Professional Documents
Culture Documents
دار قرطبة في منهاتن
دار قرطبة في منهاتن
2010-08-10
مع حلول شهر رمضان المب ارك وم ا يرافق ه من تجمع ات للمس لمين في الغ رب ،تص بح المس اجد على وج ه الخص وص مج االت
لالحتفاء بهذا الشهر الفضيل و فضاءات ألنشطة قد ال تتوفر الظروف لتنظيمها في زمان آخر من السنة .ومع تزايد أعداد المسلمين
في الدول الغربية سواء بس بب الهج رة أو االقتن اع باالنتم اء له ذا ال دين ،تنم و الحاج ة لبن اء مس اجد جدي دة ي ؤم إليه ا الن اس ألداء
الصلوات أو اإلفطارات الجماعية أو االستماع للمحاضرات الدعوي ة .لكن بالمقاب ل يواج ه بن اء المس اجد في ع دة والي ات أمريكي ة
صعوبات متصاعدة و رفض متزايد ليس أوله وال آخره دعوة مبادرة قرطبة لبناء مركز إسالمي و مسجد بالقرب من موقع التوأمين
حيث وقعت هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001في منهاتن السفلى.
وقد جوبهت هذه الدعوة برفض شديد على اعتب ارات أرب ع .األول ه و الحساس ية النفس ية للمك ان و م ا يحمل ه في المخي ال الش عبي
األمريكي من عالقة بما يسمى اإلرهاب و بالهجمات الدامية و من راح ضحيتها من المدنيين سواء من العاملين بمنى وكالة التج ارة
الحرة أو رجال اإلطفاء .و يجيب الموافقون على بناء "دار قرطبة" ب أن ه ذا المرك ز ه و خ ير رد على من ه اجم المب نى الش اهق.
فاإلسالم هو في األصل دين بناء و تسامح و ربط للعالقات و مد للجسور م ع الش عوب األخ رى ،ثم إن ه ك ان من ض حايا الهجم ات
مسلمين قُتلوا في داخل المبنى أو ضمن رجال اإلطفاء.
أما االعتبار الثاني فهو كون المبنى الذي من المفروض أن يصبح "دار قرطبة" من التراث الت اريخي للمدين ة .و ي رد الموافق ون ،و
ضمنهم رئيس بلدية نيويورك مايكل بلومبرغ ،بأن البناية ال تحمل أية رمزي ة تاريخي ة كم ا حكمت ب ذلك لجن ة مختص ة في الحف اظ
على المعالم التاريخية للمدينة .
أما االدعاء الثالث ،و هو األخطر و األقرب ليكون ش امال لك ل االدع اءات و المس ببات األخ رى ،فه و ك ون "دار قرطب ة" س تمثل
انتصارا للمسلمين و هزيمة نكراء ألمريكا حيث سقط البرجان لتقوم مقامهما بناية إسالمية .و يمكن الرد على ذلك بالتأكي د أن فك رة
"دار قرطبة" جاءت باألساس لتبرز الوجه المتسامح لإلس الم و أنه ا ص درت عن أش خاص مع روفين بتعايش هم م ع األمريك يين و
اختالفهم جذريا مع فكر من هاجموا البرجين .فمبادرة قرطبة يترأسها فيص ل عب د ال رؤوف إم ام مس جد الف رح ب نيويورك والوج ة
اإلعالمي المعروف و نائب رئيس مؤسسة بردانا للسلم العالمي التي يترأسها محمد مهاتير ،رئيس وزراء ماليزيا األسبق.
و االعتبار الرابع هو كون المس اجد مرتع ا لم ا يس مى اإلره اب و مخ ازن لتجمي ع األس لحة و محاض ن لت أطير الش باب على فك ر
التفجير .و الواضح أن ما يسمى "القاعدة بشعور شقراء و أعين زرقاء" أي الشباب األمريكي –أو الغربي عموم ا -ال ذي تس تقطبه
القاعدة و تؤطره على فكرها هو من الذين ال يزورون المساجد بل يتم استقطابهم و تأطيرهم خارج أمريكا حسب مق ال نش ر بموق ع
منتدى الشرق األوسط بتاريخ . 2010 -02-03و بالمقابل هناك اآلالف من المسلمين ال ذين ي زورون المس اجد --و بينهم دع اة و
علماء و مفكرون و فن انون --و لم يفك روا يوم ا في مهاجم ة الم دنيين األمريك ان ،ب ل يتعايش ون معهم كمواط نين في الجامع ات و
المراكز التجارية و وسائل اإلعالم و غيرها .أمام تهاوي االدعاءات األربع تم اللجوء إلى القضاء ليقول كلمته في النازلة.
و "دار قرطبة" ليست الحالة الوحيدة التي لقيت رفضا و معارضة .ففي يونيو الماضي اصطحب بعض المتظاهرين كالبهم و حملوا
الالفت ات و توجه وا ص وب بعض م ؤدي ص الة الجمع ة بس بب نيتهم بن اء مس جد آخ ر على بقع ة فارغ ة بمدين ة تيميك وال بوالي ة
كاليفورنيا .و في مدينة شيبويغان بوالية وسكونسن قاد بعض الرهبان مظاهرة صاخبة ض د مجموع ة مس لمة س عت للحص ول على
الترخيص لبناء مركز إسالمي مكان مخزن لألغذية الطبية سبق أن اقتناه ط بيب مس لم .و في مدين ة مورفريزب ورو بوالي ة تينيس ي
ع ارض الم آت في مس يرة ،ي دعمهم المرش حون الجمهوري ون ،بن اء مرك ز إس المي كب ير ،حس ب موق ع نيوي ورك ت ايمز ،و هي
المعارضة الثالثة من نوعها خالل السنتين الفارطة و الحالية.
و ينقسم المعارضون لبناء "دار قرطبة" إلى ثالث ة أقس ام .يض م القس م األول بعض السياس يين عن الح زب الجمه وري ،خصوص ا
المرشحة السابقة لمنصب نائب الرئيس األمريكي سارا بيلن التي شبهت بناء المرك ز "بطعن ة في القلب" ،و المتح دث الس ابق باس م
مجلس النواب األمريكي نيوت غينغريش الذي عزا رفضه إل "عدم وجود أية كنيسة بالعربية الس عودية" .باإلض افة إلى عالقتهم ا
بالحركات اليمينية التي تعارض بناء "دار قرطبة" فالركوب على الموضوع يشكل حملة سابقة ألواتها في االنتخابات النص فية ال تي
ستعرفها الواليات المتحدة شهر نون بر المقب ل .و يض م القس م الث اني بعض المس لمين الس ابقين ال ذين لم يكتف وا باالرت داد عن دينهم
فحسب بل انطلقوا في حمالت و ألفوا كتابات و انشؤوا جمعيات لتشويه اإلسالم مثل وليد شويبات ،العضو السابق بمنظم ة التحري ر
الفلسطينية ،واألمريكية من أصل سوري وفاء سلطان ،و منوشهر ب اخ ،القائ د الس ابق بالبحري ة اإليراني ة قب ل س قوط مملك ة الش اه
بهلوي ،و الصحفية المصرية-األمريكي ة ن وني درويش .و الط رف الث الث ه و جمعي ة يهودي ة ص هيونية ت دعى عص بة معارض ة
التشويه (.)Anti-Defamation League
و ما يجمع هذه األطراف كخط ناظم هو دعمها إلسرائيل .و هو أمر من الواضحات بالنسبة للقسمين األول و الثالث .بالنس بة للقس م
الثاني ،فهم قد تنصروا ثم لم يعد لهم هم سوى الدفاع المستميت عن إسرائيل .مثال نوني درويش هي مؤسسة جمعية (عرب من أجل
إسرائيل) ،بينما وليد شويبات "يرفع صوته من أجل أمريكا و إسرائيل" ،كما يقول على موقعه الخاص في اإلنترنت ،ووفاء س لطان
معروفة باإلسالموفوبيا العاتية و الدعم الالمشروط للكيان الصهيوني .و ال يستبعد أن يكون من دوافع هذا التصعيد أنه رد فعل على
تنامي التعاطف الشعبي و الوعي بحقيقة القضية الفلسطينية ،يتجسد ذلك في المظ اهرات ال تي خ رج فيه ا الن اس الس تنكار الع دوان
على غزة و كذلك ،و ألول مرة في تاريخ الواليات المتحدة ،خرج حوالي 1000متظاهر يوم 2010-06-20للتضامن م ع ض حايا
أسطول الحرية عبر منع باخرة شحن صهيونية من الرسو بميناء أوكالند بكاليفورنيا ،منادين بالحري ة لفلس طين و بوق ف المعون ات
األمريكية للصهاينة و بإنهاء أبارتايد القرن الواحد و العشرين في غزة .و هو حدث يحمل قيمة رمزية أكثر من أي شيء آخر ،و إن
كان يؤشر لخطوة على درب تراكم الوعي الشعبي.
في خطابه إلى العالم اإلسالمي بالقاهرة يوم رابع يونيو ،2009و الذي حمل عنوان "بداية جديدة" ( ،)A New Beginningقال
الرئيس األمريكي بأنه يعترف بحق المسلمين في أمريكا في أداء الزكاة باعتبارها حقا من الحقوق التي تكفله ا الحري ة الديني ة بع دما
صادرها سلفه بإلصاقها مباشرة بتمويل ما يسمى اإلرهاب .و لعل المسلمين أحوج إلى االعتراف بالحق في بناء أم اكن الص الة قب ل
ذلك .و ما يقع اليوم ،مع تفضيل الرئيس عدم التدخل باعتبار القضية تخص والية كاليفونيا ،سيؤدي حتم ا إلى تن اقص ش عبية أوبام ا
داخليا كما تناقصت في العالمين العربي و اإلسالمي بحسب إحصاءات مراكز البحث المتخصصة.
بكلمة ،نتمنى أن يكون األمر سحابة صيف ما تفتأ تنقشع فيعلو صوت المسلمين و بعض الساسة و رج ال ال دين الكاثولي ك و اليه ود
و األساتذة الجامعيون مثل الدكتور ج ون إس بوزيتو وك ل من يس عى إلى التمي يز بين اإلس الم و م ا يس مى اإلره اب ،ح تى تض من
الحقوق حسب مقتضيات القانون األمريكي فيما يتعلق بحرية الممارسة الدينية من جه ة ،و ح تى ال تص بح قض ايا المس لمين ورق ة
يتالعب بها كلما اقتربت االنتخابات.