‫قيام الليل والدقائق العالية‬

‫د‪ .‬رجب أبومليح‬

 ‫جنة المؤمن في محرابه‬
‫‪ ‬سجود المحراب ‪ ،‬واستغفار األسحار ‪ ،‬و دموع‬
‫المناجاة ‪ :‬سيماء يحتـكرها المؤمنون‪.‬‬
‫‪ ‬ولئن توهم الدنيوي جناته في الدينار ‪ ،‬والنساء ‪،‬‬
‫والقصر المنيف ‪ ،‬فإن ‪ :‬جنة المؤمن في‬
‫محرابه‬
 ‫ا‪$‬لصالة تجدد النفس وتذهب الملل‬
‫يا لها حكمة أن فرض هللا علينا هذه الصلوات بين ساعات‬ ‫‪‬‬

‫وساعات‪ ،‬لتبقى الروح أبداً إما متصلة أو مهيأة لتتصل‪ ،‬ولن‬

‫يعجز أضعف الناس مع روح الدين أن يملك نفسه أنه متوجه‬
‫بعدها إلى ربه ‪ ،‬فيخاف أن يقـف بين يديه مخطئا ً أو آثما ً ‪ ،‬ثم‬
‫هو إذا ملك نفسه إلى هذه الفريضة ذكر أن بعدها الفريضة‬
‫األخرى‪ ،‬وأنها بضع ساعات كذلك‪ ،‬فال يزال من عزيمة‬
‫النفس و طهارتها في عمر على صيغة واحدة ال يتبدل وال‬
‫يتغير ‪ ،‬كأنه بجملته – مهما طال – عمل بضع ساعات‬
‫مصطفى صادق الرافعي‬ ‫‪‬‬
 ‫من يقوم الليل ؟؟‬

‫‪ ‬يارجال الليل جدوا **** رب صوت ال يرد‬

‫‪ ‬ما يقوم الليـــل إال **** من له عزم و ِجـ ُّد‬
 ‫أحد الدعاة يقول‬

‫‪ ‬دقائق الليل غالية ‪ ،‬فال ترخصوها بالغفلة‬

 ‫تأثير من يقوم الليل في اآلخرين‬

‫‪ ‬من يتخرج في مدرسة الليل يؤثر في‬

‫األجيال ا‪$‬لتي ب‪$‬عده إلى ما شاء هللا‪،‬‬
‫والمتخلف عنها يابس قاس تـقسو قلوب‬
‫ا‪$‬لناظرين إلي‪$‬ه‪ ،‬يقول بشر بن الحارث‪" :‬‬
‫بحسبك أن قوما ً موتى تحيا القلوب بذكرهم‪،‬‬
‫وأن قوما ً أحياء تـقسو القلوب برؤيتهم‬
 ‫أتسبقك الحمامة ؟‬

‫‪ ‬أنام على سهو و تبكي الحمائم‬

‫وليس لها جرم ومني الجرائم‬
‫‪ ‬كذبت لعمرو هللا لو كنت عاقالً‬
‫لما سبقتـني بالبكاء الحمائم‬
 ‫القرآن الكريم وقيام اللي‪$‬ل‬

‫الليل ساج ًدا‬

‫ِ‬ ‫ء‬
‫َ‬ ‫آنا‬ ‫ٌ‬
‫قانت‬ ‫هو‬ ‫ْ‬
‫َّن‬‫م‬ ‫(أ‬ ‫‪‬‬

‫حذ ُر اآل ِخ َر َة و َيرجُو رحم َة‬‫وقائ ًما َي َ‬

‫علمون‬
‫َ‬ ‫ر ِّب ِه قُ ْل ه ْل َيستوي الذين َي‬
‫ُ‬
‫علمون إنما َي َت َذ َّكر أولوا‬
‫َ‬ ‫والذين ال َي‬
‫َ‬
‫األلباب‪( )..‬الزمر‪)9 :‬‬
 ‫القرآن الكريم وقيام اللي‪$‬ل‬

‫اجع‬
‫ِ‬ ‫ض‬
‫َ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ال‬ ‫عن‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ُه‬
‫ب‬ ‫و‬ ‫ُ‬
‫ن‬ ‫ُ‬
‫ج‬ ‫ى‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫ا‬ ‫(تتج‬
‫َ‬ ‫‪‬‬

‫عون ر َّب ُه ْم َخو ًفا َ‬

‫وط َم ًعا و ِممَّا‬ ‫َي ْد َ‬
‫ون) (السجدة‪)16 :‬‬ ‫َر َز ْق َنا ُه ْم يُن ِفقُ َ‬
 ‫القرآن الكريم وقيام اللي‪$‬ل‬

‫ُون ‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ي‬ ‫ُ‬
‫ع‬ ‫و‬ ‫ت‬‫ٍ‬ ‫ا‬ ‫َّ‬
‫ن‬ ‫ج‬ ‫في‬ ‫المتقين‬
‫َ‬ ‫(إنَّ‬ ‫‪‬‬

‫ين َما آ َتا ُه ْم َر ُّب ُه ْم إ َّنه ْم كا ُنوا َق ْب َل‬ ‫آ ِخ ِذ َ‬

‫يل‬
‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫ً‬ ‫ال‬ ‫قلي‬ ‫وا‬ ‫ن‬ ‫ُ‬ ‫ين ‪ .‬كا‬
‫ُحس ِن َ‬
‫ذلك م ِ‬
‫حار ُه ْم‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬
‫وباألس‬ ‫‪.‬‬ ‫ُون‬
‫َ‬ ‫ع‬ ‫ج‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ه‬ ‫ي‬
‫َ‬ ‫ما‬
‫ُون) (الذاريات‪15 :‬ـ ‪)18‬‬ ‫َي ْس َت ْغ ِفر َ‬
 ‫القرآن الكريم وقيام اللي‪$‬ل‬

‫مشون على‬ ‫َ‬ ‫الذين َي‬

‫َ‬ ‫الرحمن‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫د‬ ‫(وعبا‬ ‫‪‬‬

‫الجاهلون‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫خاط َب ُه ُم‬ ‫األرض هو ًنا َ‬
‫وإذا‬ ‫ِ‬
‫والذين َيبي ُت َ‬
‫ون لرب ِِّه ْم‬ ‫َ‬ ‫قالوا سال ًما ‪.‬‬
‫سُجَّ ًدا و ِق َيا ًما) (الفرقان‪.)74 ،63 :‬‬
 ‫السنة ا‪$‬لمطهرة وقيام الليل‬

‫"ع ِجب ربنا ـ تعالى ـ من رجلين‪:‬‬ ‫‪َ ‬‬

‫‪ ‬رجل ثار عن ِو َطا ِئه ولِ َحا ِفه من بين أهله‬
‫و ِحبِّه إلى صالته‪ ،‬فيقول هللا ـ جل وعال ـ‪:‬‬
‫انظروا إلى عبدي ثار عن فراشه ووطا ِئه‬
‫ً‬
‫رغبة فيما‬ ‫من بين ِحبِّه وأهله إلى صالته‬
‫وشفقة مما عندي‪.‬‬ ‫ً‬ ‫عندي‪،‬‬
 ‫السنة ا‪$‬لمطهرة وقيام الليل‬

‫َ‬
‫وانهزم‬ ‫‪ ‬ورجل َغ َزا في سبيل هللا‪،‬‬
‫أصحابُه‪ ،‬وعلم ما عليه في االنهزام‪ ،‬وما‬
‫َ‬
‫ُهريق دمُه‪،‬‬‫له في الرجوع‪ ،‬فرجع حتى ي‬
‫فيقول هللا‪ :‬انظروا إلى عبدي رجع‪،‬‬
‫رجا ًء فيما عندي وشفقة مما عندي‪ ،‬حتى‬
‫يُهريق دمه"‪.‬‬
 ‫السنة ا‪$‬لمطهرة وقيام الليل‬
‫‪ ‬كان رسول هللا ـ صلى هللا عليه وسلم ـ كما‬
‫َّ‬
‫تتفطر‬ ‫وصفته عائشة ـ‪" :‬يقوم من الليل حتى‬
‫قدماه" أي‪ :‬تتش َّقق‪ ،‬وفي بعض الروايات‪" :‬حتى‬
‫تتورَّ م قد َماه" فقالت له عائشة ‪ :‬لِ َم َتص َن ُع هذا وقد‬
‫غفر لك ما تق َّدم من ذنبك وما تأخر؟ قال‪" :‬أفال‬ ‫َ‬
‫شكورا" (رواه البخاري‪،‬‬ ‫ً‬ ‫أ ُ ِحبُّ أن أكون عب ًدا‬
‫ومسلم عن عائشة رضى هللا عنها) ‪.‬‬
 ‫السنة ا‪$‬لمطهرة وقيام الليل‬
‫‪ ‬تقول عائشة ـ رضي هللا عنها ـ ‪ :‬لما كان ليلة من‬
‫الليالي قال‪" :‬يا عائشة‪َ ،‬ذ ِريني أَ َت َعبَّد الليلة لربي"‪،‬‬
‫قلت‪ :‬وهللا إني أ ُ ِحبُّ قُرْ َبك‪ ،‬وأ ُ ِحبُّ ما َيسُرُّ ك‪،‬‬
‫قالت‪ :‬فقام فتطهَّر‪ ،‬ثم قام يُصلِّي‪ ،‬قالت‪ :‬ف َل ْم َيز ْل‬
‫َيبكي حتى َب َّل ِحجْ ره‪ ،‬قالت‪ :‬وكان جال ًسا‪ ،‬ف َل ْم‬
‫يز ْل يبكي ـ صلى هللا عليه وسلم ـ حتى َب َّل‬
‫لحيته‪ ،‬قالت‪ :‬ثم بكى حتى َب َّل األرض‪،‬‬
 ‫السنة ا‪$‬لمطهرة وقيام الليل‬
‫نز ُل إلى‬
‫ِ‬ ‫ي‬
‫َ‬ ‫ـ‬ ‫وتعالى‬ ‫سبحانه‬ ‫ـ‬ ‫هللا‬ ‫أن‬ ‫ورد‬ ‫وقد‬ ‫‪‬‬

‫عباده ويتجلَّى عليهم في الثلث األخير من الليل‬

‫فأستجيب له؟ هل من‬‫َ‬ ‫داع‬
‫ٍ‬ ‫نْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫هل‬ ‫ُناديهم‪:‬‬
‫ي‬ ‫و‬
‫سائل فيُع َطى س ُْؤ َله؟‬
‫ٍ‬ ‫مستغفر فأغفر له؟ هل من‬
‫ٍ‬
‫هل من كذا هل من كذا حتى َيطلُع الفجر رواه‬
‫مالك والبخاري ومسلم والترمذي وغيرهم‬
 ‫السنة ا‪$‬لمطهرة وقيام الليل‬

‫‪ ‬قول ـ صلى هللا عليه وسلم ـ‪" :‬عليكم‬

‫بقيام الليل فإنه دأبُ الصالحين قبلكم‪،‬‬
‫وقُ ٌ‬
‫ربة إلى ربكم‪ ،‬و َم ْك َفرةٌ للسيئات‪،‬‬
‫و َمن َهاةٌ عن إلثم" (رواه الترمذي )‬
 ‫السنة ا‪$‬لمطهرة وقيام الليل‬

‫‪ ‬يقول النبي ـ صلى هللا عليه وسلم ـ‪:‬‬

‫" َم ِن استيقظ من الليل‪ ،‬وأيقظ أهله‬
‫هللا‬
‫َ‬ ‫الذاكرين‬ ‫من‬ ‫ا‬ ‫ب‬
‫َ‬ ‫ت‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫ك‬ ‫ركعتين‪،‬‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫َّ‬
‫فصل َ‬
‫كثيرا والذاكرات" (رواه أبو داود‪،‬‬ ‫ً‬
‫وابن ماجة‪.‬‬
 ‫السنة ا‪$‬لمطهرة وقيام الليل‬

‫‪ ‬وقال‪" :‬رح َم هللا رجالً قام من الليل‬

‫ض َح في‬‫ت َن َ‬ ‫فصلَّى‪ ،‬وأيقظ امرأته‪ ،‬فإن أ َب ْ‬
‫وجهها الماء‪ ،‬ورحم هللا امرأة قامت من‬
‫فإنْ‬
‫فإن أ َبى‬‫ت زوجها‪ْ ،‬‬ ‫َ‬
‫وأيقظ ْ‬ ‫صلَّ ْ‬
‫ت‪،‬‬ ‫الليل َف َ‬
‫ت في وجهه الماء" (رواه أبو‬ ‫ض َح ْ‬
‫َن َ‬
‫داود‪ ،‬وهذا لفظه‪.‬‬
 ‫السنة ا‪$‬لمطهرة وقيام الليل‬
‫‪ ‬ذكر النبي ـ صلى هللا عليه وسلم ـ الجنة‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫"في الجنة ُغرفة ي َُرى ظاهرها من باطنها‪،‬‬
‫وباطنها من ظاهرها"‪ ،‬فقال أبو مالك األشعري‪:‬‬
‫أطاب الكالم‪،‬‬
‫َ‬ ‫لمن هي يا رسول هللا؟ قال‪" :‬لمن‬
‫وأطعم الطعام‪ ،‬وبات قائ ًما والناس نيام" (رواه‬
‫الطبراني في الكبير بإسناد حسن‪.‬‬
 ‫السنة ا‪$‬لمطهرة وقيام الليل‬

‫‪ ‬وقال ـ صلى هللا عليه وسلم ـ "أيها‬

‫الناس أ ْف ُ‬
‫شوا السالم‪ ،‬وأط ِعمُوا الطعام‪،‬‬
‫وصلُوا األرحام‪َ ،‬‬
‫وصلُّوا بالليل والناس‬ ‫ِ‬
‫ِنيام تدخلوا الجنة بسالم" (رواه أحمد‪،‬‬
‫والترمذي وقال‪ :‬حديث حسن صحيح‪.‬‬
 ‫السلف الصالح والقيام‬
‫لبعض السلف غالم‪ ،‬خادم عندهم‪ ،‬فكان‬ ‫ِ‬ ‫‪ ‬كان‬
‫يقوم الليل‪ ،‬فقال له مواله (سيده)‪ :‬إن قيامك‬
‫ُؤثر على عملك في النهار‪.‬‬ ‫بالليل ي ِّ‬
‫ُ‬
‫تذكرت الجنة طال‬ ‫‪ ‬قال‪ :‬وماذا أعمل؟ إني إذا‬
‫ُ‬
‫تذكرت النار طال خوفي‪ ،‬فكيف‬ ‫شوقي‪ ،‬وإذا‬
‫لي أن أنام بين خوف يُزعجني وشوق يُقلقني؟!‬
 ‫السلف الصالح والقيام‬
‫‪ُ ‬تو ِّفي سي ُد الصوفية في عصره‪ ،‬وشيخ‬
‫المربين الروحيين‪ :‬الجُنيد ـ رحمه هللا ـ فرآه‬
‫بعض أصحابه في المنام‪ ،‬فسأله عن حاله‪،‬‬
‫ت العبارات‪،‬‬ ‫ت اإلشارات‪ ،‬وطاح ِ‬ ‫فقال له‪ :‬ذهب ِ‬
‫ت الرسوم‪ ،‬ولَ ْم ينفعْ نا‬
‫وضاعت العلوم‪ ،‬و َفني ِ‬
‫ُكيعات كنا نقوم بها في جوف الليل!‬‫ٌ‬ ‫إال ر‬
 ‫السلف الصالح والقيام‬

‫‪َ ‬مرَّ أبو حنيفة ـ وكان يقوم بعض الليل ـ‬

‫على قوم فقال بعضهم وأشار إليه‪ :‬هذا‬
‫هو الرجل الذي يُحيي الليل كله‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ف بما‬ ‫وص‬ ‫ُ‬
‫وهللا إني ألس َت ِحي من هللا أن أ َ َ‬
‫ال أفعل‪ ،‬فكان بعد ذلك يُحيى الليل كله‪.‬‬