You are on page 1of 26

‫مفهوم البيعة في اإلسالم‬

‫‪:‬إعداد‬
‫الدكتور محمد عون الرحيم مسعد‬
‫البيعة في اإلسالم‬
‫عبارة عن العهد املتبادل بني اإلمام واألمة اإلسالمية يف إقامة نظام اخلالفة‬ ‫•‬
‫اإلسالمية وفقاً لكتاب اهلل وسنة رسوله ـ صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫عبارة عن ميثاق الوالء للنظام السياسي اإلسالمي‪ ،‬أو اخلالفة اإلسالمية‬ ‫•‬
‫وااللتزام جبماعة املسلمني‪ ،‬والطاعة إلمامهم‪.‬‬
‫عبارة عن العهد على الطاعة كأن املبايع يعاهد أمريه على أن يسلم له‬ ‫•‬
‫النظر يف نفسه‪ ،‬فيما يكلفه به من األمر على املنشط واملكره‪.‬‬
‫عبارة عن إعطاء العهد من املبايع على السمع والطاعة لألمري يف املنشط‬ ‫•‬
‫واملكره والعسر واليسر‪ ،‬وعدم منازعته األمر وتفويض األمور إليه‪.‬‬
‫• وأصل البيعة ‪ :‬عقد وميثاق بني طرفني‪:‬‬
‫– األمري أو اإلمام املرشح لرئاسة الدولة‪ .‬فاألمري أن يبايع على احلكم بالكتاب‬
‫والسنة والنصح للمسلمني‪.‬‬
‫– أما اجلمهور فيبايعون على الطاعة يف حدود طاعة اهلل ورسوله‪.‬‬
‫• فالبيعة عهد يعين الرضا باإلمام وااللتزام التام بالطاعة يف املنشط واملكره ما‬
‫دامت يف املعروف‪.‬‬
‫أركان البيعة‬
‫• ومن التعريفات السابقة ميكن أن نستنبط بسهولة أن للبيعة ثالثة أركان‪:‬‬
‫– الركن األول‪[ -:‬اإلمام] وهو الطرف الذي أخذت له البيعة ليتوىل منصب‬
‫اخلالفة أو اإلمامة ويلقب باألمري أو اخلليفة‪.‬‬
‫– الركن الثاين‪[ - :‬اجلمهور]وهو الطرف الذي أعطي البيعة ملن يستحقها‪ ،‬وهم‬
‫أهل احلل والعقد خاصة واألمة اإلسالمية عامة‪.‬‬
‫• وهلذا فالبيعة نوعان‪-:‬‬
‫• أ‪    -  ‬بيعة خاصة‪ :‬يقوم هبا أهل احلل والعقد الذين خيتارون فيما بينهم‬
‫واحداً يكون أصلح املوجودين لتويل اإلمارة ويتم‪ ،‬االختيار حبرية تامة‬
‫دون إكراه‪.‬‬
‫• ب‪    -‬بيعة عامة‪ :‬وتأيت بعد البيعة اخلاصة‪ ،‬وتكون عامة لكل الناس‬
‫يأخذها اخلليفة‪ ،‬أو األمري بنفسه أو من ينيبه عنه‪ ،‬وهي عبارة عن إعالن‬
‫الوالء والطاعة واالعرتاف باألمر الواقع وعدم اخلروج على اجلماعة‪.‬‬
‫• الركن الثالث‪[ -:‬موضوع البيعة]‪-:‬وهو إقامة نظام اخلالفة اإلسالمية‬
‫وفقاً لكتاب اهلل وسنة رسوله من تطبيق للحدود واألحكام اليت نصت‬
‫عليها الشريعة الغراء‪.‬‬
‫مشروعية البيعة‬
‫• من القرآن الكرمي‪:‬‬
‫– قال تعاىل‪{ :‬إن الذين يبايعونك إمنا يبايعون اهلل يد اهلل فوق أيديهم فمن نكث‬
‫فإمنا ينكث على نفسه ومن أوىف مبا عاهد عليه اهلل فسيؤتيه أجراً عظيماً} سورة‬
‫الفتح ‪.10‬‬
‫– {لقد رضي اهلل عن املؤمنني إذ يبايعونك حتت الشجرة فعلم ما يف قلوهبم فأنزل‬
‫السكنية عليهم وأثاهبم فتحاً قريباً} سورة الفتح ‪.16‬‬
‫• فالواضح من اآليتني السابقتني‪ :‬أن هناك بيعة حدثت من الصحابة لرسول‬
‫اهلل ـ صلى اهلل عليه وسلم ـ‬
‫– ويف اآلية األوىل يتضح لنا أن حقيقة العهد مل يكن مع الرسول بل هو مع اهلل‪،‬‬
‫وكأن البيعة عزم من داخل القلب إلرضاء الرب‪ ،‬فمن نكث ورجع فإمنا ينكث‬
‫على نفسه‪ ،‬ومن أويف بالعهد واستمر عليه دون نكث فله األجر العظيم من اهلل‬
‫تعاىل فضال عن رضاه سبحانه‪.‬‬
‫• ويف اآلية الثانية جند التأكيد على هذه البيعة بالذات بذكر مكاهنا‪ ،‬وأهنا‬
‫من القلب خالصة‪ ،‬لذا استحق املبايعون فيها رضا هلل تعاىل‪ ،‬ونزلت‬
‫السكينة عليهم‪ ،‬وأخلف هلم فتحاً مل يطل زمنه‪.‬‬
‫البيعة أيضا للنساء‬
‫• ومل يكن هذا األمر خاصاً بالرجال فهو أيضاً للنساء لقوله تعاىل‪{ :‬يا أيها‬
‫النيب إذا جاءك املؤمنات يبايعنك على أال يشركن باهلل شيئاً وال يسرقن‬
‫وال يزنني وال يقتلن أوالدهن وال يأتني ببهتان يفرتينه بني أيديهن‬
‫وأرجلهن وال يعصينك يف معروف فبايعهن واستغفر هلن اهلل إن اهلل غفور‬
‫رحيم} فاألمر واضح مببايعة املؤمنات الاليت جئن له ـ صلى اهلل عليه وسلم‬
‫ولكن الكيفية ختتلف‪.‬‬
‫مشروعية البيعة‬
‫• من السنة‪:‬‬
‫– ثبت من سريته وسنته أنه ـ صلى اهلل عليه وسلم ـ قد طلب البيعة من أصحابه‬
‫أكثر من مرة‪ ،‬وأنه أخذها منهم ـ رضي اهلل عنهم ـ وكذلك أخذ النيب صلى اهلل‬
‫عليه وسلم البيعة يف العقبة مرتني قبل اهلجرة إىل املدينة‪ ،‬ومسيت بالعدد فاألوىل‬
‫مسيت بيعة العقبة األوىل والثانية مسيت بيعة العقبة الثانية‪.‬‬
‫– ما رواه اإلمام البخاري عن عبادة بن الصامت ـ رضي اهلل عنه ـ قال‪" :‬دعانا النيب‬
‫ـ صلى اهلل عليه وسلم ـ فبايعناه فقال فيما أخذ علينا أن بايعناه على السمع‬
‫والطاعة يف منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأال نتنازع األمر أهله‬
‫إال أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من اهلل برهان‪.‬‬
‫• ورد أكثر من حديث يوضح البيعة للخلفاء وأمهيتها وعدم اخلروج على‬
‫اخلليفة املبايع‪:‬‬
‫– وأن الذي يبايع أوال هو اخلليفة‪ ،‬والثاين عليه القتل‪.‬‬
‫• والدليل على ذلك‪:‬‬
‫‪(.‬صحيح‬ ‫– ما قاله ـ صلى اهلل عليه وسلم ـ "إذا بويع لخليفتين فاقتلوا اآلخر منهما‬
‫مسلم بشرح النووي ـ كتاب اإلمارة ـ باب إذا بويع لخليفتين‪ ،‬جـ‪ ،6‬صـ‪).484‬‬

‫– وقوله ـ صلى اهلل عليه وسلم ـ "وستكون خلفاء فتكثر قالوا فما تأمر؟ قال‪:‬‬
‫فوا ببيعة األول فاألول وأعطوهم حقهم فإن اهلل سائلهم عما استرعاهم‬
‫• دلت هذه األحاديث على أن البيعة ال تكون إال إلمام واحد فقط ودلت‬
‫يف نفس الوقت على مشروعيتها للخلفاء بعد الرسول ـ صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫• إعطاء البيعة اخلاصة لغري أمري املؤمنني‪:‬‬
‫• وبعد فهذه البيعة إلمام املسلمني بشروطها ال جيوز أن تنسحب على أية‬
‫بيعة أخرى ألمهيتها يف حياة املسلمني‪.‬‬
‫قضايا البيعة‬
‫• هل يجوز إعطاء عهد أو بيعة من مجموعة من‬
‫الناس ألمير منهم؟‬
‫أما بيعة مبعىن التعاهد على أمر معني من أمور املعروف فال مينعها اإلسالم‪،‬‬ ‫•‬
‫أال تأخذ هذه البيعة املفهوم العام السابق للبيعة يف اإلسالم‪.‬‬ ‫•‬
‫أن ال يعترب كخليفة للمسلمني‪ ،‬وأن تكون يف الرب ال الشر‪ ،‬يف اإلعمار ال‬ ‫•‬
‫اخلراب‪.‬‬
‫ومما يدل على ذلك‪:‬‬ ‫•‬
‫• إن تأمري األمري وأخذ البيعة له‪ ،‬أمر فطري‪ .‬فهناك إمارات‬
‫كانت تتم يف ظروف خاصة ملهام خاصة مثل‪ :‬إمارة احلج‬
‫وإمارة السفر والقتال ومنها‪ :‬تأمري خالد بن الوليد يف مؤتة‪.‬‬
‫واألمر يف هذه اإلمارات والبيعات يتم بصورة طبيعية ال‬
‫يفهم منها أهنا حتل حمل اإلمارة أو البيعة العامة وهذا األمر‬
‫الفطري حقيقة يف كل جمتمع راشد‪.‬‬
‫• كـثرة الـمه ــام‪:‬يف الشريعة اإلسالمية أمور حتتاج إىل اجتماع‬
‫القوى وتضافرها‪ ،‬كاألمر باملعروف والنهي عن املنكر‪،‬‬
‫واجلهاد يف سبيل اهلل‪ ،‬وإزالة البدع واملنكرات‪ ،‬وإقامة‬
‫الدولة اإلسالمية‪ ،‬وهذه األشياء ال يستطيع فرد واحد أن‬
‫يقوم هبا مهما كانت طاقاته وملكاته‪ ،‬فكان البد من‬
‫االجتماع مع غريه لتحقيقها‪ ،‬وال أقل من اجتماع طائفة‬
‫تتفهم املعىن‪.‬‬
‫• ضرورة القيادة والبيعة هلا‪-:‬وإذا تقرر هذا االجتماع اجلزئي كان البد من‬
‫وجود أمري لقوله ـ صلى اهلل عليه وسلم ـ "إذا خرج ثالثة يف سفر فليؤمروا‬
‫أحدهم‪ .‬وإذا وجدت اإلمارة جاز العهد والبيعة هلا على أمر معني يتم‬
‫االتفاق عليه وال خيالف الشريعة اإلسالمية‪.‬‬
‫• البيعة على عمل من أعمال الرب يف اإلسالم‪ ،‬أو سنة من السنن امليتة يف‬
‫اإلسالم يتم التعاهد على إحيائها يف صورة منظمة‪ ،‬وهذا ال يصطدم مع‬
‫األدلة الشرعية‪ ،‬بل هناك الكثري من األدلة اليت حتثنا على التعاون وعمل‬
‫املعروف‪.‬‬
‫• رواه اإلمام مسلم يف صحيحه بإسناده عن زيد بن حممد‬
‫عن نافع قال ‪ :‬جاء عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنه إىل عبد‬
‫اهلل بن مطيع حني كان أمر احلرة زمن يزيد بن معاوية‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬اطرحوا أليب عبد الرمحن وسادة‪ .‬فقال‪ :‬إين مل آتك‬
‫ألجلس أتيتك ألحدثك حديثاً ‪ ،‬مسعت رسول اهلل صلى‬
‫اهلل عليه وسلم يقول ‪ ( :‬من خلع يداً من طاعة لقي اهلل يوم‬
‫القيامة ال حجة له ومن مات وليس يف عنقه بيعة مات ميتة‬
‫جاهلية ) صحيح مسلم‪.‬‬
‫– وهذا احلديث يفيد مبايعة إمام ملسلمني‪ ،‬أو خليفة املسلمني الذي‬
‫يبايعه أهل احلل والعقد من أمة اإلسالم وليس زعيم مجاعة من‬
‫مجاعات املسلمني‪.‬‬
‫– وهذا احلديث ال ينطبق على حكام هذا الزمان أو زعماء األحزاب‬
‫واجلماعات املختلفة؛ ألن كالً منهم ليس إماماً جلماعة املسلمني‪.‬‬
‫– حكام املسلمني فال يدخلون يف معىن هذا احلديث؛ ألن كال منهم‬
‫يدير إقليما أو صقعا من األصقاع‪ ،‬ومن حتته ملزمون بطاعته‪َّ ،‬أما‬
‫غريهم ففي كل بلد يوجد حاكم وقانون‪.‬‬
‫من شروط صحة البيعة ‪:‬‬
‫• أن يكون يف املبَايَ ُع له شروط اإلمامة ‪.‬‬
‫• وأن يكون املتويل لعقد البيعة – بيعة االنعقاد – أهل احلل‬
‫والعقد ‪:‬‬
‫– قال املاوردي ‪ [:‬فإذا اجتمع أهل العقد واحلل لالختيار‬
‫تصفحوا أحوال أهل اإلمامة املتوافر فيهم شروطها فقدموا‬
‫للبيعة منهم أكثرهم فضالً وأكملهم شروطاً ومن يسرع الناس‬
‫إىل طاعته وال يتوقفون عن بيعته ] األحكام السلطانية ص ‪19‬‬
‫‪.‬‬
‫– أهل احلل والعقد من املسلمني هم الذين يتولون اختيار إمام املسلمني‬
‫وخليفتهم وال عربة بـقـول العوام يف بيعة االنعقاد قال الرملي‬
‫الشافعي ‪ [:‬أما بيعة غري أهل احلل والعقد من العوام فال عربة هلا ]‬
‫هناية احملتاج‪.‬‬
‫• دعوى بعض احلزبيني أن من مل يبايع أمري حزهبم فإنه‬
‫إذا مات مات ميتة جاهلية ؟‬
‫• هذه الدعوى تنزيل للنصوص على غري حملها الصحيح وتالعب بعقول‬
‫العوام وترهيب هلم يف غري موضعه؛‬
‫• إن املقصود باحلديث إمام مجاعة املسلمني‪ ،‬وليس زعيم فئة من فئات‬
‫املسلمني الكثرية واملتناحرة فيما بينها ‪.‬‬
‫• وإمام املسلمني الذي جتب له البيعة له شروط ذكرها أهل العلم ‪ ،‬وهذه‬
‫الشروط ال تنطبق على قادة األحزاب واجلماعات املوجودة حالياً ‪.‬‬
‫• ذكر اإلمام النووي يف مقصود احلديث‪ {: :‬من مات وليس يف عنقه بيعة مات‬
‫ميتة جاهلية } أي عند وجود اإلمام الشرعي فقط‪ .‬شرح النووي على صحيح‬
‫مسلم ‪.4/546‬‬
‫– وهذا هو الفهم الصحيح للحديث أنه إذا كان هناك إمام شرعي توفرت‬
‫فيه شروط صحة البيعة‪ ،‬وانتفت نواقضها فإنه جيب على املسلم أن يبادر‬
‫إىل البيعة‪ ،‬إذا كان من أهل احلل والعقد‪ ،‬أو طلبت منه‪ ،‬وال جيوز له أن‬
‫يبيت وال يراه إماماً ‪.‬أما إذا مل تكن شروط صحة البيعة متوفرة يف هذا‬
‫احلاكم فليس عليه واجب البـيـعة بل عليه أن يسعى إلجياد اإلمام الشرعي‬
‫حسب طاقته وال يكلف اهلل نفساً إال وسعها ‪.‬‬
‫والذي يدل على أن احلديث خالف ظاهره ما يلي ‪:‬‬ ‫•‬
‫‪ .1‬أن البيعة واجبة وجوباً كفائياً إذا قام به البعض سقط عن الباقني كما هو قول‬ ‫•‬
‫اجلمهور‪.‬‬
‫‪ .2‬فِ ْع ُل عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما نفسه‪ ،‬فهو أوىل بفهم احلديث على وجهه‬ ‫•‬
‫الصحيح من غريه‪ ،‬فقد قال عنه احلافظ ابن حجر ‪ :‬أنه امتنع أن يبايع لعلي أو معاوية‬
‫‪ ،‬مث بايع ملعاوية ملا اصطلح مع احلسن بن علي واجتمع عليه الناس ‪ ،‬وبايع البنه يزيد‬
‫بعد موت معاوية الجتماع الناس عليه مث امتنع من املبايعة ألحد حال االختالف إىل‬
‫أن قتل ابن الزبري وانتظم امللك كله لعبد امللك بن مروان فبايع له حينئذ ‪.‬‬
‫‪ ‬‬ ‫•‬
‫فلو فهم احلديث على ظاهره ملا بات ليلة إال ويف عنقه بيعة ألحدمها يعطيها‬ ‫•‬
‫من يدله عليه اجتهاده على أنه أقرب للصواب وقد روي عنه قوله ‪... :‬‬
‫لكين أكره أن أبايع أمريين قبل أن جيتمع الناس على أمري واحد‪.‬‬
‫فاملقصود أنه أخذ مدة‪ ،‬وليس يف عنقه بيعة ألحد‪ ،‬وهذا على خالف ظاهر‬ ‫•‬
‫احلديث النتفاء أحد شروط صحة البيعة‪ ،‬وهو أن يكون املبايع واحداً كما‬
‫مر ] كتاب اإلمامة العظمى ص ‪. 215-214‬‬ ‫ّ‬
‫وخالصة األمر أن البيعة املقصودة يف احلديث هي بيعة إمام مجاعة املسلمني‬ ‫•‬
‫وليس زعيم مجاعة من مجاعات املسلمني ‪.‬‬
‫واهلل أعلم‪.‬‬ ‫•‬

You might also like