Professional Documents
Culture Documents
حرية الرأي
حرية الرأي
يستخدم المواطن العربي في كثير من األحيان مصطلحات رنانة حول كثير من المفاهيم المرتبطة بالحرية والديمقراطية،
ويذهب به الحال أحيانا أخرى إلى ممارستها بشكل خاطئ يسيء لها.
وهو في ذلك إما أن يكون معتمدا Eعلى فهم خاطئ لمحتواها ومعناها الحقيقيين أو متعمدا Eلمحاولة التعبير عن شيء في نفس
يعقوب.
وألننا تواقون الستنشاق نسيمها (أي الحرية والديمقراطية) نتيجة لمشاعرنا الجياشة المتراكمة في نفوسنا منذ عهد
االستعمار وما تاله من حقب القمع واالضطهاد واالنتهاك للحريات الشخصية للعباد في وطننا العربي فإننا نكون دائما
راغبين في التعبير عنها بشكل أو بآخر.
ومنذ بدأت دول الوطن العربي باالستقالل واحدة تلو األخرى ،وبدأ الكيان العربي يتشكل بهويته النابعة من إرث متوارث
من قيم العزة والكرامة والحرية التي حفل بقصصها تاريخنا العربي اإلسالمي ،أخذ شعورنا بالحرية يتأكد وأثار فينا ذلك
رغبة جامحة في التعبير عنها ،وهذا شعور طبيعي تلقائي تفرضه آدميتنا كبشر.
ومن هذه المقدمة أود أن أنتقل إلى طرح مفهوم محدد لحرية التعبير حتى نحسن استخدامها وال نظلم أنفسنا بعدم معرفة
مضمون وحدود حقنا فيه ،إن مصطلح "حرية التعبير" يشير إلى حرية الحديث دونما رقابة أو قيد من أحد على ذلك.
ويتسع أحيانا ليشمل كل األعمال المتعلقة بالبحث عن المعلومات واألفكار وتلقيها وتبادلها بغض النظر عن الوسيلة
المستخدمة في ممارسة هذه الحرية.
ومع ذلك ،فإن هذه الممارسة ال تمثل حقا مطلقا في معظم الدول واألعراف الدولية وإن تفاوت المدى الذي تأخذه هذه
الممارسة من دولة إلى أخرى وذلك حسب ما تفرضه العقائد الدينية Eوالثقافية والحضارية ،وروح القوانين الوضعية السائدة
فيها.
رقابة ذاتية "
حق التعبير ممارسة ال والحقيقة أن ما تفرضه هذه كلها من مستوى الرقابة الذاتية من جانب الفرد على مدى ممارسته لهذا
تمثل حقا مطلقا في الحق ،بحيث ال يؤدي ذلك إلى إلحاق الضرر المادي والنفسي لألفراد والجماعات األخرى في
معظم الدول واألعراف المجتمع.
الدولية وإن تفاوت
المدى الذي تأخذه هذه فعندما أبدت امرأة رأيها في مقام كان لسيدنا عمر بن الخطاب رضي هللا عنه موقفا معينا فيه ،قال
الممارسة من دولة إلى "لقد أخطأ عمر وأصابت امرأة".
أخرى
ولكن لم يكن في ما قالته المرأة ما يسيء لعمر ،كما لم يلحق األذى والضرر بالوطن والمواطن، "
وقد تأكد ذلك أيضا فيما قاله شخص آلخر ،إنني أختلف معك في رأيك ،ولكنني ال أكرهك.
وإذا كان التعبير عن الرأي يعكس حقا من حقوق اإلنسان بموجب المادة 19من اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان ،الذي
اعترف بحق الفرد في حمل اآلراء واألفكار التي يريدها دون تدخل من أحد ،وعدم التعرض لآلخرين باألذى والضر ،فإننا
يجب أن نفرق بين حرية التعبير وحرية التفكير حيث تحمل األخيرة مضمونا أشمل وأعمق ألنها تتعلق بما يعتنقه الفرد من
عقيدة أو مذهب.
ومن هنا فإن الفهم الخاطئ لمفهوم حق التعبير عن الرأي يقود إلى ممارسة خاطئة ومغايرة لذلك المفهوم.
ولهذا تجده في الدول الغربية يأخذ مفهومه الصحيح حيث يعرف األفراد معناه ويتقيدون بحدودهم في التعبير عنه
وممارسته ،كما نرى قوى األمن في تلك الدول تسير معهم وتنظم لهم مسيرتهم وتحافظ عليهم من أي سوء يلحق بهم وتوفر
لهم الظروف المناسبة لممارسة هذا الحق وليس التصدي والقمع.
أما الصورة المناظرة لذلك في وطننا العربي فإنها تقدم واقعا آخر في ممارسة حق التعبير عن الرأي في مشاهد مغايرة
تعكس عدم فهم الفرد لمفهوم حرية التعبير وحقه في ممارسته.
وهو ما يقود إلى نتائج غير مرغوب فيها ،وتضعنا في أوضاع نوصف فيها بأننا غير حضاريين وضد الحريات الشخصية،
نمارس العنف والقمع لتقييدها ومحاصرتها.
آراء بناءة "
إن كثيرا من جوانب والسؤال الذي يطرح نفسه اآلن هو هل جربنا ممارسة حقوقنا في التعبير عن آرائنا وأفكارنا
حياتنا االجتماعية بالشكل الذي ال يكون لمضامينها أو انعكاساتها ما يمس بمصلحة الوطن والمواطن؟
واالقتصادية والسياسية
تتطلب منا آراء بناءة أم أن حق التعبير عن الرأي ال يمارس إال إذا أردنا أن نقدح بحق فالن أو نشتمه؟ إن كثيرا من
حقا تسهم وال تهدم ،جوانب حياتنا االجتماعية واالقتصادية والسياسية تتطلب منا آراء بناءة حقا تسهم وال تهدم ،تبني
تبني وتصون وال تدمر وتصون وال تدمر.
"
وإذا كانت بعض حاالت العنف التي يشهدها مجتمعنا من حين إلى آخر ،وفي مؤسساتنا
التعليمية خاصة تعكس قدرا كبيرا من الغموض وسوء الفهم لحق التعبير عن الرأي واحترام الرأي اآلخر ،فإنه ال بد أن
يكون لنا عودة جريئة إلى المنهج السلوكي القويم في التعبير عن الرأي والموقف.
فهل نستطيع كآباء ومدرسين وأساتذة جامعات أن ننقل ألبنائنا المفهوم الصحيح لحرية التعبير عن الرأي ونقدم لهم القدوة في
هذا المجال.