You are on page 1of 14

‫المقدمة‬

‫إ ّن احلم د هلل‪ ،‬حنم ده ونس تعينه ونس تغفره‪ ،‬ونع وذ باهلل من ش رور أنفس نا ومن س يئات أعمالن ا‪ ،‬من‬

‫يهده اهلل فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن‬

‫حممداً عبده ورسوله‪ ،‬صلوات اهلل وسالمه عليه وعلى آله وصحبه‪.‬‬

‫اح َد ٍة َو َخلَ َق ِمْن َه ا َز ْو َج َه ا َوبَ َّ‬


‫ث ِمْن ُه َم ا ِر َج ااًل َكثِ ًريا‬ ‫سوِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫َّاس َّات ُق وا َربَّ ُك ُم الذي َخلَ َق ُك ْم م ْن َن ْف ٍ َ‬
‫‪ ‬يَاأَيُّ َه ا الن ُ‬
‫‪1‬‬
‫َونِ َساءً َو َّات ُقوا اللَّهَ الَّ ِذي تَ َساءَلُو َن بِِه َواأْل َْر َح َام إِ َّن اللَّهَ َكا َن َعلَْي ُك ْم َرقِيبًا ‪‬‬
‫‪2‬‬
‫ين ءَ َامنُوا َّات ُقوا اللَّهَ َح َّق ُت َقاتِِه َواَل مَتُوتُ َّن إِاَّل َوأَْنتُ ْم ُم ْسلِ ُمو َن ‪‬‬ ‫َّ ِ‬
‫‪ ‬يَاأَيُّ َها الذ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يدا ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ص ل ْح لَ ُك ْم أ َْع َم الَ ُك ْم َو َي ْغف ْر لَ ُك ْم ذُنُوبَ ُك ْم َو َم ْن يُط ِع اللَّهَ‬
‫ين ءَ َامنُ وا َّات ُق وا اللَّهَ َوقُولُوا َق ْواًل َس د ً ُ ْ‬
‫‪ ‬يَاأَيُّ َه ا الذ َ‬
‫‪3‬‬
‫يما ‪‬‬ ‫ِ‬
‫َو َر ُسولَهُ َف َق ْد فَ َاز َف ْو ًزا َعظ ً‬
‫َصد َق احلديث كتاب اهلل وأحسن اهلد ِي هدي ٍ‬
‫حممد وشر األمور حمدثاهتا وكل حمدثة‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َأما بعد فإ ّن أ َ‬

‫بدعة وكل بدعة ضاللة وكل ضاللة يف النار ‪.‬وبعد‪،‬‬

‫‪ 1‬سورة النساء ‪.1 :‬‬


‫‪ 2‬سورة آل عمران ‪.102 :‬‬
‫‪ 3‬سورة األحزاب ‪.71-70:‬‬
‫فاحلمد هلل الذي أنعم علينا بنعمة اإلسالم وكفى هبا نعمة‪ ،‬وأنعم علينا بكتابه العزيز الذي ﴿ال يأتيه‬

‫الباطل من بني يديه وال من خلفه تنزيل من حكيم محيد﴾‪ ،4‬وهو السراج املنري وهو الصراط املستقيم هو‬

‫الذي ال تزيغ به األلسنة وال خيلق على كثرة الرد وال تنقضي عجائبه‪ ...‬وهو املعجزة اخلالدة على تعاقب‬

‫األعص ار واختالف األمص ار‪ ،‬فمن ق ال ب ه ص دق ومن حكم ب ه ع دل ومن دع ا إلي ه ه دي إىل ص راط‬

‫مستقيم‪.‬‬

‫ولقد تكفل اهلل تعاىل حبفظ كتابه من كل حتريف أو تزييف أو تعطيل فقال عز من قائل‪﴿ :‬إنا حنن‬

‫نزلنا الذكر وإنا له حلافظون﴾‪.5‬‬

‫فإن معرفة الفقه اإلسالمي وأدلة األحكام ‪ ،‬ومعرفة فقهاء اإلسالم الذين يرجع إليهم يف هذا الباب‬

‫‪ -‬من األم ور املهم ة ال يت ينبغي أله ل العلم العناي ة هبا ‪ ،‬وإيض احها للن اس؛ ألن اهلل س بحانه خل ق الثقلني‬

‫لعبادته ‪ ،‬وال ميكن أن تعرف هذه العبادة إال مبعرفة الفقه اإلسالمي وأدلته ‪ ،‬وأحكام اإلسالم وأدلته ‪ ،‬وال‬

‫يكون ذلك إال مبعرفة العلماء الذين يعتمد عليهم يف هذا الباب من أئمة احلديث والفقه اإلسالمي‪.‬‬

‫فالعلماء هم ورثة األنبياء ‪ ،‬واألنبياء مل يورثوا دينارا وال درمها وإمنا ورثوا العلم ‪ ،‬فمن أخذه أخذ‬

‫حبظ وافر ‪ ،‬ومن أسباب السعادة للعبد ‪ ،‬ومن عالمات النجاة والفوز أن يفقه يف دين اهلل ‪ ،‬وأن يكون فقيها‬

‫يف اإلسالم ‪ ،‬بصريا بدين اهلل على ما جاء يف كتاب اهلل الكرمي وسنة رسوله األمني عليه الصالة والسالم ‪.‬‬

‫‪ 4‬سورة فصلت ‪.42 :‬‬


‫سورة احلجر‪.9 :‬‬ ‫‪5‬‬
‫والعلماء قد بني اهلل شأهنم ورفع قدرهم ‪ ،‬وهم أهل العلم باهلل وبشريعته ‪ ،‬والعاملون مبا جاء عن‬

‫اهلل وعن نبيه عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وهم علماء اهلدى ‪ ،‬ومصابيح الدجى ‪ ،‬وهم العاملون بكتاب اهلل وسنة‬

‫رسوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬وهم الذين قال فيهم جل وعال ‪َ :‬ش ِه َد اللَّهُ أَنَّهُ ال إِلَهَ إِال ُه َو َوالْ َمالئِ َك ةُ َوأُولُو‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ‬
‫ين‬ ‫يم وقال فيهم جل وعال ‪َ :‬ي ْرفَ ِع اللَّهُ الذ َ‬
‫ين َآمنُ وا مْن ُك ْم َوالذ َ‬ ‫ِ‬
‫الْع ْلم قَائ ًم ا بالْق ْس ط ال إلَ هَ إال ُه َو الْ َعز ُيز احْلَك ُ‬
‫ات وقال فيهم سبحانه ‪ :‬إِمَّنَا خَيْ َشى اللَّهَ ِم ْن ِعبَ ِاد ِه الْعُلَ َماءُ وقد صح عن رسول اهلل صلى اهلل‬
‫أُوتُوا الْعِْلم درج ٍ‬
‫َ ََ َ‬
‫عليه وسلم أنه قال ‪ :‬من يرد اهلل يه خريا يفقهه يف الدين متفق على صحته‪ .‬فهذا احلديث العظيم يدلنا على‬

‫فضل الفقه يف الدين‪.‬‬

‫والفقه يف الدين ‪ :‬هو الفقه يف كتاب اهلل عز وجل ‪ ،‬والفقه يف سنة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬

‫‪ ،‬وهو الفقه يف اإلسالم؛ من جهة أصل الشريعة ‪ ،‬ومن جهة أحكام اهلل اليت أمرنا هبا ‪ ،‬ومن جهة ما هنانا‬

‫عنه سبحانه وتعاىل ‪ ،‬ومن جهة البصرية مبا جيب على العبد من حق اهلل وحق عباده ‪ ،‬ومن جهة خشية اهلل‬

‫وتعظيمه ومراقبت ه ‪ ،‬ف إن رأس العلم خش ية اهلل سبحانه وتع اىل ‪ ،‬وتعظيم حرمات ه ‪ ،‬ومراقبته ع ز وجل فيما‬

‫يأيت العبد ويذر ‪.‬‬

‫ول ذا يف ه ذه الفرص ة الطيب ة ال يت ق د منحه ا اهلل يل‪ ،‬أري د البحث يف مس ألة الفق ه عن أحك ام‬

‫ونسأل اهللَ أن جيعلَنا‬


‫ُ‬ ‫عض املسلمني‬
‫نفهم ه بَ ُ‬
‫أهم املسائل الفقهية اليت مل ْ‬
‫األستعاذة‪ ،‬و طبعا هذه املسألة من ّ‬
‫فقيه ا بِعل ِم ِ‬
‫الفق ِه حىّت ال خُن طئ ُيف أداء العب ادة هلل تع اىل من الف رائض أو التط وع ح ىت موافق ة مبا علَّ َم َه ا‬ ‫ً‬
‫الرسول ‪ . ‬آمني‪.‬‬
‫ّ‬
‫أهمية الموضوع وأسباب اختياره‬

‫ت بشعبة الفقه من قسم‬


‫جل بفضله‪ ،‬فالتَ َح ْق ُ‬
‫عز و ّ‬
‫ت الفرصة املناسبة‪ ،‬حيمنا أكرمين اهللُ ّ‬
‫ولقد وج ْد ُ‬
‫الدراس ات العلي ا مبعه د اإلس الم الع ايل ببيكاس ي‪ ،‬ج اوى الغ ريب يف مرحل ة ال دفلوم‪ ،‬ف أحببت أن يك ون يل‬

‫نصيب و إن كنت ال أرى أهال لذلك ولكن من اهلل أستمد العون و حسيب اهلل و نعم الوكيل‪.‬‬

‫ولقد نظرت يف مسائل الفقه بغية اختيار العنوان منها‪ ،‬فوجدت العن وان " أحكام األستعاذة" من‬

‫جل على اختيار ذلك العنوان و كتابته ألن سسبا لقلة علماء‬
‫عز َو َّ‬
‫أهم تلك املسائل فعزمت مستعينا باهلل َّ‬

‫الفقه قدماءً أو معاصرين الذين حبثوا عن أحكام التعوذ مدى علمي عن هذه املسألة‪.‬‬

‫دوافع اختيارذلك املوضوع فيما يلي‪:‬‬

‫األول‪ :‬مل أجد حبثا على مدى علمي عن هذه املسألة‪.‬‬

‫املسلمني‪.‬‬
‫َ‬ ‫يفهمه كثريٌ من‬ ‫الثاين‪ :‬إِ َّن هذا العنوان من ِّ‬
‫أهم األمو ِر الذى مل ْ‬

‫الثالث‪ : :‬إن التعوذ فيها علوم كثرية اليت مل نعرفْها قبل حبثِها‬

‫اختلفات كثريةٌ حىّت يف مسألةالتعوذ‬


‫ٌ‬ ‫الرابع ‪ :‬للداللة أن يف املسائل الفقهية (الفروعية)‬

‫اخلامس ‪ :‬للداللة على جواز االختالف يف املسائل الفروعية مادام اعتمادا بدليل صحيح من الكتاب أوالسنة‬

‫أو إمجاع األمة‪.‬‬


‫السادس‪ :‬توسيع املعلومات الفقهيه حول البسملة عند الكاتب و القارئ‪.‬‬

‫مناهج كتابة البحث‬

‫أما املنهج الذي سرت عليه يف حبث هذا املوضوع فهو يف األمور اآلتية‪:‬‬

‫مجع املعلوم ات من كتب التفاس ريو األح اديث النبوي ة و كتب الفق ه اإلس المي و غريه ا من‬ ‫‪.1‬‬

‫يسريا‪.‬‬
‫الكتب اإلسالمية املتنوعة اليت هي متعلقةٌ باملوضوع‪ ،‬مث رتَّبتُها ترتيباً ً‬
‫ع زوت ب ِذك ِر األدلَّة من كت اب اهلل تع اىل و الس نة و أق وال العلم اء يف قض ية ال يت حتت اج إىل‬ ‫‪.2‬‬

‫ذكرها‪.‬‬

‫تس هيال يف مجع املعلوم ات يف بعض األحي ان أس تخدم األش رطة أو التس جيالت املوج ودة أو‬ ‫‪.3‬‬

‫املكتبة الشاملة‪.‬‬

‫ذكر أقوال العلماء يف مسائل اليت اختلفوا فيها ذكر أرجح القول منها‪.‬‬ ‫‪.4‬‬

‫خـطة البحث‬

‫ت مادة هذه البحث إىل املقدمة و التمهيد و األبواب و اخلامتة‪.‬‬


‫قسم ُ‬
‫ْ‬

‫أما املقدمة تنقسم إىل أمهية املوضوع و أسباب اختياره و منهج كتابة البحث وخطة البحث كلمات الشكر‬

‫و التقدير‪.‬‬

‫أما التمهيد مشتمل على األمور اآلتية ‪:‬‬


‫الفصل األول ‪ :‬تعريف األستعاذة‪ ،‬فهذا الفصل مشتمل على مبحثني‪:‬‬

‫املبحث األول ‪ :‬األستعاذة لغة‬

‫املبحث الثاين ‪ :‬األستعاذة إصطالحا‬

‫الفصل الثاين ‪ :‬يف تفسري األستعاذة‪.‬‬

‫الفصل الثالث ‪ :‬صيغ األستعاذة‪.‬‬

‫الفصل الرابع ‪ :‬حكمة التشريع األستعاذة‪.‬‬

‫البـاب األول ‪ :‬أحكـام االستعاذة في الصالة‪,‬ـفهذا البـابـ مشتمل على سبعة فصول‪:‬‬

‫الفصل األول ‪ :‬حكمها‬

‫الفصل الثاين ‪ :‬حمل االستعاذة يف الصلوات املكتوبات‬

‫الفصل الثالث ‪ :‬اإلسرار واجلهر باالستعاذة يف الصلوات املكتوبات‬

‫الفصل الرابع ‪ :‬تكرار االستعاذة يف كل ركعة‬

‫الفصل اخلامس ‪ :‬صيغة االستعاذة يف الصلوات املكتوبات‬

‫الفصل السادس ‪:‬إستعاذة املأموم‬


‫كلمة الشكر‬

‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم على أشرف األنبياء واملرسلني‪ ،‬سيدنا ونبينا حممد وعلى‬

‫آله وصحبه أمجعني‪ .‬أما بعد ‪..‬‬

‫فامتث االً لقول ه س بحانه وتع اىل‪ { :‬ولق د آتين ا لقم ان احلكم ة أن اش كر هلل ومن يش كر فإمنا يش كر‬

‫لنفسه ومن كفر فإن اهلل غين محيد }‪ ،6‬فأشكر اهلل على ما من به علي من النعم‪ ،‬وأشكره سبحانه على أن‬

‫وفق ين للدراس ة يف ه ذا املعه د املب ارك ( معه د اإلس الم الع ايل ببكاس ي‪ ،‬ج او الغربي ة )‪ .‬ه ذا املعه د ال ذي‬

‫تعلمت فيه العلوم والفنون الشىت على مدى سنتني باملرحلة الدفلوم‪ ،‬فاحلمد هلل على ما كرم وشرف‪ ،‬مث إن‬

‫من شكر اهلل شكر القائمني على هذا املعهد سلفاً وخلف اً‪ ،‬اقتداءً هبدى املصطفى ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬

‫القائل (( من ال يشكر الناس ال يشكر اهلل ))‪.7‬‬

‫فإين أتقدم يف بداية حبثي هذا جبزيل الشكر والتقدير والعرفان إىل معهد اإلسالم العايل ببكاسي‪ ،‬اليت‬

‫هلا الفضل بعد اهلل يف حتقيق رغبيت يف املشاركة يف خدمة العلم وأهله‪.‬‬

‫وإىل مديرها العام فضيلة الدكتور أمحد زين النجاح‪.‬‬

‫وأخص بالشكر أيضاً األساتيذ الفضالء الذين كرسوا جهودهم‪ ،‬وبذلوا أوقاهتم لطلبة العلم فجزاهم‬

‫اهلل خري اجلزاء على ما قاموا به من جهود مباركة‪ ،‬وجعل ذلك يف موازين حسناهتم ‪.‬‬

‫‪ 6‬سورة لقمان ‪.12 :‬‬


‫‪ 7‬الرتمذي ( ‪ ) 201 / 7‬أمحد ( ‪.) 323 / 32‬‬
‫وأخرياً أشكر شكراً جزيالً من أعماق قليب شيخي األستاذ حممد عبيداهلل‪ ،‬خبش املشرف على حبثي‬

‫وال ذي اس تفدت من علم ه‪ ،‬وتوجيهات ه‪ ،‬وأخالق ه احلس نة‪ ،‬حفظ ه اهلل ورع اه وأم د يف عم ره خلدم ة دين ه‪،‬‬

‫فأسأل اهلل أن جيزيه خ ري اجلزاء‪ ،‬ويرفع قدره { مع ال ذين أنعم اهلل عليهم من النبيني والصديقني والشهداء‬

‫والص احلني }‪ ،8‬وأس أل اهلل للجمي ع األج ر واملثوب ة يف ال دارين‪ ،‬كم ا أس أله س بحانه أن يوفقن ا مجيع اً للعلم‬

‫النافع والعمل الصاحل‪ .‬وصلى اهلل على نبينا حممد وعلى آله وصحبه أمجعني‬

‫التمهيد‬

‫الفصل األول ‪ :‬تعريف اإلستعاذةـ‪ ،‬وفيه مبحثان‪:‬‬

‫‪ 8‬سورة النساء ‪.69 :‬‬


‫المبحث األولـ ‪ :‬اإلستعاذةـ لغة‬

‫((االستعاذة)) و ((التعوذ)) امسان مبعىن واحد‪ ،‬ومها مصدران‪:‬‬

‫األول مبعىن ((فعل))‬


‫أن َّ‬‫االستعاذة‪ :‬مصدر‪ :‬استعاذ يستعيذ‪ ،‬مثل‪ :‬استجار يستجري‪ .‬والفرق بينهما َّ‬

‫()‬
‫والثاين مبعىن طلب العوذ والعياذ ‪. 9‬‬

‫تعوذاً‪ ،‬مثل‪ :‬تربّص‪ ،‬يرتبّص‪ ،‬تربصاً‪.‬‬


‫يتعوذ ّ‬
‫تعوذ ّ‬
‫التعوذ‪ :‬مصدر‪ّ :‬‬

‫واملعىن اللغوي للكلمة‪ :‬االلتجاء والعصمة واالستجارة واالمتناع واالعتصام باهلل تعاىل من مهزات‬

‫( )‬
‫الشياطني ‪. 10‬‬

‫ضم آخره‪ ،‬وهو فعل‬


‫و ((أعوذ))‪ :‬فعل مضارع‪ ،‬وعالمة مضارعته اهلمزة يف َّأوله‪ ،‬وعالمة رفعه ّ‬
‫معتل؛ َّ‬
‫ألن عينه واو‪ ،‬أصله‪(( :‬أ َْع ُوذ)) على وزن ((أَفعُل)) استثقلت الضمة على الواو فنقلت إىل العني‪ ،‬كما‬

‫فعلوا يف ((أقول)) و((أزول))‪.‬‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬اإلستعاذة إصطالحا‪.‬‬

‫االستعاذة إصطالحا هي طلب االلتجاء واالعتصام مبن يلجأ إليه‪.11‬‬

‫انظر‪ :‬شرح الدرر للمنتوري‪ ،94-1/93:‬وبعد اآلن قد أمسيه ((املِْنتُوري)) فقط‪.‬‬ ‫‪9‬‬

‫الصحاح واللسان والقاموس ((أعوذ))‪.‬‬ ‫‪10‬‬

‫لسان العرب‪ ،‬مادة ع و ذ‪.‬‬ ‫‪11‬‬


‫وعرفها البيجورى من الشافعية‪ :‬االستجارة إىل ذى منعة على جهة االعتصام من املكروه‪.‬‬

‫وميكن تعريفها بأهنا‪ :‬طلب التعوذ باهلل من الشيطان الرجيم بني يدى القراءة ىف الصالة بصيغة‬
‫مشروعة‪.‬‬

‫واألصل ىف مشروعيتها قول اهلل تعاىل‪( :‬فإذا قرأت القرآن فاستعذ باهلل من الشيطان الرجيم)‪.12‬‬

‫الفصل الثاني ‪ :‬تفسير اإلستعاذة‪.‬‬

‫‪ )1‬االستعاذة‪ :‬االستجارة وتأويل قول القائل‪ :‬أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم‪ :‬أستجري باهلل ‪-‬دون غريه من‬
‫‪13‬‬
‫سائر خلقه‪ -‬من الشيطان أن يضرين يف ديين أو يصدين عن حق يلزمين لريب‪.‬‬

‫‪ )2‬االستعاذة هي االلتجاء إىل اهلل تعاىل وااللتصاق جبانبه من شر كل ذي شر‪ ،‬والعياذة تكون لـدفع الشر‪،‬‬

‫واللي ــاذ لطلب جلب الخ ــير‪ ،‬ومع ىن أع وذ باهلل من الش يطان ال رجيم أي أس تجري جبن اب اهلل من الش يطان‬

‫الرجيم أن يضرين يف ديين أو دنياي‪ ،‬أو يصدين عن فعل ما أمرت به‪ ،‬أو حيثين على فعل ما هنيت عنه‪ ،‬فإن‬

‫الشيطان ال يكفه عن اإلنسان إال اهلل‪ ،‬وهلذا أمر تعاىل مبصانعة شيطان اإلنس ومداراته بإسداء اجلميل إليه‬

‫ل ريده طبعه عم ا ه و في ه من األذى‪ ،‬وأم ر باالس تعاذة ب ه من ش يطان اجلن ألن ه ال يقب ل رش وة وال ي ؤثر في ه‬

‫مجيل ألنه شرير بالطبع‪ ،‬وال يكفه عنك إال الذي خلقه‪ .‬وهذا املعىن يف ثالث آيات من القرآن‪:‬‬

‫‪ 12‬سورة النحل‪.98 :‬‬


‫‪ 13‬تفسري الطربي (‪.)1/76‬‬
‫ان َن ْـزغٌ‬ ‫َّك ِم َن ال َّ‬
‫شـ ْيطَ ِ‬ ‫)وإِ َّماـ يَ َنزغَن َ‬
‫ين (‪َ 199‬‬
‫ِِ‬
‫الجــاهل َ‬
‫قال اهلل تعاىل‪ُ { :‬خ ِذ الع ْفو وأْمـر بِـالْعر ِ‬
‫ف َوأَ ْعـ ِر ْ‬
‫ض َع ِن َ‬ ‫َ َ َ ُ ْ ُْ‬
‫يم}‬ ‫فَاست ِع ْذ بِاللَّ ِه إِنَّه س ِم ِ‬
‫يع َعل ٌ‬
‫‪14‬‬
‫ُ َ ٌ‬ ‫َْ‬

‫ـك ِم ْن‬
‫ب أَعُ ــوذُ بِ ـ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سـ ـيِّئَةَ نَ ْح ُن أَ ْعلَ ُم ب َمــا يَصـ ـ ُفو َن (‪َ 96‬‬
‫)وقُ ــل َّر ِّ‬ ‫َح َسـ ـ ُن ال َّ‬ ‫ِ‬
‫وق ال تع اىل‪{ :‬ا ْدفَ ـ ْـع بِ ــالَّتِي ه َي أ ْ‬
‫ضر ِ‬ ‫)وأَعُوذُ بِ َ‬ ‫ات َّ ِ‬ ‫َهمز ِ‬
‫ون}‬ ‫ب أَن يَ ْح ُ ُ‬
‫ك َر ِّ‬ ‫الشيَاطي ِن (‪َ 97‬‬
‫‪15‬‬
‫ََ‬

‫َح َس ُن فَِإ َذا الَّ ِذي َب ْينَ َ‬ ‫ِ‬


‫ك َو َب ْينَــهُ َعـ َد َاوةٌـ َكأَنَّهُـ‬ ‫السيِّئَةُ ا ْدفَ ْع بِالَّتِي ه َي أ ْ‬ ‫وقال تعاىل‪َ { :‬والَ تَ ْستَ ِوي َ‬
‫الح َسنَةُ َوالَ َّ‬

‫َّك ِم َن‬
‫)وإِ َّماـ يَ َنزغَن َ‬ ‫اه ــا إِالَّ ذُو ـح ـ ٍّ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ـظ َعظ ٍيم (‪َ 35‬‬ ‫َ‬ ‫ص ـ ـَب ُروا َو َمـ ــا ُيلَ َّق َـ‬ ‫اه ــا إِالَّ الذ َ‬
‫ين َ‬ ‫)و َمـ ــا ُيلَ َّق َـ‬
‫يم (‪َ 34‬‬
‫َول ٌّي َحم ٌ‬
‫الس ِميع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ان َن ْزغٌ فَ ِ‬
‫الش ْيطَ ِ‬
‫يم}‬ ‫استَع ْذ بِاللَّه إِنَّهُ ُه َو َّ ُ َ‬
‫العل ُ‬ ‫َّ‬
‫‪16‬‬
‫ْ‬

‫فه ذه ثالث آي ات ليس هلا رابع ة يف معناه ا‪ ،‬وه و أن اهلل تع اىل ي أمر مبص انعة الع دو اإلنس ي واإلحس ان إليه‬

‫لريده عنه طبعه الطيب األصل إىل املواالة واملصافاة‪ ،‬ويأمر باإلستعاذة به من العدو الشيطاين ال حمالة‪ ،‬إذ ال‬

‫يقبل مصانعة وال إحسانا‪ ،‬وال يبتغي غري هالك ابن آدم لشدة العداوة بينه وبني أبيه آدم من قبل كما قال‬

‫الجن َِّة} ‪ ،17‬وقال تعاىل {إِ َّن ال َّ‬


‫شـ ْيطَا َن‬ ‫آد َم الَ َي ْفتَِننَّ ُك ُم ال َّ‬
‫شـ ْيطَا ُن َك َمــا أَ ْـخ َـر َج أ ََبـ َـويْ ُكم ِّم َن َ‬ ‫تعاىل‪{ :‬يَــا بَنِي َ‬

‫س ـ ـ ِعي ِر} ‪ ،18‬وق ال ع ز وج ل‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫لَ ُك ْم َع ـ ـ ُد ٌّو فَاتَّ ِ ـ‬


‫خ ـ ُذوهُـ َع ـ ـ ُدواًّ إِنَّ َمـ ــا يَ ـ ـ ْدعُو ح ْزبَـ ــهُ ليَ ُكونُـ ــوا م ْن أَ ْ‬
‫ص ـ ـ َح ِ‬
‫اب ال َّ‬
‫َّخ ُذونَهُ وذُ ِّر َّيتَهُ أَولِياء ِمن ُدونِي و ُهم لَ ُكم َع ُد ٌّو بِْئ ِ ِ ِ‬
‫{أَ َفتَت ِ‬
‫س للظَّالم َ‬
‫ين بَ َدالً} ‪ ،19‬وقد أقسم للوالد آدم عليه‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ْ‬ ‫ََْ‬ ‫َ‬

‫‪ 14‬سورة األعراف‪.200 :‬‬


‫‪ 15‬سورة املؤمنون‪.98-96:‬‬
‫‪ 16‬سورة فصلت‪.36-34:‬‬
‫‪ 17‬سورة األعراف‪27 :‬‬
‫‪ 18‬سورة فاطر‪6:‬‬
‫‪ 19‬سورة الكهف‪50:‬‬
‫ـك ألُ ْغـ ِوينَّهم أ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين (‪)82‬إِالَّ‬
‫َج َمع َ‬
‫َ ُْ ْ‬ ‫السالم أنه له ملن الناصحني وكذب‪ ،‬فكيف معاملته لنا وقد قال { فَبِ ِع َّزت ـ َ‬

‫ين}‬ ‫ِ‬ ‫ِعب ِ‬


‫الم ْخلَص َ‬
‫اد َك م ْن ُه ُم ُ‬
‫‪20‬‬
‫ََ‬

‫أهنا طهارة للفم مما كان يتعاطاه من اللغو والرفث وتطييب له لتالوة كالم اهلل‪ ،‬وهي استعانة باهلل‪ ،‬واعرتاف‬

‫له بالقدرة‪ ،‬وللعبد بالضعف والعجز عن مقاومة هذا العدو املبني الباطين الذي ال يقدر على منعه ودفعه إال‬
‫‪21‬‬
‫اهلل الذي خلقه‪ ،‬وال يقبل مصانعة‪ ،‬وال يدارى باإلحسان خبالف العدو من نوع اإلنسان‪.‬‬

‫‪ )3‬مع ىن االس تعاذة‪ :‬االس تجارة والتحيز إىل الش يء على مع ىن االمتناع ب ه من املك روه يق ال‪ :‬عذت بفالن‬

‫عوذ باهلل‬
‫واستعذت به أي جلأت إليه‪ ،‬وهو عياذي أي ملجئي‪ ،‬وأعذت غريي به وعوذته مبعىن‪ .‬ويقال‪ْ :‬‬
‫‪22‬‬
‫منك أي أعوذ باهلل منك‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫‪ )4‬االستعاذة باهلل هي االعتصام به‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫‪ )5‬معىن االستعاذة‪ :‬االستجارة والتحيز إىل الشيء على وجه االمتناع به من املكروه‪.‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬صيغ االستعاذة وأفضلها‪.‬‬

‫‪ 20‬سورة ص‪83-82 :‬‬


‫‪ 21‬تفسري ابن كثري (‪.)16-1/13‬‬
‫‪ 22‬تفسري القرطيب (‪.)1/121‬‬
‫‪ 23‬تفسري البغوي (‪.)1/46‬‬
‫‪ 24‬تفسري الثعاليب (‪.)1/21‬‬
‫وردت صيغتان لالستعاذة عند القراء والفقهاء ‪ ،‬إحدامها ‪ " :‬أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم " كما‬
‫ورد يف س ورة النح ل من قول ه تع اىل { ف إذا ق رأت الق رآن فاس تعذ باهلل من الش يطان ال رجيم }‪ . 25‬وه ذا‬
‫اختي ار أيب عم رو وعاص م وابن كث ري رمحهم اهلل ‪ .‬ق ال ابن اجلزري ‪ :‬إن ه املخت ار جلمي ع الق راء من حيث‬
‫الرواية ‪ ،‬وقال أبو احلسن السخاوي يف كتابه ( مجال القراء ) ‪ :‬إن إمجاع األمة عليه ‪ .‬قال يف النشر‪ :‬وقد‬
‫تواتر عن النيب صلى اهلل عليه وسلم التعوذ به للقراءة ولسائر تعوذاته ‪ ،‬وقال أبو عمرو الداين ‪ :‬هو املأخوذ‬
‫به عند عامة الفقهاء ‪ ،‬كأيب حنيفة ‪ ،‬والشافعي ‪ ،‬وأمحد وغريهم‪.26‬‬
‫ويف الص حيحني وغريمها قول ه ص لى اهلل علي ه وس لم يف إذه اب الغض ب ‪ :‬ل و ق ال ‪ :‬أع وذ باهلل من‬
‫الشيطان الرجيم لذهب عنه ما جيد‪ 27‬ويف غري الصحيح أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قرأ أمامه عبد اهلل بن‬
‫مس عود فق ال ‪ :‬أع وذ باهلل الس ميع العليم فق ال ‪ :‬ق ل ‪ :‬أع وذ باهلل من الش يطان ال رجيم وهك ذا أخذت ه عن‬
‫جربيل عن ميكائيل عن اللوح احملفوظ‪.28‬‬
‫الثانية " أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم إن اهلل هو السميع العليم "‪ ،‬حكي عن أهل املدينة ‪ ،‬ونقله‬
‫ال رازي يف تفس ريه عن أمحد ‪ ،‬لقول ه تع اىل { وإم ا ينزغن ك من الش يطان ن زغ فاس تعذ باهلل إن ه ه و الس ميع‬
‫العليم } (‪ )1‬وروي عن عم ر بن اخلط اب ‪ ،‬ومس لم بن يس ار ‪ ،‬وابن س ريين ‪ ،‬والث وري ‪ ،‬وه و اختي ار‬
‫نافع ‪ ،‬وابن عامر ‪ ،‬والكسائي‪.29‬‬
‫الثالثة ‪ :‬أن يقول ‪ " :‬أعوذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم "‪ ،‬قاله ابن سريين كما يف النشر‪.‬‬
‫الرابعة ‪ :‬أن يقول ‪ :‬اللهم إين أعوذ بك من الشيطان الرجيم رواه ابن ماجه بإسناد صحيح عن عبد‬
‫اهلل بن مسعود مرفوعا ‪ ،‬ورواه أبو داود كما يف النشر‪ .‬وهناك صيغ أخرى أوردها صاحب النشر‪.‬‬

‫الفصل الرابع‪ :‬حكمة تشريع اإلستعاذة‪.‬‬

‫‪25‬سورة النحل‪.98 :‬‬


‫‪26‬النشر يف القراءات العشر ‪ ، 243 / 1‬والطحطاوي على مراقي الفالح ‪. 141 / 1‬‬
‫قول النيب صلى اهلل عليه وسلم يف إذهاب الغضب أخرجه البخاري من حديث سليمان بن جرد بلفظ ‪ " :‬إين ألعلم كلمة لو قاهلا لذهب عنه ما‬ ‫‪27‬‬

‫جيد ‪ ،‬لو قال ‪ :‬أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم " ( فتح الباري ‪ 518 / 10‬ط السلفية )‪.‬‬
‫‪ 28‬قال ابن اجلزري ‪ :‬حديث غريب جيد اإلسناد ( النشر يف القراءات العشر ‪ 244 / 1‬نشر املكتبة التجارية ) ‪.‬‬
‫‪ 29‬النشر يف القراءات العشر‪ ،) 250 / 1( ،‬واملبسوط (‪.)13 / 1‬‬
‫طلب اهلل سبحانه من عباده أن يستعيذوا به من كل ما فيه شر‪ ،‬وشرعها سبحانه عند القيام ببعض‬
‫األعمال ‪ ،‬كقراءة القرآن يف الصالة وخارجها‪ ،‬وغري ذلك‪.‬‬
‫واستعاذ الرسول صلى اهلل عليه وسلم من الشر كله‪ 30،‬بل إنه استعاذ مما عويف منه وعصم‪ ،‬إظهارا‬
‫‪31‬‬
‫للعبودية ‪ ،‬وتعليما ألمته‪.‬‬

‫حديث " استعاذ الرسول ‪ " . . .‬أخرجه الطيالسي والطرباين وأبو داود من حديث جابر بن مسرة بن جندب بلفظ ‪ " :‬اللهم إين أسألك من اخلري كله‬ ‫‪30‬‬

‫ما علمت منه وما مل أعلم ‪ ،‬وأعوذ بك من الشر كله ما علمت منه وما مل أعلم " ورمز األلباين لصحته ‪ ( .‬فيض القدير ‪ 103 / 2‬نشر املكتبة التجارية‬
‫‪ ،‬والفتح الكبري ‪ 239 / 1‬ط مصطفى احلليب ‪ ،‬وصحيح اجلامع الصغري ‪ 404 / 1‬نشر املكتب اإلسالمي ‪ 1388‬هـ ‪) .‬‬
‫‪ 31‬اخلرشي ‪ 143 / 1‬ط بريوت دار صادر ‪ ،‬وفتح الباري ‪. 321 / 2‬‬

You might also like