Professional Documents
Culture Documents
كتــب الأمثــال
كتــب الأمثــال
يعتبر المثل ظاهرة فريدة ومتميزة في الداب العالمية ،نظرا لطبيعته اللغوية والتركيبية ،وإيجازه
الشديد ودللته العميقة ،بالضافة إلى أنه خلصة تجربة يعبر عنها بالرمز أو اليحاء أو الشارة المباشرة
في شتى ميادين الحياة اليومية ،ويعالج حالتها من خلل الوقائع والعادات والتقاليد والممارسات ،وهو
بكل صيغه يظل معبرا عن حكمة الشعوب ،وخلصة تجاربهم ،ورؤيتهم للشياء المحيطة بهم ،وما
بأنفسهم وخباياهم ،وقد أبرز الترمذي طبيعة المثال بقوله على أنها" :نموذجات الحكمة لما غاب عن
السماع والبصار لتهدي النفوس أدركت عيانا" وهي بالنسبة إليه "مرآة النفوس".
اهتم العديد من علماء اللغة بجمع المثال ،واستطاعوا الحاطة بعدد هائل منها عبر العصور مع بعد نظر
بمضامينها ،وهذا ما عبر عنه ابن عبد ربه بقوله" :ونحن قائلون بعون الله وتوفيقه في المثال التي هي
وشي الكلم وجوهر اللفظ ،وحلي المعاني والتي تخيرتها العرب وقدمتها العجم ونطق بها في كل
مكان ،وعلى كل لسان ،فهي أبقى من الشعر وأشرف من الخطابة ،لم يسر شيء مسيرها ،ول عم
عمومها ،حتى قيل :أسير من مثل" .توضح هذه الرؤية الثاقبة القيمة التعبيرية للمثل على صعيد الداب
العالمية ،وتضعه في أعلى مراتب التعبير شعرا وخطابة ،وإذا ما تصفحنا عناوين الكتب القديمة الخاصة
بالمثال منذ القرن الثاني للهجرة ،فإننا نجدها محصورة في :أمثال العرب ،مجمع المثال ،جمهرة
المثال ،الفرائد والقلئد ،كل هذه العناوين تحيل على الجمع بما فيها الجمهرة لبي هلل ،وهو بدوره
يحيل بشكل أو بآخر على جمهرة ابن دريد باعتباره معجما لغويا جاء تطويرا لمعجم العين للخليل بن
أحمد الفراهيدي.
على ماذا اعتمد الجمع إذا؟ وهل هناك منهجية معينة اتبعت في هذا الصدد؟
لقد عرف جمع المثال خلل القرون الخمسة الولى للهجرة تطورا مرحليا تجلى في ثلثة اتجاهات:
ـ الجمع والتدوين.
ـ التصنيف الموضوعاتي.
ـ التصنيف المعجمي )أي الترتيب حسب حروف المعجم(.من أوائل الكتب التي أشارت إليها الفهارس
والمصادر اللغوية ،كتاب أمثال العرب لعبيد بن شرية )ت 81هـ( وكتاب أمثال العرب للمفضل الضبي
)ت 171هـ( الذي اهتم بتفسير السياق الذي جاء فيه المثال مع شرح ألفاظه مثل "أسعد أم سعيد"
و"إن الحديث لذو شجون" وكتاب المثال لمؤرج بن عمرو السدوسي )ت 195هـ( .لقد اهتمت أغلب
الكتب الولى بالشرح والتعليق اللغوي على "أسماء غير معروفة أو تشير إلى أحداث مجهولة ،أو تجيء
بتعبير غير مألوف ،أو صياغة نادرة الستعمال ،فيكون هذا كله مجال متسعا لجتهاد النحاة وإظهار علم
اللغويين وافتتان الرواة والقصاص".ويلحظ أن أغلب الكتب التي ألفت في هذه المرحلة وقد ضاع
العديد منها كانت من وضع اللغويين الذين قاموا بجمعها وتدوينها ،وقد وصلت ذروتها كما أوضح ذلك
د.محمد النجار بكتاب الفاخر في المثال للمفضل بن سلمة بن عاصم الضبي 291هـ ،ويحق لنا أن
نقول" :كل عالم لغوي –غالبا -هو جامع أمثال ،وكل جامع أمثال هو عالم لغوي بالضرورة طبقا
لمعطيات هذه المرحلة المبكرة".
التصنيف الموضوعاتي:
يعد التصنيف الموضوعاتي من أهم المناهج التي اعتمدها العلماء العرب في تصنيف العلوم في عدة
مجالت ،منها الحديث والفقه واللغة والمعاجم ،وليس من المستغرب أن يظهر هذا النوع من التصنيف
باعتباره "أول تصنيف علمي نهجه علماء المثال العرب وأن يكون سابقا على التصنيف المعجمي
اللفبائي" .إل أننا ل نستطيع تأكيد عدم ظهور كتب في المثال اعتمدت على الترتيب اللفبائي في
المرحلة الولى ،وأن يكون هناك تداخل في المراحل كما هو الشأن في تطور ترتيب المعاجم العربية،
إذ أن ظهور معاجم لغوية ذات مناهج مختلفة في الترتيب قد عرفت تداخل فيما بينها ،وليس هناك
تسلسل مرحليا بكل منهج على حدة ،وعلى سبيل المثال وجدنا كتابا لمؤلف مجهول رتبت فيه المثال
أبوابا وحسب الترتيب اللفبائي وقد بدأه بقوله" :باب ما جاء من المثال أوله ألفا على مذهب الكتاب
أو همزة على مذهب النحويين ،ما جاء على أفعل مع الباء ،ثم التاء ،ثم الثاء ،ثم الجيم إلى آخر الحروف
الهجائية" ،أي جعله مرتبا على حروف الهجاء.لقد اعتمد تصنيف المثال حسب الموضوعات منذ أواخر
القرن الثاني وبداية القرن الثالث الهجري على منهجية دقيقة أدت إلى إبراز مضامينها في مختلف
مجالت الحياة ،وإخراجها من كتب التاريخ والفقه والنحو والمعاجم والطب والفلسفة والجغرافية
والفلحة والرواية ،المر الذي أظهر ضخامتها ومتانتها وقيمتها العلمية ،وأول من نهج هذا النهج هو أبو
عبيد القاسم بن سلم )ت 224هـ( في كتابه المثال ،وهو أحد كبار علماء اللغة والحديث في عصره.
وإذا كان حسه اللغوي قد قاده إلى استكشاف مادة المثال والتمييز بين مستوياتها فإنه تمكن أيضا من
استكشاف ما تضمنه من أبعاد أدبية وفنية في مختلف موضوعات الحياة ،إذ جعل كتابه أبوابا "بذكر
المواطن التي يضرب فيها المثل من المثال" وقد بلغت تسعة عشرة بابا ،كل باب يتضمن موضوعا
بعينه )صنوف المنطق ومعائب المنطق ومساوئه –الرجال -القوام -القربون – الخلق – الجود –
المجد – الخلة والخاء – الموال والمعاش – العلم والمعرفة – أهل اللباب والحزم – الحوائج – الظلم –
المعائب والذم – الخطأ والزلل – البخل -الجبن – مرازى الدهر وأحداثه – جنايات الدواهي العظام(.هذا
بالضافة إلى أحد عشر بابا قصيرا في المثال الخاصة بـ :التشبيه وغايته – اللقاء وأوقاته وأزمانه – ترك
اللقاء ودهوره وآونته – النفي لمعرفة الرجل – نفي المال عن الرجل – ما يتكلم فيه بالنفي من الناس
خاصة – نفي الطعام – نفي النوم والوجاع – الستهجال ونفي العلم – الطعام.كانت هذه مجموعة
البواب الواردة في كتاب أبي عبيد وما تفرع منها ،إذ كان كل باب يتفرع إلى عدة أبواب ،أكثرها كان
يصل إلى ثمانية وعشرين بابا وأقلها إلى ستة أبواب ،وقد بلغت في مجموعها 251بابا فرعيا ،وبلغ عدد
المثال 1000مثل و 20بيت شعر و 130حديثا مع قصصها.ومن الكتب التي نهجت نهج أبي عبيد كتاب
جامع المثال لحمد بن إبراهيم بن سمكة اللقمي )ت 530هـ( ،أشار إليه السيوطي في المزهر،
والقفطي في إنباه الرواة وقال عنه محمد النجار "إنه كان أكبر من كتاب أبي عبيد وأكثر تفصيل ولن
الكتاب مفقود فأوجه الشبه بين تصنيف أبي عبيد المثال وتصنيف ابن سمكة ل تعدو في نظرنا أن
تنحصر في التصنيف الموضوعي فحسب ،ولكنه ليس بالضرورة طبقا لمضارب المثال كما ذهب إليه
أبو عبيد".ومن بين الكتب التي اتجهت نهج أبي عبيد كتاب الجوهرة في المثال لبن عبد ربه المدرج
في العقد الفريد .وسيعود أبو عبيد البكري )ت 487هـ( في القرن الخامس إلى كتاب أبي عبيد بن
سلم ليتناوله بالشرح في مؤلف تحت عنوان فصل المقال في شرح كتاب المثال .ويبدو أن منهجية
تصنيف المثال حسب الموضوعات قد وجدت صداها في الندلس في الوقت الذي ظهرت فيه مؤلفات
عن المثال اتجهت نحو التصنيف اللفبائي حسب حروف المعجم.ولقدتم-تطويرمنهجية التصنيف
الموضوعاتي على يدأبي منصور الثعالبي ،حيث عمد إلى تحويرها والتدقيق في طبيعة المثال وحقولها
الدللية والقدرة على استرجاعها في مؤلف شامل لها أسماه التمثيل والمحاضرة .ولقد استفاد من
مؤلفي المعاجم اللغوية الذين اهتموا بترتيب المادة حسب المعاني "فاستلهم خطاهم وسار على
نهجهم ،وشرع يشيد تصنيفه على أساس المعاني أو الحقول أو المجالت الدللية للمثال".ومع كل
الهمية التي اكتساها كتاب التمثيل والمحاضرة للثعالبي في مجال تصنيف المثال حسب موضوعاتها
وما أضافه من جهد علمي وتصنيف منطقي ،ستتجه أنظار علماء اللغة إلى تصنيف آخر قائم على ترتيب
المثال معجميا ،تحت تأثير ما عرفته حركة تأليف المعاجم من تطور هائل في مجال الترتيب.
التصنيف المعجمي:ل شك أن حركة تأليف المعاجم العربية منذ ظهور كتاب العين للفراهيدي كان لها
تأثير بالغ فيما يمس جمع وتدوين المثال العربية ،حيث اتجه علماء اللغة المهتمين بها إلى إعادة النظر
في تصنيفها ،وهذا بالضبط ما قام به حمزة بن الحسن الصفهاني )ت 439هـ( عندما ألف كتابا في
المثال أسماه الدرة الفاخرة في المثال السائرة .وكان اختياره للتصنيف المعجمي تطورا منهجيا في
جمع المثال حيث رتبه على "نظام حروف المعجم ليسهل تناول ما يراد منه على ملتمسه" .وسار على
منواله فيما بعد كل من أبي هلل العسكري )ت 395هـ( عندما ألف كتابه جمهرة المثال وجار الله
الزمخشري )ت 518هـ( في كتابه المستقصى في أمثال العرب وأبو الفضل أحمد بن محمد الميداني
في مجمع المثال وقد أكد هذا الخير بدوره أن اختياره وضع المثال على نظام الترتيب المعجمي كان
يهدف منه حسب قوله" :ليسهل طريق الطلب على متناولها" وبالخص عندما نكون إزاء عدد ضخم من
المثال ،وإذا كان جامعو المثال باعتبارهم علماء لغة قد وجدوا في النظام المعجمي ضالتهم لترتيب
المادة المثلية فإن هذا ل يلغي أهمية الترتيب الموضوعاتي لكونه يمثل أداة تنظيمية استرجاعية لمادة
المثال في مجالتها الدللية ،وسيظل كتاب التمثيل والمحاضرة للثعالبي نموذجا في هذا الصدد ،وكما
قال عنه محمد رجب النجار "عمدة كتب المثال العربية القديمة في مجال التصنيف الموضوعي
الدللي".
المثال العامية:لقد اعتنى القدماء بجمع المثال ،مع وجود العديد منها في كتب اللغة والدب ،وما كان
يرويه الرواة أو النحاة لتدعيم آرائهم اللغوية ،حيث كان الغرض منها تأكيد "صحة اللغة وإقامة العراب،
وهذا يستلزم ضرورة أن يكون المثل قديم العهد صحيح النقل" .ول شك أن الرواة لم يكونوا يهتمون
بالمثال السائرة والمتداولة عند العامة لن الهاجس اللغوي وسلمة اللغة كانت تتحكم في تحديد معيار
المثل و"لم يأخذوه من أفواه العرب في حياتهم اليومية وحديثهم العادي بقدر ما أخذوه من نصوص
الشعار العربية القديمة التي بذلوا الجهد في روايتها وتدوينها" ،ومع هذا التأكيد هناك العديد من المثال
تخرج عن هذا السياق وإن احتفظت بتركيب لغوي سليم وفصيح ،ونجدها في أغلب المؤلفات القديمة،
ويكفي أن نعود إلى مقدمة أبي هلل العسكري لنستشف من خللها أن عملية الجمع بالنسبة للمؤلفات
التي وقف عليها وأخذ منها ،كانت تمتد إلى كل ما يمت إلى المثل بصلة بغض النظر عن طبيعته
اللغوية ،إذ يقول" :وميزت ما أورده حمزة الصفهاني من المثال المضروبة في التناهي والمبالغة ،وهي
المثال على أفعل من كذا ،فأوردت منها ما كان منها عربيا صحيحا ،ونفيت المولد السقيم ليبرأ كتابي
من العيب الذي لزم كتاب حمزة في اشتماله على غث من أمثال المولدين وحشو الحضريين ،فصارت
العلماء تلقيه وتسقطه وتنفيه".وواضح من كلم أبي هلل العسكري أن مجتمع العلماء مجمع على إبقاء
المكتوب عربيا فصيحا ،وإذا ذكر بعض أمثال العامة في ثنايا الكتاب فإنه يذكرها عرضا وبصيغة فصيحة،
وهذا ما فعله ابن عبد ربه والبكري.
تعريب المثال:لقد شكلت اللغة العربية عند العلماء العرب ،مفتاح التأليف ،وأضحت معيارا للتمكن من
العلوم والتفقه فيها ،ول شك أن تعريبهم للمثال العامية يوضح مدى تشبثهم بالفصيح كأداة للتعامل مع
المعرفة ،وهذا ما يفسر خلو تآليفهم من لغة العامة في مرحلة التدوين والجمع ،ولم يهتموا بكل ما له
علقة بها ،وإذا ما تقصينا بعض كتب اللغة وما يتعلق بألفاظ العامة ،يمكن أن نستشف بعض المظاهر
في لغة العامة ،ويعد كتاب ابن هشام اللحمي )ت 577هـ( لحن العامة الذي وضعه من أجل إعادة
ألفاظ العامة إلى أصولها العربية ،وما كان متداول عندهم من أمثال وجمل ،مرجعا أوليا من مراجع
البحث في الداب الشفوية ،وتله فيما بعد ابن مكي الصقلي )القرن السادس( في كتابه تثقيف اللسان
وتلقيح الجنان وابن عاصم الغرناطي في القرن الثامن.إل أن هذا التعريب لم يستطع أن يصمد طويل
ولو مع حرص علماء اللغة الذين اهتموا بتدوين المثال وجمعها وفرز ما جاء على ألسن العامة ،إذ أن ما
عرفته المجتمعات العربية من تحولت ومتغيرات أدت إلى تداخل أمثال الفصيح والعامي ،ولم يعد
بالمكان إقصاء ثروة مثلية أضحت متداولة بين العامة والخاصة على حد سواء ،على الرغم من حرص
أبي عبيد القاسم بن سلم على انتقائه لمادة المثال التي جمعها ،إل أنه مع ذلك اضطر إلى إيراد عدد
محدود منها على سبيل "المقارنة أو المماثلة" .وهذا النتقاء برره أبو عبيد البكري في تأكيد حرصه على
تمييز "المثال المأثورة ،المنقولة والمحمولة والمروية المحكية عن العرب" ،إل أن هذا الحتراز من
أمثال العامة سيعرف انعطافا مهما على يد المفضل بن سلمة بن عاصم في كتابه الفاخر ،حيث أوضح
بصريح العبارة أن "هذا كتاب معاني ما يجري على ألسن العامة في أمثالهم ومحاوراتهم من كلم
العرب ،وهم ل يدرون معنى ما يتكلمون به من ذلك ،فبيناه من وجوهه ،على اختلف العلماء في
تفسيره ،ليكون من نظر في هذا الكتاب عالما بما يجري من لفظه ،ويدور في كلمه" .وأعتقد أن هذه
القولة بليغة العبارة والدللة في تحديد ماهية المثال الشعبية ،وتحل إشكال علميا فيما يمس طبيعة
المثال بغض النظر عن انتمائها إلى الفصيح أو العامي ،ويحسم أمرا عالقا كما أوضحه محمد رجب
النجار وهي "أن أمثال العرب المأثورة ليست أمثال شعبية فحسب –فهذا ل جدال فيه -ولكنها هي
نفسها المثال الشعبية التي كانت ذائعة بين العوام خلل العصر الذهبي لجمع المثال العربية
وتصنيفها" ،مما يجعلنا نؤكد أن الهتمام بالرواية العامية قد شقت طريقها منذ القرن الثالث الهجري
على الرغم من احترازات العديد من أئمة اللغة ،إذ أن استعمال وتداول المثال بين جميع الوساط
الخاصة أو العامة منها كان هو المعيار الذي تحكم في نهاية المطاف في الجمع والتدوين.سيعرف هذا
التوجه منحى جديدا في بلد الندلس ،وفي ضوء الجهد العلمي الذي بذله أبو عبيد البكري عندما تصدى
لشرح كتاب أبي عبيد القاسم بن سلم ،إذ سيتسع الهتمام بلغة العامة لعتبارات تاريخية وجغرافية
واجتماعية ،وهو اهتمام لم يكن على حساب اللغة العربية الفصيحة.لقد ترك لنا أهل الندلس ،تراثا
لغويا عاميا ،تمثل في الزجال والموشحات والمثال العامية ،أضحى من مواد التأريخ لفهم طبيعتهم
وذهنيتهم وقضايا مجتمعهم ،ولن اللغة المتداولة تعد تعبيرا عن النسق الفكري السائد داخل المجتمع،
وإذا ما تقصينا بعض كتب اللغة وما يتعلق بألفاظ العامة يمكن أن نستشف ظواهر هامة في حياة
جماعة ما.لم يكن كتاب ابن عاصم الغرناطي حدائق الزهار خارجا عن السياق العام لطبيعة المجتمع
الندلسي عندما اتجه إلى جمع المثال العامية الندلسية المتداولة في غرناطة ،وأعتقد أن عنوان كتابه
لوحده يشكل مادة للتفكير وللتأويل ،في غياب وضوح المقاصد التي كان يصبو إليها ،مما يطرح بعض
التساؤلت ،هل ابن عاصم كان يريد رد العتبار إلى لغة العامة وما تعبق به من أريج استنادا إلى عنوان
الكتاب ،واعتبار ذلك مدخل لثارة الهتمام إلى هذا النوع من الداب؟ وهل قاده إلى ذلك إحساس
داخلي بضرورة تسجيل مادة ثقافية ذات جذور شعبية ،يخاف عليها من الضياع؟ مع العلم أن هناك بداية
محتشمة لبن عبد ربه عندما حاول أن يضم بعض أمثال العامة ،ولو أنه قام بتعريبها ،إذ يقول في
الجوهرة" :وضممنا إلى أمثلة العرب القديمة ما جرى على ألسنة العامة من المثال المستعملة"،
بالضافة إلى ما أكده في تقديمه لمجموع المثال التي أوردها" :فأول ما نبدأ به أمثال رسول الله صلى
الله عليه وسلم ،ثم أمثال العلماء ،ثم أمثال أكثم بن صيفي ،وبزر جمهر الفارسي ،وهي التي كان
يستعملها جعفر بن يحي في كلمه ،ثم أمثال العرب التي رواها أبو عبيد وما أشبهها من أمثال العامة،
ثم المثال التي استعملها الشعراء في أشعارهم في الجاهلية والسلم" ،مع العلم أن ابن عبد ربه لم
يورد إل أمثال قليلة ومحدودة من أمثال العامة مع صياغتها بلغة فصيحة.وبغض النظر عن المقاصد في
وعيها أول وعيها ،فلقد تمكن ابن عاصم بأن يلم في حدود ثمانمائة مثل بأهم المثال السائرة على
ألسنة العامة ،وسجل بذلك أحاسيس مواطنيه ورؤيتهم الطبيعية للشياء في بساطتها وأريحتها ،وما كان
يضج به المجتمع الندلسي من تناقضات في شتى المجالت )دين ،طوائف ،سياسة ،نساء ،قيم(.ولم
يقف الندلسيون عند جمع المثال العامية ،ولكن بدأوا ينظمون أشعارهم بالعامية ،وهذا انزياح آخر
باللغة ،وقد مثل ابن قزمان هذا التوجه خير تمثيل.
لقد احتلت المثال في مجال البحث العلمي حيزا مهما وخصبا للتنقيب في الداب العربية الشفوية كما
هو الشأن بالنسبة للبحث الوروبي الذي اتجه خلل القرن السابع عشر لدراسة الداب الشعبية
والمأثورات الشفوية والفولكلورية في العديد من البلدان الوروبية ،واتجه بعض المستشرقين إلى
الهتمام بالتراث الشفوي للشعوب العربية منذ أواخر القرن التاسع عشر.
من بين المؤلفات الخاصة بالمثال التي ظهرت في هذه الفترة يمكن ترتيبها كما يلي:
ـ نعوم شقير ،أمثال العوام في مصر والسودان والشام ،مطبعة المعارف ،مصر.1894 ،
ـ محمد أحمد عمر الباجوري ،أمثال المتكلمين من عوام المصريين ،ط.الشرقية.1894 ،
وختمت هذه الفترة بمؤلفين أعتبرهما من أهم ما صدر عنها من أمثال ،ومن أغناهما مادة.
ـ المؤلف الول حول :المثال العامية في لبنان الجنوبي لصاحبه فردينان يوسف أبل.
ـ المؤلف الثاني حول :المثال العامية المصرية لصاحبه أحمد تيمور باشا.
كيف تعامل إذا كل واحد منهما مع مادة المثال المتجمعة لديهما ترتيبا وتصنيفا؟
ل شك أن إشكالية الترتيب تطرح على كل باحث عندما ينتهي من عملية تجميع المثال وذلك من أجل
تسهيل البحث فيها والستفادة من مادتها ،ولقد أسهم القدماء كما رأينا في وضع منهجيتين للتعامل مع
المثال.
وأود أن أوضح هنا أنه ل توجد أفضلية بين المنهجيتين المذكورتين ،إذ لكل منهما لها خاصيتها ووجاهتها،
وحسب ما يراه جامع المثال مناسبا ،وما يدخل في سياق الغراض المتوخاة من عملية جمعها
واستخدامها ونشرها ،ويبقى الجمع هو القاعدة المشتركة عند أغلب الباحثين الذين اهتموا بالمثال
ونشرها في كتب ،وبعد ذلك تطرح إشكالية التصنيف أو الترتيب ،آنذاك نكون بصدد تناول إحدى قضايا
المعجم ،مع العلم أن أغلب الكتب التي تضم مجموع المثال ل تشير أنها تقدم معجما بخلف العديد من
المؤلفات الغربية الجامعة للمثال.
أعتقد على سبيل المثال أن الميداني كان واعيا بهذه المفارقة فسمى مؤلفه بمجمع المثال ولم يطلق
عليه معجما ،لكن هل يحق لنا أن نسمي مجمع المثال معجما؟
سأترك جانبا هذه الشكالية للحوار ،وسأعرض أول لمؤلفي أبل وتيمور لنتعرف على طبيعة الشكالت
التي يطرحها جمع المثال تصنيفا أو ترتيبا ،مع العلم أنهما يختلفان من حيث الترتيب ويلتقيان بصورة
من الصور من حيث منهجية تقديم المثل للقارئ.
يعتبر مؤلف فردينان يوسف أبل من أهم المؤلفات الخاصة بالمثال العامية من حيث التقديم والشرح
والترجمة ،إل أنه لم يعتمد أي نوع من الترتيب ،والمنهجية الوحيدة التي اعتمدها في الجزء الول الذي
يضم 1947مثل يمكن تلخيصها فيما يلي:
ـ تقديم إحالة تتضمن الشارة إلى ما يشبهه من أمثال سواء داخل متن المثال الواردة في المؤلف أو
الحالة على أمثال عربية أو غربية أو عامة في العديد من القطار.
N'apporche pas du scorpion, mais tu peux étendre ton matelas et dormir près du
.serpent
.Cf. N°380
.Les épreuves ne tuent pas (n'achèvent pas) celui qui est appelé à vivre
» Maxime fataliste qui est aussi citée en Egypte : puisque tout est « écrit
.(mektoub), il est vain de craindre pour sa vie
أما الجزء الثاني الذي يضم 200مثل نجده يكتفي فقط بـ:
أما ما يتعلق بمؤلف المثال العامية المصرية لحمد تيمور باشا الذي يضم 3188مثل ،فلقد اعتمد
المنهجية التالية القائمة على الترتيب اللفبائي:
ـ تقديم إحالت تتضمن الشارة إلى ما يشبهه من أمثال عربية فصيحة أو بعض المثال العامية الواردة
في متن المؤلف.
" – 595إن ضحك سني حيا مني وان ضحك قلبي عتبي عليه" أي إن ضحك فمي في مصيبتي فذلك
حياء مني ومجاراة للناس ل سرورا وانشراحا ،وإنما العتب على القلب لنه موضع السرور والحزن ول
عبرة بالظواهر .وانظر في الباء الموحدة) :البق اهبل( وفي الضاد المعجمة) :الضحك ع الشفاتير( الخ.
وانظر في الواو) :الوش مزين والقلب حزين(.
" – 770برا ودره وجوا قرده"
أي ل يغرنك ما تراه من الظاهر الحسن فإن ما تحت البراقع سم قاتل .يضرب للحسن الظاهر القبيح
الباطن.
يخصون الحنية بالتي تحت السللم ل مطلق حنية ،أي تقعد البنت البائرة تحت الحنية وتختبئ فيها خجل
ثم تسائل أمها وتقول :أما للخاطب نية في يا أماه ،أي أين إظهارها الخجل من هذا السؤال .يضرب
للذي يتظاهر بغير الحقيقة ثم تحمله الرغبة في الشيء على إظهارها.
وواضح من هذه المثلة أن المؤلف لم يلتزم بالمنهجية نفسها في كل المثال لعتقاده أن العديد منها ل
يحتاج إلى شرح ويعتبره مفهوما لدى القارئ.
وبجانب هذه المنهجية ذيل المؤلف بكشاف موضوعي ،وضعه مركز الهرام للترجمة والنشر وليس من
وضع المؤلف" .النماذج المقدمة أعله تدخل في إطار موضوع الباطن والظاهر".
يعد هذا الكشاف إضافة منهجية لتصنيف المثال تحت رؤوس الموضوعات حسب مضامينها ،وقد رتبت
ترتيبا ألفابائيا ،ويندرج تحت كل موضوع مجمل المثال المتعلقة به حسب أرقامها.
ما يمكن أن نستخلصه من هذا التقديم ،هو أن هناك إشكالية كبرى فيما يتعلق بجمع المثال وترتيبها
وفهرستها ،وليست هناك منهجية مثلى للتعامل معها ،وإذا أردنا أن نقوم بمسح شامل لها وتقديم لجميع
أوجهها ،فل مناص من اعتماد منهجية الترتيب حسب الكلمة الولى في المثل ،بالضافة إلى ترتيب
يعتمد كلمات المفتاح في كل مثل ،ثم اعتماد منهجية الموضوعات ،وسنكون بطبيعة الحال أمام ثلث
مجلدات ،وهو المر الذي أصبح بالمكان إنجازه بالعتماد على برنامج آلي.