You are on page 1of 5

‫النار على نسمة العار‬

‫بقلم ابن صفاقس‪ :‬أحمد البهلول‬

‫لعلي اليوم أمسك قلمي متثاقل و في خلدي خاطرة ل تكاد تبارحني‪ .‬قد يكون سكوتي عن‬
‫الهابط أرفع جواب و أبلغ خطاب أرسل به إلى من حبكوا و دبروا‪ ,‬و مالوا و أمالوا قبل أن‬
‫يتمخض الجمل فيلد قأرا‪ ,‬أو دعني أستدرك و أجل الفأر على أن يتشبه بمثل ما صدمتنا به‬
‫"نسمة" المغرب الكبير التي كانت في هذا الشهر الكريم رياح " شهيلي" ل يرجى من ورائها‬
‫خير‪ .‬كانت هذه الخيرة ضيفا ثقيل الظل‪ ,‬يعسر هضمه‪ ,‬أقلق راحة الف العائلت الصفاقسية‬
‫التي صدمت بمؤامرة تلفزية ادعوا كذبا بأنها كوميدية‪ ,‬تحت عنوان "نسيبتي العزيزة"‪.‬‬
‫فعل‪ ,‬قد يكون حريا بي أن أمضي في صمت و اشمئزاز حيال هذه القاذورة التلفزية و ل‬
‫أعيرها هي و ل أشباحها كبير اهتمام و مبالة‪ ,‬إذ أنه على رأي تميم البرغوثي " في ذم‬
‫الوضيع ما يضع"‪..‬إل أني ما ألبث حتى ألتاع غيضا لهذاالتشوه العلمي الصارخ‪ .‬أنظر في‬
‫وجوه أهلي و خلني فألمح الحتقان قد أخذ منهم مأخذه‪ .‬لذلك‪ ,‬أجدني أقفز من بوتقة‬
‫صمتي و أكسر قضبان وجلي لترجم تلك التقاسيم الثائرة إلى كلمات و سهام أرجو أن‬
‫‪.‬يصل صداها إلى من كان منذ البدء سببا في نشأتها‬
‫و في الوقت الذي استبشر فيه قليلون ظنا منهم أن هذه السلسلة ستحتفي ‪.‬‬
‫بصفاقسيتهم و ستدغدغ فيهم عشقهم لترانيم لهجة "الزيت" و "الحيط"‪ ,‬كانت الغالبية‬
‫على يقين بأن هذا الختيار ليس بالبراءة التي يدعيها أصحابها و أن إيحاءاتها أعمق و‬
‫أدل‪ .‬و ما احتجنا إلى طول صبر حتى طالعتنا الحلقة الثانية بما رفع الغمام عن ظنوننا‬
‫و أكد صحة شكوكنا‪ .‬أطلت علينا منى نور الدين متعسفة على لهجة عاصمة أهل‬
‫الجنوب‪,‬عابثة بنطق المفردات‪ ,‬تكيل على غير هدى ما طاب لها من النشاز‪ .‬فهاهي‬
‫"حياة" أصبحت تنادى "حايات"‪ ,‬و هاهي تقلب شفتاها على غير اعتدال مبتدعة في‬
‫‪.‬نطق الحروف و الكلمات‬
‫قمازال ذاك هو حالها‪ ,‬حتى أصبحنا نسائل أنفسنا؛ هل انقلبت الموازين و صارت‪,‬هي‬
‫أصيلة العاصمة‪ ,‬تتكلم بلساننا و تعلمنا أصولنا‪ ,‬و نحن من نحن‪ ,‬أبناء باب الجبلي و باب‬
‫الديوان ؟ و لعلي الن و بعد أن جاهدت نفسي على أن أتابع عددا ل بأس به من‬
‫حلقات "نسيبثي العزيزة"‪ ,‬أستطيع مطمئنا و ل تثريب علي أن أجزم قاطعا بأن منى‬
‫نور الدين كانت الفشل في محاولتها تقليد لهجة أبناء سيدي أبي الحسن اللخمي"‪,‬‬
‫رغم أن سابقيها قد منيوا بنفس الحظ العاثر‪.‬لم تكن هذه الخيرة الولى على نهج تقليد‬
‫لكنة الصفاقسية إذ سبقها إلى ذلك عديدون‪,‬أبرزهم لطفي بندقة‪ ,‬نصر الدين بن مختار‬
‫و جلول الجلصي‪ .‬إل أن أبرز ما يوحد و يجمع بين هذا الثالوث هو فشلهم في التخلص‬
‫من جملة الحكام المسبقة و الظنون الباطلة التي ما فتئت تطفو على سكاتشاتهم و‬
‫تهوي بها في مزابل ذاكرة التلفزة التونسية‪.‬ولئن كان فشل منى نور الدين رفقة هذا‬
‫الثلثي المتاخر في التقليد هو شأن فني بحت لم و لن يخفى على أهل الميدان من‬
‫ذوي الدراية و الختصاص‪,‬فإن تعمدهم الساءة إلى الشخصية الصفاقسية هو مبحث‬
‫جماعي لن يردعنا أحد على دفعها و التنديد بها مع الضرب و بشدة على الرابضين‬
‫‪.‬وراءها‬
‫ل يخفى على متأمل في واقعنا المجتمعي التونسي نمو ظاهرة الجهويات و سيطرتها‬
‫على أذهان فرقة غير يسيرة من التونسيين‪ .‬لذلك‪,‬لم يعد يشار لديهم إلى الشخص‬
‫بمعرفه و إنما بجملة الحكام المسبقة و اللقاب المرادفة لموطنه و جهته‪ .‬و في خضم‬
‫هذا كله‪ ,‬كان لجهة صفاقس نصيبها الذي طفح و زاد عن أخرياتها‪ .‬فتجد من الناعقين‪,‬‬
‫من زهد عن مشاغله و جعل ينحت مثال مشينا للصفاقسي العامي؛ شحيح مقتر‪,‬‬
‫خسيس لجوج منفر‪ ,‬كثير السؤال و يهوى كنز المال‪ ,‬ذو بلهة ظاهرة‪ ,‬يضحك على‬
‫سذاجته العوام‪.‬على ما فيه من وصم و تحامل و افتراء‪ ,‬لم ير الكثيرون من قصار‬
‫‪.‬البصر و البصيرة بدا من تبني هذا المثال الساذج عن أهالي صفاقس‬
‫وفي لحظة خلنا فيها أن وتيرة الجهويات قد سكنت و خفت أوجها مقارنة بما كانت‬
‫عليه في شهور أو أعوام خلت‪ ,‬طالعتنا نسمة بسلسلتها الخبث الحدث " نسيبتي‬
‫العزيزة" لتضرم النار من جديد و تطلق ألسنة ٌقد ألجمت و صامت عن ذكر الصفاقسية‬
‫بسوء‪ .‬ورغم أن هذه الممارسات تأتي متضاربة مع الخطاب الرسمي للبلد الذي ينفر‬
‫الجهويات و ينشد تجاوزها نحو الوحدة و الندماج‪ ,‬أبى صاحبا السيناريو‪ ,‬الممثل يونس‬
‫الفارحي و رفيقه فرحات هنانة إل أن يكونا صوتا مسموعا لمرضى النفوس‪ ,‬ممن ملك‬
‫‪.‬قلوبهم الحقد و أعمت أنفسهم الغيرة و الحسد تجاه الصفاقسية بدون ذنب اقترفوه‬
‫اصطفى هذا الثنائي‪ .‬صاحبة الوقار‪ ,‬منى نور الدين حتى تجسد شخصية النسيبة‪ ,‬ثقيلة‬
‫الظل‪ ,‬المتمعشة من خيرات زوج ابنتها‪ ,‬يكون خروج الدينار من يدها أشبه بخروج‬
‫روحها من بين أضلعها‪.‬ولكي تكتمل هذه الصورة البائسة عن النسيبة و ترتفع درجة‬
‫مصداقيتها لدى المتلقي البسيط‪ ,‬لم يحتج فريد عصره يونس الفارحي إلى كبير جهد‬
‫قبل أن يرسي على النموذج الصفاقسي إيمانا منه بأن هذا الخير يرزح تحت جملة‬
‫المساوىء المطلوب تؤفرها في النسيبة العزيزة‪ .‬فقدر أن ضحك المتلقي سيكون‬
‫مضاعفا حين يعلم أن هذه الشحيحة المتطفلة ليست إل "صفيقة"‪ ,‬أفضل أمثولة يتندر‬
‫بها السفهاء من القوم‪.‬فما إن اذنت الحلقات الولى من السلسلة بإخفاق منى نور‬
‫الدين المترقب في تقمص شخصية مركبة حين استرسل صوتها نشازا يقرع الذان‬
‫مجافيا حلوة لكنة "الحيط" و طلوة نغمة "الزيت"‪,‬حتى استطردت نسيبة حسونة‬
‫الركيكة‪ ,‬قي عزف منفرد‪ ,‬تتلون بشتى المساوىء و العيوب‪ .‬هي نسيبة قد جف ماء‬
‫الحياء من وجهها‪ ,‬تراها تارة تنتهك خلوة نسيبها مع زوجته‪ ,‬في حين تتطفل تارة أخرى‬
‫على زوار ابنتها‪ ,‬فتنهال عليهم بوابل من السئلة العقيمة‪,‬ل رأس لها و ل ذنب حتى ل‬
‫يطيقون معها صبرا و ل جلدا‪ .‬وقد كانت ل تتوانى عن منكر أو ضر تلحقه بالخرين‪,‬‬
‫سمتها و ديدنها قي كل هذا نزعتها الوصولية الثي ل تأبه لقرابة و ل تراعي في المرإ‬
‫‪.‬حرمة و ل ذمة‬
‫كانت هذه طباع فطيمة‪ ,‬العجوز التي ضاق بها صدر حسونة ذرعا‪ ,‬والتي ما كانت لتجمع‬
‫هذا الكم من المساوىء لول أنها صفاقسية‪ ,‬غلب عليها طبعها المشين كما روج إلى‬
‫‪.‬ذلك كاتبا السيناريو تلميحا و تصريحا‬
‫شخصية المنجي من جهتها‪ ,‬لم تكن أقل تحامل و استخفافا بالصفاقسية من شخصية‬
‫النسيبة‪ .‬سعى فرحات هنانة من خلل تجسيده لهذه الشخصية أن يكون امتدادا و‬
‫تصديقا للمخيال الشعبي في تصوره و نظرته للرجل الصفاقسي‪ .‬كان المنجي‪,‬بكسر‬
‫الميم‪ ,‬كهل في عقده الرابع‪ ,‬يضع نظارات سميكة‪ ,‬ل يأبه لمنظره و ملبسه‪ ,‬بسيط‬
‫الذهن‪,‬ساذج إلى حد البلهة‪ .‬و بحكم سجله الحافل بهذه النوعية من الدوار‪,‬اخرها‬
‫تجسيده لشخصية المغفل سي الزاهي في شوفلي حل‪ ,‬ضرب فرحات هنانة موعدا‬
‫استثنائيا مع البداع ليجعل من المنجي مثال و عينة يسحب عليها مئات اللف من‬
‫‪.‬عشاق الخبز و المرقة‬
‫بعد أن استوفيت نزرا يسيرا من التشهير بهذه النتهاكات الصارخة في حق "صفاقس‬
‫التونسية"‪ ,‬أهب نقسي الن للرد عن أباطيل كاتبي السيناريو في المقام الول‪ ,‬و‬
‫مساءلة قناة نسمة و تحميلها مسؤولية تبني مشروع فاشل وهن‪ ,‬عماده الحقد و‬
‫‪.‬الوصم‪ ,‬يتغذى من تربة الحساسيات و الجهويات المشتعلة في المقام الثاني‬
‫إن المهزلة التي كانت بطلتها منى نور الدين و المتمثلة في محاولتها العابثة تقليد‬
‫الصفاقسية فضحت سطحية القلم الكوميدي في تونس الذي لم ينجح إلى اليوم في‬
‫النعتاق من الكلسيكيات المبتذلة القائمة على السخرية من سذاجة البدوي و لهجة‬
‫الصفافسي و غيرها من السفاسف التي ل يروج لمثلها إل قي التلفزيونات التونسية‪ .‬و‬
‫كما عمق هذا احتفاء البدوي ببدويته‪ ,‬فإنه لم يزد الصفاقسية إل إيمانا و فخرا بأن‬
‫لهجتهم هي عنوان أصالتهم و تفردهم وأن كل متطفل عليها ستكون نهايته السخرية و‬
‫‪.‬المهانة لن الجبال الراسيات ل تهزها "نسمة" انفلت و تهور‬
‫تواصلت هذه المهزلة من خلل الصورة المشينة التي حاكتها أنامل الفارحي و هنانة‬
‫حول الصفاقسية و التي خلفت إجماعا شعبيا و نخبويا بأن الفن براء من أمثالها و بأن‬
‫المر ل يعدو أن يكون عملية استهداف لجهة‪ ,‬تاريخها كفيل بدرء زيف المبطلين عنها‪.‬‬
‫إن حرص هذبن الخيرين على أن يقدما شخصية "أمك فاطمة" و "المنجي" بما يحملنه‬
‫من معايب جمة‪ ,‬كمثال نمطي أوحد عن الصفاقسية‪ ,‬و تغافلهما عن التعددية كصفة و‬
‫ملمح مميز للمجتمعلت البشرية عموما‪ ,‬لدليل على لعقلنية تصورهما‪ .‬أحار و أحاول‬
‫أن ألتمس لهما عذرا فأجد نفسي أجانب الصواب و أتسترعن سوء نواياهما؛ ما الذي‬
‫يدفع المرء على أن يجحد محاسن فئة و يحسر اهتمامه في اختلق مذام و افتراءات‬
‫عنهم‪ ,‬غير المؤامرة و الستهداف ؟ ألم يكن من المانة و الصدق مع الذات أن يتم‬
‫إدراج شخصية ثالثة و رابعة‪ ,‬أو خامسة إن لزم المر‪ ,‬لتعرض الوجه الخر و الصدق‬
‫من "الشخصية الصفاقسية"‪ ,‬التي تنبذ الشح نحو التنعم و النفاق‪ ,‬و التي تعف نفسها‬
‫عن كثرة السؤال‪ ,‬و فوق كل هذا تترفع عن أي نزعة وصولية مسيئة ؟؟؟ ل أظنني‬
‫كنت أجد ريا لحيرتي ول تجاوبا مع اقتراحي إن ا ستبقت و طارحت الفارحي و هنانة‬
‫بوجهة نظري‪ ,‬فهذا الثنائي بدا مطمئنا لقناعاته و مسترسل في وصم و توصيف‬
‫‪.‬الصفاقسية باطل‪ ,‬حتى أسس أو كاد ل"محور شر" جديد يرفع راية عاصمة الجنوب‬
‫و لعمري‪ ,‬فإن أشد ما حز في نفسي و أذهلني هي الطريقة التي قدمث بها صفاقس‬
‫في المسلسل‪ .‬جهة يفرقها عن بقية جهات تونس و التونسيين أكثر مما يجمعها بهم؛‬
‫لهجة غير مفهومة تشتت أذهان السامعين و سلوكيات مشينة ل يأتيها إل "صفاقسي"‬
‫أمثال المنجي و أمك فاطمة‪ .‬هكذا كان وقع حلول ركب العائلة الصفاقسية على أحد "‬
‫الحوم العربي" بتونس العاصمة‪ ,‬ظاهرة غريبة يتوجس منها الجميع خيفة و ترافقها‬
‫علمات الدهشة و الفضول على محيا سكان الحومة‪ .‬و بقدوم العائلة الجزائرية في‬
‫نهاية السلسلة‪ ,‬صار يتملكني إحساس أننا إزاء ثلث جنسيات مختلفة‪,‬كل يتكلم بلسان‬
‫قومه و يطبل من أجل صورة موطنه‪ .‬و لعل ما زادني أسفا و أدمى قلبي لوعة‪ ,‬سهام‬
‫"العاصمي البلدي" حسونة و كلماته الملغومة حين تباهى بأن لو كان المر بيده لجعل‬
‫دخول التراب العاصمي ب"الفيزا" لمثال المنجي " الصفاقسي"‪ .‬بغض النظر عما‬
‫سببته هذه الصورة من احتقان و شجب لدى الرأي العام إجمال‪ ,‬فإني أؤكد أن‬
‫"الصفاقسية"‪ ,‬ما دمت منهم و فيهم‪ ,‬ل يساومون في تونسيتهم و قلوبهم تنبض بحب‬
‫كل شبر من هذا الوطن العظيم‪ ,‬عاشقون للنجمة و الهلل‪,‬رغم كل المكائد و الفتن‬
‫‪.‬التي بثها بعض الهواة و المتطفلين عبر شاشات التلفاز‬
‫ورغم كل هذا‪ ,‬فإني أدين ل"نسمة"ببعض لحظات الضحك الساخر؛ هي سخرية عرفت‬
‫طريقها إلى نفسي لعدمية و تفاهة ما أقدم عليه كاتبا السيناريو‪ .‬إن تقديم الصفاقسي‬
‫على أنه الحمق السعيد‪ ,‬كما هو الحال في سلسلة نسيبتي العزيزة‪ ,‬لعمري أعظم‬
‫درجات الجحود و النكران‪.‬و لول أني أخشى عليهم وطأة الصدمة‪,‬لخذت بأيديهم و‬
‫لرشدتهم في هدوء إلى واقع ل أظنه يروق لهم‪ ,‬تشهد به أبصارهم و تغفل عنه‬
‫بصائرهم‪ .‬بعيدا عن الغرور و السمعة‪ ,‬أدعو الذين ضحكوا و مازالوا على "حمق‬
‫الصفاقسي و بلهته" أن يسترقوا النظر إلى نتائج المناظرات و الختبارات الوطنية و‬
‫يكتشفوا كيف أن هذا "البله" قد أوجد لنفسه مكانا عليا ضمن "النتليجنسيا" التونسية‪,‬‬
‫ل لفرادة و استثنائية في العنصر الصفاقسي و إنما لن أبناء هذه الجهة قد أمسكوا‬
‫بناصية العلم و عاهدوا أنفسهم على الرتقاء في سلمه كغيرهم من الشرفاء على هذه‬
‫الرض الطيبة‪ .‬هاهم اليوم يعملون فيما علموا‪ ,‬و يزرعون حصائد ما بذروا قي حين‬
‫تظل أعين الحاسدين ترمقهم شزرا‪ ,‬تنكر عليهم علمهم و تصر على أن تلبسهم ثوب‬
‫السذاجة و الغباء‪ .‬هؤولء ل يحملون حلم جهتهم فحسب‪ ,‬و ل يتحزبون شيعا لينالوا‬
‫ممن حاك و فصل الباطيل ضدهم‪ ,‬بل هم جزء ل يتجزأ من المجموعة الوطنية‪ ,‬تهتز‬
‫‪".‬حناجرهم ب"نموت نموت و يحيا الوطن‬
‫ل شك أن التمثيل فن له خصوصيته و إشعاعه‪ ,‬و أن هواته و محترفيه على حد السواء ‪.‬‬
‫يحسبون على الثلة المختارة من الفلسفة و المثقفين‪ .‬لذلك‪ ,‬كانث أعمالهم و أقوالهم‬
‫تنزل منزل الصدق و التسليم على المتلقي البسيط الذي مازال يرى في التلفزة سلطة‬
‫و صوتا للحقيقة وأن كل ما تقدمه و تعرضه هو تجل أسمى للواقع‪ .‬و كما بدا جليا قي‬
‫سلسلة نسيبتي العزيزة‪ ,‬نزع الفارحي و هنانة عن نفسيهما ثوب الفنان المثقف‬
‫الحصيف‪ ,‬و انحدرا بالكتابة التلفزية إلى مستويات غير مسبوقة من الثارة و الستفزاز‪.‬‬
‫لم ألمس في الحقيقة اختلفا شاسعا بين الخطاب الشعبي المبتذل الذي يستهدف‬
‫الصفاقسية في خصوصياتهم و الذي يروج إليه شرذمة من السطحيين و بين اخر يدعي‬
‫أصحابه الرقي و التهذيب في حين أنه يلصق الرض في الهبوط و البتذال يقوم على‬
‫‪.‬الوصم و إثارة الجهويات‬
‫إن لم تستح فافعل ما شئت‪...‬فإن عمر الكذب مهما طال قصير‪ .‬لن يشفع لشباه‬
‫الفنانين تسترهم بغطاء الفن الكاذب لينشروا سمومهم بين الناس‪ ,‬يغسلون أدمغة‬
‫البسطاء و يملؤونها فتنا و أحقادا‪ .‬ستنساهم ذاكرة اليام و ستلفظهم سرائر الناس‬
‫منبوذين صاغرين‪ .‬لن يتواصل تزييفهم للحقائق و لن يسمع لهم صوت بعد اليوم‪ ,‬لن‬
‫حكمة القادر شاءت أن كل إناء بما فيه يرشح‪ .‬رفع قناع البداع عن مدعيه و انكشفت‬
‫‪.‬نفوسهم المريضة ينخرها كرههم الدفين للصفاقسية‬
‫ستبقى نسيبتي العزيزة محطة مخزية في تاريخ النتاج التلفزي الخاص في تونس بعد‬
‫‪.‬أن انجلى الحجاب عن خلفياتها الجهوية المنفرة‬
‫ل أخفيكم و ل أكذبكم خبرا إن قلت أن ميلد قناة نسمة "المغاربية" كان بالنسبة لي‬
‫حلما نشأت عليه و لطالما تاقت نفسي إلى مشهده يتحقق‪ .‬إن التوافق بل التطابق‬
‫الحضاري و التاريخي الذي يجمع شعوب المغرب العربي كان ل بد له من قاطرة‬
‫إعلمية تتبنى التعريف به و غرسه في قلوب و عقول الناشئة بعد أن غيبته سياسة‬
‫"فرق تسد" الستعمارية‪ .‬بارك الجميع ولدتها و التفوا صوتا واحدا‪ ,‬ساسة و مسوسين‪,‬‬
‫نخبة و جماهير‪ ,‬يدافعون عن حلمنا في وحدة الهدف و المصير‪ .‬أردناها قناة مدافعة‬
‫عن تماسكنا‪ ,‬ليست زارعة للفرقة و الشقاق بيننا‪ .‬ل أستبعد أن يكون القائمون على‬
‫دواليب نسمة قد نسوا أو تناسوا على الرجح‪ ,‬أن صفاقس شاؤوا أم أبوا‪ ,‬ركن أساس‬
‫في هيكل المغرب العربي ل يستقيم من دونها‪ .‬لذلك‪ ,‬فإن حملة الساءة لها هي‬
‫بالساس خطوة طائشة تقض أركان البناء المغاربي و من شأنها أن تهوي بحلمنا في‬
‫مكان سحيق ل تنفع معه حسرتنا‪.‬وبدل أن تتبنى نسمة مشروعا تعريفيا‪ ,‬تبين من خلله‬
‫ثراء المجال المغاربي و تعدده و تزيد من تعلق و فخر أبنائه به‪ ,‬استحلت لحمة‬
‫الصفاقسية و كالت ضدهم من السخرية و الثلب ما ل يرتضيه ذو ذمة و مروءة‪ .‬سوقت‬
‫قناة نسمة لنموذج صقاقسي مزدوج‪ ,‬أثقلت كاهله كثرة عيوبه و مساوئه‪ ,‬يفتر المرء و‬
‫ل يكاد يجد خصلة يحمد لجلها‪ .‬لسائل أن يسأل كيف سينظر الجزائري و المغربي إلى‬
‫الرجل و المرأة الصفاقسيين بعد أن وقفوا على قبح و ذمامة المثال التي روجت إليه‬
‫سلسلة نسيبتي العزيزة ؟ ألن يفرد الصفاقسي من دون بقية سكان المغرب الكبير‪,‬‬
‫من اليوم فصاعدا‪ ,‬بنقيصة الشح‪ ,‬التطفل و البلهة و يصبح "جحا" القرن الواحد و‬
‫العشرين في أعين عشرات المليين من المغاربة ؟؟؟ حينئذ‪ ,‬لن تكفينا اعتذارات نسمة‬
‫و ل ندمها‪...‬و لن يكفينا أن تحضرلنا الشمس في يميننا و القمر قي شمالنا‪ .‬سيكون‬
‫‪.‬المغرب العربي الذي تبنت إحياءه أول المغاضبين لها و أشد الناقمين على تجنيها‬
‫حتى زمن غير بعيد‪ ,‬أدار الرأي العام المغاربي ظهره لقناة نسمة و ناصبها العداء لما‬
‫عرضته من فضائح و انتهاكات خادشة للحشمة و الحياء أثبتت عريها الخلقي بدءا‬
‫ب"لبس الكلسط وعدم التكوير بالحفاء لتجنب السيدا" مرورا بقصة لطفي العبدلي‬
‫الشهيرة مع "السترينغ" و ملبس كوثر بودراجة الداخلية و انتهاءا عند "قصيدة فواز‬
‫ربي يصونه" بصوت "الثورية" سوسن المعالج‪ .‬و كردة فعل على هذه المقاطعة‬
‫الجادة‪ ,‬استحثت إدارة القناة مساعيها لتنصع من صورتها العلمية و ترفع عن نفسها‬
‫وصمات العار التي لحقتها‪ .‬لذلك‪ ,‬كانت حملت المناصرة الفجئية للقضية القلسطينية و‬
‫رموزها تليها حملة المدافعة الضروس عن "محاربي الصحراء" في حربهم العلمية مع‬
‫الشقيقة مصر على خلفية موقعة "أم درمان"‪ ,‬بمثابة شطحة الديك الذبيح محاولة منها‬
‫لذر الرماد في العيون و صرف أنظار المغاربة عن تجاوزاتها الخلقية‪ .‬وعوض أن تزيد‬
‫هذه اللحظات العصيبة من نضج القناة و رصانتها‪ ,‬جاءت برمجتها الرمضانية لتفصل‬
‫نهائيا في حقيقة مفادها أن ما بالطبع ل يتغير أو على رأي أبناء الخضراء "الي فيه طبة‪,‬‬
‫عمرها ما تتخبى"‪ .‬واصلت قناة نسمة في سياستها الستفزازية الطائشة وأثبتت‬
‫هشاشة استراتيجياتها العلمية‪ .‬فبعد أن خدشت غير مبالية حياء العائلت المغاربية‬
‫المحافظة المسلمة عبر موجات إباحية صارخة‪ ,‬هاهي اليوم تدير المقود ناحية‬
‫الصفاقسية‪ ,‬مستهدفة إياهم في أدق خصوصياتهم‪ ,‬بدءا بلهجتهم وصول إلى طباعهم‬
‫‪.‬التي شيطنتها بما حل لها من الزيف و الفتراء‬
‫لم أعدم يوما ثقة في رقي الذائقة الفنية المغاربية عموما و التونسية خصوصا و ترفعها‬
‫عن المعلبات التلفزية الموسمية مثل التي أزعجتنا بها نسمة في رمضان "نسيبتي‬
‫العزيزة"‪ .‬بمجرد اكتشافه لسطحية و ابتذال الكوميديا المعروضة‪ ,‬انصرف التونسي‬
‫يبحث عن مادة إعلمية محترفة‪ ,‬تحترم نفسها و مشاهديها و ل تتجنى باطل على‬
‫خصوصيات الناس و أصولهم‪ .‬و ليس أصدق إنباءا على هذا من نتائج استطلعات الرأي‬
‫التي قامت بها "سيقما كونساي" و "ميديا سات"‪ .‬أثلجت هاتين المؤسستان المختصتان‬
‫صدورنا بتقرير يفيد أن سلسلة "نسيبتي الركيكة" تتذيل قائمة البرامج الكثر مشاهدة‬
‫في رمضان و تقبع في المركز ‪ , 22‬تسبقها في ذلك "اانشرة الجوية" و "دبارة اليوم"‬
‫‪.‬بأعلى نسب مشاهدة‬
‫لن أمنعكم من الضحك‪ ,‬قرائي العزاء‪ ,‬فإن المر من المضحكات المبكيات؛ اضحكوا‬
‫على تفاهة ما قدمته و تقدمه "نسمة الشهيلي"‪ ,‬و ل تنسوا مرورا أن تتألموا لما أضحى‬
‫‪.‬عليه حال الكوميديا في تونس‪ ,‬تعبث به ثلة من مدعي الكتابة التلفزية‬
‫إن مقالي هذا ل يؤسس لثقافة جهوية مماثلة للتي روج لها سيناريو" نسيبتي العزيزة"‪,‬‬
‫بل إنه ل يتجاوز كونه ردة فعل طبيعية‪ ,‬أردتها أن تكون موضوعية‪ ,‬على واقع المنا نحن‬
‫‪.‬الصفاقسية‪ ,‬و أظنه يؤلم كل من حرص على وحدة و تماسك هذا الوطن العزيز‬
‫ختاما‪ ,‬أتمنى أن أكون قد وفقت في تعرية جملة الشبهات و النوايا السيئة التي حامت‬
‫و ل زالت حول سلسلة "نسيبتي العزيزة" كتابة و تنفيذا و ترويجا‪ .‬أعود و أؤكد فخر‬
‫الصفاقسية الشديد بانتمائهم إلى هذا الوطن العزيز و أعتذر إن كنت قد جرحت غير‬
‫قاصد مشاعر أبناء بلدي من الذين كانوا و ل يزالون يبادلوننا نفس القدر من الود و‬
‫‪.‬الصفاء‬

You might also like