You are on page 1of 3

‫ميزان الشرف‬

‫أمما بعمد فإن أعظمم المصميبة أن يصميب المرء فمي عقيدتمه فيفقمد‬
‫ميزان الحياة و ينظممر إلى الدنيمما بغيممر منظار الحممق‪ .‬حيممن تصمماب‬
‫العقيدة يصاب المرء في نفسه و تحدث له حال من الشك و الضنك‬
‫فيأسمى لمما فاتمه ممن الدنيما و يسمخط لمما عنمد الناس ممن المال و‬
‫الجاه و ترف الحياة‪ .‬حينئذ تختمل عنده موازيمن الكيمل فتعظمم المادة‬
‫فمي قلبمه و يكمبر أهلهما فمي عينمه و يقترن عنده الشرف بغيمر الحمق‬
‫مممما يعتممز بممه الناس اليوم مممن الحسممب و النسممب و "الشرف و‬
‫السيادة"‪.‬‬
‫كانمت العزة و الحمق كفتما ميزان واحمد‪ ،‬همو ميزان الوحمي المتجلي‬
‫فمي عقيدة السملم و شريعتمه‪ ،‬فمي كتاب الله و سمنة رسموله صملى‬
‫الله عيممه وسمملم‪ .‬يقول الله عممز وجممل‪ { :‬و أن العزة لله جميعمما }‬
‫فأنممى للنسممان إذا أن يطلب العزة مممن غيممر الله و الله تعالى هممو‬
‫العزيمممز‪ ،‬و أنمممى له أن يطلب الرفعمممة ممممن غيره و الله تعالى همممو‬
‫الرفيمع‪ ،‬و أنمى له أن يطلب الرزق و همو عمز و جمل الرزاق ذو القوة‬
‫المتين؟…‬
‫إن قيممة النسمان فمي الحياة تقاس بمدى تعل قه بربمه و حرصمه على‬
‫طاعتمه و إقاممة دينمه فمي نفسمه و أهله و مجتمعمه و أمتمه‪ {.‬يما أيهما‬
‫الذيمن آمنوا قوا أنفسمكم و أهليكمم نارا وقودهما الناس و الحجارة}‪.‬‬
‫و سبل رفعة النسان ثلثة‪ :‬اليمان و الطاعة و حسن الخلق‪.‬‬
‫فأمما اليمان أن يعلم النسمان يقينما أن شرفمه و عزتمه فمي عبوديتمه‬
‫وحده دون غيره‪ .‬يقول الشاعر‪:‬‬
‫دخولي تحت قولك يا عبادي‬ ‫و مما زادني شرفا و عممممزاًّ‬

‫فالعبودية و اليمان الذي هو روحها مفتاح رفعة النسان و شرفه و‬


‫سممعادته‪ .‬و قيمممة النسممان بقيمممة ممما يعتقممد‪ .‬يقول الحممق تعالى‪:‬‬
‫{ يرفع الله الذين آمنوا منكم و الذين أوتوا العلم درجات} فدرجات‬
‫النسان في الشرف بقدر درجاته في اليمان و العلم بالله‪.‬‬
‫و أممما الطاعممة فتفيممد بذل الجهممد و الوقممت لتمكيممن أمممر الله فممي‬
‫النفممس و المجتمممع مممع تحري الصممواب فممي الحكممم و العمممل‪ ،‬و‬
‫الحرص‪ -‬دائممما و أبدا ‪ -‬على تمكيممن أمممر الله و تغليبممه على أهواء‬
‫النفممس و أعراف الناس مممما يتعارض مممع أحكام الشرع و أصممول‬
‫الح كم و موازين الشرف‪ .‬و من ذلك أن تجد الناس قد تعارفوا على‬
‫ظلم بعضهم بعضا و تفضيل بعضهم عن بعض على غير أساس من‬
‫الحق و العدل‪ .‬و مثال ذلك ما نراه من ادعاء البعض مقام الشرف و‬
‫العلى و السممميادة فيمممما يتعلق بأممممر الكفاءة فمممي الزواج فيعضلوا‬
‫بناتهمممم أن ينكحوا أزواجهمممن بالمعروف بدعوى علو شأوهمممم فمممي‬
‫النسممب أو الحسممب أو المال أو النتماء العرقممي و القبلي‪ .‬و مممن‬
‫جهممل بعضهممم أن يحتممج بانتمائه إلى بيممت رسممول الله ظنمما منممه أن‬
‫نسمممممبته إلى دم آبائه و أجداده الشرفاء التقياء الورعاء يزيمممممد أو‬
‫ينقمص فمي شرفمه و تقواه و ورعمه شيئا فيحمله ذلك على أن يمنمع‬
‫ابنتمممه ممممن زواج هذا أو ذاك‪ .‬و الحمممق أن التسمممامي فمممي العرق و‬
‫النتماء البيولوجمي أو الجتماعمي أو السموسيو اقتصمادي ل أصمل له‬
‫فمي ديننما الذي جاء ليسماوي بيمن الناس فمي أمور الدنيما و الخلقمة‬
‫على تباينهمم فيهما و يعدل و يفاضمل بينهمم على أسماس ممن الحمق و‬
‫التقوى‪.‬‬
‫و أمما الخلق فهمو عيمن الديمن‪ ،‬فإنمما رسمول الله صملى الله عليمه و‬
‫سلم بعث ليتمم مكارم الخلق و يطهر الناس مما تعارفوا عليه من‬
‫ظلم الجاهلية و جور الديان‪ .‬يقول الله تعالى‪:‬‬
‫{ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا و‬
‫قبائل لتعارفوا‪ .‬إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير}‬
‫الحجرات‪ ،‬الية ‪13‬‬
‫هذا خطاب موجمه لعموم الناس على اختلف شعوبهمم و قبائلهمم و‬
‫طباع هم و ميولت هم "ليتعارفوا"‪ .‬فالمقصد من خلق هذا التنوع كله‬
‫أن يتعارف الناس‪ ،‬و مممن سممبيل التعارف الزواج‪ .‬و لممما كان الزواج‬
‫عرضة للفشل نتيجة تعصب البعض لجنسه أو لونه أو انتمائه القبلي‬
‫أو الثقافمي أو البيولوجمي أو اليديولوجمي‪ ،‬فاليمة –كمما ترى‪ -‬تقيمد‬
‫نفسممها بنفسممها فتقيممم للناس و فممي الناس ميزان الكرميممة و‬
‫الفضليمة على أسماس ممن العدل و القسمط؛ "إن أكرمكمم عنمد الله‬
‫أتقاكممم"‪ .‬و مممن التقوى تحكيممم أمممر الله و إقامممة الوزن بالقسممط‬
‫بتغليب كفة الشرع الصالح على كفة العرف الطالح‪ .‬هذا هو المخرج‬
‫مممن الكراهيممة و الختلف‪ ،‬و هذا هممو الملذ إلى المحبممة و الئتلف‪.‬‬
‫يقول الرسمول صملوات الله و سملمه عليمه‪{:‬ل فرق بيمن عربمي و ل‬
‫عجممي و ل أسمود و ل أبيمض إل بالتقوى} و عمن أيممن بمن نابمل عمن‬
‫مكحول قال‪ :‬قال رسمممول الله‪{ :‬إن أحبكمممم إلي وأقربكمممم منمممي‬
‫أحا سنكم أخل قا } فمناط الشرف ه نا هو القرا بة في الد ين ل في‬
‫النسممب‪ ،‬و الديممن هممو الخلق{ إنممما بعثممت لتمممم مكارم الخلق}‪ ،‬و‬
‫الناس في النسب سواء فكلهم من آدم و آدم من تراب‪.‬‬
‫إن استصنام العرف ل يعدو أن يكون إل من رواسب الجاهلية‪ ،‬و هذا‬
‫الظلم ل ينحصمممممر فمممممي التمييمممممز بيمممممن الناس على السممممماس‬
‫البيولوجمي(النسمب و الخصمائص الوراثيمة كلون البشرة و نوع الشعمر‬
‫و العينيممممن‪ )...‬و الجتماعممممي الثقافممممي (العرف) و القتصممممادي‬
‫السياسي(المال و الجاه و البيعة في مقابل الحماية و المنصب)‪ ،‬و‬
‫لكن المر طغى حتى على المستوى اللساني كأن يتضمن السم ما‬
‫يشيممممر ظاهرا أو باطنمممما إلى أن فلن مممممن "الشرفاء السممممياد"‬
‫ك م" سيدي" و "مولي"و "للة"و"مول تي"و "الشر يف" ‪...‬إلخ‪ .‬و ق مة‬
‫هذا الجهل و العراض عن ميزان الله أن تجد في قبيلة من القبائل‬
‫ظاهرة التمييمز بيمن الحياء بوضمع بطاقات تميمز بعضهمم عمن بعمض‬
‫باعتبار النسممب‪ ،‬و كذا بيممن الموات؛ فهذه مقممبرة للشرفاء‪ ،‬و تلك‬
‫للحراطيممممن‪ ،‬و تلك للولياء‪ ،‬و تلك للشهداء‪...‬إلى ممممما هنالك مممممن‬
‫التصمنيفات العرفيمة البغيضمة التمي إن لم تمزق شممل المجتممع لم‬
‫تجمعمه‪ ،‬و إن لم تضمع ممن شأن أهلهما و دعاتهما و ضحاياهما لم ترفمع‬
‫منه شيئا‪.‬‬
‫ولذلك فنحممن اليوم أحوج ممما نكون إلى (ثورة إبراهيميممة) لتغليممب‬
‫الحقيقمممة الشرعيمممة على الحقيقمممة العرفيمممة الفاسمممدة‪ ،‬و إقاممممة‬
‫المفاهيمم بالقسمط؛ فل شريمف شريمف إل بحمق‪ ،‬و لا سميد سميد إل‬
‫بعلم و إيمان و طاعة و حسن خلق‪ .‬إن هذا ليس بالمر الهين‪ ،‬فهو‬
‫يقتضمي درجمة أعلى فمي العلم‪ ،‬و البصميرة‪ ،‬و الفقمه‪ ،‬و اليمان‪ ،‬كمما‬
‫كان حال إبراهيمم عليمه السملم حيمن أبمى إل تغليمب قرابمة اليمان و‬
‫التوحيد على رقرابة الشرك و التقليد‪.‬‬
‫الكوط عبد الواحد ‪2008 -07 -18‬‬

You might also like