Professional Documents
Culture Documents
الذات
الذات
6
ويوضح فى الفصل الرابع أن النسان
" ليس ذاتا ً مكشوفة " ،وينبه للعمليات
النفسية ومنها :التوحد ،الكبت ،الشعور
بالنقص.
ويناقش فى الفصل الخامس "
الذات بين الحب والنانية " ،عبادة
الذات ،والتمركز حول الذات ،ثم احترام
الذات وفهمها فى صورتها الحقيقية ،دون
مبالغة أو شعور بالنقص.
كما كرس الفصل السادس لقضية "
انقسام الذات والتناقض الوجدانى"
،حيث أوضح دور الفضيلة فى تماسك
الذات ،ودور الشر -فى المقابل -فى هدم
هذا المحراب وفى تشويه الذات.
وكما يفعل الجراح الماهر ،حاول الب
كاراس أن يتبع " الذات عندما تتألم "،
ويوضح أنه ما لم يتألم النسان ،فإنه لن
يتمكن من الغوص فى أعماقه وذلك فى
الفصل السابع.
7
وقد خصص الكاتب الفصل الثامن
لعرض " الحيل الدفاعية للذات "
ومن بينها :البدال ،السقاط ،التقمص،
أحلم اليقظة ،وأوضح الدور الذى تلعبه
الحيل النفسية فى تهميش دور الذات.
أما الفصل التاسع فقد تتبع فيه
المؤلف " انطلق الذات " ،حين تتحرر
من العبودية بصورها المختلفة ،ويجتهد
فى مجال الفضيلة ،وتبحث فى مجال
الفضيلة وتبحث عن الله مصدر كل خير،
الذى يعكس نوره على ظلمتها فتسطع
دون أن تنتفخ على الخرين ،وكما ذكر
سيدنا فى الموعظة على الجبل " فليضئ
نوركم هكذا قدام الناس لكى يروا
أعمالكم الحسنة فيمجدوا أباكم الذى فى
السموات " )مت .(16:5
وفى الفصل العاشر والخير يعرض
المؤلف لقضية " تحقيق الذات " ،حيث
أوضح دور الخر وأهمية العمل فى تحقيق
8
الذات ،فالعمل ضرورى والهتمام بالخر
فى غاية الهمية.
أشكر الب الفاضل الراهب كاراس
المحرقى على الكتابة فى هذا
الموضوع الفلسفى ،التربوى الهام
وأدعوا جمهور القراء لكى ينهلوا من هذه
الذخيرة الطيبة.
وللهنا المجد الدائم إلى البد،
آمين.
9
ممممم
إن الذات مفهوما ً واصطلحًا ،كانت
ولتزال موضع اهتمام كبير ،فحول
موضوع الذات اجتمع فلسفة وعلماء،
وإن كانوا قد تباحثوا ،إل أن آرائهم لم
تتوحد بعد!
نعترف بأن أسئلة كثيرة تدور حول هذا
اللغز البشرى ،لنستطيع أن ُنجيب عليها
إجابة حاسمة ،أو كاملة،خاصة وأن الذات
ليست بهذا الشئ الملموس أو ذاك..
ومما يزيد من صعوبة البحث ،أن الكتاب
المقدس لم يتحدث إل عن مكونات
النسان الثلثة أل وهى :الروح والنفس
والجسد ..إل أن هذا ليمنعنا من الغوص
فى هذا البحر الواسع ،فهذا أفضل من
الوقوف على شاطئه ساكنين بل حراك.
ولكن بصرف النظر عن الخلف حول
مفهوم الذات أو طبيعتها ...فإن ما يعنينا
فى بحثنا المتواضع هذا ،هو عبارة اعتدنا
10
أن نسمعها ونرددها ،أل وهى " :ذاتى
هى أنا " أو " ذاتك هى أنت "..
وبهذه المناسبة ُأقدم شكرى
وتقديرى للعالم الجليل ،والخادم
الروحانى المين ..الستاذ الدكتور/
ثروت إسحق -أستاذ علم الجتماع بكلية
التربية جامعة عين شمس ومعهد
الدراسات القبطية -الذى شملنى
بمحبته وتشجيعه ...وعلى الرغم من
مسئولياته الكبيرة ومشغولياته الكثيرة..
إل أنه تفضل مشكورا ً بمراجعة الكتاب
وض كل من والتقديم له ،الرب يباركه ويع ّ
انتفعت بأقوالهم وكتاباتهم ..فى ملكوته
البدى ،بصلوات والدة الله القديسة
الطاهرة مريم ،وجميع مصاف الشهداء
والقديسين ..وللهنا المجد الدائم إلى
البد ،آمين.
مممممم
ممممم ممممممم
11
12
الفصل الول
ذاتى هى قدس
أقداسى
لكل شجرة جذور خفية تستمد منها
الغذاء ،وهكذا النسان له ذاتا ً باطنية،
تستمد منها حياته ما تحتاجه من غذاء ،ولو
ُ
ما قامت أننا فصلنا الواحدة عن الخرى ل َ َ
للحياة البشرية أية قائمة ،لنها حتما ً
ستجف وتذبل ثم تتلف وتفنى.
إن النسان هو الكائن الوحيد ،الذى
يملك هيكل ً أو قدس أقداس لبد أن يحيا
فيه ،حقا ً إنه يحيا فى العالم ،ولكن العالم
يثير الصخب ويولد الملل ،ولهذا سرعان
ما يرتد إلى ذاته ،ليحيا فى عالمه الخاص
الصغير ،الذى فيه يشعر بالمان
والسلم ..وما هى الوحدة ،التأمل،
التفكير ..سوى كلمات نعبر بها عن
أهمية الحياة الباطنية ومناجاة الذات!
13
والحق إن كل من اختبر عمق الحياة
الباطنية ،ل يهبط إلى مستوى مبهم فى
علقات غير مجدية ،ربما تسبب له
خلقية ،وهكذا تكتسب تشوهات نفسية و ُ
علقته بالخرين طابع التحفظ واحترام
الذات ،فل يكون ثمة ثرثرة ،أو فضول ،أو
تدخل بل سبب فى شئون الخرين .
كم من مرة يترك النسان نفسه نهبا ً
للشهوات ،أو عبدا ً لعادة ،أو وظيفة ..وفى
هذه كلها يشعر بقلق شديد يقض
مضجعه ،وفراغ طاٍغ يهدد سكينته فيتولد
ٍ
لديه إحساسا ً مريرا ً بالغربة ،ليس عن
غيره فقط ،بل وعن نفسه أيضًا! وهذه
الغربة تولد لديه اشتياقا ً أو رغبة ،للجلوس
مع نفسه ومحاورة ذاته ،ليجمع شمل
أفكاره المبعثرة ،ويتخذ قرارته فى
مشاكله الملتهبة..
قد تقول إن الوحدة تناسب
الفيلسوف الذى يبحث عن الحقيقة،
والشاعر الذى يداعب ملك أشعاره،
14
-8 -
والفنان الذى يهرب إلى عالم الخيال
ليجسد فى عالم الواقع إبداعاته ،والعابد
الذى يشبه شجرة وحيدة منطوية على
ذاتها متجة إلى أعلى ،إلى الله ..أما أنا
فإنسان عادى ،عقلى فارغ ،ل أملك أية
حياة باطنية ،ول أستطيع أن أختلى ولو
لحظة بذاتى ،ومن الفضل لى أن أظل
فى العالم الخارجى ،حيث الناس والعمل
والكلم الذى هو أفضل من شيطان
الصمت المميت!
وليكن ما تقول! ولكن ل تنسى وأنت
فى غمرة نشوتك المتواضعة ،أنك كائن
خلق مثل غيره على صورة الله، سام ٍٍ قد ُ
ٍ
وهل تنكر أن لك عقل ً كالفيلسوف ،وحسا ً
كالشاعر ..وقد يكون شعورك أرهف حسا ً
من شعراء كثيرين ،ولكنك ل تعرف
قدراتك ،والسبب :إنك ل تجلس مع ذاتك،
ولو أنك صادقتها لعرفت كم تحمل من
أنوار يمكن أن تضئ مدى الحياة!
15
ل ننكر أننا مشغولين عن أنفسنا
بالناس والعالم ،مأخوذين بسحر
الملموس والمسموع ،متأثرين بكل ما هو
منظور ..وهكذا نظل نهرب ونهرب من
ذواتنا ،فالتركيز الذهنى يتعبنا ،والتأمل
الباطنى يزعجنا ،ورقابة الضمير تقلقنا..
ويبقى السؤال :كيف نحصن أنفسنا
ونحمى ذواتنا من سهام العالم
الخارجى؟
أعتقد أن الحياة الفردية ،هى أعظم
وى جهاز المناعة النفسى ،فنقاوم دواء يق ّ
الجراثيم وكل الوبئة النفسية! وهل ننكر
أننا نحيا فى العالم ولكننا نخشاه! أليس
العالم يمثل لنا الصديق والعدو فى وقت
واحد!
حبس فى ُ مهما النسان بأن نعترف
زنزانة العالم الواسعة ،فإنه بين الحين
والخر يحن إلى دفء الداخل،
فالداخل فى نظرنا يعنى :السلم والمان
والعطف والحنان ...ومن هنا فإننا فى
16
سعينا نحو الوحدة ،فنحن إنما :نشتاق
إلى صدر الم الحنون!
نستطيع أن نقول :إن النسان مهما
عاش للعالم ،ليحقق رغباته ،فلبد بين
الحين والخر أن يستشعر الحاجة إلى
إرخاء الستار ،والنكماش خلف النافذة،
وذلك ليستمتع بدفء الموقد الباطنى!
نعترف بأن العالم الخارجى يعنى
المخاطرة ،إنه ساحة حرب ،إذن إمكانية
الصابة والتشوه واردة ،وهل يوجد إنسان
لم يجرحه العالم بسهامه المسمومة؟
أعتقد أننا جميعا ً اختبرنا جروح الغيرة
والحسد والكراهية ،أو غير ذلك من أوبئة
بشرية ...ولهذا فضّلنا الحتماء وتحصين
أنفسنا ،وذلك بعدم الخروج من حصننا،
من قوقعة النفس الذاتية ،إلى أن تتوقف
أعاصير العالم المدمرة!
وهكذا يتعلق النسان أكثر فأكثر
بالداخل ،وذلك للحصول على وسائل
الوقاية اللزمة ،وهذا ليس إنسلخا ً أو
17
01
- -
تهربا ً أو انعزال ً عن كره ،لن كل إنسان
يعلم إنه لن يحيا إل مع الخرين
وبالخرين ،وسواء أراد أو لم ُيرد ،فإن
دائرته الخاصة التى يحيا فيها ،حتما ً
ستدخل ضمن دوائر كثيرة ل حصر لها.
هنا أتذكر قصة طريفة ،تحكى عن
مجموعة من القنافد ،أرادت أن
تستدفئ فى ليلة باردة فماذا فعلت؟
اقتربت بعضها من البعض الخر ،فلما
تلمسوا انجرحوا من الشواك الحادة التى
طى أجسادهم ،فتباعدوا ،فلما ابتعدوا ُتغ ّ
شعروا بآلم البرد القاسية ،فأصبحت
حياتهم تتذبذب بين القتراب والبتعاد!
نعترف بأن الصلة بين الداخل والخارج
وثيقة ،ولن تنقطع ،فالنسان ليخرج من
ذاته إل ليعود إليها وهو ل يحقق أعماله
فى الخارج إل ليزيد من خصب حياته
الباطنية ،ويضاعف من ثراء عالمه
الداخلى ..ولكننا نؤكد أن الجلوس مع
الذات ليس بالمر السهل ،فمن المعروف
18
أن النسان قد يحاور فلسفة وعلماء،
ويقف ضد ملوك وأباطرة ..لكنه أضعف
ما يكون أمام ذاته ! فهل لنا أن نقول :إن
أقوى ما يخشاه النسان هو ذاته!
ولهذا فإن الخروج من الذات ،أصعب
بكثير من العودة إليها ،والنغماس فى دنيا
الناس أسهل من الهبوط إلى أعماق
النفس!
والحق إن جلوس النسان مع ذاته
يحتاج لقدرة كبيرة ،ومن هنا كان
القديسون والمفكرون ...أقدر من غيرهم
على حياة الوحدة ،بينما بقيت الوحدة فى
نظر الغلبية شبحا ً مخيفا ً ،ينفرون منه
ويتحايلون على طرده أو هى مظهر من
مظاهر الحرمان المرفوضة!
يرى البعض فى الوحدة هوة عميقة،
ل يملها سوى الفراغ واللم ،إنها دليل
على النانية أو سوء الظن بالناس،
والتعالى عليهم أو النفور منهم ..وفى هذه
الحالة نكون بصدد رجل أنانى ،يجد لذته
19
فى الختلء بنفسه ،مستغرقا ً فى تأملته
النرجسية ،مستسلما ً لذكرياته وأحلمه..
بينما ينظر البعض الخر إلى الوحدة على
أنها مـلذا ً أمينا ً ،يصقلهم وينمى
مواهبهم ويعمق علقتهم بالله ،ويخّلصهم
من شوائب المجتمع..
ً
لقد أثبتت لنا التجـربة ،أنه ل بد أول أن
نلم أفكارنا المبعثرة ونحاورها وننسقها،
قبل أن ُنظهرها للعالم الخارجى ،وهذا ل
يتم إل من خلل جلسة مع الذات فى
خلوة هادئة ،وهكذا تبدو الوحدة حالة
عميقة سعيدة جدًا ،ل يتمكنون دائما من
الوصول إليها ،بينما تبدو للبعض الخر،
حالة قاسية أليمة ل يتوصلون مطلقا ً إلى
التخلص منها!
ولكن مهما اختلف البشر فى شأن
الوحدة الفردية أو التعددية الجماعية،
فالواقع يؤكد إننا ل ندرك أنفسنا ونعرف
حقيقة ذواتنا ،إل عندما ننفصل أونبتعد ولو
لفترة قليلة ،عن الموجودات أو الشياء أو
20
ما يشغلنا ،ونحن ل ننكر أننا نحيا فى
مجتمع! فلبد إذن من التواصل ،ولكن لو
نظرنا إلى معظم علقتنا ،لتأكدنا أنها ل
تتعدى سوى طائفة من العلقات الخارجية
الظاهرية ،والمجاملت اللفظية
السطحية ..وهذه كلها وسائل لشغل
الفراغ..أما الذين يشددون على أهمية
اندماج النسان فى المجتمع بصورة
مطلقة ،فهذا ضربا ً من الوهم أو الخيال،
لن كل إنسان هو نسيج حده ،وكل ذات
هى هيكل وحده ،ل تقوى أى ذات ًأخرى
أن تتسلل إليه أو تقترب منه !
21
21
- -
الفصل الثانى
ما هى الذات ؟ طبيعتها
هل الذات كيان ذا وجود ..أم ميول
واتجاهات ..أم أنشطة موضوعة فى
نظام ..؟ وإذا كانت الذات كيان حى ،وكل
حى هو طاقة ،فهل نقول :إن الذات
طاقة فى تنظيم ؟ أم نقول مستسلمين:
إنها كيان فوقى ل يمكن تحديده على
وجه الدقة ؟
وهل الذات هى النفس البشرية ؟
أم هى شئ آخر أقرب إلى مفهوم النفس
؟ أم هى النفس +العقل ؟ وإذا نظرنا
إلى طبيعة الذات ،هل لنا أن نقول :إنها
وحدة أولية بسيطة أم هى تركيب
تكوينى ؟ وبالنسبة إلى عملها ،هل تعد
الذات بمثابة جهاز مركزى ،يقوم
بالتنسيق والتوجيه لسائر أعضاء الجسم ؟
22
أسئلة كثيرة تدورحول هذا اللغز
البشرى! وأعتقد أن كل من يغوص فى
هذا البحر الواسع ،يدرك جيدا ً أن لججا ً
عميقة من عدة طبقات سميكة ،تلف هذا
الموضوع الغامض! لن معرفة الذات على
حقيقتها أمر بالغ الصعوبة بل التعقيد !
وهكذا يبقى سر السرار كما هو مغّلفاً،
كما لو كان ُأغلق عليه باب الفهم أو
التفسير!
مم مم ممممم م
فما هى الذات التى كانت ول تزال
موضع اهتمام وتساؤل ؟ إنها كل ما
يشمل النسان ،بما فى ذلك مشاعره،
أفكاره ،مواهبه ،رغباته ...وكما هو شائع،
تأتى كلمة ذات بمعنى نفـس ،وهى بذلك
تعبر عن خصوصية الفرد أو داخله..
ومن الملحظ أن كلمة ذات ل ترد
عندما نتحدث عن الجماد والحيوان !
فل ُيقال " رجعنا إلى ذات المكان " ،بل
23
" رجعنا إلى نفس المكان " أو " نفس
الحديقة " أو " رأينا نفس العصفور"..
وقد عّرف " وليم جيمس " الذات،
بأنها كل ما ُيطلق على النسان ،بما فى
ذلك جسمه وقواه النفسية وملبسه وبيئته
وأعماله وممتلكاته ومنجزاته..
أمـا " نيوكومب " فيرى أن الذات
هى الطريقة التى ُيدرك بها الفرد نفسه..
كما أفاد " مورفى " بأن الذات هى
إدراكات الفرد وتصوراته لوجوده الكلى
كما يعرفه.
ويرى " ألبورت" أن الذات عبارة عن
كل جوانب الفرد ،التى يعتبرها خاصة به،
وجوهرية لمعنى وجوده بما ُيعطى
شخصيته الوحدة والتمييز والمتداد
ويقول عالم النفس الشهير "يونج " :
إن الذات بالنسبة للشخصية ،ليست هى
مركز الدائرة فحسب ،وإنما هى أيضا ً
محيطها ،فالذات مركز هذا الكل ،وهى
الصيغة الجمالية للشخصية ،كما يرى أن
24
41
- -
الذات تحوى الشعور واللشعور ،أى
العقل الباطن.
هذا وقد نظر بعض الفلسفة وعلماء
النفس إلى الذات ،على إنها النفس،
أو أقرب لمفهوم النفس البشرية،
وبهـذا يكون للذات كيان وجودى
كالنفس وإن كان ل ُيرى!
وهناك من يرى أن الذات ،هى الكل
الذى يحوى الجزء ،وبهذا تكون النفس
هى جزء من الذات ،لكنه الجزء المسيطر
على كل الجزاء والمتحكم فيها ،إنه أشبه
بالحاكم فى مملكته ،وقد نشأ أعضاء هذه
المملكة على طاعته والخضوع لوامره.
وبصرف النظر عن الخلف حول
مفهوم الذات ،فإن ما يعنينا فى هذه
الجزئية هو عبارة بليغة اعتدنا أن نسمعها
ونرددها أل وهى " ذاتك هى أنت " بكل
ما تحمل من إيجابيات وسلبيات ،ما تقبله
حبه وما تكرهه ..هى أنت وما ترفضه ،ما ت ُ ِ
بكل خصائصك النفسية والبدنية والذهنية..
25
نستطيع أن نقول :إن الذات تشمل كل
ما يخص الفرد ،سواء فى أبعاده الجسمية
والنفسية والجتماعية ..وهى بذلك تتضمن
كل ما يدخل فى مجال حياته المادية
والمعنوية ..إنها تشمل الجسم والنفس
كلهما معا ً وكل ما يرتبط بهما ،كما
تشمل علقات الفرد بالخرين والوسط
المحيط به..
ولكننا ونحن بصدد الحديث عن الذات،
نود أن نفرق بين الذات والشخص،
فالذات أعم وأشمل ،لنها ُتطلق على
الجسم وغيره ،أما الشخص فل ُتطلق إل
على الجسم فقط ..كما أن الذات غير
الشخصية ،التى هى سمات الفرد
النفسية ودوافعه ..وهى غير الذاتية،
التى تشير إلى الخصائص المميزة
للموجود ،مثلما ُيقال :الذات الفرعونية ،أو
اليونانية..
ممممم ممممم
26
ليس أصعب على الباحث من أن
يصف أو يتحدث عن شئ ل يراه،
فالذات ليست بهذا العضو أو ذاك ،إنها ل
ُترى ول ُتلمس ،إذن نحن نفتقر إلى
البرهان الحسى لتحديد طبيعة الذات،
ول يبقى أمامنا سوى البرهان العقلى،
م
فهل من جرأة لنناقش بعض الراء ؟ ول ِ َ
ل إن كنا نبحث عن الحقيقة ،حتى وإن لم
نصل إلى شئ ،نكون قد فتحنا بعض
البواب ،فهذا أفضل من أن تبقى مغلقة!
يرى البعض أن الذات كيان ل ُيدرك إل
من خلل مظاهره وأفعاله ..هكذا الهواء
والكهرباء ،نستدل على وجودهما من
خلل آثارهما!
وهناك من يرفض أن ننظر إلى
الذات على أنها النفس البشرية
فقط ،وكل ما فى المر اختلف فى
اللفظ ،ويرجح هذا الرأى القول بأن الذات
هى النسان كله ،فكيف تكون النفس
27
التى هى جزء من النسان ؟! والدليل
على ذلك:
إننا نقول " فلن ذاته " ول نقول "
فلن نفسه " إذن فالذات أعم
وأشمل ،والقرب إلى الصواب هو أن
النفس جزء من الذات!
ونحن نرفض أن تكون الذات مجرد
تكوين رمزى مثل الصفر فى الرياضة
أو الحساب ،لن هذا يفقدها قيمتها،
فالصفر ل شئ ،أما الذات فهى كل شئ..
كما نرفض كونها مصطلحا ً اصطناعيا ً
من صنع التصور وربما تقترب من الخيال
!
أما إذا افترضنا أنها كيان ،ل نملك
البرهنة على وجوده موضوعيا ً
فيكون وضعها بذلك -إلى حد ما -مقبو ً
ل،
لن الذات شئ ل يمكن تحديده على وجه
الدقة ،ومع ذلك ل نيأس ،ونحاول جاهدين
القتراب من طبيعتها بكافة الوسائل
وشتى الطرق !
28
61
- -
أما القول بأن الذات هى مجموعة من
الميول والتجاهات ،فإنه يؤدى إلى
تجاهل بقية وظائفها الكثيرة..
ونحن ل ننكر أن الميول والتجاهات
ُتنسب إلى الذات ،ولكن ل ننسى أن
التخطيط والقرار وبرامج النسان
اليوميةُ ..تنسب أيضا ً إلى الذات ،وهى
ليست ميول فقط ولكنها أيضا ً أفعال ،أو
هى ميول تحققت وصارت شيئا ً فى واقع
الحياة.
ولهذا نحن نميل إلى القول بأن الذات
كيان ضرورى ،نستطيع من خلله أن
نفهم النسان ككل ،ولن ما هو
ضرورى لوجود الموجود يكون هو
نفسه موجودا ً.
فالذات إذن موجودة ،ولكن وجودها
يختلف عن وجود الجسم والشياء
المحسوسة ،وحيث أنه ل يمكن إثبات
وجودها موضوعيا ً إثباتا ً حاسمًا ،فإنها تكون
كيانا ً موجودا ً بالفتراض الضرورى ولهذا
29
ُنعطى لها تشبيهات فنقول :إنها المركز،
أو الهيكل ،أو الجهاز ،أو الرئيس وسط
الجماعة..
ول يوجد ما يمنعنا من النظر إلى
الذات من زاوية الطاقة ،فالذات كيان
حى وكل حي هو طاقة ،ومن المقبول أن
نقول إن الذات طاقة منظمة أو طاقة فى
تنظيم ..وهذا ل يتعارض مع القول بأن
الذات شفافة كالنفس أو الروح،
ومنعكسة تدرك الخرين وتدرك نفسها،
وهى عكس العين ،التى ترى الخرين
ولكنها ل ترى نفسها..
حتى وإن سلمنا بأن الذات هى
النفس ،أوهى النفس والذهن معًا،
فالنفس كيان ل ُينكر أحد حقيقة وجـوده..
وإن قلنا إنها اتجاهات ،فمصدر هذه
التجاهات :إما العقل ،أو النفس ،أو
الروح ،وهؤلء الثلثة لهم كيانات ،أى لهم
وجود.
30
وليس هناك ما يمنع الفتراض القائل:
بأن إلى جوار الذات أو إلى ما ورائها،
قوى غريزية ل شعورية ،تعارض بعض
توجهاتها ،وهى تظهر فى بعض النفعالت
المظلمة ،أعتقد أننا سمعنا عن العقل
الباطن ،ونعرف دوره فى حياة النسان،
وإلى أى مدى يقوده إلى أفعال قسرية قد
يصُعب التحكم فيها!
ومن الكيد أن لكل إنسان ذاتا ً واحدة،
ومتفردة تفرد البصمة للصبع ،وما
دامت الذات ل مثيل لها ،فإنها ل تقع
داخل المعرفة العملية الموضوعية ،التى
ُتبنى على الشياء المشتركة والمتشابهة.
وهناك ما ُيعرف -مجازيا ً -بذوبان
الذات فى الخر ،سواء كان إلها أم
بشرًا..
أما محاولت الهروب من الذات أو
الثورة عليها ،فهى من الظواهر الشائعة
التى اختبرناها جميعًا.
31
32
الفصل الثالث
تكــوين الـــذات
كيف تتشكل الذات التى تستقر عند
النضوج ؟ أو بمعنى آخر :كيف تصبح
الذات ذاتا ً بالمعنى التام ،بحيث تصبح
قادرة على القيام بكافة وظائفها على
أكمل وجه ؟ لنرجع إلى البداية فنقول:
عندما يولد النسان ،نجد أنه ل يعرف
ذاته بينما يعرفه الخرين ،ثم مع النمو
يبدأ فى معرفته لذاته ،والفرق بينها وبين
ذوات الخرين ..ومن خلل اندماجه فى
الوسط الجتماعى يتعلم الكبت ،الذى
يؤثر بطريقة سلبية على ذاته..
وهكذا تتشكل الذات عبر الزمن متأثرة
بأشياء كثيرة منها :البيئة ،التربية ،التدين..
إلى أن تصل إلى النضوج.
33
ويحاول البعض إسدال الستار على
الماضى ،والتقليل من أهميته ،وهم ل
يدرون أن النسان فى حاضره ،ليس
سوى ثمرات لخبرات الماضى ،بكل ما
يحمل من مواقف وثقافات ..فهل لنا أن
نقول :إن النسان هو حصيلة لسائر
الميول والمواقف والذكريات ،التى يجرها
جرًا ،وراء ظهره أو يحملها خلفه ،سواء
بعلمه أم بغير علمه ،بإرادته أم رغما ً
عنه !
نعترف بأن الذات هى حصيلة تراث
تعاقبت الجيال فى تكوينه ،وها نحن
نتساءل :ما عسى أن تكون الذات لو
جردناها من كل ما وضعه الخرين فيها ؟!
إذن عندما يتأمل النسان ذاته ،فهو يتأمل
فى كل ما هو حوله ،حتى عندما يعتزل
الناس وينفرد بذاته ،فهو يظل محتفظا ً
بكل أصداء القرون الماضية فى أعماقه !
يقول الطبيب النفسى " هوارد روم
" :إنه عندما يجلس مع المريض فى
34
الحجرة ،فإنه ل يعتبر نفسه بمفرده مع
المريض ،ولكن من حول المريض يوجد
خورس ،يتكون من جميع الناس الذين
عاش بينهم ،إنهم موجودون فى الحجرة
معه ،لنهم يتركون بصماتهم ،التى ل
يمكن أن تمحى على شخصية المريض،
سواء كانت خيرا ً أم شرًا.
نحن الن لسنا سوى تلك الحصيلة التى
تجمعت منذ ولدتنا ،حتى وقتنا هذا إن لم
نقل قبل ولدتنا! ما دمنا نحمل ميول ً
وصفات وراثية سابقة على الولدة،
فالنسان بحسب قانون الوراثة ،يرث من
أبويه الشكل الخارجى.
كما يرث كثيرا ً من الصفات النفسية
والميول الذهنية ..التى تنحدر إليه من
أجداده السابقين على والديه ،ألم يقل
الكتاب المقدس " :وعاش آدم مئة
وثلثين سنة وولد ولدا ً على شبهه كصورته
ودعا اسمه شيث " )تك .(3 :5
35
إذن كل ما عناه النسان من خوف
وفشل ..وما اختزنه فى ذاكرته من صور
سمعية وبصرية ..وما ورثه عن آبائه
وأجداده من عادات ..ل يمكن أن ُتمحى
إل بعد جهاد إن أراد أن يمحوها ،وإن لم
يرد فإنها تطبع بصمتها على ذاته ،وتوجه
شخصيته ،وتتحكم فى سلوكه ودوافعه..
ومعنى هذا:
إن النسان مهما تنكر لماضيه ،محاول ً
اقتلع بعض الحداث الدامية أو المخزية
من حياته ،فإن أصداء الجيال العابرة ،لبد
من أن تتردد فى عمق أعماقه ،وهل
يستطيع النسان أن يفكر يوما ً أو يتخذ
قرارا ً ،إل إذا استند إلى أفكار وآراء...
السابقين ،وحدد موقفه بالنسبة لمواقف
المتقدمين !
يقول أينشتين
كر نفسى كل يوم مئات " إننى ُأذ ّ
المرات ،بأن حياتى الداخلية والخارجية،
تعتمد على جهود آخرين أحياء وأموات ".
36
02
- -
ل تتعجبوا إن قلت لكم :إن كل
إنسان يحمل فى داخله صورا ً
قع عليها من جميع كثيرة ،مو ّ
الشخاص الذين أّثروا فى حياته،
وكان لهم علقة خاصة به ودور هام فى
شخصيته ،فقد أضاف كل منهم بعدا ً جديدا ً
ولونا ً فريدا ً للوحة حياته !
ولو تأملنا فى لوحة حياة كل إنسان،
لوجدنا أنها تحمل خطوطا ً كثيرة ،لمن
عاش بينهم ،وتعلم منهم وصادقهم..
عندما افُتتحت دورة اللعاب
الوليمبية فى طوكيو عام )1964م(
حملت طائرة خاصة الشعلة ،من أثينا
حيث ُأقيم أول مهرجان عام )776ق .م(.
وعندما هبطت الطائرة فى مطار
طوكيو حمل العدائون الشعلة ،وأخذوا
يسلمونها الواحد للخر ،فأصبح بذلك هناك
صلة بين المهرجان الول الذى ُأقيم فى
أثينا ،والمهرجان المقام فى طوكيو !
37
وما الحياة سوى فريق عدائين ،وفى
سباق الحياة ل يبدأ أحد من ل شئ ،إذ أن
آخرين سبقونا ،وليزال آخرون فى
انتظارنا ،لكى يكملوا السباق من بعدنا،
فإذا فشلنا فى تسليم الشعلة المضيئة
التى تسلمناها ،فإننا ل نجعلهم يخفقون
فقط ،بل ونحرم أيضا ً أعداد كبيرة ل
ُتحصى من نور المسيح! ألم يقل رب
المجد يسوع " :أنتم نور العالم ".
مممم ممممم مممممم
نستطيع أن نقول :إن الذات هى
حصيلة عدة عوامل كثيرة ،داخلية
وخارجية ،وهذه العوامل تتحكم وتؤثر فيها
إما باليجاب أو السلب ،وهكذا تكون
الذات سوية أو غير سوية ،أما سمات
الذات السوية فهى التى:
-المرونة
38
ليست الحياة سوى تذبذبا ً بين النجاح
والفشل ،وهل يوجد إنسان لم يختبر فى
حياته مرارة السقوط أو آلم الفشل ؟!
هنا تظهر الذات السوية فى إيجاد الحلول،
والبحث عن البدائل ...
فقد يفشل إنسان فيعترف بأن الهدف
كان أعلى من قدراته فيغير إتجاهه ،أو
ينتظر إلى أن ينمى قدراته..
فى حين أن الشخص الغير سوى
يستمر فى التكرار ،وُيسمى هذا بالسلوك
الجامد ،الذى ل يصدر إل عن شخصية قد
أصابها الخلل !
-الواقعية
ما هو الواقع سوى تحديد أهداف
تتناسب مع إمكانات الشخص وقدراته!
إذن فالشخص السوى ل يضع لنفسه
أهداف مستحيلة التحقيق ،لن الواقعية
تتطلب أل يجلس الفرد فى أبراج من
الوهم أو الخيال.
39
22
- -
إنه يريد ما يستطيع ويستطيع ما
يريد! وهو بذلك يشعر بلذة النجاح
وتحقيق الذات ،فالواقعية هنا تعنى عدم
المبالغة فى تقدير الذات!
-التفكير اليجابى
ويعد التفكير اليجابى أهم سمات
الذات السوية ،وليست إيجابية التفكير،
سوى القدرة على حل مشاكل الفرد،
ومعالجة ما فى شخصيته من أخطاء،
وضعفات وسلبيات..
فمن المعروف أن الشخص السوى إذا
فشل ،فسرعان ما ُيعلن فشله دون أى
تردد ،ثم يبدأ فى تحديد أسباب الفشل
ويعمل على حلها ..أما الغير سوى فل
يتجه إلى المشكلة مباشرة ،بل يدور
حولها متهربا ً من اقتحامها!
-عدم المبالغة
40
النسان السوى يشعر بالسرور
والحزن شأنه شأن أى إنسان ،ولكنه يعبر
عن مشاعره أو مشاكله بقدر مناسب
دون تهويل ،أما الغير سوى فيبالغ فى
كل شئ ،محاول ً استعطاف الخرين
وجذب انتباههم ،وفى نفس الوقت إقناع
ذاته بما هو عليه ،ولو أنه أعطى المشكلة
حجمها الطبيعى لستطاع حلها !
-الستفادة من
الخطاء
قال أحد الباء " ل أظن أن الشيطان
أسقطنى فى خطية واحدة مرتين" ،وهذه
عبارة حكيمة إن دلت فإنما تدل :على أن
الشخص السوى يستفيد من
مواقفه وتجاربه ،ويتعلم من
سقطاته ،لنه ينظر إلى الحياة على أنها
ثوبا ًُ ،نسجت خيوطه من اللم ،ولكن
يتخللها خيط من نورهو اليمان ،والنسان
هو ذلك المخلوق المتناقض ،الذى يحمل
41
فى أعماقه الثنائية :الخير والشر ،النور
والظلمة ..فى لحظة يتحرك كبندول
الساعة ،من أقصى اليمين إلى أقصى
اليسار ،من أقصى الخير إلى أقصى
الشر!
فى حين أن الغير سوى ،يكرر نفس
أخطاءه ويزيد من ضعفاته ..إلى أن يجد
نفسه فى النهاية ،مجرد هشيم يشهد
بضعفه وعدم حكمته !
-الشعور بالسلم
وهو شعور يرافق كل البرار الذين
دربوا أنفسهم على حياة الفضيلة ،وهل
يمكن أن يحيا النسان بارا ً إل إذا كان
سويا ً ! أما الغير سوى فيستهين بالوصايا
وينغمس فى الخطايا..
إنه يحيا فى وهم كاذب أو سراب
خادع ،وليست الحياة فى نظره سوى
إجترار مجموعة من اللذات والشهوات..
42
ولهذا يفقد سلمه ،لنه كما قال إشعياء
النبى " :ل سلم قال إلهى للشرار".
ممممم ممممممم ممممم
إن النسان ،كل إنسان ،غالبا ً ما ينظر
إلى علقته بالخرين ،فيهتم بها ويعمل
على نموها واستقرارها ،لكى يسود
الدفء علقاته ،ولكن هل فكرنا مرة كيف
يكون للنسان علقة صحيحة بذاته ؟ إن
الجابة تتمثل فى ثلثة أبعاد:
-1معرفة الذات
" إن معرفة الذات هى أم كل معرفة
"! تلك عبارة قالها القدماء ،وبعدها كانت
إنطلقة الفكر الفلسفى اليونانى،
أتذكرون عبارة سقراط الشهيرة ،التى
كتبت على جدران المعبد اليونانى فى ُ
ديلفوس!
43
42
- -
لقد نُقشت بحروف لن ُتمحى
أشهرعبارة فلسفية " أعرف نفسك
" ،ولكننا نتساءل :هل يمكن لنسان ل
ميها!..
يعرف نفسه أن يوجهها وين ّ
والحق إن معرفة الذاتُ ،تعد الدليل
على اكتمال وعى النسان ،أو وصوله إلى
عرش النضوج النسانى ،يلى ذلك معرفة
أخرى أرقى حكمة وتطورا ً ،وهى تطبيق
هذه المعرفة عمليًا!
ويعد مفهوم النسان لذاته عنصرا ً
أساسيا ً فى تكوين الشخصية ،وهو
الساس الذى يبنى عليه برنامج نموه
وتطوره ،ويبقى السؤال :كيف يعرف
النسان ذاته ؟
هناك عدة عناصر ضرورية لدراك
الذات النسانية أهمها التى :صراحة
النسان مع نفسه ،التعمق ،الرغبة
فى التغيير..
44
لكننا نعترف بأن معرفة الذات تتطلب
قدرا ً كبيرا ً من الجهد ،كما أنها تهدد سلم
النسان ،لنها تعد بمثابة تعرية للذات،
ومن المعروف أن النسان ضعيف جدا ً
أمام ذاته ،ول يحتمل بسهولة أن تطفو
ضعفاته على السطح!
-2تقّبل الذات
إن سلوك النسان ينبع دوما ً من
نظرته لذاته ،فإذا ظن أنه فاشل
فسوف ينكمش ،ويقلل من علقاته،
ويحجم عن أية مخاطرة ،وُيعد النتقاد
اللذع من السباب التى تجعل النسان
يرفض ذاته ،لن النسان يقّيم ذاته من
خلل آراء الخرين ،فإن امتدحوها يقبلها
وإن أدانوها..
أما إذا تقّبل النسان ذاته فسوف يتقبل
الخرين ،والحق إننا نخطئ كثيرا ً عندما
نسعى إلى حب غيرنا ،فى الوقت الذى
نكره فيه أنفسنا!
45
لكننا نوضح أن تقبّل النسان لذاته
ل يعنى الرضى السلبى عن الذات،
بل إن تقّبل الذات الصحيح ،يجعل النسان
يحاسب نفسه ويقّيم سلوكه باستمرار،
ويبذل كل طاقته من أجل الوصول بالذات
إلى أرقى مستوى ،هكذا يحب الب ابنه،
ولكن هذا الحب ل يمنعه من معاقبته إذا
أخطأ!
-3تنمية الذات
وهى محاولة يقوم بها الفرد لكى
يرتقى بذاته ،وذلك عن طريق التغلب
على نقائصه ،ومقاومة ضعفاته ،والتخلص
من عيوبه أو التقليل من أثرها ،ولكن كل
هذا ل يتم إل إذا تقّبل النسان ذاته ،لن
من يرفض ذاته ل يسعى إلى تطويرها.
ولو تأملنا غالبية البشر ،لوجدنا أنهم
يعيشون رافضين لذواتهم ،أو غير راضيين
عن أنفسهم !! والسبب يرجع إلى جهلهم
46
الشديد بذواتهم ،وكيف يعرفون ذواتهم
وهم دائما ً فى الخارج ؟!
لقد تحولت الحياة فى نظرهم إلى
سلسلة طويلة من العمال الباطلة،
والكلم غير المجدى ،والجلسات الغير
مثمرة...
ولو أنهم التقوا مرة بذواتهم ،لعرفوا
أن كل ذات تحمل كم هائل من النوار،
قد حجب العالم بضبابه الكثيف أشعتها!
فل هم استطاعوا أن يروا ،ول الخرين
استضاءوا بها!!
47
62
- -
الفصل الرابع
النسان ليس ذاتا ً
مكشوفة
إن غالبية البشر يعيشون خارج
أنفسهم ،ومع ذلك ل يقرأ الخرون كتاب
حياتهم بسهولة! أليس لكل منا حياته
الباطنية ،التى هيهات أن ينفذ إليها الغير!
أعتقد أن البشرل يذيعون سرهم إل بقدر،
ول يفتحون كتاب حياتهم بسهولة ،إل لمن
له قدرة أن يقرأ ويفهم!
ممممم ممم ممم ممممم
نعترف بأن كل إنسان يحمل فى
أعماقه جمهرة ،من المواقف والحداث
والذكريات السلبية ..التى يتمنى أن
يقتطفها من جذور حياته! فهل لنا أن
نقول :إن أعماق النسان هى
سرداب طويل! وقد غطته الشواك
48
وأحاط به الظلم ..وكم يكون أفضل لو
ظل هكذا مخفيًا ،ولعل هذا سبب من
السباب التى تدفع بالنسان إلى ارتداء
القنعة!
ل ننكر أن كثيرين تمنوا أن يحيوا
كأطفال فى برائتهم ،ولكننا كبشرأصبح
الخوف فى صميم تكويننا ألف خوف
وخوف ،يجعلنا نحيا فى غربة سجننا
المنفرد ،لدى البعض خوف من النهيار أو
البكاء ..إذا ما تحدثوا عن مشاكلهم ،ولدى
در الخر البعض الخر تردد وخشية أل يق ّ
كلمهم ،فإذا قوبل سر بحنا به باللمبالة
أو بعدم التفهم أو الغضب أو الستهزاء..
فما أسهل أن ُيكشف السر ،لنه ُيعد
فى نظر سامعه بل قيمة ،وربما ُيستغل
كأداة تأديب ضددنا ! فما أكثر القصص
الدامية ،التى ُتحكى عن وحوش بشرية،
استغلوا أسرار ُأناس بسطاء لمتصاص
دمائهم! فكيف تحول الحمل الوديع
؟! أعتقد أنه إلى ذئب وبدأ يعض الخراف
49
لم يكن حمل ً فى يوم ما ،بل ذئبا ً يرتدى
زى الحملن !
ً
أعترف بأن جبال من الثلوج ،قد
تجمدت حول قلبى وفكرى وحواسى..
وكم تمنيت أن تذوب لتصير ماًء فى ينابيع
ة! ولكن إذا كشفت لك ذاتى ربما الحيا
ُتسيئ فهمى أو تحتقرنى ،وتعاملنى
كعقارب الكهوف أو حشرات
المستنقعات ،وربما تتقمص شخصية
المحلل النفسانى ،ويتحول اللقاء بيننا إلى
سؤال وجواب عن مدى صدقى والكثر
من هذا لو هجرتنى وتركتنى أعانى من
الحزن والكآبة فى عزلتى ،وماذا أقول لو
كنت بل تحفظ وأخذت تناقش مشكلتى
مع آخرين ،ممن ل يكفون عن استعراض
أنفسهم!
ل ننكر أن فى داخل كل منا أمور كثيرة
نود أن نشرك الخرين فيها ،ولكل منا
ض عشناه ،وهذا الماضى كتاب أسرار ما ٍٍٍ
يطوى بين صفحاته أمور تافهة، ٍ طويل،
50
82
- -
وأحلم اندثرت ،وآمال خابت ..ولكن ماذا
نقول عندما ل يفهمنا من نحن بحاجة
إلى حبهم وعطفهم ومشورتهم ؟! أعتقد
أن الفشل هو نهاية كل علقة ل ُتنعشنا،
ول تقذف بنا إلى الحياة الحقيقية! حتى
وإن شعرنا بغربة نفسية أو مكثنا نصارع
أمواج أفكارنا ..فهذا أفضل لنا!
إن عوامل كثيرة تدفع النسان إلى
الكبت ،وقد تكون طريقة التربية
والوسط الجتماعى من بين هذه
العوامل ،فالذى تربى فى بيئة صارمة
يكون عرضة لكبت مشاعره العاطفية ،فل
يبوح بحياته أو أفكاره الجنسية بسهولة،
والذى نشأ فى بيئة مشاغبة ،يكثر الصراع
والشجار بين أفرادها ،ل يعتذر بسهولة
لغيره حتى لو كان مخطئًا..
وهل ننكر أن تقاليد المجتمع ،تجعل
كثيرين يتعاملون من وراء القنعة،
ويستبيحون أفعالهم الرديئة ؟! أل ينظر
كثيرون إلى السرقة على أنها شطارة
51
والكذب خفـة دم! وهناك الخجل
وضعف الشخصية ..عوامل تجعل
النسان يكبت مشاعره ول يبوح بأسراره،
والحق إن الحياء ليس سوى إعلن أن
النسان ليس كتابا ً مفتوحا ً أو ذاتا ً
مكشوفة ..ليس الخجل من التعرية
النفسية سوى دليل على احترام النسان
لقدسية ذاته ،إنه رسالة مضمونها :إن
حياتى الباطنية سر ل أريد أن يعرفه أحد
حبه وأثق فيه ويشاركنى حياتى إل من أ ُ ِ
وأفكارى وسائر ميولى..
وُيعد الشعور بالنقص ،آفة تجعل
النسان ُيخفى ذاته الحقيقية ،ويتقمص
أدوارا ً اعتاد أن يمثلها ،والعجيب أن
المصاب بهذا المرض ،يظن أنه بدافع
الحب ُيمارس هذه الدوار ،فإن كان هذا
هو الحب فما هو الوهم إذن ؟!
لكننا نخطئ عندما نحكم على
إنسان حكما ً مطلقا ً مدى الحياة،
فنحن ننمو ونتجدد كل يوم ،صديقى وأنا
52
نكبر فتظهر الفوارق بيننا! إذن ل تتعجب
إن قلت لك إن الشياء التى شدتنى إليك
فى بداية علقتنا ،هى نفسها التى تعمل
اليوم على تعكير التواصل بيننا! فى
البداية ظهرت نزعتك العاطفية وكأنها
تخلق إتزانا ً فى توجهاتى العقلنية،
وض سلوكى وسلوكك المتفتح كان يع ّ
ى ميول ّ ف وض المنكمش ،وواقعيتك تر ّ
الخيال ..وهكذا بدأت صداقتنا مثالية،
ولكنى الن عندما أريد أن تشاركنى
تطلعاتى الفكرية ،يزعجنى كونك ل تعير
حججى الموضوعية أهمية! ُ
إل أن اختلفى معك ليس معناه انتهاء
اللقاء بيننا ،فالخيوط المعدنية التى ربطتنا
معًا ،يمكن أن تتحول إلى سبائك من
ذهب ،لو أدركنا أن كل منا فى نمو دائم
وتطور مستمر ،وشاركه الخر فى هذا
النمو!
وهذا التغير يدفعنى أن أطلب منك
ومن غيرك العفو المستمر ،لن ما
53
أخطأت فيه بالمس ربما تخليت عنه
ى من خلل ذكريات اليوم ،فل تحكم عل ّ
ى ثابتة ،لنى
باهتة ،ول تدع أحكامك عل ّ
أتعلم من أخطائى ،وإذا قابلتنى اليوم
سترانى أفضل من أمس ،وغدا ً سأكون
أفضل من كليهما!
ممممم ممم ممممم
إن غالبيته البشر ل ُيظهرون من
جبل حياتهم سوى رأسه ،أما باقى
الجبل فيظل دفينا ً فى عمق البحر ،وهكذا
يتكون الكبت ،الذى يحمل فى طياته
خرابا ً للشخصية ،لننا نشعر بألم دون أن
نلغى سبب اللم ،إننا حبسنا اللـم فى
زنزانة اللوعى المظلمة ،ولن
العواطف المكبوتة ل تموت ول تصمت،
فهى لذلك تظل تؤثر فى سلوك الشخص
بمجمله.
نعترف بأن كبت العواطف لهو
كبت جهنمى ،لنه سرعان ما يجعل
54
03
- -
النسان كثير النفجار ،إذن فلنحترس لن
غليان الماء إذا زاد عن حده جعل الغطاء
يتطاير! هذا بالضافة إلى المراض
الكثيرة التى يسببها الكبت ،ألم تشعر
مرة بأرق شديد ،أو ألم فى الرأس أو
المعدة أو التهاب فى المفاصل ..ألم
تعانى من صراع داخل النفس ،يدفعك
إلى النطواء ،أو الستغراق سواء فى
الخيال أو العدوانية..
لقد أصبح واضحا ً لدى علماء النفس،
أن كثير من المراض النفسية ،تؤثر
بصورة واضحة على أعضاء الجسم ،وقد
أصبح هناك ما ُيعـرف فى الطب
ة! فقد قام أحد
بالمراض النفسجسمي
الطباء بفحص مريض استولى عليه القلق
والفزع ،عقب وفاة أحد زملئه ،واستقر
في ذهنه أن مصيره سيكون مثله ،وهو
الموت بالسكتة القلبية ،ويوم بعد يوم
سيطرت عليه الفكار العنكبوتية
55
وعشعشت فى رأسه! فكانت النتيجة:
إصابته بقرحة في المعدة.
وكان أحد الطباء يعالج مريضا ً
شفي ،تقرر خروجه من بالربو ،وبعد أن ُ
المستشفى صباح يوم الثنين ولكنه
فوجئ في صباح اليوم المحدد لخروجه
بعودة أعراض المرض إليه ،وترتب على
ذلك بقاؤه في المستشفى مدة ُأخرى...
ولكن حدث بعد علجه الذي استغرق عدة
أسابيع أن حالته تحسنت فتقرر خروجه،
إل أن أعراض المرض عادت إليه مرة
ثانية ،في صباح اليوم المحدد لخروجه،
مما لفت نظر الطباء لبحث هذه الظاهرة
الغريبة!
فتبين لهم بعد إجراء عدة تجارب إن
هذا المريض يعمل مدرسًا ،وقد اشتبك
في مشاجرة عنيفة ،هددته بالطرد من
المدرسة ،فكانت النتيجة ،أن استبد به
القلق الذي سيطر عليه للدرجة التي
56
كانت سببا ً في معاودة المرض إليه ،وذلك
في صباح اليوم المحدد لخروجه..
نستطيع أن نقول :إن العواطف
المكبوتة أشبه بالشخص المرفوض،
فهو يفرض علينا ثمنا ً باهظا ً
ًلرفضه ،ويحاول جاهدا ً أن ينتقم
لنفسه!
وتعد فلتات اللسان والحلم ...وسائل
تحاول العاطفة المكبوتة ،أن تعّبر عن
نفسها من خللها ،ويجب أن نشير إلى أن
الرغبات المكبوتة ،هى التى يتكون منها
العقد النفسية ،هنـا تظهر حكمة
النسان فى تحليل أقواله ،حركاته،
سلوكياته ..لكى يحدد أول ً العواطف التى
دفنت فى العقل الباطن ،ليعالجها
ُ
ويسّيرها فى طريقها الصحيح ،فالعلج ل
غنى عنه للنمو ..فى حين أن الكبت
يفقدنا التصال الحقيقى ،ل
بالخرين فقط بل وبذواتنا أيضاً،
ويجعلنا مدى الحياة نتستر وراء أقنعة
57
مزيفة ،نخفى بها حقيقتنا ،ونحتمى وراء
حواجز وهمية نحمى بها ذواتنا! والفضل
لنا أن نراقب أنفسنا ونحاور أنفسنا ،لكى
نعرف ضعفاتنا التى يجب أن نعالجها أما
الهروب فلن يفيدنا شيئ!
والسؤال الن :هل لديك استعداد أن
تعرف عمق مشاعرك لتوجهها؟ هل تملك
الشجاعة لتقر بأن بعض سلوكك مزيفا ً بل
ملفقًا؟ إلى أى مدى تبحث عن الحقيقة
بصدق وتريد أن تعرف نفسك على
حقيقتها ؟
جوابى :هو أننى أريد الحقيقة ،ولكنى
ل أريدها دفعة واحدة ،أريد أن أعرف
قصة حياتى كاملة ،ولكن فصل ً فصل ً !
فمن المعروف أن مواجهة النفس من
أصعب وأشق المواجهات فى حياة
البشـر! كما أن أسلوب معرفة الخطاء
والضعفات البشرية ،يجب أن يكون بالحب
ى
وليس بالقسوة ،فإن أردت أن ُتظهر ل ّ
ضعفة من ضعفاتى ،أو إحدى سلبياتى،
58
فيجب أن ُتمهد أول ً وتجس نبضى لكى
تعرف :هل لدى رغبة أن أعرف منك ما
ى أم ل ؟!
تريد أن تقوله ل ّ
لكننا نعترف بأن الحرص على معرفة
الذات ،هو نقطة النطلق لتكوين شخصية
سوية والقبول الكامل للحقيقة الكاملة
يمكنه أن يقودنا إلى الحياة المثلى!
59
الفصل الحامس
الذات بين الحب والنانية
إن الحياة فى حاجة إلى التفتح فى جو
دافئ يسوده الحب ،أما إذا أغلق النسان
على ذاته وجعلها محور كل شئ ،وأخذ
يدور كالدراجة حول نفسه ،مستعمل ً
الخرين كأدوات أو آلت منتجة ،دون أن
يقيم وزنا ً للمشاعر البشرية أو القيم
النسانية ،فإن هوة نفسية عميقة ستفصل
بينه وبينهم.
كما أن علقته بغيره سوف يخّيم عليها
الحذر ،ويسودها التوتر والقلق والتكلف
والصطناع ..وهذه كلها عوامل تقضى
على جنين الحب قبل أن يكتمل نموه!
أما إذا فكر النسان فى العطاء ل السلب،
ففى النهاية سيجد نفسه متمتعا ً بحب
الخرين وعطفهم ورعايتهم!
60
23
- -
نعترف بأن حب الذات بدايته هى
نهايته ،وليس سوى الفشل نهاية لهذه
الدراما النفسية المأسوية! أما الحب
الحقيقى فله مستقبل ،لنه يحرر النسان
من أخطر مرض أل وهو " عبادة الذات
" ويوجهه نحو الهتمام بالخر ،دون
التفكير فى العودة إلى الذات مرة أُخرى!
نستطيع أن نقول :إن مسكن الذات
فى حاجة إلى تهوية دائمة ،وإل نسج
العنكبوت خيوطه فى سقفه ،ودبت
الحشرات فى جوانبه ،وهل يمكن لنسان
أن يحيا فى جزيرة عدد سكانها شخص
واحد! إن كانت هذه هى الحياة فما عسى
أن يكون الموت إذن ؟!
على قدر ما يبتعد النسان عن
ذاته ،على قدر ما يقترب من
الخرين ،أما إذا عاش ل يعرف من
الحياة سوى نفسه المريضة وتحقيق
رغباتها السقيمة ،فلن يحصل فى النهاية
إل على الفوضى والضطراب فى أعماقه،
61
فما من إنسان سعى إلى تحقيق كل شئ
والستمتاع بكل شئ ،إل ووجد نفسه فى
النهاية فاقدا ً لكل شئ !
والحق إن النانية تفكك تام للذات
حب ذاته بل والرجل النانى لي ُ ِ
يكرهها ويضرها! ليست النانية سوى
سلوك مريض يقوم على النشغال
المرضى بالذات ،دون أن يكون وراء هذا
السلوك أى حب حقيقى للذات ،فى حين
أن الحب السوى يجعل النسان يتعاطف
مع غيره ،ول ينطوى على أية صورة من
صور النانية القاتلة ،أو الهتمام المفرط
ة ..ويبقى السؤال: بالمصالح الشخصي
مم مم ممممم مم ممممم م
هو عدم الستجابة لرغباتها الشريرة،
وبالمقابل تحقيق رغباتها الحسنة ،وتقوية
ضعفاتها ،والعمل من أجل نموها وثباتها
فى حياة الفضيلة.
62
43
- -
أما إذا عجز النسان عن حب ذاته،
فبكل تأكيد سوف يعجز أيضا ً عن حب
غيره ،وأعتقد أن من يسمو بذاته نحو
الفضل ،سوف ينفتح على الخرين بحب..
لن القوقعة الذاتية الصلبة التى يقبع فيها،
تقف حائل ً بينه وبين الخرين ،وتمزق
روابط المحبة بينه وبينهم ،ومن المعروف
أن الحياة تتحول إلى موت إن خلت من
أنفاس الحب !
أتذكرون قول السيد المسيح " :من
حب نفسه يهلكها " )يو (25 :12هل يُ ِ
تأملتم مرة المقصود بهلك النفس! أعتقد
أن الله ليطلب منا أن نكون قتلة لنفسنا،
إنما الله يريد أل ّ نستجيب لرغباتها
الشريرة ،التى تفصلنا عن خالقنا! هذا هو
النتحار النفسانى :الستجابة
ة!لرغبات النفس الشرير
إذن هناك حب حقيقى وآخر مزور،
حب يقود إلى الحياة وآخر إلى الموت !
حب لغرض ما فأنت فى فإن كنت ت ُ ِ
63
حب إل ذاتك، الحقيقة إنسان نفعى ،ل ت ُ ِ
ومعروف أن النسان النفعى هو إنسان
شهوانى ،لن النفعية والشهوانية هما
وجهان لعملة واحدة أل وهى " :حب
الذات ".
أما التمركز حول الذات فهو مصدر
الشقاءِ ،لذا أصبح كل يوم يزداد ،عدد
الذين ينادون بأهمية تكوين علقات
حميمة ،مركزها الحب ل النفعية ،لكى ل
ة!
نسقط فى بئر المراض النفسي
إن النشغال المرضي بالذات ،يجعل
النسان في نهاية المطاف أعزل ،وغالبا ً
ما يسقط في شكوك وفخاخ ،ففي يوم ما
انشغلت " أم " 44بنفسها ،وبدأت تفكر
بأية قدمين تسير ،وبينما هي في قمة
انشغالها إذا بحفرة كبيرة ،لم تلتفت إليها
فسقطت فيها.
وهكذا النسان أيضا ً إن لم يلتفت إلى
هذا المرض فسوف يسقط في خطايا
وشرور ما أكثرها ،وسيكون الفشل هو
سمة حياته ،وهذا الفشل يجعله يلجأ إلى
64
أحد الملجئ لكي يحتمي فيه من بعض
اللم الذي يمزق باطنه ،أما تلك الملجئ
فهي :الكتئاب ،الغضب ،الجنون ،المرض
الجسدي!..
ولكن من المؤكد أن النسان ،ل يمكن
أن ينفتح على الخرين ،طالما هو متقوقع
حول ذاته ،محاول ً إشباعها بكافة الطرق،
حتى وإن كانت خاطئة ! أو يتخفى وراء
القنعة والحواجز ،إنها كالمرض الذي
يبقينا منغلقين على أنفسنا!
فمن المعروف أن النانية أوالنشغال
الدائم بالذات هو الذى يقود النسان إلى
المرض النفسي ،وهذا ما أكده العالم
الجليل الستاذ الدكتور أحمد عكاشة -
رئيس الجمعية العالمية للطب النفسي-
عندما قال:
" إن بداية المرض النفسي تنشأ
من التمركز حول الذات ،وبداية
السعادة الحقيقية ،تنشأ من خلل
البذل والعطاء ".
65
والحق إن نتائج حياة خلت من الحب،
وتأسست على حب النفس ،نجدها
واضحة فى عيادات الطباء النفسيين،
ومستشفيات المراض العصبية ..ولهذا
أصبح الطباء يشددون ،على أهمية تكوين
علقات صحيحة مركزها الحب ل النانية،
لننا أصبحنا نحيا فى أزمة ،وهذه الزمة
ليست مالية كما يظن البعض ،بل
عاطفية ،هنا تكمن خطورتها! لن
سليمان الحكيم يقول " :روح النسان
تحتمل مرضه أما الروح المكسورة فمن
يحملها " )أم .(14 :18
ولكن إن كان علماء النفس ،يشددون
على أهمية وضرورة الحب ،كهواء نقى ل
يستطيع النسان أن يحيا إل إذا تنفس
فيه ،إل أن السيد المسيح قد سبقهم ،فى
طهر والشافىوصف هذا الدواء الم ّ
لمراضنا الروحية والنفسية ،وذلك عندما
حبواقال " :وصية جديدة أنا أعطيكم أن ت ُ ِ
66
حبون أنتم بعضكم بعضًا ،كما أحببتكم أنا ت ُ ِ
بعضكم بعضا ً " )يو .(34،35 :3
ليس الحب سوى تعبير عن رغبة الذات
فى التسامى ،أو الصعود نحو كل ما هو
طاهر وجليل ،بينما النانية حركة هابطة،
يراد من ورائها السلب أو النهب أو
البتزاز.
قد نكون على صواب إن قلنا :إن الحب
فيه قوة إلهية هابطة من السماء ،ترسم
طريق الحياة أمام النسان ،فتدعوه ل
إلى محبة القريب فقط بل والعداء أيضًا!
وتطلب منه أن يتخلى عن أنانيته
الجامحة ،التى تجعل منه صخرة بشرية،
لكى يحيا مع الله والناس فى سلم!
والحق إن النسان عندما يمتلئ قلبه
من تلك العاطفة السامية ،يكون قد حقق
أعظم احتياجاته النسانية ،فيحيا وكأن
مسحة إلهية روحانية ارتسمت على وجهه،
وهى تشع نورا ً يضيء ظلم الحياة! ألم
يقل شاعر فرنسا فيكتور هوجو:
67
" التقيت فى الطريق بشاب فقير جدا ً
حب ،كانت قبعته رثة ،ومعطفه ممزقًا، يُ ِ
والماء يتسلل من حذائه ،ولكن النجوم
كانت تطل من خلل روحه ،والنور ُيشرق
من سماء وجهه " !
قد نكون على صواب إن قلنا :إن
النانية تجعل من الذات قطعة
صلبة ،بل أشد صلبة من الحجر الجاف،
وهكذا يحيا النسان فى جفاف عاطفى،
يجعله فى حالة عجز تام ،عن معرفة
مشاعر قريبه حامل القيم السامية،
وبالتالى فإنه يظل دائما ً غريبا ً عنه.
ولما كان من شأن النانية أن تدفع
بصاحبها ،إلى البحث عن لذاته ومصالحه
على حساب الخرين ،فمن الطبيعى إذن
أن يعمل النانى على استمرار نموه،
ومضاعفة لذاته ،ولو كان ذلك على
حساب غيره من الناس ! أليست النانية
نـوع من التصلب والتحجر والنفعية...
فكيف لها أن ُتحب الخرين وتهتم بهم،
68
وهى الغارقة فى سبات العشق الذاتى،
الذى ليس لمحيطه قرار ؟!
وهكذا يحيا النانى متنقل ً من شخص
إلى آخر ...حسبما تقتضى المصلحة ،لن
العلقة التى تقوم على السلب والنهب أو
النفعية ...ل يمكن لها أن تدوم ،لنها علقة
هوائية ،سطحية ،سريعة التحول ،سهلة
النقلب ،ويبقى السؤال الحائر :ماذا
يجنى النانى من علقاته ؟
مممم مممم مم ممم
ممم ممممم م
مممم مممم مممم ممممممم
مم
مممممم ممممم ممم مممم !
والحق إن النانى هو إنسان يحيا على
حساب نفسه ،قبل أن يحيا على
حساب الخرين! ولهذا ل يمكن أن
يستقر ،بل يستمر فى حالة من القلق
خوفا ً من أن ُيحرم من شئ أو يفوته شئ،
ولنه منشغل دائما ً بنفسه ول يعرف سوى
69
63
- -
ذاته ،فهو لذلك يعانى شعورا ً حاسدا ً
يحرق أعماقه ،إذا رأى إنسانا ً يتمتع بشئ
ل يملكه أو يتميز بصفة لم ينلها!..
حقا ً إن النانى يعتقد فى صميم ذاته
حب إل حب ،لكنه فى الحقيقة ل ي ُ ِ
أنه ي ُ ِ
ذاته فى الخرين ،وها نحن نتساءل :أى
حب هذا الذى يحطم القواقع
البشرية ليحصل على شهوة..
ة!
ومتى نالها يتركها أشلء ممزق
والحق إن النانى ل يعرف معنى الحياة
ول كيفية عيشها ،ومثل هذا إن تزوج فلن
ينجح ،لن حبه شهوانى مرتبط بمصلحة،
وحب مثل هذا يخنق النفس.
ممم مم مممم مممم!
ألم تسمع مرة سيدة وهى تصرخ
قائلة " :زوجى أنانى" أتعرف مغزى هذه
العبارة! إنها رسالة طويلة من كلمتين
بينهما معانى كثيرة ،تعلن أن هوة نفسية
70
عميقة تفصل بينهما! وما سبب هذه الهوة
؟ أعتقد أنانية الزوج.
قد نكون على صواب إن قلنا :إن
أتعس الناس وأكثرهم عذابا ً هو الشخص
النانى ،الذاتى ،لنه يحيا فى عزلة نفسية،
وبطريقة مرضية يراقب دوافعه ويدرس
غيره بطريقة تشريحية ،بحثا ً عن لذة أو
ة!
منفعة ُيشبع بها نفسه الحائر
إنه يحيا فى قلق دائم وتوتر مستمر،
ولهذا ل ينعم بالحياة الطبيعية التلقائية،
لنه يفكر فيها بطريقة خاطئة بدل ً من أن
يعيشها ببساطتها ،ومن ثم فإن حياته لبد
من أن تكون حافلة بشتى مظاهر التكلف
والتصنع ،وارتداء القنعة النفسية
المزيفة ..إنه إنسان يعيش وهم الحياة ل
حقيقتها ! حتى وإن حصل على ما يريده،
هل يمكن لنفسه المعذبة أن تشبع ؟!
نعترف بإن العالم واسع ،لكن رغم
اتساع العالم وكثرة خيراته ،إل أنه ل
71
يمكن أن ُيشبع جوع النسان أو يروى
عطشه! هل فكرت لماذا ؟ لنرجع إلى
قصة الخلق ونتساءل :لماذا خلق الله
النسان ؟ أليس لكي يحيا معه ويتلذذ
بحبه ،نعم ،لننا خرجنا من عند الله ولن
نجد راحتنا إل فيه.
خلق لله ولن ُيشبعه إل إذن فالنسان ُ
خالقه ،ولو امتلك العالم بكل مافيه فلن
يشبع ! لن العالم محدود ،وهكذا ما أن
يحصل على شئ فسرعان ما يبحث عن
غيره ،لنه فى الحقيقة يبحث عن غير
المحدود وإن كان ل يدركه! وكأن النسان
قد اختار لنفسه ،أن يعيش أسيرا ً فى
حكم عليه فيها بالجوعحلقة مفرغةُ ،
والعطش إلى البد!
فى حين أن الرجل البسيط ،كثيرا ً ما
ينجح فى تكوين علقات طيبة ،هادئة ..مع
غيره ،لنه يتعامل بصفاء طبيعى ،ويتذوق
حياة التعاطف والصداقة على نحو تلقائى،
بينما يبقى الشخص الذاتى عاجزا ً عن
72
تحقيق أى تواصل حقيقى بينه وبين غيره،
وذلك لنه ل يكف بحثا ً عن شهواته ،دون
أن يعمل حسابا ً للمحبة أو يقيم وزنا ً
ة! حتى داخل أسرته ،ومع جيرانه، للصداق
وبين أصحابه ..ليقيم أى وزن للمشاعر
النسانية !...نستطيع أن نقول:
مم ممممممممم مممممم مممممممم
مم مممممم ممم مممممم !!
نعترف بأن النانية مرض خبيث ،من
أشر المراض النفسية ،إذا أصاب النفس
البشرية أذلها واستعبدها ..ولكن ماذا
نقول بعد أن تفشى هذا المرض اللعين
بين البشر ،أليست الغالبية تحيا فى قانون
دائم ل يتغير أل وهو :الهتمام ثم
الهتمـام بأنفسهم ،والتركيز ثم
التركيز على ذواتهم.
إنها لدوامة فاسدة تلك التى
تلفنا ،ول سبيل للخروج من هذه الدائرة
المظلمة ،التى حبستنا فيها أنانيتنا ،سوى
73
التوقف عن سلب الخرين والبدء فى
عطائهم ،ألم يفضل إلهنا العطاء عن الخذ
" مغبوط هو العطاء أكثر من الخذ " )أع
.(35:20
ألم تسألوا أنفسكم مرة لماذا عندما
ُيعطى النسان يرتاح ؟! إل أن هذا ليس
بالمر السهل كما يظن البعض ،لن
تحول نقطة الرتكاز من النا نحو
الخر ،أمر بالغ الصعوبة ،إذ كيف
نضع الخرين فى المقدمة ،حيث
تعودنا أن نكون دائما ً ؟!
إن قلت كالمعمدان " ينبغى أن ذلك
يزيد وأنى أنا أنقص" )يو (30 :3ونظرت
نظرة سامية للبشر كأخوة للسيد
المسيح ،يجب عليك أن تعطى ولو قليل ً
من مالك أو وقتك ..من أجل نموهم
وراحتهم وسعادتهم ،تكون بالفعل قد
بدأت حياة الحب الذى هو سر سعادة
النسان ،وأرفع ما يمكن أن يصل إليه فى
هذه الحياة.
74
83
- -
ولكن إن كان الحب مصدر راحة
د عظيم للذات لكى للنسان ،إل أنه تح ٍٍٍ
تخرج من قوقعتها ،وتنتقل إلى الخر
لترعاه وتعضده من أجل نموه وراحته،
ومن المعروف أن تحدى الذات ،أصعب
تحدى يواجه النسان فى الحياة ،إل أنه
الدليل على أن النسان ،قد بدأ يسير فى
طريق الحب الحقيقى !
لكننا نعترف بأن الحب ليس بالمر
السهل كما يتخيل البعض ،بل يبدو فى
بعض الوقات مستحيل ً ومكلفا ً جدًا،
فمشاكلنا الداخلية التى تؤلمنا والسياجات
التى نضعها حولنا ،وآثار الجروح التى
ورثناها ولم تبرأ ،والصراعات المريرة
التى نعانيها بسبب حقد البشر ..عوامل
من شأنها أن تزيد من صعوبة التضحية،
التى يفرضها علينا الحب ،ولكن خارج هذه
التضحية ل يوجد حب ! ألم نقل إن
حياة الحب شاقة! ولكنها ليست
75
عقيمة ،لنها الطريق الوحيد
الحقيقى إلى السعادة الحقيقة !
76
الفصل السادس
الشر وانقسام الذات
" ويحى أنا النسان الشقى من ينقذنى
من جسد هذا الموت " )رو (24:7هكذا
صرخ القديس بولس الرسول حينما أدرك
طبيعة الذات المنقسمة ،فالنسان
كائن متناقض! يمزقه الصراع القائم بين
الروح والجسد ..إنهما أشبه بزوجين كل
منهما يريد أن يجعل الخر يخضع له،
ويسيرعلى هواه ،فهما ل يستطيعان أن
يعيشا سويا ً فى إنسجام ،ومع هذا ل
يملكان النفصال !
أليس من الواضح أننا نحيا فى تناقض
وجدانى حاد ،مادمنا عاجزين عن
الستغناء عما نكرهه !! ولكن سواء أردنا
أو لم نرد ،فإن وجودنا فى صميمه ما هو
إل توترا ً ،بين حياتنا على الرض والحياة
البدية ،الوحدة الفردية والتعددية
77
الجماعية ،الجسد بكل ما يحمل من
سلبيات ،والروح بكل ما تحمل من
إيجابيات! ويسعى النسان جاهدا ً لفك
النزاع بين ميوله المتعارضة ولكنه سرعان
ما يشعر بأن الثنائية ضريبة باهظة ،قد
خلق من نور ُفرضت عليه بوصفه كائنُ ،
وطين ،وقد نتمرد على قيودنا وننزع إلى
تخطى حدودنا ،ولكن هيهات للنسان
المثقل بقيود الجسد أن يحلق طويل ً فى
السماء ،فالجاذبية الرضية باستمرار
تجذبه! ربما يستطيع أن يسمو بفكره
فوق الطبيعة ،ويسبح بخياله فوق
الموجودات ،ولكن هذا ل يدوم سوى
لحظات!
ونحن ل ننكر أن الجهاد الروحى ،يسمو
بالنسان ويقوى ما به من ضعفات ،إل أن
إمكانات النسان ل تسمح له أن يصل
يوما ً إلى الطهارة الكاملة ،لنه فى أعماقه
يحمل بذورالنقسام ..وهكذا يجد
باستمرار ما يدفعه إلى الستهانة
78
04
- -
بالفضائل الروحية أوالخروج عن القواعد
الخلقية !
ألم يقل معلمنا بولس الرسول" :
ى أى فى فإنى أعلم أنه ليس ساكن ف ّ
جسدى شئ صالح لن الرادة حاضرة
عندى وأما أن أفعل الحسنى فلست أجد،
فإن كنت ما لست أريده إياه أفعل
فلسـت بعد أفعله أنا بل الخطية الساكنة
ى " )رو !(25-18 :7أليس فى هذا ف ّ
إشارة واضحة عن حالة النقسام
أو التمزق ،الذى أصاب الطبيعة
البشرية بعد السقوط !
والحق إن شقاء النسان ،ل ينحصر فى
شعوره بالنقص أو المرض أو الحرمان
فقط ...بل يرتبط ارتباطا ً وثيقا ً بشعورنا
الخلقى فما أن تتسرب خطية واحدة إلى
داخل القلب ،فسرعان ما يبدأ النقسام..
فيبدأ الفكر يجول بغير ضابط هنا وهناك،
والجسد هو الخر ليجد راحته فى أى
مكان..
79
إن قلنا إن الفضيلة هى التى تجمع
شمل الذات ،فإن الشر هو الذى
يمزقها ،لنه يبعدنا عن القيم الروحية
والمبادئ الخلقية ،التى من شأنها أن
تحقق تكامل الشخصية ..وعندما يقول
فلسفة الخلق :إن الشر يمثل نوعا ً
من الخيانة ،فإنهم يعنون بذلك :إن
الشر فى جوهره إنكار للقيم وهذا فى حد
ذاته خيانة!
نعترف بأن الشر هو أكبر حاجز ،يقف
حائل ً بين النسان والله ،وها نحن نتساءل:
هل يمكن للنسان أن يحيا وهو بعيدا ً عن
خالقه ؟! إن كانت هذه هى الحياة فما
عسى أن يكون الموت ؟!
وليس من شأن الشر أن ُيحدث
إنقساما ً داخل الذات الواحدة فقط ،بل
من شأنه أيضا ً أن ُيحدث إنقساما ً بين
البشر ،وهذا النقسام يجعل العلقات
بين البشر تتحول إلى صراعات حادة،
فيوجه كل إنسان إلى رفيقه سهام
80
مسمومة وطعنات دامية! كما أن نيران
الغيرة والحسد ..تكون فى اشتعال على
الدوام! دعنا نتساءل :ما سر الدعاوى
المتراكمة فى المحاكم؟ ما سبب التفكك
خلقى؟ ألسنا حقا ً لسرى والنحلل ال ُ ا ُ
نحيا فى أزمة! وما هو سبب الزمة ؟!
طلب منى أن أرسم صورة تمثل لو ُ
الشرار ،لرسمت إثنين ووضعت بينهم
سيفًا ،فالسيف يرمز إلى اللم كما أنه
يرمز إلى الفصل أو القطع ،فهما يظهران
أمام الناس كأنهما واحدا ً فى الفكر
والمشاعر ولكنهما فى الحقيقة إثنان ولن
يكونا واحدًا ،فنحن بإزاء شخصيتين
معذبتين قد ابتليتا بنكبة الشر المميتة
م،
الذى ل يوجه النسان نحو موضوع سا ٍ
وإنما يقتاده من حيث ل يدرى نحو
الهلك.
نعترف بأن النسان بعد السقوط ،قد
صار جهازا ً مفككا ً اختلت موجاته،
وأصبح الضطراب يدب فيه لتفه
81
24
- -
السباب ،يسعى للخير ولكنه يجد قدميه
تتجه نحو الشر دون أن يرغب! وإذا حقق
رغباته فسرعان ما يملها! فهل لنا أن
نقول :إن الملل إحدى سمات
الذات ! ويسعى النسان جاهدا ً للقضاء
على الملل ،ولكنه سرعان ما يكتشف أن
الصراع ضد الملل هو صراع ضد ذاته
المنقسمة ،وهل ننكر أن الملل كثيرا ً ما
يأتى كالضيف الثقيل بل سبب!
والحق إن الذات لبد وأن يكون لها
هدف ،وقد كان هدفها قبل السقوط هو
الله ،ولكنها فقدت هذا الهدف! فماذا
تفعل ؟ تبحث عن هدف آخر يشغل
فراغها ويعطيها استقرارا ً ،النسان
السوى يرجـع إلى الله ،أما الغير سوى
فيخلق لنفسه آلهة ،إباحية ،مشوهة،
فاسدة ،مخلوقة من أعماق كيان محطم،
" ساروا وراء الباطل وصاروا باطل ً " )إر
!(25 :12
82
مممم ممممم مممم ممممم ممممم !
83
الفصل السابع
عندما تتـألم الـذات
يقول سليمان الحكيم " :للبكاء وقت
وللضحك وقت " )جامعة ،(3:3إذن
ُيخطئ المتفائلون حينما يتناسون ما فى
الحياة من حزن أو دموع أو تعب...
وقد يسعى النسان جاهدا ً ليقضى على
اللم ولكنه سرعان ما يتحقق ،من أن
الضيف الثقيل الذى حاول طرده من
الباب ،قد عاد إليه بأكثر ثقل من الشباك!
نعترف بأن النسان غير كامل ،ويحيا
فى عالم يسوده التناقض ،إذن إلى البد
ستظل الحياة مسرحا ً لهذا التعارض الليم
بين :الخير والشر ،النجاح والفشل،
الصواب والخطأ..
أما إذا حاول البشر أن يسيروا على
وتيرة واحدة أو نظام ثابت ،لموضع فيه
84
للتناقض أو الثنائية ،لو حدث هذا لتحولت
سيمفونية الحياة إلى نشاز مكروه،
وهل يمكن للسيمفونية أن تتألف من
نغمة واحدة ،وهى التى تعتمد فى إتساقها
على تنوع النغمات! إذن لبد للذات من
أن تتألم ،سواء من ذاتها أو من الخرين،
فالنسان يولد ويموت بمفرده ،ولكنه عبر
رحلة الحياة ل يحيا إل مع الخرين ،لنه ل
يستطيع أن يكفى ذاته بذاته! وهو عندما
يحتك بغيره يتحدد سلوكه ،وتتكشف
نفسه ،وتتحقق رغباته ،ويتقبل اللم وذلك
عندما تصطدم ذاته بذوات الخرين
ويبقى السؤال:
مممم مممم ممممم ممممم ممممم
م
أعتقد أنها تنسحب من المجتمع ولو
قليل ً ،وذلك لكى تحيا فى عزلة مؤقتة،
وهذا هو الفرق بين اللذة واللم !
85
44
- -
فالنسان غالبا ً ما يقابل اللذة بـ " نعم"
واللم بـ " ل ".
وهو حينما يستشعر اللذة يستسلم لهذا
الشعور ،حتى إنه يكاد أن ينسى نفسه،
وتسود علقاته المحبة وهكذا يخرج من
قوقعة الذات الصلبة ،لكى يشارك
الخرين أفراحهم وأحزانهم ...فى حين أنه
عندما يتألم ،فسرعان ما ينطوى على
ذاته ،ويفقد شهيته للكلم ،وتقل قابليته
للتعامل مع الناس ،ومن هنا ذهب البعض
إلى القول :بأن اللم وحده هو الذى يتيح
لنا الفرصة ،لن نعانى تجربة الوحدة !!
والحق إن من سمات الرجل النفسية،
النسحاب إلى كهف ذهنه ،عندما
تقسو عليه الحياة بتجاربها ،ففى هذا
الكهف الصغير ،يركز كل اهتمامه عسى
ل ،ويتجه بكل أفكاره نحو أن يجد ح ً
النيران التى تشتعل فى أعماقه ،وهكذا
نرى أن اللم وإن كان يكوى النسان ،إل
أنه ُيعطيه الفرصة ،ليجلس مع ذاته
86
ويحاسبها ،فهل لنا أن نقول :إن اللم
أداة تطهير.
ُترى ماذا يفعل الله عندما يريد أن
يوثق علقته بإنسان ؟ يستدعى الهم ،أو
بلغة الرهبان " الضجر" ليلحقه ،كالظل
ل يفارقه! وهكذا ينمو النسان روحيا ً
ة! وليس بغريب أن وتنتعش حياته الباطني
يشعر النسان بالوحدة ،وأنه منفصل عن
الكون فى الوقت الذى يكون فيه حيا ً
وسط الخرين ،والسبب :هو اللم الذى
من شأنه أن يرد الذات إلى نفسها،
وأن يدفع بها إلى مراقبة نفسها!
ل ننكر أن النسان ،كل إنسان ،يتمنى
أن تربطه بالناس علقات حميمة ،يسودها
الود والمحبة والفرح والسلم ،ولكنه على
غيرالمتوقع يتلقى ضربات عنيفة فما هى
إل طرفة عين حتى تراه انسحب من
العالم ،إلى كهفه لن من شأن اللم أن
ُيشعر النسان بحدوده ويحصره داخل هذا
الحدود ! ومن الملحظ أيضا ً إن النسان
87
عندما يتألم ،ل يرى من الحياة سـوى
آلمه وكيفية علجها ،والتخفيف من
حدتها..
ِ
كما يشعر بأن ألمه فريد فى نوعه،
وكثير ما يردد المتألم عبارات مشهورة
مثلُ :أتركونى وحدى ،دعونى وشأنى..
وهى بمثابة صرخات تنبعث من نفس
حزينة وحيدة ،تشعر بأنها فى جانب
والعالم كله فى جانب آخر!
وليس النسان وحده هو الذى ينزع إلى
الوحدة عندما يتألم ،فالحيوان هو أيضا
يقترب من كل شئ ،يجلب له اللذة ويبتعد
عن كل ما يسبب له اللم! ولكن العزلة
بالنسبة للنسان تقوده إلى حياة باطنية
خصبة ،إذ تجعله ُيعيد حساباته من جديد،
وُيقّيم سلوكياته ،ويعرف أصدقائه من
أعدائه ،والذين يحبونه من الذين
يكرهونه..
إذن لول اللم ما غاص النسان فى
أعماقه ،ولمس قاع بؤسه ،وفتح باستمرار
88
حساب جديد فى سجل الحياة ! والواقع
أن النسان عندما يكون وسط الجماعة،
فإنه يتوهم أنه هو كل شئ والعالم ل
يسير من غيره ! بينما فى أوقات كثيرة
يكون قد اكتفى بالستسلم للمجتمع،
فحمله تيار الحياة الجماعية فوق أمواجه
الصاخبة العاتية.
أما فى لحظات الوحدة ،فإن مجرد
التحرر من عادات المجتمع ونداءاته..
سرعان ما يجعل النسان يرتد إلى ذاته،
ليرى مواهبه ويتعرف على قدراته ،ويحل
مشاكله ويسعى لتحقيق آماله ..فهل لنا
أن نقول :إن قيمة كل فرد إنما ُتقاس
بمدى قدرته على الختلء بنفسه ،ولهذا
يقول أحد الفلسفة :إن قوتنا
وسعادتنا وثروتنا تنبعث جميعا ً من
الوحدة !
ولكننا نعترف بأن هناك حالت
مرضية ،تدفع بالنسان إلى كهفه ،ل
مى ذاته بل ليزيدها قفرا ً وقلقا ًلين ّ
89
64
- -
وشكوكًا ..مثل هذا ل يتأثر بأحد ،ول يرى
حب سوى نفسه منظر غير منظره ،ول ي ُ ِ
ويناجيها بطريقة خاطئة ،وإذا نزل إلى
أعماقه السحيقة ،يعانق موضوعا ً ل سبيل
له إلى امتلكـه ،ويعشـق شبحا ً هيهات أن
يقبـض عليه بيده !
ولعل هذا هو السبب ،الذى جعل
كثيرون يعتزون بآلمهم ،لنهم يشعرون
فى قرارة نفوسهم ،بأن اللم التى عانوها
ونت شخصيتهم، هى التى أثقلتهم وك ّ
ً
وأعطتهم خبرات ما كان ممكنا أن
يتعلموها إل فى مدرسة اللم ! فهل لنا
أن نقول :إن اللم ثروة باطنية! نعم،
ويستطيع كل إنسان أن يدخرها
للمستقبل ،ويتسلح بها ضد هجمات الحياة
!
إن اللم مثل اللذة أداة فعالة من
أدوات المحافظة على بقاء
النسان! صحيح أن اللم من طبيعته أن
يكون جارحًا ،ولكن الجراح التى يسببها
90
هى فى حد ذاتها علمات على طريق
الشفاء! ُترى ماذا يحدث لو لم يتألم طفل
عندما يضع يده فى النار؟ هل يمكن أن
نعيش لو لم نشعر بألم الجوع ؟
إذن فاللم أداة تطهير ُتطيل
عمرالنسان نسبيًا ،وعصا تأديب تجعله
يعرف إمكاناته ول يتعدى حدوده وربما
يكون أصعب مرضُ ،تصاب به النفس
المؤمنة هو أن تصبح غير قادرة على
احتمال اللم! وهكذا يبقى اللم بمثابة
الجاذبية ،التى تجذب الطائر البشرى إلى
حظيرته الرضية لئل يتكبر!!
والحق إن اللم يسير جنبا ً إلى جنب مع
التقدم والرقى ،فما من شئ عظيم تحقق
فى هذه الحياة بدون ألم ،وقد نكون على
صواب إن قلنا :إن البشرية ل تصل إلى
الرقى ،إل إذا اجتازت أقسى التجارب
وأشد المحن ! وهل ننكر أن مجد قيامة
المسيح انبثق من ظلمة القبر! ومن
الملحظ أن اللم ل يسمو بالذات ،بل
91
84
- -
ويزيد من إحساس النسان بالسعادة
أيضًا ،لن المواقف المؤلمة ُتكسب
النسان إرهافا ً وحسًا ،يجعلن النسان
كائنا ً حساسا ً ،يتمتع بقدرة أعظم على
تذوق السعادة ! فالذات التى انصهرت
فى بوتقة اللم ل تعود تجزع لتفه
السباب ،أو تقلق لصغر الحداث...
92
الفصل الثامن
حيل الـذات الدفاعية
فى مواقف كثيرة ،يعجز النسان عن
حل مشاكله فى صراحة واقتدار ،فماذا
يفعل ليتجنب القلق ويحفظ للذات
كرامتها ؟ يرتدى القنعة ويبنى
السياجات ،لتكون بمثابة وسائل دفاع
يخفى بها حقيقة مؤلمة ،أو يغطى أمرا ً ما
يحسبه نقصا ً أو ضعفا ً فيه! ولكن كما قال
أحد الفلسـفة " :حذار أن تبنى حائطا ً من
حولك قبل أن تعرف ما ستبقيه داخل
الحائط وما ستطرحه إلى الخارج " .
نعترف بأن كل المناورات التى نلجأ
إليها لكى نخفى بها ذواتنا هى أشبه
بالدرع الواقى ،ويبقى السؤال :لماذا
ممت ص ّالدروع النفسية ؟ أعتقد أنها ُ
لكى تحمينا من الجراح البشرية،
وتساعد الذات على إحراز بعض
93
النتصارات ،إل ّ أنها صغيرة ومؤقتة،
وتقف حجر عثرة فى طريق نمونا
النفسى ،وتجعلنا ل نعرف ذواتنا على
حقيقتها ،وتعوق علقتنا بالخرين ..إذن
فالنتصار سرعان ما يتحول إلى هزيمة،
وذلك عندما ُينزع القناع المزيف الذى
نرتديه من على وجوهنا ،ويتأكد الجميع أن
هذا الوجه القبيح هو وجهنا!
قد تبدو الحياة وراء القنعة أقل خطرًا،
ولكنها تبقى فى نفس الوقت مليئة
بالوحدة واللم ،وهل ننكر أن القنعة
تقطعنا عن كل ما هو صـادق وحقيقى فى
العالم من حولنا! ويبقى السؤال :كيف
ننمو ونحن بعيدين عن ذواتنا
ونكذب على أنفسنا بأنفسنا؟! إنها
أشبه بحالة ممثل يمثل دورا ً على خشبة
المسرح ،فما أن ُيسدل الستار ،حتى يجد
نفسه كما كان قبل أن ُيرفع الستار!
ويسعى النسان جاهدا ً لينزع القنعة
من على وجوه البشر ،ولكنه ل يدرى أن
94
هؤلء الضعفاء ارتدوا القنعة لحماية
أنفسهم ،ولهذا فإن القنعة ستظل طالما
النسان فى حاجة إليها ،فالقناع أشبه
بحائط يواجه حائطا ً آخر ،وإن كنا
نكره قناع الدجال ونرفض قناع المتكبر..
إل ّ أننا يجب أن نعرف أن فى الجذور
الخفية لهذه القنعة ،صرخات ألم تقلق
صاحبها.
والن نستعرض بعض الحيل
الدفاعية:
مممممممم
قد يشعر طفل بميول عدوانية تجاه
أسرته أو أقاربه !..ولكن قدراته ل تسمح
له بالتعبير عن هذه الميول فماذا يفعل ؟
يحطم كل ما يقع فى متناول يده ،وهو
بذلك يستبدل هدف العدائية
الحقيقى وهو معاقبة أهله ،بهدف
آخر وهو تحطيم الشياء ! وهكذا
الزوج الذى يغضب من زوجته فيتحول
95
غضبه إلى ضرب أولده ،أو معاقبة
مرؤوسيه ،أو المشاجرة مع الجيران ..
إن البدال فى أبسط معانيه :هو
محاولة نفسية ،يسعى النسان من خللها،
إلى تغطية واقع غير مريح فى
حياته ،ولنه ل يستطيع القرار به ،فهو
لذلك يكبته ويشدد على شئ آخر غير
مربك له..
يقر بالخوف من أمر تافه أو بسيط ،
لكى يغطى خوفا ً أكبر ليمكنه القرار به!
فقد يتفوق إنسان فى دراسته فى الوقت
الذى أتعثر فيه بسبب كسلى ،الوضع
السوى العمل بالية الذهبية " جدوا
للمواهب الحسنى " )1كو،(31 : 12
لكنى تركت سلبياتى ،وأخذت ُأنمى
الحسد أو الغيرة فى قلبى ،ولنى ل
أستطيع القرار بهذا الشعور السلبى ،لهذا
دعى أن صوت المتفوق يزعجنى السبب أ ّ
وُأركز على ذلك ،والحقيقة المـرة هى:
96
05
- -
إننى ل أريد أن أراك ،لن وجودك يعلن
فشلى ،وُيظهر ضعفى ،ولهذا أسعى
جاهدا ً لكى ُأبعـدك عنى ،مختلقا ً حجة
بعيدة كل البعد عن الحقيقة !
هناك خرافة طريفة تقول :إن ثعلبا ً
عجز عن الوصول إلى العنب فرماه بأنه
عنب حامض! فالثعلب هنا ل يرضيه أن
يعترف بعجزه ،عن الوصول إلى العنب،
فيخدع نفسه بأنه حامض ل ينبغى أن
يتعب فى سبيل الحصول عليه ،وهو بذلك
يستبقى ثقته بنفسه واحترامه لذاته!
ممممممم
هناك قصة رهبانية تحكى عن ثلثة
رهبان خرجوا عند الغروب معًا ،وبينما هم
يتحدثون إذا براهب خارجا ً من الدير
وحده ،فاتهمه الول بأنه ذاهب إلى
ل! والثانى قال :إنه المدينة ليجمع ما ً
ذاهب ليسقط فى الزنى! أما الثالث
ل :طوباك يا أخى لنك خرجت فامتدحه قائ ً
97
فى هذه الساعة لتناجى الله وتتأمل
غروب الحياة الفانية ..فالول كان محبا ً
للمال ،والثانى معذبا ً من شهوته ،أما
الثالث فكان نقى القلب ولهذا امتدحه !
هذا هو السقاط فى أبسط معانيه:
ضعفات داخل النسان ل يريد أن
يعترف بها فهو يخفيها ،ولنها
تقلقه فهو يسقطها على غيره.
ومن أمثلة الحيل السقاطية :اللص
الذى يتهم الجميع بالسرقة ،ولو سألته هل
ط جوابا ً !والدك يسرق لرتبك ولم يُع ِ
والشخص الذى يكره الخرين يشكو من
عدم محبة الناس له ! وقد تسمع إنسانا ً
ينتقد البخل بشدة ويشكو من انتشاره بين
الناس ،ولو تأملت سلوكه فى التعاملت،
لوجدت أنه يعانى من هذا المرض
الخبيث!
والحق إن السقاط وباء نفسى ،وما
أكثر نتائجه الجتماعية السيئة ،فالسقاط
يجعلنا نتهم الخرين بما فينا من نقائص
98
وعيوب ،ونحن بهذا نشوه سمعتهم
وندمر بيوتهم ..أتعرفون ما هو الموت
الدبى!
كما أن السقاط يجعلنا نعاقب غيرنا
بشدة على أتفه السباب! فالمدرس
الكسول ل يغفر لتلميذه كسلهم،
والقاضى الذى يحمل فى أعماقه ميول
إجرامية ،يسرف فى قسوته على
المجرمين ،والمغرور أو النانى أو
الغيور ...يستنكر هذه الصفات فى
الخرين ،لنها لصقة به وهو ل يريد أن
يعترف بها لنفسه!
مممممم
ويعد التقمص من أبرز الحيل الدفاعية
التى تلجأ إليها الذات ،عندما تريد أن
حدة التوتر النفسى وإشباع جوانب تخفف ِ
النقص فيها ،وذلك بإندماج الفرد فى
شخص آخر يكون قد نجح فى تحقيق
الهداف التى فشل هو فى تحقيقها..
99
25
- -
إذن فى التقمص يتخد الفرد لنفسه بعض
الصفات الحسنة الموجودة فى غيره ،وهو
بذلك يكون عكس السقاط ،الذى فيه
ينسب الشخص صفاته القبيحة إلى غيره.
والقرب إلى التقمص هو التقليد،
الذى يتخذ من سلوك الخرين نموذجا ً
ُيحتذى به ،وغالبا ً ما يكون الحب أقوى
الدوافع التى تؤدى إلى التقمص ،فأنت ل
حبه !
تتقمص إل شخصية من ت ُ ِ
ً
وقد يكون التقمص مفيدا حينما يؤدى
إلى نمو الفرد وتكامل شخصيته ،ولكنه
فى بعض الحالت يكون ضارا ً ،وقد
يتسبب فى هلك النسان وضياعه،
وذلك عندما يترتب عليه توقف نمو
الشخصية ،كالطفل الذى مات أبوه،
فاهتمت أمه بتربيته فأحبها وارتبط بها،
وتقمص شخصيتها ،فكانت النتيجة
المفزعة :إنه اكتسب صفاتها
النثوية !
100
والتقمص ل يقتصر علــى النــدماج فــى
شخصـــــــيات البطـــــــال والزعمـــــــاء
والمشــهورين ..كتقمــص الطفــل شخصــية
والــده إشــباعا ً لــدوافع الســيطرة عنــده،
وتقمص التلميــذ شخصـية أسـتاذه إشـباعا ً
لدوافع الشهرة ،أو تقمــص فتــاة محرومــة
شخصية ممثلة مشهورة..
ً
بل يمتد التقمــص -أحيانـا -إلــى تقمــص
شخصــيات ضــعيفة ،وذلــك إذا كــان الفــرد
يريــد معاقبــة ذاتــه نتيجــة لشــعور دفيــن
بالــذنب فــى أعمــاقه! هنــا يظهــر الجــانب
الســلبى فــى التقمــص! وإن كــان هــذا
يحدث نادرًا!
ممممم مممممم
وهى حيلة من حيل الذات الدفاعية،
نلجأ إليها عندما نعجز عن تحقيق رغباتنا
فى عالم الواقع ،وهذا العجز يدفعنا
للتخيل الوهمى لتحقيق هذه الرغبات،
وبهذا نهرب من واقع الحياة بكل مشاكله.
101
وتحدث أحلم اليقظة فى كافة مراحل
العمر ،ولكنها تزداد خلل الطفولة
والمراهقة ،لتقوم بدور كبير فى إشباع
الرغبات المكبوتة ،حيث يبنى الفرد
قصورفى الهواء ،ويضع خططا ً للمستقبل
الذى ينشده ويعجزعن بلوغه فنرى
الضعيف يحلم بالقوة ،والفقير بالغنى..
وقد يرى الحالم نفسه بطل ً لقصة ألفها
ووضع حوارها وأحداثها!..
يرى البعــض أن أحلم اليقظــة ل ضــرر
منها طالمــا كـانت بمقــدار ،وهـل ننكــر أن
اختراعات كثيرة كانت تبدو مستحيلة خلل
أحلم اليقظـــة! ولكـــن الحلـــم قـــد صــار
حقيقــة ،إذ دفعــت أحلم اليقظــة أصــحابها
إلى البحث والكفاح!
102
الفصل التاسع
إنطــلق الـــذات
لكى تنطلق الذات لبد أن تتحرر من
كل عبودية ،سواء كانت هذه العبودية
مصدرها الطبيعة ،أم تقاليد المجتمع ،أم
استبداد البشر ..لنها بذلك تستطيع أن
تسمو وتعلو على ضعفاتها ،فالعصفور وإن
عاش فى قفص ذهبى فهو محبوس.
قديما ً كان لدى الفلسفة ما ُيعرف
بالتصوف الخلقى ،إذ كانوا يعتقدون
أن كمال النسان ل يتحقق ،إل ّ عندما
يصل إلى الحرية الباطنية ،التى تقوم على
اللمباله إزاء أى متعة -فردية كانت أم
جماعية -لن هذا يتيح للنسان أل يتأثر
بظروف العالم الخارجى المتقلبة ،ول
يجعله عبدا ً لغيره ،أو لعادة ذميمة تتسلط
عليه.
103
45
- -
وقد مارس الفلسفة القدامى ،هذا
النوع من التقشف الخلقى ،ومعلموا
الداب جعلوه محور تعليمهم ! وقد كان
مجمل تعاليمهم فيما دعوه بالختام الثلثة
وهى :ختم الفم ضد الطعام والشراب،
وختم الجسد ضد الرفاهية ،وختم
الحشا ضد العلقات الجنسية.
هناك ثلثة أشياء تجذب إليها الذات
وتأسرها أل وهى :حب المال ،الشهرة،
المرأة ،وكلها تعوق إنطلقها ،والواقع أن
النسان كثيرا ً ما يتحرر من سائر القيود
المنظورة ،لكى يعود فيجد نفسه أسيرا ً
ل ،أل وهى: يرزح تحت نير عبودية أشد هو ً
مممممم ممممممم مممممممم
ممممممم.
والحق إن عدونا الشد والقوى هو
الشهوة ،لن أى عدو مهما كانت قوته
يمكنك أن تصالحه فى يوم ما ،وقد تصيرا
104
أصدقاء مع اليام ،وهكذا تتحول العداوة
التى بينكما إلى محبة..
أما الشهوة فإن بدت بمظهر الصديق
فهذا إنما هو ثوب الرياء! فإن وضعت
العسل على فمك ،فثق أنه ممزوج
بالسموم ! ولهذا كثيرا ً ما نشبه الشهوة
س ل يشفق ول يرحم ،إذا انتصر بعدو قا ٍ
ووقعت تحت أسره فسرعان ما يقيدك،
وإذا أردت أن تهرب منه سيلحقك
بسلطانه وإغراءاته ،ألم يقل الحكيم "
الشرير تأخذه آثامه وبحبال خطيته " )أم
!(2 :5
إذا رب ُــط العصــفور ســيظل فــى القــاع
مقيدًا ،ل يقوى على الطيران ،ولكى يطير
عليه أول ً أن يحل قيوده ،وهكــذا النســان،
لكى يحلــق فــى الســمائيات ويقــترب مــن
عرش الله ،لبــد أول ً أن يتحــرر مــن قيــود
الخطية ،ول ينجذب بسحر الشهوة وبريــق
ولمعان اللذة.
105
أما المرحلة الثانية من مراحل تحرر
الذات ،فهى البحث عن الفضائل
والسعى إلى تحقيقها ،وهكذا
تستخرج الذات من ماضيها ،ما ينطوى
عليه من جمال لكى تحقق فى مستقبلها
ما تنزع إليه من غايات ،ولكن لكى يصل
النسان إلى حياة الفضيلة والتقوى ..لبد
أن يحيا ويعمل بوصايا الله ؟!
أما الوصايا وكل التعاليم اللهية ،فلم
يعطها الله إل لراحتنا ،ولم يطلب منا أن
نسلك بالبر والتعقل ،إل لكى تهدأ نفوسنا
وتستقر أرواحنا ،ماذا يجنى النسان بعيدا ً
عن الله ؟ أعتقد أن الخوف والحزن
واللم هى ثمار تلك الحياة المبتذلة التى
يحياها النسان خارج دائرة الله ،فما من
إنسان عاش كحيوان جائع إل وصار إنسانا ً
متوجع !
والواقع أن كل المحاولت ،التي يبذلها
النسان من أجل الوصول إلى تحقيق
شهواته ،ما هى إل محاولت فاشلة تباعد
106
بينه وبين حالة الكتفاء الذاتي ،فلبد
للنسان من الله ،فهو الوحيد الذي
يستطيع أن يمل قلبه ويشبع جوعه ،ومهما
حاول النسان أن يشبع من العالم ،فإنه
لن يقدر أن يشبع ،ذلك لن رغباته ل ُتحد
ول ُتسد ،ولعل هذا هو السبب في أن
الملل كثيرا ً ما يستبد بنا ،حينما نتبين أننا
ل يمكن أن نشبع رغباتنا التي ل حصر
لها !
يجب أن نعترف بأن النسان مهما
تمرغ في حياة المتعة ،متأثرا ً بروح الغواية
الشريرة ،فإنه سرعان ما يتحقق من أنه
لن يستطع أن يظفر بما يرغبه ،مادام
الذي يشتهيه غير دائم ولن يستمر سوى
تلك اللحظة العابرة ،التي أستمتع فيها
بالنشوة ،فمن طبيعة الشهوات أو عالم
الماديات عامة أنه ل ُيشبع جوع النسان،
ول يحقق له ما ينشده ،خاصة وإن كان
ينشد السعادة ،وهذا ما كان يقصده أحد
الفلسفة حينما كتب يقول " :إن ما
تنشده النفس ل يمكن أن يكون مجرد
107
43
- -
شئ ،لن الشياء ل تهمها ول تقوى على
إشباعها ".
فالنسان ل يريد إل ذاتا ً أخرى يتلقى
معها ويرتبط بها ،وهل هناك أعظم من
الذات اللهية ،تفّرح قلب النسان وتهبه
سلما ً وعزاء عندما يتقابل معها ،سواء
في صلة أو تأمل أو !..فإذا ظل النسان
يتعلق بطائفة من الشياء أو الشهوات أو
الموضوعات العالمية فإنه لن يستطيع أن
يتخطى مرحلة " التمركز الذاتي" وكل
من يتمركز حول ذاته ،ل يمكن له أن
يلتقي مع الله أو الناس!
إن النسان كالسابح ،الذي ل يستطيع
أن يظل مكانه ،وإل سقط في أعماق
البحر ،أو كراكب الدراجة الذي لبد من
أن يسقط ،لو أنه لم يتحرك إلى المام!
فلبد أن يعلو النسان ويقترب من الله،
فالوجود البشرى ليس هو انتقال ً من
الحيوانية إلى النسانية ،بل هو
أيضا ً انتقال من النسانية إلى الله،
108
فلبد أن يقترب النسان من الله وإل
لحقت به لعنة الله !
لقد خلق الله النسان وكونه ،بحيث أنه
ل يقدرأن يعيش بدونه ،ول يمكن أن
تكفيه الممتلكات المادية وحدها،
فالسباحة في الفضاء ،والهبوط على
سطح القمر ،والوصول إلى أعماق
المحيط مهما كان فيها من نشوة وإثارة،
إل أنها ل يمكن إن ُتشبع جوع النسان
الداخلي ..والحصول على مركز مرموق،
والسكن في فيل فاخرة ،ومشاهدة
البرامج المسلية ،ليست هي الحل
لمشاكلنا ،فلبد للنسان من الله.
ضع فى اعتبارك أن الذات ،لبد لها من
أن تتجه نحو هدف ما ،فلو أدركت أن
كمالك البشرى ل يتحقق إل إذا اقتربت
من الله ،فأنت بذلك تكون قد عدت
بالذات إلى أصلها ! لكن الذات ترتكز
على الخوف والقلق والشك ..وتميل إلى
الراحة واللذة ..وهى بهذا تكون سيدا ً سيئا ً
109
وقائدا ً مدمرًا ،والفضل أن تتحول إلى
خادما ً مطيعًا ،وهذا لن يتحقق إل إذا
ارتبطت بالله ،لكى يرشدها إلى طريق
الحياة.
نعــترف بــأن القلــب ل يمكــن أن يظــل
فارغًا ،فإن تضــخمت الــذات تربعــت علــى
عــرش القلــب ،أمــا إذا ملت قلبــك بحــب
حــدةاللــه ففــى الحــال ســوف تضــعف ِ
قوتهــا ! ويبقــى السـؤال :لمــاذا ل ُنحــب
اللــه ونرتــاح مــن عنــاء الــذات ؟ الجابة
ترجــع إلــى الــذات ،فهــى تســعى جاهــدة
لتعترض طريقك لكــى تكــون هــى الســيد!
إذن يجب أن تترك الذات قائمة العــرش ،
وتنزل إلى جناح الخدم فهذا أنسب مكــان
لها !
أمــا المرحلــة الثالثــة فهــى مرحلــة
الستمتاع والفــرح ،لن تحررالنســان مــن
كــل مــا يســتعبده ،والســير فــى طريــق
الفضيلة والعمل بوصايا اللـه ،عوامــل مــن
شــأنها أن تقــود الــذات المنتصــرة إلــى
110
مرحلـــة الخصـــب والمتلء ،فتصـــل إلـــى
السعادة التى تنشــدها ! والحــق إن جــوهر
مشكلة الذات تكمن فــى تعامــل النســان
معها على أنها غاية ،ولــو نظــر إليهــا علــى
أنها وســيلة تــؤدى إلــى غايــة لســتطاع أن
يحررها! ُترى ما هى تلك الغاية ؟
أعتقد أن رب المجــد يســوع ،قــد وضــع
النســـان علـــى ســـلم الكمـــال والفـــرح
حب الــرب والسلم ،وذلك عندما قال " :ت ُ ِ
إلهك من كل قلبك ومن كل نفســك ومــن
كل فكرك ومن كل قدرتك " ) مر 3 : 12
( لن هذا ل يجعل النســان يتمركــز حــول
ذاتــه ،الــذى يــؤدى إلــى الســتعباد ويــدعم
النانية.
أعطى الله إبراهيم ابن فــى شــيخوخته
محرقــة دمه ُ ثم طلب منه بعد ذلــك أن ُيق ـ ّ
)تك (2 : 22فما هذا التناقض ؟! لقد رأى
الله أن إبراهيم يركز علــى إســحق كغايــة،
ولهــذا أراد أن ُيعلــن لــه أن إســحق ليــس
سوى وسيلة ،إنه البذرة الــتى مــن خللهــا
111
سوف يأتى المســيح فلمــا أطــاع إبراهيــم
وتحرر من مشاعره الذاتية ..استرجع اللــه
إسحق من الموات ،وتمتع به إبراهيم إلى
يوم مماته! ألم يقل السيد المسيح " :مــن
أراد أن ُيخل ّــص نفســه ُيهلكهــا ومــن ُيهلــك
نفسه مــن أجلــى يجــدها" )مــت ،24 :16
.(25
ً
هذا هو هدف اللــه فينــا جميعـا :التحـرر
مــن حــب الــذات كهــدف أو كغايــة ،حــتى
نستطيع أن نحبهــا بحريــة ،كوســيلة يمكــن
أن يتحقــق مــن خللهــا أعظــم غايــة فــى
الوجود ،أل وهى حب الله.
ممممم مم ممممم مممم مممم مممم
ممممم
مممم مممم مممم ممممم ممممممم
ممم مممم !
112
الفصل العاشر
تحقيــق الــذات
إن فى أعماق كل منا " كائنا ً جديدا ً "
يبذل جهدا ً شاقا ً فى سبيل الخروج إلى
عالم النور والحرية ،وكأنه وردة جميلة
تريد أن تخرج من كمها حتى تتفتح وينتشر
فى الفضاء أريجها ،وليس تحقيق الذات
سوى تلك الولدة ،التى تسمح للكائن
الجديد بتحطيم شرنقته ،من أجل
النطلق ،كالفراشة التى تخرج من
شرنقتها لتطير فيرى الناس جمال
ألوانها !
ممم ممممممم مم ممممم
ممممم
ولكننا ل نحقق ذواتنا بذواتنا ولذواتنا
فقط ،بل بغيرنا ولغيرنا أيضًا! إذن ل يمكن
للذات أن تتحقق ،إل إذا سلمت بدور
113
85
- -
الخرين الذين سيتجدد وجودها بهم،
ولعل هذا هو ما عبر عنه أحد الفلسفة
حينما كتب يقول " :إن الغاية الوحيدة
للذات هى تحقيق الذات ،ولكن الطريق
المؤدى لهذا لبد أن يدور حول العالم
وبالتالى فهو لبد أن يمر بالخرين ".
إن كلمة إنسان مشتقة من " يأنس "
وهى تعنى الستئناس أو التآلف ،فالنسان
كائن اجتماعى ،من طبيعته أن يأنس إلى
غيره ،أما العزلة فهى من سمات
الوحوش وهى تعنى للنسان الموت ل
الحياة ،لنها تجعله عاجزا ً عن تحقيق
ميوله ..فل عجب إن قلنا :إن الوحدة ل
تصلح إل لكائن متوحش.
إذن فالذات فى حاجة دائمة أن تجد
نفسها بين الناس ،لن حريتها تريد
دائما ً أن تعبر عن نفسها فى
الخارج ،لكى تسجل نفسها ،ميولها
ورغباتها وأفكارها ..فى عالم الخرين..
والقول بأن الذات حرة يعنى أنها ل تكف
114
عن تجديد نفسها لذاتها وللخرين أيضًا،
وحينما تتجلى الذات فى الخارج فإنها
تتصل إتصال ً مباشرا ً بالواقع ،وتقبل منه
التحديات والمواقف التى تثقلها .
والحق إن النسان ل يحيــا فــى جزيــرة
منفردا ً بــذاته ،وإل أصــابه الملــل والــذبول
وصار نسيا ً منسيًا ،بل يحيا فى عالم ملــئ
ل فى حاجـة إلـى الخـر ،وهكـذا بالبشر ،ك ٍٍ
تظل حياة البشــر علقــة مزدوجــة قوامهــا
الخذ والعطاء ،والتأثير والتأثر ،وهــل ننكــر
أن الحديث العذب المشجع ،واللقاء الحــى
المثمر ..وسائل من شأنها تنشيط فاعليتنا
وإيقــاظ همتنــا ..فتتفتــح أمامنــا البــواب
المغلقة وننــدفع بقــوة إلــى تحقيــق ذواتنــا
وتأدية رسالتنا !
إذن ليس الخرون مجرد صور
نتأملها ،بل هم وسائل فعالة لتحقيق
رغباتنا ،ولو تطلعنا إلى العظماء لوجدنا أن
هناك شخصيات خفية لعبت الدورالعظم
فى حياتهم ،أتعرفون معجزة الرادة "
115
هيلين كيلر" ! إن كل من يقرأ سيرتها،
يدرك أنها ما كان ممكنا ً أن تصل إلى هذا
النبوغ بدون معلمتها " آن " !
هنا يتخذ تحقيق الذات طابعا ً روحيا ً
ساميًا ،فتعمل كل ذات على رعاية الذات
لخرى ،وتأخذ على عاتقها مسئولية ا ُ
وجودها ،ولكن هذه المسئولية ل تتوقف
عند الهتمام الجسدى بالخر فقط ،بل
هى تمتد إلى نموه الروحى
والنفسى ...إنه إهتمام بسائر قواه
النسانية.
لكننا نعترف بأن حياة البشر ليست
فردوسا ً جميل ً ،خاليا ً من كل شر ،بل هى
صراعا ً قد يصل إلى الحرب ،فهل لنا أن
نقول إن تحقيق الذات دراما أليمة ل
تخلو من قلق وجهاد ..وهذا إنما يرجع
إلى أهمية تحقيق الذات وأثرها على
النسان.
إذن لبد أن يصطدم إتجاهك الخاص
فى الحياة ،وسعيك من أجل تحقيق ذاتك،
116
06
- -
باتجاهات غيرك من البشر ،وبالتالى يجب
عليك أن تتحمل آلم الخرين التى تأتى
عليك ! نستطيع أن نقول :إن تحقيق
الذات وإن كان ُيسعد النسان ،إل أنه يعد
دراما إجتماعية ،يعبر عنها التحدى
المستمر بين البشر.
ولكن هذه الدراما هى التى تثقل
النسان وتزيده خبرة ومن خللها نسعى
إلى التغيير ،وهل ننكر أن الصراع حليف
النمو والبتكار! إذن فالصراع من أجل
تحقيق الذات هو صراع بطولى ُيراد من
وراءه الفوز بشئ ما !
ممممم مممممم ممممم
لو تساءلنا عن السبب الذى من أجله
يتمسك كل منا بالحياة ،لوجدنا أن السر
فى ذلك يرجع إلى وجود رغبات كثيرة لم
يتم تحقيقها بعد ،وهل ننكر أن لكل إنسان
" مثل أعلى" يمثل له حلم المستقبل
الذى يتمنى أن يتحقق ! ولكن كيف يحقق
117
النسان ذاته ؟ لبد أول ً أن يعرف قدراته،
ثم يسعى إلى التحقيق بما يتناسب مع
ظروف الواقع ،وهكذا يظل النسان فى
تجديد دائم لذاته ،لنه ما أن يحقق شيئا ً،
فسرعان ما يتولد شيئا ً آخر يرغب فى
تحقيقه !
والحق إن العمل هو تعبير عن ارتباط
الذات بالكون ،إنه الداة التى تقذف بنا
إلى العالم الخارجى ،أو الجسرالذى تعبره
الذات لتصل إلى دنيا الناس ،وكأن من
شأن العمل أن ُيخرج النسان من ذاته
إلى عالم الخرين.
لكننا نخطى عندما نظن أن العمل
الذى يقوم به الفرد هو خاص به ،يهمه
وحده دون سواه ،فهل لنا أن نقـول :إن
كل عمل يجمع فى طياته الفردية
والعمومية معا ً ! لنه يخرج من الشخص
إلى الوسط المحيط به ،فُيحدث تأثيره
فى الخرين ..إذن ل يستطيع أحد أن
يغسل يديه تماما ً من كل العمال التى
118
يقوم بها ،أو يمنع الخرين من التأثر
بأعماله لننا ما أن نعمل ،فسرعان ما
يتحول عملنا إلى رسالة ،لبد أن تجد من
يقرأها ويتأثر بها !
قد نكون على صواب إن قلنا :إن
النسان ل يوجد إل ّ بقدر ما يعمل،
فمن خلل أعماله يؤكد أنه جزء ل يتجزء
من الوجود ،كما أنه بالعمل يحقق ذاته
ويربطها بذوات الخرين ،وهل ننكر أن
العمل يدعم القيم النسانية ويوقظها من
سباتها ،عندما يجسم المثل العليا فى
الوسط الجتماعى ،أليس العمل قانون
إلهى ،ألم يقل معلمنا بولس الرسـول
"من ل يعمل ل يأكل أيضا ً " ! لكن العمل
لكى يتحقق لبد للنسان من قوة
جسمانية ،ويبقى السؤال الحائر :ماذا
نفعل عندما نمرض أو نشيخ ؟ لهذا نرى
أن القوة الجسدية ليست كافية
وحدها لتعزية النسان وهكذا العمل
الجسدانى ،إذن تحتاج القوة الجسدية
119
إلى قوة روحية تساندها ،ألم يقع جليات
الجبار صريعا ً أمام ذكاء الفتى داود ! كما
أن شمشون الجبار ضعف أمام فتنة دليلة
وحيلتها !
ممممم مممم ممم ممممم
ممممم
والحق إننا إذا كنا نخشى الموت ،فلنــه
هـــو الـــذى يضـــع حـــدا ً لتحقيـــق الـــذات،
فالنسان طالما كان على قيد الحياة ففى
وسعه كل يــوم أن يبــدأ حيــاة مــن جديــد..
وذلك بتعديل ماضــيه وتشــكيل مســتقبله..
وهكــذا تســتخرج الــذات مــن ماضــيها مــا
ينطوى عليه من إمكانات ،لكى تحقق فــى
مسـتقبلها مـاتنزع إليـه مـن غايـات ،وبيـن
تراث الماضى وأمل المستقبل تتحــدد نيــة
الــذات ..ومــن الملحــظ أن النســان قبــل
المــوت يصــدر حكمـا ً علــى حيــاته ،وهكــذا
يمــوت النســان راضــيا ً علــى نفســه أو
مباركا ً لحياته أو لعنا ً لها.
ساخطا ً عليهاُ ،
120
26
- -
إن المــوت طبــع بصــمته فــى الوجــود،
أعلن لنا أن حياتنــا مصــيرها الفنــاء ،إل ّ أن
بصــمته هــذه إعلن أننــا قــد بــدأنا الحيــاة،
واســترحنا مــن عنــاء وحــروب الشــهوات
فالنســان بمــوته ُيعلــن أنــه قــد تــم وقــف
إطلق النار ،وتم النتصار على مــا يحــارب
الذات من لذات !
121
ممممممم
-تقديم للستاذ الدكتور /ثروت
إسحق 5-
-المقدمة8---------------------
) الفصل الول (12----------------
ذاتى هى قدس أقداسى
) الفصل الثانى (19----------------
ما هى الذات ؟ طبيعتها
) الفصل الثالث ( 27---------------
تكوين الذات
) الفصل الرابع ( 38---------------
النسان ليس ذاتا ً مكشوفة
) الفصل الخامس ( 47--------------
الذات بين الحب والنانية
) الفصل السادس ( 60--------------
الشر وانقسام الذات
) الفصل السابع ( 65---------------
عندما تتألم الذات !
) الفصل الثامن ( 72---------------
حيل الذات الدفاعية
) الفصل التاسع ( 80---------------
انطلق الذات
) الفصل العاشر ( 88 --------------
تحقيق الذات
122
كتب صدرت
للمؤلف
2- 1-شوكة الخطية )طبعة رابعة(
الخر فى حياتى
4- 3-رسالة تعزية )طبعة ثانية(
عيد الميلد
5-عصر القلق )طبعة ثانية( 6-أسياد
وعبيد
8-عيد 7-ذخائر الظلم
القيامة)طبعة ثانية(
01- 9-اللذة الحقيقية)طبعة ثانية(
الشهوة )طبعة رابعة(
عادات شعبية
11-
أكل البيض والبصل والفسيخ فى شم
يطلب من :المكتبات المسيحية
النسيم ومن الستاذ /نصر أنور ت:
421386420
النسانالعاطفة)طبعة ثانية( 31-21-
المجروح
أزمة حب)طبعة
51- هكذا أحبنا
41-
ثانية(
71- -المدخل إلى الحياة الروحية
61
متألمون ولكن..
91يمكنك أن
- الشهوة والحب
81-
تقمع الشهوة
جذور
12- سلطان وسحر الشهوة
02-
الشهوة
32- طبعة ثانية(
22-رحلة اللم) 123
الثعالب الصغيرة
مظاهر
52- مشكلة الشر
42-
الشهوة فى حياتنا
ماضي الشهوة
72- الحب اللهى
62-
92- اللذة الوهمية ) طبعة ثانية(
82-
حوار عن الله
13عيد
– أين هو الطريق ؟
03-
مممممم
م
مممممم مممممم
ممممممم ممم مممم/
مممم مممم
أستاذ علم الجتماع بكلية
الداب جامعة عين شمس
ومعهد الدراسات القبطية
124
بببببب
ببببب ببببببب
125
اسم الكتاب :الذات
تأليف :الراهب كاراس المحرقى
مراجعة وتقديم :أ.د /ثروت إسحق
الجمع :أشرف فوزى
تصميم الغلف :الستاذ عادل لبيب
المطبعة :شركة الطباعة المصرية
6102095 - 6100589
رقم اليداع :
126