You are on page 1of 19

‫بقلم‬

‫عائض بن عبدال القرني‬

‫‪1‬‬
‫المقدمة‬
‫الحمد ل والصلة والسلم على رسول ال وآله وصحبه ‪ ....‬وبعد‪:‬‬
‫طَر بنات أفكارها القلم وقضاهن في يومين بجوار بيت ال الحففرام فففي‬ ‫سّ‬‫فهذه رسالة مختصرة ‪َ ,‬‬
‫مهبفط الفوحي ‪ .‬عصفرت فيهفا عشفرات الكتفب ففي بفاب البحفث عفن السفعادة‪ ،‬ولفم أثقفل عليفك‬
‫بالسماء والرقام والمراجع والنقولت‪ ،‬بل شذبتها وهذبتها جهدي عسى ال أن ينفعنففي وإيففاك‬
‫بها في الدنيا والخرة ‪ .‬إنها تدعوك إلى حياة طيبة آمنة مطمئنة ‪.‬‬
‫ولك إن شئت أن تكرر قراءتها وأن تعيد جملهففا وأن تضففع خطوط فًا تحففت كلماتهففا‪ ،‬وأن تطففالب‬
‫نفسك بتنفيذ قراراتها والعمل بإرشاداتها‪ ،‬ولعلها أن تقرأ على السففرة فففي الففبيت وعلففى المنففبر‬
‫في المسجد ‪ ،‬وفي درس الوعظ على الناس ‪ .‬إنها أشففبه بغصففن الريحففان خفيففف المحمففل طيففب‬
‫الرائحة‪ ،‬توضع في درج المكتب وبجوار مخدة النوم ‪.‬‬
‫واسأل نفسك عند قراءتك لها‪ :‬هل تغير في ذهنك شيء؟ هل ترى أثرآ في روحففك؟ لعففل ذلففك أن‬
‫يكون وهذا الذي أريد ‪ ،‬وال من وراء القصد وما توفيقي إل بال عليه توكلت وإليه أنبت ‪.‬‬

‫عائض القرني‬
‫الرياض‬
‫ت ‪014625398‬‬

‫‪2‬‬
‫السبب الول‬
‫فكر واشكر‬
‫والمعنى أن تذكر نعففم الف عليفك ‪ ,‬ففإذا هفي تغمففرك مفن فوقففك ومفن تحفت قفدميك )) وإن تعفدوا نعمففت الف ل‬
‫تحصوها (( صحة في بدن‪ ،‬أمن في وطن‪ ،‬غذاء وكساء‪ ،‬وهواء وماء‪ ،‬لديك الدنيا وأنت ما تشعر‪ ،‬تملك الحيففاة‬
‫وأنت ل تعلم )) وأسبغ عليكم نعمه ظاهرًة وباطنًة (( عندك عينففان‪ ،‬ولسففان وشفففتان‪ ،‬ويففدان ورجلن )) فبففأي‬
‫آلء ربكما تكذبان (( ‪ .‬هل هي مسألة سهلة أن تمشي على قدميك‪ ،‬وقد بترت أقدام‪ ,‬وأن تعتمد على ساقيك‪ ،‬وقد‬
‫ل معففدتك مففن الطعففام الشففهي‪ ،‬وأن‬‫قطعت سوق‪ ،‬أحقير أن تنام ملء عينيك وقد أطار اللففم نففوم الكففثير‪ ،‬وأن تم ً‬
‫تكرع من الماء البارد وهناك من عكر عليه الطعام‪ ،‬ونغص عليه الشففراب بففأمراض وأسففقام ‪ .‬تفكففر فففي سففمعك‬
‫وقد عوفيت من الصمم‪ ،‬وتأمل في نظففرك وقففد سففلمت مففن العمففى‪ ،‬وانظففر إلففى جلففدك وقففد نجففوت مففن الففبرص‬
‫والجذام‪ ،‬والمح عقلك وقد أنعم عليك بحضوره ولم تفجع بالجنون والذهول‪.‬‬
‫أتريد في بصرك وحده كجبل أحد ذهبَا‪ ،‬أتحب بيع سففمعك وزن " ثهلن " فضففة‪ ،‬هففل تشففتري قصففور الزهففراء‬
‫بلسانك فتكون أبكما‪ ،‬هل تقايض بيديك مقابل عقود اللؤلؤ والياقوت لتكون أقطع‪ ،‬إنك فففي نعففم عميمففة وأفضففال‬
‫جسيمة‪ ،‬ولكنك ل تدري ‪ .‬تعيش مهمومفًا مغمومفًا حزينفًا كئيبفًا وعنففك الخفبز والفدفء‪ ،‬والمففاء البففارد‪ ،‬والنفوم‬
‫الهانىء‪ ،‬والعافية الوارفة‪ ،‬تتفكر فففي المفقففود ول تشففكر الموجففود‪ ،‬تنزعففج مففن خسففارة ماليففة وعنففدك مفتففاح‬
‫السعادة‪ ،‬وقناطير مقنطرة من الخير والمواهب والنعم والشياء‪ ،‬فكر واشففكر )) وفففي أنفسففكم أفل تبصففرون ((‬
‫فكر في نفسك‪ ،‬وأهلففك‪ ،‬وبيتففك‪ ،‬وعملففك‪ ،‬وعافيتففك‪ ،‬وأصففدقائك‪ ،‬والففدنيا مففن حولففك )) يعرفففون نعمففت الف ثففم‬
‫ينكرونها (( ‪.‬‬

‫السبب الثاني‬
‫ما مضى فات‬
‫ق وجنون‪ ،‬وقتل للرادة وتبديد للحيففاة الحاضففرة ‪.‬‬ ‫تذكر الماضي والتفاعل معه واستحضاه‪ ،‬والحزن لمآسيه حم ٌ‬
‫إن ملف الماضي عند العقلًء يطوى ول يروى‪ ،‬يغلق عليه أبدا في زنزانة النسيان‪ ،‬يقيد بحبال قويففة فففي سففجن‬
‫الهمال فل يخرج أبدًا‪ ،‬ويوصد عليه فل يرى النور‪ ،‬لنه مضففى وانتهففى‪ ،‬ل الحففزن يعيففده‪ ،‬ل الهففم يصففلحه‪ ،‬ل‬
‫الغم يصححه‪ ،‬ل الكدر يحيفيه لنه عدم ‪ .‬ل تعش في كابوس الماضي وتحت مظلة الفائت‪ ،‬أنقذ نفسك مففن شففبح‬
‫الماضي‪ ،‬أتريد أن ترد النهر إلى مصبه والشمس إلى مطلعها‪ ،‬والطفل إلى بطن أمه‪ ،‬واللبن إلى الثدي‪ ،‬والدمعة‬
‫إلى العين‪ ،‬إنك بتفاعلك مع الماضي‪ ،‬وقلقلك منه واحتراقك بناره‪ ،‬وانطراحك على أعتابه تعيش وضعاً مأسففاويًا‬
‫رهيبًا مخيفًا مفزعًا‪.‬‬
‫القراءة في دفتر الماضي ضياع للحاضر‪ ،‬وتمزيق للجهد‪ ،‬ونسف للساعة الراهنة‪ ،‬ذكر ال المم وما فعلت ثم‬
‫قال‪ )) :‬تلك أمٌة قد خلت (( انتهى المر وقضي‪ ،‬ول طائل من تشريح جثة الزمان‪ ،‬وإعادة عجلة التاريخ ‪.‬‬
‫ل‪ ،‬وكالذي ينشففر نشففارة الخشففب ‪ .‬وقففديمًا قففالوا‬ ‫إن الذي يعود للماضي كالذي يطحن الطحين وهو مطحون أص ً‬
‫لمن يبكي على الماضي‪ :‬ل تخرج الموات من قبففورهم‪ ،‬وقففد ذكففر مففن يتحففدث علففى ألسففنة البهففائم أنهففم قففالوا‬
‫للحمار لم ل تجتر ؟ قال‪ :‬أكره الكذب ‪.‬‬
‫إن بلءنفا أننففا نعجفز عفن حاضفرنا ونشفتغل بماضفينا ‪ ,‬نهمففل قصففورنا الجميلفة‪ ،‬وننفدب الطلل الباليففة‪ ،‬ولئن‬
‫اجتمعت النس والجن على إعادة ما مضى لما استطاعوا لن هذا هو المحال بعينه ‪.‬‬
‫إن الناس ل ينظرون إلى الوراء ول يلتفتون إلى الخلف؛ لن الريح تتجه إلففى المففام والمففاء ينحففدر إلففى المففام‬
‫والقافلة تسير إلى المام‪ ،‬فل تخالف سنة الحياة ‪.‬‬

‫السبب الثالث‬
‫يومك يومك‬
‫إذا أصبحت فل تنتظر المساء‪ ،‬اليوم فحسب ستعيش‪ ،‬فل أمس الذي ذهب بخيره وشره‪ ،‬ول الغففد الففذي لففم يففأت‬
‫إلى الن ‪ .‬اليوم الذي أظفلتك شمسه‪ ،‬وأدركك نهففاره هففو يومففك فحسففب‪ ،‬عمففرك يففوم واحففد‪ ،‬فاجعففل فففي خلففدك‬
‫العيش لهذا اليوم وكأنك ولدت فيه وتموت فيه ‪ ,‬حينها ل تتعثر حياتك بين هاجس الماضي وهمه وغمففه‪ ،‬وبيففن‬
‫توقع المستقبل وشبحه المخيف وزحفه المرعب‪ ،‬لليوم فقط اصرف تركيزك واهتمامك وإبففداعك وكففدك وجففدك‪،‬‬
‫فلهذا اليوم ل بد أن تقدم صلة خاشعة وتلوة بتدبر واطلعًا بتأمل‪ ،‬وذكرًا بحضور‪ ،‬واتزانًا في المور‪ ،‬وحسففنًا‬

‫‪3‬‬
‫في خلق‪ ،‬ورضًا بالمقسوم‪ ،‬واهتمامًا بالمظهر‪ ،‬واعتناًء بالجسم‪ ،‬ورضَا بالمقسوم‪ ،‬واهتمامًا بالمظهر‪ ،‬واعتناًء‬
‫بالجسم‪ ،‬ونفعًا للخرين ‪.‬‬
‫لليوم هذا الذي أنت فيه فتقسم ساعاته وتجعل من دقائقه سنوات‪ ،‬ومن ثوانيه شهور‪ ،‬تزرع فيه الخيففر‪ ،‬تسففدي‬
‫فيه الجميل تستغفر فيه مفن الففذنب‪ ،‬تفذكر فيفه الفرب‪ ،‬تتهيفأ للرحيفل‪ ،‬تعيففش هفذا اليففوم فرحفًا وسففرورًا‪ ،‬وأمنفَا‬
‫وسكينة‪ ،‬ترضى فيه برزقك‪ ،‬بزوجتك‪ ،‬بأطفالك بوظيفتك‪ ،‬ببيتك‪ ،‬بعلمفك‪ ،‬بمسفتواك )) فخفذ مففا آتيتفك وكففن مففن‬
‫الشاكرين (( تعيش هذا اليوم بل حزن ول انزعاج‪ ،‬ول سخط‪ ،‬ول حقد‪ ،‬ول حسد ‪.‬‬
‫إن عليك أن تكتب على لوح قفلبك عبارة واحدة تجعلها أيضَا على مكتبك ‪ ,‬تقول العبارة‪ :‬يومك يومك ‪.‬‬
‫إذا أكلت خبزًا حارًا شهيًا هذا اليوم فهل يضرك خبز المس الجاف الرديء‪ ،‬أو خبز غد الغائب المنتظر ‪.‬‬
‫إذا شربت ماًء عذبَا زلًل هذا اليوم‪ ،‬فلماذا تحزن من ماء أمس الملح الجاج‪ ،‬أو ماء غٍد السن الحار ‪.‬‬
‫إنك لو صدقت مع نفسك بإرادة فولذية صارمة عارمة لخضعتها لنظرية‪ :‬لن أعيش إل هذا اليوم ‪.‬‬
‫حينها تستغل كل لحظة في هذا اليوم في بناء كيانك وتنمية مواهبك‪ ،‬وتزكية عملففك ‪ ،‬فتقففول‪ :‬لليففوم فقففط أهففذب‬
‫ألفاظي فل أنطفق هجفرًا أو فحشفًا‪ ،‬أو سفبًا‪ ،‬أو غيبففة‪ ،‬لليفوم فقففط سفوف أرتفب بيفتي ومكتبفتي‪ ،‬فل ارتبففاك ول‬
‫بعثرة ‪ ،‬وإنما نظام ورتابة ‪ .‬لليففوم فقففط سففوف أعيففش فففأعتني بنظافففة جسففمي ‪ ،‬وتحسففين مظهففري والهتمففام‬
‫بهندامي ‪ ،‬والتزان في مشيتي وكلمي وحركاتي ‪.‬‬
‫لليوم فقط سأعيش فأجتهد في طاعة ربي‪ ،‬وتأدية صلتي على أكمل وجه‪ ،‬والتزود بالنوافل‪ ،‬وتعاهد مصحفي‪،‬‬
‫والنظر في كتبي‪ ،‬وحفظ فائدة‪ ،‬ومطالعة كتاب نافع ‪.‬‬
‫لليوم فقط سأعيش فأغرس في قلبي الفضيلة وأجتث منه شجرة الشر بغصونها الشائكة من كبر وعجب ورياء‬
‫وحسد وحقد وغل وسوء ظن ‪.‬‬
‫لليوم فقط سوف أعيش فأنفع الخرين ‪ ,‬وأسدي الجميل إلى الغير‪ ،‬أعود مريضًا‪ ،‬أشيع جنازة‪ ،‬أدل حيران‪،‬‬
‫أطعم جائعًا‪ ،‬أفرج عن مكروب‪ ،‬أقف مع مظلوم‪ ،‬أشفع لضعيف‪ ،‬أواسي منكوبًا‪ ،‬أكرم عالمًا‪ ،‬أرحم صغيرًا‪ ،‬أجل‬
‫كبيرًا ‪.‬‬
‫ض ذهب وانتهى ‪ :‬اغرب كشمسك فلن أبكي عليك ولففن ترانففي أقففف لتففذكرك لحظففة ؛‬ ‫لليوم فقط سأعيش فيا ما ٍ‬
‫لنك تركتنا وهجرتنا وارتحلت عنا ولن تعود إلينا أبد البدين ‪.‬‬
‫ويا مستقبل أنت في عالم الغيب فلن أتعامل مع الحلم‪ ،‬ولن أبيع نفسي مع الوهففام ولففن أتعجففل ميلد مفقففود ؛‬
‫لن غدًا ل شيء لنه لم يخلق ولنه لم يكن مذكورًا ‪.‬‬
‫يومك يومك أيها النسان أروع كلمة في قاموس السعادة لمن أراد الحياة في أبهى صورها وأجمل حللها ‪.‬‬

‫السبب الرابع‬
‫اترك المستقبل حتى يأتي‬
‫)) أتى أمر ال فل تستعجلوه (( ل تستبق الحداث‪ ،‬أتريد اجهاض الحمل قبل تمامه ‪ ،‬وقطف الثمرة قبل النضج‬
‫‪ ،‬إن غدًا مفقود ل حقيقة له ‪ ،‬ليس له وجود ول طعم ول لون ‪ ،‬فلماذا نشغل أنفسنا به ونتففوجس مففن مصففائبه‬
‫ونهتم لحوادثه ونتوقع كوارثه‪ ،‬ول ندري هل يحال بيننا وبينه أو نلقاه فإذا هو سرور وحبففور ‪ ،‬المهففم أنففه فففي‬
‫عالم الغيب لم يصل إلى الرض بعد ‪ .‬إن علينا أن ل نعبر جسرًا حتى نأتيه‪ ،‬ومن يدري؟ لعلنا ننفق قبففل وصففول‬
‫الجسر‪ ،‬أو لعل الجسر ينهار قبل وصولنا‪ ،‬وربما وصلنا الجسر ومررنا عليه بسلم ‪.‬‬
‫إن إعطاء الذهن مساحة أوسع للتفكير في المستقبل وفتح كتاب الغيب ثم الكتواء بالمزعجات المتوقعة ممقو ٌ‬
‫ت‬
‫ل ؛ لنه مصارعة للظل‪ .‬إن كثيرًا من هذا العفالم يتوقففع ففي مسفتقبله الجفوع‬ ‫شرعًا؛ لنه طول أمل‪ ،‬ومذموم عق ً‬
‫والعري والمرض والفقر والمصائب‪ ،‬وهذا كله من مفردات مدارس الشيطان )) الشيطان يعدكم الفقففر ويففأمركم‬
‫ل (( ‪.‬‬
‫بالفحشاء ول يعدكم مغفرًة منه وفض ً‬
‫كثيٌر هم الذين يبكون ؛ لنهم سوف يجوعون غدًا‪ ،‬وسوف يمرضون بعد سنة‪ ،‬وسوف ينتهففي العففالم بعففد مففائة‬
‫عام ‪ .‬إن الذي عمره في يد غيره ل ينبغي له أن يراهفن علفى العفدم ‪ ،‬والفذي ل يفدري مفتى يمفوت ل يجفوز لفه‬
‫الشتغال بشيء مفقود ل حقيقة له ‪.‬‬
‫اترك غدًا حتى يأتيك ‪ ،‬ل تسأل عن أخباره ‪ ،‬ل تنتظر زحفه ؛ لنك مشغول باليوم ‪.‬‬
‫ب هؤلء يقترضون الهم نقدًا ليقضوه نسيئة في يوم لم تشرق شمسه ولم ير النففور‪ ،‬فحففذار مففن‬ ‫وإن تعجب فعج ٌ‬
‫طول المل ‪.‬‬

‫السبب الخامس‬

‫‪4‬‬
‫كيف تواجه النقد الثم‬
‫الرقعاء السخفاء سبوا الخالق الرازق جل في عله‪ ،‬وشتموا الواحد الحد ل إله إل هففو‪ ،‬فمففاذا أتوقففع أنففا وأنففت‬
‫ونحن أهل الحيف والخطأ ‪ ،‬إنك سوف تواجه في حياتك حربًا ضروسًا ل هوادة فيها من النقد الثففم المففر‪ ،‬ومففن‬
‫التحطيم المدروس المقصود‪ ،‬ومن الهانة المتعمدة ما دام أنك تعطي وتبني وتؤثر وتسطع وتلمففع‪ ،‬ولففن يسففكن‬
‫هؤلء عنك حتى تتخذ نفقًا في الرض أو سلمًا في السماء فتفر من هؤلء‪ ،‬أما وأنت بين أظهرهم ففانتظر منهفم‬
‫ما يسوؤك ويبكي عينك‪ ،‬ويدمي مقلتك‪ ،‬ويقض مضجعك ‪.‬‬

‫حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه‬


‫فالناس أعداٌء له وخصوم‬

‫إن الجالس على الرض ل يسقط‪ ،‬والناس ل يرفسون كلبًا ميتًا‪ ،‬لكنهم يغضبون عليففك لنففك فقفففتهم صففلحًا‪ ،‬أو‬
‫علمًا‪ ،‬أو أدبًا‪ ،‬أو ماًل‪ ،‬فأنت عندهم مذنب ل توبة لك حتى تترك مواهبك ونعم ال عليك‪ ،‬وتنخلع من كففل صفففات‬
‫الحمد‪ ،‬وتنسلخ من كل معاني النبل‪ ،‬وتبقى بليدًا غبًيا‪ ،‬صفرًا محطمًا‪ ،‬مكدودًا ‪ ,‬هذا ما يريدون بالضبط ‪.‬‬
‫إذَا فاصمد لكلم هؤلء ونقدهم وتشويههم وتحقيرهم " اثبفت أحفد" وكفن كالصفخرة الصفامتة المهيبفة تتففكسر‬
‫عليها حبات البر لتثبت وجودها وقدرتها على البقاء ‪ .‬إنك إن أصغيت لكلم هؤلء وتفاعلت معه حققت أمنيتهففم‬
‫الغالية في تعكير حياتك وتكدير عمرك ‪ ،‬أل فاصفح الصففح الجميفل‪ ،‬أل ففأعرض عنهفم ول تفك فففي ضفيق ممفا‬
‫يمكرون ‪ .‬إن نقدهم السخيف ترجمة محترمة لك ‪ ،‬وبقدر وزنك يكون النقد الثم المفتعل ‪.‬‬
‫إنك لن تستطيع أن تغلق أفواه هؤلء ولن تستطيع أن تعتقففل ألسففنتهم لكنففك تسففتطيع أن تففدفن نقففدهم وتجنيهففم‬
‫بتجافيك لهم‪ ،‬وإهمالك لشأنهم‪ ،‬وإطراحك لقوالهم )) قل موتوا بغيظكم ((‬

‫ما أبالي أنب بالحزن تيس‬


‫أو لحني بظهر غيب لئيم‬

‫بل تستطيع أن تصب في أفواههم الخردل بزيادة فضائلك وتربية محاسنك وتقويم اعوجاجك ‪.‬‬

‫إذا محاسني اللتي أدل بها‬


‫كانت عيوبي فقل لي كيف أعتذر‬

‫إن كنت تريد أن تكون مقبوًل عند الجميع محبوبًا لدى الكل سليمًا مففن العيففوب عنففد العففالم فقففد طلبففت مسففتحي ً‬
‫ل‬
‫ل بعيدًا ‪.‬‬
‫وأملت أم ً‬
‫قال حاتم ‪:‬‬

‫وكلمة حاسٍد من غير جرم‬


‫ت فقلت مري فانفذيني‬ ‫سمع ُ‬
‫وعابوها علي ولم تعبني‬
‫ولم يند لها أبدًا جبيني‬

‫السبب السادس‬
‫ل تنتظر شكرًا من أحد‬
‫من يفعل الخير ل يعدم جوازيه‬
‫ل يذهب العرف بين ال والناس‬
‫خلق ال العباد ليذكروه ورزق ال الخليقة ليشكروه‪ ،‬فبعد الكثير غيره‪ ،‬وشكر الغالب سواه؛ لن طبيعة الجحففود‬
‫والنكران والجفاء وكفران النعم غالبة على النففوس‪ ،‬فل تصفدم إذا وجفدت هفؤلء قفد كففروا جميلفك‪ ،‬وأحرقفوا‬
‫إحسانك‪ ،‬ونسوا معروفك‪ ،‬بل ربما ناصبوك العداء‪ ،‬ورموك بمنجنيق الحقففد الففدفين‪ ،‬ل لشففيء إل لنففك أحسففنت‬
‫إليهم )) وما نقموا إل أن أغناهم ال ورسوله من فضله (( ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫وطالع سجل العالم المشهود‪ ،‬فإذا في فصوله قصة أب ربى ابنه وغذاه وكساه وأطعمه وسقاه‪ ،‬وأدبففه‪ ،‬وعلمففه‪،‬‬
‫سهر لينام‪ ،‬وجاع ليشبع‪ ،‬وتعب ليرتاح‪ ،‬فلما طر شاب هذا البن وقوي ساعده‪ ،‬أصففبح لوالففده كففالكلب العقففور‪،‬‬
‫استخفافًا‪ ،‬ازدراًء‪ ،‬مقتًا‪ ،‬عقوقًا‪ ،‬صراخًا‪ ،‬عذابًا وبيلً‪.‬‬
‫أل فليهدأ الذين احترقت أوراق جميلهم عند منكوسي الفطر‪ ،‬ومحطمي الرادات‪ ،‬وليهنؤوا بعوض المثوبة عنففد‬
‫من ل تنفذ خزائنه ‪.‬‬
‫إن هذا الخطاب الحار ل يدعوك لترك الجميل‪ ،‬وعدم الحسان للغير‪ ،‬وإنما يوطنك على انتظففار الجحففود والتنكففر‬
‫لهذا الجميل والحسان‪ ،‬فل تبتفئس بما كانوا يصنعون ‪.‬‬
‫اعمل الخير لوجه ال‪ ،‬لنك الفائز على كل حال‪ ،‬ثم ل يضر غمط من غمطه‪ ،‬ول جحود مففن جحففده‪ ،‬واحمففد الف‬
‫لنك المحسن‪ ،‬وهو المسيء‪ ،‬واليد العليا خير من اليد السفلى )) إنما نطعمكم لوجه ال ل نريد منكففم جففزاًء ول‬
‫شكورًا (( ‪.‬‬
‫وقد ذهل كثير من العقلء من جبلة الجحود عند الغوغففاء‪ ،‬وكففأنهم مففا سففمعوا الففوحي الجليففل وهففو ينعففي علففى‬
‫الصنف عتوه وتمرده )) مر كأن لم يدعنا إلى ضٍر مسه(( ل تفاجفًا إذا أهفديت بليفدًا قلمفًا فكتفب بفه هجففاءك‪ ،‬أو‬
‫منحت جافيًا عصًا يتوكأ عليها ويهش بهففا علففى غنمففه‪ ،‬فشففج بهففا رأسففك‪ ،‬هففذا هففو الصففل عنففد هففذه البشففرية‬
‫المحنطة في كفن الجحود مع باريها جل في عله‪ ،‬فكيف بها معي ومعك ‪.‬‬

‫أعلمه الرماية كل يوم‬


‫فلما اشتد ساعده رماني‬

‫السبب السابع‬
‫الحسان إلى الغير انشراح للصدر‬
‫الجميل كاسمه‪ ،‬والمعروف كرسمه‪ ،‬والخيفر كطعمفه‪ .‬أول المسفتفيدين مفن إسفعاد النفاس هفم المتفضفلون بهفذا‬
‫ل في نفوسهم‪ ،‬وأخلقهفم‪ ،‬وضفمائرهم‪ ،‬فيجففدون النشففراح‪ ،‬والنبسفاط‪ ،‬والهففدوء‬ ‫السعاد‪ ،‬يجنون ثمراته عاج ً‬
‫والسكينة ‪.‬‬
‫ل تجففد الفففرج والراحففة‪ .‬أعففط‬
‫فإذا طاف بك طائف من هم أو ألففم بفك غففم فامنففح غيففرك معروففًا وأسفِد لهففم جمي ً‬
‫محرومًا‪ ،‬انصر مظلومًا‪ ،‬أنقذ مكروبًا‪ ،‬أطعم جائعًا‪ ،‬عد مريضًا‪ ،‬أعن منكوبًا‪ ،‬تجد السعادة تغمرك من بيففن يففديك‬
‫ومن خلفك ‪.‬‬
‫إن فعل الخير كالمسك ينفع حامله وبائعه ومشتريه‪ ،‬وعوائد الخير النفسية عقاقير مباركة تصفرف ففي صفيدلية‬
‫الذين عمرت قلوبهم بالبر والحسان ‪.‬‬
‫إن توزيع البسمات المشرقة على فقراء الخلق صدقة جارية في عالم القيم " ولو أن تلقى أخففاك بففوجه طفففلق‬
‫" وإن عبوس الوجه إعلن حرب ضروس على الخرين ل يعلم قيامها إل علم الغيوب ‪.‬‬
‫شربة ماء من كف بغي لكلب عقور أثمرت دخول جنة عرضها السماوات والرض لن صاحب الثواب غفور‬
‫شكور جميل‪ ،‬يحب الجميل‪ ،‬غني حميد ‪.‬‬
‫يا من تهددهم كوابيس الشقاء والفزع والخوف هلموا إلى بستان المعروف وتشففاغلوا بففالخير‪ ،‬عطففاء وضففيافة‬
‫ومواساة وإعانة وخدمة وستجدون السعادة طعمًا ولونًا وذوقًا )) وما لحٍد عنده من نعمٍة تجزى)‪(19‬إل ابتغففاء‬
‫وجه ربه العلى)‪ (20‬ولسوف يرضى (( ‪.‬‬

‫السبب الثامن‬
‫أطرد الفراغ بالعمل‬
‫الفارغون في الحياة هم أهل الراجيف والشائعات لن أذهانهم موزعة )) رضوا بأن يكونوا مع الخوالف ((‪.‬‬
‫إن أخطر حالت الذهن يوم يفرغ صاحبه من العمل فيبقى كالسيارة المسففرعة فففي انحففدار بل سففائق تجنففح ذات‬
‫اليمين وذات الشمال ‪.‬‬
‫يوم تجد ففي حياتفك فراغفًا فتهيفأ حينهفا للهفم والغفم والففزع؛ لن هفذا الففراغ يسفحب لفك كفل ملففات الماضفي‬
‫والحاضر والمستقبل من أدراج الحياة فيجعلك في أمر مريج‪ ،‬ونصيحتي لك ولنفسي أن تقوم بأعمال مثمرة بدًل‬
‫من هذا السترخاء القاتل لنه وأٌد خفي‪ ،‬وانتحار بكبسول مسكن ‪.‬‬
‫إن الفراغ أشبه بالتعذيب البطيء الذي يمارس في سجون الصين بوضع السجين تحفت أنبففوب يقطففر كفل دقيقفة‬
‫قطرة‪ ،‬وفي فترات انتظار هذه القطرات يصاب السجين بالجنون ‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫الراحة غفلة‪ ،‬والفارغ لص محترف‪ ،‬وعقلك هو فريسة ممزقة لهذه الحروب الوهمية ‪.‬‬
‫إذَا قم الن صل أو اقرأ‪ ،‬أو سبح أو طالع‪ ،‬أو اكتب‪ ،‬أو رتب مكتبتك‪ ،‬أو اصلح بيتك‪ ،‬أو انفع غيرك حتى تقضي‬
‫على الفراغ وإني لك من الناصحين ‪.‬‬
‫اذبح الفراغ بسكين العمل‪ ،‬ويضمن لك أطباء العالم ‪ %50‬مففن السففعادة مقابففل هففذا الجففراء الطففارئ فحسففب‪،‬‬
‫انظر إلى الفلحين والخبازين والبناءين يغففردون بالناشففيد كالعصففافير فففي سففعادة وراحففة وأنففت علففى فراشففك‬
‫تمسح دموعك وتضطرب كأنك ملدوغ ‪.‬‬

‫السبب التاسع‬
‫ل تكن إمعة‬
‫ل تتقمص شخصية غيرك ول تذب في الخريفن‪ .‬إن هفذا هفو العفذاب الفدائم‪ ،‬وكفثير هفم الفذين ينسفون أنفسفهم‬
‫وأصففواتهم وحركففاتهم‪ ،‬وكلمهففم‪ ،‬ومففواهبهم‪ ،‬وظروفهففم‪ ،‬لينصففهروا فففي شخصففيات الخريففن‪ ،‬فففإذا التكلففف‬
‫والصلف‪ ،‬والحتراق‪ ،‬والعدام للكيان وللذات ‪.‬‬
‫وآدم إلى آخر الخليقة لم يتفق اثنان في صورة واحدة‪ ،‬فلماذا يتفقون في المواهب والخلق ‪.‬‬
‫أنت شيء آخر لم يسبق لك في التاريخ مثال ولن يأتي مثلك في الدنيا شبيه ‪.‬‬
‫أنت مختلف تمامًا عن زيد وعمرو فل تحشر نفسك في سرداب التقليد والمحاكاة والذوبان ‪.‬‬
‫س مشربهم (( )) ولكلٍ وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات ((‬ ‫انطلق على هيئتك وسجيتك )) قد علم كل أنا ٍ‬
‫عش كما خلقت ل تغير صوتك‪ ،‬ل تبدل نبرتك‪ ،‬ل تخلف مشيتك‪ ،‬هذب نفسك بالوحي‪ ،‬ولكن ل تلغي وجودك‬
‫وتقتل استقللك ‪.‬‬
‫أنت لك طعم خاص ولون خاص ونريدك أنت بلونك هذا وطعمك هذا‪ ،‬لنك خلفت هكذا وعرفنففاك هكففذا " ل يكففن‬
‫أحدكم إمعة " ‪.‬‬
‫إن الناس في طبائعهم أشبه بعالم الشجار ‪ .‬حلو وحامض‪ ،‬وطويل وقصير‪ ،‬وهكذا فليكونوا ‪ .‬فإن كنت كالموز‬
‫فل تتحول إلى سفرجل ؛ لن جمالك وقيمتك أن تكون موزًا ‪ ،‬إن اختلف ألواننا وألسنتنا ومواهبنا وقدراتنا آية‬
‫من آيات الباري فل تجحد آياته ‪.‬‬

‫السبب العاشر‬
‫قضاء وقدر‬
‫)) ما أصاب مفن مصفيبة ففي الرض ول ففي أنفسفكم إل ففي كتففاب مفن قبففل أن نبرأهفا (( ‪ ,‬جفف القلففم‪ ،‬رفعفت‬
‫الصحف‪ ،‬قضي المر‪ ،‬كتبت المقادير‪ ،‬لن يصيبنا إل ما كتب ال لنا‪ ،‬ما أصابك لم يكن ليخطففأك‪ ،‬ومففا أخطففأك لففم‬
‫يكن ليصيبك ‪.‬‬
‫إن هذه العقيدة إذا رسخت في نفسك وقففرت فففي ضفميرك صففارت البليففة عطيفة‪ ،‬والمحنففة منحففة‪ ،‬وكففل الوقففائع‬
‫جوائز وأوسمة " من يرد ال به خيرًا يصب منه " فل يصيبك قلق من مرض أو موت ابففن‪ ،‬أو خسففارة ماليففة‪،‬‬
‫أو احتراق بيت‪ ،‬فإن الباري قد قدر والقضاء قد حل‪ ،‬والختيار هكذا‪ ،‬والخيرة ل‪ ،‬والجر حصل والذنب ُكّفَر ‪.‬‬
‫هنيئًا لهل المصائب صبرهم ورضاهم عن الخذ‪ ،‬المعطي‪ ،‬القابض‪ ،‬الباسط‪ ،‬ل يسأل عما يفعل وهم يسألون ‪.‬‬
‫ولن تهدأ أعصابك وتسكن بلبل نفسك‪ ،‬وتذهب وساوس صدرك حتى تؤمن بالقضاء والقدر‪ ،‬جف القلم بما أنت‬
‫لق‪ ،‬فل تذهب نفسك حسرات‪ ،‬ل تظن أنه كان بوسعك إيقاف الجدار أن ينهار‪ ،‬وحبس الماء أن ينسففكب‪ ،‬ومنففع‬
‫الريح أن تهب‪ ،‬وحفظ الزجاج أن ينكسر‪ ،‬هذا ليس بصحيح على رغمي ورغمك‪ ،‬وسفوف يقفع المقففدور‪ ،‬وينففذ‬
‫القضاء‪ ،‬ويحل المكتوب )) فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر (( ‪.‬‬
‫استسلم للقدر قبل أن تطوق بجيش السخط والتذمر والعويففل‪ ،‬اعففترف بالقضففاء قبففل أن يفدهمك سففيل النففدم‪ ،‬إذَا‬
‫فليهدأ بالك إذا فعلت السباب‪ ،‬وبذلت الحيل‪ ،‬ثم وقع ما كنت تحذر‪ ،‬فهذا هو الذي كان ينبغي أن يقع‪ ،‬ول تقففل "‬
‫لو أني فعلت كذا وكذا لكان كذا وكذا‪ ،‬ولكن قل‪ :‬قدر ال وما شاء فعل"‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫السبب الحادي عشر‬
‫إن مع العسر يسرًا‬
‫يا إنسان بعد الجوع شبع‪ ،‬وبعد الظمأ ري‪ ،‬وبعد السهر نوم‪ ،‬وبعد المرض عافية‪ ،‬سوف يصل الغففائب ويهتففدي‬
‫الضال‪ ،‬ويفك العاني‪ ،‬وينقشع الظلم )) فعسى ال أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده (( ‪.‬‬
‫بشر الليل بصبح صادق يطارده على رؤوس الجبال‪ ،‬ومسارب الودية‪ ،‬بشر المهمففوم بفففرج مفففاجئ يصففل فففي‬
‫سرعة الضوء ولمح البصر‪ ،‬بشر المنكوب بلطف خفي وكف حانية وادعة ‪.‬‬
‫إذا رأيت الصحراء تمتد‪ ،‬فاعلم أن ورائها رياضًا خضراء وارفة الظلل ‪.‬‬
‫إذا رأيت الحبل يشتد يشتد‪ ،‬فاعلم أنه سوف ينقطع ‪.‬‬
‫أحسن كلمة قالها العرب في الجاهلية ‪:‬‬
‫الغمرات ثم ينفلجّنه‬
‫ثم يذهبن ول يجّنه‬
‫مع الدمعة بسمة‪ ،‬ومع الخوف أمنًا‪ ،‬ومع الفزع سكينة‪ ،‬النار ل تحففرق إبراهيففم التوحيففد؛ لن الرعايففة الربانيففة‬
‫فتحت نافذة بردًا وسلمًا ‪.‬‬
‫البحر ل يغرق كليم الرحمن؛ لن الصوت القوي الصادق نطق بكل إن معي ربي سيهدين ‪.‬‬
‫شَر صاحبه بأنه وحده معنا ففتفنفزل المن والفتح والسكينة ‪.‬‬ ‫المعصوم في الغار َب ّ‬
‫إن عبيد ساعدتهم الراهنة وأرقاء ظروفهم القاتمة ل يرون إل النكد والضيق والتعاسة‪ ،‬لنهم ل ينظرون إل إلى‬
‫جدار الغرفففة وبففاب الففدار فحسففب ‪ .‬أل فليمففدوا أبصففارهم وراء الحجففب وليطلقففوا أعنففة أفكففارهم إلففى مففا وراء‬
‫السوار ‪.‬‬
‫إذَا فل تضق ذرعَا فمن المحال دوام الحال‪ ،‬وأفضل العبادة انتظار الفرج‪ ،‬اليام دول‪ ،‬والدهر قلب‪ ،‬والليالي‬
‫حبالى‪ ،‬والغيب مستور‪ ،‬والحكيم كل يوم هو في شأن‪ ،‬ولعل ال يحدث بعد ذلك أمرا ‪ ،‬وإن مع العسر يسرَا ‪.‬‬

‫السبب الثاني عشر‬


‫اصنع من الليمون شرابًا حلوًا‬
‫الذكي الريب يحول الخسائر إلى أرباح‪ ،‬والجاهل الرعديد يجعل المصيبة مصيبتين ‪.‬‬
‫طرد الرسول صلى ال عليه وسلم من مكة فأقام في المدينة دولة ملت سمع التاريخ وبصره ‪.‬‬
‫سجن أحمد بن حنبل وجلد‪ ،‬فصار إمام أهل السنة‪ ،‬وحبس ابففن تيميففة‪ ،‬فففأخرج مففن حبسففه علمفًا جمفًا‪ ،‬ووضففع‬
‫السرخسي في قعر بئر معطلة‪ ،‬فأخرج عشرين مجلدًا في الفقه‪ ،‬وأقعد ابن الثير فصنف جامع الصول والنهايففة‬
‫من أشهر وأنفع كتب الحديث‪ ،‬ونفي ابن الجوزي من بغداد‪ ،‬فجود القراءات السبع‪ ،‬وأصابت حمى المففوت مالففك‬
‫بن الريب‪ ،‬فأرسل للعالمين قصيدته الرائعة الذائعة التي تعدل دواوين شعراء الدولة العباسية‪ ،‬ومات أبنففاء أبففي‬
‫ذؤيب الهذلي فرثاهم بإلياذة أنصت لها الدهر‪ ،‬وذهل منها الجمهور‪ ،‬وصفق لها التاريخ ‪.‬‬
‫إذا داهمتك داهية فانظر في الجانب المشرق منها‪ ،‬وإذا ناولك أحدهم كوب ليمون فأضف إليففه حفنففة مففن سففكر‪،‬‬
‫وإذا أهدى لك ثعبانًا فخذ جلده الثمين واترك باقيه‪ ،‬وإذا لدغتك عقرب فففاعلم أنففه مصففل واقففي ومناعففة حصففينة‬
‫صد سم الحيات ‪.‬‬
‫تكيف في ظرفك القاسي لتخرج لنا منه زهرًا ووردًا وياسمينًا‪ ،‬وعسففى أن تكرهففوا شففيئًا ويجعففل الف فيففه خيففرًا‬
‫كثيرًا ‪.‬‬
‫ل ومتشائمًا ‪ ,‬فأخرجا رؤوسهما من نافذة السجن ‪.‬‬ ‫عَرْين مجيدين ‪ :‬متفائ ً‬
‫شا ِ‬
‫سجنت فرنسا قبل ثورتها العارمة َ‬
‫فأما المتفائل فنظر نظرة في النجوم فضحك ‪ .‬وأما المتشائم فنظر إلى الطين في الشارع المجاور فبكى ‪.‬‬
‫انظر إلى الوجه الخر للمأساة؛ لن الشر المحض ليس موجودًا بل هناك خير ومكسب وفتح وأجر ‪.‬‬

‫السبب الثالث عشر‬


‫أمن يجيب المضطر إذا دعاه‬
‫من الذي يفزع إليه المكروب‪ ،‬ويستغيث به المنكوب‪ ،‬وتصمد إليففه الكائنففات وتسففأله المخلوقففات وتلهففج بففذكره‬
‫اللسن‪ ،‬وتألهه القلوب إنه ال ل إله إل هو ‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫وحق علي وعليك أن ندعوه في الشدة والرخاء‪ ،‬والسراء والضراء‪ ،‬ونفزع إليه في الملمات‪ ،‬ونتوسل إليه فففي‬
‫الكربات‪ ،‬وننطرح على عتبات بابه سائلين باكين ضارعين منيفبفيفن‪ ،‬حينهففا يففأتي مففدده ويصففل عففونه ويسففرع‬
‫فرجه‪ ،‬ويحل فتحه )) أمن يجيب المضطر إذا دعاه (( فينجي الغريففق ويففرد الغففائب‪ ،‬ويعففافي المبتفففلى‪ ،‬وينصففر‬
‫المظلوم‪ ،‬ويهدي الضال‪ ،‬ويشفي المريض‪ ،‬ويفرج عن المكروب )) فإذا ركبوا في الفلك دعوا ال مخلصففين لففه‬
‫الدين (( ‪.‬‬
‫ولن أسرد عليك هنا أدعية إزاحففة الهفم والغفم والحففزن والكفرب‪ ،‬ولكفن أحيلففك إلفى كتفب السففنة لتتعلفم شفريف‬
‫الخطاب معه فتناجيه وتناديه وتدعوه وترجوه‪ ،‬فإن وجدته وجدت كل شففيء‪ ،‬وإن فقففدت اليمففان بففه فقففدت كففل‬
‫شيء‪ ،‬إن دعاءك ربك عبادة أخرى‪ ،‬وطاعة عظمى ثانية فففوق حصففول المطلففوب‪ ،‬وإن عبففدَا يجيففد فففن الففدعاء‬
‫حري أن ل يهتم ول يغتم ول يقلق‪ ،‬كل الحبال تتصرم إل حبله‪ ،‬كل البفواب توصفد إل بفابه‪ ،‬وهفو قريفب سففميع‬
‫مجيب‪ ،‬يجيب المضطر إذا دعاه ‪ .‬يأمرك وأنت الفقير الضعيف المحتاج‪ ،‬وهو الغني القوي الواحففد الماجففد‪ ،‬بففأن‬
‫تدعوه )) ادعوني أستجب لكم (( ‪.‬‬
‫إذا نزلت بك النوازل وألمت بك الخطوب‪ ،‬فالهج بففذكره‪ ،‬واهتففف باسففمه‪ ،‬واطلفب مففدده واسففأله فتحفه ونصفره‪،‬‬
‫مرغ الجبين لتقديس اسمه‪ ،‬لتحصل على تاج الحرية‪ ،‬وأرغم النف في طين عبوديته لتحوز وسام النجففاة ‪ .‬مففد‬
‫يديك‪ ،‬أرفع كفيك‪ ،‬أطلق لسانك‪ ،‬أكثر من طلبه‪ ،‬بالغ في سؤاله‪ ،‬ألح عليه‪ ،‬الزم بابه‪ ،‬انتظر لطفه‪ ،‬ترقففب فتحففه‪،‬‬
‫ل حتى تسعد وتفلح ‪.‬‬‫أشد باسمه‪ ،‬أحسن ظنك فيه‪ ،‬انقطع إليه‪ ،‬تبتل إليه تبتي ً‬

‫السبب الرابع عشر‬


‫وليسعك بيتك‬
‫العزلة الشرعية السنية‪ :‬بعدك عن الشر وأهله‪ ،‬والفارغين واللهين والفوضويين‪ ،‬فيجتمع عليففك شففملك‪ ،‬يهففدأ‬
‫بالك‪ ،‬ويرتاح خاطرك‪ ،‬ويجود ذهنك بدرر الحكم ويسرح طرفك في بستان المعادن ‪.‬‬
‫إن العزلة عن كل ما يشغل عن الخير والطاعة دواء عزيز ‪ ,‬جربه أطباء القلففوب فنجفح أيمفا نجففاح ‪ ،‬وأنفا أدلفك‬
‫عليه ‪ .‬في العزلة عن الشر واللغو وعن الدهماء تلقيح للفكر‪ ،‬وإقامة لناموس الخشففية‪ ،‬واحتفففال بمولففد النابففة‬
‫والتذكر‪ ،‬وإنما كان الجتماع المحمود والختلط الممدوح في الصلوات والجمع ومجفالس العلففم والتعفاون علفى‬
‫الخير‪ ،‬أما مجالس البطالة والعطالة فحففذار حففذار‪ ،‬اهففرب بجلففدك ‪ ،‬ابفك علففى خطيئتففك‪ ،‬وامسففك عليففك لسففانك‪،‬‬
‫وليسعك بيتك ‪ .‬الختلط الهمجي حرب شعواء على النفس ‪ ،‬وتهديد خطير لدنيا المن والسففتقرار فففي نفسففك ؛‬
‫لنك تجالس أساطين الشائعات وأبطال الراجيف ‪ ،‬وأساتذة التبشير بالفتن والكوارث والمحن ‪ ،‬حتى تمففوت كففل‬
‫يوم سبع مرات قبل أن يصلك الموت )) لو خرجوا فيكم ما زادوكم إل خباًل (( ‪.‬‬

‫وإذا ما خل الجبان بأرض‬


‫طلب الطعن وحده والنزال‬

‫إذًا فرجائي الوحيد إقبالك على شأنك والنزواء في غرفتك إل من قول خير أو فعل خيففر‪ ،‬حينهففا تجففد قلبففك عففاد‬
‫إليك‪ ،‬فسلم وقتك من الضياع‪ ،‬وعمرك مفن الهفدار‪ ،‬ولسفانك مفن الغيبفة‪ ،‬وقلبفك مفن القلفق‪ ،‬وأذنفك مفن الخنفا‬
‫ونفسك من سوء الظن‪ ،‬ومن جرب عرف‪ ،‬ومن أركفب نفسفه مطايفا الوهفام‪ ،‬واسترسفل مفع العفوام فقفل عليفه‬
‫السلم ‪.‬‬

‫السبب الخامس عشر‬


‫العوض من ال‬
‫ل يسلبك ال شيئًا إل عوضك خيرًا منه‪ ،‬إذا صبرت واحتسبت " من أخذت حبيبتيه فصبر عوضته منهمفا الجنفة‬
‫" يعني عينيه ‪ " ,‬من سلبت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسب عوضته من الجنة " من فقفد ابنفه وصفبر بنفي لفه‬
‫بيت الحمد في الخلد‪ ،‬وقس على هذا المنوال فإن هذا مجرد مثال ‪.‬‬
‫فل تأسف على مصيبة فإن الذي قدرها عنده جنة وثواب وعوض وأجر عظيم ‪.‬‬
‫إن أولياء ال المصابين المبتلين ينوه بهم في الفردوس )) سلم عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار (( ‪.‬‬
‫ت مففن ربهففم‬
‫وحق علينا أن ننظر في عففوض المصففيبة وفففي ثوابهففا وفففي خلفهففا الخيففر )) أولئك عليهففم صففلوا ٌ‬
‫ورحمٌة وأولئك هم المهتدون (( هنيئَا للمصابين ‪ ،‬وبشرى للمنكوبين ‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫إن عمر الدنيا قصير وكنزها حقير ‪ ،‬والخرة خير وأبقى فمن أصففيب هنففا كفوفي هنفاك ‪ ،‬ومففن تعفب هنفا ارتففاح‬
‫هناك‪ ،‬أما المتعفلقون بالدنيا العاشقون لها الراكنون إليها‪ ،‬فأشد ما على قلوبهم فففوت حظففوظهم منهففا وتنغيففص‬
‫راحتهم فيها لنهم يريدونها وحدها فلذلك تعظففم عليهففم المصففائب وتكففبر عنففدهم النكبففات لنهففم ينظففرون تحففت‬
‫أقدامهم فل يرون إل الدنيا الفانية الزهيدة الرخيصة ‪.‬‬
‫أيها المصابون ما فات شيء وأنتم الرابحون ‪ ،‬فقد بعث لكم برسالة بين أسطرها لطففف وعطففف وثففواب وحسففن‬
‫اختيار إن على المصاب الذي ضرب عليه سرادق المصيبة أن ينظر ليرى أن النتيجة )) فضرب بينهم بسوٍر لُه‬
‫ب (( وما عند ال خير وأبقى وأهنأ وأمرأ وأجل وأعلى ‪.‬‬ ‫باب باطنُه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذا ُ‬

‫السبب السادس عشر‬


‫اليمان هو الحياة‬
‫الشقياء بكل معاني الشقاء هم المفلسون من كنوز اليمان‪ ،‬ومن رصفيد اليقيفن‪ ،‬فهفم أبفدًا ففي تعاسفة وغضفب‬
‫ومهانة وذلة )) ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا (( ‪.‬‬
‫ل يسعد النفس ويزكيها ويهزها ويفرحها ويذهب غمهففا وهمهففا وقلقهففا إل اليمففان بففال رب العففالمين‪ ،‬ل طعففم‬
‫ل إل باليمان ‪.‬‬
‫للحياة أص ً‬
‫إذا اليمان ضاع فل حياة‬
‫ول دنيا لمن لم يحي دينا‬
‫إن الطريقة المثلى للملحدة إن لم يؤمنففوا أن ينتحففروا ليريحففوا أنفسففهم مففن هففذه الصففار والغلل والظفففلمات‬
‫والدواهي ‪ ،‬يا لها من حياة تعيسة بل إيمان‪ ،‬يالها من لعنة أبدية حاقت بالخارجين علففى منهففج الف فففي الرض‬
‫)) ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرٍة ونذرهم في ظغيانهم يعمهون (( وقد آن الوان للعالم أن‬
‫يقتنع كل القناعة وأن يؤمن كل اليمان بأن ل إله إل ال بعد تجربة طويلة شاقة عبر قرون غابرة توصل بعففدها‬
‫العقل إلى أن الصنم خرافة والكفر لعنة‪ ،‬واللحاد كذبة‪ ،‬وأن الرسل صادقون‪ ،‬وأن ال حق ‪ ,‬له الملك وله الحمد‬
‫وهو على كل شيء قدير ‪.‬‬
‫وبقدر إيمانك قوة وضعفًا‪ ،‬حرارة وبرودة‪ ،‬تكون سعادتك وراحتك وطمأنينتك ‪.‬‬
‫)) مفن عمفل صفلحًا مفن ذكفر أو أنفثى وهفو مفؤمن فلنحيينفه حيفاًة طيبفًة ولنجزينهفم أجرهفم بأحسفن مفا كفانوا‬
‫يعملون (( وهذه الحياة الطيبة هي استقرار نفوسهم لحسن موعد ربهم‪ ،‬وثبات قلففوبهم بحففب بففاريهم‪ ،‬وطهففارة‬
‫ضمائرهم من أوضاع النحراف‪ ،‬وبرود أعصابهم أمام الحوادث‪ ،‬وسكينة قلوبهم عند وقع القضاء ورضاهم في‬
‫مواطن القدر؛ لنهم رضوا بال ربا‪ ،‬وبالسلم دينًا‪ ،‬وبمحمد صلى ال عليه وسلم نبيًا ورسول ‪.‬‬

‫السبب السابع عشر‬


‫اجن العسل ول تكسر الخلية‬
‫الرفق ما كان في شيء إل زانه‪ ،‬وما نزع من شيء إل شانه‪ ،‬اللين في الخطفاب‪ ,‬البسفمة الرائقفة علفى المحيففا‪،‬‬
‫الكلمة الطيبة عند اللقاء‪ ،‬هذه حلل منسوجة يرتديها السعداء‪ ،‬وهي صفات المؤمن كالنحلففة تأكففل طيبفًا وتصففنع‬
‫طيبًا‪ ،‬وإذا وقعت على زهرة ل تكسرها لن ال يعطي على الرفق ما ل يعطفي علفى العنففف ‪ .‬إن مفن النفاس مففن‬
‫تشرأب لقدومهم العناق‪ ،‬وتشخص إلى طلعاتهم البصار‪ ،‬وتحييهم الفئدة وتشيعهم الرواح؛ لنهففم محبوبففون‬
‫في كلمهم ‪ ,‬في أخذهم وعطائهم‪ ،‬في لقائهم ووداعهم ‪.‬‬
‫إن اكتسفاب الصفدقاء ففن مفدروس يجيفده النبلء البفرار‪ ،‬فهفم محفوففون دائمفًا وأبفدًا بهالفة مفن النفاس ‪ ,‬إن‬
‫حضروا فالبشر والنس‪ ،‬وإن غابوا فالسؤال والدعاء ‪.‬‬
‫سهرنا ونام الركب والليل مسرف‬
‫وكنت حديث الركب في كل منزل‬
‫إن هؤلء السعداء لهم دستور أخلق عنوانه)) ادفع بالتي هي أحسن فففإذا الففذي بينففك وبينففه عففداوة كففأنه ولففي‬
‫حميٌم (( فهم يمتصففون الحقففاد بعففاطفتهم الجياشففة‪ ،‬وحلمهففم الففدافيء‪ ،‬وصفففحهم الففبريء‪ ،‬يتناسففون السففاءة‬
‫ويحفظون الحسان‪ ،‬تمر بهم الكلمات النابية فل تلج آذانهم بل تذهب بعيدًا هناك إلى غير رجعة ‪ .‬هففم ففي راحفة‬
‫والناس منهم في أمن والمسلمون منهم في سلم " المسلم من سلم المسلمون مفن لسفانه ويفده‪ ،‬والمفؤمن مفن‬
‫أمنه الناس على دماءهم وأموالهم " ‪ " ,‬إن ال أمرني أن أصل من قطعني وأن أعفو عمن ظلمنففي وأن أعطففي‬

‫‪10‬‬
‫من حرمني " ‪ )) ,‬والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس (( بشر هؤلء بثففواب عاجففل مففن الطمأنينففة والسففكينة‬
‫والهدوء ‪.‬‬
‫من سالم الناس يسلم من عواذلهم‬
‫ونام وهو قرير العين جذلن‬
‫وبشرهم بثواب أخروي كبير في جوار رب غفور في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر ‪.‬‬

‫السبب الثامن عشر‬


‫أل بذكر ال تطمئن القلوب‬
‫الصدق حبيب ال والصراحة صابون القلوب‪ ،‬والتجربة برهان‪ ،‬والرائد ل يكذب أهلففه‪ ،‬ولففم يوجففد عمففل أشففرح‬
‫للصدر وأعظم للجر كالذكر )) فاذكروني أذكركم (( ‪ ,‬وذكره سبحانه جنته ففي أرضفه مفن لفم يفدخلها لفم يفدخل‬
‫جنة الخرة ‪ ,‬وهو إنقاذ للنفس من أوصابها وأتعابها واضفطرابها بفل هفو طريفق ميسفر مختصفر إلفى كفل ففوز‬
‫وفلح ‪ .‬طالع دواوين الوحي لتر فوائد الذكر‪ ،‬وجرب مع اليام بلسمه لتنال الشفاء ‪.‬‬
‫إذا مرضنا تداوينا بذكركم‬
‫ونترك الذكر أحيانًا فننتكس‬
‫وبذكره سبحانه تنقشع سحب الخوف والفزع والهم والحزن ‪ .‬بذكره تزاح جبال الكرب والغم والسى ‪.‬‬
‫ول عجب أن يرتاح الذاكرون فهذا هو الصل الصيل‪ ،‬لكن العجب العجففاب كيففف يعيففش الغففافلون عففن ذكففره ))‬
‫أموات غير أحياٍء وما يشعرون أيان يبعثون (( ‪.‬‬
‫يا من شكى الرق وبكى من اللم وتفجع من الحوادث‪ ،‬ورمته الخطوب ‪ ,‬هيا اهتف باسمه المقدس‪ ،‬هل تعلم لففه‬
‫سميًا ‪.‬‬
‫ال أكبر كل هم ينجلي‬
‫عن قلب كل مكبر ومهلل‬
‫بقدر إكثارك من ذكره ينبسط خاطرك‪ ،‬يهدأ قلبك‪ ،‬تسعد نفسك‪ ،‬يرتاح ضميرك‪ ،‬لن في ذكره جل في عله معاني‬
‫التوكل عليه والثقة به والعتماد عليه والرجوع إليه‪ ،‬وحسفن الظفن فيفه‪ ،‬وانتظفار الففرج منفه‪ ،‬فهفو قريفب إذا‬
‫دعي‪ ،‬سميع إذا نودي‪ ،‬مجيب إذا سئل ‪ ،‬فاضرع واخضع واخشع ‪ ،‬وردد اسمه الطيب المبارك على لسانك ثنففاء‬
‫ومدحًا ودعففاًء وسففؤاًل واسففتغفارًا ‪ ،‬وسففوف تجففد بحففوله وقففوته السففعادة والمففن والسففرور والنففور والحبففور‬
‫)) فآتاهم ال ثواب الدنيا وحسن ثواب الخرة (( ‪.‬‬

‫السبب التاسع عشر‬


‫أم يحسدون الناس‬
‫على ما آتاهم ال من فضله‬
‫الحسد كالكلة الملحة تنخر العظم نخرًا‪ ،‬إن الحسفد مفرض مزمفن يعيفث ففي الجسفم فسفادا‪ ،‬وقفد قيفل‪ :‬ل راحفة‬
‫لحسود فهو ظالم في ثوب مظلوم‪ ،‬وعدو في جلباب صديق ‪ .‬وقد قالوا‪:‬‬

‫ل در الحسد ما أعدله‬
‫بدأ بصاحبه فقتله‬

‫إنني أنهى نفسي ونفسك عن الحسد رحمة بي وبك‪ ،‬قبل أن نرحم الخرين؛ لننا بحسدنا لهم نطعم الهم لحومنا‪،‬‬
‫ونسقي الغم دماءنا ونوزع نوم جفوننا على الخرين ‪.‬‬
‫إن الحاسد يشعل فرنًا ساخنًا ثم يقتحم فيه ‪ .‬التنغيص والكدر والهم الحاضر أمراض يولدها الحسد لتقضي علففى‬
‫الراحة والحياة الطيبة الجميلة ‪.‬‬
‫بلية الحاسد أنه خاصم القضاء واتهم الباري في العدل وأساء الدب مع الشرع وخالف صاحب المنهج ‪.‬‬
‫يا للحسد من مرض ل يؤجر عليه صاحبه‪ ،‬ومن بلء ل يثاب عليه المبتلى بففه‪ ،‬وسففوف يبقففى هففذا الحاسففد فففي‬
‫حرقة دائمة حتى يموت أو تذهب نعم الناس عنهم ‪ .‬كل يصالح إل الحاسد فالصلح معففه أن تتخلففى عففن نعففم الف‬
‫وتتنازل عن مواهبك‪ ،‬وتلغي خصائصك‪ ،‬ومناقبك‪ ،‬فإن فعلت ذلك فلعله يرضى على مضض‪ ،‬نعوذ بال مففن شففر‬
‫حاسد إذا حسد ‪ ،‬فإنه يصبح كالثعبان السود السام ل يقر قراره حتى يفرغ سمه في جسم بريء ‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫فأنهاك أنهاك عن الحسد واستعذ بال من الحاسد فإنه لك بالمرصاد ‪.‬‬

‫السبب العشرون‬
‫اقبل الحياة كما هي‬
‫طبعت على كدر وأنت تريدها‬
‫صفوًا من القذاء والكدار‬
‫هذا حال الدنيا منغصة اللذات‪ ،‬كثيرة التبعات‪ ،‬جاهمففة المحيففا‪ ،‬كففثيرة التلففون‪ ،‬مزجففت بالكففدر‪ ،‬وخلطففت بالنكففد‪،‬‬
‫وأنت منها في كبد ‪.‬‬
‫ل‪ ،‬ول مسكنًا ول وظيفة إل وفيففه مففا يكففدر وعنففده مففا يسففوء أحيانفًا‪،‬‬‫ولن تجد ولدًا أو زوجة‪ ،‬أو صديقًا‪ ،‬أو نبي ً‬
‫فأطفيء حر شره ببرد خيره‪ ،‬لتنجو رأسًا برأس والجروح قصاص ‪.‬‬
‫أراد ال لهذه الدنيا أن تكون جامعة لضدين والنوعين والفريقيففن والرأييففن خيففر وشففر‪ ،‬صففلح وفسففاد‪ ،‬سففرور‬
‫وحزن‪ ،‬ثم يصفو الخير كله والصلح والسرور في الجنة ويجمع الشر كله والفساد والحزن في النار ‪.‬‬
‫وفي الحديث‪ " :‬الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إل ذكر ال وما واله وعالم ومتعلم " فعش واقعك ول تسففرح مففع‬
‫الخيال وحلق في عالم المثاليات‪ ،‬اقبل دنياك كما هي‪ ،‬وطوع نفسك لمعايشتها ومواطنتها‪ ،‬فسففوف ل يصفففو لففك‬
‫فيها صاحب ول يكمل لك فيها أمر؛ لن الصفو والكمال والتمام ليس من شأنها ول من صفاتها ‪.‬‬
‫لن تكمل لك زوجة وفي الحديث " ل يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي آخر" ‪.‬‬
‫فينبغي أن نسدد ونقارب ونعفو ونصفح ونأخذ ما تيسر ونذر ما تعسر ونغمض الطرف أحيانففا ونسففدد الخطفى ‪،‬‬
‫ونتغافل عن أمور ‪.‬‬
‫ومن لم يصانع في أمور كثيرة‬
‫يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم‬

‫السبب الحادي والعشرون‬


‫تعز بأهل البلء‬
‫تلفت يمنة ويسرة فهل ترى إل مبتلى وهل تشاهد إل منكوبًا‪ ،‬في كل دار نائحة‪ ،‬وعلى كل خد دمع وفففي كففل واٍد‬
‫بنو سعد ‪.‬‬
‫أيها الشامت المعير بالدهر‬
‫أأنت المبرؤ الموفور‬
‫كم من المصائب وكم من الصابرين‪ ،‬فلست أنت وحدك المصاب بففل مصففابك أنفت بالنسفبة لغيفرك قليففل‪ ،‬كففم مفن‬
‫مريض على سريره من أعوام يتقلب ذات اليمين وذات الشمال يئن من اللم ويصيح من السقم ‪.‬‬
‫كم من محبوس مر به سنوات ما رأى الشمس بعينه ‪ ،‬وما عرف غير زنزانته ‪.‬‬
‫وكم من رجل وامرأة فقدا فلذات أكبادهما في ميعة الشباب وريعان العمر ‪.‬‬
‫وكم من مكروب ومديون ومصاب ومنكوب ‪.‬‬
‫ن للمففؤمن ودار للحففزان والنكبففات‪ ،‬تصففبح‬ ‫آن لك أن تتعفزى بهؤلء وأن تعلم علم اليقيففن أن هففذه الحيففاة سففج ٌ‬
‫القصور حافلة بأهلها وتمسي خاوية على عروشها ‪ .‬بينما الشمل مجتمع والبدان فففي عافيففة والمففوال وافففرة‪،‬‬
‫والولد كثر‪ ،‬ثم ما هي إل أيام فإذا الفقر والموت والفراق والمراض )) وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضفربنا لكففم‬
‫المثال (( فعليك أن توطن نفسك كتوطين الجمل المحنك الذي يبرك علففى الصففخرة ‪ ،‬وعليففك أن تففوازن مصففابك‬
‫بمن حولك وبمن سبقك في مسيرة الدهر‪ ،‬ليظهر لك أنك معافى بالنسبة لهؤلء وأنه لم يأتففك إل وخففزات سففهلة‬
‫فاحمد ال على لطفه واشكره على ما أبقى ‪ ،‬واحتسب ما أخذ ‪ ،‬وتعز بمن حولك ‪.‬‬
‫ولول كثرة الباكين حولي‬
‫على إخوانهم لقتلت نفسي‬
‫ولك قدوة في رسول صلى ال عليه وسلم وقد وضع السل على رأسه وأدميت قدماه وشج وجهه وحوصر فففي الشففعب‬
‫حتى أكل ورق الشجر‪ ،‬وطففرد مففن مكففة‪ ،‬وكسففرت ثنيتففه‪ ،‬ورمففي عففرض زوجتففه الشففريف‪ ،‬وقتففل سففبعون مففن‬
‫أصحابه‪ ،‬وفقد ابنه‪ ،‬وأكثر بناته في حياته‪ ،‬وربط الحجر على بطنه من الجوع‪ ،‬واتهم بأنه شففاعر سففاحر كففاهن‬
‫مجنون كذاب‪ ،‬صانه ال من ذلك‪ ،‬وهذا بلء ل بد منه ومحيص ل أعظم منه‪ ،‬وقد قتل قبل زكريا وذبففح يحيففى ‪،‬‬
‫وهاجر موسى‪ ،‬ووضع الخليل في النار‪ ،‬وصار الئمة علفى هفذا الطريفق فضفرج عمفر بفدمه‪ ،‬واغتيفل عثمفان‪،‬‬

‫‪12‬‬
‫وطعن علي ‪ ،‬وجلدت ظهور الئمة وسجن الخيار‪ ،‬ونكل بالبرار )) أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يففأتكم مثففل‬
‫الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا (( ‪.‬‬

‫السبب الثاني والعشرون‬


‫الصلة ‪ ...‬الصلة‬
‫)) يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلة ((‬
‫إذا داهمك الخوف وطوقك الحزن‪ ،‬وأخذ الهم بتلبيبك‪ ،‬فقم حاًل إلى الصلة‪ ،‬تثففوب لففك روحففك وتطمئن نفسففك‪،‬‬
‫إن الصلة كفيلة بإذن ال باجتياح مستعمرات الحزان والغموم ومطاردة فلول الكتئاب ‪.‬‬
‫كان صلى ال عليه وسلم إذا حزبه أمٌر قال ‪ " :‬أرحنا بالصلة يا بلل " فكانت قرة عينه وسعادته وبهجته ‪.‬‬
‫وقد طالعت سير قوم أفذاذ كانت إذا ضاقت بهففم الضففوائق وكشففرت فففي وجففوههم الخطففوب‪ ،‬فزعففوا إلففى صففلة‬
‫خاشعة فتعود لهم قواهم وإراداتهم وهممهم ‪.‬‬
‫إن صلة الخوف فرضت لتؤدى في ساعة الرعب‪ ،‬يوم تتطاير الجماجم‪ ،‬وتسيل النفوس على شفرات السففيوف‪،‬‬
‫فإذا أعظم تثبيت وأجل سكينة صلة خاشعة ‪.‬‬
‫إن على الجيل الذي عصفت به المراض النفسية أن يتعرف على المسجد ‪ ،‬وأن يمرغ جبيفنه ليرضففي ربففه أول‬
‫ولينقذ نفسه من هذا العذاب الواصب وإل فإن الدمع سوف يحرق جفنفه والحفزن سففوف يحطففم أعصففابه وليففس‬
‫لديه طاقة تمده بالسكينة والمن إل الصلة‪.‬‬
‫من أعظم النعم لو كنا نعقل هذه الصلوات الخمس كل يوم وليلة كفارة لذنوبنا‪ ،‬رفع لدرجاتنا عنففد ربنففا‪ ،‬ثففم هففي‬
‫علج عظيفم لمآسفينا ودواء نفاجع لمراضفنا‪ ،‬تسفكب ففي ضفمائرنا مقفادير زاكيفة مفن اليقيفن وتملفؤ جوانحنفا‬
‫بالرضا‪ .‬أما أولئك الذي جانبوا المسجد وتركوا الصلة‪ ،‬فمن نكد إلى نكد‪ ،‬ومن حزن إلى حزن ومففن شففقاء إلففى‬
‫شقاء )) فتعسًا لهم وأضل أعمالهم (( ‪.‬‬

‫السبب الثالث والعشرون‬


‫حسبنا ال ونعم الوكيل‬
‫تفويض المر إلى ال ‪ ،‬والتوكل عليه‪ ،‬والثقة بوعده‪ ،‬والرضا بصنيعه‪ ،‬وحسن الظففن بففه‪ ،‬وانتظففار الفففرج منففه‬
‫من أعظم ثمرات اليمان‪ ،‬ومن أجل صفات المؤمنين‪ ،‬وحينما يطمئن العبد إلى حسن العاقبففة ويعتمففد علففى ربففه‬
‫في كل شأنه يجد الرعاية والولية والكفاية والتأييد والنصرة ‪.‬‬
‫وإذا الرعاية لحظتك عيونها‬
‫نم فالحوادث كلهن أمان‬
‫لما ألقي إبراهيم عليه السلم في النار قال‪ :‬حسبنا ال ونعم الوكيل‪ ،‬فجعفلها الف عليففه بففردًا وسففلمًا‪ ،‬ورسففولنا‬
‫صلى ال عليه وسلم وأصحابه لما هددوا بجيوش الكفار وكتائب الوثنية قالوا‪ )) :‬حسبنا ال ونعم الوكيل)‪ (173‬فانقفلبوا‬
‫بنعمٍة من ال وفضل لم يمسسهم سّوء واتبعوا رضوان ال وال ذو فضٍل عظيم (( ‪.‬‬
‫إن النسان وحده ل يستطيع أن يصفارع الحففداث‪ ،‬ول يقففاوم الملمففات‪ ،‬ول ينففازل الخطففوب؛ لنففه خلفق ضفعيفًا‬
‫عاجزًا‪ ،‬ولكنه حينما يتوكل على ربه ويثق بموله‪ ،‬ويفوض المر إليه‪ ،‬وإل فما حيلة هذا العبد الفقير الحقير إذا‬
‫احتوشته المصائب وأحاطت به النكبات )) وعلى ال فتوكلوا إن كنتم مؤمنين (( ‪.‬‬
‫فيا من أراد أن ينصح نفسففه توكففل علففى القففوي الغنففي ذي القففوة المففتين‪ ،‬لينقففذك مففن الففويلت‪ ،‬ويخرجففك مففن‬
‫الكربات‪ ،‬واجعل شعارك ودثارك حسبنا ال ونعم الوكيل‪ ،‬ففإن قففل مالففك‪ ،‬وكففثر َدْينفك‪ ،‬وجفففت مففواردك وشففحت‬
‫مصادرك‪ ،‬فناد حسبنا ال ونعم الوكيل ‪.‬‬
‫وإذا داهمك المرض‪ ،‬وألمح عليك السقم‪ ،‬وتضاعف عليك البلء‪ ،‬فقل حسبنا ال ونعم الوكيل ‪.‬‬
‫وإذا خفت من عدو‪ ،‬أو رعبت من ظالم‪ ،‬أو فزعت من خطب فاهتف حسبنا ال ونعم الوكيل ‪.‬‬
‫)) وكفى بربك هاديًا ونصيرًا (( ‪.‬‬

‫السبب الرابع والعشرون‬


‫قل سيروا في الرض‬

‫‪13‬‬
‫مما يشرح الصدر ويزيح سحب الهم والغفم ؛ السففر ففي الفديار‪ ،‬وقطفع القففار‪ ،‬والتقلفب ففي الرض الواسفعة‪،‬‬
‫والنظر في كتاب الكون المفتوح لتشفاهد أقلم القفدرة وهفي تكتففب علفى صففحات الوجفود آيفات الجمففال‪ ،‬لفترى‬
‫حدائق ذات بهجة‪ ،‬ورياضًا أنيقة وجنات ألفافًا‪ ،‬أخرج من بيتك وتأمل ما حولك وما بين يديك وما خلففك‪ ،‬اصففعد‬
‫الجبال‪ ،‬اهبط الودية‪ ،‬تسلق الشجار‪ ،‬عب من المففاء النميففر‪ ،‬ضففع أنفففك علففى أغصففان الياسففمين‪ ،‬حينهففا تجففد‬
‫روحك حرة طليقة‪ ،‬كالطائر الغريد تسبح في فضاء السعادة‪ ،‬اخرج من بيتك‪ ،‬ألق الغطاء السود عن عينيك‪ ،‬ثففم‬
‫سر في فجاج ال الواسعة ذاكرًا مسبحًا‪.‬‬
‫إن النزواء في الغرفة الضيقة مع الفراغ القاتل طريق ناجح للنتحار‪ ،‬وليست غرفتك هي العالم ولست أنت كففل‬
‫الناس‪ ،‬فلم الستسلم أمام كتائب الحزان‪ ،‬أل فاهتف ببصرك وسمعك وقلبك‪ :‬انفروا خفاف فًا وثقففاًل‪ ،‬تعففال لتقففرأ‬
‫القرآن هنا بين الجداول والخمائل بين الطيور وهي تتلو خطب الحب‪ ،‬وبين الماء وهو يروي قصة وصففوله مففن‬
‫التل ‪.‬‬
‫أيها ذا الشاكي وما بك داء‬
‫ل ترى الوجود جمي ً‬
‫ل‬ ‫كن جمي ً‬
‫أترى الشوك في الورود وتعمى‬
‫أن ترى فوقه الندى إكليل‬
‫إن الترحال في مسارب الرض متعة يوصي بها الطباء لمن ثقلت عليه نفسه‪ ،‬وأظلمففت عليففه غرفتفه الضفيقة‪،‬‬
‫فهيا بنا نسافر لنسعد ونفرح ونفكر ونتدبر )) ويتفكرون في خلق السففماوات والرض ربنففا مففا خلقففت هففذا بط ً‬
‫ل‬
‫سبحانك (( ‪.‬‬

‫السبب الخامس والعشرون‬


‫فصبر جميل‬
‫التحلي بالصبر من شيم الفذاذ الذين يتلقون المكاره برحابة صدر وبقوة إرادة وبمناعة أبية‪ .‬وإن لففم أصففبر أنففا‬
‫وأنت فماذا نصنع؟‬
‫هل عندك حل لنا غير الصبر؟ هل تعلم لنا زادًا غيره ؟‬
‫كان أحد العظماء مسرحًا تركض فيه المصائب وميدانًا تتسابق فيفه النكبففات كلمفا خفرج مففن كربففة زارتفه كربففة‬
‫أخرى‪ ،‬وهو متترس بالصبر‪ ،‬متدرع بالثقة بال‪ ،‬يقول عن حاله‪:‬‬
‫تنكر لي دهري ولم يدر أنني‬
‫أعز وأحداث الزمان تهون‬
‫فبات يريني الدهر كيف عتوه‬
‫وبت أريه الصبر كيف يكون‬
‫هكذا يفعل النبلء‪ ،‬يصارعون الملمات ويطرحون النكبات أرضًا ‪.‬‬
‫دخلوا على أبي بكر وهو مريض‪ ،‬قالوا‪ :‬أل ندعو لك طبيبًا ؟ قال‪ :‬الطبيب قففد رآنففي ‪ .‬قففالوا‪ :‬فمففاذا قففال ؟ قففال ‪:‬‬
‫يقول‪ :‬إني فعال لما أريد ‪.‬‬
‫ومرض أحد الصالحين فقيل له‪ :‬ماذا يؤلمك ؟‬
‫فقال‪:‬‬
‫تموت النفوس بأوصابها‬
‫ولم يدر عوادها ما بها‬
‫وما أنصفت مهجة تشتكي‬
‫أذاها إلى غير أحبابها‬
‫واصبر وما صبرك إل بال‪ ،‬اصبر صبر واثق بففالفرج‪ ،‬عففالم بحسففن المصففير‪ ،‬طففالب للجففر‪ ،‬راغففب فففي تكفيففر‬
‫السيئات‪ ،‬اصبر مهما ادلهمت الخطوب‪ ،‬وأظلمت أمامك الدروب‪ ،‬فإن النصر مع الصبر‪ ،‬وإن الفرج مففع الكففرب‪،‬‬
‫وإن مع العسر يسرًا ‪.‬‬
‫قرأت سير عظماء مروا في هذه الدنيا وذهلت لعظيم صبرهم وقوة احتمالهم‪ ،‬كانت المصائب تقع على رؤوسهم‬
‫كأنها قطرات ماء باردة‪ ،‬وهم في ثبات الجبال‪ ،‬وفي رسوخ الحق‪ ،‬فما هو إل وقت قصير فتشرق وجوههم على‬
‫طلئع فجر الفرج‪ ،‬وفرحة الفتح‪ ،‬وعصر النصر‪ .‬وأحدهم ما اكتففى بالصفبر وحفده‪ ،‬بفل نفازل الكفوارث وتحفدى‬
‫المصائب وصاح في وجهها منشدًا‪:‬‬
‫إن كان عندك يا زمان بقية‬
‫مما يهان به الكرام فهاتها‬

‫‪14‬‬
‫السبب السادس والعشرون‬
‫ل تحمل الكرة الرضية على رأسك‬
‫نفر من الناس تدور في نفوسهم حرب عالمية‪ ،‬وهم على فرش النوم‪ ،‬فإذا وضعت الحرب أوزارها غنموا قرحة‬
‫المعدة‪ ،‬وضغط الدم والسكري ‪ .‬يحترقون مع الحفداث‪ ،‬يغضفبون مفن غلء السفعار‪ ،‬يثفورون لتفأخر المطفار‪،‬‬
‫يضجون لنخفاض سعر العملة‪ ،‬فهم في انزعاج دائم‪ ،‬وقلق واصب )) يحسبون كل صيحٍة عليهم (( ‪.‬‬
‫ونصيحتي لك أن ل تحمل الكرة الرضفية علفى رأسفك‪ ،‬دع الحفداث علفى الرض ول تضففعها ففي أمعففاءك ‪ .‬إن‬
‫البعض عنده قلب كالسفنجة يتشففرب الشففائعات والراجيففف ‪ ,‬ينزعففج للتففوافه‪ ،‬يهفتز للففواردات‪ ،‬يضففطرب لكففل‬
‫شيء‪ ،‬وهذا القلب كفيل أن يحطم صاحبه وأن يهدم كيان حامله ‪.‬‬
‫أهل المبدأ الحق تزيدهم العبر والعظات إيمانًا إلى إيمانهم‪ ،‬وأهل الخور تزيدهم الزلزل خوفًا إلى خوفهم‪ ،‬وليس‬
‫ب شجاع‪ ،‬فإن المقدام الباسل واسع البطان‪ ،‬ثابت الجأش‪ ،‬راسخ اليقين‪ ،‬بارد‬ ‫أنفع أمام الزوابع والدواهي من قل ٍ‬
‫العصاب‪ ،‬منشرح الصدر‪ ،‬أما الجبان فهو يذبففح نفسفه كففل يففوم مفرات بسفيف التوقعففات والراجيفف والوهففام‬
‫والحلم‪ ،‬فإن كنت تريد الحياة المستقرة فواجه المور بشجاعة وجلد ول يستخففففنك الففذين ل يوقنففون‪ ،‬ول تففك‬
‫في ضيق مما يمكرون‪ ،‬كن أصلب من الحداث‪ ،‬وأعتى مففن ريففاح الزمففات‪ ،‬وأقففوى مففن العاصففير‪ ،‬وارحمتففاه‬
‫لصحاب القلوب الضعيفة كم تهزهم اليام هزًا )) لتجدنهم أحرص الناس على حياٍة (( وأما البففاة فهففم مففن الف‬
‫في مدد‪ ،‬وعلى الوعد في ثقة )) فأنزل السكينة عليهم (( ‪.‬‬

‫السبب السابع والعشرين‬


‫ل تحطمك التوافه‬
‫كم من مهموم سبب همه أمٌر حقير تافه ل يذكر ‪.‬‬
‫وتعظم في عين الصغير صغارها‬
‫وتصغر في عين العظيم العظائم‬
‫انظر إلى المنافقين‪ ،‬ما أسقط هممهم وما أبرد عزائمهم ‪ .‬هذه أقوالهم‪ :‬ل تنفروا في الحر‪ ،‬إئذن لي ول تفتنففي ‪،‬‬
‫بيوتنا عورة ‪ ،‬نخشى أن تصيبنا دائرة ‪ ،‬ما وعدنا ال ورسوله إل غرورا ‪ .‬يا لخيبة هذه المعاطس ‪ ,‬يففا لتعاسففة‬
‫هذه النفوس ‪.‬‬
‫همهم البطون والصحون والدور والقصور‪ ،‬لم يرفعوا أبصففارهم إلففى سففماء المثففل‪ ،‬لففم ينظففروا أبففدًا إلففى نجففوم‬
‫الفضائل ‪ .‬هم أحدهم ومبلغ علمه‪ :‬دابته وثوبه ونعمه ومففأدبته‪ ،‬وانظففر لقطففاع هففائل مففن النففاس تراهففم صففباح‬
‫مساء سبب همومهم خلف مع الزوجة أو البن أو القريب أو سماع كلمة نابيففة أو موقففف تففافه ‪ .‬هففذه مصففائب‬
‫هؤلء البشر‪ ،‬ليس عندهم من المقاصد العليا من يشغلهم‪ ،‬ليس عندهم من الهتمامات الجليلففة مففا يمل وقتهففم‪،‬‬
‫وقد قالوا‪ :‬إذا خرج الماء من الناء مله الهواء‪ ،‬إذَا ففكر في المر الذي تهتم له وتغتم‪ ،‬هل يستحق هففذا الجهففد‬
‫وهذا العناء‪ ،‬لنك أعطيته من عقلك ولحمك ودمك وراحتك ووقتك‪ ،‬وهذا غبن في الصفقة وخسارة هائلة ثمنهففا‬
‫بخس‪ ،‬وعلماء النفس يقولون أجعل لكل شيء حدًا معقوًل‪ ،‬وأصدق من هففذا قفوله تعففالى‪ )) :‬قفد جعففل الف لكفل‬
‫شيٍء قدرًا (( فأعط القضية حجمها ووزنها وقدرها وإياك والظلم والغلو ‪.‬‬
‫هؤلء الصحابة البرار همهم تحت الشجرة الوفاء بالبيعة ‪ ،‬فنالوا رضوان ال ‪ ,‬ورجل معهم أهمففه جملففه حففتى‬
‫فاته البيع فكان جزاءه الحرمان والمقت ‪.‬‬
‫فاطرح التوافه والشتغال بها تجد أن أكثر همومك ذهبت عنك وعدت فرحًا مسرورًا ‪.‬‬

‫السبب الثامن والعشرون‬


‫ارض بما قسم ال لك‬
‫تكن أغنى الناس‬
‫مر فيما سبق بعض معاني هذا السبب لكنني أبسطه هنا ليفهم أكثر وهو أن عليك أن تقنع بما قسم لك من جسففم‬
‫ومال وولد سكن وموهبة‪ ،‬وهذا منطق القرآن )) فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين (( ‪ .‬إن غففالب علمففاء السففلف‬
‫وأكثر الجيل الول كانوا فقراء لم يكن لديهم أعطيات ول مساكن بهية‪ ،‬ول مراكب‪ ،‬ول حشففم‪ ،‬ومففع ذلففك أثففروا‬
‫الحياة وأسعدوا أنفسهم والنسانية؛ لنهم وجهوا ما آتاهم ال مففن خيفر فففي سففبيله الصففحيح ‪ ,‬فبففورك لهففم فففي‬

‫‪15‬‬
‫ل أعطوا من الموال والولد والنعم‪ ،‬فكففانت سففبب‬ ‫أعمارهم وأوقاتهم ومواهبهم‪ ،‬ويقابل هذا الصنف المبارك م ٌ‬
‫شقائهم وتعاستهم؛ لنهم انحرفوا عن الفطرة السوية والمنهج الحق وهذا برهان سففاطع علففى أن هففذه الشففياء‬
‫ليست كل شيء‪ ،‬انظر إلى من حمل شهادات عالمية لكنه نكرة من النكرات في عطاءه وفهمه وأثره‪ ،‬بينمففا تجففد‬
‫آخرين عندهم علم محدود‪ ،‬وقد جعلوا منه نهرًا دافقًا بالنفع والصلح والعمار ‪.‬‬
‫إن كنت تريد السعادة فارض بصورتك التي ركبك ال فيها‪ ،‬وارض بوضعك السري وصففوتك ومسففتوى فهمففك‪،‬‬
‫ودخلك‪ ،‬بل إن بعض المربين الزهاد يذهبون إلى أبعد من ذلك فيقولون لك‪ :‬ارض بأقل مما أنت فيففه وبففدون مففا‬
‫أنت عليه وأنشدوا ‪:‬‬
‫سعادتك العظمى إذا كنت عاق ً‬
‫ل‬
‫مناك بحال دون حال تعيشها‬
‫هاك قائمة رائعة مليئة باللمعين الذين بخسوا حظوظهم الدنيوية ‪:‬‬
‫عطاء بن أبي رباح عالم الدنيا في عهده‪ ،‬مولى أسود أفطس أشل مفلفل الشعر ‪.‬‬
‫الحنف بن قيس‪ ،‬حليم العرب قاطبة‪ ،‬نحيف الجسم‪ ،‬أحدب الظهر‪ ،‬أحنى الساقين‪ ،‬ضعيف البنية ‪.‬‬
‫العمش محدث الدنيا‪ ،‬من الموالي‪ ،‬ضعيف البصر‪ ،‬فقير ذات اليد‪ ،‬ممزق الثياب‪ ،‬رث الهيئة والمنزل ‪.‬‬
‫بل النبياء الكرام صلوات ال وسلمه عليهم‪ ،‬كل منهم رعى الغنففم‪ ،‬وكففان داود حففدادًا وزكريففا نجففارًا وإدريففس‬
‫خياطًا‪ ،‬وهم صفوة الناس وخير البشر ‪.‬‬
‫إذًا فقيمتك مواهبك وعملك الصالح ونفعك وخلقك‪ ،‬فل تففأس علففى مفا ففات مفن جمففال أو مففال أو عيففال‪ ،‬وارض‬
‫بقسمة ال )) نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا (( ‪.‬‬

‫السبب التاسع والعشرون‬


‫ذكر نفسك بجنة عرضها السموات والرض‬
‫إن جعت في هذه الدار أو افتقرت أو حزنت أو مرضت أو بخست حقًا أو ذقت ظلمًا فذكر نفسففك بففالنعيم والراحففة‬
‫والسرور والحبور والمن والخلد في جنات النعيم‪ ،‬إنك إن اعتقدت هففذه العقيففدة وعملففت لهففذا المصففير تحففولت‬
‫خسائرك إلى أرباح‪ ،‬وبلياك إلى عطايا ‪ .‬إن أعقل الناس هم الذين يعملون للخرة لنها خير وأبقى ‪ .‬وإن أحمق‬
‫وأبله هذه الخفليقة هم الذين يرون أن هذه الدنيا هي قرارهم ودارهم ومنتهى أمانيهم‪ ،‬فتجدهم أجزع الناس عند‬
‫المصائب‪ ،‬وأندمهم عند الحوادث؛ لنهم ل يرون إل حياتهم الزهيدة الحقيرة‪ ،‬ل ينظرون إل إلى هففذه الفانيففة‪ ،‬ل‬
‫يتفكرون في غيرها ول يعملون لسواها‪ ،‬فل يريدون أن يعكر لهم سرورهم ول يكدر عليهففم فرحهففم‪ ،‬ولففو أنهففم‬
‫خلعوا حجفاب الفران عفن قلفوبهم‪ ،‬وغطفاء الجهفل عفن عيفونهم لحفدثوا أنفسفهم بفدار الخلفد ونعيمهفا ودورهفا‬
‫وقصورها‪ ،‬ولسمعوا وأنصتوا لخطاب الوحي في وصفها‪ ،‬إنها وال الدار التي تستحق الهتمام والكد والجهد ‪.‬‬
‫ل وصف أهل الجنة بأنهم ل يمرضون ول يحزنون ول يموتون ‪ ،‬ول يفنى شبابهم ول تبلى‬ ‫هل تأملنا طوي ً‬
‫ثيابهم‪ ،‬في غرف يرى ظاهرها من باطنها‪ ،‬وباطنها من ظاهرها‪ ،‬فيها ما ل عين رأت ول أذن سمعت ول خطر‬
‫ل‪،‬‬
‫على قلب بشر‪ ،‬يسير الراكب في ظل شجرة من أشجارها مائة عام ل يقفطعها‪ ،‬طول الخيمة فيها ستون مي ً‬
‫أنهارها مطردة‪ ،‬قصورها منيفة‪ ،‬قطوفها دانية‪ ،‬عيونها جارية‪ ،‬سررها مرفوعة‪ ،‬أكوابها موضوعة‪ ،‬نمارقها‬
‫مصفوفة‪ ،‬زرابيها مبثوثة‪ ،‬تم سرورها‪ ،‬عظم حبورها‪ ،‬فاح عرفها‪ ،‬عظم وصفها‪ ،‬منتهى الماني فيها‪ ،‬فأين‬
‫عقولنا ل تفكر‪ ،‬ما لنا ل نتدبر ‪.‬‬
‫إذا كان المصير إلى هذه الدار فلتخف المصائب على المصابين ولتقر عيون المنكوبين ولتفرح قلوب المعدمين ‪.‬‬
‫فيا أيها المسحوقون بالفقر ‪ ،‬المنهكون بالفاقة المبتلون بالمصائب ‪ ،‬اعملوا صالحًا لتسكنوا جنة ال وتجففاوروه‬
‫تقدست أسماؤه )) سلم عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار (( ‪.‬‬

‫السبب الثلثون‬
‫وكذلك جعلناكم أمة وسطا‬
‫العدل مطلب عقلي وشرعي‪ ،‬ل غلو ول جفاء‪ ،‬ل إفراط ول تفريط‪ ،‬ومن أراد السعادة فعليه أن يضبط عواطفه‪،‬‬
‫واندفاعاته‪ ،‬وليكن عادًل في رضاه وغضبه وسروره وحزنه؛ لن الشطط والمبالغة في التعامل مع الحداث ظلٌم‬
‫للنفس‪ ،‬وما أحسن الوسطية‪ ،‬فإن الشرع نزل بالميزان‪ ،‬والحياة قامت على القسط‪ ،‬ومن أتعب الناس من طاوع‬
‫هواه واستسلم لعواطفه وميولته حينها تتضففخم عنففده الحففوادث وتظلفففم لففديه الزوايففا وتقففوم فففي قبلففه معففارك‬
‫ضارية من الحقاد والدخائل والضغائن لنفه يعيففش فففي أوهففام وخيففالت‪ ،‬حفتى إن بعضففهم يتصففور أن الجميففع‬

‫‪16‬‬
‫ضده‪ ،‬وأن الخرين يحبكون مؤامرة لبادته‪ ،‬وتملي عليه وساوسففه أن الففدنيا لففه بالمرصففاد‪ ،‬فلففذلك يعيففش فففي‬
‫سحب سود من الخوف والهم والغم ‪.‬‬
‫إن الرجاف ممنوع شرعًا ‪ ,‬رخيص طبعًا وما يمارسه إل أنففاس مففففلسون مففن القيففم الحيففة والمبففادئ الربانيففة‬
‫)) يحسبون كل صيحٍة عليهم (( ‪.‬‬
‫أجلس قلبك على كرسيه‪ ،‬فأكثر ما يخاف ل يكون‪ ،‬ولك قبل وقوع ما تخاف وقوعه أن تقدر أسوأ الحتمالت ثففم‬
‫توطن نفسك على تقبل هذا السوأ‪ ،‬حينها تنجو من التكهنات الجائرة التي تمزق القلب قبل أن يقع الحدث فيبقى‬
‫كقول الول‪:‬‬
‫كأن قطاة علقت بجناحها‬
‫على كبدي من شدة الخفقان‬
‫فيا أيها العاقل النابه اعط كل شيء حجمه‪ ،‬ول تضخم الحداث والمواقف والقضايا بل اقفتصد واعفدل ول تجففور‬
‫ول تذهب مع الوهم الزائف والسراب الخادع ‪ ,‬اسمع ميزان الحب والبغض في الحديث ‪ " :‬أحبففب حبيبففك هون فًا‬
‫ما فعسى أن يكون بغيضك يومًا ما‪ ،‬وأبغض بغيضك هونًا ما فعسى أن يكون حبيبك يومًا ما " )) عسى الفف أن‬
‫يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة وال قدير وال غفور رحيم (( ‪.‬‬
‫إن كثيرًا من التخويفات والراجيف ل حقيقة لها وقديمًا قالوا ‪:‬‬
‫وقلت لقلبي إن نزا بك نزوة‬
‫من الهم افرح أكثر الروع باطفلُه‬

‫‪17‬‬
‫الخاتمة‬
‫هذا الكلم المكتوب لن تستفيد منه حتى تحاول تطبيقه في نفسك وبيتك وعملك وحياتك لتحصل على حياة أجمففل‬
‫بكثير من حياتك التي تعيشها ‪ ,‬حياة سعيدة رغيدًة طيبة تصل منهففا إلففى حيففاة دائمففة مطمئنففة فففي جنففات النعيففم‬
‫)) ربنا آتنا في الدنيا حسنًة وفى الخرة حسنة وقنا عذاب النار (( ‪.‬‬
‫لم على المرسلين والحمد ل رب العالمين ‪.‬‬ ‫سبحان ربك رب العزة عما يصفون وس ٌ‬

‫‪18‬‬
‫الفهرس‬
‫المقدمة ‪3 .........................................................................................‬‬
‫السبب الول فكر واشكر‪5...........................................................................‬‬
‫السبب الثاني ما مضى فات‪7 ........................................................................‬‬
‫السبب الثالث يومك يومك‪9 ..........................................................................‬‬
‫السبب الرابع اترك المستقبل حتى يأتي‪13............................................................‬‬
‫السبب الخامس كيف تواجه النقد الثم‪15.............................................................‬‬
‫السبب السادس ل تنتظر شكر من أحد‪18 .............................................................‬‬
‫السبب السابع الحسان إلى الغير‪21 ..................................................................‬‬
‫السبب الثامن إطرد الفراغ بالعمل‪23 .................................................................‬‬
‫السبب التاسع ل تكن إمعة‪25 .........................................................................‬‬
‫السبب العاشر قضاء وقدر‪27 .........................................................................‬‬
‫السبب الحادي عشر إن مع العسر يسرًا‪29 ............................................................‬‬
‫السبب الثاني عشر اصنع من الليمون شرابًا حلوًا‪31 ..................................................‬‬
‫السبب الثالث عشر أمن يجيب المضطر إذا دعاه‪33 ....................................................‬‬
‫السبب الرابع عشر وليسعك بيتك‪35 ....................................................................‬‬
‫السبب الخامس عشر العوض من ال‪37 ................................................................‬‬
‫السبب السادس عشر اليمان هو الحياة‪39 ..............................................................‬‬
‫السبب السابع عشر إجن العسل ول تكسر الخلية‪41 .....................................................‬‬
‫السبب الثامن عشر أل بذكر ال تطمئن القلوب‪43 .......................................................‬‬
‫السبب التاسع عشر أم يحسدون الناس على ما آتاهم ال من فضله‪45 .................................‬‬
‫السبب العشرون إقبل الحياة كما هو‪47 ..................................................................‬‬
‫السبب الحادي والعشرون تعز بأهل المصائب‪49 .........................................................‬‬
‫السبب الثاني والعشرون الصلة‪ ...‬الصلة‪52 ............................................................‬‬
‫السبب الثالث والعشرون حسبنا ال ونعم الوكيل‪54 .....................................................‬‬
‫السبب الرابع والعشرون قل سيروا في الرض‪56 .......................................................‬‬
‫السبب الخامس والعشرون فصبٌر جميل‪58 ..............................................................‬‬
‫السبب السادس والعشرون ل تحمل الكرة الرضية على رأسك‪61 .......................................‬‬
‫السبب السابع والعشرون ل تحطمك التوافه‪63 ..........................................................‬‬
‫السبب الثامن والعشرون أرض بما قسم ال لك تكن أغنى الناس‪65 .....................................‬‬
‫السبب التاسع والعشرون ذكر نفسك بجنة عرضها السموات والرض‪68 ................................‬‬
‫السبب الثلثون وكذلك جعلناكم أمة سطا‪70 .............................................................‬‬
‫الخاتمففففففففففففففففففففففففففة‪72 ............................................‬‬

‫‪19‬‬

You might also like