Professional Documents
Culture Documents
1
المقدمة
الحمد ل والصلة والسلم على رسول ال وآله وصحبه ....وبعد:
طَر بنات أفكارها القلم وقضاهن في يومين بجوار بيت ال الحففرام فففي سّفهذه رسالة مختصرة َ ,
مهبفط الفوحي .عصفرت فيهفا عشفرات الكتفب ففي بفاب البحفث عفن السفعادة ،ولفم أثقفل عليفك
بالسماء والرقام والمراجع والنقولت ،بل شذبتها وهذبتها جهدي عسى ال أن ينفعنففي وإيففاك
بها في الدنيا والخرة .إنها تدعوك إلى حياة طيبة آمنة مطمئنة .
ولك إن شئت أن تكرر قراءتها وأن تعيد جملهففا وأن تضففع خطوط فًا تحففت كلماتهففا ،وأن تطففالب
نفسك بتنفيذ قراراتها والعمل بإرشاداتها ،ولعلها أن تقرأ على السففرة فففي الففبيت وعلففى المنففبر
في المسجد ،وفي درس الوعظ على الناس .إنها أشففبه بغصففن الريحففان خفيففف المحمففل طيففب
الرائحة ،توضع في درج المكتب وبجوار مخدة النوم .
واسأل نفسك عند قراءتك لها :هل تغير في ذهنك شيء؟ هل ترى أثرآ في روحففك؟ لعففل ذلففك أن
يكون وهذا الذي أريد ،وال من وراء القصد وما توفيقي إل بال عليه توكلت وإليه أنبت .
عائض القرني
الرياض
ت 014625398
2
السبب الول
فكر واشكر
والمعنى أن تذكر نعففم الف عليفك ,ففإذا هفي تغمففرك مفن فوقففك ومفن تحفت قفدميك )) وإن تعفدوا نعمففت الف ل
تحصوها (( صحة في بدن ،أمن في وطن ،غذاء وكساء ،وهواء وماء ،لديك الدنيا وأنت ما تشعر ،تملك الحيففاة
وأنت ل تعلم )) وأسبغ عليكم نعمه ظاهرًة وباطنًة (( عندك عينففان ،ولسففان وشفففتان ،ويففدان ورجلن )) فبففأي
آلء ربكما تكذبان (( .هل هي مسألة سهلة أن تمشي على قدميك ،وقد بترت أقدام ,وأن تعتمد على ساقيك ،وقد
ل معففدتك مففن الطعففام الشففهي ،وأنقطعت سوق ،أحقير أن تنام ملء عينيك وقد أطار اللففم نففوم الكففثير ،وأن تم ً
تكرع من الماء البارد وهناك من عكر عليه الطعام ،ونغص عليه الشففراب بففأمراض وأسففقام .تفكففر فففي سففمعك
وقد عوفيت من الصمم ،وتأمل في نظففرك وقففد سففلمت مففن العمففى ،وانظففر إلففى جلففدك وقففد نجففوت مففن الففبرص
والجذام ،والمح عقلك وقد أنعم عليك بحضوره ولم تفجع بالجنون والذهول.
أتريد في بصرك وحده كجبل أحد ذهبَا ،أتحب بيع سففمعك وزن " ثهلن " فضففة ،هففل تشففتري قصففور الزهففراء
بلسانك فتكون أبكما ،هل تقايض بيديك مقابل عقود اللؤلؤ والياقوت لتكون أقطع ،إنك فففي نعففم عميمففة وأفضففال
جسيمة ،ولكنك ل تدري .تعيش مهمومفًا مغمومفًا حزينفًا كئيبفًا وعنففك الخفبز والفدفء ،والمففاء البففارد ،والنفوم
الهانىء ،والعافية الوارفة ،تتفكر فففي المفقففود ول تشففكر الموجففود ،تنزعففج مففن خسففارة ماليففة وعنففدك مفتففاح
السعادة ،وقناطير مقنطرة من الخير والمواهب والنعم والشياء ،فكر واشففكر )) وفففي أنفسففكم أفل تبصففرون ((
فكر في نفسك ،وأهلففك ،وبيتففك ،وعملففك ،وعافيتففك ،وأصففدقائك ،والففدنيا مففن حولففك )) يعرفففون نعمففت الف ثففم
ينكرونها (( .
السبب الثاني
ما مضى فات
ق وجنون ،وقتل للرادة وتبديد للحيففاة الحاضففرة . تذكر الماضي والتفاعل معه واستحضاه ،والحزن لمآسيه حم ٌ
إن ملف الماضي عند العقلًء يطوى ول يروى ،يغلق عليه أبدا في زنزانة النسيان ،يقيد بحبال قويففة فففي سففجن
الهمال فل يخرج أبدًا ،ويوصد عليه فل يرى النور ،لنه مضففى وانتهففى ،ل الحففزن يعيففده ،ل الهففم يصففلحه ،ل
الغم يصححه ،ل الكدر يحيفيه لنه عدم .ل تعش في كابوس الماضي وتحت مظلة الفائت ،أنقذ نفسك مففن شففبح
الماضي ،أتريد أن ترد النهر إلى مصبه والشمس إلى مطلعها ،والطفل إلى بطن أمه ،واللبن إلى الثدي ،والدمعة
إلى العين ،إنك بتفاعلك مع الماضي ،وقلقلك منه واحتراقك بناره ،وانطراحك على أعتابه تعيش وضعاً مأسففاويًا
رهيبًا مخيفًا مفزعًا.
القراءة في دفتر الماضي ضياع للحاضر ،وتمزيق للجهد ،ونسف للساعة الراهنة ،ذكر ال المم وما فعلت ثم
قال )) :تلك أمٌة قد خلت (( انتهى المر وقضي ،ول طائل من تشريح جثة الزمان ،وإعادة عجلة التاريخ .
ل ،وكالذي ينشففر نشففارة الخشففب .وقففديمًا قففالوا إن الذي يعود للماضي كالذي يطحن الطحين وهو مطحون أص ً
لمن يبكي على الماضي :ل تخرج الموات من قبففورهم ،وقففد ذكففر مففن يتحففدث علففى ألسففنة البهففائم أنهففم قففالوا
للحمار لم ل تجتر ؟ قال :أكره الكذب .
إن بلءنفا أننففا نعجفز عفن حاضفرنا ونشفتغل بماضفينا ,نهمففل قصففورنا الجميلفة ،وننفدب الطلل الباليففة ،ولئن
اجتمعت النس والجن على إعادة ما مضى لما استطاعوا لن هذا هو المحال بعينه .
إن الناس ل ينظرون إلى الوراء ول يلتفتون إلى الخلف؛ لن الريح تتجه إلففى المففام والمففاء ينحففدر إلففى المففام
والقافلة تسير إلى المام ،فل تخالف سنة الحياة .
السبب الثالث
يومك يومك
إذا أصبحت فل تنتظر المساء ،اليوم فحسب ستعيش ،فل أمس الذي ذهب بخيره وشره ،ول الغففد الففذي لففم يففأت
إلى الن .اليوم الذي أظفلتك شمسه ،وأدركك نهففاره هففو يومففك فحسففب ،عمففرك يففوم واحففد ،فاجعففل فففي خلففدك
العيش لهذا اليوم وكأنك ولدت فيه وتموت فيه ,حينها ل تتعثر حياتك بين هاجس الماضي وهمه وغمففه ،وبيففن
توقع المستقبل وشبحه المخيف وزحفه المرعب ،لليوم فقط اصرف تركيزك واهتمامك وإبففداعك وكففدك وجففدك،
فلهذا اليوم ل بد أن تقدم صلة خاشعة وتلوة بتدبر واطلعًا بتأمل ،وذكرًا بحضور ،واتزانًا في المور ،وحسففنًا
3
في خلق ،ورضًا بالمقسوم ،واهتمامًا بالمظهر ،واعتناًء بالجسم ،ورضَا بالمقسوم ،واهتمامًا بالمظهر ،واعتناًء
بالجسم ،ونفعًا للخرين .
لليوم هذا الذي أنت فيه فتقسم ساعاته وتجعل من دقائقه سنوات ،ومن ثوانيه شهور ،تزرع فيه الخيففر ،تسففدي
فيه الجميل تستغفر فيه مفن الففذنب ،تفذكر فيفه الفرب ،تتهيفأ للرحيفل ،تعيففش هفذا اليففوم فرحفًا وسففرورًا ،وأمنفَا
وسكينة ،ترضى فيه برزقك ،بزوجتك ،بأطفالك بوظيفتك ،ببيتك ،بعلمفك ،بمسفتواك )) فخفذ مففا آتيتفك وكففن مففن
الشاكرين (( تعيش هذا اليوم بل حزن ول انزعاج ،ول سخط ،ول حقد ،ول حسد .
إن عليك أن تكتب على لوح قفلبك عبارة واحدة تجعلها أيضَا على مكتبك ,تقول العبارة :يومك يومك .
إذا أكلت خبزًا حارًا شهيًا هذا اليوم فهل يضرك خبز المس الجاف الرديء ،أو خبز غد الغائب المنتظر .
إذا شربت ماًء عذبَا زلًل هذا اليوم ،فلماذا تحزن من ماء أمس الملح الجاج ،أو ماء غٍد السن الحار .
إنك لو صدقت مع نفسك بإرادة فولذية صارمة عارمة لخضعتها لنظرية :لن أعيش إل هذا اليوم .
حينها تستغل كل لحظة في هذا اليوم في بناء كيانك وتنمية مواهبك ،وتزكية عملففك ،فتقففول :لليففوم فقففط أهففذب
ألفاظي فل أنطفق هجفرًا أو فحشفًا ،أو سفبًا ،أو غيبففة ،لليفوم فقففط سفوف أرتفب بيفتي ومكتبفتي ،فل ارتبففاك ول
بعثرة ،وإنما نظام ورتابة .لليففوم فقففط سففوف أعيففش فففأعتني بنظافففة جسففمي ،وتحسففين مظهففري والهتمففام
بهندامي ،والتزان في مشيتي وكلمي وحركاتي .
لليوم فقط سأعيش فأجتهد في طاعة ربي ،وتأدية صلتي على أكمل وجه ،والتزود بالنوافل ،وتعاهد مصحفي،
والنظر في كتبي ،وحفظ فائدة ،ومطالعة كتاب نافع .
لليوم فقط سأعيش فأغرس في قلبي الفضيلة وأجتث منه شجرة الشر بغصونها الشائكة من كبر وعجب ورياء
وحسد وحقد وغل وسوء ظن .
لليوم فقط سوف أعيش فأنفع الخرين ,وأسدي الجميل إلى الغير ،أعود مريضًا ،أشيع جنازة ،أدل حيران،
أطعم جائعًا ،أفرج عن مكروب ،أقف مع مظلوم ،أشفع لضعيف ،أواسي منكوبًا ،أكرم عالمًا ،أرحم صغيرًا ،أجل
كبيرًا .
ض ذهب وانتهى :اغرب كشمسك فلن أبكي عليك ولففن ترانففي أقففف لتففذكرك لحظففة ؛ لليوم فقط سأعيش فيا ما ٍ
لنك تركتنا وهجرتنا وارتحلت عنا ولن تعود إلينا أبد البدين .
ويا مستقبل أنت في عالم الغيب فلن أتعامل مع الحلم ،ولن أبيع نفسي مع الوهففام ولففن أتعجففل ميلد مفقففود ؛
لن غدًا ل شيء لنه لم يخلق ولنه لم يكن مذكورًا .
يومك يومك أيها النسان أروع كلمة في قاموس السعادة لمن أراد الحياة في أبهى صورها وأجمل حللها .
السبب الرابع
اترك المستقبل حتى يأتي
)) أتى أمر ال فل تستعجلوه (( ل تستبق الحداث ،أتريد اجهاض الحمل قبل تمامه ،وقطف الثمرة قبل النضج
،إن غدًا مفقود ل حقيقة له ،ليس له وجود ول طعم ول لون ،فلماذا نشغل أنفسنا به ونتففوجس مففن مصففائبه
ونهتم لحوادثه ونتوقع كوارثه ،ول ندري هل يحال بيننا وبينه أو نلقاه فإذا هو سرور وحبففور ،المهففم أنففه فففي
عالم الغيب لم يصل إلى الرض بعد .إن علينا أن ل نعبر جسرًا حتى نأتيه ،ومن يدري؟ لعلنا ننفق قبففل وصففول
الجسر ،أو لعل الجسر ينهار قبل وصولنا ،وربما وصلنا الجسر ومررنا عليه بسلم .
إن إعطاء الذهن مساحة أوسع للتفكير في المستقبل وفتح كتاب الغيب ثم الكتواء بالمزعجات المتوقعة ممقو ٌ
ت
ل ؛ لنه مصارعة للظل .إن كثيرًا من هذا العفالم يتوقففع ففي مسفتقبله الجفوع شرعًا؛ لنه طول أمل ،ومذموم عق ً
والعري والمرض والفقر والمصائب ،وهذا كله من مفردات مدارس الشيطان )) الشيطان يعدكم الفقففر ويففأمركم
ل (( .
بالفحشاء ول يعدكم مغفرًة منه وفض ً
كثيٌر هم الذين يبكون ؛ لنهم سوف يجوعون غدًا ،وسوف يمرضون بعد سنة ،وسوف ينتهففي العففالم بعففد مففائة
عام .إن الذي عمره في يد غيره ل ينبغي له أن يراهفن علفى العفدم ،والفذي ل يفدري مفتى يمفوت ل يجفوز لفه
الشتغال بشيء مفقود ل حقيقة له .
اترك غدًا حتى يأتيك ،ل تسأل عن أخباره ،ل تنتظر زحفه ؛ لنك مشغول باليوم .
ب هؤلء يقترضون الهم نقدًا ليقضوه نسيئة في يوم لم تشرق شمسه ولم ير النففور ،فحففذار مففن وإن تعجب فعج ٌ
طول المل .
السبب الخامس
4
كيف تواجه النقد الثم
الرقعاء السخفاء سبوا الخالق الرازق جل في عله ،وشتموا الواحد الحد ل إله إل هففو ،فمففاذا أتوقففع أنففا وأنففت
ونحن أهل الحيف والخطأ ،إنك سوف تواجه في حياتك حربًا ضروسًا ل هوادة فيها من النقد الثففم المففر ،ومففن
التحطيم المدروس المقصود ،ومن الهانة المتعمدة ما دام أنك تعطي وتبني وتؤثر وتسطع وتلمففع ،ولففن يسففكن
هؤلء عنك حتى تتخذ نفقًا في الرض أو سلمًا في السماء فتفر من هؤلء ،أما وأنت بين أظهرهم ففانتظر منهفم
ما يسوؤك ويبكي عينك ،ويدمي مقلتك ،ويقض مضجعك .
إن الجالس على الرض ل يسقط ،والناس ل يرفسون كلبًا ميتًا ،لكنهم يغضبون عليففك لنففك فقفففتهم صففلحًا ،أو
علمًا ،أو أدبًا ،أو ماًل ،فأنت عندهم مذنب ل توبة لك حتى تترك مواهبك ونعم ال عليك ،وتنخلع من كففل صفففات
الحمد ،وتنسلخ من كل معاني النبل ،وتبقى بليدًا غبًيا ،صفرًا محطمًا ،مكدودًا ,هذا ما يريدون بالضبط .
إذَا فاصمد لكلم هؤلء ونقدهم وتشويههم وتحقيرهم " اثبفت أحفد" وكفن كالصفخرة الصفامتة المهيبفة تتففكسر
عليها حبات البر لتثبت وجودها وقدرتها على البقاء .إنك إن أصغيت لكلم هؤلء وتفاعلت معه حققت أمنيتهففم
الغالية في تعكير حياتك وتكدير عمرك ،أل فاصفح الصففح الجميفل ،أل ففأعرض عنهفم ول تفك فففي ضفيق ممفا
يمكرون .إن نقدهم السخيف ترجمة محترمة لك ،وبقدر وزنك يكون النقد الثم المفتعل .
إنك لن تستطيع أن تغلق أفواه هؤلء ولن تستطيع أن تعتقففل ألسففنتهم لكنففك تسففتطيع أن تففدفن نقففدهم وتجنيهففم
بتجافيك لهم ،وإهمالك لشأنهم ،وإطراحك لقوالهم )) قل موتوا بغيظكم ((
بل تستطيع أن تصب في أفواههم الخردل بزيادة فضائلك وتربية محاسنك وتقويم اعوجاجك .
إن كنت تريد أن تكون مقبوًل عند الجميع محبوبًا لدى الكل سليمًا مففن العيففوب عنففد العففالم فقففد طلبففت مسففتحي ً
ل
ل بعيدًا .
وأملت أم ً
قال حاتم :
السبب السادس
ل تنتظر شكرًا من أحد
من يفعل الخير ل يعدم جوازيه
ل يذهب العرف بين ال والناس
خلق ال العباد ليذكروه ورزق ال الخليقة ليشكروه ،فبعد الكثير غيره ،وشكر الغالب سواه؛ لن طبيعة الجحففود
والنكران والجفاء وكفران النعم غالبة على النففوس ،فل تصفدم إذا وجفدت هفؤلء قفد كففروا جميلفك ،وأحرقفوا
إحسانك ،ونسوا معروفك ،بل ربما ناصبوك العداء ،ورموك بمنجنيق الحقففد الففدفين ،ل لشففيء إل لنففك أحسففنت
إليهم )) وما نقموا إل أن أغناهم ال ورسوله من فضله (( .
5
وطالع سجل العالم المشهود ،فإذا في فصوله قصة أب ربى ابنه وغذاه وكساه وأطعمه وسقاه ،وأدبففه ،وعلمففه،
سهر لينام ،وجاع ليشبع ،وتعب ليرتاح ،فلما طر شاب هذا البن وقوي ساعده ،أصففبح لوالففده كففالكلب العقففور،
استخفافًا ،ازدراًء ،مقتًا ،عقوقًا ،صراخًا ،عذابًا وبيلً.
أل فليهدأ الذين احترقت أوراق جميلهم عند منكوسي الفطر ،ومحطمي الرادات ،وليهنؤوا بعوض المثوبة عنففد
من ل تنفذ خزائنه .
إن هذا الخطاب الحار ل يدعوك لترك الجميل ،وعدم الحسان للغير ،وإنما يوطنك على انتظففار الجحففود والتنكففر
لهذا الجميل والحسان ،فل تبتفئس بما كانوا يصنعون .
اعمل الخير لوجه ال ،لنك الفائز على كل حال ،ثم ل يضر غمط من غمطه ،ول جحود مففن جحففده ،واحمففد الف
لنك المحسن ،وهو المسيء ،واليد العليا خير من اليد السفلى )) إنما نطعمكم لوجه ال ل نريد منكففم جففزاًء ول
شكورًا (( .
وقد ذهل كثير من العقلء من جبلة الجحود عند الغوغففاء ،وكففأنهم مففا سففمعوا الففوحي الجليففل وهففو ينعففي علففى
الصنف عتوه وتمرده )) مر كأن لم يدعنا إلى ضٍر مسه(( ل تفاجفًا إذا أهفديت بليفدًا قلمفًا فكتفب بفه هجففاءك ،أو
منحت جافيًا عصًا يتوكأ عليها ويهش بهففا علففى غنمففه ،فشففج بهففا رأسففك ،هففذا هففو الصففل عنففد هففذه البشففرية
المحنطة في كفن الجحود مع باريها جل في عله ،فكيف بها معي ومعك .
السبب السابع
الحسان إلى الغير انشراح للصدر
الجميل كاسمه ،والمعروف كرسمه ،والخيفر كطعمفه .أول المسفتفيدين مفن إسفعاد النفاس هفم المتفضفلون بهفذا
ل في نفوسهم ،وأخلقهفم ،وضفمائرهم ،فيجففدون النشففراح ،والنبسفاط ،والهففدوء السعاد ،يجنون ثمراته عاج ً
والسكينة .
ل تجففد الفففرج والراحففة .أعففط
فإذا طاف بك طائف من هم أو ألففم بفك غففم فامنففح غيففرك معروففًا وأسفِد لهففم جمي ً
محرومًا ،انصر مظلومًا ،أنقذ مكروبًا ،أطعم جائعًا ،عد مريضًا ،أعن منكوبًا ،تجد السعادة تغمرك من بيففن يففديك
ومن خلفك .
إن فعل الخير كالمسك ينفع حامله وبائعه ومشتريه ،وعوائد الخير النفسية عقاقير مباركة تصفرف ففي صفيدلية
الذين عمرت قلوبهم بالبر والحسان .
إن توزيع البسمات المشرقة على فقراء الخلق صدقة جارية في عالم القيم " ولو أن تلقى أخففاك بففوجه طفففلق
" وإن عبوس الوجه إعلن حرب ضروس على الخرين ل يعلم قيامها إل علم الغيوب .
شربة ماء من كف بغي لكلب عقور أثمرت دخول جنة عرضها السماوات والرض لن صاحب الثواب غفور
شكور جميل ،يحب الجميل ،غني حميد .
يا من تهددهم كوابيس الشقاء والفزع والخوف هلموا إلى بستان المعروف وتشففاغلوا بففالخير ،عطففاء وضففيافة
ومواساة وإعانة وخدمة وستجدون السعادة طعمًا ولونًا وذوقًا )) وما لحٍد عنده من نعمٍة تجزى)(19إل ابتغففاء
وجه ربه العلى) (20ولسوف يرضى (( .
السبب الثامن
أطرد الفراغ بالعمل
الفارغون في الحياة هم أهل الراجيف والشائعات لن أذهانهم موزعة )) رضوا بأن يكونوا مع الخوالف ((.
إن أخطر حالت الذهن يوم يفرغ صاحبه من العمل فيبقى كالسيارة المسففرعة فففي انحففدار بل سففائق تجنففح ذات
اليمين وذات الشمال .
يوم تجد ففي حياتفك فراغفًا فتهيفأ حينهفا للهفم والغفم والففزع؛ لن هفذا الففراغ يسفحب لفك كفل ملففات الماضفي
والحاضر والمستقبل من أدراج الحياة فيجعلك في أمر مريج ،ونصيحتي لك ولنفسي أن تقوم بأعمال مثمرة بدًل
من هذا السترخاء القاتل لنه وأٌد خفي ،وانتحار بكبسول مسكن .
إن الفراغ أشبه بالتعذيب البطيء الذي يمارس في سجون الصين بوضع السجين تحفت أنبففوب يقطففر كفل دقيقفة
قطرة ،وفي فترات انتظار هذه القطرات يصاب السجين بالجنون .
6
الراحة غفلة ،والفارغ لص محترف ،وعقلك هو فريسة ممزقة لهذه الحروب الوهمية .
إذَا قم الن صل أو اقرأ ،أو سبح أو طالع ،أو اكتب ،أو رتب مكتبتك ،أو اصلح بيتك ،أو انفع غيرك حتى تقضي
على الفراغ وإني لك من الناصحين .
اذبح الفراغ بسكين العمل ،ويضمن لك أطباء العالم %50مففن السففعادة مقابففل هففذا الجففراء الطففارئ فحسففب،
انظر إلى الفلحين والخبازين والبناءين يغففردون بالناشففيد كالعصففافير فففي سففعادة وراحففة وأنففت علففى فراشففك
تمسح دموعك وتضطرب كأنك ملدوغ .
السبب التاسع
ل تكن إمعة
ل تتقمص شخصية غيرك ول تذب في الخريفن .إن هفذا هفو العفذاب الفدائم ،وكفثير هفم الفذين ينسفون أنفسفهم
وأصففواتهم وحركففاتهم ،وكلمهففم ،ومففواهبهم ،وظروفهففم ،لينصففهروا فففي شخصففيات الخريففن ،فففإذا التكلففف
والصلف ،والحتراق ،والعدام للكيان وللذات .
وآدم إلى آخر الخليقة لم يتفق اثنان في صورة واحدة ،فلماذا يتفقون في المواهب والخلق .
أنت شيء آخر لم يسبق لك في التاريخ مثال ولن يأتي مثلك في الدنيا شبيه .
أنت مختلف تمامًا عن زيد وعمرو فل تحشر نفسك في سرداب التقليد والمحاكاة والذوبان .
س مشربهم (( )) ولكلٍ وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات (( انطلق على هيئتك وسجيتك )) قد علم كل أنا ٍ
عش كما خلقت ل تغير صوتك ،ل تبدل نبرتك ،ل تخلف مشيتك ،هذب نفسك بالوحي ،ولكن ل تلغي وجودك
وتقتل استقللك .
أنت لك طعم خاص ولون خاص ونريدك أنت بلونك هذا وطعمك هذا ،لنك خلفت هكذا وعرفنففاك هكففذا " ل يكففن
أحدكم إمعة " .
إن الناس في طبائعهم أشبه بعالم الشجار .حلو وحامض ،وطويل وقصير ،وهكذا فليكونوا .فإن كنت كالموز
فل تتحول إلى سفرجل ؛ لن جمالك وقيمتك أن تكون موزًا ،إن اختلف ألواننا وألسنتنا ومواهبنا وقدراتنا آية
من آيات الباري فل تجحد آياته .
السبب العاشر
قضاء وقدر
)) ما أصاب مفن مصفيبة ففي الرض ول ففي أنفسفكم إل ففي كتففاب مفن قبففل أن نبرأهفا (( ,جفف القلففم ،رفعفت
الصحف ،قضي المر ،كتبت المقادير ،لن يصيبنا إل ما كتب ال لنا ،ما أصابك لم يكن ليخطففأك ،ومففا أخطففأك لففم
يكن ليصيبك .
إن هذه العقيدة إذا رسخت في نفسك وقففرت فففي ضفميرك صففارت البليففة عطيفة ،والمحنففة منحففة ،وكففل الوقففائع
جوائز وأوسمة " من يرد ال به خيرًا يصب منه " فل يصيبك قلق من مرض أو موت ابففن ،أو خسففارة ماليففة،
أو احتراق بيت ،فإن الباري قد قدر والقضاء قد حل ،والختيار هكذا ،والخيرة ل ،والجر حصل والذنب ُكّفَر .
هنيئًا لهل المصائب صبرهم ورضاهم عن الخذ ،المعطي ،القابض ،الباسط ،ل يسأل عما يفعل وهم يسألون .
ولن تهدأ أعصابك وتسكن بلبل نفسك ،وتذهب وساوس صدرك حتى تؤمن بالقضاء والقدر ،جف القلم بما أنت
لق ،فل تذهب نفسك حسرات ،ل تظن أنه كان بوسعك إيقاف الجدار أن ينهار ،وحبس الماء أن ينسففكب ،ومنففع
الريح أن تهب ،وحفظ الزجاج أن ينكسر ،هذا ليس بصحيح على رغمي ورغمك ،وسفوف يقفع المقففدور ،وينففذ
القضاء ،ويحل المكتوب )) فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر (( .
استسلم للقدر قبل أن تطوق بجيش السخط والتذمر والعويففل ،اعففترف بالقضففاء قبففل أن يفدهمك سففيل النففدم ،إذَا
فليهدأ بالك إذا فعلت السباب ،وبذلت الحيل ،ثم وقع ما كنت تحذر ،فهذا هو الذي كان ينبغي أن يقع ،ول تقففل "
لو أني فعلت كذا وكذا لكان كذا وكذا ،ولكن قل :قدر ال وما شاء فعل".
7
السبب الحادي عشر
إن مع العسر يسرًا
يا إنسان بعد الجوع شبع ،وبعد الظمأ ري ،وبعد السهر نوم ،وبعد المرض عافية ،سوف يصل الغففائب ويهتففدي
الضال ،ويفك العاني ،وينقشع الظلم )) فعسى ال أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده (( .
بشر الليل بصبح صادق يطارده على رؤوس الجبال ،ومسارب الودية ،بشر المهمففوم بفففرج مفففاجئ يصففل فففي
سرعة الضوء ولمح البصر ،بشر المنكوب بلطف خفي وكف حانية وادعة .
إذا رأيت الصحراء تمتد ،فاعلم أن ورائها رياضًا خضراء وارفة الظلل .
إذا رأيت الحبل يشتد يشتد ،فاعلم أنه سوف ينقطع .
أحسن كلمة قالها العرب في الجاهلية :
الغمرات ثم ينفلجّنه
ثم يذهبن ول يجّنه
مع الدمعة بسمة ،ومع الخوف أمنًا ،ومع الفزع سكينة ،النار ل تحففرق إبراهيففم التوحيففد؛ لن الرعايففة الربانيففة
فتحت نافذة بردًا وسلمًا .
البحر ل يغرق كليم الرحمن؛ لن الصوت القوي الصادق نطق بكل إن معي ربي سيهدين .
شَر صاحبه بأنه وحده معنا ففتفنفزل المن والفتح والسكينة . المعصوم في الغار َب ّ
إن عبيد ساعدتهم الراهنة وأرقاء ظروفهم القاتمة ل يرون إل النكد والضيق والتعاسة ،لنهم ل ينظرون إل إلى
جدار الغرفففة وبففاب الففدار فحسففب .أل فليمففدوا أبصففارهم وراء الحجففب وليطلقففوا أعنففة أفكففارهم إلففى مففا وراء
السوار .
إذَا فل تضق ذرعَا فمن المحال دوام الحال ،وأفضل العبادة انتظار الفرج ،اليام دول ،والدهر قلب ،والليالي
حبالى ،والغيب مستور ،والحكيم كل يوم هو في شأن ،ولعل ال يحدث بعد ذلك أمرا ،وإن مع العسر يسرَا .
8
وحق علي وعليك أن ندعوه في الشدة والرخاء ،والسراء والضراء ،ونفزع إليه في الملمات ،ونتوسل إليه فففي
الكربات ،وننطرح على عتبات بابه سائلين باكين ضارعين منيفبفيفن ،حينهففا يففأتي مففدده ويصففل عففونه ويسففرع
فرجه ،ويحل فتحه )) أمن يجيب المضطر إذا دعاه (( فينجي الغريففق ويففرد الغففائب ،ويعففافي المبتفففلى ،وينصففر
المظلوم ،ويهدي الضال ،ويشفي المريض ،ويفرج عن المكروب )) فإذا ركبوا في الفلك دعوا ال مخلصففين لففه
الدين (( .
ولن أسرد عليك هنا أدعية إزاحففة الهفم والغفم والحففزن والكفرب ،ولكفن أحيلففك إلفى كتفب السففنة لتتعلفم شفريف
الخطاب معه فتناجيه وتناديه وتدعوه وترجوه ،فإن وجدته وجدت كل شففيء ،وإن فقففدت اليمففان بففه فقففدت كففل
شيء ،إن دعاءك ربك عبادة أخرى ،وطاعة عظمى ثانية فففوق حصففول المطلففوب ،وإن عبففدَا يجيففد فففن الففدعاء
حري أن ل يهتم ول يغتم ول يقلق ،كل الحبال تتصرم إل حبله ،كل البفواب توصفد إل بفابه ،وهفو قريفب سففميع
مجيب ،يجيب المضطر إذا دعاه .يأمرك وأنت الفقير الضعيف المحتاج ،وهو الغني القوي الواحففد الماجففد ،بففأن
تدعوه )) ادعوني أستجب لكم (( .
إذا نزلت بك النوازل وألمت بك الخطوب ،فالهج بففذكره ،واهتففف باسففمه ،واطلفب مففدده واسففأله فتحفه ونصفره،
مرغ الجبين لتقديس اسمه ،لتحصل على تاج الحرية ،وأرغم النف في طين عبوديته لتحوز وسام النجففاة .مففد
يديك ،أرفع كفيك ،أطلق لسانك ،أكثر من طلبه ،بالغ في سؤاله ،ألح عليه ،الزم بابه ،انتظر لطفه ،ترقففب فتحففه،
ل حتى تسعد وتفلح .أشد باسمه ،أحسن ظنك فيه ،انقطع إليه ،تبتل إليه تبتي ً
إذًا فرجائي الوحيد إقبالك على شأنك والنزواء في غرفتك إل من قول خير أو فعل خيففر ،حينهففا تجففد قلبففك عففاد
إليك ،فسلم وقتك من الضياع ،وعمرك مفن الهفدار ،ولسفانك مفن الغيبفة ،وقلبفك مفن القلفق ،وأذنفك مفن الخنفا
ونفسك من سوء الظن ،ومن جرب عرف ،ومن أركفب نفسفه مطايفا الوهفام ،واسترسفل مفع العفوام فقفل عليفه
السلم .
9
إن عمر الدنيا قصير وكنزها حقير ،والخرة خير وأبقى فمن أصففيب هنففا كفوفي هنفاك ،ومففن تعفب هنفا ارتففاح
هناك ،أما المتعفلقون بالدنيا العاشقون لها الراكنون إليها ،فأشد ما على قلوبهم فففوت حظففوظهم منهففا وتنغيففص
راحتهم فيها لنهم يريدونها وحدها فلذلك تعظففم عليهففم المصففائب وتكففبر عنففدهم النكبففات لنهففم ينظففرون تحففت
أقدامهم فل يرون إل الدنيا الفانية الزهيدة الرخيصة .
أيها المصابون ما فات شيء وأنتم الرابحون ،فقد بعث لكم برسالة بين أسطرها لطففف وعطففف وثففواب وحسففن
اختيار إن على المصاب الذي ضرب عليه سرادق المصيبة أن ينظر ليرى أن النتيجة )) فضرب بينهم بسوٍر لُه
ب (( وما عند ال خير وأبقى وأهنأ وأمرأ وأجل وأعلى . باب باطنُه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذا ُ
10
من حرمني " )) ,والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس (( بشر هؤلء بثففواب عاجففل مففن الطمأنينففة والسففكينة
والهدوء .
من سالم الناس يسلم من عواذلهم
ونام وهو قرير العين جذلن
وبشرهم بثواب أخروي كبير في جوار رب غفور في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر .
ل در الحسد ما أعدله
بدأ بصاحبه فقتله
إنني أنهى نفسي ونفسك عن الحسد رحمة بي وبك ،قبل أن نرحم الخرين؛ لننا بحسدنا لهم نطعم الهم لحومنا،
ونسقي الغم دماءنا ونوزع نوم جفوننا على الخرين .
إن الحاسد يشعل فرنًا ساخنًا ثم يقتحم فيه .التنغيص والكدر والهم الحاضر أمراض يولدها الحسد لتقضي علففى
الراحة والحياة الطيبة الجميلة .
بلية الحاسد أنه خاصم القضاء واتهم الباري في العدل وأساء الدب مع الشرع وخالف صاحب المنهج .
يا للحسد من مرض ل يؤجر عليه صاحبه ،ومن بلء ل يثاب عليه المبتلى بففه ،وسففوف يبقففى هففذا الحاسففد فففي
حرقة دائمة حتى يموت أو تذهب نعم الناس عنهم .كل يصالح إل الحاسد فالصلح معففه أن تتخلففى عففن نعففم الف
وتتنازل عن مواهبك ،وتلغي خصائصك ،ومناقبك ،فإن فعلت ذلك فلعله يرضى على مضض ،نعوذ بال مففن شففر
حاسد إذا حسد ،فإنه يصبح كالثعبان السود السام ل يقر قراره حتى يفرغ سمه في جسم بريء .
11
فأنهاك أنهاك عن الحسد واستعذ بال من الحاسد فإنه لك بالمرصاد .
السبب العشرون
اقبل الحياة كما هي
طبعت على كدر وأنت تريدها
صفوًا من القذاء والكدار
هذا حال الدنيا منغصة اللذات ،كثيرة التبعات ،جاهمففة المحيففا ،كففثيرة التلففون ،مزجففت بالكففدر ،وخلطففت بالنكففد،
وأنت منها في كبد .
ل ،ول مسكنًا ول وظيفة إل وفيففه مففا يكففدر وعنففده مففا يسففوء أحيانفًا،ولن تجد ولدًا أو زوجة ،أو صديقًا ،أو نبي ً
فأطفيء حر شره ببرد خيره ،لتنجو رأسًا برأس والجروح قصاص .
أراد ال لهذه الدنيا أن تكون جامعة لضدين والنوعين والفريقيففن والرأييففن خيففر وشففر ،صففلح وفسففاد ،سففرور
وحزن ،ثم يصفو الخير كله والصلح والسرور في الجنة ويجمع الشر كله والفساد والحزن في النار .
وفي الحديث " :الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إل ذكر ال وما واله وعالم ومتعلم " فعش واقعك ول تسففرح مففع
الخيال وحلق في عالم المثاليات ،اقبل دنياك كما هي ،وطوع نفسك لمعايشتها ومواطنتها ،فسففوف ل يصفففو لففك
فيها صاحب ول يكمل لك فيها أمر؛ لن الصفو والكمال والتمام ليس من شأنها ول من صفاتها .
لن تكمل لك زوجة وفي الحديث " ل يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي آخر" .
فينبغي أن نسدد ونقارب ونعفو ونصفح ونأخذ ما تيسر ونذر ما تعسر ونغمض الطرف أحيانففا ونسففدد الخطفى ،
ونتغافل عن أمور .
ومن لم يصانع في أمور كثيرة
يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم
12
وطعن علي ،وجلدت ظهور الئمة وسجن الخيار ،ونكل بالبرار )) أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يففأتكم مثففل
الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا (( .
13
مما يشرح الصدر ويزيح سحب الهم والغفم ؛ السففر ففي الفديار ،وقطفع القففار ،والتقلفب ففي الرض الواسفعة،
والنظر في كتاب الكون المفتوح لتشفاهد أقلم القفدرة وهفي تكتففب علفى صففحات الوجفود آيفات الجمففال ،لفترى
حدائق ذات بهجة ،ورياضًا أنيقة وجنات ألفافًا ،أخرج من بيتك وتأمل ما حولك وما بين يديك وما خلففك ،اصففعد
الجبال ،اهبط الودية ،تسلق الشجار ،عب من المففاء النميففر ،ضففع أنفففك علففى أغصففان الياسففمين ،حينهففا تجففد
روحك حرة طليقة ،كالطائر الغريد تسبح في فضاء السعادة ،اخرج من بيتك ،ألق الغطاء السود عن عينيك ،ثففم
سر في فجاج ال الواسعة ذاكرًا مسبحًا.
إن النزواء في الغرفة الضيقة مع الفراغ القاتل طريق ناجح للنتحار ،وليست غرفتك هي العالم ولست أنت كففل
الناس ،فلم الستسلم أمام كتائب الحزان ،أل فاهتف ببصرك وسمعك وقلبك :انفروا خفاف فًا وثقففاًل ،تعففال لتقففرأ
القرآن هنا بين الجداول والخمائل بين الطيور وهي تتلو خطب الحب ،وبين الماء وهو يروي قصة وصففوله مففن
التل .
أيها ذا الشاكي وما بك داء
ل ترى الوجود جمي ً
ل كن جمي ً
أترى الشوك في الورود وتعمى
أن ترى فوقه الندى إكليل
إن الترحال في مسارب الرض متعة يوصي بها الطباء لمن ثقلت عليه نفسه ،وأظلمففت عليففه غرفتفه الضفيقة،
فهيا بنا نسافر لنسعد ونفرح ونفكر ونتدبر )) ويتفكرون في خلق السففماوات والرض ربنففا مففا خلقففت هففذا بط ً
ل
سبحانك (( .
14
السبب السادس والعشرون
ل تحمل الكرة الرضية على رأسك
نفر من الناس تدور في نفوسهم حرب عالمية ،وهم على فرش النوم ،فإذا وضعت الحرب أوزارها غنموا قرحة
المعدة ،وضغط الدم والسكري .يحترقون مع الحفداث ،يغضفبون مفن غلء السفعار ،يثفورون لتفأخر المطفار،
يضجون لنخفاض سعر العملة ،فهم في انزعاج دائم ،وقلق واصب )) يحسبون كل صيحٍة عليهم (( .
ونصيحتي لك أن ل تحمل الكرة الرضفية علفى رأسفك ،دع الحفداث علفى الرض ول تضففعها ففي أمعففاءك .إن
البعض عنده قلب كالسفنجة يتشففرب الشففائعات والراجيففف ,ينزعففج للتففوافه ،يهفتز للففواردات ،يضففطرب لكففل
شيء ،وهذا القلب كفيل أن يحطم صاحبه وأن يهدم كيان حامله .
أهل المبدأ الحق تزيدهم العبر والعظات إيمانًا إلى إيمانهم ،وأهل الخور تزيدهم الزلزل خوفًا إلى خوفهم ،وليس
ب شجاع ،فإن المقدام الباسل واسع البطان ،ثابت الجأش ،راسخ اليقين ،بارد أنفع أمام الزوابع والدواهي من قل ٍ
العصاب ،منشرح الصدر ،أما الجبان فهو يذبففح نفسفه كففل يففوم مفرات بسفيف التوقعففات والراجيفف والوهففام
والحلم ،فإن كنت تريد الحياة المستقرة فواجه المور بشجاعة وجلد ول يستخففففنك الففذين ل يوقنففون ،ول تففك
في ضيق مما يمكرون ،كن أصلب من الحداث ،وأعتى مففن ريففاح الزمففات ،وأقففوى مففن العاصففير ،وارحمتففاه
لصحاب القلوب الضعيفة كم تهزهم اليام هزًا )) لتجدنهم أحرص الناس على حياٍة (( وأما البففاة فهففم مففن الف
في مدد ،وعلى الوعد في ثقة )) فأنزل السكينة عليهم (( .
15
ل أعطوا من الموال والولد والنعم ،فكففانت سففبب أعمارهم وأوقاتهم ومواهبهم ،ويقابل هذا الصنف المبارك م ٌ
شقائهم وتعاستهم؛ لنهم انحرفوا عن الفطرة السوية والمنهج الحق وهذا برهان سففاطع علففى أن هففذه الشففياء
ليست كل شيء ،انظر إلى من حمل شهادات عالمية لكنه نكرة من النكرات في عطاءه وفهمه وأثره ،بينمففا تجففد
آخرين عندهم علم محدود ،وقد جعلوا منه نهرًا دافقًا بالنفع والصلح والعمار .
إن كنت تريد السعادة فارض بصورتك التي ركبك ال فيها ،وارض بوضعك السري وصففوتك ومسففتوى فهمففك،
ودخلك ،بل إن بعض المربين الزهاد يذهبون إلى أبعد من ذلك فيقولون لك :ارض بأقل مما أنت فيففه وبففدون مففا
أنت عليه وأنشدوا :
سعادتك العظمى إذا كنت عاق ً
ل
مناك بحال دون حال تعيشها
هاك قائمة رائعة مليئة باللمعين الذين بخسوا حظوظهم الدنيوية :
عطاء بن أبي رباح عالم الدنيا في عهده ،مولى أسود أفطس أشل مفلفل الشعر .
الحنف بن قيس ،حليم العرب قاطبة ،نحيف الجسم ،أحدب الظهر ،أحنى الساقين ،ضعيف البنية .
العمش محدث الدنيا ،من الموالي ،ضعيف البصر ،فقير ذات اليد ،ممزق الثياب ،رث الهيئة والمنزل .
بل النبياء الكرام صلوات ال وسلمه عليهم ،كل منهم رعى الغنففم ،وكففان داود حففدادًا وزكريففا نجففارًا وإدريففس
خياطًا ،وهم صفوة الناس وخير البشر .
إذًا فقيمتك مواهبك وعملك الصالح ونفعك وخلقك ،فل تففأس علففى مفا ففات مفن جمففال أو مففال أو عيففال ،وارض
بقسمة ال )) نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا (( .
السبب الثلثون
وكذلك جعلناكم أمة وسطا
العدل مطلب عقلي وشرعي ،ل غلو ول جفاء ،ل إفراط ول تفريط ،ومن أراد السعادة فعليه أن يضبط عواطفه،
واندفاعاته ،وليكن عادًل في رضاه وغضبه وسروره وحزنه؛ لن الشطط والمبالغة في التعامل مع الحداث ظلٌم
للنفس ،وما أحسن الوسطية ،فإن الشرع نزل بالميزان ،والحياة قامت على القسط ،ومن أتعب الناس من طاوع
هواه واستسلم لعواطفه وميولته حينها تتضففخم عنففده الحففوادث وتظلفففم لففديه الزوايففا وتقففوم فففي قبلففه معففارك
ضارية من الحقاد والدخائل والضغائن لنفه يعيففش فففي أوهففام وخيففالت ،حفتى إن بعضففهم يتصففور أن الجميففع
16
ضده ،وأن الخرين يحبكون مؤامرة لبادته ،وتملي عليه وساوسففه أن الففدنيا لففه بالمرصففاد ،فلففذلك يعيففش فففي
سحب سود من الخوف والهم والغم .
إن الرجاف ممنوع شرعًا ,رخيص طبعًا وما يمارسه إل أنففاس مففففلسون مففن القيففم الحيففة والمبففادئ الربانيففة
)) يحسبون كل صيحٍة عليهم (( .
أجلس قلبك على كرسيه ،فأكثر ما يخاف ل يكون ،ولك قبل وقوع ما تخاف وقوعه أن تقدر أسوأ الحتمالت ثففم
توطن نفسك على تقبل هذا السوأ ،حينها تنجو من التكهنات الجائرة التي تمزق القلب قبل أن يقع الحدث فيبقى
كقول الول:
كأن قطاة علقت بجناحها
على كبدي من شدة الخفقان
فيا أيها العاقل النابه اعط كل شيء حجمه ،ول تضخم الحداث والمواقف والقضايا بل اقفتصد واعفدل ول تجففور
ول تذهب مع الوهم الزائف والسراب الخادع ,اسمع ميزان الحب والبغض في الحديث " :أحبففب حبيبففك هون فًا
ما فعسى أن يكون بغيضك يومًا ما ،وأبغض بغيضك هونًا ما فعسى أن يكون حبيبك يومًا ما " )) عسى الفف أن
يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة وال قدير وال غفور رحيم (( .
إن كثيرًا من التخويفات والراجيف ل حقيقة لها وقديمًا قالوا :
وقلت لقلبي إن نزا بك نزوة
من الهم افرح أكثر الروع باطفلُه
17
الخاتمة
هذا الكلم المكتوب لن تستفيد منه حتى تحاول تطبيقه في نفسك وبيتك وعملك وحياتك لتحصل على حياة أجمففل
بكثير من حياتك التي تعيشها ,حياة سعيدة رغيدًة طيبة تصل منهففا إلففى حيففاة دائمففة مطمئنففة فففي جنففات النعيففم
)) ربنا آتنا في الدنيا حسنًة وفى الخرة حسنة وقنا عذاب النار (( .
لم على المرسلين والحمد ل رب العالمين . سبحان ربك رب العزة عما يصفون وس ٌ
18
الفهرس
المقدمة 3 .........................................................................................
السبب الول فكر واشكر5...........................................................................
السبب الثاني ما مضى فات7 ........................................................................
السبب الثالث يومك يومك9 ..........................................................................
السبب الرابع اترك المستقبل حتى يأتي13............................................................
السبب الخامس كيف تواجه النقد الثم15.............................................................
السبب السادس ل تنتظر شكر من أحد18 .............................................................
السبب السابع الحسان إلى الغير21 ..................................................................
السبب الثامن إطرد الفراغ بالعمل23 .................................................................
السبب التاسع ل تكن إمعة25 .........................................................................
السبب العاشر قضاء وقدر27 .........................................................................
السبب الحادي عشر إن مع العسر يسرًا29 ............................................................
السبب الثاني عشر اصنع من الليمون شرابًا حلوًا31 ..................................................
السبب الثالث عشر أمن يجيب المضطر إذا دعاه33 ....................................................
السبب الرابع عشر وليسعك بيتك35 ....................................................................
السبب الخامس عشر العوض من ال37 ................................................................
السبب السادس عشر اليمان هو الحياة39 ..............................................................
السبب السابع عشر إجن العسل ول تكسر الخلية41 .....................................................
السبب الثامن عشر أل بذكر ال تطمئن القلوب43 .......................................................
السبب التاسع عشر أم يحسدون الناس على ما آتاهم ال من فضله45 .................................
السبب العشرون إقبل الحياة كما هو47 ..................................................................
السبب الحادي والعشرون تعز بأهل المصائب49 .........................................................
السبب الثاني والعشرون الصلة ...الصلة52 ............................................................
السبب الثالث والعشرون حسبنا ال ونعم الوكيل54 .....................................................
السبب الرابع والعشرون قل سيروا في الرض56 .......................................................
السبب الخامس والعشرون فصبٌر جميل58 ..............................................................
السبب السادس والعشرون ل تحمل الكرة الرضية على رأسك61 .......................................
السبب السابع والعشرون ل تحطمك التوافه63 ..........................................................
السبب الثامن والعشرون أرض بما قسم ال لك تكن أغنى الناس65 .....................................
السبب التاسع والعشرون ذكر نفسك بجنة عرضها السموات والرض68 ................................
السبب الثلثون وكذلك جعلناكم أمة سطا70 .............................................................
الخاتمففففففففففففففففففففففففففة72 ............................................
19