Professional Documents
Culture Documents
إ ّن احلم د هلل ،حنم ده ونس تعينه ونس تغفره ،ونع وذ باهلل من ش رور أنفس نا ومن س يئات أعمالن ا ،من
يهده اهلل فال مضل له ،ومن يضلل فال هادي له ،وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له ،وأشهد أن
حممداً عبده ورسوله ،صلوات اهلل وسالمه عليه وعلى آله وصحبه.
الباطل من بني يديه وال من خلفه تنزيل من حكيم محيد﴾ ،4وهو السراج املنري وهو الصراط املستقيم هو
الذي ال تزيغ به األلسنة وال خيلق على كثرة الرد وال تنقضي عجائبه ...وهو املعجزة اخلالدة على تعاقب
األعص ار واختالف األمص ار ،فمن ق ال ب ه ص دق ومن حكم ب ه ع دل ومن دع ا إلي ه ه دي إىل ص راط
مستقيم.
ولقد تكفل اهلل تعاىل حبفظ كتابه من كل حتريف أو تزييف أو تعطيل فقال عز من قائل﴿ :إنا حنن
فإن معرفة الفقه اإلسالمي وأدلة األحكام ،ومعرفة فقهاء اإلسالم الذين يرجع إليهم يف هذا الباب
-من األم ور املهم ة ال يت ينبغي أله ل العلم العناي ة هبا ،وإيض احها للن اس؛ ألن اهلل س بحانه خل ق الثقلني
لعبادته ،وال ميكن أن تعرف هذه العبادة إال مبعرفة الفقه اإلسالمي وأدلته ،وأحكام اإلسالم وأدلته ،وال
يكون ذلك إال مبعرفة العلماء الذين يعتمد عليهم يف هذا الباب من أئمة احلديث والفقه اإلسالمي.
فالعلماء هم ورثة األنبياء ،واألنبياء مل يورثوا دينارا وال درمها وإمنا ورثوا العلم ،فمن أخذه أخذ
حبظ وافر ،ومن أسباب السعادة للعبد ،ومن عالمات النجاة والفوز أن يفقه يف دين اهلل ،وأن يكون فقيها
يف اإلسالم ،بصريا بدين اهلل على ما جاء يف كتاب اهلل الكرمي وسنة رسوله األمني عليه الصالة والسالم .
اهلل وعن نبيه عليه الصالة والسالم ،وهم علماء اهلدى ،ومصابيح الدجى ،وهم العاملون بكتاب اهلل وسنة
رسوله صلى اهلل عليه وسلم ،وهم الذين قال فيهم جل وعال َ :ش ِه َد اللَّهُ أَنَّهُ ال إِلَهَ إِال ُه َو َوالْ َمالئِ َك ةُ َوأُولُو
َّ ِ ِ َّ ِ ِ ِِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ين يم وقال فيهم جل وعال َ :ي ْرفَ ِع اللَّهُ الذ َ
ين َآمنُ وا مْن ُك ْم َوالذ َ ِ
الْع ْلم قَائ ًم ا بالْق ْس ط ال إلَ هَ إال ُه َو الْ َعز ُيز احْلَك ُ
ات وقال فيهم سبحانه :إِمَّنَا خَيْ َشى اللَّهَ ِم ْن ِعبَ ِاد ِه الْعُلَ َماءُ وقد صح عن رسول اهلل صلى اهلل
أُوتُوا الْعِْلم درج ٍ
َ ََ َ
عليه وسلم أنه قال :من يرد اهلل يه خريا يفقهه يف الدين متفق على صحته .فهذا احلديث العظيم يدلنا على
والفقه يف الدين :هو الفقه يف كتاب اهلل عز وجل ،والفقه يف سنة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم
،وهو الفقه يف اإلسالم؛ من جهة أصل الشريعة ،ومن جهة أحكام اهلل اليت أمرنا هبا ،ومن جهة ما هنانا
عنه سبحانه وتعاىل ،ومن جهة البصرية مبا جيب على العبد من حق اهلل وحق عباده ،ومن جهة خشية اهلل
وتعظيمه ومراقبت ه ،ف إن رأس العلم خش ية اهلل سبحانه وتع اىل ،وتعظيم حرمات ه ،ومراقبته ع ز وجل فيما
ول ذا يف ه ذه الفرص ة الطيب ة ال يت ق د منحه ا اهلل يل ،أري د البحث يف مس ألة الفق ه عن أحك ام
نصيب و إن كنت ال أرى أهال لذلك ولكن من اهلل أستمد العون و حسيب اهلل و نعم الوكيل.
ولقد نظرت يف مسائل الفقه بغية اختيار العنوان منها ،فوجدت العن وان " أحكام األستعاذة" من
جل على اختيار ذلك العنوان و كتابته ألن سسبا لقلة علماء
عز َو َّ
أهم تلك املسائل فعزمت مستعينا باهلل َّ
الفقه قدماءً أو معاصرين الذين حبثوا عن أحكام التعوذ مدى علمي عن هذه املسألة.
املسلمني.
َ يفهمه كثريٌ من الثاين :إِ َّن هذا العنوان من ِّ
أهم األمو ِر الذى مل ْ
الثالث : :إن التعوذ فيها علوم كثرية اليت مل نعرفْها قبل حبثِها
اخلامس :للداللة على جواز االختالف يف املسائل الفروعية مادام اعتمادا بدليل صحيح من الكتاب أوالسنة
أما املنهج الذي سرت عليه يف حبث هذا املوضوع فهو يف األمور اآلتية:
مجع املعلوم ات من كتب التفاس ريو األح اديث النبوي ة و كتب الفق ه اإلس المي و غريه ا من .1
يسريا.
الكتب اإلسالمية املتنوعة اليت هي متعلقةٌ باملوضوع ،مث رتَّبتُها ترتيباً ً
ع زوت ب ِذك ِر األدلَّة من كت اب اهلل تع اىل و الس نة و أق وال العلم اء يف قض ية ال يت حتت اج إىل .2
ذكرها.
تس هيال يف مجع املعلوم ات يف بعض األحي ان أس تخدم األش رطة أو التس جيالت املوج ودة أو .3
املكتبة الشاملة.
ذكر أقوال العلماء يف مسائل اليت اختلفوا فيها ذكر أرجح القول منها. .4
خـطة البحث
أما املقدمة تنقسم إىل أمهية املوضوع و أسباب اختياره و منهج كتابة البحث وخطة البحث كلمات الشكر
و التقدير.
البـاب األول :أحكـام االستعاذة في الصالة,ـفهذا البـابـ مشتمل على سبعة فصول:
احلمد هلل رب العاملني ،والصالة والسالم على أشرف األنبياء واملرسلني ،سيدنا ونبينا حممد وعلى
فامتث االً لقول ه س بحانه وتع اىل { :ولق د آتين ا لقم ان احلكم ة أن اش كر هلل ومن يش كر فإمنا يش كر
لنفسه ومن كفر فإن اهلل غين محيد } ،6فأشكر اهلل على ما من به علي من النعم ،وأشكره سبحانه على أن
وفق ين للدراس ة يف ه ذا املعه د املب ارك ( معه د اإلس الم الع ايل ببكاس ي ،ج او الغربي ة ) .ه ذا املعه د ال ذي
تعلمت فيه العلوم والفنون الشىت على مدى سنتني باملرحلة الدفلوم ،فاحلمد هلل على ما كرم وشرف ،مث إن
من شكر اهلل شكر القائمني على هذا املعهد سلفاً وخلف اً ،اقتداءً هبدى املصطفى -صلى اهلل عليه وسلم -
فإين أتقدم يف بداية حبثي هذا جبزيل الشكر والتقدير والعرفان إىل معهد اإلسالم العايل ببكاسي ،اليت
هلا الفضل بعد اهلل يف حتقيق رغبيت يف املشاركة يف خدمة العلم وأهله.
وأخص بالشكر أيضاً األساتيذ الفضالء الذين كرسوا جهودهم ،وبذلوا أوقاهتم لطلبة العلم فجزاهم
اهلل خري اجلزاء على ما قاموا به من جهود مباركة ،وجعل ذلك يف موازين حسناهتم .
وال ذي اس تفدت من علم ه ،وتوجيهات ه ،وأخالق ه احلس نة ،حفظ ه اهلل ورع اه وأم د يف عم ره خلدم ة دين ه،
فأسأل اهلل أن جيزيه خ ري اجلزاء ،ويرفع قدره { مع ال ذين أنعم اهلل عليهم من النبيني والصديقني والشهداء
والص احلني } ،8وأس أل اهلل للجمي ع األج ر واملثوب ة يف ال دارين ،كم ا أس أله س بحانه أن يوفقن ا مجيع اً للعلم
النافع والعمل الصاحل .وصلى اهلل على نبينا حممد وعلى آله وصحبه أمجعني
التمهيد
()
والثاين مبعىن طلب العوذ والعياذ . 9
واملعىن اللغوي للكلمة :االلتجاء والعصمة واالستجارة واالمتناع واالعتصام باهلل تعاىل من مهزات
( )
الشياطني . 10
انظر :شرح الدرر للمنتوري ،94-1/93:وبعد اآلن قد أمسيه ((املِْنتُوري)) فقط. 9
وميكن تعريفها بأهنا :طلب التعوذ باهلل من الشيطان الرجيم بني يدى القراءة ىف الصالة بصيغة
مشروعة.
واألصل ىف مشروعيتها قول اهلل تعاىل( :فإذا قرأت القرآن فاستعذ باهلل من الشيطان الرجيم).12
)1االستعاذة :االستجارة وتأويل قول القائل :أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم :أستجري باهلل -دون غريه من
13
سائر خلقه -من الشيطان أن يضرين يف ديين أو يصدين عن حق يلزمين لريب.
)2االستعاذة هي االلتجاء إىل اهلل تعاىل وااللتصاق جبانبه من شر كل ذي شر ،والعياذة تكون لـدفع الشر،
واللي ــاذ لطلب جلب الخ ــير ،ومع ىن أع وذ باهلل من الش يطان ال رجيم أي أس تجري جبن اب اهلل من الش يطان
الرجيم أن يضرين يف ديين أو دنياي ،أو يصدين عن فعل ما أمرت به ،أو حيثين على فعل ما هنيت عنه ،فإن
الشيطان ال يكفه عن اإلنسان إال اهلل ،وهلذا أمر تعاىل مبصانعة شيطان اإلنس ومداراته بإسداء اجلميل إليه
ل ريده طبعه عم ا ه و في ه من األذى ،وأم ر باالس تعاذة ب ه من ش يطان اجلن ألن ه ال يقب ل رش وة وال ي ؤثر في ه
مجيل ألنه شرير بالطبع ،وال يكفه عنك إال الذي خلقه .وهذا املعىن يف ثالث آيات من القرآن:
ـك ِم ْن
ب أَعُ ــوذُ بِ ـ َ ِ ِ
سـ ـيِّئَةَ نَ ْح ُن أَ ْعلَ ُم ب َمــا يَصـ ـ ُفو َن (َ 96
)وقُ ــل َّر ِّ َح َسـ ـ ُن ال َّ ِ
وق ال تع اىل{ :ا ْدفَ ـ ْـع بِ ــالَّتِي ه َي أ ْ
ضر ِ )وأَعُوذُ بِ َ ات َّ ِ َهمز ِ
ون} ب أَن يَ ْح ُ ُ
ك َر ِّ الشيَاطي ِن (َ 97
15
ََ
َّك ِم َن
)وإِ َّماـ يَ َنزغَن َ اه ــا إِالَّ ذُو ـح ـ ٍّ ِ َّ ِ ِ ِ
ـظ َعظ ٍيم (َ 35 َ ص ـ ـَب ُروا َو َمـ ــا ُيلَ َّق َـ اه ــا إِالَّ الذ َ
ين َ )و َمـ ــا ُيلَ َّق َـ
يم (َ 34
َول ٌّي َحم ٌ
الس ِميع ِ ِ ان َن ْزغٌ فَ ِ
الش ْيطَ ِ
يم} استَع ْذ بِاللَّه إِنَّهُ ُه َو َّ ُ َ
العل ُ َّ
16
ْ
فه ذه ثالث آي ات ليس هلا رابع ة يف معناه ا ،وه و أن اهلل تع اىل ي أمر مبص انعة الع دو اإلنس ي واإلحس ان إليه
لريده عنه طبعه الطيب األصل إىل املواالة واملصافاة ،ويأمر باإلستعاذة به من العدو الشيطاين ال حمالة ،إذ ال
يقبل مصانعة وال إحسانا ،وال يبتغي غري هالك ابن آدم لشدة العداوة بينه وبني أبيه آدم من قبل كما قال
أهنا طهارة للفم مما كان يتعاطاه من اللغو والرفث وتطييب له لتالوة كالم اهلل ،وهي استعانة باهلل ،واعرتاف
له بالقدرة ،وللعبد بالضعف والعجز عن مقاومة هذا العدو املبني الباطين الذي ال يقدر على منعه ودفعه إال
21
اهلل الذي خلقه ،وال يقبل مصانعة ،وال يدارى باإلحسان خبالف العدو من نوع اإلنسان.
)3مع ىن االس تعاذة :االس تجارة والتحيز إىل الش يء على مع ىن االمتناع ب ه من املك روه يق ال :عذت بفالن
عوذ باهلل
واستعذت به أي جلأت إليه ،وهو عياذي أي ملجئي ،وأعذت غريي به وعوذته مبعىن .ويقالْ :
22
منك أي أعوذ باهلل منك.
23
)4االستعاذة باهلل هي االعتصام به.
24
)5معىن االستعاذة :االستجارة والتحيز إىل الشيء على وجه االمتناع به من املكروه.
جيد ،لو قال :أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم " ( فتح الباري 518 / 10ط السلفية ).
28قال ابن اجلزري :حديث غريب جيد اإلسناد ( النشر يف القراءات العشر 244 / 1نشر املكتبة التجارية ) .
29النشر يف القراءات العشر ،) 250 / 1( ،واملبسوط (.)13 / 1
طلب اهلل سبحانه من عباده أن يستعيذوا به من كل ما فيه شر ،وشرعها سبحانه عند القيام ببعض
األعمال ،كقراءة القرآن يف الصالة وخارجها ،وغري ذلك.
واستعاذ الرسول صلى اهلل عليه وسلم من الشر كله 30،بل إنه استعاذ مما عويف منه وعصم ،إظهارا
31
للعبودية ،وتعليما ألمته.
حديث " استعاذ الرسول " . . .أخرجه الطيالسي والطرباين وأبو داود من حديث جابر بن مسرة بن جندب بلفظ " :اللهم إين أسألك من اخلري كله 30
ما علمت منه وما مل أعلم ،وأعوذ بك من الشر كله ما علمت منه وما مل أعلم " ورمز األلباين لصحته ( .فيض القدير 103 / 2نشر املكتبة التجارية
،والفتح الكبري 239 / 1ط مصطفى احلليب ،وصحيح اجلامع الصغري 404 / 1نشر املكتب اإلسالمي 1388هـ ) .
31اخلرشي 143 / 1ط بريوت دار صادر ،وفتح الباري . 321 / 2