Professional Documents
Culture Documents
آداب الزفاف
آداب الزفاف
المكتب السلمي
ط 1409هـ
1
بسم ال الرحمن الرحيم
مقدمة
حمدًا ل ،وصلًة وسلمًا على نبيه وآله وصحبه ومن واله ،وعلى كل من اهتدى
بهداه.
أما بعد :فقد كان الباعث على تأليف هذه الرسالة وإخراجها للناس لول مرة ،تحقيق
رغبة أخينا في ال تبارك وتعالى الستاذ عبد الرحمن ألباني ،فإنه -جزاه ال خيرًا-
اقترح تأليفها بمناسبة بنائه على زوجه ،ففعلت ،ثم قام هو بطبعها على نفقته ،
ووزعها مجانًا في حفلة زفافه ،مكان ما جرى الناس عليه من توزيع السكاكر
والحلويات وغيرها ،مما ل يبقى أثره ول يدوم نفعه ،فكان ذلك منه سنة حسنة ،من
حسناته الكثيرة -إن شاء ال -ما أحوج المسلمين إلى القتداء به فيها ،والسير على
منوالها.
ثم لما نفدت نسخ الطبعة الولى ،وكان من تمام
][6
الستفادة منها ،تعميم نشرها على الناس في مختلف القطار والمصار ،رأى
ي بالطلب ،فاستجبت لذلك ،وتفرغت له بعض كثيرون إعادة طبعها ،وألحوا عل ّ
الوقت ،فأضفت إليها زيادات كثيرة ،فاتني إيرادها في الطبعة الولى بسبب السرعة
التي تم بها تأليفها وإخراجها.
وقد رأيت أن أوسع الكلم في بعض المسائل الهامة التي أساء بعض الناس فهمها في
هذا العصر أو قبله ،فبينت -ما استطعت -خطأهم فيها ،وبعدهم عن الصواب فيما
قالوه حولها ،وذلك بالحجة والبرهان ،ليكون القارئ الكريم على بينة من أمره،
وبصيرة من دينه ،فل يتأثر بشبهات الشاكين ،وجدال المبطلين ،وقلة السالكين ،في
زمن أصبح التمسك فيه بالسنة غريبًا في بني دينه المحاولين التمسك به ،فكيف هو
في المخالفين له ،الصادين عنه؟!
أسأل ال تبارك وتعالى أن يجعلنا من عباده القليل الذين قال فيهم نبيه صلى ال عليه
وسلم:
ن السلم بدأ غريبًا ،وسيعود غريبًا كما بدأ وإ ّ
][7
فطوبى للغرباء (( مسلم .
وأقدم بين يدي الرسالة الكلمة الهامة التي كان العلمة الشيخ محب الدين الخطيب
تفضل بكتابتها وطبعها في مقدمة الطبعة الولى ،لما فيها من فوائد ومواعظ ،وهي
في رأيي تمهيد قوي لنساء هذا العصر لكي يتيسر لهن العمل بما جاء في هذه الرسالة
مما لم يألفنه ،بل ولم يسمعن به من قبل ،فاللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه ،وأرنا
ل وارزقنا اجتنابه ،إنك سميع مجيب. الباطل باط ً
دمشق في 25/10/1376هـ .
2
][9
مقدمة الطبعة الولى
بقلم فضيلة الشيخ محب الدين الخطيب
بسم ال الرحمن الرحيم
الحمد ل رب العالمين ،ول رب لهم غيره ،ول يطاع في السر والعلن سواه ،وصلى
ال على معلم الناس الخير محمٍد هادي النسانية إلى سنة الحق ،وعلى آله وصحبه
وسلم.
وبعُد؛ فإن جماهير المسلمين ل يزالون في مثل عقول الطفال؛ يلهيهم ما يلهي
الطفال ،يلهيهم ما يلهي الطفال ،ويصرفهم عن مناهج الخير وأهداف الحق كل ما
يصرف الطفال من ألعيب وتوافه وأوهام ،حتى يتحروا سنة السلم في العتدال،
وهدايته في التحرر من كل ما استعبدوا له من الملهي والسفاسف والزخارف
والشهوات ،وحينئذ
][10
يرجعون إلى ربهم ،فيحفظ لهم عقولهم ،ويبارك لهم في أوقاتهم وأعمالهم وجهودهم،
ويدخر لهم ثروتهم وأسباب قوتهم ،فيستعملونها فيما ينفعهم ،ويكون بهم عزهم،
ويعلو به سلطانهم.
وتحري سنة السلم في العتدال ،والنتفاع بهدايته في التحرر من السفاسف التي
صار السملمون مستعبدين لها منذ أكثر من ألف سنة ،يتوقف على أمرين:
أحدهما :إخلص العلماء العاملين الذين يبينون للمة سنن دينها في كل ناحية من
النواحي التي تتناولها رسالة السلم.
والثاني :ازدياد عدد المسلمين الذين يوطنون أنفسهم في ترديد ذلك البيان العلمي
بالعمل به ،حتى يتلقاه عنهم بالقدوة من ل يتيسر لهم تلقيه بالدرس والتعلم.
وهذه الرسالة اللطيفة نموذج لناحية من النواحي التي تناولتها رسالة السلم بالسنن
الصحيحة عن معلم
][11
الناس الخير صلى ال عليه وسلم ،في حفلت الزفاف وآدابه وولئمه ،وهي الناحية
التي أسرف فيها المسلمون بالبعد عن سنن السلم ،حتى أوغلوا ل في الجاهلية
الولى التي امتازت -في هذه الناحية -بفطرة العروبة وتحررها من بذخ المترفين ،بل
في الجاهلية الطارئة التي تشبهت فيها كل طبقة بالطبقة التي سبقتها إلى النار ،حتى
أصبحت أعباء الزواج وتكاليفه فوق طاقة الناس ،فكادوا ينصرفون عنه -وهو في
نفسه من سنة السلم -لنهم انصرفوا فيه عن سنن السلم ،فأوقعهم ذلك في شر
أنواع الجاهلية.
وبعد أن تهيأت لهذه الرسالة المناسبة التي عينت موضوعها ،تهيأ لها مؤلف من
دعاة السنة الذين وقفوا حياتهم على العمل لحيائها ،وهو أخونا بالغيب الشيخ أبو عبد
الرحمن محمد ناصر نوح نجاتي اللباني ،فوضع بين أيدي المسلمين النصوص
الصحيحة والحسنة من سنة رسول ال صلى ال عليه وسلم في آداب الزفاف ،وحبذا
لو كان قد اّتسع له الوقت وواتته السباب ،فاستقصى كل ماورد من ذلك في الحياة
3
الزوجية ،وآداب البيت ،وما ينبغي أن تكون عليه السرة السلمية .ولكن ظهور
الهلل في
][12
ل.
ليلته الولى ،قد يشعر بما يليه من مطالع صفحات القمر حتى يكون بدرًا كام ً
وكما تهيأ لهذه الرسالة موضوعها والمؤلف الذي يستوفيه ،تهيأ لها كذلك المسلم
الول والمسلمة الولى اللذان آليا أن يكونا قدوة للمسلمين في العتدال والتحرر من
العبودية للسفاسف والملهي وتوافه العادات ،عندما استخارا ال ،فخار لهما أن يبنيا
البيت المسلم الطاهر ،والسرة السلمية المتحررة من تقاليد الجاهلية الجنبية عنا،
والطارئة علينا .فأرجو ال عز وجل أن يأخذ بيد أخي المؤمن المجاهد الستاذ السيد
عبد الرحمن الباني في جميع مراحل حياته ،حتى يحقق له آماله ،ملتزمًا سنة السلم
في ذلك ما استطاع.
ل من تاريخ نساء العروبة وأختم هذه الكلمة بأن أضرب لعروسه المسلمة الفاضلة مث ً
والسلم ،ينبغي لكل مسلمة أن تجعله نصب عينيها ،لتكون من الخالدات إن شاء ال.
إن فاطمة بنت أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان
][13
كان لبيها -يوم تزوجت -السلطان العظم على الشام والعراق والحجاز واليمن
وإيران والسند وقفقاسيا والقرم وما وراء النهر إلى نجارا وجنوة شرقًا ،وعلى مصر
والسودان وليبيا وتونس والجزائر والمغرب القصى وإسبانيا غربًا .ولم تكن فاطمة
هذه بنت الخليفة العظم وحسب ،بل كانت كذلك أخت أربعة من فحول خلفاء
السلم ،وهم :الوليد بن عبد الملك ،وسليمان بن عبد الملك ،ويزيد بن عبد الملك،
وهشام بن عبد الملك ،ويزيد بن عبد الملك ،وهشام بن عبد الملك ،وكانت فيما بين
ذلك زوجة أعظم خليفة عرفه السلم بعد خلفاء الصدر الول ،وهو أمير المؤمنين
عمر بن عبد العزيز.
وهذه السيدة التي كانت بنت خليفة ،وزوجة خليفة ،وأخت أربعة من الخلفاء ،خرجت
من بيت أبيها إلى بيت زوجها يوم زفت إليه وهي مثقلة بأثمن ما تملكه امرأة على
وجه الرض من الحلي والمجوهرات ،ويقال :إن من هذه الحلي قرطي مارية اللذين
اشتهرا في التاريخ ،وتغنى بهما الشعراء ،وكانا وحدهما يساويان كنزًا .ومن فضول
القول أن أشير إلى أن عروس عمر بن
][14
عبد العزيز كانت في بيت أبيها تعيش في نعمة ل تعلوا عليها عيشة امرأة أخرى في
الدنيا لذلك العهد ،ولو أنها استمرت في بيت زوجها تعيش كما كانت تعيش قبل ذلك
لتمل كرشها في كل يوم وفي كل ساعة بأدسم المأكولت وأندرها وأغلها ،وتنعم
نفسها بكل أنواع النعيم الذي عرفه البشر ،لستطاعت ذلك .إل أني ل أذيع مجهو ً
ل
بين الناس إن قلت :إن عيشة البذخ والترف قد تضرها في صحتها من حيث يتمتع
بالعافية المعتدلون ،وقد تكسبها هذه العيشة الحقد والحسد والكراهية من أهل الفاقة
والمعدمين ،زد على ذلك أن العيشة مهما اختلفت ألوانها تكون مع العتياد مألوفة
ومملولة ،والذين بلغوا من النعيم أقصاه يصدمون بالفاقة عندما تطلب أنفسهم ما رواه
4
ذلك ،فل يجدونه ،بينما المعتدلون يعملون أن في متناول أيديهم وراء الذي هم فيه،
وأنهم يجدونه متى شاؤوا ،غير أنهم اختاروا التحرر منه ومن سائر الكماليات،
ليكونوا أرفع منها ،وليكونوا غير مستعبدين لشهواتها ،ولذلك اختار الخليفة العظم
عمر بن عبد العزيز -في الوقت الذي كان فيه أعظم ملوك الرض -أن
][15
تكون نفقة بيته بضعة دراهم في اليوم ،ورضيت بذلك زوجة الخيلفة التي كانت بنت
خليفة وأخت أربعة من الخلفاء ،فكانت مغتبطة بذلك؛ لنها تذوقت القناعة ،وتمتعت
بحلوة العتدال ،فصارت هذه اللذة وهذه الحلوة أطيب لها وأرضى لنفسها من كل
ما كانت تعرفه قبل ذلك من صنوف البذخ وألوان الترف .بل اقترح عليها زوجها أن
تترفع عن عقلية الطفولة فتخرج عن هذه اللعيب والسفاسف التي كانت تبهرج بها
أذنيها وعنها وشعرها ومعصميها مما ل يسمن ول يغني من جوع ،ولو بيع لشبع
ثمنه بطون شعب برجاله ونسائه وأطفاله ،فاستجابت له ،واستراحت من أثقال الحلي
والمجوهرات واللليء والدرر التي حملتها معها من بيت أبيها ،فبعثت بذلك كله إلى
بيت مال المسلمين .وتوفي عقب ذلك أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز ولم يخلف
لزوجته وأولده شيئًا ،فجاءها أمين بيت المال ،وقال لها :إن مجوهراتك يا سيدتي ل
تزال كما هي ،وإني اعتبرتها أمانة لك ،وحفظتها لهذا اليوم ،وقد جئت أستأذنك في
إحضارها .فأجابته بأنها وهبتها لبيت مال المسلمين طاعة
][16
لمير المؤمنين ،ثم قالت)) :وما كنت لطيعه حيًا وأعصيه ميتًا (( .وأبت أن تسترد
من مالها الحلل الموروث ما يساوي المليين الكثيرة ،في الوقت الذي كانت محتاجة
فيه إلى دريهمات ،وبذلك كتب ال لها الخلود ،وها نحن نتحدث عن شرف معدنها،
ورفيع منزلتها بعد عصور وعصور ،رحمها ال ،وأعلى مقامهما في جنات النعيم.
إن أهنأ العيش هو العيش المعتدل في كل شيء ،وكل عيش مهما خشن أو نعم ،إذا
اعتاده أهله ألفوه وارتاحوا إليه ،والسعادة هي الرضا ،والحر هو الذي يتحرر من كل
ما يستطيع الستغناء عنه ،وذلك هو الغنى بالمعنى السلمي والمعنى النساني،
جعلنا ال من أهله.
17ذي الحجة سنة 1371هـ
7سـبتمبر سـنة 1952م
محب الدين الخطيب
5
][17
بسم ال الرحمن الرحيم
الحمد ل القائل في محكم كتابه﴿ :ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا
إليها وجعل بينكم موّدة ورحمة﴾ ]الروم .[21 :والصلة والسلم على نبيه محمد الذي
ورد عنه فيما ثبت من حديثه)) :تزّوجوا الودود الولود ،فإني مكاثر بكم النبياء يوم
القيامة (( رواه أحمد والطبراني بسند صحيح.
وبعد؛ فإن لمن تزوج وأراد الدخول بأهله آدابًا في السلم ،قد ذهل عنها ،أو جهلها
أكثر الناس ،حتى المتعبدين منهم ،فأحببت أن أضع في بيانها هذه الرسالة المفيدة
بمناسبة زفاف أحد الحبة ،إعانة له ولغيره من الخوة المؤمنين ،على القيام بما
شرعه سيد المرسلين.
][18
عن رب العالمين ،وعقبتها بالتنبيه على بعض المور التي تهم كل متزوج ،وقد
ابُتلي بها كثير من الزوجات.
اسأل ال تعالى أن ينفع بها ،وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم ،إنه هو البر الرحيم.
وليعلم أن آداب الزفاف كثيرة ،وإنما يعنيني منها في هذه العجالة؛ ما ثبت منها في
السنة المحمدية ،مما ل مجال لنكارها من حيث إسنادها ،أو محاولة التشكيك فيها من
جهة مبناها؛ حتى يكون القائم بها على بصيرة من دينه ،وثقة من أمره ،وإني لرجو
أن يختم ال له بالسعادة ،جزاء افتتاحه حياته الزوجة بمتابعة السنة ،وأن يجعله من
عباده الذين وصفهم بأن من قولهم﴿ :ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قّرة أعين
واجعلنا للمتقين إماما﴾] .الفرقان .[74 :والعاقبة للمتقين كما قال رب العالمين﴿ :إن
المتقين في ظلل وعيون .وفواكه مما يشتهون .كلوا واشربوا هنيئًا بما كنتم تعملون .
إنا كذلك نجزي المحسنين﴾ ]المرسلت.[44 -41 :
وهاك تلك الداب:
][19
-1ملطفة الزوجة عند البناء بها:
يستحب له إذا دخل على زوجته أن يلطفها ،كأن يقدم إليها شيئًا من الشراب ونحوه؛
لحديث أسماء بنت يزيد بن السكن ،قالت:
))إني قّينت) ( 1عائشة لرسول ال صلى ال عليه وسلم ،ثم جئته فدعوته لجلوتها ،
)(2
فجاء ،فجلس إلى جنبها ،فأتي بُعس) ( 3لبن ،فشرب ،ثم ناولها النبي صلى ال عليه
وسلم فخضت رأسها واستحيت ،قالت أسماء :فانتهرتها ،وقلت لها :خذي من يد النبي
صلى ال عليه وسلم ،قالت :فأخذت ،فشربت شيئًا ،ثم قال لها النبي صلى ال عليه
وسلم :أعطي تربك) ،( 4قالت أسماء :فقلت :يا رسول ال! بل خذه فاشرب منه ثم
) ( أي :زينت. 1
) ( أي :صديقتك. 4
6
ناولنيه من يدك ،فأخذه فشرب منه ثم ناولنيه ،قالت :فجلست ،ثم وضعته على
ركبتي ،ثم طفقت أديره وأتبعه بشفتي
][20
لصيب منه شرب النبي صلى ال عليه وسلم ،ثم قال لنسوة عندي)) :ناوليهن ((،
فقلن :ل نشتيه! فقال صلى ال عليه وسلم)) :ل تجمعن جوعًا وكذبًا ((أخرجه أحمد
بإسنادين يقوي أحدهما الخر .والحميدي في مسنده .وله شاهد في الطبراني.
-2وضع اليد على رأس الزوجة والدعاء لها:
وينبغي أن يضع يده على مقدمة رأسها عند البناء بها أو قبل ذلك ،وأن يسمي ال
تبارك وتعالى ،ويدعو بالبركة ،ويقول ما جاء في قوله صلى ال عليه وسلم:
))إذا تزوج أحدكم امرأة ،أو اشترى خادمًا] ،فليأخذ بناصيتها[) ] ،( 5وليسم ال عز
وجل[] ،وليدع بالبركة[ ،وليقل:
][20
اللهم إني أسألك من خيرها وخير ما جبلتها عليه ،وأعوذ بك من شّرها وشر ما جبلتها
عليه.
]وإذا اشترى بعيرًا فليأخذ بذروه سنامه ،وليقل مثل ذلك[ (( .البخاري وأبو داود وابن
ماجه والحاكم والبيهقي.
][22
-3صلة الزوجين معًا:
ويستحب لهما أن يصليا ركعتين معًا ،لنه منقول عن السلف .وفيه أثران:
الول :عن أبي سعيد مولى أبي أسيد قال:
))تزوجت وأنا مملوك ،فدعوت نفرًا من أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم فيهم ابن
مسعود وأبو ذر وحذيفة ،قال :وأقيمت الصلة ،قال :فذهب أبو ذر ليتقدم ،فقالوا:
إليك! قال :أو كذلك؟ قالوا :نعم ،قال :فتقدمت بهم وأنا عبد مملوك ،وعلموني فقالوا:
))إذا دخل عليك أهلك فصل ركعتين ،ثم سل ال من خير ما دخل عليك ،وتعوذ به
من شره ،ثم شأنك وشأن أهلك (( .أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف .وعبد الرزاق.
][23
الثاني :عن شقيق قال:
))جاء رجل يقال له :أبو حريز ،فقال :إني تزوجت جارية شابة ]بكرًا[ ،وإني أخاف
أن تفركني ،فقال عبد ال ) يعني ابن مسعود (:
][24
))إن اللف من ال ،والفرك من الشيطان ،يريد أن يكّره إليكم ما أحل ال لكم؛ فإذا
أتتك فأمرها أن تصلي وراءك ركعتين (( .زاد في رواية أخرى عن ابن مسعود:
ي ،اللهم اجمع بيننا ما جمعت بخير؛ ))وقل :اللهم بارك لي في أهلي ،وبارك لهم ف ّ
وفرق بيننا إذا فرقت إلى خير (( .وعبد الرزاق وسنده صحيح ،والطبراني بسندين
صحيحين.
7
][26
-4ما يقول حين يجامعها:
وينبغي أن يقول حين يأتي أهله:
))بسم ال ،اللهم جنبنا الشيطان ،وجنب الشيطان ما رزقتنا ((.
قال صلى ال عليه وسلم :
))فإن قضى ال بينما ولدًا؛ لم يضره الشيطان أبدًا (( البخاري وبقية أصحاب السنن
إل النسائي.
][27
-5كيف يأتيها:
ويجوز له أن يأتيها في ُقُبلها من أي جهة شاء ،من خلفها أو من أمامها ،لقول ال
تبارك وتعالى﴿ :نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أّنى شئتم﴾ ،أي :كيف شئتم؛ مقبلة
ومدبرة ،وفي ذلك أحاديث أكتفي باثنين منها:
الول عن جابر رضي ال عنه قال:
))كانت اليهود تقولك إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها كان الولد أحول!
ث لكم فأتوا حرثكم أّنى شئتم﴾ ]فقال رسول ال صلى ال عليه فنزلت﴿ :نساؤكم حر ٌ
وسلم :مقبلة ومدبرة إذا كان ذلك في الفرج[ (( .البخاري ومسلم والنسائي.
][28
الثاني :عن ابن عباس ،قال:
))كان هذا الحي من النصار؛ وهم أهل وثن ،مع هذا الحي من يهود ،وهم أهل
ل عليهم في العلم ،فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم ،وكان كتاب ،وكانوا يرون لهم فض ً
من أمر أهل الكتاب أن ل يأتوا النساء إل على حرف ،وذلك أستر ما تكون المرأة،
فكان هذا الحي من النصار قد أخذوا بذلك من فعلهم ،وكان هذا الحي من قريش
يشرحون النساء شرحًا منكرًا ،ويتلذذون منهن مقبلت ومدبرات ومستلقيات؛ فلما قدم
المهاجرون المدينة ،تزوج رجل منهم امرأة من النصار ،فذهب يصنع بها ذلك،
فأنكرته عليه ،وقالت :إنما كنا ُنؤتى على حرف ،فاصنع ذلك وإل فاجتنبني ،حتى
شري أمرها ،فبلغ ذلك رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فأنزل ال عز وجل﴿ :نساؤكم
ث لكم فأتوا حرثكم أّنى شئتم﴾ .أي :مقبلت ومدبرات ومستلقيات ،يعني بذلك حر ٌ
موضع الولد ((أبو داود والحاكم.
][29
-6تحريم الدبر:
ث لكم فأتوا حرثكمويحرم عليه أن يأتيها في دبرها لمفهوم الية السابقة﴿ :نساؤكم حر ٌ
أّنى شئتم﴾،
][30
والحاديث المتقدمة ،وفيه أحاديث أخرى:
الول :عن أم سلمة رضي ال عنها قالت:
))لما قدم المهاجرون المدينة على النصار تزوجوا من نسائهم ،وكان المهاجرون
يجّبون ،وكانت النصار ل تجّبي ،فأراد رجل من المهاجرين امرأته على ذلك ،فأبت
8
عليه حتى تسأل رسول ال صلى ال عليه وسلم ،قالت :فأتته ،فاستحيت أن تسأله،
فسألته أم سلمة ،فنزلت﴿ :نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أّنى شئتم﴾ ،وقال :ل؛ إل في
صمام واحد ((أحمد،والترمذي وصححه ،وأبو يعلى ،والبيهقي وإسناده صحيح على
شرط مسلم.
][31
الثاني :عن ابن عباس رضي ال عنه قال:
))جاء عمر بن الخطاب إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال :يا رسول ال!
هلكت .قال :وما الذي أهلكك؟ قال :حولت رحلي الليلة ،فلم يرد عليه شيئًا ،فأوحي
ث لكم فأتوا حرثكم أّنى
إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم هذه الية﴿ :نساؤكم حر ٌ
ل وأدِبْر ،واتقل الدبر والحيضة ((النسائي والترمذي والطبراني شئتم﴾ ،يقول :أقِب ْ
والواحدي بسند حسن.وحسنه الترمذي.
][32
الثالث :عن خزيمة بن ثابت رضي ال عنه :
ل سأل النبي صلى ال عليه وسلم عن إتيان النساء في أدبارهن ،أو إتيان ))أن رج ً
الرجل امرأته في دبرها؟ فقال صلى ال عليه وسلم :حلل .فلما وّلى الرجل دعاه ،أو
أمر به فدعي ،فقال :كيف قلت؟ في أي الخربتين ،أوفي الخرزتين ،أو في أي
الخصفتين؟ أمن دبرها في قبلها؟ فنعم ،أم من دبرها في دبرها؟ فل ،فإن ال ل
يستحي من الحق ،ل تأتوا النساء في أدبارهن ((الشافعي وقواه،
والدارمي،والطحاوي ،والخطابي وسنده صحيح .
][33
ل يأتي امرأته في دبرها (( .النسائي والترمذي وابن الرابع)) :ل ينظر ال إلى رج ٍ
حبان وسنده حسن ،وحسنه الترمذي ،وصححه ابن راهويه.
شهن .يعني :أدبارهن ((.ابن عدي بسند الخامس)) :ملعون من يأتي النساء في محا ّ
حسن.
السادس)) :من أتى حائضًا ،أو امرأة في دبرها ،أو كاهنًا فصدقه بما يقول؛ فقد كفر
بما ُأنزل على محمد (( أصحاب السنن إل النسائي.
][35
-7الوضوء بين الجماعين:
وإذا أتاها في المحل المشروع ،ثم أراد أن يعود إليها توضأ لقوله صلى ال عليه
وسلم:
))إذا أتى أحدكم أهله ،ثم أراد أن يعود ،فليتوضأ ]بينهما وضوءًا[ ) وفي رواية:
وضوءه للصلة ( ]فإنه أنشط في العود[ (( مسلم وابن أبي شيبة ،وأحمد وأبو نعيم
والزيادة له.
-8الغسل أفضل:
لكن الغسل أفضل من الوضوء لحديث أبي رافع أن النبي صلى ال عليه وسلم طاف
ذات يوم على نسائه ،يغتسل عند هذه وعند هذه ،قال :فقلت له :يا رسول ال! أل
ل واحدًا؟ قال: تجعله غس ً
9
][36
))هذا أزكى وأطيب وأطهر (( .أبو داود ،والنسائي ،والطبراني،
-9اغتسال الزوجين معًا :
ويجوز لهما أن يغتسل معًا في مكان واحد ،ولو رأى منه ورأت منه ،وفيه أحاديث:
الول :عن عائشة رضي ال عنها قالت:
))كنت اغتسل أنا ورسول ال صلى ال عليه وسلم من إناء بيني وبينه واحد ]تختلف
أيدينا فيه[ ،فيبادرني حتى أقول :دع لي ،دع لي ،قالت :هما جنبان ((البخاري ومسلم
وأبو عوانة في ))صحاحهم ((.
][39
-10الثاني :عن معاوية بن حيدة قال:
قلت :يا رسول ال! عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال)) :احفظ عورتك إل من
زوجتك أو ما ملكت يمينك ((.قال:
][40
قلت :يا رسول ال! إذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال:
))إن استطعت أن ل يرينها أحد ،فل يرينها ((.
قال:
فقلت :يا رسول ال! إذا كان أحدنا خاليًا؟ قال:
))ال أحق أن يستحيى منه من الناس ((رواه أصحاب السنن إل النسائي.
][41
-10توضؤ الجنب قبل النوم:
جنبين إل إذا توضأ ،وفيه أحاديث: ول ينامان ُ
الول :عن عائشة رضي ال عنها قالت:
))كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا أراد أن ]يأكل أو[ ينام وهو جنب غسل
فرجه ،وتوضأ وضوءه للصلة (( البخاري ومسلم وأبو عوانة .
الثاني :عن ابن عمر رضي ال عنهما:
))أن عمر قال :يا رسول ال! أينام أحدنا وهو
][42
جنب؟ قال :نعم إذا توضأ (( ،وفي رواية:
))توضأ واغسل ذكرك ،ثم نم (( .وفي رواية:
))نعم ،ليتوضأ ثم لينم حتى يغتسل إذا شاء ((.
وفي أخرى:
))نعم ،ويتوضأ إن شاء (( أخرجه الثلثة في صحاحهم.
الثالث :عن عمار بن ياسر رضي ال عنه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال:
))ثالثة ل تقربهم الملئكة :جيفة الكافر ،والمتضمخ
][43
10
بالخلوق) ،( 6والجنب إل أن يتوضأ ((حديث حسن أبو داود وأحمد والطحاوي
والبيهقي.
-11حكم هذا الوضوء:
وليس ذلك على الوجوب ،وإنما للستحباب المؤكد ،لحديث عمر أنه سأل رسول ال
صلى ال عليه وسلم :أينام أحدنا وهو جنب؟ فقال:
))نعم ،ويتوضأ إن شاء ((ابن حبان في صحيحه.
][44
ويؤيده حديث عائشة قالت:
))كان رسول ال صلى ال عليه وسلم ينام وهو جنب من غير أن يمس ماًء ]حتى
يقوم بعد ذلك فيغتسل[ ((ابن أبي شيبة وأصحاب السنن إل النسائي.
][45
وفي رواية عنهما:
))كان يبيت جنبًا فيأتيه بلل ،فيؤذنه بالصلة ،فيقوم فيغتسل ،فأنظر إلى تحدر الماء
من رأسه ،ثم يخرج فأسمع صوته في صلة الفجر ،ثم يظل صائمًا .قال مطرف:
فقلت لعامر :في رمضان؟ قال :نعم ،سواء رمضان أو غيره (( ابن أبي شيبة وسنده
صحيح وأبو يعلى.
-12تيمم الجنب بدل الوضوء:
ويجوز لهما التيمم بدل الوضوء أحيانًا لحديث عائشة قالت:
))كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا أجنب فأراد أن ينام توضأ،
][46
أو تيمم (( البيهقي قال لحافظ في ))الفتح (( إسناده حسن.
-13اغتساله قبل النوم أفضل:
واغتسالهما أفضل ،لحديث عبد ال بن قيس قال:
][47
))سألت عائشة قلت :كيف كان صلى ال عليه وسلم يصنع في الجنابة؟ أكان يغتسل
قبل أن ينام ،أم ينام قبل أن يغتسل؟ قالت :كل ذلك قد كان يفعل ،ربما اغتسل فنام،
وربما توضأ فنام ،قلت :الحمد ل الذي جعل في المر سعة (( مسلم وأبو عوانة
وأحمد.
-14تحريم إتيان الحائض:
ويحرم عليه أن يأتيها في حيضها لقوله تبارك وتعالى﴿ :ويسألونك عن المحيض قل
هو أذى فاعتزلوا
][48
النساء في المحيض ول تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم
ب المتطهرين﴾.ال إن ال يحب التوابين ويح ّ
وفيه أحاديث:
) ( أي المكثر الطلخ بـ)الخلوق( بفتح المعجمة قال ابن الثير وهو طيب معروف 6
مركب من الزعفران وغيره من أنواع الطيب وإنما نهي عنه لنه من طيب النساء.
11
الول :من قوله صلى ال عليه وسلم:
))من أتى حائضًا ،أو امرأة في دبرها ،أو كاهنًا؛
][49
فصدقه بما يقول؛ فقد كفر بما أنزل على محمد (( حديث صحيح .رواه أصحاب
السنن وغيرهم.
الثاني :عن أنس بن مالك قال:
) إن اليهود كانت إذا حاضت منهم المرأة أخرجوها من البيت،ولم يؤاكلوها ،ولم
يشاربوها،ولم يجامعوها في البيت ،فسئل رسول ال صلى ال عليه وسلم عن ذلك،
فأنزل ال تعالى ذكره ﴿ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في
المحيض﴾ إلى آخر الية ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم :جامعوهن في
البيوت ،واصنعوا كل شيء؛ غير النكاح ،فقالت اليهود :ما يريد هذا الرجل أل يدع
شيئًا من أمرنا إل خالفنا فيه ،فجاء أسيد بن حضير وعّباد بن بشر إلى النبي صلى ال
ن في المحيض؟ عليه وسلم ،فقال يا رسول ال! إن اليهود تقول كذا وكذا ،أفل ننكحه ّ
فتمّعر وجه رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى ظنّنا أن قد وجد عليهما ،فخرجا،
فاستقبلتهما هدية من لبن إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فبعث في آثارهما
فسقاهما ،فظننا أنه لم يجد عليهما (( .مسلم وأبو عوانة وأبو دواد في صحاحهم.
][50
-15كفارة من جامع الحائض:
من غلته نفسه فأتى الحائض قبل أن تطهر من حيضها ،فعليه أن يتصدق بنصف
جنيه ذهب إنكليزي تقريبًا أو ربعها ،لحديث عبد ال بن عباس رضي ال عنه عن
النبي صلى ال عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض ،قال:
))يتصدق بدينار أو نصف دينار (( أخرجه أصحاب السنن والطبراني والدارمي
والحاكم.
][51
-16ما يحل له من الحائض:
ويجوز له أن يتمتع بما دون الفرج من الحائض ،وفيه أحاديث:
الول :قوله صلى ال عليه وسلم:
)) ...واصنعوا كل شيء إل النكاح ((.
][52
الثاني :عن عائشة رضي ال عنها قالت:
))كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يأمر إحدانا إذا كانت حائضًا أن تّتزر ،ثم
يضاجعها زوجها ،وقالت مرة :يباشرها ((البخاري ومسلم وأبو عوانة.
][53
الثالث :عن بعض أزواج النبي صلى ال عليه وسلم قالت :إن النبي صلى ال عليه
وسلم :
))كان إذا أراد من الحائض شيئًا ألقى على فرجها ثوبًا] ثم صنع ما أراد[ ((أبو داود
وسنده صحيح على شرط مسلم.
12
-17متى يجوز إتيانها إذا طهرت:
فإذا طهرت من حيضها ،وانقطع الدم عنها ،جاز له وطؤها بعد أن تغسل موضع الدم
منها فقط ،أو تتوضأ أو تغتسل ،أي ذلك فعلت ،جاز له إتيانها ،لقوله تبارك
][54
وتعالى في الية السابقة:
][55
ب المتطهرين﴾. ﴿فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم ال إن ال يحب التوابين ويح ّ
][58
-18جواز العزل:
ويجو له أن يعزل عنها ماءه ،وفيه أحاديث:
الول :عن جابر رضي ال عنه قال:
))كنا نعزل والقرآن ينزل (( ،وفي رواية:
))كنا نعزل على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فبلغ ذلك نبي ال صلى ال
عليه وسلم ،فلم ينهنا (( البخاري ومسلم والنسائي والترمذي.
الثاني :عن أبي سعيد الخدري قال:
))جاء رجل إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال :إن لي وليدة ،وأنا أعزل عنها،
وأنا أريد ما يريد الرجل ،وإن اليهود زعموا)) :أن الموءودة الصغرى العزل ((،
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم )) :كذبت يهود] ،كذبت يهود[ ،لو أراد ال أن
يخلقه لم تستطع أن تصرفه (( النسائي ،وأبو داود والترمذي.
][59
ل أتى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال :إن لي جارية الثالث :عن جابر أن رج ً
هي خادمينا وسانيتنا ،وأنا أطوف عليها ،وأنا أكره أن تحمل ،فقال:
))اعزل عنها إن شئت ،فإنه سيأتيها ما قدر لها (( ،فلبث الرجل ،ثم أتاه فقال :إن
الجارية قد حبلت! فقال:
))قد أخبرتك أنه سيأتيها ما قدر لها (( مسلم وأبو داود وأحمد .
][60
-19الولى ترك العزل:
ولكن تركه أولى لمور:
الول :أن فيه إدخال ضرر على المرأة لما فيه من تفويت لذتها ،فإن وافقت عليه ففيه
ما يأتي ،وهو:
الثاني :أنه يفوت بعض مقاصد النكاح ،وهو تكثير نسل أمة نبينا صلى ال عليه
وسلم ،وذلك قوله صلى ال عليه وسلم:
))تزوجوا الودود الولد فإني مكاثر بكم المم (( حديث صحيح ،رواه أبو داود
والنسائي.
][61
ولذلك وصفه النبي صلى ال عليه وسلم بالوأد الخفي حين سألوه عن العزل ،فقال:
))ذلك الوأد الخفي ((.مسلم والطحاوي وأحمد والبيهقي.
13
][61
ولهذا أشار صلى ال عليه وسلم إلى أن الولى تركه في حديث أبي سعيد الخدري
أيضًا ،قال:
][63
)) ُذكر العزل عند رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فقال :ولم يفعل ذلك أحدكم؟! -ولم
يقل :فل يفعل ذلك أحدكم -فإنه ليست نفس مخلوقة إل ال خالقها ) .وفي رواية (،
فقال :وإنكم لتفعلون ،وإنكم لتفعلون ،وإنكم لتفعلون؟ ما من نسمة كائنة إلى يوم
القيامة إل هي كائنة (( مسلم والنسائي ،وابن منده والبخاري.
][65
-20ما ينويان بالنكاح:
وينبغي لهما أن ينويا بنكاحمها إعفاف نفسيهما ،وإحصانهما من الوقوع فيما حرم ال
عليهما ،فإنه تكتب مباضعتهما صدقة لهما ،لحديث أبي ذر رضي ال عنه:
))أن أناسًا من أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم قالوا للنبي صلى ال عليه وسلم :
يا رسول ال! ذهب أهل الدثور بالجور ،يصلون كما نصلي ،ويصومون كما نصوم،
ويتصدقون بفضول أموالهم ،قال :أو ليس قد جعل ال لكم ما تصدقون؟ إن بكل
تسبيحة صدقة] ،وبكل تكبير صدقة ،وبكل تهليلة صدقة ،وبكل تحميدة صدقة[ ،وأمر
بالمعروف صدقة ،ونهي عن منكر صدقة ،وفي ُبضع أحدكم صدقة! قالوا :يا رسول
ال! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟! قال :أرأيتم لو وضعها في حرام أكان
عليها فيها وزر؟ ]قالوا :بلى ،قال [:فكذلك إذا وضعها في الحلل كان له ]فيها[ أجر،
]وذكر أشياء :صدقة ،صدقة ،ثم قال :ويجزئ من هذا كله ركعتا الضحى[ (( مسلم
والنسائي وأحمد.
][66
-21ما يفعل صبيحة بنائه:
وُيستحب له صبيحة بنائه بأهله أن يأتي أقاربه الذين أتوه في داره ،ويسلم عليهم،
ويدعو لهم ،وأن يقابلوه بالمثل لحديث أنس رضي ال عنه قال:
))أولم رسول ال صلى ال عليه وسلم إذ بنى بزينب ،فأشبع المسلمين خبزًا ولحمًا ،ثم
خرج إلى أمهات المؤمنين فسلم عليهن ،ودعا لهن ،وسلمن عليه ودعون له ،فكان
يفعل ذلك صبيحة بنائه (( أخرجه الحاكم والترمذي والنسائي وأحمد.
][67
-22وجوب اتخاذ الحّمام في الدار:
ويجب عليهما أن يتخذا حمامًا في دارهما ،ول يسمح لها أن تدخل حمام السوق ،فإن
ذلك حرام ،وفيه أحاديث:
الول :عن جابر رضي ال عنه قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم :
))من كان يؤمن بال واليوم الخر فل يدخل حليلته الحمام ،ومن كان يؤمن بال
واليوم الخر فل يدخل الحمام إل بمئزر ،ومن كان يؤممن بال واليوم الخر فل
يجلس على مائدة يدار عليها الخمر (( الحاكم والترمذي والنسائي.
][68
14
الثاني :عن أم الدرداء قالت:
خرجت من الحمام ،فلقيني رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فقال :من أين يا أم
الدرداء؟ قالت :من الحمام ،فقال:
))والذي نفسي بيده ،ما من أمرأة تضع ثيابها في غير بيت أحد من أمهاتها ،إل وهي
هاتكة كل ستر بينها وبين الرحمن (( أحمد والدولبي بإسنادين عنها ؛ أحدهما
صحيح.
][69
الثالث :عن أبي المليح قال:
دخل نسوة من أهل الشام على عائشة رضي ال عنها ،فقالت :ممن أنتن؟ قلن :من
أهل الشام ،قالت :لعلكن من الكورة التي تدخل نساؤها الحمام؟ قلن :نعم ،قالت :أما
إني سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول:
))ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيتها إل هتكت ما بينها وبين ال تعالى ((.
أصحاب السنن إل النسائي ،والدارمي والطيالسي ،وأحمد .
][70
-23تحريم نشر أسرار الستمتاع:
ويحرم على كل منهما أن ينشر السرار المتعلقة بالوقاع ،وفيه حديثان:
الول :قوله صلى ال عليه وسلم :
))إن من أشر الناس عند ال منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته ،وتفضي
إليه ،ثم ينشر سرها (( ابن أبي شيبة ،ومن طريقه مسلم ،وأحمد وأبو نعيم.
][71
الثاني :عن أسماء بنت يزيد أنها كانت عند رسول ال صلى ال عليه وسلم ،والرجال
والنساء قعود ،فقال:
ل يقول ما يفعل بأهله ،ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها؟! فأرّم ))لعل رج ً
القوم ،فقلت :إي وال يا رسول ال! إنهن ليفعلن ،وإنهم ليفعلون .قال:
))فل تفعلوا ،فإنما ذلك مثل الشيطان لقي شيطانة في طريق ،فغشيها والناس ينظرون
(( أحمد وله شاهد من عند ابن أبي شيبة ،وأبي داود ،والبيهقي ،وابن السني.
][72
-24وجوب الوليمة:
ول بد له من عمل وليمة بعد الدخول؛ لمر النبي صلى ال عليه وسلم عبد الرحمن
بن عوف بها كما يأتي ،ولحديث بريدة ابن الحصيب ،قال:
لما خطب علي فاطمة رضي ال عنه قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم:
)) إنه ل بد للعرس) وفي رواية للعروس ( من وليمة (( -أحمد والطبراني
والطحاوي .وإسناده كما قال الحافظ في الفتح)) :ل بأس به ((. -
][73
قال :فقال سعد علي كبش ،وقال فلن :علي كذا وكذا من ذرة ،وفي الرواية الخرى:
))وجمع له رهط من النصار أصوعًا ذرة ((.
-25السنة في الوليمة:
15
وينبغي أن يلحظ فيها أمورًا:
الول :أن تكون ثلثة أيام عقب الدخول ،لنه هو المنقول عن النبي صلى ال عليه
وسلم ،فعن أنس رضي ال عنه قال:
ل على الطعام (( ))بنى رسول ال صلى ال عليه وسلم بامرأة ،فأرسلني فدعوت رجا ً
البخاري والبيهقي.
][74
وعنه قال:
))تزوج النبي صلى ال عليه وسلم صفية ،وجعل عتقها صداقها ،وجعل الوليمة ثلثة
أيام (( أبو يعلى بسند حسن وهو في ))صحيح البخاري (( بمعناه.
الثاني :أن يدعو الصالحين إليها ،فقراء كانوا أو أغنياء ،لقوله صلى ال عليه وسلم:
))ل تصاحب إل مؤمنًا ،ول يأكل طعامك إل تقي (( أبو داود والترمذي ،والحاكم،
وأحمد.وقال الحاكم)) :صحيح السناد (( ووافقه الذهبي.
الثالث :أن يولم بشاة أو أكثر إن وجد سعة،
][75
لحديث أنس رضي ال عنه قال:
))إن عبد الرحمن بن عوف قدم المدينة ،فآخى رسول ال صلى ال عليه وسلم بينه
وبين سعد بن الربيع النصاري ]فانطلق به سعد إلى منزله ،فدعا بطعام فأكل[ ،فقال
ل ،فانظرله سعد :أي أخي! أنا أكثر أهل المدينة ) وفي رواية :أكثر النصار (ما ً
شطر مالي فخذه ) وفي رواية :هلم إلى حديقتي أشاطركها (( ،وتحتي امرأتان ]وأنت
أخي في ال ،ل امرأة لك[ ،فانظر أيهما أعجب إليك ]فسمها لي[ حتى أطلقها ]لك[
]فإذا انقضت عدتها فتزوجها[ ،فقال عبد الرحمن] :ل وال[ ،بارك ال لك في أهلك
ومالك ،دلوني على السوق ،فدلوه على السوق ،فذهب ،فاشترى وباع ،وربح] ،ثم
ط -لبن مجفف يابس مستجر يطبخ به -وسمن ]قد تابع الغدو[ فجاء بشيء من أِق ٍ
أفضله[ ]فأتى به أهل منزله[ ،ثم لبث ما شاء ال أن يلبث ،فجاء وعليه ردع زعفران
) وفي رواية :وضر من خلوق (،
][76
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم :مْهَيم؟ فقال :يا رسول ال! تزوجت امرأة ]من
النصار[ ،فقال :ما أصدقتها؟ قال :وزن نواة من ذهب ،قال] :فبارك ال لك[ أولم
ولو بشاة] ،فأجاز ذلك[ .قال عبد الرحمن :فلقد رأيتني ولو رفعت حجرًا لرجوت أن
سم لكل أمرأة من نسائه بعد أصيب ]تحته[ ]ذهبًا أو فضة[] ،قال أنس :لقد رأيته ُق ِ
موته مائة ألف دينار[ ((البخاري ،والنسائي ،وابن سعد ،والبيهقي.
][78
وعن أنس أيضًا:
))ما رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم أولم على امرأة من نسائه ما أولم على
زينب ،فإن ذبح شاة] ،قال :أطعمهم خبزًا ولحمًا حتى تركوه[ (( البخاري ومسلم .
][79
-26جواز الوليمة بغير لحم:
16
ويجوز أن تؤدى الوليمة بأي طعام تيسر ،ولم لم يكن فيه لحم ،لحديث أنس رضي ال
عنه قال:
))أقام النبي صلى ال عليه وسلم بين خيبر والمدينة ثلث ليال يبني عليه بصفية،
فدعوت المسلمين إلى وليمته ،وما كان فيها من خبز ول لحم ،وما كان فيها إل أن
أمر بالنطاع فبسطت) وفي رواية :فحصت الرض أفاحيص ،وجيء بالنطاع
فوضعت فيها ( ،فألقي عليها التمر والقط والسمن ]فشبع الناس[ (( البخاري
ومسلم.
][80
-27مشاركة الغنياء بمالهم في الوليمة:
ويستحب أن يشارك ذوو الفضل والسعة في إعدادها؛ لحديث أنس في قصة زواجه
صلى ال عليه وسلم بصفية قال:
))حتى إذا كان بالطريق جهزتها له أم سليم ،فأهدتها له من الليل ،فأصبح النبي صلى
ال عليه وسلم عروسًا ،فقال:
من كان عنده شيء فليجئ به ) ،وفي رواية :من كان عنده فضل زاد فليأتنا به (،
قال :وبسط نطعًا ،فجعل الرجل يجئ بالقط ،وجعل الرجل يجيء بالتمر ،وجعل
الرجل يأتي بالسمن ،فحاسوا حيسًا ]فجعلوا يأكلون من ذلك الحيس ويشربون من
حياض إلى جنبهم من ماء السماء[ ،فكانت وليمة رسول ال صلى ال عليه وسلم ((
الشيخان وأحمد.
][81
-28تحريم تخصيص الغنياء بالدعوة:
ول يجوز أن يخص بالدعوة الغنياء دون الفقراء؛ لقوله صلى ال عليه وسلم :
))شر الطعام طعام الوليمة ،يدعى لها الغنياء ،ويمنعها المساكين ،ومن لم يجب
الدعوة فقط عصى ال ورسوله (( مسلم ،والبيهقي ،وهو عند البخاري موقوفًا على
أبي هريرة.
-29وجوب إجابة الدعوة:
ويجب على من دعي إليها أن يحضرها ،وفيها حديثان:
][82
الول :فكوا العاني ،وأجيبوا الداعي ،وعودوا المريض (( البخاري .
الثاني)) :إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها] عرسًا كان أو نحوه[] ،ومن لم يجب
الدعوة ،فقد عصى ال ورسوله[ ((البخاري ومسلم وأحمد والبيهقي.
-30الجابة ولو كان صائمًا:
وينبغي أن يجيب ولو كان صائمًا ،لقوله صلى ال عليه وسلم :
][83
))إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب ،فإن كان مفطرًا فليطعم ،وإن كان صائمًا فليصل.
يعني :الدعاء (( مسلم والنسائي وأحمد والبيهقي.
-31الفطار من أجل الداعي:
17
وله أن يفطر إذا كان متطوعًا في صيامه ،ول سيما إذا ألح عليه الداعي ،وفيه
أحاديث:
الول)) :إذا دعي أحدكم إلى طعام فلُيجب ،فإن شاء طعم ،وإن شاء ترك (( مسلم
وأحمد والطحاوي.
][84
الثاني)) :الصائم المتطوع أمير نفسه ،إن شاء صام ،وإن شاء أفطر (( النسائي،
والحاكم ،والبيهقي .وقال الحاكم ))صحيح السناد (( ووافقه الذهبي.
][86
الثالث :حديث عائشة رضي ال عنها قالت:
دخل علي رسول ال صلى ال عليه وسلم يومًا فقال :هل عندكم شيء؟ فقلت :ل .قال:
فإني صائم .ثم مّر بي بعد ذلك اليوم وقد أهدي إلي حيس ،فخبأت له منه ،وكان يحب
الحيس ،قالت :يا رسول ال! إنه أهدي لنا حيس فخبأت لك منه .قال :أدنيه؛ أما إني قد
أصبحت وأنا صائم .فأكل منه ،ثم قال:
][87
))إنما مثل صوم المتطوع مثل الرجل يخرج من ماله الصدقة ،فإن شاء أمضاها،
وإن شاء حبسها (( النسائي بإسناد صحيح.
-32ل يجب قضاء يوم النفل:
ول يجب عليه قضاء ذلك اليوم ،وفيه حديثان:
الول :عن أبي سعيد الخدري قال)) :صنعت لرسول ال صلى ال عليه وسلم طعامًا،
فأتاني هو وأصحابه ،فلما وضع الطعام قال رجل من القوم :إني صائم ،فقال رسول
ال صلى ال عليه وسلم :دعاكم أخوكم وتكلف لكم! ثم قال له :أفطر وصم مكانه
يومًا إن شئت ((البيهقي بإسناد حسن.
][89
الثاني :عن أبي جحيفة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم آخى بين سلمان وبين أبي
الدرداء ،قال :فجاءه سلمان يزوره ،فإذا أم الدرداء متَبّذلة ،فقال :ما شأنك يا أم
الدرداء؟ قالت :إن أخاك أبا الدرداء يقوم الليل ويصوم النهار ،وليس له في شيء من
الدنيا حاجة! فجاء أبو الدرداء فرحب به ،وقرب إليه طعامًا ،فقال له سلمان :اطعم،
قال :إني صائم ،قال :أقسمت عليك لتفطرنه ،ما أنا بآكل حتى تأكل ،فأكل معه ،ثم
بات عنده ،فلما كان من الليل أراد أبو الدرداء أن يقوم ،فمنه سلمان وقال له :يا أبا
الدرداء! إن لجسدك عليك حقًا ،ولربك عليك حقًا] ،ولضيفك عليك حقا[ ،ولهلك
ل ،وائت أهلك ،وأعط كل ذي حق حقه ،فلما كان في عليك حقًا ،صم ،وأفطر ،وص ّ
وجه الصبح ،قال :قم الن إن شئت ،قال :فقاما فتوضآ ،ثم ركعا ،ثم خرجا إلى
الصلة ،فدنا أبو الدرداء ليخبر رسول ال صلى ال عليه وسلم بالذي أمره سلمان،
فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم :يا أبا الدرداء! إن لجسدك عليك حقًا ،مثل ما
قال سلمان) وفي رواية :صدق سلمان ( البخاري والترمذي ،والبيهقي.
][89
-33ترك حضور الدعوة التي فيها معصية:
18
ول يجوز حضور الدعوة إذا اشتملت على معصية ،إل أن يقصد إنكارها ومحاولة
إزالتها ،فإن ُأزيلت؛ وإل وجب الرجوع ،وفيه أحاديث:
الول :عن علي قال:
))صنعت طعامًا فدعوت رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فجاء فرأى في البيت
تصاوير ،فرجع ]قال :فقلت :يا رسول ال! ما أرجعك بأبي أنت وأمي؟ قال :إن في
البيت سترًا فيه تصاوير ،وإن الملئكة ل تدخل بيتًا فيه تصاوير[ (( ابن ماجه ،وأبو
يعلى بسند صحيح.
][90
الثاني :عن عائشة أنها اشترت ُنمُرقة فيها تصاوير ،فلما رآها رسول ال صلى ال
عليه وسلم قام على الباب ،فلم يدخل ،فعرفت في وجهه الكراهية ،فقلت :يا رسول
ال! أتوب إلى ال وإلى رسوله ،ماذا أذنبت؟ فقال صلى ال عليه وسلم :ما بال هذه
النمرقة؟ فقلت :اشتريتها لك لتقعد عليها وتوسدها ،فقال صلى ال عليه وسلم :
))إن أصحاب هذه الصور) وفي رواية :إن الذين يعملون هذه التصاوير ( يعذبون
يوم القيامة ،ويقال لهم :أحيوا ما خلقتم ،وإن البيت الذي فيه ]مثل هذه[ الصور ل
تدخله الملئكة] قالت :فما دخل حتى أخرجتها[ (( البخاري ومسلم .
][91
الثالث :قال :صلى ال عليه وسلم ) :من كان يؤمن بال واليوم الخر؛ فل يقعدن
على مائدة يدار عليها بالخمر ((.
][92
وعلى ما ذكرنا جرى عليه عمل السلف الصالح رضي ال عنهم ،والمثلة على ذلك
كثيرة جدًا ،فأقتصر على ما يحضرني الن منها:
أ -عن أسلم –مولى عمر -أن عمر بن الخطاب رضي ال عنه حين قدم الشام ،فصنع
له رجل من النصارى ،فقال لعمر :إني أحب أن تجيئني وتكرمني أنت وأصحابك –
وهو رجل من عظماء الشام -فقال له عمر رضي ال عنه :
))إنا ل ندخل كنائسكم من أجل الصور التي فيها (( البيهقي بسند صحيح.
][93
ل صنع له طعامًا ،فدعاه ،فقال :أفيب -عن أبي مسعود -عقبة بن عمرو -أن رج ً
البيت صورة؟ قال :نعم ،فأبى أن يدخل حتى كسر الصورة ثم دخل .البيهقي سنده
صحيح.
ج -قال المام الوزاعي:
))ل ندخل وليمة فيها طبل ول معزاف (( أبو الحسن الحربي.
][94
-34ما يستحب لمن حضر الدعوة:
ويستحب لمن حضر الدعوة أمران:
الول :أن يدعو لصاحبها بعد الفراغ بما جاء عنه صلى ال عليه وسلم وهو أنواع:
أ -عن عبد ال بن بسر أن أباه صنع للنبي صلى ال عليه وسلم طعامًا ،فدعاه،
فأجابه ،فلما فرغ من طعامه قال:
19
))اللهم اغفر لهم ،وارحمهم ،وبارك لهم فيما رزقتهم (( ابن أبي شيبة ,ومسلم ،وأبو
داود.
][95
ب -عن المقداد بن السود قال :قدمت أنا وصاحبان لي على رسول ال صلى ال
عليه وسلم .فأصابنا جوع شديد ،فتعرضنا للناس ،فلم يضفنا أحد ،فانطلق بنا رسول
ال صلى ال عليه وسلم إلى منزله؛ وعنده أربع أعنز ،فقال لي :يا مقداد جزئ ألبانها
بيننا أرباعًا ،فكنت أجزئه بيننا أرباعًا] ،فيشرب كل إنسان نصيبه ،ونرفع لرسول ال
صلى ال عليه وسلم نصيبه[ ،فاحتبس رسول ال صلى ال عليه وسلم ذات ليلة،
فحدثت أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قد أتى بعض النصار ،فأكل حتى شبع،
وشرب حتى روي ،فلو شربت نصيبه ) ! ( فلم أزل كذلك حتى قمت إلى نصيبه
فشربته) ! ( ثم غطيت القدح ،فلما فرغت أخذني ما قُدم وما حدث ،فقلت :يجيء
جيت] ،قال :وعلي شملة من رسول ال صلى ال عليه وسلم جائعًا ول يجد شيئًا ،فتس ّ
صوف كلما رفعت على رأسي خرجت قدماي ،وإذا أرسلت على قدمي خرج رأسي،
قال] [:وجعل ل يجيئني النوم[ ،وجعلت أحدث نفسي] ،قال :وأما صاحباي فناما[،
فبينا أنا كذلك؛
][96
إذ دخل رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فسلم تسليمة يسمع اليقظان ،ول يوقظ النائم،
]ثم أتى المسجد فصلى[ ،ثم أتى القدح فكشفه ،فلم ير شيئًا ،فقال:
))اللهم أطعم من أطعمني ،واسق من سقاني (( ،واغتنمت الدعوة] ،فعمدت إلى
سها
الشملة فشددتها علي[ ،فقمت إلى الشفرة فأخذتها ،ثم أتيت العنز ،فجعلت أجت ّ
أيها اسمن؛ ]فأذبح لرسول ال صلى ال عليه وسلم[ ،فل تمر يدي على ضرع واحدة
ل] ،فعمدت إلى إناء لل محمد ما كانوا يطعمون أن يحلبوا فيه[، إل وجدتها حاف ً
فحلبت حتى ملـ القدح ،ثم أتيت ]به[ رسول ال صلى ال عليه وسلم] ،فقال :أما
شربتم شرابكم الليلة يا مقداد؟ قال [:فقلت :اشرب يا رسول ال! فرفع رأسه إلي،
فقال :بعض سوآتك يا مقداد ،ما الخبر؟ قلت :اشرب ثم الخبر ،فشرب حتى روي ،ثم
ناولني فشربت ،فلما
][97
عرفت أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قد روي وأصابتني دعوته ،ضحكت ،حتى
ألقيت إلى الرض ،فقال :ما الخبر؟ فأخبرته ،فقال :هذه بركة نزلت من السماء ،فهل
أعلمتني حتى نسقي صاحبينا؟ فقلت] :والذي بعثك بالحق[ ،إذا أصابتني وإياك
البركة ،فما أبالي من أخطأت! .مسلم وأحمد وابن سعد وبعضه الترمذي وصححه.
الثاني :عن أنس أو غيره أن رسول ال صلى ال عليه وسلم] كان يزور النصار،
فإذا جاء إلى دور النصار جاء صبيان النصار يدورون حوله ،فيدعوا لهم ،ويمسح
رؤوسهم ويسلم عليهم ،فأتى إلى باب سعد بن عبادة فـ[ استأذن على سعد فقال:
السلم عليكم ورحمة ال ،فقال سعد :وعليك السلم ورحمة ال ،ولم ُيسمع النبي
صلى ال عليه وسلم حتى سلم ثلثًا ،ورد عليه سعد ثلثًا ،ولم ُيسمعه] ،وكان النبي
صلى ال عليه وسلم ل يزيد فوق ثلث تسليمات ،فإن أذن له،
20
][98
وإل انصرف[ ،فرجع النبي صلى ال عليه وسلم ،واتبعه سعد ،فقال :يا رسول ال!
بأبي أنت وأمي ما سلمت تسليمة إل هي بأذني ،ولقد رددت عليك ولم أسمعك ،أحببت
أن أستكثر من سلمك ومن البركة] ،فادخل يا رسول ال[ ،ثم أدخله البيت ،فقرب له
زبيبًا ،فأكل نبي ال صلى ال عليه وسلم ،فلما فرغ قال:
))أكل طعامكم البرار ،وصلت عليكم الملئكة ،وأفطر عندكم الصائمون (( .أحمد
والطحاوي والبيهقي وابن عساكر وإسنادهم صحيح.
][100
المر الثاني :الدعاء له ولزوجه بالخير والبركة ،وفيه أحاديث:
الول :عن جابر بن عبد ال رضي ال عنهما قال:
هلك أبي ،وترك سبع بنات أو تسع بنات ،فتزوجت امرأة ثيبًا ،فقال لي رسول ال
صلى ال عليه وسلم :تزوجت يا جابر؟ فقلت :نعم ،فقال :أبكرًا أم ثيبًا ،قلت :بل ثيبًا،
قال :فهل جارية تلعبها وتلعبك ،وتضاحكها وتضاحكك؟ فقلت له :إن عبد ال هلك
وترك ]تسع أو سبع[ بنات ،وإني كرهت أن أجيئهن بمثلهن ،فتزوجت امرأة تقوم
عليهن وتصلحهن ،فقال:
))بارك ال لك (( ،أو قال لي خيرًا .البخاري ومسلم .
][101
الثاني :عن بريدة رضي ال عنه قال :قال نفر من النصار لعلي :عندك فاطمة ،فأتى
رسول ال صلى ال عليه وسلم فسلم عليه ،فقال :ما حاجة ابن أبي طالب؟ فقال :يا
ل،
رسول ال! ذكرت فاطمة بنت رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فقال :مرحبًا وأه ً
لم يزد عليهما ،فخرج علي بن أبي طالب على أولئك الرهط من النصار ينتظرونه،
ل ،فقالوا :يكفيك من قالوا :ما وراءك؟ قال :ما أدري غير أنه قال لي :مرحبًا وأه ً
رسول ال صلى ال عليه وسلم إحداهما ،أعطاك الهل والمرحب ،فلما كان بعد ذلك،
بعدما زوجه قال :يا علي إنه ل بد للعروس من وليمة ،فقال سعد :عند كبش ،وجمع
له رهط من النصار أصوعًا من ذرة ،فلما كانت ليلة البناء ،قال :ل تحدث شيئًا حتى
تلقاني ،فدعا رسول ال صلى ال عليه وسلم بما فتوضأ فيه ،ثم أفرغه على علي،
فقال:
))اللهم بارك فيهما ،وبارك لهما في بنائهما ((.
][102
الثالث :عن عائشة رضي ال عنها قالت:
تزوجني النبي صلى ال عليه وسلم ،فأتتني أمي ،فأدخلتني الدار ،فإذا نسوة من
النصار في البيت ،فقلن:
))على الخير والبركة ،وعلى خير طائر ((.
الخامس :عن أبي هريرة أن النبي صلى ال عليه وسلم كان إذا رّفأ النسان إذا تزوج
قال:
21
))بارك اله لك ،وبارك عليك ،وجمع بينكما في ) وفي رواية :على ( خير (( أبو
داود ،والترمذي ،وكذا أبو علي الطوسي وصححاه ،والدارمي وأحمد والحاكم
والبيهقي.
][103
-35بالرفاء والبنين تهنئة الجاهلية:
ول يقول)) :بالرفاء والبنين ((؛ كما يفعل الذين ل يعلمون ،فإنه من عمل الجاهلية،
وقد ُنهي عنه في أحاديث ،منها :عن الحسن أن عقيل بن أبي طالب تزوج امرأة من
جشم ،فدخل عليه القوم ،فقالوا :بالرفاء والبنين ،فقال :ل تفعلوا ذلك ]فإن رسول ال
صلى ال عليه وسلم نهى عن ذلك[ ،قالوا :فما نقول يا أبا زيد؟ قال :قولوا :بارك ال
][104
لكم ،وبارك عليكم ،إنا كذلك كنا نؤمر .ابن أبي شيبة ،وعبد الرزاق ،والنسائي،وابن
ماجه ،والدارمي.
-36قيام العروس على خدمة الرجال:
ول بأس من أن تقوم على خدمة المدعوين العروس نفسها إذا كانت متسترة وأمنت
الفتنة ،لحديث سهل بن سعد قال:
][106
))لما عرس أبو أسيد الساعدي دعا النبي صلى ال عليه وسلم وأصحابه ،فما صنع
لهم طعامًا ،ول قدمه إليهم ،إل امرأته أم أسيد ،بّلت ) وفي رواية :أنقعت ( تمرات في
تور من حجارة من الليل ،فلما فرغ النبي صلى ال عليه وسلم من الطعام أماثته له
فسقته ،تتحفه بذلك] ،فكانت امرأته يومئذ خادمهم وهي العروس[ (( .البخاري
ومسلم.
][107
-37الغناء والضرب بالدف:
ويجوز له أن يسمح للنساء في العرس بإعلن النكاح بالضرب على الدف فقط،
وبالغناء المباح الذي ليس فيه وصف الجمال وذكر الفجور ،وفي ذلك أحاديث:
][108
الول :عن الربيع بنت معوذ قالت:
))جاء النبي صلى ال عليه وسلم يدخل حين ُبني علي ،فجلس على فراشي مجلسك
مني ) ،الخطاب للراوي عنها ( ،فجعلت جويرات لنا يضربن بالدف ،ويندبن من قتل
من آبائي يوم بدر ،إذ قالت إحداهن :وفينا نبي يعلم ما في غد .فقال :دعي هذه وقولي
بالذي كنت تقولين (( .البخاري والبيهقي وأحمد والمحاملي في صلة العيدين.
وغيرهم.
الثاني :عن عائشة أنها زفت امرأة إلى رجل من النصار ،فقال نبي ال صلى ال
عليه وسلم )) :يا عائشة! ما كان معكم لهو ،فإن النصار يعجبهم اللهو؟ (( البخاري
والحاكم وعنه البيهقي.
][109
وفي رواية بلفظ:
22
))فقال :فهل بعثتم معها جارية تضرب بالدف وتغني؟ قلت :ماذا تقول؟ قال :تقول:
أتيناكم أتيناكـم فحيـونا نحييـكـم
لول الذهب الحمـ ـر ما حلت بواديكم
لول الحنطة السمرا ء ما سمنت عذاريكم ((
الثالث :عنها أيضًا:
))أن النبي صلى ال عليه وسلم سمع ناسًا يغنون في عرس وهم يقولون:
وأهـدي لها أكبش يبحبحن في المربـد
ويعلم ما في غـد وحبك في النـادي
وفي رواية:
][110
وزوجـك في النادي ويعلم ما في غـد
قالت :فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم)) :ل يعلم ما في غد إل ال سبحانه ((.
أخرجه الطبرانفي في الصغير والحاكم ،البيهقي ،وقال الحاكم:صحيح على شرط
مسلم.
الرابع :عن عامر بن سعد البجلي ،قال:
))دخلت على قرظة بنت كعب وأبي مسعود ،وذكر ثالثًا -ذهب علي -وجواري
يضربن بالدف ويغنين ،فقلت :تقرون على وأنتم أصحاب محمد صلى ال عليه وسلم؟
قالوا :إنه قد رخص لنا في العرسات ،والنياحة عند المصيبة (( ،وفي رواية:
))وفي البكاء على الميت في غير نياحة (( أخرجه الحاكم ،والبيهقي ،والنسائي،
والطيالسي.
][111
الخامس :عن أبي بلج يحيى بن سليم قال:
))قلت لمحمد بن حاطب :تزوجت امرأتين ما كان في واحدة منهما صوت ،يعني دفًا،
فقال محمد رضي ال عنه :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم:
))فصل ما بين الحلل والحرام الصوت بالدف (( .النسائي ،والترمذي وقال :حديث
حسن ،وابن ماجه .وغيرهم.
السادس)) :أعلنوا النكاح (( .ابن حبان والطبراني.
][112
-38المتناع من مخالفة الشرع:
ويجب عليه أن يمتنع من كل ما فيه مخالفة للشرع ،وخاصة ما اعتاده الناس في مثل
هذه المناسبة ،حتى ظن كثير منهم -بسبب سكوت العلماء -أن ل بأس فيها ،وأنا أنبه
هنا على أمور هامة منها:
][113
ً -1تعليق الصور:
الول :تعليق الصور على الجدران ،سواء كانت مجسمة أو غير مجسمة ،لها ظل ،أو
ل ظل لها ،يدوية أو فوتوغرافية ،فإن ذلك كله ل يجوز ،ويجب على المستطيع
نزعها إن لم يستطع تمزيقها ،وفي أحاديث:
23
-1عن عائشة رضي ال عنها قالت:
))دخل علي رسول ال صلى ال عليه وسلم وقد سترت سهوًة لي بقرام فيه تماثيل،
) وفي رواية :فيه الخيل ذوات الجنحة ( ،فلما رآه هتكة ،وتلون وجهه ،وقال :يا
عائشة! أشد الناس عذابًا عند ال يوم القيامة الذين يضاهون بخلق ال،
][114
) وفي رواية :إن أصحاب هذه الصور يعذبون ،ويقال لهم :أحيوا ما خلقتم ،ثم قال:
إن البيت الذي فيه الصور ل تدخله الملئكة ( ،قالت :عائشة :فقطعناه فجعلنا منه
وسادة أو وسادتين] ،فقد رأيته متكئًا على إحداهما وفيها صورة[ ((.البخاري ومسلم.
][117
-2وعنها قالت:
))حشوت وسادة للنبي صلى ال عليه وسلم فيها تماثيل كأنها نمرقة ،فقام بين البابين،
وجعل يتغير وجهه ،فقلت :ما لنا يا رسول ال؟ ]أتوب إلى ال مما أذنبت[ ،قال :ما
بال هذه الوسادة؟ قالت :قلت :وسادة جعلتها لك لتضطجع عليها ،قال :أما علمت أن
الملئكة ل تدخل بيتًا فيه صورة ،وأن من صنع الصور يعذب يوم القيامة ،فيقال:
أحيوا ما خلقتم؟! وفي رواية :إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ]قالت :فما
دخل حتى أخرجتها[ (( البخاري وأبو بكر الشافعي.
][118
-3قوله صلى ال عليه وسلم :
))أتاني جبريل عليه السلم ،فقال لي :أتيتك البارحة ،فلم يمنعني أن أكون دخلت إل
أنه كان على الباب تمثال ]الرجال[ ،وكان في البيت قرام ستٍر فيه تماثيل،
][119
وكان في البيت كلب ،فمر برأس التمثال الذي في البيت يقطع فيصير كهيئة الشجرة،
وُمر بالستر فليقطع،
][124
فليجعل منه وسادتين توطآن ،ومر بالكلب فليخرج ]فإنا ل ندخل بيتًا فيه صورة ول
كلب[ ،وإذا الكلب ]جرو[ لحسن أو حسين ،كانت تحت نضد لهم ) وفي رواية :تحت
سريره (] ،فقال يا عائشة! متى دخل هذا الكلب؟ فقالت :وال ما دريت[ ،فأمر به
فأخرج ]ثم أخذ بيده ماًء فنضح مكانه[ ((حديث صحيح.
][125
ً -2ستر الجدران بالسجاد:
المر الثاني مما ينبغي اجتنابه :ستر الجدار بالسجاد ونحوه ،ولو من غير الحرير،
لنه سرف وزينة غير مشروعة؛ لحديث عائشة رضي ال عنها قالت:
][126
))كان رسول ال صلى ال عليه وسلم غائبًا في غزاة غزاها ،فلما تحينت قفوله،
أخذت نمطّا ]فيه صورة[كانت لي ،فسترت به على العرض ،فلما دخل رسول ال
صلى ال عليه وسلم تلقيته في الحجرة ،فقلت :السلم عليك يا رسول ورحمة ال
وبركاته ،الحمد ل الذي أعز]ك[ فنصرك،
24
][127
وأقر عينيك وأكرمك ،قالت :فلم يكلمني! وعرفت في وجهه الغضب ،ودخل البيت
مسرعًا ،وأخذ النمط بيده ،فجذبه حتى هتكه ،ثم قال] :أتسترين الجدار؟![ ]بستر فيه
تصاوير؟![ ،إن ال لم يأمرنا فيما رزقنا أن نكسو الحجارة]والطين .قالت :فقطعنا منه
ي[
وسادتين ،وحشوتهما ليفًا ،فلم يعب ذلك عل ّ
][128
]قالت :فكان صلى ال عليه وسلم يرتفق عليهما[ (( مسلم وأبو عوانة وأحمد .
ولهذا كان بعض السلف يتمنع من دخول البيوت المستورة جدرها ،قال سالم بن عبد
ال:
][129
))أعرست في عهد أبي ،فآذن أبي الناس ،وكان أبو أيوب فيمن آذّنا ،وقد ستروا بيتي
بنجاد أخضر ،فأقبل أبو أيوب فدخل ،فرآني قائمًا ،واطلع فرأى البيت مستترًا بنجاد
أخضر ،فقال :يا عبد ال! أتسترون الجدر؟! قال :أبي - :واستحيى -غلبنا النساء أبا
أيوب! فقال :من ]كنت[ أخشى ]عليه[ أن تغلبنه النساء فلم]أكن[ أخشى ]عليك[ أن
تغلبنك! ثم قال :ل أطعم لكم طعامًا ،ول أدخل لكم بيتًا .ثم خرج رحمه ال ((
الطبراني وابن عساكر .
-3نتف الحواجب وغيرها!
الثالث :ما تفعله بعض النسوة من نتفهن حواجبهن حتى تكون كالقوس أو الهلل،
ل بزعمهن! يفعلن ذلك تجم ً
][130
وهذا مما حرمه رسول ال صلى ال عليه وسلم ولعن فاعله بقوله:
))لعن ال الواشمات ،والمستوشمات) ] ،( 7والواصلت[ ،والنامصات ،
)(8
) ( من الوشم :غرز البرة ونحوها في الجلد حتى يسيل الدم ،ثم حشوه بالكحل أو ما 7
شابه فيخضر.
والمستوشمة :التي تطلب الوشم.
) ( جمع نامصة وهي التي تفعل النماص ،والنماص :إزالة شعر الوجه بالمنقاش كما 8
25
وإطالتهن لبعضها -وقد يفعلها بعض الشباب أيضًا -فإن هذا مع ما فيه من تغير لخلق
ال المستلزم لعن فاعله كما علمت آنفًا ،ومن التشبه بالكافرات المنهي عنه في
أحاديث كثيرة التي منها قوله صلى ال عليه وسلم ...)) :ومن تشبه بقوم فهو
منهم ((؛ فإنه أيضًا مخالف للفطرة ﴿فطرة ال التي فطر الناس عليها﴾ ،وقد قال صلى
ال عليه وسلم :
))الفطرة خمس :الختتان ،والستحداد،
][135
) وفي رواية :حلق العانة ( ،وقص الشارب ،وتقليم الظفار ،ونتف البط ((.
وقال أنس رضي ال عنه :
ت لنا رسول ال ( في قص الشارب ،وتقليم الظفار، ت لنا ) وفي رواية :وّق َ ))ُوّق َ
ونتف البط ،وحلق العانة ،أن ل تترك أكثر من أربعين ليلة ((مسلم وأبو عوانة وأبو
داود.
ً -5حلق اللحى:
الخامس :ومثلها في القبح –إن لم تكن أقبح منها عند ذوي الفطرة السليمة -ما ابُتلي به
أكثر الرجال من التزين بحلق اللحية بحكم تقليدهم للوربيين الكفار ،حتى صار من
العار عندهم أن يدخل العروس على عروسه وهو غير حليق! وفي ذلك عدة
مخالفات:
][136
أ -تغيير خلق ال ،قال تعالى في حق الشيطان:
﴿لعنه ال وقال لتخّذن من عبادك نصيبًا مفروضًا ،ولضلّنهم ولمنينهم ولمرنهم
ن خلق ال ،ومن يتخذ الشيطان وليًا من دون ال فليبتكن آذان النعام ولمرنهم فليغير ّ
فقد خسر خسرانًا مبينًا﴾.
فهذا نص صريح في أن تغيير خلق ال دون إذن منه تعالى ،إطاعة لمر الشيطان،
وعصيان للرحمن جل جلله ،فل جرم أن لعن رسول ال صلى ال عليه وسلم
حسن) ! ( في المغيرات خلق ال للحسن كما سبق قربًا ،ول شك في دخول اللحية لل ُ
اللعن المذكور بجامع الشتراك في العلة كما ل يخفى ،وإنما قلت)) :دون إذن من ال
تعالى (( ،لكي ل ُيتوهم ،أنه يدخل في التغيير المذكور مثل حلق العانة ونحوها مما
أذن فيه الشارع ،بل استحبه ،أو أوجبه.
ب -مخالفة أمره صلى ال عليه وسلم وهو قوله:
][137
))أنهكوا الشوارب ،وأعفوا اللحى ((البخاري ومسلم وأبو عوانة وغيرهم.
ومن المعلوم أن المر يفيد الوجوب إل لقرينة والقرينة هنا مؤكدة للوجوب ،وهو:
ج -التشبه بالكفار ،قال صلى ال عليه وسلم :
))جزوا الشوارب ،وأرخوا اللحى ،خالفوا المجوس (( مسلم وأبو عوانة في
صحيحيهما.
][138
ويؤيد الوجوب أيضًا:
26
د -التشبه بالنساء ،فقد:
))لعن رسول ال صلى ال عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء ،والمتشبهات من
النساء بالرجال (( .البخاري ،والترمذي وصححه.
][140
ول يخفى أن في حلق الرجل لحيته -التي ميزه ال بها على المرأة -أكبر تشبه بها،
فلعل فيما أوردنا من الدلة ما يقنع المبتلين بهذه المخالفة ،عافانا ال وإياهم من كل ما
ل يحبه ول يرضاه.
ً -6خاتم الخطبة:
السادس :لبس بعض الرجال خاتم الذهب الذي يسمونه بـ))خاتم الخطبة (( ،فهذا مع
ما فيه من تقليد الكفار أيضًا -لن هذه العادة سرت إليهم من النصارى-
][142
ففيه مخالفة صريحة لنصوص صحيحة تحرم خاتم الذهب على الرجال وعلى النساء
أيضًا كما ستعلمه ،وإليك بعض هذه النصوص:
ل)) :نهى صلى ال عليه وسلم عن خاتم الذهب ((. أو ً
ثانيًا :عن ابن عباس أن رسول ال صلى ال عليه وسلم رأى خاتمًا من ذهب في يد
رجل ،فنزعه فطرحه ،وقال:
][143
))يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده ؟! ((.
فقيل للرجل بعدما ذهب رسول ال صلى ال عليه وسلم :خذ خاتمك وانتفع به ،قال :ل
وال ل آخذه أبدًا وقد طرحه رسول ال صلى ال عليه وسلم .
ثالثًا عن أبي ثعلبة الخشني أن النبي صلى ال عليه وسلم أبصر في يده خاتمًا من
ذهب ،فجعل يقرعه بقضيب معه ،فلما غفل النبي صلى ال عليه وسلم ألقاه] ،فنظر
النبي صلى ال عليه وسلم فلم يره في يده فـ[قال :ما أرانا إل قد أوجعناك وأغرمناك.
النسائي وأحمد وابن سعد وأبو نعيم في ))أصبهان ((.
][145
رابعًا :عن عبد ال بن عمرو أن النبي صلى ال عليه وسلم رأى على بعض أصحابه
خاتمًا من ذهب ،فأعرض عنه ،فألقاه ،واّتخذ خاتمًا من حديد ،فقال :هذا شر ،هذا
حلية أهل النار ،فألفاه ،فاتخذ خاتمًا من َوِرق -أي فضة -فسكت عنه .حديث صحيح
رواه أحمد .والبخاري في ))الدب المفرد ((.
][150
خامسًا)) :من كان يؤمن بال واليوم الخر فل يلبس حريرًا ول ذهبًا ((أحمد بسند
حسن.
سادسا)) :من لبس الذهب من أمتي ،فمات وهو يلبسه حرم ال عليه ذهب الجنة ((.
أحمد بسند صحيح.
-39تحريم خاتم الذهب ونحوه على النساء:
واعلم أن النساء يشتركن مع الرجال في حريم خاتم الذهب عليهن ،ومثله السوار
والطوق من الذهب؛
27
][151
لحاديث خاصة وردت فيهن ،فيدخلن لذلك في بعض النصوص المطلقة التي لم تقيد
بالرجال ،مثل الحديث الول المتقدم آنفًا ،وإليك الن ما صح من الحاديث المشار
إليها:
الول)) :من أحب أن يحّلق حبيبه بحلقة من نار فليحّلقه حلقة من ذهب ،ومن أحب أن
يطوق حبيبه طوقًا من نار فليطوقه طوقًا من ذهب ،ومن أحب أن يسّور حبيبه سوارًا
من نار فليطوقه طوقًا ) ويفي رواية :فليسوره سوارًا ( من ذهب ،ولكن عليكم
بالفضة ،فالعبو بها ]العبوا بها ،العبوا بها[ ((أبو داود ،وأحمد بسند جيد.
][158
الثاني :عن ثوبان رضي ال عنه قال:
))جاءت بنت هبيرة إلى النبي صلى ال عليه وسلم وفي يدها فتخ ]من ذهب[ ]أي
خواتيم كبار[ ،فجعل النبي صلى ال عليه وسلم يضرب يدها ]بعصية معه يقول لها:
أيسرك أن يجعل ال في يدك خواتيم من نار؟![ ،فأتت فاطمة تشكو إليها ،قال ثوبان:
فدخل النبي صلى ال عليه وسلم على فاطمة وأنا معه؛ وقد أخذت من عنقها سلسلة
من ذهب ،فقالت :هذا أهدى لي أبو حسن ) تعني زوجها عليًا رضي ال عنه ( -وفي
يدها السلسلة -فقال النبي صلى ال عليه وسلم :يا فاطمة! أيسرك أن يقول الناس:
فاطمة بنت محمد في يدها سلسلة من نار؟! ]ثم عذمها عذمًا شديدًا[ ،فخرج ولم يقعد،
فعمدت فاطمة إلى السلسلة فباعتها فاشترت بها نسمة ،فأعتقتها ،فبلغ ذلك النبي صلى
جى فاطمة من النار (( النسائي والطيالسي ال عليه وسلم ،فقال :الحمد ل الذي ن ّ
والطبراني.
][160
الثالث عن عائشة أن النبي صلى ال عليه وسلم رأى في يد عائشة ُقلبين ملويين من
ذهب ،فقال :ألقيهما عنك ،واجعلي قلبين من فضة ،وصفريها بزعفران .القاسم
السرقسطي بسند صحيح ،والنسائي والخطيب ،والبزار نحوه.
][161
الرابع :عن أم سلمة زوج النبي صلى ال عليه وسلم قالت:
))جعلت شعائر من ذهب في رقبتها ،فدخل النبي صلى ال عليه وسلم ،فأعرض
عنها ،فقلت :أل تنظر إلى زينتها ،فقال :عن زينتك ُأعرض] ،قالت :فقطعتها ،فأقبل
ضّر إحداكن لو جعلت خرصًا من ورق ،ثم علي بوجهه[ .قال :زعموا أنه قال :ما َ
جعلته بزعفران ((.
][164
وفي حديث أسماء بنت يزيد في قصة أخرى نحوه:
جمانتين من فضة ،فتدرجه بين أناملها بشيء من زعفران ،فإذا هو )) ...وتتخذ لها ُ
كالذهب يبرق ((أخرجه أحمد وأبو نعيم وابن عساكر.
][165
شبهات حول تحريم الذهب المحلق ،وجوابها
28
واعلم أن كثيرًا من علماء أعرضوا عن العمل بهذه الحاديث؛ لشبهات قامت لديهم
ظنوها أدلة ،ول يزال
][166
كثيرون منهم يتمسكون بها على أنها حجج تسوغ لهم ترك هذه الحاديث ،ولذلك
رأيت أنه ل بد من حكاية تلك الشبهات والرد عليها ،كي ل يغتر بها من ل علم عنده
بطرق الجمع بين الحاديث ،فيقع في مخالفة الحاديث الصحيحة المحكمة ،بدون
حجة أو بينة ،فأقول:
دعوى الجماع على إباحة الذهب مطلقًا للنساء ،وردها
-1ادعى بعضهم الجماع على إباحة الذهب مطلقًا للنساء ،وهذا مردود من وجوه:
الجماع الصحيح:
الول :أنه ل يمكن إثبات صحة الجماع في هذه المسألة ،وإن نقله البيهقي في ))سننه
(( ) ( 4/124وغيره ،مثل الحافظ ابن حجر في ))الفتح (( ،ولكن هذا كأنه أشار
لعدم ثبوته حين قال ( 10/260 ) :في بحث خاتم الذهب:
))فقد نقل الجماع على إباحته للنساء (( ،ويأتي قريبًا ما يبطل هذا الجماع ،وذلك
لنه ل يستطيع أحد
][167
أن يدعي أنه إجماع معلوم من الدين بالضرورة ،وغير هذا الجماع مما ل يمكن
ل عن وقوعه ،ولهذا قال المام أحمد رضي ال عنه: تصوره ،فض ً
))من ادعى الجماع فهو كاذب] ،وما يدريه؟[ ،لعل الناس اختلفوا ((.
رواه ابنه عبد ال في ))مسائله (( ) ص .( 390
وتفصيل القول في هذا الموضوع الخطير ليس هذا موضعه ،فليراجع من شاء
التحقيق بعض كتب علم أصول الفقه التي ل يقلد مؤلفوها من قبلهم! مثل)) :أصول
الحكام (( لبن حزم ) ،( 144 -4/128و))إرشاد الفحول (( للشوكاني ،ونحوهما.
استحالة وجود إجماع صحيح على خلف حديث صحيح دون وجود ناسخ صحيح
الثاني :لو كان يمكن إثبات الجماع في الجملة ،لكان ادعاؤه في خصوص هذه
المسألة غير صحيح ،لنه مناقض للسنة الصحيحة ،وهذا مما ل يمكن تصوره أيضًا؛
لنه يلزم منه اجتماع المة على ضلل ،وهذا
][168
مستحيل لقوله صلى ال عليه وسلم)) :ل تجتمع أمتي على ضللة (( ،ومثل هذا
الجماع ل وجود له إل في الذهن والخيال ،ول أصل له في الوجود والواقع ،قال أبو
محمد بن حزم رحمه ال تعالى في ))أصول الحكام (( ) :( 72 -2/71
))وقد أجاز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح عن النبي صلى ال عليه وسلم
ويكون الجماع على خلفه ،قال :وذلك دليل على أنه منسوخ .وهذا عندنا خطأ
فاحش متيقن لوجهين برهانيين ضروريين :
أحدهما :أن ورود حديث صحيح يكون الجماع على خلفه معدوم لم يكن قط ،ول
هو في العالم ،فمن ادعى أنه موجود فليذكره لنا ،ول سبيل له -وال -إلى وجوده أبدًا.
29
والثاني :أن ال تعالى قد قال﴿ :إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون﴾ ،فمضمون عند
كل من يؤمن بال واليوم الخر أن ما تكفل ال عز وجل بحفظه فهو غير ضائع أبدًا،
ل يشك في ذلك مسلم ،وكلم النبي صلى ال عليه وسلم كله وحي بقوله تعالى﴿ :وما
ي يوحى﴾ ،والوحي ذكٌر بإجماع المة كلها، ينطق عن الهوى ،إن هو إل وح ٌ
][169
والذكر محفوظ بالنص ،فكلمه عليه السلم محفوظ بحفظ ال تعالى عز وجل
ضرورة ،منقول كله إلينا ل بد من ذلك ،فلو كان هذا الحديث الذي اّدعى هذا القائل
أنه مجمع على تركه ،وأنه منسوخ كما ذكر ،لكان ناسخه الذي اتفقوا عليه قد ضاع
ولم يحفظ ،وهذا تكذيب ل عز وجل في أنه حافظ للذكر كله ،ولو كان ذلك لسقط كثير
مما بّلغ عليه السلم عن ربه ،وقد أبطل ذلك رسول ال صلى ال عليه وسلم في قوله
في حجة الوداع :اللهم هل بلغت؟ (( .قال:
))ولسنا ننكر أن يكون حديث صحيح ،وآية صحيحة التلوة منسوخين إما بحديث
آخر صحيح, ،وإما بآية متلوة ،ويكون التفاق على النسخ المذكور قد ثبت ،بل هو
موجود عندنا إل أننا نقول :ل بد أن يكون الناسخ لهما موجودًا أيضًا عندنا ،منقو ً
ل
إلينا ،محفوظًا عندنا ،مبلغًا نحونا بلفظه ،قائم النص لدينا ،ل بد من ذلك ،وإنما الذي
ل مبلغًا إلينا ،ويكون الناسخ له قد سقط منعنا منه فهو أن يكون المنسوخ محفوظًا منقو ً
ولم ينقل إلينا لفظه ،فهذا باطل عندنا ،ل سبيل إلى وجوده في العالم أبد البد ،لنه
معدوم البتة ،قد دخل –بأنه غير
][170
كائن -في باب المحال ،والممتنع عندنا ،وبال تعالى التوفيق ((.
تقديم السنة على الجماع الذي ليس معه كتاب أو سنة
وقال العلمة المحقق ابن قيم الجوزية رحمه ال تعالى:
))ولم يزل أئمة السلم على تقديم الكتاب على السنة ،والسنة على الجماع ،وجعل
الجماع في المرتبة الثالثة .قال الشافعي :الحجة كتاب ال وسنة رسوله واتفاق
الئمة ،وقال في ))كتاب اختلفه مع مالك ((:
))والعلم طبقات:الولى الكتاب والسنة الثابتة ،ثم الجماع فيما ليس كتابًا ول
سنة.(( ...
وقال ابن القيم أيضًا في صدد بيان أصول فتاوى المام أحمد:
ل ول رأيًا ول قياسًا ))ولم يكن ) يعني المام أحمد ( يقدم على الحديث الصحيح عم ً
ول قول صاحب ،ول عدم علمه بالمخالف الذي يسميه كثير من الناس إجماعًا
ويقدمونه على الحديث الصحيح! وقد كّذب أحمد من
][171
ادعى هذا الجماع ،ولم يسغ تقديمه على الحديث الثابت ،وكذلك الشافعي ...
ل عند المام أحمد وسائر أئمة الحديث ونصوص رسول ال صلى ال عليه وسلم أج ّ
من أن يقدموا عليها توهم إجماع مضمونه عدم العلم بالمخالف ،ولو ساغ لتعطلت
النصوص ،وساغ لكل من لم يعلم مخالفًا في حكم مسألة أن يقدم جهله بالمخالف على
النصوص ((.
30
قلت :وهذا ما فعله البعض هنا ،فقدموا ما زعموه إجماعًا على النصوص المتقدمة،
مع أنه ل إجماع في ذلك ،وبيانه في الوجه التالي:
الثالث :أنه قد ثبت ما ينقض بالجماع المزعوم ،وهو ما روى عبد الرزاق في
))المصنف (( ) ،( 19935/ 70/ 11وابن صاعد في ))حديثه (( ) -35/1وهو
بخط الحافظ ابن عساكر ( ،وابن حزم) ،( 10/82بسند صحيح عن محمد بن
سيرين؛ أنه سمع أبا هريرة يقول لبنته:
][172
))ل تلبسي الذهب؛ إني أخشى عليك اللهب ((.
وروى ابن عساكر ) ( 19/124/2من طريقين آخرين أن ابنًة لبي هريرة قالت له:
إن الجواري ُيعّيرنني ،يقلن :إن أباك ل يحليك الذهب! فقال:
قولي لهن :إني أبي ل يحليني الذهب؛ يخشى علي من اللهب.
ورواه عبد الرزاق ) ( 19938نحوه ،وعلقه البغوي في ))شرح السنة (( ) 210 /3
،( 82 /وحكى الخلف في هذه المسألة ،فإنه بعد أن ذكر إباحة خاتم الذهب للنساء
وتحليهن به عند الكثرين؛ قال:
))وكره ذلك قوم ((.
ثم ساق حديث أسماء بنت يزيد المتقدم بعضه في المتن ) ص ( 236وتمامه في
التعليق) .( 237
وما حكاه البغوي رحمه ال من الكراهة عن أولئك الذين أشار إليهم من العلماء ،فهي
الكراهة التحريمية ،لنه المعروف في اصطلح السلف؛ تبعًا للسلوب القرآني في
عديد من اليات الكريمة؛
][173
كقوله تعالى﴿ :وكّره إليكم الكفر والفسوق والعصيان﴾.
وقد كنت شرحت هذه المسألة الهامة في كتابي)) :تحذير الساجد من اتخاذ القبور
مساجد (( ) ص ،( 55 -48وذكرت هناك بعض المثلة ،فلتراجع.
وبين أيدينا مثال آخر قريب المنال ،وهو ما تقدم في بحث ) خاتم الخطبة ( أن المام
أحمد ،والمام إسحاق بن راهويه كرها خاتم الذهب للرجال ،فهذه الكراهة للتحريم
أيضًا ،لتصريح الحاديث المتقدمة هناك به ،وكذلك المر في تحريم خاتم الذهب
على النساء؛ لن الدلة صريحة أيضًا ،فمن أطلق كراهته عليهن ،فإنما يعني الكراهة
الشرعية ،وهي التحريم ،فتأمل منصفًا.
وذكر ابن عبد الحكم في ))سيرة عمر بن عبد العزيز (( ) ص ( 163أن ابنة عمر
بعثت إليه بلؤلؤة وقالت له :إن رأيت أن تبعث لي بأخت لها حتى أجعلها في أذني،
فأرسل إليها ثم قال لها :إن استطعت أن تجعلي هاتين الجمرتين في أذنيك بعثت لك
بأخت لها!
][174
ومن الظاهر أن اللؤلؤة كانت محلة بالذهب ،لنها ل تقوم بنفسها ،ول تحلى عادة إل
بها ،ويؤيد ذلك لفظة)) :الجمرتين (( ،فإنها مستوحاة من بعض أحاديث التحريم
المتقدمة كحديث بنت هبيرة ،فثبت بطلن دعوى الجماع في هذه المسألة.
31
دعوى نسخ الحاديث المتقدمة ،وإبطالها
-2وادعى آخرون نسخ هذه الحاديث المحرمة بمثل قوله صلى ال عليه وسلم :
))أحل الذهب والحرير لناث أمتي ،(( ...وهو حديث صحيح بمجموع طرقه ،وقد
ذكرها الزيعلي في ))نصب الراية (( ) ،( 225 -4/222ثم حققته في تخريج كتاب
))الحلل والحرام (( للستاذ القرضاوي ) رقم ،( 78وهو ادعاء باطل ،لن للنسخ
شروطًا كثيرة معروفة عند العلماء؛ منها أن يكون الخطاب الناسخ متراخيًا عن
المنسوخ ،ومنها أن ل يمكن الجمع بينهما ،وهذان الشرطان منفيان هنا ،أما الول؛
فلنه ل ُيعلم تأخر هذا الحديث المبيح عن
][175
أحاديث التحريم ،وأما الثاني؛ فلن الجمع ممكن بسهولة بين الحديث المذكور وما في
معناه ،وبين الحاديث المتقدمة ،ذلك لن الحديث مطلق ،وتلك مقيدة بالذهب الذي هو
طوق أو سوار أو حلقة ،فهذا هو المحرم عليهن ،وما سوى ذلك من الذهب المقطع
ل الذهب لهن ،فهو مطلق مقيد بالحاديث فهو المباح لهن ،وهو المراد بحديث ح ّ
المشار إليها ،فل تعارض وبالتالي فل نسخ.
ولذلك لم نر أحدًا ممن ألف في الناسخ والمنسوخ أورد الحاديث المذكورة فيما هو
منسوخ ،كالحافظ أبي الفرج ابن الجوزي في رسالة ))إخبار أهل الرسوخ في الفقه
والتحديث بمقدار المنسوخ في الحديث (( ،والحافظ أبي بكر الحازمي في كتابه
))العتبار في الناسخ والمنسوخ من الثار (( ،وغيرهما ،بل قد أشار ابن الجوزي
رحمه ال في مقدمة رسالته المشارة إليها إلى رد دعوى نسخ هذه الحاديث ،فقال:
))أفردت في هذا الكتاب قدر ما صح نسخه أو احتمل ،وأعرضت عما ل وجه لنسخه
ول احتمال ،فمن
][176
سمع بخبر يدعى عليه النسخ وليس في هذا الكتاب ،فليعلم وهاء تلك الدعوى ،وقد
تدبرته فإذا فيه أحد وعشرون حديثا ((.
بل قال المحقق ابن القيم في ))العلم (( ) :( 3/458
))إن النسخ الواقع في الحاديث الذي أجمعت عليه المة؛ ل يبلغ عشرة أحاديث
البتة ،ول شطرها ((!
قلت :ثم ساقها ،وليس فيها شيء من هذه الحاديث السابقة ،فثبت ضعف ادعاء
احتمال نسخها ،فكيف الجزم بنسخها؟ وقد أشار لضعف دعوى النسخ ابن الثير
في))النهاية (( ،بقوله تعليقا على حديث أسماء المشار إليه آنفًا:
))قيل :كان هذا قبل النسخ ،فإنه قد ثبت إباحة الذهب للنساء ((.
فإن لفظة)) :قيل (( للتمريض كما هو معروف.
وقال العلمة صدر الدين علي بن علء الحنفي بعد أن حكى كلم ابن الجوزي النف
الذكر:
سِلم من
))وهذا هو الذي يشهد العقل بصدقه إذا َ
][177
32
الهوى ،وقد ادعى كثير من الفقهاء في كثير من السنة أنها منسوخة ،وذلك إما لعجزه
عن الجمع بينها وبين ما يظن أنه يعارضها ،وإما لعدم علمه ببطلن ذلك المعارض،
وإما لتصحيح مذهبه ودفع ما يرد عليه من جهة مخالفة ،ولكن نجد غيره قد بين
الصواب في ذلك ،لن هذا الدين محفوظ ،ول تجتمع هذه المة على ضللة ((.
ولقد صدق رحمه ال في كل ما ذكره ،فأنت ترى أن هذه الحاديث المحرمة ل
تتعارض مطلقًا مع حديث حل الذهب للنساء ،لنه عام ،وتلك خاصة ،والخاص مقدم
على العام كما هو مقرر في علم الصول ،ولهذه القاعدة رجح المام النووي رضي
ال عنه في ))شرح مسلم (( و))المجموع (( وجوب الوضوء من أكل لحم البل ،مع
أنه مخالف لمذهبه ،بل ومذهب الجمهور ،حتى ظن بعض المتعالمين في هذا العصر
أنه ل يقول بالوضوء منه عالم من علماء المسلمين! كما نشر ذلك في
][178
بعض الجرائد الدمشقية سنة 1386هـ تقريبًا.
وِلما ذكرنا قال ولي ال الدهلوي في ))حجة ال البالغة (( ) ( 2/190بعد أن ذكر
أحاديث التحريم وحديث الحل:
))معناه الحل في الجملة ،وهذا ما يوجبه مفهوم هذه الحاديث ،ولم أجد لها
معارضًا ((.
وأقره صديق حسن خان في ))الروضة الندية (( ) .( 218 -2/217
قلت :ومما يدلك على ضعف دعوى النسخ هذه؛ أن بعض متعصبة الحنفية -وقد
سبقت الشارة إليه -لم ينظر إليها بعين الرضا ،مع أنه حكاها عن الجمهور الذين
يقلدهم في هذه المسألة ،واحتج على ذلك بقوله -وقد وفق فيه: -
))إن النسخ ل ُيلجأ إلى القول به ما دام التوفيق بين الحاديث ممكنًا ،بحيث ل يرد
شيء من الدلة (( ،وهذا حق ل ريب فيه ،وهو من المقرر في علم الصول.
ولكنه مع السف لم يستقر عليه الدكتور ،بل رجع
][179
إلى ادعاء النسخ معارضًا بذلك الخذ بأحاديث التحريم ،فقال:
))إن الفريقين لما تجاذبا دعوى النسخ احتجنا إلى النظر في التاريخ للترجيح بين
المذهبين ،وتعيين الناسخ والمنسوخ ،والتاريخ يؤيد نظر الجمهور ) ! (.
فإنه ل شك في أن الصحابة في ابتداء السلم كانوا في أمس الحاجة للمال ...ولقد
قسم النصار أموالهم مناصفة بينهم وبين المهاجرين ،فكان التختم بالذهب في تلك
الفترة بطرًا وترفًا ،فلما مضت اليام ،وفتحت على رسول ال صلى ال عليه وسلم
الفتوحات صار الناس في رخاء العيش فأباح النبي صلى ال عليه وسلم لبس الذهب
لزوال المانع ((!
قلت :وجوابي عليه من وجوه:
الول :أنه لم يذكر نصًا تاريخيًا يؤيد تأخر المبيح عن الحاظر ،يرجح به نظر
الجمهور ،وإنما هو مجرد الدعوى أن الباحة كانت بعد رخاء العيش ،فأين الدليل
عليها؟!
][180
33
الثاني :هذه الدعوى لو صحت ،لزم منها أن يكون تحريم الذهب على الرجال قد
شرع في الوقت الذي حرم على النساء ،إن لم يكن تقدم عليه ،وكل عاقل يفهم من
قوله)) :في ابتداء السلم (( ،أنه يعني في مكة ،أو في أول الهجرة على أبعد تقدير،
وإذا كان كذلك ،فنحن نقطع ببطلن هذه الدعوى؛ لن تحريم الذهب على الرجال إنما
كان في أواخر المر ،كما نص على ذلك الحافظ الذهبي في ))تلخيص المستدرك ((
) ،( 3/231ومما يشهد له ما أخرجه البخاري في ))اللباس (( وأحمد في
))المسند (( ) ( 4/328عن المسور بن مخرمة:
))أن أباه مخرمة قال له :يا بني! إنه بلغني أن النبي صلى ال عليه وسلم قدمت عليه
أقبية ،فهو يقسمها ،فاذهب بنا إليه ،فذهبنا إليه ...فخرج وعليه قباء من الديباج مزرر
بالذهب ،فقال :يا مخرمة هذا خبأته لك ،فأعطاه إياه ((.
وإنما أسلم مخرمة عام الفتح ،وذلك بعد ثمان سنين ونصف من الهجرة ،فهذا نص
على أن الذهب كان مباحًا إلى ما قبل وفاته صلى ال عليه وسلم بسنة ونصف تقريبًا،
ولول ذلك لم يلبس صلى ال عليه وسلم القباء المزرر بالذهب ،ول وزعه على
أصحابه كما هو ظاهر.
][181
الثالث :أنه لو صح قوله)) :فأباح النبي صلى ال عليه وسلم لبس الذهب لزوال المانع
(( ،لزم منه إباحة الذهب للرجال أيضًا لزوال المانع أيضًا! وهذا باطل ل يقوله عالم،
وما لزم منه باطل؛ فهو باطل.
فإن قال :هذا غير لزم ،لن علة تحريم الذهب على الرجال ،غير علة تحريمه على
النساء.
قلنا :ما هيه؟ ول سبيل له إلى إثباتها أبدًا ،إل بمثل هذه الدعوى التي أثبت بها أختها!
وليست هي إل مجرد رأي تفرد به الدكتور في آخر الزمان!
وما ُيلجئ بعض الناس إلى مثل هذه المضايق والراء ،إل محاولتهم التخلص من
معارضة النص الشرعي لمخالفته لمذهبهم ،وتقليدهم ،وعاداتهم ،فيقعون فيما هو
أعظم منه! ولو أنهم استسلموا لحكم ال ورسوله -كما هو المفروض في المسلم -لكان
خيرًا لهم ،ولم يقعوا في مثل ذلك.
][182
وخلصة البحث :أن القول بنسخ الحاديث المحرمة للذهب على النساء مما ل دليل
عليه ،بل هو مخالف لعلم الصول ،والواجب الجمع بينها وبين الحاديث المبيحة
للذهب عليهن ،وذلك بحمل المطلق على المقيد ،أو العام على الخاص ،كما شرحنا،
وينتج منه أن الذهب كله حلل على النساء ،إل المحلق منه ،كما يحرم عليهن
استعمال أواني الذهب والفضة اتفاقًا ،فل نسخ عندنا؛ خلفًا لما فهمه الدكتور ،وأدار
كل بحثه في كتابه عليه ،كما ينبئك به كلمه السابق في المعارضة المزعومة .وال
الهادي ،ل رب سواه.
رد الحاديث المتقدمة بأحاديث مبيحة ،والجواب عنها
-3وقد يرّد بعضهم هذه الحاديث بأحاديث أخرى ،فيها إباحة المحلق من الذهب
على النساء ،والجواب أن هذا كان قبل التحريم حتمًا ،وبيانه:
34
أن من المعلوم بداهة أن النهي عن الشيء مما يحتمل التحليل والتحريم؛ ل يكون إل
بعد أن يكون مسبوقًا بالباحة ،فالتمسك بها حينئذ فيه مخالفة صريحة
][183
لمنطوق الحاديث المحّرمة ،ومما يقرب هذا إلى المنصفين إن شاء ال تعالى أن
هناك أحاديث يستفاد منها إباحة الذهب على الرجال أيضًا ،ومع ذلك فلم يأخذ بها أحد
من العلماء ،لمجيء النصوص المحرمة ،وقد سبق ذكر بعضها ،بل ذهبوا إلى أنها
كانت قبل التحريم ،وكذلك نقول نحن في الحاديث المبيحة للذهب المحلق للنساء ،ول
فرق أنها كانت قبل التحريم ،ومن فرق بين هذه وتلك ،فهو متناقض أو متلعب!
تقييد الحاديث المتقدمة بمن لم يؤد الزكاة ،ورّده
-4وأجاب بعضهم بأن الوعيد الوارد في الحاديث المتقدمة إنما هو في حق من ل
يؤدي زكاة تلك الحلي؛ دون من أداها ،واستدل عليه بحديث عمرو بن
][184
شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة أتت رسول ال صلى ال عليه وسلم ومعها ابنة لها،
وفي يد ابنتها مسكتان ) أي سواران ( غليظتان من ذهب ،فقال لها :أتعطين زكاة
هذا؟ قالت :ل ،قال :أيسرك أن يسّورك ال بهما يوم القيامة سوارين من نار؟!قال:
فخلعتهما ،فألقتهما إلى النبي صلى ال عليه وسلم ،وقالت :هما ل عز ولرسوله.
أخرجه أبو داود ) ،( 1/244والنسائي) ،( 1/343وأبو عبيد في ))الموال ((
) رقم ،( 1260وإسناده حسن ،وصححه ابن الملقن ) ،( 65/1وتضعيف ابن
الجوزي له في ))التحقيق (( ) ،( 6/197/1مردود عليه.
ل،ورواه النسائي في ))السنن الكبرى (( ) ق ( 5/1عن عمرو بن شعيب به موصو ً
ل ،وقال:
ثم رواه عنه مرس ً
))الموصول أولى بالصواب ((.
والجواب :إن هذا استدلل ضعيف جدًا ،لن الرسول صلى ال عليه وسلم لم ينكر في
هذه القصة لبس السوارين،
][185
وإنما أنكر عدم إخراج زكاتهما ،بخلف الحاديث المتقدمة ،فإنه أنكر اللبس ،ولم
يتعرض ليجاب الزكاة عليها ،والظاهر أن هذه القصة كانت في وقت الباحة ،فكأنه
ل ،ثم حرمها ،كما هو صلى ال عليه وسلم تدرج لتحريمها ،فأوجب الزكاة عليها أو ً
صريح الحاديث السابقة ،ول سيما الحديث الول من رواية أبي هريرة مرفوعًا:
))من أحب أن يحلق حبيبه بحلقة من نار فليحلقه حلقة من ذهب (( ...إلخ ،فإنه ل
يدل دللة قاطعة أن التحريم لنفس التحليق وما قرن معه ،ل لعدم إخراج زكاتها.
والحق أن هذه القصة أفادت وجوب الزكاة على الحلي ،ومثلها قصة عائشة التية في
زكاة خواتيم الفضة ،فهذه وتلك ل تدل على تحريم الستعمال ،بل على وجوب زكاة
المستعمل؛ فالتحريم وعكسه يؤخذ من أدلة أخرى ،فأخذنا تحريم الذهب المحلق
عليهن الحاديث المتقدمة ،وأخذنا إباحة الفضة من حديث أبي هريرة المتقدم ،ومن
حديث عائشة المشار إليها وغيرها.
][186
35
وجملة القول؛ أن هذا الحديث ل حجة فيه على ما ذكره المنذري ،لنه لم ينص فيه
على تحريم السوار ،إنما كان لنه لم يؤد زكاته حتى يمكن أن يقال :إنه مفصل ،وتلك
الحاديث مجملة ،فيحمل المجمل على المفصل ،وإنما هي واقعة عين أفادت وجوب
زكاة الحلي ،فل يعارض ما أفادته الحاديث السابقة من التحريم.
تقييد آخر للحاديث ،والجواب عنه
-5وأجاب هذا البعض أيضًا بجواب آخر فقال :إن الوعيد المذكور إنما هو في حق
من تزينت به وأظهرته ،واستدب لما رواه النسائي وأبو داود عن ربعي بن حراش
عن امرأته عن أخت لحذيفة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال:
][187
))يا معشر النساء! أما لكن في الفضة ما تحلين به؟ أما إنه ليس منكن امرأة تتحلى
ذهبًا تظهره إل عذبت به ((.
والجواب من وجهين:
الول :رد الحديث من أصله لعدم ثبوته ،فإن في سنده امرأة ربعي وهي مجهولة كما
قال ابن حزم) ( 10/83؛ ولذلك ضعفته في ))المشكاة (( ) .( 4403
ثانيًا :لو كانت العلة هي الظهار؛ لكان ل فرق في ذلك بين الذهب والفضة
لشتراكهما في العلة ،مع أن الحديث صريح في التفريق بينهما ،ول قائل بحرمة خاتم
الفضة على المرأة مع ظهوره ،فثبت بطلن التمسك بعلة الظهار .ولهذا قال أبو
الحسن السندي:
)) ) تظهره (؛ يحتمل أن تكون الكراهة إذا ظهرت وافتخرت به ،لكن الفضة مثل
الذهب في ذلك ،فالظاهر أن هذا لزيادة التقبيح والتوبيخ ،والكلم لفادة حرمة الذهب
) يعني :المحلق ( على ا لنساء ،مع قطع النظر عن الظهار والفتخار ((.
][188
وهذا كله يقال على افتراض صحة الحديث ،وإل فقد عرفت ضعفه ،فسقط الستدلل
ل.
به أص ً
رد الحاديث بفعل عائشة ،والجواب عنه
-6ومن أعجب ما ُرّدت به هذه الحاديث الصحيحة؛ قول بعض متعصبة الحنفية:
))إن عائشة رضي ال عنها كانت تلبس الخواتيم من الذهب ،كما رآها ابن أختها
القاسم بن محمد وحدث بذلك ،وهذا الخبر عن عائشة رواه البخاري في صحيحه ((.
وأقول :إطلق عزو هذا الثر للبخاري فيه نظر ،لن المعروف عند العلماء أن
العزو إلى البخاري مطلقًا معناه أنه في ))صحيحه (( مسند ،وليس كذلك أمر هذا
الثر ،فإنه إنما ذكره معلقًا بدون إسناد! وذكر الحافظ في ))الفتح (( ) ( 10/271أنه
وصله ابن سعد في ))الطبقات (( .وسكت عن سنده ،وهو عندي حسن ،فقال ابن سعد
) :( 8/48أخبرنا عبد ال بن مسلمة بن قعنب :حدثنا عبد العزيز بن محمد عن
عمرو بن أبي
][189
36
عمرو قال :سألت القاسم بن محمد قلت :إن ناسًا يزعمون أن رسول ال صلى ال
عليه وسلم نهى عن الحمرين :المعصفر والذهب ،فقال :كذبوا وال ،لقد رأيت عائشة
تلبس المعصفرات ،وتلبس خواتم الذهب.
لكن رواه غير عبد العزيز بلفظ :كانت تلبس الحمرين :المذهب والمعصفر ((.
أخرجه ابن سعد أيضًا :وأخبرنا أبو بكر بن عبد ال بن ابي أويس عن سلميان بن
بلل عن عمرو به ،وهذا السناد أصح ،لن سليمان هذا أحفظ من عبد العزيز .فإن
ثبت ذكر الخاتم في هذا الثر عن عائشة فالجواب ما سيأتي ،وإل فل حجة فيه
مطلقًا ،لن الرواية الخرى -وهي الصح -ل ذكر للخاتم فيها ،فهو على هذا مثل
حديثها الخر من طريق القاسم أيضًا أن عائشة كانت تحلي بنات أختها الذهب ثم ل
تزكيه .رواه أحمد في مسائل عبد ال ) ص ،( 145وسنده صحيح ،فهذا محمول على
الذهب
][190
المقطع ،وهو جائز لهن اتفاقًا.
ثم قال ذاك المذكور:
) ل يتصور أن تلبس عائشة رضي ال عنها الذهب الملحق ،ورسول ال صلى ال
عليه وسلم كل يوم معها وفي بيتها ،ثم ل ينهاها عنه ((.
قلت :هذه مغالطة ظاهرة_ولعلها غير مقصودة -إذ ليس في الثر المتقدم أن عائشة
لبسته على علم منه صلى ال عليه وسلم ،بل فيه أن القاسم بن محمد رآها تلبسه،
فمعنى ذلك أن لبسها إياه إنما كان بعد وفاته صلى ال عليه وسلم ،لن القاسم لم
يدركه صلى ال عليه وسلم .
ثم قال عطفًا على ما سبق:
))أَو ينهى عنه رسول ال صلى ال عليه وسلم ول يبلغهما؟! فهذا مستحيل قطعًا ((.
قلت :ل استحالة في ذلك إل نظرًا ،وهذا ليس يهمنا ،لن الواقع خلفه ،فكم من سنن
فعلية ،وأقوال نبوية؛ خفيت على كبار الصحابة رضي ال عنهم ،ولول صحة السند
بذلك عنهم ،لقلنا كما قال المؤمأ إليه
][191
هاهنا ،ول يتحمل هذا التعليق الكثار من أمثلة ذلك ،فلنقتصر على مثالين منها:
-1أن عائشة ترى أن القراء إنما هي الطهار ،كما قال أحمد في ))المسائل ( )
،( 185وروى مالك في ))الموطأ (( ) ( 2/96بسند صحيح جدًا عنها أنها قالت:
))تدرون ما القراء؟ إنما القراء الطهار ((.
ونحوه في مسائل المام أحمد لبنه عبد ال ) ص .( 231
أقول :وقد ثبت في السنة أن القرء إنما هو الحيض ،وبه قال الحنفية ،والرجل منهم،
فهل يرد حضرته مذهبه ،ول سيما أنه موافق للسنة من أجل قول عائشة هذا؟ أم
ل على نسخ ذلك كما فعل في مسألتنا هذه ؟! يجعل قولها دلي ً
-2قالت عائشة رضي ال عنها :دخل رسول ال صلى ال عليه وسلم فرأى في يدي
فتخات من ورق ،فقال :ما هذا يا عائشة؟ فقلت :صنعتهن أتزين لك يا رسول ال!
قال :أتؤدين زكاتهن؟ قلت :ل ،أو ما شاء ال ،قال :هو حسبك من النار.
37
][192
أخرجه أبو داود ) ( 1/244وغيره ،وإسناده على شرط الصحيح كما قال الحافظ في
))التخليص (( ) ،( 6/19ومحمد بن عطاء الذي في إسناده هو محمد بن عمرو بن
عطاء؛ ثقة محتج به في ))الصحيحين (( كما في ))الترغيب (( ،وظنه ابن الجوزي
ل آخر فجهله ،وضعف الحديث من أجل ذلك ،فل في ))التحقيق (( ) ( 1/198/1رج ً
يلتفت إليه.
فهذا الحديث صريح في إيجاب الزكاة على الحلي ،وهو حجة الذين ذهبوا إلى إيجابه،
ومنهم الحنفية.
ثم إنه قد ورد عن عائشة نفسها ما يعارض هذا الحديث ،وهو ما أخرجه مالك )
( 1/245عن القاسم ابن محمد ) راوي حديث الخاتم! ( أن عائشة كانت تل بنات
أخيها يتامى في حجرها لهن الحلي ،فل تخرج من حليهن الزكاة .سنده صحيح جدًا،
وتقدم نحوه من رواية أحمد.
][193
فهذه مخافة صريحة عن عائشة رضي ال عنها لحديثها فإذا جاز في حقها ذلك،
فبالحرى أن تخالف حديث غيرها ،لم تروه هي ،وهي على كل حال مأجورة ،فماذا
يقول المشار إليه في هذه المخالفة؟ أيدع الحديث والمذهب لقولها ،أم يتمسك بالحديث
ويدع قولهًا معتذرًا عنها بأي عذر مقبول كما هو الواجب؟
وعلى كل حال فقد ظهر لكل من له قلب أن ما كان يظنه مما )) ل يتصور (( أو أنه
))مستحيل قطعًا ((؛ قد أثبتناه بالسانيد الصحيحة ،ولزم ذلك أن ل يتلفت المسلم إلى
ل وعلمًاأي قول يخالف ما ثبت عنه صلى ال عليه وسلم ،مهما كان شأن قائله فض ً
وصلحًا؛ لنتفاء العصمة ،وهذا من السباب التي تشجعنا على الستمرار في خطتنا
من التمسك بالكتاب والسنة ،وعدم العتداد بما سواهما،
][194
كما صنعنا في هذه المسألة التي أسأل ال تعالى أن يوفق المسلمين للعمل بها ،وبكل
ما ثبت عنه صلى ال عليه وسلم.
ترك الحاديث لعدم العلم بها بمن عمل بها ،وجوابه
-6هذا ،ولعل فيمن ينصر السنة ويعمل بها ويدعو إليها من يتوقف عن العمل بهذه
الحاديث؛ بعذر أنه ل يعلم أحدًا من السلف قال بها ،فليعلم هؤلء الحبة أن هذا
ل في بعض المسائل التي يكون طريق تقريرها إنما هو الستنباط العذر قد يكون مقبو ً
والجتهاد فحسب ،لن النفس حينئذ ل تطمئن لها خشية أن يكون الستنباط خطأ ،ول
سيما إذا كان المستنبط من هؤلء المتأخرين الذين يقررون أمورًا لم يقل بها أحد من
المسلمين ؛ بدعوى أن المصلحة تقتضي تشريعها ،دون أن ينظروا إلى موافقتها
ل ،مثل إباحة بعضهم للربا الذي سماه بـ) الربا الستهلكي ( لنصوص الشرع أو ً
واليانصيب الخيري –زعموا -ونحوهما! أما ومسألتنا ليست من هذا القبيل ،فإن فيها
نصوصًا صريحة محكمة لم يأت ما ينسخها -كما سبق بيانه -فل يجوز ترك العمل
بها للعذر المذكور ،ول سيما أننا قد ذكرنا من قال بها مثل
][196
38
أبي هريرة رضي ال عنه ،وولي ال الدهلوي وغيرهما كما تقدم ،ول بدأن يكون
هناك غير هؤلء ممن عمل بهذه الحاديث لم نعرفهم؛ لن ال تعالى لم يتعهد لنا
ص ما من كتاب أو سنة ،وإنما تعهد بحفظها فقط كما بحفظ أسماء كل من عمل بن ّ
قال﴿ :إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون﴾ ،فوجب العمل بالنص سوءا علمنا من
قال به أو لم نعلم ،ما دام لم يثبت نسخه كما هو الشأن في مسألتنا هذه.
وأختم هذا البحث بكلمة طيبة للعلمة المحقق ابن القيم رحمه ال تعالى؛ لها مساس
كبير بما نحن فيه ،قال :في ))إعلم الموقعين (( ) :( 465 -3/464
))وقد كان السلف الطيب يشتد نكيرهم وغضبهم على من عارض حديث رسول ال
صلى ال عليه وسلم برأي أو قياس أو استحسان أو قول أحد من الناس كائنًا من كان،
ويهجرون فاعل ذلك ،وينكرون على من يضرب له المثال ،ول يسوغون غير
النقياد له صلى ال عليه وسلم ،والتسليم والتلقي بالسمع والطاعة ،ول يخطر بقلوبهم
التوقف في قبوله حتى يشهد له عمل أو قياس ،أو يوافق قول فلن وفلن ،بل كانوا
عاملين بقوله تعالى﴿ :وما كان لمؤمن ول مؤمنة إذا قضى ال ورسوله أمرًا أن يكون
لهم الخيرة من أمرهم﴾ ،وبقوله تعالى﴿ :فل ورّبك ل يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر
بينهم ثم ل يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت وُيسلموا تسليمًا﴾ ،وبقوله تعالى﴿ :
ل ما تذّكرون﴾ ،وأمثالها، اّتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ول تتبعوا من دونه أولياء قلي ً
فدفعنا إلى زمان إذا قيل لحدهم :ثبت عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال كذا
وكذا ،يقول :من قال هذا؟ دفعًا في صدر الحديث ،ويجعل جهله بالقائل حجة له في
مخالفته وترك العمل به ،ولو نصح نفسه لعلم أن هذا الكلم من أعظم الباطل ،وأنه ل
يحل له دفع سنن رسول ال صلى ال عليه وسلم بمثل هذا الجهل ،وأقبح من ذلك
عذره في جهله ،إذ يعتقد أن الجماع منعقد على مخالفة تلك السنة ،وهذا سوء ظن
بجماعة المسلمين؛ إذ ينسبهم إلى اتفاقهم على مخالفة سنة رسول ال صلى ال عليه
وسلم ،وأقبح من ذلك عذره في دعوى هذا الجماع ،وهو جهله وعدم علمه بمن قال
بالحديث ،فعاد المر إلى تقديم جهله على السنة .وال المستعان ((.
][197
-40وجوب إحسان عشرة الزوجة:
ويجب عليه أن يحسن عشرتها ،ويسايرها فيما أحل ال لها – ل فيما حرم ، -ول
سيما إذا كانت حديثة السن ،وفي ذلك أحاديث:
الول :قوله صلى ال عليه وسلم:
))خيركم خيركم لهله،وأنا خيركم لهلي ((الطحاوي وشطره الول الحاكم
وصححه.
الثاني :قوله صلى ال عليه وسلم في خطبة حجة الوداع:
][198
)) ...أل واستوصوا بالنساء خيرًا ،فإنهن عوان عندكم ،ليس تملكون منهن شيئًا غير
ذلك؛ إل أن يأتين بفاحشة مبينة ،فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع ،واضربوهن
ل .إل إن لكم على نسائكم حقًا، ضربًا غير مبرح ،فإن أطعنكم فل تبغوا عليهن سبي ً
ولنسائكم عليكم حقًا ،فأما حقكم على نسائكم؛ فل يوطئن فرشكم من تكروهن ،ول
39
ن في بيوتكم لمن تكرهون ،أل وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن يأذ ّ
وطعامهن ((أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح ،وابن ماجه،وصححه ابن القيم.
][199
الثالث:قوله صلى ال عليه وسلم :
ن مؤمنة ،إن كره منها خلقًا رضي منها آخر (( مسلم ))ل يفرك) أي ل يبغض ( مؤم ٌ
وغيره.
الرابع :قوله صلى ال عليه وسلم:
))أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا ،وخيارهم خيارهم لنسائهم (( .الترمذي وأحمد.
وهو حسن السناد.
][200
الخامس :عن عائشة رضي ال عنها قالت:
))دعاني رسول ال صلى ال عليه وسلم ]والحبشة يلعبون بحرابهم في المسجد[،
]في يوم عيد[ ،فقال لي] :يا حميراء أتحبين أن تنظري إليهم؟ فقلت :نعم[
][201
]فأقامني وراءه[ ،فطأطأ لي منكبيه لنظر إليهم] ،فوضعت ذقني على عاتقه،
وأسندت وجهي إلى خده[ ،فنظرت من فوق منكبيه ) وفي رواية :من بين أذنه وعاتقه
( ]وهو يقول :دونك يا بني أرفده[ فجعل يقول :يا عائشة! ما شبعت! فأقول :ل،
لنظر منزلتي عنده[ حتى شبعت.
][202
]قالت :ومن قولهم يومئذ :أبا القاسم طيبًا[ وفي رواية)) :حتى إذا مللت ،قال :حسبك؟
قلت نعم ،قال :فاذهبي (( ،وفي أخرى)) :قلت :ل تعجل ،فقام لي ،ثم قال :حسبك؟
قلت :ل تعجل] ،ولقد رأيته يرواح بين قدميه[ ،قالت :ما بي حب النظر إليهم ،ولكن
أحببت أن يبلَغ النساء مقاُمه لي ،ومكاني منه] وأنا جارية[] ،فاقدروا قدر
الجارية]العربة[ الحديثة السن ،الحريصة على اللهو[] ،قالت :فطلع عمر ،فتفرق
الناس عنها والصبيان ،فقال النبي صلى ال عليه وسلم :رأيت شياطين النس والجن
فروا من عمر[] ،قالت عائشة :قال صلى ال عليه وسلم يومئٍذ :لتعلم يهود أن في
ديننا فسحة[ (( .البخاري ومسلم وغيرهم.
][203
السادس :عنها أيضًا قالت:
))قدم رسول ال صلى ال عليه وسلم من غزوة تبوك أو خيبر ،وفي سهوتها ستر،
فهبت ريح ،فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة ُلَعب ،فقال :ما هذا عائشة؟ قالت:
بناتي ،ورأى بينهن فرسًا له جناحان من رقاع ،فقال :ما هذا الذي أرى وسطهن؟
قالت :فرس ،قال :وما هذا الذي عليه؟ قال :جناحان ،قال :فرس له جناحان؟ قالت:
ل لها أجنحة؟ قالت :فضحك حتى رأيت نواجذه (( .أبو أما سمعت أن لسليمان خي ً
داود والنسائي بسند صحيح.
][204
السابع :عنها أيضًا:
40
)) أنها كانت مع رسول ال صلى ال عليه وسلم في سفره ،وهي جارية ]قالت :لم
أحمل اللحم ،ولم أبدن[ ،فقال لصحابه :تقدموا] ،فتقدموا[ ،ثم قال :تعالي أسابقك،
فسابقته ،فسبقته على رجلي ،فلما كان بعد ،خرجت معه في سفر ،فقال لصحابه:
تقدموا ،ثم قال :تعالي أسابقك ،ونسيت الذي كان ،وقد حملت اللحم] ،وبّدنت[ ،فقلت:
كيف أسابقك يا رسول ال صلى ال عليه وسلم وأنا على هذه الحال؟ فقال :لتفعلن،
فسابقته ،فسبقني ،فـ]جعل يضحك ،و[ قال :هذه بتلك السبقة ((.
الحميدي في مسنده وأبو داود والنسائي والطبراني.
][205
الثامن :عنها أيضًا قالت:
))إن كان رسول ال صلى ال عليه وسلم ليؤتى بالناء ،فأشرب منه وأنا حائض ،ثم
ي ،وإن كنت لخذ العرق فآكل منه ،ثم يأخذه فيضع فاه يأخذه فيضع فاه على موضع ف ّ
ي (( .مسلم وأحمد وغيرهما. على موضع ف ّ
التاسع :عن جابر بن عبد ال ،وجابر بن عمير ،قال :قال رسول ال صلى ال عليه
وسلم :
))كل شيء ليس فيه ذكر ال ،فهو ]لغٌو[ وسهو ولعب ،إل أربع ]خصال[ :ملعبة
الرجل امرأته ،وتأديب الرجل فرسه ،ومشيه بين الغرضين ،وتعليم الرجل
السباحة (( النسائي والطبراني وأبو نعيم بإسناد صحيح.
][206
-41وصايا إلى الزوجين:
وختامًا أوصي الزوجين:
ل :أن يتطاوعا ويتناصحا بطاعة ال تبارك وتعالى ،واتباع أحكامه الثابتة في أو ً
الكتاب والسنة ،ول يقدما عليها تقليدًا أو عادة غلبت على الناس ،أو مذهبًا فقد قال عز
وجل﴿ :وما كان لمؤمن ول مؤمنة إذا قضى ال ورسوله أمرًا أن يكون لُهم الخيرة
ل مبينًا﴾ ]الحزاب.[36 : من أمرهم ومن يعص ال ورسوله فقد ضل ضل ً
ثانيًا :أن يلتزم كل واحد منهما القيام بما فرض ال عليه من الواجبات والحقوق تجاه
ل -أن تساوي الرجل في جميع حقوقه ،ول يستغل الخر ،فل تطلب الزوجة -مث ً
الرجل ما فضله ال تعالى به عليها من السيادة
][207
والرياسة ؛ فيظلمها ،ويضربها بدون حق ،فقد قال ال عز وجل:
﴿ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة وال عزيز حكيم﴾ ]البقرة:
،[228وقال:
ن َأْمَواِلِهْم
ض َوِبَما َأنَفُقوْا ِم ْعَلى َبْع ٍ ضُهْم َ ل َبْع َ لا ّ ضَساء ِبَما َف ّعَلى الّن َ
ن َل َقّواُمو َ جا ُ﴿الّر َ
ظوُه ّ
ن ن َفِع ُشوَزُه ّ ن ُن ُ خاُفو َ
لِتي َت َل َوال ّ ظا ّ حِف َ
ب ِبَما َ
ت ّلْلَغْي ِ
ظا ٌ
حاِف َ
ت َ ت َقاِنَتا ٌ
حا ُصاِل َ
َفال ّ
ل َكا َ
ن نا ّ ل ِإ ّ
سِبي ًن َ عَلْيِه ّ
ل َتْبُغوْا َ
طْعَنُكْم َف َ
ن َأ َ
ن َفِإ ْ
ضِرُبوُه ّ
جِع َوا ْ ضا ِ
ن ِفي اْلَم َ جُروُه ّ َواْه ُ
عِلّيا َكِبيرًا﴾ ]النساء.[34 : َ
][208
41
وقد قال معاوية بن حيدة رضي ال عنه :يا رسول ال! ما حق زوجة أحدنا عليه؟
قال :أن تطعمها إذا طعمت ،وتكسوها إذا اكتسيت ،ول تقبح الوجه ،ول تضرب،
]ول تهجر إل في البيت ،كيف وقد أفضى بعضكم إلى بعض؛ إل بما حل عليهن[ أبو
داود والحاكم وأحمد بسند حسن.
وقال صلى ال عليه وسلم :
))المسقطون يوم القيامة على منابر من نور على يمين الرحمن -وكلتا يديه يمين-
الذين يعدلون في
][209
حكمهم وأهليهم وما ولوا (( .مسلم وابن منده وقال)) :حديث صحيح ((.
ل به ،أحياهما ال تبارك وتعالى حياة طيبة ،وعاشا -ما عاشا فإذا هما عرفا ذلك وعم ً
معًا -في هناء وسعادة ،فقد قال عز وجل﴿ :من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو
مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم أحسن ما كانوا يعملون﴾ ]النحل.[97 :
ثالثًا :وعلى المرأة بصورة خاصة أن تطيع زوجها فيما يأمرها به في حدود
استطاعتها ،فإن هذا مما فضل ال به الرجال على النساء كما في اليتين السابقتين﴿ :
الرجال قوامون على النساء﴾﴿ ،وللرجال عليهن درجة﴾ ،وقد جاءت أحاديث كثيرة
صحيحة مؤكدة لهذا المعنى ،ومبينة بوضوح ما للمرأة ،وما عليها؛ إذا هي أطاعت
زوجها أو عصته ،فل بد من إيراد بعضها ،لعل
][210
فيها تذكيرًا لنساء زماننا ،فقد قال تعالى﴿ :وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين﴾.
الحديث الول)) :ل يحل لمرأة أن تصوم ) وفي رواية :ل تصم المرأة ( وزوجها
شاهد إل بإذنه]غير رمضان[ ،ول تأذن في بيته إل بإذنه ((البخاري ومسلم
وغيرهما.
][211
الثاني)) :إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته ،فبات غضبان عليها ،لعنتها
الملئكة حتى تصبح ) ،وفي رواية :أو حتى ترجع ،وفي أخرى :حتى يرضى عنها (
((.
الثالث)) :والذي نفسي محمد بيده ،ل تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها،
ولو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه من ]نفسها[ ((حديث صحيح .رواه ابن
ماجه وغيره.
][212
الرابع)) :ل تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إل قالت زوجته من الحور العين :ل تؤذيه
قاتلك ال ،فإنما هو عندك دخيل يوشك أن يفارقك إلينا ((.
][213
الخامس :عن حصين بن محصن قال :حدثتني عمتي قالت:
))أتيت رسول ال صلى ال عليه وسلم في بعض الحاجة ،فقال :أي هذه! أذات بعل؟
قلت :نعم ،قال :كيف أنت له؟ قالت :ما آلوه؛ إل ما عجزت عنه ،قال] :فانظري[ أين
42
أنت منه؟ فإنما هو جنتك ونارك ((رواه ابن أبي شيبة ،وابن سعد ،والنسائي،
والطبراني.
][214
السادس :إذا صلت المرأة خمسها ،وحصنت فرجها ،وأطاعت بعلها ،دخلت من أي
أبواب الجنة شاءت (( .حديث حسن أو صحيح له طرق.
وجوب خدمة المرأة لزوجها
قلت :وبعض الحاديث المذكورة آنفًا ظاهرة الدللة على وجوب طاعة الزوجة
لزوجها وخدمتها إياه في حدود استطاعتها ،ومما ل شك فيها أن من أول ما يدخل في
ذلك الخدمة في منزله ،وما يتعلق به من تربية أولده ونحو ذلك ،وقد اختلف العلماء
في هذا ،فقال شيخ السلم ابن تيمية في ))الفتاوى (( ) :( 235 -2/234
][215
))وتنازع العلماء ،هل عليها أن تخدمه في مثل فراش المنزل ،ومناولة الطعام
والشراب ،والخبز والطحن والطعام لممالكيه وبهائمه ،مثل علف دابته ونحو ذلك ؟
فمنهم من قال:
ل تجب الخدمة .وهذا القول ضعيف ،كضعف قول من قال :ل تجب عليه العشرة
والوطء! فإن هذا ليس معاشرة له بالمعروف ،بل الصاحب في السفر الذي هو نظير
النسان وصاحبه في المسكن؛ إن لم يعاونه على مصلحته؛ لم يكن قد عاشره
بالمعروف.
وقيل -وهو الصواب : -وجوب الخدمة ،فإن الزوج سيدها في كتاب ال ،وهي عانية
عنده بسنة رسول ال صلى ال عليه وسلم؛ ) كما تقدم ص ،( 270وعلى العاني
والعبد الخدمة ،ولن ذلك هو المعروف.
ن هؤلء من قال :تجب الخدمة اليسيرة ،ومنهم من قال :تجب الخدمة بالمعروف. ثم ِم ْ
وهذا هو الصواب ،فعليها أن تخدمه الخدمة المعروفة من مثلها
][216
لمثله ،ويتنوع ذلك بتنوع الحوال ،فخدمة البدوية ليست كخدمة القوية ،وخدمة القوية
ليست كخدمة الضعيفة ((.
قلت :وهذا هو الحق إن شاء ال تعالى؛ أنه يجب على المرأة خدمة البيت ،وهو قول
مالك وأصبغ كما في ))الفتح (( ) ،( 9/418وأبي بكر بن أبي شيبة ،وكذا
الجوزجاني من الحنابلة كما في ))الختيارات (( ) ص ،( 145وطائفة من السلف
ل صالحًا. والخلف ،كما في ))الزاد (( ) ،( 4/46ولم نجد لمن قال بعدم الوجوب دلي ً
وقول بعضهم)) :إن عقد النكاح إنما اقتضى الستمتاع ل الستخدام ،مردود بأن
الستمتاع حاصل للمرأة أيضًا بزوجها ،فهما متساويان في هذه الناحية ،ومن المعلوم
أن ال تبارك وتعالى قد أوجب على الزوج شيئًا آخر لزوجته ،أل وهو نفقتها
وكسوتها ومسكنها ،فالعدل يقتضي أن يجب عليها مقابل ذلك شيء آخر أيضًا
لزوجها ،وما هو إل خدمتها إياه ،ول سيما أنه القّوام عليها بنص القرآن الكريم كما
سبق ،وإذا لم تقم هي
][217
43
بالخدمة فسيضطر هو إلى خدمتها في بيتها ،وهذا يجعلها هي القوامة عليه ،وهو
عكس للية القرآنية كما ل يخفى ،فثبت أنه ل بد لها من خدمته ،وهذا هو المراد.
وأيضًا؛ فإن قيام الرجل بالخدمة يؤدي إلى أمرين متباينين تمام التباين؛ أن ينشغل
الرجل بالخدمة عن السعي وراء الرزق وغير ذلك من المصالح ،وتبقى المرأة في
ل عن أي عمل ي عليها القيام به ،ول يخفى فساد هذا في الشريعة التي بيتها عط ً
سوت بين الزوجين في الحقوق ،بل وفضلت الرجل عليها درجة ،ولهذا لم ُيِز ِ
ل
الرسول صلى ال عليه وسلم شكوى ابنته فاطمة عليها السلم حينما:
))أتت النبي صلى ال عليه وسلم تشكو إليه ما تلقى في يدها من الرحى ،وبلغها أنه
جاءه رقيق ،فلم تصادفه ،فذكرت لعائشة ،فلما جاء ،أخبرته عائشة ،قال علي رضي
ال عنه :فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا ،فذهبنا نقوم ،فقال :على مكانكما ،فجاء ،فقعد
بيني وبينها حتى وجدت برد قدميه على بطني ،فقال :أل أدلكما على خير مما سألتما؟
إذا أخذتما مضاجعكما ،أو أويتما إلى فراشكما ،فسبحا ثلثًا وثلثين ،واحمدا ثلثا
][218
وثلثين ،وكبرا أربعًا وثلثين ،فهو خير لكما من خادم]قال علي :فما تركتها بعد،
قيل :ول ليلة صفين؟ قال :ول ليلة صفين![ ((.
رواه البخاري) .( 418 -9/417
فأنت ترى أن النبي صلى ال عليه وسلم لم يقل لعلي :ل خدمة عليها ،وإنما هي
عليك ،وهو صلى ال عليه وسلم ل يحابي في الحكم أحدًا كما قال ابن القيم رضي ال
عنه ،ومن شاء زيادة البحث في هذه المسألة فليرجع إلى كتابه القيم ))زاد المعاد ((
) .( 46 -4/45
هذا وليس فيما سبق من وجوب خدمة المرأة لزوجها ما ينافي استحباب مشاركة
الرجل لها في ذلك ،إذا وجد الفراغ والوقت ،بل هذا من حسن المعاشرة بين
الزوجين ،ولذلك قالت السيدة عائشة رضي ال عنها:
))كان صلى ال عليه وسلم يكون في مهنة أهله ،يعني خدمة أهله ،فإذا حضرت
الصلة خرج إلى الصلة ((.
رواه البخاري ) 2/129و ،( 9/418والترمذي ) ،( 3/314وصححه ،والمخّلص
من الثالث من
][219
السادس من ))المخّلصيات (( ) ،( 66/1وابن سعد ) .( 1/366ورواه في
))الشمائل (( ) ( 2/185من طريق أخرى عنها بلفظ:
))كان بشرًا من البشر؛ يفلي ثوبه ،ويحلب شاته ،ويخدم نفسه ((.
ورجاله رجال الصحيح ،وفي بعضهم ضعف .لكن رواه أحمد وأبو بكر الشافعي بسند
قوي كما حققته في ))سلسلة الحاديث الصحيحة (( ) رقم ،( 670وال ولي التوفيق.
وهذا آخر ما وفقنا ال تبارك وتعالى لذكره من آداب الزفاف في هذه الرسالة.
و))سبحانك اللهم وبحمدك ،أشهد أن ل إله إل أنت ،أستغفرك وأتوب إليك ((.
44