الندماج فى الطبيعة أو المشاركة في‬
‫الكون؟ أل تبدو الطبيعة كأّنها إشعاعات إلهية‬
‫ي‪:‬‬ ‫توحي بالعظمة والجلل‪ ،‬ألم يقل داود النب ّ‬
‫ه‬
‫د الل ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ث بِ َ‬ ‫حدّ ُ‬‫ت تُ َ‬‫وا ُ‬ ‫ما َ‬ ‫س َ‬ ‫" ال ّ‬
‫ه؟ " )مز ‪:19‬‬ ‫ي‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ب‬
‫ُ ِ ُ ِ َ َ ِ َ َ ْ ِ‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫خ‬
‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ُ‬
‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫وال ْ َ‬
‫ف‬ ‫َ‬
‫‪.(1‬‬
‫ن الطبيعة مع كل هذا هى عدو‬ ‫ولك ّ‬
‫النسان اللدود‪ ،‬لكثرة ما فيها من مخاوف‬
‫وقيود‪ ،‬فالبحار‪ ،‬الزلزل‪ ،‬السيول‪ ..‬كلها‬
‫أشباح تنبثق في قلب الطبيعة لُتخيف‬
‫النسان وُتعلن حدوده! وهكذا يحيا النسان‬
‫مع الطبيعة حياة مزدوجة‪ ،‬فهو يعيش معها‬
‫ولكّنه يتحرق شوقا ً إلى النفصال عنها‪ ،‬وهو‬
‫حين يبتعد عنها يحن مرة ثانية إلى الرتماء‬
‫‪51‬‬
‫في أحضانها!‬
‫ن الصلة بين النسان والطبيعة‪،‬‬ ‫نعترف بأ ّ‬
‫ل يمكن أن ُتصبح في يوم ما‪ ،‬صلة توافق‬
‫مطلق أو انسجام تام‪ ،‬فالمادة متمّردة ل‬ ‫ُ‬
‫مهاجمة ل ساكنة!‬ ‫سلبية‪ُ ،‬‬
‫لسطورة‬ ‫وإذا كان البعض قد استسلم ُ‬
‫التقدم الذي زاد من كبرياء النسان‪ ،‬فأعلن‬
‫ن النسان سُيخضع الطبيعة‪،‬‬ ‫في جرأة وتهور أ ّ‬
‫ن‬
‫ويستكشف أسرارها‪ ،‬ويحل ألغازها‪ ...‬فإ ّ‬
‫ن الصراع ضد الطبيعة‬ ‫من واجبنا أن نقول‪ :‬إ ّ‬
‫ً‬
‫والتحرر من قيودها‪ ،‬هو مهمة شاقة جدا قد‬
‫ل تنتهي مدى الحياة!‬
‫ن حياة النسان ليست رحلة‬ ‫والحق إ ّ‬
‫هادئة‪ ،‬يقضيها في التمتع بالطبيعة‪ ،‬والتنعم‬
‫بمباهجها وكل ما فيها من جمال! وإّنما هى‬
‫فجر معركة تتجدد‪ ،‬وهى مليئة بالخوف‬
‫والقلق وشّتى مظاهر الفناء‪ ،‬وليس على‬
‫النسان سوى الجهاد بل الصراع‪.‬‬
‫جره من‬ ‫ونحن ل ُننكر دور العلم وما قد ف ّ‬
‫ن موقف‬ ‫أبحاث وما اخترعه من آلت‪ ...‬إل ّ أ ّ‬
‫مقِلقًا‪ ،‬وهو مليء‬ ‫النسان من الطبيعة لزال ُ‬
‫‪52‬‬

‫‪23‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬
‫بالعوائق‪ ،‬ولكن هذا ل يجعلنا نتشاءم من‬
‫ن الحجر في‬ ‫مستقبل النسان‪ ،‬صحيح أ ّ‬
‫الطريق ُيعيق التقدم‪ ،‬إل ّ أّنه قد يكون عتبة‬
‫للتقدم في رحلتك‪ ،‬ووسيلة تعبر عليها‬
‫مستنقعات‪ ،‬وهذا يعتمد على طريقة سيرك‪،‬‬
‫فهل عيناك مغمضتان أم مفتوحتان؟!‬
‫ن الطبيعة هى التي ترعى النسان‪،‬‬ ‫إ ّ‬
‫ولكن كم من مّرة صرخ النسان فظلت‬
‫صامتة كما لو كانت خرساء؟! وقد يتغنى‬
‫حّبها‪..‬‬‫النسان بعطف الطبيعة وجمالها و ُ‬
‫ً‬
‫ولكّنه سرعان ما يجد نفسه مدفوعا إلى‬
‫ن الطبيعة هى القوة الساحقة‪ ،‬التي‬ ‫القول بأ ّ‬
‫لبد من أن يعمل النسان على مواجهتها‬
‫والصراع ضدها!‬
‫ُ‬
‫وهكذا تستحيل أسطورة " الطبيعة الم‬
‫"‪ ،‬إلى مرثى " الطبيعة الخصم "‪ ،‬وهذا‬
‫ن الطبيعة التي تفيض بالحياة‪،‬‬ ‫ليس بغريب‪ ،‬ل ّ‬
‫هى التي ينبعث منها الموت! إّنها تحمل‬
‫الطعام والوباء كلهما معًا!‬
‫وقد تصل قيود الطبيعة إلى الذلل‬
‫وذلك عندما يضل النسان ويسقط‬
‫‪53‬‬
‫ن عصور قديمة‬ ‫في عبادتها! وهل ُننكر أ ّ‬
‫مضت كان فيها يعبد النسان وثن اسمه‬
‫الجمال! وما هو ذلك الجمال سوى الشمس‬
‫والقمر والنجوم والشجار والبحار‪ ..‬الموجودة‬
‫في الطبيعة!‬
‫ألم يكن القديس " موسى السود "‬
‫يعبد الشمس قبل توبته؟! وماذا أعطته‬
‫الشمس؟ لقد كّلمها كثيرا ً ولكّنها لم ترد‪،‬‬
‫وكم من فنان قضى حياته عبدا ً لهذا الله‬
‫الساحر‪ِِ ،‬لما فيه من ثراء أثرى فكره‪ ،‬وأشبع‬
‫رغبة الفن العارمة فيه ولكن دون جدوى‪.‬‬
‫ن النسان على الرغم من ارتباطه‬ ‫لك ّ‬
‫ملحة‬ ‫الوثيق بالطبيعة‪ ،‬إل ّ أّنه يشعر بضرورة ُ‬
‫كم فيها والسيطرة‬ ‫تدفعه إلى مواجهتها‪ ،‬والتح ّ‬
‫ي‬
‫ن النسان لم يقنع في أ ّ‬ ‫عليها‪ ،‬وآية ذلك أ ّ‬
‫عصر من العصور بالستسلم للطبيعة‪،‬‬
‫والخضوع لسلطانها والتعّبد لصنامها‪ ،‬بل‬
‫حاول فى كل زمان ومكان أن يفرض نفسه‬
‫عليها‪ ،‬وان يحد من شوكة قوتها‪.‬‬
‫ن النسان ل يقدر أن يقف‬ ‫والواقع أ ّ‬
‫ن‬‫من الكون موقف الناظر المتأمل‪ ،‬كأ ّ‬
‫‪54‬‬
‫ن الكون منذ البداية يبدو له‬ ‫ل علقة بينهما ل ّ‬
‫بمثابة مجموعة من اللغاز‪ ،‬التي تتطلب‬
‫ن العلقة بين النسان‬ ‫الحل‪ ،‬ولهذا فإ ّ‬
‫والكون‪ ،‬قد اتخذت منذ اللحظة الولى طابع‬
‫الحوار أو الجدل أو سؤال يبحث عن جواب‪.‬‬
‫ن النسان لم يقنع في أية لحظة‬ ‫والحق إ ّ‬
‫من لحظات حياته‪ ،‬بالستسلم لظواهر‬
‫الطبيعة‪ ،‬أو الكتفاء بالخضوع لها في‬
‫استصغار‪ ،‬ولو رجعنا إلى الوراء‪ ،‬إلى عصور‬
‫ن النسان قد اشتغل‬ ‫ما قبل التاريخ‪ ،‬لوجدنا أ ّ‬
‫ّ‬
‫بالسحر والتنجيم والشعوذة‪ ..‬وكلها محاولت‬
‫كان يسعى من خللها أن ُيخضع القوى‬
‫الغاشمة المحيطة به‪ ،‬وذلك عن طريق الحيل‬
‫والتعاويذ الشيطانية‪ ،‬حقا ً إّنها طرق فاسدة‬
‫ول جدوى منها‪ ،‬ولكّنها في الحقيقة تكشف‬
‫لنا عن رغبة النسان‪ ،‬في السيطرة على‬
‫قوى الطبيعة‪ ،‬التي في أوقات كثيرة تقهره!‬
‫ن النسان يعرف أّنه جزء‬ ‫ونحن ل ُننكر أ ّ‬
‫محدود من الطبيعة بوصفه جسمًا‪ ،‬ولكننا‬
‫نراه يحاول أن يستوعب العالم كله بوصفه‬
‫ل‪ ،‬بحيث قد يكون في وسعنا أن‬ ‫روحا ً وعق ً‬
‫‪55‬‬

‫‪43‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬
‫ن كل دراما النسان تنشأ عن تلك‬ ‫نقول‪ :‬إ ّ‬
‫العلقة المزدوجة بين هذا الجسم الذي‬
‫يحتويه العالم‪ ،‬وذلك العقل الذي يحوي العالم‬
‫نفسه!‬
‫ملَزما ً بالخضوع‬ ‫وبينما نجد الحيوان ُ‬
‫ً‬
‫للطبيعة‪ ،‬نرى النسان يتمرد دائما على كل‬
‫قيود الطبيعة‪ ،‬فالنسان يسعى بمداومة إلى‬
‫تغيير بيئته‪ ،‬وجعلها ملئمة باستمرار لحاجاته‬
‫المتزايدة المتجددة‪ ،‬ففي وسع كل مّنا أن‬
‫ي‪ ،‬لننا نملك قدرات‬ ‫دل من تراثه البشر ّ‬ ‫ُيع ّ‬
‫تجعلنا نتخطى وضعنا باستمرار‪.‬‬
‫وإن كان النبات والحيوان تلميذين وفيين‬
‫ن النسان يرفض‬ ‫من تلميذ الطبيعة‪ ،‬فإ ّ‬
‫بمداومة أن يقف من الطبيعة موقف‬
‫التلميذ الذي يقول‪ " :‬حاضر " و " نعم "‬
‫معّلمه‪ ،‬ولهذا يسعى باستمرار لكي يعلو‬ ‫ل ُ‬
‫كم ولو في‬ ‫على الطبيعة‪ ،‬ويكون هو المتح ّ‬
‫بعض عناصرها‪.‬‬
‫كل‬‫ن النسان سيظل دوما ً ُيش ّ‬ ‫نعترف بأ ّ‬
‫العالم‪ ،‬وُيغّير من صورة الطبيعة‪ ،‬فهو يريد‬
‫أن يعلو على عالم الواقع‪ ،‬ويتحرر من قيوده‬
‫‪56‬‬
‫مل‬ ‫عن طريق الختراعات‪ ،‬ولكّنه لو تأ ّ‬
‫سلوكياته وحّلل بدقة أفكاره‪ ،‬لوجد أّنه في‬
‫الحقيقة يبحث عن عالم آخر أكثر مثالية‬
‫ل! أتعرفون ما هو هذا العالم؟!‬ ‫وكما ً‬
‫ن النسان قد اخترع‬ ‫وتتعالى الصيحات بأ ّ‬
‫اللة لكي ُيسيطر على الطبيعة‪ ،‬ولكّنه قّيد‬
‫ن ميا‬‫ذاته وفقد بساطة الحياة! وهل ُننكر أ ّ‬
‫ميه بالحضارات‪ ،‬إّنما هو أثر من آثار‬ ‫ُنس ّ‬
‫الوسائل التي ابتدعها النسان لتنظيم عالمه‬
‫ي‪ ،‬ونعني بها‪ :‬اللغة‪ ،‬اللة‪ ..‬فالنسان‬ ‫البشر ّ‬
‫ذو عقل‪ ،‬ولذلك هو يرفض أن يقف عند حد‬
‫تلك الحاجات الحيوانية التي قد تشبعها‬
‫الطبيعة‪ ،‬وما هى البيئة الثقافية سوى‬
‫مجموعة عوامل تاريخية واقتصادية‬
‫واجتماعية‪ ،‬يجهلها الحيوان جهل ً تاما؟ً‬
‫إذن على أيّ نحو ينبغي أن نفهم‬
‫العلقة بين النسان والطبيعة؟ هل‬
‫ن هناك قوى طبيعية وهى‬ ‫نكتفي بأن نقول‪ :‬إ ّ‬
‫تعارض الذات النسانية التي تبحث عن‬
‫التغيير والتجديد‪..‬؟‬
‫ن النسان يضغط على‬ ‫الواقع أ ّ‬
‫‪57‬‬

‫‪63‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬
‫الطبيعة لكي يقهرها‪ ،‬كما يضغط الطير‬
‫على الجاذبية لكي يقهر الجاذبية‪ ،‬ومعنى هذا‬
‫ن النسان سيظل ُيصارع إلى أن يضع‬ ‫أ ّ‬
‫خلق من‬ ‫ُ‬ ‫آدم‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫إ‬ ‫ً‬ ‫ا‬‫حق‬ ‫الكون‪،‬‬ ‫في‬ ‫بصمته‬
‫ن الرض نفسها لم تلبث‬ ‫تراب الرض‪ ،‬ولك ّ‬
‫خلت فيها يد‬ ‫ّ‬ ‫تد‬ ‫حين‬ ‫أن أصبحت آدمية‬
‫النسان‪ ،‬إذن محاولة إخضاع الطبيعة‬
‫حلما ً‬
‫لسلطان النسان سيظل إلى البد ُ‬
‫ُيراوده باعتباره سيد الطبيعة!‬
‫مطلقة لن يجدوا‬ ‫ن أنصار المادية ال ُ‬ ‫ولك ّ‬
‫أدنى صعوبة‪ ،‬في أن ُيقدموا لنا صورة للعلقة‬
‫بين النسان والطبيعة‪ ،‬يظهر فيها النسان‬
‫بمظهر ذرة ناقصة‪ ،‬حقيرة‪ ،‬قد ضل الطريق‬
‫وسط خصم هائل‪ ،‬جّبار‪ ،‬أو هو نقطة صغيرة‪،‬‬
‫ضئيلة الشأن فوق محيط دائرة الكون‪ ..‬وهم‬
‫يقولون‪ :‬أل يكفي لتلشي الوعي وانعدام‬
‫لكسيجين عن خليا المخ‬ ‫الشعور أن ينقطع ا ُ‬
‫دقائق!!‬
‫ن النسان هو حامل‬ ‫ولكّنهم يتناسون أ ّ‬
‫مباديء القيم في الطبيعة بأسرها‪،‬‬
‫وهو يستخدم فكره لكشف أسرار الطبيعة‬
‫‪58‬‬
‫وتحقيق مقاصده‪ ،‬ويهدف من وراء سلوكه‬
‫بلوغ بعض الغايات الخلقية‪ ..‬حقا ً إّنه ينظر‬
‫حوله فيجد نفسه بإزاء قوة هائلة‪ ،‬ولكّنه ل‬
‫يجد صعوبة في أن يتحقق من أّنه سيد‬
‫مرها في لحظات!‬ ‫الطبيعة ويستطيع أن ُيد ّ‬
‫والن‪ ،‬كيف يتحرر النسان وينطلق‬
‫ن النظرة‬ ‫من قيود الطبيعة؟ أعتقد أ ّ‬
‫اليجابية للكون‪ ،‬ترفع النسان من الرض‬
‫إلى السماء‪ ،‬وهكذا نستطيع أن ننظر إلى‬
‫الطبيعة من ثلث جهات‪:‬‬
‫ن الطبيعة مسكن كبير‬ ‫الولى‪ :‬هى أ ّ‬
‫للنسان‪ ،‬والحكيم هو من يحيا فيه كما يحيا‬
‫المسافر في فندق‪ ،‬أيّ أّنه سوف يتركه‪ ،‬دون‬
‫أن يأخذ معه شيئا ً مما كان يستخدمه‪ ،‬هذا ما‬
‫يقوله القديس ُأغسطينوس‪.‬‬
‫سوف تخرج من العالم شئت أم أبيت‬
‫لّنك ضيف‪ ،‬وكل ما تملك سيكون لولدك‪،‬‬
‫إذا ً ل أحد يعمل لنفسه‪ ،‬ولهذا تقتضي الحكمة‬
‫أن تجعل ثرواتك عونا ً لك في سفرك القادم‪،‬‬
‫ن النسان الحكيم هو من يحيا في‬ ‫والحق إ ّ‬
‫العالم دون أن يحيا العالم فيه‪ ،‬فيكون‬
‫‪59‬‬
‫كالسفينة التي تحيا في الماء دون أن يتسرب‬
‫ن دخول الماء إلى السفينة‬ ‫الماء إليها‪ ،‬ل ّ‬
‫يعنى غرقها أيّ هلكها!‬
‫والثانية‪ :‬اّتخيياذ الطبيعيية وسيييلة لتمجيييد‬
‫الله‪ ،‬فمن خلل الطبيعة نستطيع أن نقيول‪" :‬‬
‫ة‬
‫مت ٍ‬‫حك ْ َ‬‫هتتا ب ِ ِ‬ ‫ب ك ُل ّ َ‬ ‫ك ي َتتا َر ّ‬ ‫مال َت َ‬ ‫ع َ‬‫م أَ ْ‬‫عظَ َ‬ ‫ما أ َ ْ‬ ‫َ‬
‫ن مجييرد‬ ‫ت " )مز ‪ ،(24:104‬نعييترف بييأ ّ‬ ‫ع َ‬ ‫صن َ ْ‬‫َ‬
‫ن"‬ ‫فَلك تجعلنييا نمجييد اللييه ل ّ‬ ‫نظرة سريعة لل َ‬
‫ك‬ ‫َ‬
‫فل ت ُ‬ ‫ْ‬
‫وال َ‬ ‫ه َ‬‫د اللت ِ‬ ‫جتت ِ‬‫م ْ‬
‫ث بِ َ‬ ‫ح تد ّ ُ‬ ‫ت تُ َ‬‫وا ُ‬ ‫ما َ‬‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫ه " )مييز ‪ ، (1:19‬ففييي‬ ‫خب ِ ُ ِ َ َ ِ َ َ ْ ِ‬
‫ت‬ ‫يت‬‫د‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ت‬ ‫يُ ْ‬
‫ُ‬
‫الفضاء مليين من الكوان الخرى‪ ،‬وكل كون‬
‫يحوي مليين الكييواكب‪ ..‬يفصييلها بعضييها عيين‬
‫بعض مسافات شاسعة‪ ،‬ومع هيذا ل تتصيييادم‬
‫رغييم أّنهييا تسييير بسييرعة هائليية‪ ،‬بييل علييى‬
‫العكس من ذلك تتحيرك وفيق أنظمية دقيقية‬
‫رائعة!!‬
‫ن الرض تدور حول‬ ‫ومن المعروف أ ّ‬
‫نفسها بسرعة )‪ (1600‬كيلو متر في‬
‫الساعة‪ ،‬فلو دارت بسرعة )‪ (160‬كيلو متر‪،‬‬
‫لكان النهار والليل أكثر طول ً عشرات‬
‫المرات‪ ،‬ولحرقت الشمس الحارة‬
‫‪60‬‬
‫النباتات‪!..‬‬
‫ن الشمس التي هى ينبوع حياتنا‬ ‫كما أ ّ‬
‫وتبلغ حراراتها )‪ (6000‬درجة مئوية‪ ،‬لو‬
‫متنا جميعا ً من شدة‬ ‫أرسلت نصف إشعاعها ل ُ‬
‫البرد!‬
‫ل‪ ،‬لغطى‬ ‫مّنا قلي ً‬
‫ِ‬ ‫اقترب‬ ‫لو‬ ‫ً‬ ‫ا‬‫أيض‬ ‫والقمر‬
‫لكسيجين‬ ‫نا ُ‬‫المد والجزر الرض كلها ! ولو أ ّ‬
‫خيّزن فى الصخور‪ ،‬ل نتهت حياة الكائنات‬ ‫ُ‬
‫الحية على الرض!‬
‫فهل ما يحدث في الكون من قبيل‬
‫صدفة ل تقود إل ّ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫المصادفة ؟! أعتقد أ ّ‬
‫صدفة عصفورين‬ ‫ُ‬ ‫ال‬ ‫تجمع‬ ‫إلى الفوضى! قد‬
‫من الذي خلقهما؟‬ ‫معا ً ولكن َ‬
‫ما الثالثة‪ :‬فهى أن تكون الطبيعة أداة‬ ‫أ ّ‬
‫ُتحقق احتياجات البشر‪ ،‬وليس وسيلة‬
‫ما‬
‫ن الصراع مع الطبيعة مصيره‪ :‬إ ّ‬ ‫للصراع ل ّ‬
‫ما الفناء! وها نحن نتساءل‪ :‬مع من‬ ‫اللم‪ ،‬وإ ّ‬
‫تتصارع؟! مع جماد!‬
‫من يرجع إلى قصة الخلييق‪ ،‬يعييرف‬ ‫ن كل َ‬ ‫إ ّ‬
‫ن الله قد خلق النسان بعد أن أعييد لييه كييل‬ ‫أ ّ‬
‫ن النسييان قييد أسيياء اسييتعمال‬ ‫شيييء‪ ،‬ولك ي ّ‬
‫‪61‬‬
‫الشياء‪ ،‬ودخل في صراع ميع اللييه‪ ،‬ألييم يقييل‬
‫س تَنا‬‫ف ِ‬ ‫ن ل َن ْ ُ‬ ‫هل ُ ّ‬
‫م ن َب ْت ِ‬ ‫أصييحاب بييرج بابييل‪َ " :‬‬
‫ْ‬
‫ع‬
‫ص تن َ ُ‬‫ون َ ْ‬ ‫ء َ‬ ‫ما ِ‬
‫ست َ‬ ‫ه ِبال ّ‬ ‫ست ُ‬ ‫وب ُْرج تا ً َرأ ُ‬‫ة َ‬ ‫دين َت ً‬ ‫م ِ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫كتت ّ‬ ‫ه ُ‬ ‫ج‬
‫َ ْ ِ‬ ‫و‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫د‬ ‫د‬ ‫ب‬ ‫ت‬
‫َ َ َ ّ َ َ‬ ‫ن‬ ‫ئل‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ً‬ ‫ا‬‫سم‬ ‫ا‬ ‫نا‬
‫ِ َ‬ ‫س‬ ‫ف‬‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ل‬
‫ْ‬
‫ض! " )تك ‪ ،(4 :11‬وماذا كانت النتيجة؟‬ ‫ر‬‫ال َ‬
‫ْ ِ‬
‫أضاعوا أنفسهم وبلبل الله ألسنتهم‪،‬‬
‫وبدّدهم على وجه كل الرض‪ ،‬فل هم بنوا‬
‫المدينة ول البرج! ولو كانوا حكماء لمجدوا‬
‫الله واستمتعوا بالطبيعة‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫الفصل السادس‬
‫ضييغيييييوط العيمييييل‬

‫ُيشير الضغط فى أبسط معانيه إلى كل ما‬


‫ُيسبب ضيقا ً أو توترا ً أو ألماً‪ ،‬ومن‬
‫ن الضغوط ل تؤدي إلى الصابة‬ ‫المعروف أ ّ‬
‫بالمراض سواء النفسية أو الجسدية فقط‪،‬‬
‫ن‬
‫بل قد تؤدي بالنسان إلى الموت نفسه! ل ّ‬
‫التعّرض للضغوط المستمرة يجعل النسان‬
‫عاجزا ً عن المقاومة لمدة طويلة‪.‬‬
‫وإن كان لكل إنسان طاقة معينة‬
‫ن التعّرض المستمر للضغوط‬ ‫للحتمال‪ ،‬إل ّ أ ّ‬
‫يؤدي تدريجيا ً إلى فقدان هذه الطاقة‬
‫م تضعف قدرة الجسم على‬ ‫وانهيارها‪ ،‬ومن ث َ ّ‬
‫دث المراض والموت المبكر!‬ ‫المقاومة‪ ،‬فتح ُ‬

‫‪63‬‬
‫ن الصابة بأمراض‬ ‫هذا وقد ثبت عِلميا ً أ ّ‬
‫القلب‪ ،‬ذات ارتباط وثيق بضغوط العمل‪،‬‬
‫خاصة إذا ارتبطت الضغوط بالتدخين‪.‬‬
‫في بعض القييواميس نجييد تعريييف للعمييل‬
‫بأّنه‪ :‬التعب في أداء مهمتتة‪ ،‬فالعمييل إذن‬
‫مرتبط بالصحة‪ ،‬صحة العضاء التي لم ُتخلييق‬
‫في النسان‪ ،‬إل ّ لكي يؤدي كل عضو وظيفته‪،‬‬
‫والحياة حركة والسييكون مييوت‪ ،‬وهييل يمكيين‬
‫لنسان أن يحيا بل عمييل؟ كيييف والعمييل هييو‬
‫ل‬‫كتت ُ‬‫ك ت َأ ْ ُ‬
‫هت َ‬‫ج ِ‬
‫و ْ‬
‫ق َ‬
‫ع تَر ِ‬
‫" بِ َ‬ ‫ي‬
‫قييانون إلهيي ّ‬
‫خْبزا ً ؟ " )تييك‪ ،(19:3‬وهييذا ُيسييبب ضييغطا ً‬ ‫ُ‬
‫على النسان فيدفعه إلى القلق على صحته‪.‬‬
‫ن الصحة ل ُتباع ول ُتشترى ولو‬ ‫والحق إ ّ‬
‫بأثمن الكنوز‪ ،‬وهي من أهم وسائل الستقرار‬
‫ي للنجاح في العمل‪،‬‬ ‫ي‪ ،‬وسبب رئيس ّ‬ ‫النفس ّ‬
‫يكفي لثبات أهمية الصحة للنسان‪ ،‬ما قاله‬
‫ل‪ :‬أنا‬‫أحد الطباء عندما وقف أمام الملك قائ ً‬
‫ل أرضى برجلي جللة الملك رجلين‬
‫لجسمي‪ ،‬ولو أنك أعطيتني معهما‬
‫ممالكك الثلث!‬

‫‪64‬‬
‫ن العمل ُيرهق النسان‪،‬‬ ‫ونحن ل ُننكر أ ّ‬
‫ن حياتهم قد خلت‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫لو‬ ‫يتمنون‬ ‫وما أكثر الذين‬
‫من كل جهد شاق‪ ،‬وما يزال حتى يومنا هذا‬
‫يجد البعض في العمل عبء ثقيل‪ ،‬يودون لو‬
‫استطاعوا التحرر منه! إّنهم يكرهون العمل‬
‫لّنهم يبذلون في أدائه جهدًا! وكم من ُأناس‬
‫يسخطون على الحياة لّنها مرتبطة بالعمل‪،‬‬
‫متوقفة على ما يبذلوه فيها من جهد!!‬
‫والحق إّنه لو كان يكفي لنا أن نتمنى هذا‬
‫الشيء أو ذاك‪ ،‬حتى نراه موجودا ً أمامنا دون‬
‫ي‬
‫ما كان هناك أ ّ‬ ‫القيام بأدنى عمل ُيذكر‪ ،‬ل َ َ‬
‫معنى لحياتنا على الطلق‪ ،‬وأصبحنا مجرد‬
‫كائنات ضعيفة إلى أبعد الحدود‪ ،‬فما معنى‬
‫حياة تدور في عجلة الخلء‪ ،‬وبل هدف يمكن‬
‫أن يتحقق من خلل العمل؟!‬
‫أليس في ملقاة العوائق ومواجهة‬
‫المصاعب والضيقات‪ ..‬ثم محاولة التغّلب‬
‫متعة كبرى؟! إّنها متعة الراحة بعد‬ ‫عليها ُ‬
‫التعب‪ ،‬أو متعة النصرة بعد الجهاد‪ ،‬وها نحن‬
‫نتساءل‪:‬‬

‫‪65‬‬
‫كيف لنا أن نشعر بلذة الراحة لو خلت‬
‫حياتنا تماما ً من كل عمل؟ بل كيف نشعر‬
‫بأننا موجودين أصل ً لو لم يكن في حياتنا أ ّ‬
‫ي‬
‫ن عدم العمل‬ ‫عمل أو نشاط؟ هل ُننكر أ ّ‬
‫أشبه بالعار عند الرجل؟! أليس الرجل يقيس‬
‫حياته بما أنجزه من أعمال؟!‬
‫مبيد للكسل‬ ‫ول ََعل أهم ما في العمل أّنه ُ‬
‫ويقضي على الفراغ‪ ،‬الذي هو مصدر‬
‫الخطايا والشرور‪ ،‬فقد قال أحد الباء‪ :‬ما من‬
‫ن حياة‬ ‫خطية إل ّ وسببها الفراغ! ولهذا فإ ّ‬
‫ي كسول ل يعمل‪،‬‬ ‫فقير يعمل ألذ من حياة غن ّ‬
‫ن العامل الذي يأكل خبزه بعرق جبينه‬ ‫ل ّ‬
‫ي الذي‬ ‫يشعر بسعادة غامرة‪ ،‬ل يعرفها الغن ّ‬
‫ورث مال ً كثيرًا‪ ،‬ل يعرف قيمته لّنه لم يتعب‬
‫فيه‪.‬‬
‫ن في العمل إشباع للنفس‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫كما‬
‫وتحقيق للذات التي ل تكف عن التجديد‪،‬‬
‫وها نحن نتساءل‪ :‬هل يمكن أن يكون للفكر‬
‫قيمة إن لم يتحقق ويصير شيئا ً في واقعنا‬
‫الماديّ ؟! وما هو الذي ُيحقق الفكر وُيخرجه‬
‫إلى عالم الواقع؟ أليس العمل‪.‬‬
‫‪66‬‬
‫وفى العمل أيضا ً نسيان ولو مؤقت‬
‫لللم‪ ،‬فقد كان الفنان الفرنسيّ " أوجست‬
‫رنوار"‪ ،‬يزداد إقبال ً على الرسم كّلما زادت‬
‫آلمه‪ ...‬فقد كانت لديه قدرة عجيبة على‬
‫مل اللم والعمل المتواصل‪ ،‬وكان الرسم‬ ‫تح ّ‬
‫ُينسيه آلمه وأحزانه‪..‬‬
‫ن صديقا ً له قد زاره مّرة عندما‬ ‫وُيقال أ ّ‬
‫ُأصيب بالشلل‪ ،‬وجلس معه لكي ُيخفف عنه‬
‫آثار المرض‪ ،‬فسأله‪ :‬لماذا تصر على‬
‫الستمرار في الرسم على حساب صحتك‪،‬‬
‫إنني أراك تتألم مع كل حركة يأتي بها‬
‫إصبعك؟ فأجاب رنوار بفلسفة العباقرة قائ ً‬
‫ل‪:‬‬
‫حقيقة إنني أتألم ولكن اللم ل يلبث أن‬
‫يزول‪ ،‬بينما يبقى الجمال حيا ً ل يموت‪،‬‬
‫عزائي الوحيد أنني ُأشارك في صنع‬
‫هذا الجمال‪.‬‬
‫ما العمال التي نقوم بها فلبد أن تطبع‬ ‫أ ّ‬
‫صورتها في الوسط الذي نعيش فيه‪،‬‬
‫ن الذات ل تتحقق في العالم‬ ‫ومعنى هذا‪ :‬إ ّ‬
‫ي‪ ،‬إل ّ من خلل العمال التي ُننجزها‬ ‫الخارج ّ‬
‫والفعال التي نؤّديها‪.‬‬
‫‪67‬‬
‫ن كل فعل‬ ‫عندما قال أحد الفلسفة‪ " :‬إ ّ‬
‫ول في مسار التاريخ‬ ‫هو نقطة تح ّ‬
‫ن أصداء‬ ‫ى "‪ ،‬فقد كان قصده‪ :‬إ ّ‬ ‫البشر ّ‬
‫أفعالنا تتسع حتى تشمل مجرى الحداث‬
‫الكونية والبشرية في كل مكان‪ ..‬أقول هذا‬
‫ونحن نحيا في عصر المعلومات‪ ،‬فبمجرد‬
‫كلمة ُتقال يمكن بعد لحظات أن نسمع‬
‫صداها في كل أنحاء العالم‪.‬‬
‫ورّبما تكون لفعالنا صدى لدى الخرين‪،‬‬
‫فيتقّبلونها حتى لو كانت صغيرة‪ ،‬ويكتشفون‬
‫ن كامنة أو قيم دفينة‪ ،‬ولكن‬ ‫ما فيها من معا ٍٍٍ‬
‫ي لهذا‬
‫ّ‬ ‫الحقيق‬ ‫المضمون‬ ‫قد يحدث أحيانا ً ٍِ ّ‬
‫ن‬ ‫أ‬
‫العمل ل ُيفهم‪ ،‬ولكن مهما كان رد الفعل‬
‫فيجب علينا أل ّ نتوقف عن العمل‪.‬‬
‫ن كل فعل يقوم به النسان‪،‬‬ ‫والواقع أ ّ‬
‫ي‪ ،‬إل ّ أّنه ما أن‬‫ّ‬ ‫فرد‬ ‫عمل‬ ‫نه‬
‫ّ‬ ‫أ‬ ‫من‬ ‫على الرغم‬
‫يتم فسرعان ما يلتحم بنسيج الحداث‪ ،‬لكي‬
‫ُيصبح جزءا ً ل يتجزأ من صميم الوجود‪ ،‬وهو‬
‫حين يلتحم بنسيج الحياة فأّنه يحيا في باطنه‬
‫دون أن يطرأ عليه الفناء‪ ،‬حتى ولو ضُعفت‬
‫ضربات الذبذبات التي تنبعث منه!‬
‫‪68‬‬
‫ن العمل ما هو إل ّ دعوة للخروج من‬ ‫إ ّ‬
‫عالم النانية‪ ،‬من أجل الندماج في عالم‬
‫الخرين والعمل من أجلهم‪ ،‬ول يجب أن‬
‫ن إتمام الواجبات الضرورية نحو الله‬ ‫ننسى أ ّ‬
‫والناس‪ ،‬هى في الحقيقة مجرد أعمال منها‬
‫أعمال روحية وُأخرى جسدية‪ ،‬وإن كان‬
‫البعض يقولون إننا أحرار نفعل كل ما نرغب‬
‫ن الحرية‬ ‫أو ما ُنريد‪ ،‬إل ّ أننا يجب أن نعرف أ ّ‬
‫نوعان‪:‬‬
‫حريتتة باطلتتة‪ :‬وهتتي أن نفعتتل متتا‬
‫نشاء‪ ،‬كميا ليو كنيا نحييا فيي جزييرة وحيدنا‪،‬‬
‫وحريتتة حقيقيتتة‪ :‬وهتتي أن نفعتتل متتا‬
‫يجتتب بحيييث ل نكييون مخييالفين للقييوانين‬
‫والتقاليد أو معييثرين لغيرنييا‪ ،‬كمييا ل يجييب أن‬
‫نقتصر في أعمالنا‪ ،‬على كل ما يعيييود بييالخير‬
‫ن الخر هو أخييي‪ ،‬ولهييذا‬ ‫على أنفسنا فقط‪ ،‬ل ّ‬
‫ب‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫يقييول معلمنييا بييولس الرسييول‪ " :‬ل َ ي َطل ْ‬
‫و‬ ‫ل كُ ّ‬
‫ه بَ ْ‬ ‫و ل ِن َ ْ‬ ‫َ‬
‫هت َ‬ ‫متتا ُ‬
‫د َ‬‫ح ٍ‬
‫وا ِ‬
‫ل َ‬ ‫س ِ‬
‫ف ِ‬ ‫ه َ‬
‫ما ُ‬‫حد ٌ َ‬‫أ َ‬
‫ر" )‪1‬كو‪.(24:10‬‬ ‫خ ِ‬‫ِلل َ‬
‫وقد يتساءل البعض عن كيفية التخّلص‬
‫أو الحد من ضغوط العمل؟ فنقول‪:‬‬
‫‪69‬‬
‫ن العمال كثيرة ومتنوعة‪ ،‬ولهذا‬ ‫ل شك أ ّ‬
‫يجب على النسان أن يختار ما يمكنه عمله‪،‬‬
‫من ُيريد أن يفعل كل‬ ‫ن َ‬ ‫فمن المعروف أ ّ‬
‫شيء‪ ،‬في النهاية سوف يجد نفسه لن يفعل‬
‫أيّ شيء!‬
‫هنا يجب على كل إنسان أن يعرف‬
‫ن العمل يجب أن يكون في‬ ‫قدراته‪ ،‬كما أ ّ‬
‫حدود كما يقول أندريه موروا‪ ،‬لهذا أفضل‬
‫ن الكاتب ل‬ ‫كرا ً أ ّ‬
‫لك أن تختار ما ُيناسبك‪ ،‬متذ ّ‬
‫حالة‬‫ّ‬ ‫والر‬ ‫المجالت‪،‬‬ ‫يستطيع أن يكتب في كل‬
‫ل يزور كل البلد‪..‬‬
‫ن النجاح غير مستحيل‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫بأ‬ ‫يجب أن تؤمن‬
‫إذا أحسنت اختيار الهدف‪ ،‬لّنه من العبث‬
‫أن تسعى لتحقيق غايات من المستحيل‬
‫تحقيقها! والفضل أن تضع قائمة بكل ما‬
‫ُتريد إنجازه‪ ،‬ثم تختار ما يوافقك أو ً‬
‫ل‪ ،‬إّنه‬
‫لحق واجب علينا أن نأكل من عنقود العنب‬
‫ل‪ ،‬والمؤّلف الموهوب هو من‬ ‫خير حباته أو ً‬
‫يبدأ كتابه الضخم بتسجيل أبوابه وفصوله‬
‫أو ً‬
‫ل‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫هناك خطأ كبير يقع فيه كثيرون‪ ،‬أل وهو‪:‬‬
‫محاولة إنجاز العمل في مرحلة‬
‫واحدة! وقد كان يجب أن يفعلوا مثل‬
‫متسلق الجليد‪ ،‬الذي يقتطع من الثلوج ليشق‬
‫لخرى‪ ،‬دون أن يرفع‬ ‫خطوة بعد ا ُ‬ ‫طريقه ُ‬
‫بصره إلى القمم‪ ،‬بل يخفضه إلى العماق‪،‬‬
‫لّنه إن فعل هذا فلبد أن يستولى الرعب‬
‫على قلبه‪.‬‬
‫ويجب أن يكون العمل بأمانة‪ ،‬فالله يرى‬
‫ما يحدث في الخفاء وبانتظام‪ ،‬كما يحتاج‬
‫ي والهدوء‪،‬‬ ‫النسان إلى الستقرار النفس ّ‬
‫ذر من العواطف الجوفاء التى أدت إلى‬ ‫وُنح ّ‬
‫ضياع كثيرين‪ ،‬فكم من شباب فقدوا درجاتهم‬
‫العلمية بسبب نزوة لم يضبطها العقل!‬
‫وإن كان العمل يحتاج إلى صحة جيدة‪،‬‬
‫فيجييب أن تهتييم بجسييدك فقييد قييال معلمنييا‬
‫َ‬
‫ه‬
‫س تد َ ُ‬ ‫ج َ‬‫ح تد ٌ َ‬
‫ضأ َ‬ ‫غت ْ‬ ‫م ي ُب ْ ِ‬‫بولس الرسول‪ " :‬ل َ ْ‬
‫َ‬
‫ب أْيضتا ً‬ ‫متتا ال تّر ّ‬‫ه كَ َ‬‫وي َُرّبي ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ل يَ ُ‬
‫قوت ُ ُ‬ ‫قط ب َ ْ‬
‫ة" )أف ‪.(29 :5‬‬ ‫س ِ‬‫ل ِل ْك َِني َ‬
‫ي‪،‬‬ ‫كز الباء على هذا التجيياه النجيل ي ّ‬ ‫وقد ر ّ‬
‫حتى ل ننحرف وننظر إلى الجسد كما لو كان‬
‫‪71‬‬
‫عنصر ظلمة في النسان يجب إهلكه! ولهييذا‬
‫يقول القديس ُأغسطينوس‪ :‬لنهتم بالجسد‬
‫وإّنما في حدود الصحة‪.‬‬
‫ن العقل السليم في الجسم‬ ‫وقد ثبت أ ّ‬
‫السليم‪ ،‬والصحة تاج على رؤوس الصحاء ل‬
‫يراه إل ّ المريض‪ ،‬ودرهم صحة خير من قنطار‬
‫ذهب‪ ..‬فهذه أمثال شعبية أصيلة‪ ،‬لم ينطق‬
‫بها أصحابها من فراغ!!‬
‫وقبل كل هذا يجب أن نبدأ العمل‬
‫بالصلة‪ ،‬لكي نشرك الله معنا‪ ،‬فهو على‬
‫أتم الستعداد أن يساعدك لو طلبته‪ ،‬وجعلت‬
‫اتكالك عليه‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫الفصل السابع‬
‫حيييييييل الشييييطييان‬

‫شيييطان مشييتقة ميين كلميية عبرييية هييى "‬


‫ن " ومعناها " المقاوم أو المشتكي‬ ‫شطَ َ‬
‫َ‬
‫" وفى اليونانية تأتي كلمة " إبليس" بنفييس‬
‫ن الشيييطان يعمييل‬ ‫المعنى‪ ،‬لتكشف لنا عيين أ ّ‬
‫لمقاومة النسان عسييى أن ُيسييقط البشييرية‬
‫كلهييا فييي الهلك‪ ،‬ألييم ُيسييقط أنبييياًء ورس يل ً‬
‫وقديسين‪..‬؟! فهو ل يقف ساكتا ً أمام إنسييان‬
‫مى هييذا حسد‬ ‫يحيا مع الله بل يقيياومه وُيسيي ّ‬
‫الشيطان‪.‬‬
‫وقد استطاع الشيطان بالمكر أن يكون له‬
‫سلطان على غير المؤمنين – بسماح من الله‬
‫‪ -‬وذلك بتحريضه النسان على الخطييية الييتي‬
‫ن‬ ‫مت َ‬ ‫قّتال ً ِللن ّتتا ِ‬
‫س ِ‬ ‫قصاصييها المييوت فهييو" َ‬
‫‪73‬‬
‫ء " )يو‪ ،(44 : 8‬ولكن هذا ل يعنييي أن ّييه‬ ‫ال ْب َدْ ِ‬
‫يستطيع أن يقتل حسبما يشاء‪ ،‬بل إّنه بسبب‬
‫إسقاطه آدم وحواء جلب الموت على البشر‪.‬‬
‫ن الشيطان‬ ‫ويكشف لنا العهد الجديد عن أ ّ‬
‫يحكم مملكة الشر بكل حنكة‪ ،‬فنرى رب‬
‫المجد يسوع فييي دحضييه للتهييام بييأّنه ُيخييرج‬
‫الشياطين بقوة بعلزبول‪ُ ،‬يبين سخف التهييام‬
‫ن الشيطان قد انقسييم علييى ذاتييه‬ ‫لّنه يعني أ ّ‬
‫فكيف إذن تثبت مملكته؟ )مت‪ ،(26:12‬فمن‬
‫ن الشييياطين يخضييعون فييي ولء‬ ‫المعييروف أ ّ‬
‫كاميل لحكم رئيسهم )مت‪ 28 :12‬و ‪.(29‬‬
‫وُيعرف الشيييطان بقتتوته الهائلتتة‪ ،‬لن ّييه‬
‫قبييييل أن يسييييقط كييييان أحييييد الملئكيييية "‬
‫ة " )مييز‪ ،(20:103‬ولييم‬ ‫و ً‬‫قت ّ‬‫ن ُ‬ ‫ري َ‬ ‫د ِ‬‫قت َت ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫مييا طييبيعته‬ ‫يفقده السييقوط سييوى طهييارته‪ ،‬أ ّ‬
‫القوية الجبارة فلم يفقدها!‬
‫وهو يستغل ضعف الناس ومحييدوديتهم‪،‬‬
‫وذليييك لكيييي ُيغريهيييم بالخطيييية )‪1‬كيييو‪(5:7‬‬
‫وشيييهوات العيييالم الممقوتييية اليييتي هيييى‪" :‬‬
‫م‬‫عظّ َ‬ ‫وت َ َ‬
‫ن‪َ ،‬‬ ‫وةَ ال ْ ُ‬
‫عُيو ِ‬ ‫ه َ‬
‫ش ْ‬‫و َ‬ ‫د‪َ ،‬‬‫س ِ‬‫ج َ‬ ‫وةَ ال ْ َ‬‫ه َ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫ة " )‪1‬يو‪.(15 :2‬‬ ‫ش ِ‬‫عي َ‬ ‫م ِ‬ ‫ْ‬
‫ال َ‬
‫‪74‬‬
‫وتعتبر الكبرياء هييى أهييم التجييارب الييتي‬
‫يوقع فيها الناس )‪1‬تي‪ ،(9 :3‬لّنه قييد سييقط‬
‫من رتبته بسبب كبريائه عندما قال في قلبييه‪:‬‬
‫ستّيي‬ ‫ع ك ُْر ِ‬ ‫فت ُ‬‫ت‪ ،‬أ َْر َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ما َ‬ ‫س َ‬ ‫عدُ إ َِلى ال ّ‬ ‫ص َ‬‫"أ ْ‬
‫َ‬
‫ي"‬‫عِلتت ّ‬‫ل ال ْ َ‬‫مْثتت َ‬ ‫صيُر ِ‬ ‫ه‪ ..‬أ َ ِ‬ ‫ب الل ّ ِ‬ ‫وقَ ك َ َ‬
‫واك ِ ِ‬ ‫ف ْ‬‫َ‬
‫)إش‪.(14 ،13:14‬‬
‫ما الخداع فهو المبدأ الذي تنطوي عليه‬ ‫أ ّ‬
‫كل الحيل الشيطانية‪ ،‬فهو محتال في تزييف‬
‫الحقائق‪ ،‬فيبذر الزوان في وسط القمح‪،‬‬
‫ويضع المؤمنين المزيفين بين أبناء الملكوت‬
‫)مت ‪ ،(25 :13‬وقد أوضح لنا معلمنا القديس‬
‫ن الشيطان يستطيع أن ُيغّير‬ ‫بولس الرسول أ ّ‬
‫ر " )‪2‬كو ‪:11‬‬ ‫ك ُنو ٍ‬ ‫مل َ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫شب ْ ِ‬ ‫شكله إلى " ِ‬
‫‪.(14‬‬
‫وُيعد اللحاح إحدى سمات الشيطان‪،‬‬
‫فهو ل يمل في حروبه‪ ،‬فيعرض الفكار‬
‫والصور مرات حتى وإن رفضها البشر‪ ،‬ألم‬
‫ُيحارب راهبا ً بخطية واحدة )‪ (50‬عامًا؟! حتى‬
‫عندما جاء لُيجّرب المسيح‪ ،‬على الرغم من‬
‫ن " )لو ‪:4‬‬ ‫حي ٍ‬ ‫ه إ َِلى ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫فاَر َ‬ ‫هزيمته‪ ،‬إل ّ أّنه " َ‬
‫‪!(13‬‬
‫‪75‬‬
‫ومن صفات الشيطان أيضا ً " الحسد "‪،‬‬
‫فهو ل يحتمل أن يرى إنسانا ً ناجحا ً أو بارًا‪...‬‬
‫ولهذا حسد يوسف الصديق على ما رآه من‬
‫أحلم ورؤى‪ ،‬ثم نقل الحسد إلى إخوته‬
‫فباعوه كعبد‪ ،‬ثم حسده على نجاحه في بيت‬
‫ي فرعون‪ ،‬فدّبر حيلة له‬ ‫فوطيفار خص ّ‬
‫استطاع بها أن ُيلقيه في السجن كفاعل إثم‪.‬‬
‫ن الشيطان هو الفساد الكبر‪،‬‬ ‫ولكن رغم أ ّ‬
‫والضلل العظم‪ ،‬والشر المحض‪ ..‬إل ّ أ ّ‬
‫ن‬
‫ن النسان في‬ ‫هناك شواهد كثيرة تؤكد أ ّ‬
‫جرائم كثيرة يكون هو نفسه الشيطان‪ ،‬بل‬
‫رئيس الشياطين العظم!‬
‫والحق إننا كثيرا ً ما نحاول تبرير ضعفنا‬
‫وسقوطنا‪ ،‬بالحديث عن قوة الشيطان‬
‫ن‬
‫وسلطانه ووسائل إغرائه‪ ..‬في حين أ ّ‬
‫ل‪ ،‬ما لم نرغب‬ ‫الشيطان ل يقدر أن يعمل عم ً‬
‫نحن هذا العمل! إّنها محاولة تبرير فاشلة‪،‬‬
‫لكي ل ُيعطي النسان حسابا ً عن أعماله‪ ،‬وها‬
‫نحن نقول‪ :‬من ل ُيسئل عن شروره ل ُيسئل‬
‫أيضا ً عن فضائله‪.‬‬
‫ن‬
‫قد نكون على صواب إذا قلنا‪ :‬إ ّ‬
‫‪76‬‬

‫‪64‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬
‫ن دون‬‫الشيطان قد يقرع باب قلبك سني َ‬
‫ملل‪ ،‬ولكنه ل يقوى من تلقاء نفسه على فتح‬
‫الباب‪ ،‬إّنه يحمل كل الصفات المتدّنية‪ ،‬ولكّنه‬
‫حرمة مسكنك‪ ،‬إل ّ إذا‬ ‫لن يرتكب جريمة هتك ُ‬
‫فتحت وأذنت له بالدخول‪ ،‬إذن فالستسلم‬
‫للشيطان هو في الحقيقة استسلم النسان‬
‫لشهواته‪ ،‬ومن ث َ ّ‬
‫م ل عذر له لكي ُيبرر‬
‫سقوطه في الخطية! فالنسان هو سيد‬
‫كم فى كل أقواله وقراراته‪..‬‬ ‫أعماله والمتح ّ‬
‫ويبقى السؤال‪:‬‬
‫؟؟؟ ؟؟؟؟؟ ؟؟؟ ؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟‬
‫لكي تنتصر على عدوك يجب عليك أن‬
‫تعرفه أول ً‪ ،‬فالشيطان وإن كان قويا ً وعدوا ً‬
‫لله والناس‪ ،‬وله سلطان‪ ،‬إل ّ أّنه كائن‬
‫محدود‪ ،‬وهو يعمل داخل الحدود التي وضعه‬
‫ن جهوده على الرض‬ ‫فيها الله‪ ،‬وهذا يعني أ ّ‬
‫مقّيدة‪.‬‬‫ُ‬
‫ولقييد اعتتترف الشتتيطان بمحتتدوديته‬
‫فيي حيديثه ميع الليه بخصيوص أييوب البيار "‬
‫ك عَل َييى‬
‫ت قَل ْب َي َ‬
‫جعَل ْ َ‬ ‫ن‪ :‬هَ ْ‬
‫ل َ‬ ‫شي ْ َ‬
‫طا ِ‬ ‫ب ِلل ّ‬ ‫فَ َ‬
‫قا َ‬
‫ل الّر ّ‬
‫‪77‬‬

‫‪84‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫عَبي ِ َ‬
‫ض‪..‬‬ ‫يي الْر ِ‬ ‫ه فِي‬‫مث ْل ُي ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ه ل َي ْي َ‬ ‫ب؟ لن ّي ُ‬ ‫دي أي ّييو َ‬ ‫ْ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه؟‬ ‫َ‬ ‫الل‬ ‫ب‬‫ّ ُ‬ ‫يو‬ ‫أ‬ ‫قي‬ ‫ت‬
‫َّ ِ‬ ‫ي‬ ‫ا‬ ‫جان‬ ‫َ ّ‬ ‫م‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫ه‬
‫ُ َ‬ ‫ن‪:‬‬ ‫طا‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫ش‬‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ب‬‫فَأ َ َ‬
‫جا‬
‫ك‬ ‫ط ي َيد َ َ‬ ‫سي ْ‬ ‫ن اب ْ ِ‬ ‫ه‪ ..‬وَل َك ِي ِ‬ ‫حوْل َ ُ‬ ‫ت َ‬ ‫ج َ‬ ‫سي ّ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫س أ َن ّ َ‬ ‫أل َي ْ َ‬
‫َ‬
‫ف‬ ‫ج يد ّ ُ‬ ‫ك يُ َ‬ ‫جهِي َ‬ ‫ه ِفيي وَ ْ‬ ‫ه فَإ ِن ّ ُ‬ ‫ما ل َ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫س كُ ّ‬ ‫م ّ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ال َ‬
‫متتا‬ ‫ل َ‬ ‫ذا ك ُت ّ‬ ‫و َ‬‫ه َ‬ ‫ن‪ُ :‬‬ ‫َ‬
‫شي ْطا ِ‬ ‫ب ِلل ّ‬ ‫ل الّر ّ‬ ‫قا َ‬ ‫ك‪ ،‬فَ َ‬ ‫عَل َي ْ َ‬
‫ك " )أى‬ ‫مدّ ي َدَ َ‬ ‫ه ل َ تَ ُ‬ ‫ما إ َِلي ِ‬ ‫وإ ِن ّ َ‬ ‫ك َ‬ ‫د َ‬ ‫في ي َ ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫لَ ُ‬
‫‪.( 12 -8 :1‬‬
‫ن الشيطان كان في رتبيية سييامية‬ ‫حقيقة إ ّ‬
‫خلق‪ ،‬ولكّنه ل ُيعادل الله‪ ،‬فهو ليييس‬ ‫عندما ُ‬
‫ن قدراته محدودة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫فإ‬ ‫وبالتالي‬ ‫إلها ً‬
‫ن الشيطان محدود فهو لذلك ل يعلتتم‬ ‫ول ّ‬
‫كل شيء‪ ،‬وهييذا واضييح ميين تخّبطييه الييذي‬
‫ظهر في محيياولته الفاشييلة فييي قتييل يسييوع‬
‫وهو طفل‪ ،‬كما أّنه ل يوجد في كل مكتتان‬
‫ولكّنه يجعل تأثيره ملموس يا ً بواسييطة أعييوانه‬
‫الكثيرين‬
‫ومسموح للشيطان أن ُيضييايق أولد اللييه‪،‬‬
‫ولكّنييه ل يمكتتن أن ينتصتتر عليهتتم )يييو‬
‫‪ ،(30:14‬لّنه ل سلطان له عليهم‪ ،‬بل أحيانييا ً‬
‫يسيييتخدم الليييه الشييييطان كيييأداة تقيييويم‬
‫المخطئين من أولده )لو‪.(31 :22‬‬
‫‪78‬‬
‫ويؤكد الرب للمؤمنين أّنه أعظيم مين كيل‬
‫قييوات الشيير الشيييطانية‪ ،‬الييتي ليين تسييتطيع‬
‫التغل ّييب علييى اللييه‪ ،‬أو تفصييل المييؤمنين عين‬
‫محبة خالقهم )يو‪.(28 : 10‬‬
‫ما مصيره فهييو النييار البدييية كمييا أوضييح‬ ‫أ ّ‬
‫عن ّتتي‬ ‫َ‬ ‫توا‬‫ت‬ ‫ب‬
‫َ ُ‬‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ذ‬ ‫ا‬ ‫"‬ ‫يوله‬ ‫ي‬ ‫ق‬ ‫في‬ ‫يسوع‬ ‫المجد‬ ‫رب‬
‫ة‬‫ع تد ّ ِ‬
‫م َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫مل َ ِ‬
‫ة ال ُ‬ ‫دي ّت ِ‬
‫ر الب َ ِ‬ ‫ن إ ِلتتى الن ّتتا ِ‬ ‫عي ت ُ‬ ‫ي َتتا َ‬
‫ه " )مت ‪.(41 :25‬‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ئ‬‫َ‬
‫ل ِب ِْلي َ َ َ ِ ِ ِ‬
‫ت‬ ‫ل‬ ‫م‬‫و‬ ‫س‬
‫ويجب على المؤمنين لكييي ينتصييروا علييى‬
‫الشيطان ُنصرة كاملة‪ ،‬أن يدركوا أّنه الن قد‬
‫أصبح عدوا ً مهزوميًا‪ ،‬بنيياء علييى عمييل السيييد‬
‫دمه للبشييرية بييدمه‬ ‫المسيح الكفاريّ اليذي قي ّ‬
‫الطاهر المسفوك على الصليب‪.‬‬
‫ومييين العبيييث محاولييية الهيييروب مييين‬
‫الشيييطان‪ ،‬ولكيين بالتمسييك بنصييرة المسيييح‬
‫يمكن للمييؤمنين أن يجعلييوا الشيييطان يهييرب‬
‫م‬ ‫كتت ْ‬‫من ْ ُ‬‫ب ِ‬ ‫هُر َ‬ ‫في َ ْ‬‫منهم " قاوموا إبليس َ‬
‫" )يع‪ ،(7:4‬ولهزيمة الشيطان يجب أل ّ يجهلوا‬
‫أفكاره )‪2‬كو‪ ،(11 :2‬ولّنه عدو ماكر يجب أل ّ‬
‫يعطييوه فرصيية ليتسييلط عليهييم‪ ،‬بسييماحهم‬
‫للخطييية بالييدخول إلييى حييياتهم )أف‪-25: 4‬‬
‫‪79‬‬
‫‪ ،(27‬بل يجب عليهم أن يصحوا وينتبهيوا إليى‬
‫فتتي‬ ‫ن ِ‬ ‫خي َ‬ ‫ست ِ‬‫خطر الشيطان ويقيياوموه " َرا ِ‬
‫ن " )‪1‬بط‪ ،(8 : 5‬فاليمان بالله ُيبطل‬ ‫ما ِ‬ ‫لي َ‬
‫ا ِ‬
‫ن"‬ ‫ّ‬ ‫فييإ‬ ‫حييرب‬ ‫فييى‬ ‫معييه‬ ‫دخلنييا‬ ‫وإن‬ ‫قييوته‪،‬‬
‫ب " )‪1‬صم‪.(47: 17‬‬ ‫ب ِللّر ّ‬ ‫حْر َ‬‫ال ْ َ‬
‫والنصييرة علييى كييل هجمييات الشيييطان‬
‫ممكنة‪ ،‬لمن يلبسون ستتلح اللتته الكامييل‬ ‫ُ‬
‫حة من الروح‬ ‫س‬
‫َِ ْ َ‬‫م‬ ‫لهم‬ ‫الذين‬ ‫(‪،‬‬‫‪17‬‬ ‫‪-‬‬‫‪13:6‬‬ ‫)أف‬
‫القدس يميزون بها بين الصواب والخطأ )‪1‬يو‬
‫‪.(20 : 2‬‬
‫وفيييى حيييرب أنبتتتا أنطونيتتتوس ميييع‬
‫الشياطين‪ ،‬ظهر أهمية التضاع‪ ،‬فكان يقول‬
‫" أيهتتا‬ ‫لهم عندما كييانوا يتكيياثرون عليييه‪:‬‬
‫القويتتتاء متتتاذا تريتتتدون منتتتي أنتتتا‬
‫الضعيف ؟! " وقييد تتسيياءل‪ :‬لميياذا يحييرق‬
‫ن خطيييية‬ ‫التضييياع الشيييياطين؟! فنجييييب‪ :‬ل ّ‬
‫الشيطان الولى كانت هى الكبرياء وإلى الن‬
‫ل يزال متكبرًا! وهييل ننسييى دور المشتتورة‬
‫والعتتتراف فييي حربنييا مييع إبليييس؟ فييأب‬
‫العتراف ُيصلي إلييى اللييه ليكشييف لييه حيييل‬
‫طيُعوا‬‫إبليس‪ ،‬ولهذا يقول بولس الرسول‪ " :‬أ َ ِ‬
‫‪80‬‬
‫ل‬
‫جي ِ‬ ‫ن لَ ْ‬‫سييهَُرو َ‬ ‫م يَ ْ‬
‫َ‬
‫ض يُعوا لن ُّهيي ْ‬ ‫خ َ‬ ‫م َوا ْ‬ ‫ديك ُ ْ‬ ‫شي ِ‬ ‫مْر ِ‬ ‫ُ‬
‫سابا ً " )عييب‬ ‫ح‬ ‫ن‬ ‫طو‬‫ُ‬ ‫ع‬‫ي‬ ‫ف‬ ‫و‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫فوسك ُم ك َأ َ‬ ‫ُ‬
‫َ ِ َ‬ ‫ُّ ْ َ ْ َ ُْ‬ ‫ِ ْ‬ ‫نُ‬
‫‪.(17 :13‬‬
‫كما أننا عن طريييق الوسائط الروحيتتة‬
‫نتغذى روحيًا‪ ،‬فنتقوى وننال قوة‪ ،‬نستطيع بها‬
‫أن ُنحارب إبليس وكل قواته‪ ،‬هكييذا اسييتطاع‬
‫السيد المسيح بكلمة الله أن يخزى الشيطان‬
‫عنييدما طلييب منييه أن يسييجد لييه إذ قييال‪" :‬‬
‫ب‬‫ب ِلل تّر ّ‬ ‫مك ْت ُتتو ٌ‬ ‫َ‬ ‫ش تي ْ َ‬‫ب َيا َ‬ ‫اذْ َ‬
‫ه َ‬ ‫ن! لن ّت ُ‬ ‫طا ُ‬ ‫ه ْ‬
‫د" )مييت‬ ‫ت‬ ‫ب‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫ت‬ ‫ح‬ ‫و‬
‫َ ْ ُ ُ َ ِّ ُ َ ْ َ ُ َ ْ ُ ُ‬‫ه‬ ‫تا‬‫ت‬ ‫ي‬‫إ‬ ‫و‬ ‫د‬ ‫ج‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫ت‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ت‬ ‫إ ِل َ ِ‬
‫ه‬
‫‪ ،(10:4‬أليم يقيل معلمنيا بيولس الرسيول‪" :‬‬
‫ت‬ ‫حتت َ‬‫ن تَ ْ‬ ‫طا َ‬‫شتتي ْ َ‬ ‫ق ال ّ‬ ‫ح ُ‬ ‫س َ‬‫سي َ ْ‬ ‫سل َم ِ َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫وإ ِل َ ُ‬ ‫َ‬
‫ريعاً؟ " )رو‪.(20:16‬‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫أ ْ‬

‫‪81‬‬
‫الفصل الثامن‬
‫قييييييييود المجيتميييع‬

‫ليس في استطاعة إنسان أن يحبس ذاته‬


‫مطلقا ً ولو كان ذلك في قصر! فالوحدة أو‬
‫بمعنى أدق العزلة‪ ،‬هى ل تصُلح إل ّ لكائن‬
‫ن النا ل تستطيع أن تحيا إل ّ مع‬‫متوحش‪ ،‬ل ّ‬
‫الغير‪ ،‬والذات ل تتحقق إل ّ مع الذوات‬
‫لخرى‪.‬‬‫ا ُ‬
‫ن البشر ل يملكون أبوابا ً أو‬ ‫والحق إ ّ‬
‫خلقوا لكي يحيوا في‬ ‫نوافذ‪ ،‬لّنهم ُ‬
‫الخارج وليس داخل أنفسهم‪ ،‬وكأّنهم‬
‫بطبيعتهم موجودات مكشوفة تحيا في‬
‫العراء‪ ،‬وهل يمكن للذات النسانية‪ ،‬أن تظل‬
‫محصورة داخل دائرة الفكر أو الخيال أو‬
‫النية؟!‬
‫وعلى الرغم من المخاطرات التي تمل‬
‫العالم‪ ،‬الذي هو أشبه بساحة حرب كبيرة‪،‬‬
‫صعب أن يخرج منها إنسان دون أن تلحقه‬
‫‪82‬‬
‫تشوهات روحية أو نفسية أو جسدية‪ ..‬إل ّ أّنه‬
‫لبد من أن تأتي لحظة نحسم فيها أمرنا‬
‫ي لكي‬‫ونقذف بأنفسنا إلى العالم الخارج ّ‬
‫نستطيع أن نحقق ذواتنا‪ ،‬وما هى الحياة‬
‫محررة‪ ،‬بها يستطيع‬ ‫الروحية سوى قوة ُ‬
‫النسان أن يتخّلص من حالة الستغراق‬
‫ن النسان يولد‬ ‫ي في الذات! حقا ً إ ّ‬ ‫المرض ّ‬
‫بمفرده ويموت بمفرده‪ ،‬إل ّ أّنه ل يحيا إل ّ‬
‫مع الخرين وبالخرين وللخرين‪ ،‬حتى‬
‫ن فكره ل يخلو من‬ ‫عندما يعتزل البشر فإ ّ‬
‫مشاكل الناس وصور الخرين‪..‬‬
‫وكما ل توجد ذات بدون العالم‪ ،‬ل توجد‬
‫ذات بدون الخرين‪ ،‬وسواء كان هذا الغير هو‬
‫خصمي الذي أتصارع معه‪ ،‬أو صديقي الذي‬
‫أتعاطف معه‪ ،‬فإنني في كلتا الحالتين ل‬
‫أستطيع أن أعيش بدونه‪ ،‬ألم يقل جوته‬
‫ي‪ :‬ليس هناك عقاب‬ ‫الشاعر اللمان ّ‬
‫أقسى على النسان من أن يعيش‬
‫في الجنة بمفرده‪.‬‬
‫ن النسان عندما يلجأ إلى‬ ‫ونحن ل ُننكر أ ّ‬
‫الوحدة‪ ،‬فإّنه يتحرق شوقا ً إلى صدر المُ‬
‫‪83‬‬
‫الحنون‪ ،‬حيث المان والسلم‪ ..‬ولكّنه سواء‬
‫أراد أو لم ُيرد‪ ،‬فإن دائرته الخاصة التي‬
‫يحيا فيها سوف تدخل ضمن دوائر‬
‫ُأخرى كثيرة‪ ..‬فلبد أن يستلم من المجتمع‬
‫الذي يعيش فيه لغته التي يتكلم بها‪ ،‬وأهدافه‬
‫التي يعمل من أجلها‪ ،‬وعواطفه التى يجيش‬
‫بها صدره‪ ،‬ولو أننا انتزعنا من النسان كل ما‬
‫ما بقى منه سوى كائن‬ ‫جلبه له المجتمع‪ ،‬ل َ َ‬
‫حي ل يتميز عن الحيوان كما قال " روسو "‬
‫ي‪.‬‬
‫الفيلسوف الفرنس ّ‬
‫ولكن ما عسى أن يكون المجتمع‬
‫الذي نحن بصدد الحديث عنه ؟ إننا ُنخطي‬
‫عندما ننظر إلى المجتمع على أّنه قطعة‬
‫أرض تشغلها طائفة من البشر‪ ،‬تجمع‬
‫ن المجتمع هو‬ ‫بينهم روابط الجنس واللغة‪ ..‬ل ّ‬
‫مجموعة من الفكار والمعتقدات‬
‫والعواطف‪ ،‬التي يتلقى عندها البشر‪ ،‬إّنه‬
‫مركز ضخم لشعاعات عقلية وأخلقية ودينية‬
‫ل حصر لها‪ ..‬تمتد في دوائر ُأخرى كثيرة‬
‫بعيدة المدى‪.‬‬
‫ن النسان كائن متمّرد ل يرتضي بروح‬ ‫ولك ّ‬
‫‪84‬‬

‫‪83‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬
‫الجماعة إل ّ إذا كانت على هواه‪ ،‬وتتفق مع‬
‫ميوله ورغباته‪ ..‬وهكذا نجد في كل عصر من‬
‫العصور أصحاب النزعات الفردية يهاجمون‬
‫الروح الجماعية‪ ،‬لّنها كما يرون تشيع في‬
‫النسان روح الضعف والنحلل‪ ...‬التي ل‬
‫يستطيع أن يصمد أمامها سوى الرجل‬
‫ي‪ ،‬أو المبتدع الذي لديه من‬‫المتدين القو ّ‬
‫المؤهلت ما يدفعه إلى النسلخ من‬
‫ن النسان‬ ‫المجتمع! ولكن هل نسي هؤلء أ ّ‬
‫ي‪ ،‬ينفر من حياة‬ ‫بطبعه كائن اجتماع ّ‬
‫مع بفطرته؟‬ ‫العزلة‪ ،‬ويميل إلى التج ّ‬
‫ن الذات ليست سوى تراث‬ ‫نعترف بأ ّ‬
‫ي تعاقبت الجيال في تكوينه‬ ‫اجتماع ّ‬
‫وتشكيله‪ ،‬وهل يمكن أن تكون الذات ذات‬
‫قيمة لو جردناها من كل ما وضعه فيها‬
‫الخرون؟! إذن عندما يتأمل النسان ذاته‪،‬‬
‫فهو في الحقيقة يتأمل في كل ما هو حوله‪،‬‬
‫حتى عندما يعتزل الناس ويختلي بذاته‪ ،‬فهو‬
‫يظل محتفظا ً بكل أصداء القرون الماضية‬
‫في أعماقه! ولهذا يقول أحد الطباء‪ :‬عندما‬
‫يجلس مع المريض في الحجرة فإّنه ل يعتبر‬
‫‪85‬‬
‫نفسه بمفرده مع المريض‪ ،‬ولكن من حول‬
‫ون من جميع‬ ‫المريض يوجد خورس‪ ،‬يتك ّ‬
‫الناس الذين عاش بينهم‪ ،‬إّنهم موجودون معه‬
‫في الحجرة‪ ،‬لّنهم يتركون بصماتهم التي ل‬
‫يمكن محوها من على شخصية المريض‬
‫سواء كانت خيرا ً أم شرًا!‬
‫ن كل‬ ‫قد نكون على صواب لو قلنا‪ :‬إ ّ‬
‫إنسان يحمل في داخله صورا ً كثيرة‪،‬‬
‫قع عليها من الشخاص الذين أّثروا‬ ‫و ّ‬
‫م ّ‬
‫في حياته‪ ،‬فقد أضاف كل منهم بعدا ً جديدا ً‬
‫ولونا ً فريدا ً للوحة حياته! التي تحمل خطوطا ً‬
‫كثيرة لكل من عاش بينهم وتعّلم منهم‬
‫وصادقهم‪.‬‬
‫عاِلم بعدما يحقق‬ ‫وهذا ما يؤكده كل َ‬
‫ُ‬
‫دما ً إذ يقول‪ :‬إنني أذكر نفسي كل‬
‫ّ‬ ‫نجاحا ً أو تق ّ‬
‫ن نجاحي يعتمد على جهود آخرين‬ ‫يوم بأ ّ‬
‫أحياء وأموات‪ ،‬فأنا ل أعمل بمفردي‪.‬‬
‫إذن ليس من المعقول أن يتنكر النسان‬
‫للمجتمع بأسره‪ ،‬وكأّنما هو ُيعيد بناء التاريخ‬
‫لحسابه الخاص‪.‬‬
‫‪86‬‬
‫إّنه قمة الجهل أن يتنكر شخص لكل‬
‫شيء في الوجود ما عدا فكره ومعتقده‪،‬‬
‫وكأّنما هو يخلق كل شيء من جديد ابتداء‬
‫من ذاته التي رّبما قد أصابها الخلل!‬
‫ن كلمة إنسان مشتقة من يأنس‪ ،‬وهى‬ ‫إ ّ‬
‫تعني التآلف أو الستئناس‪ ،‬فمن طبيعة‬
‫النسان أن يأنس لغيره‪ ،‬بعكس الحيوان‬
‫المتوحش الذي يجنح إلى العزلة‪.‬‬
‫ن النسان عن طريق غيره من‬ ‫كما أ ّ‬
‫مي أفكاره ويعالج‬ ‫ين‬
‫ُ ّ‬ ‫أن‬ ‫يستطيع‬ ‫البشر‪،‬‬
‫وي ضعفاته‪ ..‬وإل ّ ما هو مفهوم‬ ‫مشاكله وُيق ّ‬
‫العانة ؟ ألم يخلق الله لدم حواء ؟ ولماذا‬
‫خلقها ؟ أليس لتكون معينا ً له؟!‬
‫ويسعى المجتمع بكل قوانينه أن يجعل‬
‫ن‬‫النسان خاضعا ً لتقاليده‪ ،‬ولكن ل ننسى أ ّ‬
‫كله‬‫وره وُيش ّ‬‫ور مجتمعه وُيط ّ‬ ‫النسان أيضا ً ُيح ّ‬
‫دله‪ ..‬إذن فالعلقة بين الفرد والمجتمع‬ ‫وُيع ّ‬
‫هى علقة تبادلية‪ ،‬قوامها الخذ والعطاء‪ ،‬أو‬
‫ن القول بوجود‬ ‫التأثير والتأثر‪ ،‬وبالتالي فإ ّ‬
‫ي أو أنماط ثقافية ل يعني‬ ‫سلوك اجتماع ّ‬
‫ي‪ ،‬فالمجتمع ل يلغي‬ ‫إنكار كل استقلل فرد ّ‬
‫‪87‬‬
‫ما بين الفراد من فوارق مزاجية‬
‫خُلقية وعقلية ونفسية‪..‬‬ ‫و ُ‬
‫ولكننا ونحن بصدد الحديث عن المجتمع‬
‫ن المجتمع وإن كان ُيمّثل السلطة‬ ‫نقول‪ :‬إ ّ‬
‫التي تحمي النسان وتنظم العلقات بين‬
‫أفراده‪ ..‬إل ّ أّنه ليس هو القوة اللهية‬
‫المقدسة‪ ،‬التي ل يأتيها الباطل من بين‬
‫يديها‪.‬‬
‫ن كل ما‬‫وليس هناك مايجعلنا نقرر بأ ّ‬
‫يتطلبه المجتمع من الفرد لبد أن يكون حسنا ً‬
‫على الدوام‪ ،‬هكذا أيضا ً الرأي الذائع بين‬
‫الناس‪ ،‬ل ُيشترط أن يكون دائما ً هو الحقيقة‬
‫بعينها‪ ،‬ألم ُتبح مجتمعات كثيرة الشذوذ‬
‫ي بين الرجال؟! ألم ُتحلل شعوب‬ ‫الجنس ّ‬
‫شرب الخمور وتعاطي المخدرات؟! وهل‬
‫ن شعوبا ً كثيرة انقادت وراء زعماء‬ ‫ُننكر أ ّ‬
‫ي العقل‪ ،‬فجعلت من أطماعهم‬ ‫مختل ّ‬
‫السياسية أو الحربية هدفا ً قوميا ً لها‪ ،‬وفى‬
‫النهاية هلكت!‬
‫أتتذكرون هتلر! أتعرفون ماذا فعل‬
‫بألمانيا بل العالم؟ لقد راح ضحية حروبه‬
‫‪88‬‬

‫‪04‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬
‫مليين من البشر في كل أنحاء العالم!!‬
‫وأخيرا ً مات الدكتاتور منتحرا ً بعد أن أطلق‬
‫النار على نفسه!!‬
‫ن كثيرين ُيحاولون وضييع ُنظييم اجتماعييية‬ ‫إ ّ‬
‫سفية‪ ,‬وفرضها على الناس بييالقوة‪ ،‬ولكننييا‬ ‫تع ّ‬
‫ن الدخول إلى أعماق النستتان‬ ‫ّ‬ ‫بأ‬ ‫نعترف‬
‫ل يجتب أن يتتتم بتالعنف حييتى لييو كييانت‬
‫القيوانين فيي صيالحه‪ ،‬لبيد مين طرييق آخير‬
‫ن الحييوار‬ ‫للدخول إلى قلب النسان‪ ،‬وأعتقد أ ّ‬
‫واحييترام العقييل وتقييدير قيميية الحرييية هييى‬
‫أفضييل الوسييائل لقنيياع البشيير‪ ،‬وهييا نحيين‬
‫نتساءل‪:‬‬
‫ألم يييدخل اللييه فييي حييوار مييع إبراهيييم؟!‬
‫وعلييى الرغييم ميين قييول إبراهيييم لسيييده‪" :‬‬
‫شييا ل َي َ َ‬ ‫َ‬ ‫أ َفَت ُهْل ِ ُ‬
‫ل‬‫فعَ ي َ‬‫ن تَ ْ‬‫كأ ْ‬ ‫حا َ‬
‫م‪َ ..‬‬ ‫معَ الِثي ي ِ‬ ‫ك ال َْباّر َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫كو ُ‬‫معَ الِثيم ِ فَي َ ُ‬ ‫ت ال َْباّر َ‬ ‫مي َ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫مر ِ أ ْ‬‫ذا ال ْ‬ ‫ل هَ َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ع‬ ‫ض ل َ يَ ْ‬
‫صيين َ ُ‬ ‫ْ ِ‬ ‫ر‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫كيي‬ ‫ن‬
‫ُ‬ ‫ييييا‬‫ّ‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫أ‬ ‫م‪..‬‬
‫ِ‬ ‫ثي‬
‫ِ‬ ‫ل‬ ‫كييا‬ ‫ر‬
‫ّ‬ ‫بييا‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ا‬
‫ن اللييه لييم‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫(‪،‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪23:18‬‬ ‫يك‬ ‫ي‬ ‫)ت‬ ‫"‬ ‫؟‬ ‫ً‬ ‫ل‬ ‫د‬
‫َ ْ‬ ‫ي‬ ‫ع‬
‫يغضب منه ولم ُيعاقبه‪ ،‬بييل ظييل فييي حييواره‬
‫معه من أجل سدوم وعمييورة‪ ،‬إلييى أن اقتنييع‬
‫إبراهيم في النهاية!‬
‫‪89‬‬
‫ما إذا ُأشيع في النسان روح الضعف‬ ‫أ ّ‬
‫والنحلل‪ ،‬أو سعوا إلى كسر شوكة‬
‫الشخصية الفردية‪ ،‬فإننا نكون قد قضينا في‬
‫نفس الوقت‪ ،‬ليس على المتمّيزين أصحاب‬
‫المواهب فقط بل على المجتمع ذاته‪.‬‬
‫ن التاريخ حافل بشخصيات قوية‪،‬‬ ‫والحق إ ّ‬
‫قد استطاع أصحابها أن يفرضوا إرادتهم‬
‫وفكرهم وآراءهم‪ ..‬على المجتمع‪ ،‬وأن‬
‫يصبغوا تاريخ ُأمتهم بطابعهم‪ ،‬حقا ً إّنهم‬
‫يدينون للمجتمع الذي نشأوا بين أحضانه‬
‫وترعرعوا في ك ََنفه‪ ،‬ولكن عبقرياتهم لم تكن‬
‫ي أو الذات‬ ‫مجرد أصداء للعقل الجمع ّ‬
‫الجماعية‪ ،‬فكانت النتيجة أّنهم صاروا أصحاب‬
‫فكر وقادة وزعماء‪!..‬‬
‫ي نقرأ عن البابا‬ ‫وفى التاريخ الكنس ّ‬
‫ي‪ ،‬أّنه وقف ضد‬ ‫أثناسيوس الرسول ّ‬
‫الريوسيين حتى قيل له مّرة‪ :‬العالم ضدك يا‬
‫أثناسيوس! فقال‪ :‬وأنا ضد العالم!‬
‫وُيعد الشعور بالرفض وعدم‬
‫التلقي‪ ،‬من أسوأ آفات المجتمع‪ ،‬فماذا لو‬
‫كنت تعمل مع إنسان يكرهك أو تسكن بجوار‬
‫‪90‬‬

‫‪24‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬
‫عدو لك‪..‬؟! هنا نؤكد أننا نحيا في مجتمع‬
‫فلبد من التواصل‪ ،‬وهذا يتم عن طريق اللغة‬
‫والتعاطف والعمل‪ ..‬ولكن مهما عملنا فلبد‬
‫ن‬
‫ذر علقاتنا بكثيرين‪ ،‬كما أ ّ‬ ‫ح َ‬
‫أن يشوب ال َ‬
‫علقات كثيرة ل تتسم بالعمق‪ ،‬وهى ل تتعدى‬
‫سوى طائفة من العلقات الظاهرية‬
‫والمجاملت اللفظية السطحية‪..‬‬
‫ن غالبية الناس قد أصبحوا اليوم‬ ‫والحق إ ّ‬
‫مشغولين عن أنفسهم وعن غيرهم‪ ،‬فهم‬
‫مأخوذون بسحر الملموس والمسموع‪،‬‬
‫هاربون باستمرار من ذواتهم‪ ،‬فالتركيز‬
‫ي ُيزعجهم‬ ‫ي يتعبهم والتأمل الباطن ّ‬‫الذهن ّ‬
‫ورقابة الضمير ُتقلقهم‪ ..‬ويبقى السؤال‪:‬‬
‫صن أنفسنا فى علقاتنا‬ ‫كيف نح ّ‬
‫الجتماعية؟ وكيف نتحرر من قيود‬
‫المجتمع؟‬
‫عش في المجتمع كما تحيا القنافد معا‪ً،‬‬
‫هذه عبارة قد تبدو غريبة! ولكّنها خلصة‬
‫قصة طريفة تحكي عن مجموعة من القنافد‪،‬‬
‫ما‬
‫أرادت أن تستدفيء في ليلة باردة‪ ،‬فل ّ‬
‫اقتربوا جرحهم الشوك الذي يمل ظهورهم‬
‫‪91‬‬
‫فابتعدوا‪ ،‬ولكّنهم عندما ابتعدوا شعروا ببرودة‬
‫شديدة‪ ،‬فما كان عليهم سوى القتراب‬
‫والبتعاد‪.‬‬
‫ن النسان يعرف أّنه لبد أن يحيا في‬ ‫إ ّ‬
‫ن أصداء الجماعة لبد أن تتردد في‬ ‫مجتمع‪ ،‬وأ ّ‬
‫ن‬
‫ّ‬ ‫بأ‬ ‫الوقت‬ ‫نفس‬ ‫في‬ ‫يشعر‬ ‫نه‬‫ّ‬ ‫ولك‬ ‫أعماقه‪،‬‬
‫ما الذين‬‫لوجوده الفرديّ واقعيته وقيمته‪ ،‬أ ّ‬
‫ُيشددون على أهمية اندماج النسان في‬
‫مطلقة لتذوب الذوات معًا!‬ ‫المجتمع بصورة ُ‬
‫ن كل‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫الوهم!‬ ‫من‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫ضرب‬ ‫فهذا في الحقيقة‬
‫ذات هى هيكل وحده‪ ،‬فل يمكن أن تقوم‬
‫العلقة بين الفرد والمجتمع على التجانس‬
‫التام‪ ،‬بل لبد من أن تظل العلقة بينهما‬
‫مليئة بالختلفات‪.‬‬
‫وهل ُننكر أننا نحيا فى العالم ولكننا‬
‫نخشاه؟! أليس العالم ُيمّثل لنا الصديق‬
‫والعدو في وقت واحد؟! إذن مهما عاش‬
‫النسان في العالم وحبس نفسه في زنزانة‬
‫الخرين‪ ،‬فإّنه بين الحين والخر يحن إلى‬
‫دفء الداخل‪ ،‬فيرخي الستار وينكمش خلف‬
‫ي‪.‬‬
‫النافذة لكي يستمتع بدفء الموقد الداخل ّ‬
‫‪92‬‬
‫هناك حكمة تقول‪ :‬ل تقترب لئل ُتبعتتد‪،‬‬
‫ما سييليمان الحكيييم‬ ‫ول تبتعد لئل ُتنسى! أ ّ‬
‫ت‬ ‫فتتي ب َي ْت ِ‬ ‫زي تَزةً ِ‬ ‫ع ِ‬ ‫ك َ‬ ‫جل َ َ‬
‫ر ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ع ْ‬ ‫ج َ‬ ‫فيقول‪ " :‬ا ْ‬
‫ك " )أم‬ ‫ضت َ‬ ‫غ‬‫ب‬
‫ُ ْ ِ َ‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ت‬ ‫ن‬
‫ِ ْ‬‫م‬ ‫ل‬‫ّ‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫ّ‬
‫ك ل ِئ َ َ َ‬
‫ل‬ ‫ريب ِ ت َ‬ ‫َ‬
‫ق ِ‬
‫‪.(17:25‬‬
‫ن‬
‫ّ‬ ‫أ‬ ‫يا‬‫ي‬ ‫كم‬ ‫ية‪،‬‬ ‫ي‬‫دائم‬ ‫ية‬
‫ي‬ ‫علق‬ ‫ياك‬ ‫ي‬ ‫هن‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫أ‬ ‫ين‬‫ي‬‫تظ‬ ‫فل‬
‫مطلق ما أشد ضييرره علييى النسييان‪،‬‬ ‫البعد ال ُ‬
‫ومهما اختلف البشر في شأن الوحدة الفردية‬
‫أو التعددييية الجماعييية‪ ،‬فييالواقع يؤكييد إننييا ل‬
‫ُندرك أنفسنا ونعرف حقيقة ذواتنييا‪ ،‬إل ّ عنييدما‬
‫ننفصل عيين الموجييودات أو الشييياء‪ ،‬ومعنييى‬
‫هذا‪ :‬إننا ل نستطيع أن ُنفكر في ذواتنييا إل ّ إذا‬
‫كّنا فرادى‪.‬‬
‫ن‬
‫ّ‬ ‫أ‬ ‫أمامك‬ ‫ضع‬ ‫الجتماعية‬ ‫حياتك‬ ‫وفي‬
‫المجتمع يجمع بين دفتيه البار والشرير‬
‫لم الواحدة قد‬ ‫كليهما معًا‪ ،‬بل من بطن ا ُ‬
‫يخرج البار والشرير‪ ،‬كما خرج من بطن رفقة‬
‫يعقوب وعيسو‪ ،‬ولهذا يجب أن تتسم علقاتك‬
‫بالحرص الشديد‪ ،‬لئل يتسرب الماء إلى‬
‫سفينة حياتك فتغرق! إذن تجنب الشرار‪،‬‬
‫وإن لم تقدر أن تبتعد عنهم‪ ،‬فعلى القل‬
‫‪93‬‬
‫ابتعد عن عاداتهم الشريرة‪ ،‬واضعا ً أمامك‬
‫ل‬
‫ج ِ‬ ‫طوَبى ِللّر ُ‬ ‫قول معلمنا داود النبيّ‪ُ " :‬‬
‫شَرارِ وَِفي‬ ‫شوَرةِ ال َ ْ‬
‫م ُ‬ ‫ك ِفي َ‬ ‫سل ُ ْ‬‫م يَ ْ‬ ‫ذي ل َ ْ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫س‬
‫جل ِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ف وَِفي َ‬ ‫ق ْ‬‫م يَ ِ‬ ‫طاةِ ل َ ْ‬‫خ َ‬ ‫ق ال ْ ُ‬ ‫ري ِ‬ ‫طَ ِ‬
‫س " )مز ‪ ،(1:1‬وكما‬ ‫جل ِ ْ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫َ‬
‫نل ْ‬ ‫ست َهْزِِئي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫يقول المثل الشعبيّ‪ :‬اختر الرفيق قبل‬
‫الطريق‪.‬‬
‫ما الرؤساء فيجب علينا أن ُنطيعهم ولكن‬ ‫أ ّ‬
‫ول َدُ‬ ‫في حدود الوصية التي تقول‪ " :‬أ َي ّهتا ال َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫هت َ‬ ‫ن َ‬ ‫ب لَ ّ‬ ‫فتتي ال تّر ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ديك ُ ْ‬ ‫وال ِ ت ِ‬ ‫عتتوا َ‬ ‫طي ُ‬ ‫أَ ِ‬
‫ي واجييب‬ ‫ق" )أف ‪ ،(1:6‬إذن أمييام الييوثن ّ‬ ‫حتت ّ‬ ‫َ‬
‫ي أن ُأعليين مسيييحيتي‪ ،‬وإل ّ أكييون منكييرا ً‬ ‫علي ّ‬
‫للمسيح!‬
‫ن الحياة مع الله‬ ‫وهل نُنكر أ ّ‬
‫والسلوك بالروح يرفع الجسد‪ ،‬ويقي‬
‫النسان من مشاكل اجتماعية كثيرة‪ ،‬مثل‬
‫الغيرة والحسد والكراهية‪ ..‬وُيعطي النسان‬
‫قوة على احتمال التجارب والضيقات‪..‬‬
‫ن السيد المسيح قد عاش‬ ‫ضع أمامك أ ّ‬
‫وسط اللم‪ ،‬وتصادم مع ملوك ورؤساء‪..‬‬
‫ولكّنه لم يكره الحياة أو يحقد على الناس‪ ،‬أو‬
‫‪94‬‬

‫‪44‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬
‫يهاجم المجتمع‪ ..‬لّنه قَِبل الحياة بكل ما فيها‬
‫من خير وشر‪ ،‬فضيلة ورذيلة‪ ..‬ولهذا نراه‬
‫وهو ينزف الحياة على الصليب‪ ،‬يلتمس‬
‫المغفرة لعدائه الذين قد أهانوه وصلبوه‬
‫حسدًا! ويمنح اللص اليمين الغفران! ويطلب‬
‫من يوحنا الحبيب أن يرعى ُأمه!وهكذا كت ب‬
‫الدم المت ساق ط على ج سده الممزق‬
‫بال سيا ط كلمات الح ب والغفران!‬
‫ن السيد المسيح قد أضاء‬ ‫نعترف بأ ّ‬
‫ون علينا احتماله‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وه‬ ‫‪،‬‬ ‫اللم‬ ‫بآلمه ظلم‬
‫دس‬ ‫َ‬
‫حَرقة التي ُتق ّ‬‫م ْ‬
‫حب هو ال ُ‬ ‫ن ال ُ‬
‫وأعلن لنا أ ّ‬
‫ول اللم من أجله‬ ‫اللم‪ ،‬فإن أحببت غيرك تح ّ‬
‫إلى طاقة بذل وعطاء‪ ...‬وإن أحببت الله‬
‫تلذذت بالهانات والتعييرات من أجله‪..‬‬

‫‪95‬‬
‫الفصل التاسع‬
‫شييييييير الشيييييرار‬

‫ن‬
‫ن مجرد نظرة بسيطة للكون‪ ،‬تؤكد لنا أ ّ‬ ‫إ ّ‬
‫الشر قد خّيم بضبابه الكثيف على المسكونة‬
‫كلها‪ ،‬فالنسان يئن‪ ،‬والحيوان يتألم‪ ،‬والجماد‬
‫ن النسان‬ ‫دم‪ ،‬والشجار تتهّتك‪ ..‬إل ّ أ ّ‬‫يته ّ‬
‫وحده هو الذي يستشعر الشر‪ ،‬بوصفه‬
‫الكائن العاقل الوحيد بين المخلوقات‬
‫لخرى‪.‬‬ ‫ا ُ‬
‫فما هو الشر الذي يمتص دماءنا‬
‫ويستنزف دموعنا؟! إّنه ليس مادة أو شيئا ً‬
‫ملموسا ًً‪ ،‬بل هو‪ :‬انحراف النسان عن‬
‫فعل الخير أو ممارسة الفضيلة‪ ،‬فإن‬
‫ن الفضيلة تقود النسان إلى النمو‬ ‫قلنا أ ّ‬
‫‪96‬‬
‫ن الشر هو‬ ‫ي‪ ،‬فإ ّ‬
‫ي والستقرار النفس ّ‬ ‫الروح ّ‬
‫القطب المضاد الذي ُيحدث في الذات‬
‫نوعا ً من النقسام أو التمزق‪ ،‬لّنه يفصل‬
‫النسان عن مصدر سعادته أعني الله‪،‬‬
‫وبالتالي يعوق ممارسة الفضائل التي تحقق‬
‫التكامل والستقرار في النسان‪.‬‬
‫ن الشر‬ ‫وعندما يقول بعض الفلسفة‪ " :‬إ ّ‬
‫يمثل نوعا ً من الخيانة "‪ ،‬فإّنهم يعنون‬
‫ن الشر في جوهره هو عملية إنكار‬ ‫بذلك‪ :‬إ ّ‬
‫للقيم‪ ،‬وهذا في حد ذاته خيانة‪.‬‬
‫ن الشر ليس‬ ‫كد مار أوغريس أ ّ‬ ‫ويؤ ّ‬
‫ن كل‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وجود‬ ‫كيان‬ ‫له‬ ‫ليس‬ ‫ّ‬ ‫ي‬‫أ‬ ‫ا‪،‬‬‫جوهر ً‬
‫ما خلقه الله هو حسن‪ ،‬ولكّنه غياب الخير‪،‬‬
‫شأنه شأن الظلم الذي هو غياب النور‪ ،‬فهو‬
‫لذلك ليس طبيعة " ‪ " physis‬بل حالة "‬
‫‪ ،" exis‬أيّ استعدادا ً رديئا ً لعمل الخطية‪.‬‬
‫ن الشر ليس عضوا ً من أعضاء‬ ‫والحق إ ّ‬
‫الجسم‪ ،‬وإل ّ قطعناه وارتحنا من عنائه‪ ،‬فهو‬
‫ليس فما ً‪ ،‬أو أنفا ً‪ ،‬أو يدا ً‪ ،‬أو قلبا ً‪ ،‬ولك ّ‬
‫ن‬
‫الشر مرتبط بكل الحواس والعضاء‪ ،‬وهكذا‬
‫يخرج الشر كالكلم من الفم‪ ،‬والشم من‬
‫‪97‬‬
‫النف‪ ،‬والضرب من اليد‪ ،‬والحسد من‬
‫القلب‪..‬‬
‫نستطيع أن نقول‪:‬‬
‫ن الشر ليس له وجود إل ّ إذا أراده‬ ‫إ ّ‬
‫النسان وسعى إليه‪ ،‬ولهذا يقول القديس‬
‫ي‪ " :‬ل توجد الخطية‬ ‫غريغوريوس النيص ّ‬
‫في الطبيعة بمعزل عن الرادة الحرة‪ ،‬إّنها‬
‫ما مكسيموس‬ ‫ليست جوهرا ً قائما ً بذاته "‪ ،‬أ ّ‬
‫المعترف فيقول‪ " :‬حتى الشياطين أنفسهم‬
‫ليسوا أشرارا ً بطبيعتهم‪ ،‬ولكّنهم أصبحوا‬
‫هكذا عندما أساءوا استخدام قدراتهم‬
‫الطبيعية "‪.‬‬
‫إذن فالشر ل يوجد إل ّ لمن يراه ويريده‪،‬‬
‫فهو كامن في نياتنا ومقاصدنا ونظرتنا‬
‫السلبية للشياء‪ ،‬إّنه التواء وسوء استعمال‬
‫كل ما هو حسن في ذاته‪.‬‬
‫ما أصل الشر وسبب وجوده في‬ ‫أ ّ‬
‫حيَرة وارتباك‬ ‫الكون‪ ،‬كان ول يزال مصدر ِ‬
‫لعقول كثيرين‪ ،‬من البسطاء وأيضا ً‬
‫المفكرين‪ ..‬وأكثرهم يتساءلون‪:‬‬

‫‪98‬‬
‫ي القدرة والحكمة والمحبة‬ ‫إن كان الله كل ّ‬
‫‪ ...‬فلماذا يسمح بالشر ؟! لماذا يقبل إله‬
‫الرحمة أن تصير الرض مسرحا ً لللم ؟!‬
‫أسئلة كثيرة تدفعنا إلى سؤال آخر أل وهو‪:‬‬
‫من هو أصل الشر؟ وكيف دخل‬
‫الوجود؟‬
‫ن الله قد أحب النسان محبة‬ ‫نعترف بأ ّ‬
‫وإل ما كان على‬ ‫ّ‬ ‫فريدة قبل أن يخلقه‪،‬‬
‫حب‬ ‫صورته قد خلقه )تك ‪ ،(27 :1‬فإن كان ُ‬
‫الله ل بداية له فهو إذن لن ينتهي‪ ،‬ولهذا‬
‫ة‬ ‫ة أ َب َ ِ‬
‫دي ّ ً‬ ‫حب ّ ً‬ ‫م َ‬‫ي‪َ " :‬‬ ‫يقول الله بفم إرميا النب ّ‬
‫ة‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ل ذَل ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ّ ْ َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ك َ ْ ُ‬
‫م‬ ‫د‬ ‫أ‬ ‫ج ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬
‫ك ِ‬‫حب َب ْت ُ ِ‬
‫أ ْ‬
‫" )إر ‪.(3 :31‬‬
‫لكنّ النسان ليس بداية خليقية الله بل‬
‫هو آخرها‪ ،‬إذ سبق الله فخلق الملئكة أرواحا ً‬
‫ن رئيس ملئكة‬ ‫حبه‪ ..‬إل ّ أ ّ‬ ‫لتسّبحه وتتلذذ ب ُ‬
‫كان في أسمى مراكز السلطة والمجد بين‬
‫ساكني السماء تكّبر! كيف؟! لّنه يملك‬
‫حب الله أم ل ؟!‬ ‫إرادة حرة بها ُيحدد‪ :‬ي ُ ِ‬
‫يحيا معه أم ينفصل عنه؟!‬

‫‪99‬‬

‫‪01‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬
‫وهكييذا اختييار الشيييطان بكامييل إرادتييه‬
‫وبملء حريته‪ ..‬حييياة التم يّرد والنفصييال عيين‬
‫الله‪ ،‬وذلك عندما تكّبر على اللييه إذ قييال فييي‬
‫ع‬ ‫ت‪ ،‬أ َْر َ‬
‫فتت ُ‬ ‫وا ِ‬ ‫ما َ‬ ‫ستت َ‬‫عدُ إ َِلتتى ال ّ‬ ‫صتت َ‬
‫َ‬
‫قلبييه‪ " :‬أ ْ‬
‫عل َتتى‬ ‫ه َ‬
‫س َ‬ ‫جل ِ ُ‬ ‫وأ ْ‬ ‫ب الل ّ ِ َ‬ ‫واك ِ ِ‬ ‫وقَ ك َ َ‬ ‫ف ْ‬‫ي َ‬ ‫س ّ‬ ‫ك ُْر ِ‬
‫ل‪،‬‬ ‫ما‬ ‫ت‬ ‫ش‬‫ّ‬ ‫ال‬ ‫تي‬ ‫ت‬ ‫ص‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫تي‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫ع‬ ‫تا‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ج‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ل‬
‫َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ْ ِ َ ِ ِ‬ ‫جب َ ِ‬
‫َ‬
‫صتتيُر‬ ‫َ‬ ‫مْرت َ َ‬ ‫َ‬ ‫أَ‬
‫ب‪ ،‬أ ِ‬ ‫حا ِ‬ ‫ست َ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫عتتا ِ‬ ‫ف َ‬ ‫وقَ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ُ‬ ‫د‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ص‬
‫ْ‬
‫ي" )إش‪ ،(13،14 :14‬فسييقط‬ ‫عل ِ ت ّ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫مث ْ ت َ‬ ‫ِ‬
‫وأسقط معييه ملئكيية كييثيرين ل نعييرف علييى‬
‫عرفت بعد السقوط‬ ‫وجه التحديد كم عددهم‪ُ ،‬‬
‫باسم الشياطين أيّ المقاومين‪ ،‬وهى التتتي‬
‫أعطت للشر ميلدا ً!!‬
‫ً‬
‫إذن فالله لم يخلق الشيطان شريرا بل‬
‫حرًا‪ ،‬وفي أسمى صورة‪ ،‬ولكّنه بسبب‬
‫الكبرياء ورغبته الشريرة في أن يصير مثل‬
‫خالقه قد سقط! ولهذا لم يحتمل أن يرى‬
‫النسان ممجدا ً فغار منه وحسده )حكمة ‪:2‬‬
‫‪ (23،24‬وأخذ في محاربته لكي يُسقطه‪،‬‬
‫وقد كان!‬
‫خل الله ليمنع‬ ‫ّ‬ ‫يتد‬ ‫لم‬ ‫ولماذا‬ ‫تقول‪:‬‬ ‫قد‬
‫خل الله عندما‬ ‫سقوط النسان ؟! وهل تد ّ‬
‫‪100‬‬
‫عصته الملئكة قبل النسان؟! لقد تركها‬
‫علمه السابق بكل ما سوف‬ ‫تسقط رغم ِ‬
‫ن المنع مناقض للحرية‪ ،‬وانتقاص‬ ‫دث! ل ّ‬ ‫يح ُ‬
‫من احترام الله للنسان والملئكة‪.‬‬
‫وقد تعترض مع أّنك ُتنجب أولدا ً معّرضين‬
‫للسقوط واللم! والسؤال الحائر هنا‪ :‬ما‬
‫الذي دفعك للنجاب‪ ،‬وأنت تعرف جيدا ً‬
‫؟! أل يستحق‬ ‫ن أولدك سوف يعانون ‍‬ ‫أ ّ‬
‫هذا أن نتعجب! طالبين منك أن ُتعطي جوابا ً‬
‫سلمنا بأّنه‬‫ن العجب يزول‪ ،‬لو ّ‬ ‫أو تفسيرًا؟! لك ّ‬
‫ي فريد‪ ،‬أعظم تفسير له‬ ‫حب أبو ّ‬ ‫يوجد ُ‬
‫أّنه ل ُيفسر!! وهو الذي دفعك لنجابه‪،‬‬
‫وجعلك ُتضحي من أجله! وها نحن نتساءل‪:‬‬
‫هل يمكن أن تتحمل مسئولية أخطاء ابنك لو‬
‫قمت بواجبك نحوه من أجل راحته وسعادته؟‬
‫إذن مسئوليتك تجاه ابنك‪ ،‬تتوقف على‬
‫مدى عنايتيك به‪ ،‬وليس على إنجابك إياه‪،‬‬
‫فإن أطاع تعاليمك وعمل بها نما‪ ،‬وإن لم‬
‫مل هو نتيجة عصيانه‪.‬‬‫يطع فسوف يتح ّ‬
‫ما الشرير فليس هو من‬ ‫هذا عن الشر‪ّ ،‬‬
‫أ‬
‫يفعل الشر فقط‪ ،‬بل من يتلذذ بإيلم‬
‫‪101‬‬

‫‪41‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬
‫الخرين وإيقاع الضرر بهم‪ ،‬وإل ّ فلماذا‬
‫ُيقال هذا خاطيء وذاك شرير ؟! فالشرير‬
‫كالجلد الذي ينتشي عندما يجد ضحيته تتألم!‬
‫إّنه إنسان يحقد على الناس والمجتمع‪ ،‬ول‬
‫هدف له سوى تحقيق غاياته الشريرة‬
‫دامة‪..‬‬
‫ونزعاته اله ّ‬
‫وتُعد الكراهية هى أبرز سمات الشرار‪،‬‬
‫فما هى الكراهية؟ إّنها القطب المضاد‬
‫للمحبة‪ ،‬وهى تهدف إلى إشباع الميول‬
‫العدوانية داخل النسان‪ ،‬إّنها علقة مع الخر‬
‫ولكنها تهدف إلى تدميره‪.‬‬
‫ما الكراهية فغالبا ً ما تكون مصحوبة‬ ‫أ ّ‬
‫بالقسوة‪ ،‬ولهذا ُيعامل الشرير بقسوة متناهية‬
‫من يقعون تحت سلطانه‪ ،‬ويتحين الفرصة‬
‫لهانتهم والتقليل من شأنهم‪ !..‬وتتش ّ‬
‫كل‬
‫قسوة الشرير وعنفه وعدوانه‪ ..‬حسب درجة‬
‫ن الشرير وإن‬ ‫تعّلمه وثقافته ونشأته‪ ..‬ولك ّ‬
‫كان ملكا ً إل ّ أّنه عبد بالمعنى الصحيح‪ ،‬بل قد‬
‫ن دوافعه‬ ‫بلغ أقصى درجات العبودية! طالما أ ّ‬
‫الحيوانية وميوله العدوانية‪ ..‬هى التي تسيطر‬
‫عليه وتدفعه إلى ارتكاب الشرور‪ ،‬وهكذا‬
‫‪102‬‬

‫‪25‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬
‫يصير الشرير أكثر الناس بؤسًا‪ ،‬وباستمراره‬
‫في الحياة يصير أشهر الناس حسدا ً وغدرا ً‬
‫وفجورا ً وظلمًا‪!..‬‬
‫وليس أسهل على النسان من الستسلم‬
‫لدوافعه الهدامة وميوله العدوانية‪ ،‬ولكن من‬
‫ن كل اعتداء يقوم به الشرير سواء‬ ‫المؤكد أ ّ‬
‫في شخصه أم في أشخاص الخرين‪ ،‬إّنما هو‬
‫ي سوف يقضي على‬ ‫في الحقيقة انتحار نفس ّ‬
‫صاحبه بالشقاء‪..‬‬
‫وى‬‫َ‬ ‫الق‬ ‫على‬ ‫نمارسه‬ ‫ُ‬ ‫اعتداء‬ ‫كل‬ ‫ن‬
‫والحق إ ّ‬
‫ي يمس‬ ‫البّناءة لدى الخرين‪ ،‬هو عدوان ذات ّ‬
‫صميم حياتنا‪ ،‬والسبب أننا نحيا في مجتمع‬
‫كل واحد يساعد غيره بما يملك من مواهب‬
‫وقدرات‪ ..‬وهل يستطيع فرد أن يحيا إل ّ إذا‬
‫ت دائرته ضمن دوائر الخرين‪.‬‬ ‫دخل ْ‬
‫ويتساءل البعض عن موقفنا إزاء الشر‬
‫والشرار؟ فنقول‪ :‬ما هو الشر؟ أليس‬
‫غياب الخير؟! وما هى الفضيلة؟ أليست‬
‫عمل الخير؟! فلو أشعلنا أنوار الفضيلة‬
‫لتبددت ظلمات الشر من ِتلقاء نفسها‪.‬‬
‫ما الفضيييلة فيجييب أن تكييون بعيييدة عيين‬ ‫أ ّ‬
‫‪103‬‬
‫محبة المديح أو نوال المكافأة‪ ..‬بل ميين‬
‫ء‬
‫متتا ٍ‬ ‫قاك ُم َ ْ‬ ‫ستت َ‬
‫س َ‬ ‫كتتأ َ‬ ‫ْ‬ ‫ن َ‬ ‫متت ْ‬‫أجيييل الليييه " َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫قتتو ُ‬‫قأ ُ‬ ‫ح ّ‬‫فتتال َ‬ ‫ح َ‬
‫ستتي ِ‬ ‫م ِ‬ ‫م ل ِل َ‬ ‫مي لن ّك ُت ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ِبا ْ‬
‫َ‬
‫ه" )مر ‪ ،(41 :9‬وهي‬ ‫ر‬ ‫ج‬
‫ُ ِ ُ ْ َ ُ‬‫أ‬ ‫ع‬ ‫ضي‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ل َك ُ ْ ِ ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫م‬
‫بذلك تكون ثمرة من ثمار المحبة‪.‬‬
‫من ل غنى له‪،‬‬ ‫ن الفضيلة هي غنى َ‬ ‫إ ّ‬
‫ي‪ ،‬هي ملجأ‬ ‫من أراد الغنى الحقيق ّ‬ ‫وثروة ل َ‬
‫للهارب من الشر‪ ،‬ورجاء للمريض في‬
‫فراشه‪ ،‬ومعزٍ للحزين‪ ،‬وهي أيضا ً قوة وسلح‬
‫للضعيف‪..‬‬
‫وي النفس وتساعدها على‬ ‫الفضيلة ُتق ّ‬
‫مل الضيقات‪ ،‬فالنسان‬ ‫ّ‬ ‫وتح‬ ‫المتاعب‪،‬‬ ‫اجتياز‬
‫ُ‬
‫في ساحة حرب ُيحاربه ألوف العداء‪،‬‬
‫وتتنازعه مئات الشهوات‪ ،‬وُتصادفه تجارب‬
‫يجب أن يتغلب عليها‪ ،‬وإل ّ سادت عليه‬
‫وسحقته تحت عجلتها القاسية‪ ،‬ول سبيل‬
‫وقات إل ّ بالفضيلة‪.‬‬ ‫للتغلب على هذه المع ّ‬
‫ولعل أعظم ما في الفضيلة أّنها تحفظ‬
‫سمعة النسان‪ ،‬فليس أقسى على‬
‫ي‪ ،‬عندما يفقد‬ ‫النسان من الموت الدب ّ‬
‫كرامته وسمعته بين الناس‪ ،‬ولهذا قيل‪:‬‬
‫‪104‬‬
‫يستحيل على من ُيسّلم جسده في يد زانية‪،‬‬
‫أن يحترم نفسه من أجل هذا العمل الرديء‪،‬‬
‫فإن كانت الخطية تجعل النسان يحتقر‬
‫نفسه‪ ،‬فكم يكون احتقار الناس له؟!‬
‫ن الفضيلة هي الساس الذي يجب أن‬ ‫إ ّ‬
‫ن أيّ نظام لكي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫نظام‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫عليه‬ ‫ُيبنى‬
‫يستقر ويسوده العدل‪ ..‬يجب أن يكون‬
‫الفراد الخاضعون له متمتعين بالخلق‬
‫ن قادتهم‬ ‫الحسنة‪ ،‬وليس الفراد وحدهم بل إ ّ‬
‫خُلقا ً‬ ‫أيضا ً يجب أن يكونوا أفضل منهم ُ‬
‫وعلمًا‪...‬‬
‫ة‬
‫غاي َ ُ‬‫ن" َ‬ ‫مييا الشييرير فيجييب أن ُنحبييه ل ّ‬ ‫أ ّ‬
‫ر‬‫ه ٍ‬ ‫َ‬
‫ب طتتا ِ‬ ‫ْ‬
‫قل ت ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫مت ْ‬‫ة ِ‬‫حب ّ ُ‬‫م َ‬ ‫ْ‬
‫ي ال َ‬ ‫ه َ‬ ‫ة َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ف ِ‬ ‫صي ّ ِ‬
‫و ِ‬
‫ء " )‪1‬تييى‬ ‫ن ب ِل َ ِ‬
‫ري َتتا ٍ‬ ‫متتا ٍ‬‫وِإي َ‬ ‫ح َ‬‫صتتال ِ ٍ‬ ‫ر َ‬ ‫مي ٍ‬ ‫ض ِ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫‪.(5:1‬‬
‫ن المحبيية الحقيقييية ل تخشييى‬ ‫والحيييق إ ّ‬
‫التنازل عن كرامتهييا‪ ،‬والهبييوط إلييى مسييتوى‬
‫الشييرار! فميين خلل تعيياملت المسيييح مييع‬
‫حب الشرير في‬ ‫الخطاة‪ ،‬تعّلمنا أّنه يجب أن ن ُ ِ‬
‫الوقت الذي نكره فيه شر الشرير‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫أتتذكرون لقاء المسيح مع السامرية؟‬
‫لم يوبخها ولم يجرح شعورها بل أجاب على‬
‫القسوة بالوداعة‪ ،‬والغرور بالتواضع‪،‬‬
‫ما أجابها باللطف وهى‬ ‫حب‪ ،‬فل ّ‬ ‫والكراهية بال ُ‬
‫تنتظر التوبيخ ارتخت خيوط قلبها‪ ،‬وإذا‬
‫بالحجاب الكثيف يسقط عن عينيها‪ ،‬فرأت‬
‫حب كطفل رضيع يتكئ في عينيه‪،‬‬ ‫ال ُ‬
‫فاستسلمت لكلمه!‬
‫وهكذا خرجت من أحبت الظلمة إلى‬
‫النور‪ ،‬سجينة الهوى انطلقت من حبسها‬
‫لتقّبل اليد التي حّلت قيودها‪ ،‬وفى انكسار‬
‫أمام عظم بهائه‪ ،‬تطلب أن ُيعطيها ماء‬
‫الحياة‪ ،‬لتروي به شجرة حياتها التي جفت‪،‬‬
‫ويستحوذ يسوع على قلب السامرية‪،‬‬
‫وبحكمة سماوية يطلب منها أن تذهب وتأتي‬
‫بزوجها‪ ،‬أيّ خطيتها لُيلقيها في البئر‪ ،‬وتعترف‬
‫ي‪ ،‬فشعاع الحب قد‬ ‫المرأة بخطيتها وأّنه نب ّ‬
‫ي‬
‫ّ‬ ‫الماض‬ ‫عن‬ ‫تحدثت‬ ‫ما‬
‫اخترق قلبها‪ ،‬فل ّ‬
‫ي إلى‬ ‫ول ماضيها الخريف ّ‬ ‫بصدق‪ ،‬تح ّ‬
‫ربيع دائم‪ ،‬تفّتحت زهوره وفاحت‬
‫رائحة عبيره‪..‬‬
‫‪106‬‬
‫فتركت المرأة جرتها عند البئر‪ ،‬وهى في‬
‫الحقيقة قد تركت خطيتها لكي ُتبشر‬
‫ي‪.‬‬
‫بعريسها السماو ّ‬
‫؟؟ ؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟‬
‫؟؟؟ ؟؟ ؟؟؟؟ ؟؟ ؟‬
‫؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟ ؟؟ ؟؟ ؟؟ ؟؟؟؟؟؟ ‪.‬‬
‫؟‬

‫‪107‬‬
‫الفصل العاشر‬
‫الله وقييوده الحريرية‬

‫ن الديانة في أبسط معانيها هى مجموعة‬ ‫إ ّ‬


‫الواجبات التي يقوم بها النسان خلل‬
‫علقته بالله‪ ،‬وهذه الواجبات يمكن حصرها‬
‫في أربعة‪:‬‬
‫فالله خالق النسان فهو إذن السيد‪،‬‬
‫ويترتب على ذلك أن يعترف النسان بسيادة‬
‫مى هذا "‬ ‫مطلق عليه‪ ،‬وُيس ّ‬ ‫الله وسلطانه ال ُ‬
‫واجب العبادة "‪.‬‬
‫ن الله يحفظ النسان وُيعينه في‬ ‫كما أ ّ‬
‫أعماله‪ ،‬فكل ما للنسان من خير هو مدين‬
‫ن أل وهو‪:‬‬ ‫به لله‪ ،‬ويترتب على ذلك واجب ثا ٍٍٍ‬
‫مى‬ ‫حب النسان الله وأن يشكره‪ٍٍ ،‬وُيس ّ‬ ‫أن ي ُ ِ‬
‫هذا " واجب الشكر"‪.‬‬
‫ومن المعروف أن الله ُيدّبر النسان لّنه‬
‫مصدر حياته‪ ،‬وهذا يعني أن النسان يجب أن‬

‫‪108‬‬
‫مى‬‫يطلب من الله ما هو بحاجة إليه‪ ،‬وُيس ّ‬
‫هذا " واجب الصلة "‪.‬‬
‫وأخيرًا‪ ،‬إن النسان كثيرا ما ُيخطيء إلى‬
‫ً‬
‫الله‪ ،‬ول يجوز أن يدع الله النسان حرا ً في‬
‫أن ُيخطيء إليه من غير عقاب‪ ،‬ويترتب على‬
‫ذلك أن يستعطف النسان عدالة الله ‪ ،‬وأن‬
‫مى هذا " واجب‬ ‫يلتمس رحمته ‪ ،‬وُيس ّ‬
‫الستغفار "‪.‬‬
‫ن النسان منذ آدم حتى‬ ‫ونحن ل ُننكر أ ّ‬
‫ن كثيرين قد‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫من‬ ‫الرغم‬ ‫الن يتعّبد‪ ،‬وعلى‬
‫ضلوا‪ ،‬وعبدوا المخلوقات تاركين الخالق! إل ّ‬
‫ن كلمة عبادة لم تندثر من قاموس‬ ‫أ ّ‬
‫ن في أعماق‬ ‫البشر وهذا يدل على أ ّ‬
‫النسان‪ ،‬رغبة تدفعه إلى الرتباط بكائن آخر‪،‬‬
‫ن‬‫أقوى وأسمى منه‪ ،‬فهل لنا أن نقول إ ّ‬
‫النسان كائن ضعيف‪ ،‬وهو في حاجة إلى قوة‬
‫ُأخرى لتسد ما في عالمه من قصور وما فيه‬
‫من عجز؟!‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ن الديانة لعبت دورا هاما في‬ ‫نعترف بأ ّ‬
‫ور الشعوب لله‬ ‫ّ‬ ‫تص‬ ‫كان‬ ‫وإذا‬ ‫تاريخ البشر‪،‬‬
‫اختلف باختلف الحضارات وتنوع العقليات‬
‫‪109‬‬
‫ن فكرة الله نفسها تكاد‬ ‫والثقافات‪ ..‬إل ّ أ ّ‬
‫تكون عامل ً مشتركا ً بين شّتى أنواع‬
‫ن النسان‬ ‫البشر‪ ،‬حتى إننا إلى الن نقول‪ :‬إ ّ‬
‫" كائن متدين "‪.‬‬
‫ويرجع ارتباط النسان بالله إلى قصة‬
‫الخلق‪ ،‬فالله قد خلق النسان بحيث‬
‫إّنه ل يقدر أن يعيش بدونه! ول يمكن‬
‫أن تكفيه الممتلكات المادية‪ ،‬والمراكز‬
‫ن بعض‬ ‫والسلطات الرضية وحدها‪ ،‬حقا ً إ ّ‬
‫ملحدين قد جعلوا من الروح الدينية‪،‬‬ ‫ال ُ‬
‫عرضا من أعراض طفولة الشعوب‪ ،‬أو‬ ‫ً‬
‫قصور العقل‪ ..‬وهكذا سعوا لفصل‬
‫النسان عن خالقه‪ ،‬أو وضع حواجز بينهم‍ا!‬
‫ولكن مهما حاولنا أن نطرد فكرة الله من‬
‫ن هذه الفكرة ل بد من أن تعود‬ ‫عقولنا‪ ،‬فإ ّ‬
‫إلينا بصورة من الصور‪ ،‬مادام العالم الذي‬
‫نعيش فيه ناقصًا‪ ،‬والنسان ل يستطيع أن‬
‫يكفي نفسه بنفسه! ألم يقل باسكال‬
‫ن نقطة واحدة‬ ‫ي‪ " :‬إ ّ‬
‫الفيلسوف الفرنس ّ‬
‫من الماء تكفي لن ُتميت النسان "‪،‬‬

‫‪110‬‬
‫أل يدل هذا على ضعف النسان؟! والضعيف‬
‫أل يحتاج إلى قوة أعظم منه لكي تسنده؟!‬
‫ويسعى المُلحد جاهدا ً في إقناع ذاته بل‬
‫ن العالم حقيقة مكتملة‪ ،‬مكتفية‬ ‫غيره‪ ،‬بأ ّ‬
‫ن أوهامه‬ ‫مغلقة على نفسها‪ ..‬ولك ّ‬ ‫بذاتها‪ُ ،‬‬
‫سرعان ما تتبدد عندما يشعر بثغرات كثيرة‬
‫في حياته‪ ،‬تدفعه إلى التمسك بقوة ُأخرى‬
‫يسد بها ما في عالمه من نقص‪.‬‬
‫ن قوة‬ ‫وظهرت فلسفات كثيرة ُتنادي بأ ّ‬
‫هائلة داخل النسان اسمها الرادة يستطيع‬
‫بها أن ُيغّير عالمه‪ ،‬وقد نادى الفلسفة‬
‫كم في كل‬ ‫ن النسان هو المتح ّ‬ ‫الوجوديون بأ ّ‬
‫مطلق الحرية في كل ما‬ ‫ن له ُ‬ ‫شيء‪ ،‬وأ ّ‬
‫حلما ً وُتحدد‬‫ُ‬ ‫تحلم‬ ‫أن‬ ‫هو‬ ‫عليك‬ ‫ما‬ ‫وكل‬ ‫يفعله‪،‬‬
‫بضعة أهداف‪ ،‬ثم تسعى بعد ذلك إلى‬
‫تحقيقه‍ا! ولكن أمام هذا السخف نتساءل‪:‬‬
‫؟! هل‬ ‫كيف نقنع مريضا ً بالسرطان بهذا المر ‍‬
‫تستطيع الرادة أن تمنع عنا الموت؟!‬
‫ملحدون على مر العصور؟‬ ‫ماذا فعل ال ُ‬
‫حالوا أن ُيلغوا فكرة الله من الوجود‪ ،‬لّنهم‬
‫ظنوا أّنه يقف ضد حريتهم!! كما ألغوا العبادة‬
‫‪111‬‬

‫‪65‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬
‫الدينية‪ ،‬التي اعتقدوا أّنها ل تتعدى سوى‬
‫مجموعة من القيود!! ولكّنهم سرعان ما‬
‫وجدوا أنفسهم مضطرين إلى الستعاضة عن‬
‫الدياناتان القائمتان بديانات ُأخرى جديدة من‬
‫صنع البشر‪ ،‬وقد وصلت بهم الحماقة أن‬
‫ن الذبائح الدموية‬ ‫عبدوا الشيطان!! ول ّ‬
‫هى التي ُترضيه! لجأ عُّباد الشيطان إلى ذبح‬
‫الطفال! وهذه الذبائح الجرامية دفعتهم إلى‬
‫الزنى لكي يحصلوا على أطفال يقدمونهم‬
‫قرابين! أين المحبة في قاموس حياتهم؟ لم‬
‫يعد لها وجود!‬
‫ن النسان‬‫ّ‬ ‫إ‬ ‫قلنا‪:‬‬ ‫إذا‬ ‫صواب‬ ‫على‬ ‫قد نكون‬
‫هو الموجود الوحيد‪ ،‬الذي ل يستطيع أن يمحو‬
‫ي كلمات‪:‬‬ ‫ي والروح ّ‬ ‫من قاموسه الفكر ّ‬
‫مطلق واللمتناهي‪ ..‬ولهذا لم تعدم البشرية‬ ‫ال ُ‬
‫تماما ً في أيّ عصر من العصور‪ ،‬إيمانها بوجود‬
‫قوة عليا أو موجود أسمى يعلو على‬
‫النسانية‪ ،‬وله الدور العظم في صميم‬
‫حياتنا‪.‬‬
‫وقد أظهر لنا عالم الديان " ‪Mircea‬‬
‫ن الوثنين عندما كانوا يتعبدون‬ ‫‪ " Eliade‬أ ّ‬
‫‪112‬‬
‫لعناصر الطبيعة كالشمس والقمر والنجوم ‪..‬‬
‫لم يكونوا في كثير من الحيان يتعبدون لقوى‬
‫مادية‪ ،‬بل كانوا يعتبرونها ظهورات لقوة‬
‫سرية تتجلى من خللها‪ ،‬ولهذه القوة كانوا‬
‫ن صفحات التاريخ مليئة‬ ‫يتعبدون!! حقا ً إ ّ‬
‫بكثير من الجهالت الصارخة‪ ،‬وضروب النكار‬
‫الصريحة الواضحة‪ ،‬ولكن لو تأملنا بهدوء‬
‫ن وراء تلك المزاعم‬ ‫سبب النكار‪ ،‬لوجدنا أ ّ‬
‫ن‬
‫ي بأ ّ‬ ‫ً‬
‫العقلية الباطلة‪ ،‬يكمن دائما شعور خف ّ‬
‫ثمة شيئا ً فيما وراء الطبيعة‪ ،‬وأن هناك حقيقة‬
‫ي‪.‬‬
‫تعلو على الوجود البشر ّ‬
‫ويسعى كثيرون ل َعَّلهم ينفذون إلى أعماق‬
‫ي عنهم! وُيجاهدون من أجل‬ ‫السر الخف ّ‬
‫الوصول إلى دقة عملية الخلق‪ ،‬سواء في‬
‫؟! ولكن رغم‬ ‫الكون أو النسان أو الحيوان‪‍ ..‬‬
‫محاولتهم المضنية لم يستطعوا أن يصلوا‬
‫إلى شيء وقد كان أفضل لهم أن يقولوا مع‬
‫ه‬
‫جدِ الل ِ‬
‫م ْ‬
‫ث بِ َ‬‫حد ّ ُ‬
‫ت تُ َ‬‫ماَوا ُ‬‫س َ‬‫ي " َال ّ‬ ‫داود النب ّ‬
‫ل ي َد َي ْهِ ؟ " )مز ‪ ،(1:19‬إذن‬ ‫م ِ‬ ‫خب ُِر ب ِعَ َ‬ ‫فل َ ُ‬
‫ك يُ ْ‬ ‫َوال ْ َ‬
‫مهما بحثنا بعقولنا المحدودة فلن نعرف عن‬
‫الله أكثر من معرفة الضرير باللوان!‬
‫‪113‬‬
‫والفضل لنا أن نظل قابعين داخل السياج‪،‬‬
‫التي قد أحاطنا بها الله لّنها تحمينا‪.‬‬
‫ي‬ ‫ملحد هو مخلوق شق ّ‬ ‫ن ال ُ‬
‫والحق إ ّ‬
‫يتلوى تحت قدمي ذلك الجبار الذي له‬
‫قدرة أن يسحقه‪ ،‬وكل صرخاته تنبعث من‬
‫طاه اللم‪ ..‬فإن‬ ‫قلب جريح كساه الحزن وغ ّ‬
‫كان الله غير موجود فلماذا يهاجمه؟! هل‬
‫يوجد غير المجنون يصارع كائنات‬
‫ن التجديف ل معنى له إل ّ‬ ‫وهمية! نعترف بأ ّ‬
‫ملحد عندما يشتبك‬ ‫ُ‬ ‫فال‬ ‫ا!‬‫إذا كان الله موجود ً‬
‫ن اشتباكه هذا يفترض مسبقا ً‬ ‫مع الله‪ ،‬فإ ّ‬
‫ملحد على‬ ‫ُ‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫أ‬ ‫ولو‬ ‫ينكره‬ ‫الذي‬ ‫وجود ذلك‬
‫ن الله غير موجود على الطلق‪،‬‬ ‫ثقة تامة بأ ّ‬
‫ما أجهد نفسه في التمّرد عليه‪ ،‬والصراع‬ ‫لَ َ‬
‫ضده‪ ،‬والتجديف عليه!‬
‫ن مجرد نظرة بسيطة لسلوكيات البشر‪،‬‬ ‫إ ّ‬
‫تؤكد لنا حقيقة وجود الله‪ ،‬دعنا نتساءل‪ :‬ماذا‬
‫يفعل النسان عندما يبتعد عن الله؟ تتعدد‬
‫وتتشعب أمامه الطرق‪ ،‬فثمة طريق الشهرة‪،‬‬
‫واللذة‪ ،‬والسلطة‪ ،‬والثروة‪ !..‬إل ّ أ ّ‬
‫ن هذه‬
‫الطرق أشبه بالصحاري الرملية! إّنها غير‬
‫‪114‬‬

‫‪85‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬
‫دائمة وليس لها قدرة على إسعاد النسان‪،‬‬
‫لّنه ما أن ُيحقق رغباته وُيشبع حاجاته‬
‫فسرعان ما يشعر بجوع! وهذا إّنما يدل‬
‫د‪ ،‬ل‬ ‫ن ميول النسان التي ل ُتح ّ‬ ‫على أ ّ‬
‫يمكن أن ُيشبعها سوى كائن غير‬
‫محدود‪.‬‬
‫والن نقترب من الفكار السلبية التي‬
‫تربط الحياة الروحية بالعذاب‬
‫ي‪ ،‬كأّنما هو المناخ الوحيد الذي ل‬ ‫النفس ّ‬
‫يستطيع المؤمن أن يتنفس إل ّ في كنفه! ألم‬
‫" كيركجارد " الفيلسوف‬ ‫يقل‬
‫حّبه‬ ‫ن‬
‫ّ ُ‬ ‫أ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫محبة‬ ‫الله‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫إ‬ ‫ي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫الدانمارك‬
‫قاتل‍!! ويستمر في نزعته التشاؤمية‬
‫دنا أن نلمس قاع‬ ‫ن الله ُيري ُ‬ ‫فيقول‪ :‬إ ّ‬
‫الهاوية حتى يمد يده وينتشلنا ! فما‬
‫معنى علقة أو عبادة تتحدد من خلل اللم أو‬
‫؟!‬
‫العذاب أو المعاناة أو القلق أو الصراع‪‍ ..‬‬
‫ن الخوف والوساوس‬ ‫ونحن ل ننكر أ ّ‬
‫والملل‪ ..‬قد تتخلل علقة النسان بخالقه‪،‬‬
‫مطلقا ً أن تجيء لحظة‬ ‫ولكن أل يمكن ُ‬
‫تتجاوز فيها النفس هذه المرحلة‬
‫‪115‬‬
‫المؤقتة؟! أل يقودنا العتراف إلى‬
‫ي ‍؟ والعطاء إلى تحطيم‬ ‫الستقرار النفس ّ‬
‫القوقعة الذاتية؟ والعبادة إلى طهارة القلب‬
‫ن السلم ل يوجد‬ ‫وصفاء النفس؟ نعترف بأ ّ‬
‫صحبة‬ ‫في قصر بديع أو كوخ حقير‪ ،‬بل فى ُ‬
‫الله‪.‬‬
‫ُ‬
‫وعلى مستوى البشر‪ ،‬ل توجد أم لم‬
‫تضرب أولدها! ليس لّنها تكرههم بل لّنها‬
‫ن‬
‫ذبهم! إذن لو قلنا أ ّ‬‫ُتحبهم فهى لذلك ُته ّ‬
‫الحياة مع الله فيها قيود‪ ،‬إل ّ أّنها أشبه بخيوط‬
‫ن اللم وإن كان تجربة‪ ،‬إل ّ‬ ‫حريرية! والحق إ ّ‬
‫أّنه يزيد من عمق حياتنا الباطنية‪ ،‬فلول اللم‬
‫ما دخلنا مدرسة الصلة‪ ،‬وزالت الشوائب من‬
‫ن كثيرين‬ ‫نفوسنا ولعل هذا هو السبب في أ ّ‬
‫ينظرون إلى اللم على أّنه قيمة من‬
‫القيم الخلقية الساسية‪ ،‬فهل نقول‪:‬‬
‫ن اللم أداة تطهير؟!‬ ‫إ ّ‬
‫" أن تستريح = أن ُتهَزم " هذه عبارة‬
‫بليغة نطق بها القديس ُأغسطينوس‪ ،‬لكي‬
‫ما‬
‫يؤكد أهمية الجهاد في الحياة الروحية‪ ،‬أ ّ‬
‫ن النسان ل‬ ‫معلمنا بولس الرسول فيؤكد أ ّ‬
‫‪116‬‬

‫‪06‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬
‫ُيكلل إن لم " ُيجاهد قانونيا ً " )‪2‬تى ‪،(5:2‬‬
‫ن مشكلة العبادة جوهرها‬ ‫وهو بهذا ُيعلن أ ّ‬
‫ن‬‫يرجع إلى النسان وليس الله‪ ،‬وهل ُننكر أ ّ‬
‫كثيرين يتعبدون ولكّنهم كمن يزرعون بين‬
‫ولت‬ ‫الحجار والشواك؟! وما أكثر الذين تح ّ‬
‫الصلة بالنسبة لهم إلى أسواط من نار!‬
‫الحياة الروحية صارت بالنسبة لكثيرين رحلة‬
‫من العذاب! والسبب يرجع إلى جهل النسان‬
‫وميوله الذاتية وشهواته المشتعلة‪..‬‬
‫كيف لبنياء اليروح أن يقيوم إن كيان حجير‬
‫الساس لييم يوضييع؟ بييدون توبة ل حييياة ول‬
‫أمل في حياة‪ ،‬فالتوبة هى سييفينة ميين ذهييب‬
‫بمقاديف من فضة وأشرعة من حريير‪ ،‬تنقلنييا‬
‫من موت الخطييية إليى الحيياة ميع الليه‪ ،‬ألييم‬
‫ه‬
‫طى الل ت ُ‬ ‫ع َ‬‫يقل معلمنا بطرس الرسول‪ " :‬أ َ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ة! " )أع ‪،(18:11‬‬ ‫ة ل ِل ْ َ‬
‫حَيا ِ‬ ‫م أْيضا ً الت ّ ْ‬
‫وب َ َ‬ ‫م َ‬
‫ال َ‬
‫أعرفتم الن لماذا نتألم فييي عباداتنييا؟! لننا‬
‫نريد للنور والظلمة أن يلتقيان معًا!!‬
‫ي‪،‬‬
‫ول العبادة إلى كبت نفس ّ‬ ‫وقد تتح ّ‬
‫ي‪ ،‬عندما يلهب النسان جسده‬ ‫ّ‬ ‫جسد‬ ‫وإذلل‬
‫ً‬
‫بالنسك دون أن ينتفع شيئا‪ ،‬لّنه ل يميز‬
‫‪117‬‬
‫ي والنسك‬ ‫بين النسك الله ّ‬
‫ي‪ ،‬أو ربما يكون نسكه كنوع من‬ ‫الشيطان ّ‬
‫التكفير لعقدة ذنب دفينة في أعماقه‪ ،‬وهو ل‬
‫يدري أّنه بذبائح مثل هذه ل ُيسر الله‪.‬‬
‫ن النسك الذي ل ُيقّرب النسان‬ ‫نعترف بأ ّ‬
‫إلى الله هو وثنية ل مسيحية‪ ،‬ألم يقل أنبا‬
‫قت ََلة‬‫بيمن لنبا إسحق‪ " :‬تعّلمنا أل ّ نكون َ‬
‫قت ََلة للشهوات "‪.‬‬
‫للجسد بل َ‬
‫ولماذا يقتصر نسكنا على إذلل الجسد‪،‬‬
‫تاركين شهوات النفس تفعل بنا ما تشاء؟!‬
‫هل ينتفع المتكّبر من صومه؟! حتى وإن نام‬
‫الغضوب على الرض فلن تهدأ نفسه! وماذا‬
‫نقول عن الذين تحولت الصلة بالنسبة لهم‬
‫إلى مجرد شعارات وترديد ألفاظ؟ وهل‬
‫يمكن لمن يقضي يومه فى الحاديث الباطلة‬
‫أن يلتقي مع الله في صلة أو تأمل؟! أعتقد‬
‫ن كل من يقضي يومه في إدانة غيره‪،‬‬ ‫أ ّ‬
‫سيشقى لسانه ساهرا ً الليل كله دون أن‬
‫ينتفع شيئا ً كما قال مار إسحق السريان ّ‬
‫ي‪،‬‬
‫ن معرفة‬ ‫وهكذا من يفرط في الكل‪ ،‬ل ّ‬
‫أسرار الله ل ُتدرك عندما يكون النسان‬
‫‪118‬‬
‫متخمًا‪ ،‬ولهذا قال أحد الباء‪ " :‬ل ُتثقل بطنك‬
‫لئل يتشوش ذهنك فيفسد طعم الصلة "‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫الفهيييرس‬

‫‪5‬‬ ‫تقديم للدكتور نور‬


‫‪8‬‬ ‫هنري دوس‬
‫مقدمة‬
‫‪10‬‬ ‫)الفصل الول(‬
‫صحراء الخوف‬
‫‪15‬‬ ‫)الفصل الثاني(‬
‫سجن الذات‬
‫‪23‬‬ ‫)الفصل الثالث(‬
‫شقاء الذهن‬
‫‪32‬‬ ‫)الفصل الرابع(‬
‫سلطان الغرائز‬
‫‪40‬‬ ‫)الفصل الخامس(‬
‫غدر الطبيعة‬
‫‪50‬‬ ‫)الفصل السادس(‬

‫‪120‬‬
‫ضغوط العمل‬
‫‪58‬‬ ‫)الفصل السابع(‬
‫حيل الشيطان‬
‫‪65‬‬ ‫)الفصل الثامن(‬
‫قيود المجتمع‬
‫‪76‬‬ ‫)الفصل التاسع(‬
‫شر الشرار‬
‫‪85‬‬ ‫)الفصل العاشر(‬
‫الله وقيوده الحريرية‬

‫‪121‬‬

‫كتب صدرت للمؤلف‬


‫‪2-‬‬ ‫‪ 1-‬شوكة الخطية )طبعة رابعة(‬
‫‪4-‬‬ ‫‪ 3-‬رسالة تعزية )طبعة ثانية(‬
‫عيد الميلد‬
‫‪ 5-‬عصر القلق )طبعة ثانية( ‪ 6-‬أسياد‬
‫وعبيد‬
‫‪ 8-‬عيد‬ ‫‪ 7-‬ذخائر الظلم‬
‫القيامة)طبعة ثانية(‬
‫‪01-‬‬ ‫‪ 9-‬اللذة الحقيقية)طبعة ثانية(‬
‫الشهوة )طبعة رابعة(‬
‫‪11-‬أكل البيض والبصل والفسيخ في‬
‫شم النسيم‬
‫‪31-‬‬
‫النسان‬ ‫العاطفة)طبعة ثانية(‬
‫‪21-‬‬
‫المجروح)طبعة ثانية(‬
‫أزمة‬
‫‪51-‬‬ ‫‪41-‬‬
‫موت الجسد وموت الشهوة‬
‫حب)طبعة ثانية(‬
‫ُ‬
‫‪71-‬‬ ‫‪-‬المدخل إلى الحياة الروحية‬
‫‪61‬‬
‫متألمون ولكن‪..‬‬
‫‪91‬جذور الشهوة‬
‫‪-‬‬ ‫حب‬
‫الشهوة وال ُ‬
‫‪81-‬‬
‫انطلق‬
‫‪02-‬‬
‫يمكنك‬
‫‪22-‬‬ ‫سلطان وسحر الشهوة‬
‫‪12-‬‬
‫أن تقمع الشهوة‬
‫‪42-‬‬ ‫رحلة اللم) طبعة ثانية(‬
‫‪32-‬‬
‫الثعالب الصغيرة‬
‫مظاهر‬
‫‪62-‬‬ ‫مشكلة الشر‬
‫‪52-‬‬
‫الشهوة في حياتنا‬
‫ماضي الشهوة‬
‫‪82-‬‬ ‫الحب اللهي‬
‫‪72-‬‬
‫ّ ‪122‬‬
‫وأثره في النسان‬
‫‪03-‬‬ ‫اللذة الوهمية) طبعة ثانية(‬
‫‪92-‬‬
‫حوار عن الله‬
‫الخر‬
‫‪33-‬‬ ‫‪23‬عيد الغطاس‬
‫–‬ ‫الذات‬
‫‪13-‬‬
‫في حياتي‬
‫هكذا‬
‫‪63-‬‬ ‫ديانتي‬
‫‪53-‬‬ ‫أغصان الشر‬
‫‪43-‬‬
‫أحبنا‬
‫ققققققق‬
‫مراجعة وتقديم‬
‫؟؟؟؟؟؟؟ ‪ /‬؟؟؟ ؟؟؟؟ ؟؟؟‬
‫دكتوراه في علم النفس‬
‫ي‬
‫التربو ّ‬
‫مدّرس علم النفس بمعهد‬
‫الدراسات القبطية‬
‫رئيس وحدة البحوث‬
‫بالمؤسسة المصرية للتنمية‬

‫‪123‬‬
‫الراهب‬
‫ي‬
‫محرق ّ‬
‫كاراس ال ُ‬

‫اسم الكتاب‪ :‬انطلق‬


‫ي‬
‫ّ‬ ‫محرق‬ ‫ُ‬ ‫ال‬ ‫كاراس‬ ‫تأليف‪ :‬الراهب‬
‫مراجعة وتقديم‪ :‬د‪ /‬نور هنري دوس‬
‫ي‬
‫محرق ّ‬
‫ي‪ :‬كاراس ال ُ‬
‫الجمع والخراج الفن ّ‬
‫تصميم الغلف‪ :‬الستاذ عادل لبيب‬
‫المطبعة‪ :‬شركة الطباعة المصرية‬
‫‪124‬‬
‫‪26102095 -26100589‬‬
‫رقم اليداع‪:‬‬
‫ُيطلب من المكتبات المسيحية‬
‫ي‪0125067881‬‬ ‫أشرف نظم ّ‬

‫‪125‬‬

You might also like