Professional Documents
Culture Documents
مقابلة مع الأستاذ عبدالرحمن معلم عبدالله باديو
مقابلة مع الأستاذ عبدالرحمن معلم عبدالله باديو
عقب نهاية تلك الحرب ،سافرت إلى الوليات المتحدة ،لتلقي دورة دراسية قصيرة ،ولم أعد بعدها إلى
الجيش .حصلت على درجة الماجستير في التاريخ السلمي ،من جامعة ،Mc Gillفي كندا.
أنا حاليا على وشك مناقشة أطروحة الدكتوراه .عدت إلى البلد بعد سقوط الحكومة المركزية
واندلع الحرب الهلية ،في عام .1993
ومنذ ذلك التاريخ ،وأنا أعمل في البلد ،في العمل السلمي ،والعمل الخيري والغاثي ،وقضايا السلم
والمصالحة الوطنية ،والمجتمع المدني ،والتعليم الساسي والعالي ،ومن مؤسسي جامعة
مقديشو ،وأشغل حاليا منصب رئيس مجلس أمناء جامعة مقديشو.
ولكننا ل ننسى أن نذكر أن هناك في دول الغرب التي يتبعثر فيها الصوماليون من يسعون سعيا حثيثا
ضون بالنواجذ على المساجد ومدارس تحفيظ للحفاظ على الهوية الصومالية السلمية ،ويع ّ
القرآن الكريم لنقاذ الجيال الصاعدة من الذوبان في تلك المجتمعات .كما بدأ يظهر جيل جديد
من الشباب الصومالي الذي يسعى بخطى دؤوبة للستفادة من الفرص التعليمية المتاحة له في
المهجر ،والستفادة من خبرات هذه البلدان التي صار الصوماليون جزءا منها .وتلحظ هذا
الجيل الجديد في المدارس والمعاهد والجامعات.
إن الذين نأمل أن ينجوا من خطر الذوبان في المجتمعات الغربية هم المتمسكون بأصالة دينهم،
المرتبطون بالمساجد ،وطلبة العلم ذوي الحصانة العلمية والثقافية ،والذين يعتمدون على
أنفسهم في تحصيل نفقاتهم ونفقات عائلتهم ،دون اللجوء إلى تعطيل قدراتهم المختلفة
والستجداء من مؤسسات الرعاية الجتماعية في بلد الغرب .ما عدا أولئك ،فإنهم في خطر
محدق ،وعليهم مراجعة حساباتهم ،قبل أن تضيع أجيالنا.
وإجمال ،فإن أكثر من يتضرر من الصوماليين في المهجر هم النساء الصوماليات وأطفالهن ،نظرا
لتدني مستويات ثقافتهن وخبرتهن ،وغياب الدور الفّعال المساند للرجل الصومالي داخل
السرة الصومالية في بلد الغرب ،إضافة إلى المسؤوليات الجتماعية الملقاة على كاهل
المرأة الصومالية ،والمتمثلة في كفالة الهل والقارب المعوزين الذين خلفتهم في البلد.
كما شمل برنامج زيارتي عقد لقاءات متنوعة مع الجالية الصومالية في أوسلو ،للتباحث في القضايا
الوطنية ،بعد أن أصابت التطورات الخيرة داخل البلد الكثيرين بالحباط والصدمة
باعتبارك رئيس مجلس أمناء جامعة مقديشو ،ما هو دوركم التعليمي في
الصومال ،وخاصة في مجال التعليم العالي؟ وهل تعتقد أن الطلبة
الصوماليين بإمكانهم أن يتعلموا داخل البلد؟ ولماذا؟
الصومال بلد تحيط به المخاطر من كل جانب ،ولن يقدر على الصمود في وجه تلك المخاطر إن لم يوجد
جيل جديد ،يتسلح باليمان والعلم والخلق والوطنية .جيل بهذه المواصفات هو الوحيد القادر
على إخراج الصومال من هذه الدوامة الهائجة التي يتخّبط فيها .هذا الجيل لن يخرج من بين
العداد القليلة من الشباب الصومالي الذي يدرس في جامعات العالم المختلفة ،بل إن
مؤسساتنا التعليمية المحلية عليها أن تكون أكثر استيعابا لدورها التاريخي في هذه المسألة،
وأن تفكر جديا في توفير تعليم مستنير للجيال الصاعدة ،التي تشكل طوق نجاة لشعبنا ،إن
أحسّنا تربيتهم وتعليمهم .من هذا المنطلق ،كانت جامعة مقديشو رائدة في مجال التعليم
العالي ،وبناء فكر الجيال الصاعدة .وتحيي الجامعة جميع المؤسسات التعليمية العليا التي
نهجت هذا النهج من بعدها ،لنقاذ الجيل الذي سينقذ البلد إن شاء ال تعالى.
إننا نؤمن أنه ما من طريق آخر مفتوح لنا لحل الزمة الصومالية الراهنة ،حل جذريا ،للخروج من
موجات الجهل الديني والدنيوي التي غرقت فيها البلد.
ونناشد الباء والمهات أن يعلموا أبناءهم داخل البلد ،ما عدا التخصصات التي ل تتوفر في بلدنا ،في
الوقت الراهن.
بما أنك ناشط في المجتمع المدني الصومالي ،ما هو دوركم في السياسة
الصومالية الحالية ،وما هو رأيكم تجاه الحكومة والمعارضة؟
في الوقت الحالي ل توجد سياسة صومالية واضحة وسلسلة يمكن أن ينخرط فيها ناشطوا المجتمع
المدني الصومالي ،وتحديدا في العاصمة مقديشو ،وما حولها من مناطق في جنوب الصومال.
ما يجري هناك الن هو تغييب للعقل ،وقتل وإبادة ،وتكفير وتجريم.
والمجال ليس مفتوحا الن لكل ما له صلة بالسلم والتفاوض والتشاور والحكمة والموعظة الحسنة.
وإذا كانت مهمة المجتمع المدني تتمّثل في تدعيم السلم وترسيخ أسس الحكم الصالح ،فإن
الجو الحالي ل يسمح بأية مهمة ل تحكمها قوة البندقية! لكننا بالرغم من كل تلك التحديات
المستعصية ،فإننا ما زلنا نعمل ضمن القنوات الضيقة المتاحة لنا ،ونواصل العمل الحثيث
لخدمة رسالتنا.
ويبدو لنا من الدولة الصومالية الحالية ضعف مستفحل ،وسوء تقدير لمجريات المور .كما يبدو منها
أيضا ،عدم احساسها بالمسؤولية الكبيرة التي تحملها تجاه الشعب الصومالي ،بكل أطيافه
وفئاته ،بما في ذالك المعارضة المسلحة.
كلمتي ونصيحتي للحكومة الصومالية وللمعارضة ،على حّد سواء ،هي :أن الصوماليين ،جميعا،
ودون استثناء لي أحد ،هم شركاء في الدين السلمي وفي الدولة الصومالية .كلنا مسلمون
حدون ،والحمدل .وكلنا مواطنون صوماليون ننتمي إلى هذه الرض ،والحمدل .وكل من مو ّ
يحاول أن يستفرد بالدين أو بالدولة ،فإن ما يقوم به هو سلب ونهب لحقوقنا جميعا ،حقوق
الشعب الصومالي! ولن يفلح من يسعى لسلب ونهب حقوق الشعب الصومالي في الدنيا،
وسيسأل عن ذالك العدوان في الخرة
بيد أن هذه الحقيقة ل تعفي القادة والسياسيين الصوماليين والمثقفين من مسؤوليتهم تجاه ما حدث
ويحدث في البلد من دمار وانهيار وتشرذم مريع.
إن الصوماليين يفتقدون إلى جملة من المور الحيوية ،من بينها :الحساس بالمسؤولية ،الحساس
بالوطنية وبوحدة المة ،التعاون البّناء ،الفهم الصحيح والعميق للسلم .الصومال تفتقر إلى
قادة فكر ،وزعماء سياسيين يتحلون بالكفاءة اللزمة لمواجهة مختلف التحديات التي تتعرض
لها بلدنا.
إن التدخلت الخارجية من قبل دول القليم المجاورة ،مثل :إثيوبيا وإريتريا ،وتقصير الدول العربية،
مثل :مصر والسعودية ،وكذالك تقصير الدول السلمية ،مثل :تركيا وباكستان وإندونيسيا،
والتدخلت العالمية في الشأن الصومالي ،المنطلقة من سياسة ما يسمى بــ" :مكافحة
الرهاب" ،والتي ترفع لواءها الوليات المتحدة المريكية والدول الوروبية ...جميع ذلك،
يشكل أسبابا قوية لستمرار الزمة الصومالية.
وأخيرا ،أنبه على أن التطرف والتشدد المتستر باسم السلم ،من أخطر المور تطعن وطننا ،وتجرح
أمتنا في الوقت الحاضر.
تلك النقاط التي أشرت إليها أعله ،من أبرز ما تطرقت إليه أثناء لقاءاتي مع الجالية الصومالية في
أوسلو .أخبرت الصوماليين هناك ،أننا إن لم نغير فكرنا وسلوكياتنا السياسية فإن مستقبل
مظلما سينتظرنا ،وسينتظر الجيال التي تلينا .وأخبرتهم أن الشعب الصومالي ليس أقل شأنا
من شعوب العالم الخرى ،لكننا نعاني من أزمة مستفحلة في القيادة ،وفي مختلف مستوياتها،
وضربت لهم مثل على صحة ذالك ،حال الجالية الصومالية في النرويج ،وانقساماتهم
واختلفاتهم الدائمة .فرغم أنهم في بلد متقدم متحضر ،ول يتنازعون على كرسي الرئاسة في
الصومال ،كما هو الحال مع السياسيين في داخل البلد ،وزعماء الجبهات المتناحرة ،لكن
السلوك هو نفس السلوك المتخلف والمنحرف.
باعتبارك واحدا من قادة ومسؤولي حركة الصلح ،كيف تقّيم الحركة ما
يجري الن في الساحة الصومالية ،وكيف تتعامل مع مجريات المور
هناك؟
من المبادئ الساسية الثابتة ،والغير قابلة للتغيير أبدا ،والتي قامت عليها حركة الصلح منذ بداية
نشأتها :عدم المشاركة في الصراعات الصومالية المسلحة ،تحت أي شعار أو مسّمى ،وتحت
ي تغيير تسعى إليه الحركة ،فإنه مبني على الوسائل السلمية ،حتىأي ظرف من الظروف .وأ ّ
وإن طالت المدة ،وكثرت التحديات التي تعترض طريقه.
وتعمل حركة الصلح -حسب طاقاتها وقدراتها -في بناء الفكر السلمي المعتدل ،والتعليم ،وخدمة
المجتمع .وتؤمن حركة الصلح بضرورة الحفاظ على كيان الدولة الصومالية ،حتى وإن كان
يعاني من أمراض ونقائص ،فالتدمير ليس حل ،إنما على الصوماليين أن يتعاونوا لصلح
وتحسين دولتهم وحكوماتهم .فالصوماليون لن يستفيدوا شيئا من حالة "اللدولة" ،والتي
تعني اللعنوان ،واللهوية! ما يعني أن نكون قبائل متشرذمة ،ل يستطيع العالم أن يتعامل
معها ،ول يجمع بينها جامع يوحد شعبنا ،ويخدم مصالحنا الدينية والدنيوية.
ولذلك ،فقد بذلت حركة الصلح جهدا حثيثا في سبيل تدعيم وبناء الدولة الصومالية ،ولم تشارك أبدا
ي من الجبهات الصومالية المتصارعة على كرسيّ الرئاسة ،بدءا من الجبهات التي
في أ ّ
أطاحت بحكم الرئيس الراحل الجنرال محمد سياد بري ،ومرورا بالجبهات التي عارضت حكم
الرئيس عبدالقاسم صلد حسن ،والجبهات التي عارضت حكم الرئيس عبدال يوسف،
وانتهاءا بالجبهات التي تعارض الن حكومة الرئيس الشيخ شريف شيخ أحمد.
ف عن تقديم النصح والمشورة الصريحة ومع عدم سعينا للطاحة بأية حكومة صومالية ،فإننا لن نك ّ
الواضحة لية حكومة صومالية ،تتقلد مهام الحكم والمسؤولية في البلد ،وتسليط الضوء على
مواطن الخلل ومكامن الضعف وعدم تحّمل المسؤولية ،حرصا مّنا على المصلحة العامة.
وتؤمن حركة الصلح أن ذلك هو واجب ديني و وطني ،لن تتهاون فيه ،مهما كانت التحديات
والعقبات التي تقف في طريق الحركة.
أما رسالتي التي أوجهها إلى مسؤولي الحكومة الصومالية على وجه الخصوص :نحن نأمل منكم أن
ترتقوا إلى مستوى المسؤولية والعباء التي ألقيت على كاهلكم ،وأن تحسنوا سلوك الحكم،
وفقا لنظمة وقوانين يتساوى أمامها الجميع ،كأسنان المشط.
نحن ل نأمل منكم أن يكون سلوك الحكومة كسلوك الجبهات المتناحرة التي ل يحكمها شرع أو دين،
ول يوجهها نظام أو قانون .إن الشعب الصومالي يأمل من هذه الحكومة أن تحقق له
الستقرار والسلم وأن تحميه وتحمي مصالحه المختلفة .على الحكومة الصومالية أن تدرك
أنها تمثل هيبة وكرامة وكيان الصومال ،وعليها أن تكون أكثر فعالية مما هي عليه الن ،وأن
تخرج من السجن الفكري والسياسي والمكاني الذي هي محبوسة فيه.
أما رسالتي التي أوجهها إلى المعارضة المسلحة على وجه الخصوص :نحن نأمل منكم أن تكفوا عن
إراقة الدماء ،وتستبدلوا لغة الرصاص والقوة بلغة الحوار والتفاوض مع الحكومة ،وأن
تراعوا ال فيما تقومون به من اعتداء على الدين والشعب والوطن.
نحن نأمل منكم أل تسيسوا الدين ،وأل تستفردوا به ،وأل تقحموا السلم في صراعاتكم السياسية
والجبهوية ،فالسلم أرقى وأنظف وأطهر من ذلك.