You are on page 1of 44

‫آداب الزفاف‬

‫في السنة المطهرة‬

‫تأليف العلمة المحدث‬


‫محمد ناصر الدين اللباني‬

‫المكتب السلمي‬
‫ط ‪1409‬هـ‬

‫‪1‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬

‫مقدمة‬
‫حمدًا ل‪ ،‬وصلًة وسلمًا على نبيه وآله وصحبه ومن واله‪ ،‬وعلى كل من اهتدى‬
‫بهداه‪.‬‬
‫أما بعد ‪ :‬فقد كان الباعث على تأليف هذه الرسالة وإخراجها للناس لول مرة‪ ،‬تحقيق‬
‫رغبة أخينا في ال تبارك وتعالى الستاذ عبد الرحمن ألباني‪ ،‬فإنه‪ -‬جزاه ال خيرًا‪-‬‬
‫اقترح تأليفها بمناسبة بنائه على زوجه‪ ،‬ففعلت‪ ،‬ثم قام هو بطبعها على نفقته ‪،‬‬
‫ووزعها مجانًا في حفلة زفافه‪ ،‬مكان ما جرى الناس عليه من توزيع السكاكر‬
‫والحلويات وغيرها‪ ،‬مما ل يبقى أثره ول يدوم نفعه‪ ،‬فكان ذلك منه سنة حسنة‪ ،‬من‬
‫حسناته الكثيرة‪ -‬إن شاء ال‪ -‬ما أحوج المسلمين إلى القتداء به فيها‪ ،‬والسير على‬
‫منوالها‪.‬‬
‫ثم لما نفدت نسخ الطبعة الولى‪ ،‬وكان من تمام‬
‫]‪[6‬‬
‫الستفادة منها‪ ،‬تعميم نشرها على الناس في مختلف القطار والمصار‪ ،‬رأى‬
‫ي بالطلب‪ ،‬فاستجبت لذلك‪ ،‬وتفرغت له بعض‬ ‫كثيرون إعادة طبعها‪ ،‬وألحوا عل ّ‬
‫الوقت‪ ،‬فأضفت إليها زيادات كثيرة‪ ،‬فاتني إيرادها في الطبعة الولى بسبب السرعة‬
‫التي تم بها تأليفها وإخراجها‪.‬‬
‫وقد رأيت أن أوسع الكلم في بعض المسائل الهامة التي أساء بعض الناس فهمها في‬
‫هذا العصر أو قبله‪ ،‬فبينت‪ -‬ما استطعت‪ -‬خطأهم فيها‪ ،‬وبعدهم عن الصواب فيما‬
‫قالوه حولها‪ ،‬وذلك بالحجة والبرهان‪ ،‬ليكون القارئ الكريم على بينة من أمره‪،‬‬
‫وبصيرة من دينه‪ ،‬فل يتأثر بشبهات الشاكين‪ ،‬وجدال المبطلين‪ ،‬وقلة السالكين‪ ،‬في‬
‫زمن أصبح التمسك فيه بالسنة غريبًا في بني دينه المحاولين التمسك به‪ ،‬فكيف هو‬
‫في المخالفين له‪ ،‬الصادين عنه؟!‬
‫أسأل ال تبارك وتعالى أن يجعلنا من عباده القليل الذين قال فيهم نبيه صلى ال عليه‬
‫وسلم‪:‬‬
‫ن السلم بدأ غريبًا‪ ،‬وسيعود غريبًا كما بدأ‬ ‫وإ ّ‬
‫]‪[7‬‬
‫فطوبى للغرباء (( مسلم ‪.‬‬
‫وأقدم بين يدي الرسالة الكلمة الهامة التي كان العلمة الشيخ محب الدين الخطيب‬
‫تفضل بكتابتها وطبعها في مقدمة الطبعة الولى‪ ،‬لما فيها من فوائد ومواعظ‪ ،‬وهي‬
‫في رأيي تمهيد قوي لنساء هذا العصر لكي يتيسر لهن العمل بما جاء في هذه الرسالة‬
‫مما لم يألفنه‪ ،‬بل ولم يسمعن به من قبل‪ ،‬فاللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه‪ ،‬وأرنا‬
‫ل وارزقنا اجتنابه‪ ،‬إنك سميع مجيب‪.‬‬ ‫الباطل باط ً‬
‫دمشق في ‪25/10/1376‬هـ ‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫]‪[9‬‬
‫مقدمة الطبعة الولى‬
‫بقلم فضيلة الشيخ محب الدين الخطيب‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫الحمد ل رب العالمين‪ ،‬ول رب لهم غيره‪ ،‬ول يطاع في السر والعلن سواه‪ ،‬وصلى‬
‫ال على معلم الناس الخير محمٍد هادي النسانية إلى سنة الحق‪ ،‬وعلى آله وصحبه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫وبعُد؛ فإن جماهير المسلمين ل يزالون في مثل عقول الطفال؛ يلهيهم ما يلهي‬
‫الطفال‪ ،‬يلهيهم ما يلهي الطفال‪ ،‬ويصرفهم عن مناهج الخير وأهداف الحق كل ما‬
‫يصرف الطفال من ألعيب وتوافه وأوهام‪ ،‬حتى يتحروا سنة السلم في العتدال‪،‬‬
‫وهدايته في التحرر من كل ما استعبدوا له من الملهي والسفاسف والزخارف‬
‫والشهوات‪ ،‬وحينئذ‬
‫]‪[10‬‬
‫يرجعون إلى ربهم‪ ،‬فيحفظ لهم عقولهم‪ ،‬ويبارك لهم في أوقاتهم وأعمالهم وجهودهم‪،‬‬
‫ويدخر لهم ثروتهم وأسباب قوتهم‪ ،‬فيستعملونها فيما ينفعهم‪ ،‬ويكون بهم عزهم‪،‬‬
‫ويعلو به سلطانهم‪.‬‬
‫وتحري سنة السلم في العتدال‪ ،‬والنتفاع بهدايته في التحرر من السفاسف التي‬
‫صار السملمون مستعبدين لها منذ أكثر من ألف سنة‪ ،‬يتوقف على أمرين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬إخلص العلماء العاملين الذين يبينون للمة سنن دينها في كل ناحية من‬
‫النواحي التي تتناولها رسالة السلم‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬ازدياد عدد المسلمين الذين يوطنون أنفسهم في ترديد ذلك البيان العلمي‬
‫بالعمل به‪ ،‬حتى يتلقاه عنهم بالقدوة من ل يتيسر لهم تلقيه بالدرس والتعلم‪.‬‬
‫وهذه الرسالة اللطيفة نموذج لناحية من النواحي التي تناولتها رسالة السلم بالسنن‬
‫الصحيحة عن معلم‬
‫]‪[11‬‬
‫الناس الخير صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬في حفلت الزفاف وآدابه وولئمه‪ ،‬وهي الناحية‬
‫التي أسرف فيها المسلمون بالبعد عن سنن السلم‪ ،‬حتى أوغلوا ل في الجاهلية‬
‫الولى التي امتازت‪ -‬في هذه الناحية‪ -‬بفطرة العروبة وتحررها من بذخ المترفين‪ ،‬بل‬
‫في الجاهلية الطارئة التي تشبهت فيها كل طبقة بالطبقة التي سبقتها إلى النار‪ ،‬حتى‬
‫أصبحت أعباء الزواج وتكاليفه فوق طاقة الناس‪ ،‬فكادوا ينصرفون عنه‪ -‬وهو في‬
‫نفسه من سنة السلم‪ -‬لنهم انصرفوا فيه عن سنن السلم‪ ،‬فأوقعهم ذلك في شر‬
‫أنواع الجاهلية‪.‬‬
‫وبعد أن تهيأت لهذه الرسالة المناسبة التي عينت موضوعها ‪ ،‬تهيأ لها مؤلف من‬
‫دعاة السنة الذين وقفوا حياتهم على العمل لحيائها‪ ،‬وهو أخونا بالغيب الشيخ أبو عبد‬
‫الرحمن محمد ناصر نوح نجاتي اللباني‪ ،‬فوضع بين أيدي المسلمين النصوص‬
‫الصحيحة والحسنة من سنة رسول ال صلى ال عليه وسلم في آداب الزفاف‪ ،‬وحبذا‬
‫لو كان قد اّتسع له الوقت وواتته السباب‪ ،‬فاستقصى كل ماورد من ذلك في الحياة‬

‫‪3‬‬
‫الزوجية‪ ،‬وآداب البيت‪ ،‬وما ينبغي أن تكون عليه السرة السلمية‪ .‬ولكن ظهور‬
‫الهلل في‬
‫]‪[12‬‬
‫ل‪.‬‬
‫ليلته الولى‪ ،‬قد يشعر بما يليه من مطالع صفحات القمر حتى يكون بدرًا كام ً‬
‫وكما تهيأ لهذه الرسالة موضوعها والمؤلف الذي يستوفيه‪ ،‬تهيأ لها كذلك المسلم‬
‫الول والمسلمة الولى اللذان آليا أن يكونا قدوة للمسلمين في العتدال والتحرر من‬
‫العبودية للسفاسف والملهي وتوافه العادات‪ ،‬عندما استخارا ال‪ ،‬فخار لهما أن يبنيا‬
‫البيت المسلم الطاهر‪ ،‬والسرة السلمية المتحررة من تقاليد الجاهلية الجنبية عنا‪،‬‬
‫والطارئة علينا‪ .‬فأرجو ال عز وجل أن يأخذ بيد أخي المؤمن المجاهد الستاذ السيد‬
‫عبد الرحمن الباني في جميع مراحل حياته‪ ،‬حتى يحقق له آماله‪ ،‬ملتزمًا سنة السلم‬
‫في ذلك ما استطاع‪.‬‬
‫ل من تاريخ نساء العروبة‬ ‫وأختم هذه الكلمة بأن أضرب لعروسه المسلمة الفاضلة مث ً‬
‫والسلم‪ ،‬ينبغي لكل مسلمة أن تجعله نصب عينيها‪ ،‬لتكون من الخالدات إن شاء ال‪.‬‬
‫إن فاطمة بنت أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان‬
‫]‪[13‬‬
‫كان لبيها‪ -‬يوم تزوجت‪ -‬السلطان العظم على الشام والعراق والحجاز واليمن‬
‫وإيران والسند وقفقاسيا والقرم وما وراء النهر إلى نجارا وجنوة شرقًا‪ ،‬وعلى مصر‬
‫والسودان وليبيا وتونس والجزائر والمغرب القصى وإسبانيا غربًا‪ .‬ولم تكن فاطمة‬
‫هذه بنت الخليفة العظم وحسب‪ ،‬بل كانت كذلك أخت أربعة من فحول خلفاء‬
‫السلم‪ ،‬وهم‪ :‬الوليد بن عبد الملك‪ ،‬وسليمان بن عبد الملك‪ ،‬ويزيد بن عبد الملك‪،‬‬
‫وهشام بن عبد الملك‪ ،‬ويزيد بن عبد الملك‪ ،‬وهشام بن عبد الملك‪ ،‬وكانت فيما بين‬
‫ذلك زوجة أعظم خليفة عرفه السلم بعد خلفاء الصدر الول‪ ،‬وهو أمير المؤمنين‬
‫عمر بن عبد العزيز‪.‬‬
‫وهذه السيدة التي كانت بنت خليفة‪ ،‬وزوجة خليفة‪ ،‬وأخت أربعة من الخلفاء‪ ،‬خرجت‬
‫من بيت أبيها إلى بيت زوجها يوم زفت إليه وهي مثقلة بأثمن ما تملكه امرأة على‬
‫وجه الرض من الحلي والمجوهرات‪ ،‬ويقال‪ :‬إن من هذه الحلي قرطي مارية اللذين‬
‫اشتهرا في التاريخ‪ ،‬وتغنى بهما الشعراء‪ ،‬وكانا وحدهما يساويان كنزًا‪ .‬ومن فضول‬
‫القول أن أشير إلى أن عروس عمر بن‬
‫]‪[14‬‬
‫عبد العزيز كانت في بيت أبيها تعيش في نعمة ل تعلوا عليها عيشة امرأة أخرى في‬
‫الدنيا لذلك العهد‪ ،‬ولو أنها استمرت في بيت زوجها تعيش كما كانت تعيش قبل ذلك‬
‫لتمل كرشها في كل يوم وفي كل ساعة بأدسم المأكولت وأندرها وأغلها‪ ،‬وتنعم‬
‫نفسها بكل أنواع النعيم الذي عرفه البشر‪ ،‬لستطاعت ذلك‪ .‬إل أني ل أذيع مجهو ً‬
‫ل‬
‫بين الناس إن قلت‪ :‬إن عيشة البذخ والترف قد تضرها في صحتها من حيث يتمتع‬
‫بالعافية المعتدلون‪ ،‬وقد تكسبها هذه العيشة الحقد والحسد والكراهية من أهل الفاقة‬
‫والمعدمين‪ ،‬زد على ذلك أن العيشة مهما اختلفت ألوانها تكون مع العتياد مألوفة‬
‫ومملولة‪ ،‬والذين بلغوا من النعيم أقصاه يصدمون بالفاقة عندما تطلب أنفسهم ما رواه‬

‫‪4‬‬
‫ذلك‪ ،‬فل يجدونه‪ ،‬بينما المعتدلون يعملون أن في متناول أيديهم وراء الذي هم فيه‪،‬‬
‫وأنهم يجدونه متى شاؤوا‪ ،‬غير أنهم اختاروا التحرر منه ومن سائر الكماليات‪،‬‬
‫ليكونوا أرفع منها‪ ،‬وليكونوا غير مستعبدين لشهواتها‪ ،‬ولذلك اختار الخليفة العظم‬
‫عمر بن عبد العزيز‪ -‬في الوقت الذي كان فيه أعظم ملوك الرض‪ -‬أن‬
‫]‪[15‬‬
‫تكون نفقة بيته بضعة دراهم في اليوم‪ ،‬ورضيت بذلك زوجة الخيلفة التي كانت بنت‬
‫خليفة وأخت أربعة من الخلفاء‪ ،‬فكانت مغتبطة بذلك؛ لنها تذوقت القناعة‪ ،‬وتمتعت‬
‫بحلوة العتدال‪ ،‬فصارت هذه اللذة وهذه الحلوة أطيب لها وأرضى لنفسها من كل‬
‫ما كانت تعرفه قبل ذلك من صنوف البذخ وألوان الترف‪ .‬بل اقترح عليها زوجها أن‬
‫تترفع عن عقلية الطفولة فتخرج عن هذه اللعيب والسفاسف التي كانت تبهرج بها‬
‫أذنيها وعنها وشعرها ومعصميها مما ل يسمن ول يغني من جوع‪ ،‬ولو بيع لشبع‬
‫ثمنه بطون شعب برجاله ونسائه وأطفاله‪ ،‬فاستجابت له‪ ،‬واستراحت من أثقال الحلي‬
‫والمجوهرات واللليء والدرر التي حملتها معها من بيت أبيها‪ ،‬فبعثت بذلك كله إلى‬
‫بيت مال المسلمين‪ .‬وتوفي عقب ذلك أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز ولم يخلف‬
‫لزوجته وأولده شيئًا‪ ،‬فجاءها أمين بيت المال‪ ،‬وقال لها‪ :‬إن مجوهراتك يا سيدتي ل‬
‫تزال كما هي‪ ،‬وإني اعتبرتها أمانة لك‪ ،‬وحفظتها لهذا اليوم‪ ،‬وقد جئت أستأذنك في‬
‫إحضارها‪ .‬فأجابته بأنها وهبتها لبيت مال المسلمين طاعة‬
‫]‪[16‬‬
‫لمير المؤمنين ‪ ،‬ثم قالت‪)) :‬وما كنت لطيعه حيًا وأعصيه ميتًا ((‪ .‬وأبت أن تسترد‬
‫من مالها الحلل الموروث ما يساوي المليين الكثيرة‪ ،‬في الوقت الذي كانت محتاجة‬
‫فيه إلى دريهمات‪ ،‬وبذلك كتب ال لها الخلود‪ ،‬وها نحن نتحدث عن شرف معدنها‪،‬‬
‫ورفيع منزلتها بعد عصور وعصور‪ ،‬رحمها ال‪ ،‬وأعلى مقامهما في جنات النعيم‪.‬‬
‫إن أهنأ العيش هو العيش المعتدل في كل شيء‪ ،‬وكل عيش مهما خشن أو نعم‪ ،‬إذا‬
‫اعتاده أهله ألفوه وارتاحوا إليه‪ ،‬والسعادة هي الرضا‪ ،‬والحر هو الذي يتحرر من كل‬
‫ما يستطيع الستغناء عنه‪ ،‬وذلك هو الغنى بالمعنى السلمي والمعنى النساني‪،‬‬
‫جعلنا ال من أهله‪.‬‬
‫‪17‬ذي الحجة سنة ‪1371‬هـ‬
‫‪ 7‬سـبتمبر سـنة ‪1952‬م‬
‫محب الدين الخطيب‬

‫‪5‬‬
‫]‪[17‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫الحمد ل القائل في محكم كتابه‪﴿ :‬ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا‬
‫إليها وجعل بينكم موّدة ورحمة﴾ ]الروم‪ .[21 :‬والصلة والسلم على نبيه محمد الذي‬
‫ورد عنه فيما ثبت من حديثه‪)) :‬تزّوجوا الودود الولود‪ ،‬فإني مكاثر بكم النبياء يوم‬
‫القيامة (( رواه أحمد والطبراني بسند صحيح‪.‬‬
‫وبعد؛ فإن لمن تزوج وأراد الدخول بأهله آدابًا في السلم‪ ،‬قد ذهل عنها‪ ،‬أو جهلها‬
‫أكثر الناس‪ ،‬حتى المتعبدين منهم‪ ،‬فأحببت أن أضع في بيانها هذه الرسالة المفيدة‬
‫بمناسبة زفاف أحد الحبة‪ ،‬إعانة له ولغيره من الخوة المؤمنين‪ ،‬على القيام بما‬
‫شرعه سيد المرسلين‪.‬‬
‫]‪[18‬‬
‫عن رب العالمين ‪ ،‬وعقبتها بالتنبيه على بعض المور التي تهم كل متزوج‪ ،‬وقد‬
‫ابُتلي بها كثير من الزوجات‪.‬‬
‫اسأل ال تعالى أن ينفع بها‪ ،‬وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم‪ ،‬إنه هو البر الرحيم‪.‬‬
‫وليعلم أن آداب الزفاف كثيرة‪ ،‬وإنما يعنيني منها في هذه العجالة؛ ما ثبت منها في‬
‫السنة المحمدية‪ ،‬مما ل مجال لنكارها من حيث إسنادها‪ ،‬أو محاولة التشكيك فيها من‬
‫جهة مبناها؛ حتى يكون القائم بها على بصيرة من دينه‪ ،‬وثقة من أمره‪ ،‬وإني لرجو‬
‫أن يختم ال له بالسعادة‪ ،‬جزاء افتتاحه حياته الزوجة بمتابعة السنة‪ ،‬وأن يجعله من‬
‫عباده الذين وصفهم بأن من قولهم‪﴿ :‬ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قّرة أعين‬
‫واجعلنا للمتقين إماما﴾‪] .‬الفرقان‪ .[74 :‬والعاقبة للمتقين كما قال رب العالمين‪﴿ :‬إن‬
‫المتقين في ظلل وعيون‪ .‬وفواكه مما يشتهون‪ .‬كلوا واشربوا هنيئًا بما كنتم تعملون ‪.‬‬
‫إنا كذلك نجزي المحسنين﴾ ]المرسلت‪.[44 -41 :‬‬
‫وهاك تلك الداب‪:‬‬
‫]‪[19‬‬
‫‪ -1‬ملطفة الزوجة عند البناء بها‪:‬‬
‫يستحب له إذا دخل على زوجته أن يلطفها‪ ،‬كأن يقدم إليها شيئًا من الشراب ونحوه؛‬
‫لحديث أسماء بنت يزيد بن السكن‪ ،‬قالت‪:‬‬
‫))إني قّينت) ‪ ( 1‬عائشة لرسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ثم جئته فدعوته لجلوتها ‪،‬‬
‫)‪(2‬‬

‫فجاء‪ ،‬فجلس إلى جنبها‪ ،‬فأتي بُعس) ‪ ( 3‬لبن‪ ،‬فشرب‪ ،‬ثم ناولها النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم فخضت رأسها واستحيت‪ ،‬قالت أسماء‪ :‬فانتهرتها‪ ،‬وقلت لها‪ :‬خذي من يد النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬قالت‪ :‬فأخذت‪ ،‬فشربت شيئًا‪ ،‬ثم قال لها النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ :‬أعطي تربك) ‪ ،( 4‬قالت أسماء‪ :‬فقلت‪ :‬يا رسول ال! بل خذه فاشرب منه ثم‬

‫) ( أي ‪ :‬زينت‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫) (أي ‪ :‬للنظر إليها مجلوة مكشوفة‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫) ( هو القدح الكبير‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫) ( أي ‪ :‬صديقتك‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪6‬‬
‫ناولنيه من يدك‪ ،‬فأخذه فشرب منه ثم ناولنيه‪ ،‬قالت‪ :‬فجلست ‪ ،‬ثم وضعته على‬
‫ركبتي‪ ،‬ثم طفقت أديره وأتبعه بشفتي‬
‫]‪[20‬‬
‫لصيب منه شرب النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ثم قال لنسوة عندي‪)) :‬ناوليهن ((‪،‬‬
‫فقلن‪ :‬ل نشتيه! فقال صلى ال عليه وسلم‪)) :‬ل تجمعن جوعًا وكذبًا ((أخرجه أحمد‬
‫بإسنادين يقوي أحدهما الخر‪ .‬والحميدي في مسنده‪ .‬وله شاهد في الطبراني‪.‬‬
‫‪ -2‬وضع اليد على رأس الزوجة والدعاء لها‪:‬‬
‫وينبغي أن يضع يده على مقدمة رأسها عند البناء بها أو قبل ذلك‪ ،‬وأن يسمي ال‬
‫تبارك وتعالى‪ ،‬ويدعو بالبركة‪ ،‬ويقول ما جاء في قوله صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫))إذا تزوج أحدكم امرأة‪ ،‬أو اشترى خادمًا‪] ،‬فليأخذ بناصيتها[) ‪] ،( 5‬وليسم ال عز‬
‫وجل[‪] ،‬وليدع بالبركة[‪ ،‬وليقل‪:‬‬
‫]‪[20‬‬
‫اللهم إني أسألك من خيرها وخير ما جبلتها عليه‪ ،‬وأعوذ بك من شّرها وشر ما جبلتها‬
‫عليه‪.‬‬
‫]وإذا اشترى بعيرًا فليأخذ بذروه سنامه‪ ،‬وليقل مثل ذلك[ ((‪ .‬البخاري وأبو داود وابن‬
‫ماجه والحاكم والبيهقي‪.‬‬
‫]‪[22‬‬
‫‪ -3‬صلة الزوجين معًا‪:‬‬
‫ويستحب لهما أن يصليا ركعتين معًا‪ ،‬لنه منقول عن السلف‪ .‬وفيه أثران‪:‬‬
‫الول‪ :‬عن أبي سعيد مولى أبي أسيد قال‪:‬‬
‫))تزوجت وأنا مملوك‪ ،‬فدعوت نفرًا من أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم فيهم ابن‬
‫مسعود وأبو ذر وحذيفة‪ ،‬قال‪ :‬وأقيمت الصلة‪ ،‬قال‪ :‬فذهب أبو ذر ليتقدم‪ ،‬فقالوا‪:‬‬
‫إليك! قال‪ :‬أو كذلك؟ قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فتقدمت بهم وأنا عبد مملوك‪ ،‬وعلموني فقالوا‪:‬‬
‫))إذا دخل عليك أهلك فصل ركعتين‪ ،‬ثم سل ال من خير ما دخل عليك‪ ،‬وتعوذ به‬
‫من شره‪ ،‬ثم شأنك وشأن أهلك ((‪ .‬أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف‪ .‬وعبد الرزاق‪.‬‬
‫]‪[23‬‬
‫الثاني‪ :‬عن شقيق قال‪:‬‬
‫))جاء رجل يقال له‪ :‬أبو حريز‪ ،‬فقال‪ :‬إني تزوجت جارية شابة ]بكرًا[‪ ،‬وإني أخاف‬
‫أن تفركني‪ ،‬فقال عبد ال ) يعني ابن مسعود (‪:‬‬
‫]‪[24‬‬
‫))إن اللف من ال‪ ،‬والفرك من الشيطان‪ ،‬يريد أن يكّره إليكم ما أحل ال لكم؛ فإذا‬
‫أتتك فأمرها أن تصلي وراءك ركعتين ((‪ .‬زاد في رواية أخرى عن ابن مسعود‪:‬‬
‫ي‪ ،‬اللهم اجمع بيننا ما جمعت بخير؛‬ ‫))وقل‪ :‬اللهم بارك لي في أهلي‪ ،‬وبارك لهم ف ّ‬
‫وفرق بيننا إذا فرقت إلى خير ((‪ .‬وعبد الرزاق وسنده صحيح‪ ،‬والطبراني بسندين‬
‫صحيحين‪.‬‬

‫)( الناصية‪ :‬منبت الشعر في مقدم الرأس؛ كما في ))اللسان((‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪7‬‬
‫]‪[26‬‬
‫‪ -4‬ما يقول حين يجامعها‪:‬‬
‫وينبغي أن يقول حين يأتي أهله‪:‬‬
‫))بسم ال‪ ،‬اللهم جنبنا الشيطان‪ ،‬وجنب الشيطان ما رزقتنا ((‪.‬‬
‫قال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫))فإن قضى ال بينما ولدًا؛ لم يضره الشيطان أبدًا (( البخاري وبقية أصحاب السنن‬
‫إل النسائي‪.‬‬
‫]‪[27‬‬
‫‪ -5‬كيف يأتيها‪:‬‬
‫ويجوز له أن يأتيها في ُقُبلها من أي جهة شاء‪ ،‬من خلفها أو من أمامها‪ ،‬لقول ال‬
‫تبارك وتعالى‪﴿ :‬نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أّنى شئتم﴾‪ ،‬أي‪ :‬كيف شئتم؛ مقبلة‬
‫ومدبرة‪ ،‬وفي ذلك أحاديث أكتفي باثنين منها‪:‬‬
‫الول عن جابر رضي ال عنه قال‪:‬‬
‫))كانت اليهود تقولك إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها كان الولد أحول!‬
‫ث لكم فأتوا حرثكم أّنى شئتم﴾ ]فقال رسول ال صلى ال عليه‬ ‫فنزلت‪﴿ :‬نساؤكم حر ٌ‬
‫وسلم ‪ :‬مقبلة ومدبرة إذا كان ذلك في الفرج[ ((‪ .‬البخاري ومسلم والنسائي‪.‬‬
‫]‪[28‬‬
‫الثاني‪ :‬عن ابن عباس‪ ،‬قال‪:‬‬
‫))كان هذا الحي من النصار؛ وهم أهل وثن‪ ،‬مع هذا الحي من يهود‪ ،‬وهم أهل‬
‫ل عليهم في العلم‪ ،‬فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم‪ ،‬وكان‬ ‫كتاب‪ ،‬وكانوا يرون لهم فض ً‬
‫من أمر أهل الكتاب أن ل يأتوا النساء إل على حرف‪ ،‬وذلك أستر ما تكون المرأة‪،‬‬
‫فكان هذا الحي من النصار قد أخذوا بذلك من فعلهم‪ ،‬وكان هذا الحي من قريش‬
‫يشرحون النساء شرحًا منكرًا‪ ،‬ويتلذذون منهن مقبلت ومدبرات ومستلقيات؛ فلما قدم‬
‫المهاجرون المدينة‪ ،‬تزوج رجل منهم امرأة من النصار‪ ،‬فذهب يصنع بها ذلك‪،‬‬
‫فأنكرته عليه‪ ،‬وقالت‪ :‬إنما كنا ُنؤتى على حرف‪ ،‬فاصنع ذلك وإل فاجتنبني‪ ،‬حتى‬
‫شري أمرها‪ ،‬فبلغ ذلك رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فأنزل ال عز وجل‪﴿ :‬نساؤكم‬
‫ث لكم فأتوا حرثكم أّنى شئتم﴾‪ .‬أي‪ :‬مقبلت ومدبرات ومستلقيات‪ ،‬يعني بذلك‬ ‫حر ٌ‬
‫موضع الولد ((أبو داود والحاكم‪.‬‬
‫]‪[29‬‬
‫‪ -6‬تحريم الدبر‪:‬‬
‫ث لكم فأتوا حرثكم‬‫ويحرم عليه أن يأتيها في دبرها لمفهوم الية السابقة‪﴿ :‬نساؤكم حر ٌ‬
‫أّنى شئتم﴾‪،‬‬
‫]‪[30‬‬
‫والحاديث المتقدمة‪ ،‬وفيه أحاديث أخرى‪:‬‬
‫الول‪ :‬عن أم سلمة رضي ال عنها قالت‪:‬‬
‫))لما قدم المهاجرون المدينة على النصار تزوجوا من نسائهم‪ ،‬وكان المهاجرون‬
‫يجّبون‪ ،‬وكانت النصار ل تجّبي‪ ،‬فأراد رجل من المهاجرين امرأته على ذلك‪ ،‬فأبت‬

‫‪8‬‬
‫عليه حتى تسأل رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬قالت‪ :‬فأتته‪ ،‬فاستحيت أن تسأله‪،‬‬
‫فسألته أم سلمة‪ ،‬فنزلت‪﴿ :‬نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أّنى شئتم﴾‪ ،‬وقال‪ :‬ل؛ إل في‬
‫صمام واحد ((أحمد‪،‬والترمذي وصححه‪ ،‬وأبو يعلى‪ ،‬والبيهقي وإسناده صحيح على‬
‫شرط مسلم‪.‬‬
‫]‪[31‬‬
‫الثاني‪ :‬عن ابن عباس رضي ال عنه قال‪:‬‬
‫))جاء عمر بن الخطاب إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال‪ :‬يا رسول ال!‬
‫هلكت‪ .‬قال‪ :‬وما الذي أهلكك؟ قال‪ :‬حولت رحلي الليلة‪ ،‬فلم يرد عليه شيئًا‪ ،‬فأوحي‬
‫ث لكم فأتوا حرثكم أّنى‬
‫إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم هذه الية‪﴿ :‬نساؤكم حر ٌ‬
‫ل وأدِبْر‪ ،‬واتقل الدبر والحيضة ((النسائي والترمذي والطبراني‬ ‫شئتم﴾‪ ،‬يقول‪ :‬أقِب ْ‬
‫والواحدي بسند حسن‪.‬وحسنه الترمذي‪.‬‬
‫]‪[32‬‬
‫الثالث‪ :‬عن خزيمة بن ثابت رضي ال عنه ‪:‬‬
‫ل سأل النبي صلى ال عليه وسلم عن إتيان النساء في أدبارهن‪ ،‬أو إتيان‬ ‫))أن رج ً‬
‫الرجل امرأته في دبرها؟ فقال صلى ال عليه وسلم‪ :‬حلل‪ .‬فلما وّلى الرجل دعاه‪ ،‬أو‬
‫أمر به فدعي‪ ،‬فقال‪ :‬كيف قلت؟ في أي الخربتين‪ ،‬أوفي الخرزتين‪ ،‬أو في أي‬
‫الخصفتين؟ أمن دبرها في قبلها؟ فنعم‪ ،‬أم من دبرها في دبرها؟ فل‪ ،‬فإن ال ل‬
‫يستحي من الحق‪ ،‬ل تأتوا النساء في أدبارهن ((الشافعي وقواه‪،‬‬
‫والدارمي‪،‬والطحاوي‪ ،‬والخطابي وسنده صحيح ‪.‬‬
‫]‪[33‬‬
‫ل يأتي امرأته في دبرها ((‪ .‬النسائي والترمذي وابن‬ ‫الرابع‪)) :‬ل ينظر ال إلى رج ٍ‬
‫حبان وسنده حسن‪ ،‬وحسنه الترمذي‪ ،‬وصححه ابن راهويه‪.‬‬
‫شهن‪ .‬يعني ‪ :‬أدبارهن ((‪.‬ابن عدي بسند‬ ‫الخامس‪)) :‬ملعون من يأتي النساء في محا ّ‬
‫حسن‪.‬‬
‫السادس‪)) :‬من أتى حائضًا‪ ،‬أو امرأة في دبرها‪ ،‬أو كاهنًا فصدقه بما يقول؛ فقد كفر‬
‫بما ُأنزل على محمد (( أصحاب السنن إل النسائي‪.‬‬
‫]‪[35‬‬
‫‪ -7‬الوضوء بين الجماعين‪:‬‬
‫وإذا أتاها في المحل المشروع‪ ،‬ثم أراد أن يعود إليها توضأ لقوله صلى ال عليه‬
‫وسلم‪:‬‬
‫))إذا أتى أحدكم أهله‪ ،‬ثم أراد أن يعود‪ ،‬فليتوضأ ]بينهما وضوءًا[ ) وفي رواية‪:‬‬
‫وضوءه للصلة ( ]فإنه أنشط في العود[ (( مسلم وابن أبي شيبة‪ ،‬وأحمد وأبو نعيم‬
‫والزيادة له‪.‬‬
‫‪ -8‬الغسل أفضل‪:‬‬
‫لكن الغسل أفضل من الوضوء لحديث أبي رافع أن النبي صلى ال عليه وسلم طاف‬
‫ذات يوم على نسائه‪ ،‬يغتسل عند هذه وعند هذه‪ ،‬قال‪ :‬فقلت له ‪ :‬يا رسول ال! أل‬
‫ل واحدًا؟ قال‪:‬‬ ‫تجعله غس ً‬

‫‪9‬‬
‫]‪[36‬‬
‫))هذا أزكى وأطيب وأطهر ((‪ .‬أبو داود ‪ ،‬والنسائي‪ ،‬والطبراني‪،‬‬
‫‪ -9‬اغتسال الزوجين معًا ‪:‬‬
‫ويجوز لهما أن يغتسل معًا في مكان واحد‪ ،‬ولو رأى منه ورأت منه‪ ،‬وفيه أحاديث‪:‬‬
‫الول‪ :‬عن عائشة رضي ال عنها قالت‪:‬‬
‫))كنت اغتسل أنا ورسول ال صلى ال عليه وسلم من إناء بيني وبينه واحد ]تختلف‬
‫أيدينا فيه[‪ ،‬فيبادرني حتى أقول ‪ :‬دع لي‪ ،‬دع لي‪ ،‬قالت‪ :‬هما جنبان ((البخاري ومسلم‬
‫وأبو عوانة في ))صحاحهم ((‪.‬‬
‫]‪[39‬‬
‫‪ -10‬الثاني‪ :‬عن معاوية بن حيدة قال‪:‬‬
‫قلت‪ :‬يا رسول ال! عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال‪)) :‬احفظ عورتك إل من‬
‫زوجتك أو ما ملكت يمينك ((‪.‬قال‪:‬‬
‫]‪[40‬‬
‫قلت‪ :‬يا رسول ال! إذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال‪:‬‬
‫))إن استطعت أن ل يرينها أحد‪ ،‬فل يرينها ((‪.‬‬
‫قال‪:‬‬
‫فقلت‪ :‬يا رسول ال! إذا كان أحدنا خاليًا؟ قال‪:‬‬
‫))ال أحق أن يستحيى منه من الناس ((رواه أصحاب السنن إل النسائي‪.‬‬
‫]‪[41‬‬
‫‪ -10‬توضؤ الجنب قبل النوم‪:‬‬
‫جنبين إل إذا توضأ‪ ،‬وفيه أحاديث‪:‬‬ ‫ول ينامان ُ‬
‫الول‪ :‬عن عائشة رضي ال عنها قالت‪:‬‬
‫))كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا أراد أن ]يأكل أو[ ينام وهو جنب غسل‬
‫فرجه‪ ،‬وتوضأ وضوءه للصلة (( البخاري ومسلم وأبو عوانة ‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬عن ابن عمر رضي ال عنهما‪:‬‬
‫))أن عمر قال‪ :‬يا رسول ال! أينام أحدنا وهو‬
‫]‪[42‬‬
‫جنب؟ قال‪ :‬نعم إذا توضأ ((‪ ،‬وفي رواية‪:‬‬
‫))توضأ واغسل ذكرك‪ ،‬ثم نم ((‪ .‬وفي رواية‪:‬‬
‫))نعم‪ ،‬ليتوضأ ثم لينم حتى يغتسل إذا شاء ((‪.‬‬
‫وفي أخرى‪:‬‬
‫))نعم‪ ،‬ويتوضأ إن شاء (( أخرجه الثلثة في صحاحهم‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬عن عمار بن ياسر رضي ال عنه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪:‬‬
‫))ثالثة ل تقربهم الملئكة‪ :‬جيفة الكافر‪ ،‬والمتضمخ‬
‫]‪[43‬‬

‫‪10‬‬
‫بالخلوق) ‪ ،( 6‬والجنب إل أن يتوضأ ((حديث حسن أبو داود وأحمد والطحاوي‬
‫والبيهقي‪.‬‬
‫‪ -11‬حكم هذا الوضوء‪:‬‬
‫وليس ذلك على الوجوب‪ ،‬وإنما للستحباب المؤكد‪ ،‬لحديث عمر أنه سأل رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ :‬أينام أحدنا وهو جنب؟ فقال‪:‬‬
‫))نعم‪ ،‬ويتوضأ إن شاء ((ابن حبان في صحيحه‪.‬‬
‫]‪[44‬‬
‫ويؤيده حديث عائشة قالت‪:‬‬
‫))كان رسول ال صلى ال عليه وسلم ينام وهو جنب من غير أن يمس ماًء ]حتى‬
‫يقوم بعد ذلك فيغتسل[ ((ابن أبي شيبة وأصحاب السنن إل النسائي‪.‬‬
‫]‪[45‬‬
‫وفي رواية عنهما‪:‬‬
‫))كان يبيت جنبًا فيأتيه بلل‪ ،‬فيؤذنه بالصلة‪ ،‬فيقوم فيغتسل‪ ،‬فأنظر إلى تحدر الماء‬
‫من رأسه‪ ،‬ثم يخرج فأسمع صوته في صلة الفجر‪ ،‬ثم يظل صائمًا‪ .‬قال مطرف‪:‬‬
‫فقلت لعامر‪ :‬في رمضان؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬سواء رمضان أو غيره (( ابن أبي شيبة وسنده‬
‫صحيح وأبو يعلى‪.‬‬
‫‪ -12‬تيمم الجنب بدل الوضوء‪:‬‬
‫ويجوز لهما التيمم بدل الوضوء أحيانًا لحديث عائشة قالت‪:‬‬
‫))كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا أجنب فأراد أن ينام توضأ‪،‬‬
‫]‪[46‬‬
‫أو تيمم (( البيهقي قال لحافظ في ))الفتح (( إسناده حسن‪.‬‬
‫‪ -13‬اغتساله قبل النوم أفضل‪:‬‬
‫واغتسالهما أفضل‪ ،‬لحديث عبد ال بن قيس قال‪:‬‬
‫]‪[47‬‬
‫))سألت عائشة قلت‪ :‬كيف كان صلى ال عليه وسلم يصنع في الجنابة؟ أكان يغتسل‬
‫قبل أن ينام‪ ،‬أم ينام قبل أن يغتسل؟ قالت‪ :‬كل ذلك قد كان يفعل‪ ،‬ربما اغتسل فنام‪،‬‬
‫وربما توضأ فنام‪ ،‬قلت‪ :‬الحمد ل الذي جعل في المر سعة (( مسلم وأبو عوانة‬
‫وأحمد‪.‬‬
‫‪ -14‬تحريم إتيان الحائض‪:‬‬
‫ويحرم عليه أن يأتيها في حيضها لقوله تبارك وتعالى‪﴿ :‬ويسألونك عن المحيض قل‬
‫هو أذى فاعتزلوا‬
‫]‪[48‬‬
‫النساء في المحيض ول تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم‬
‫ب المتطهرين﴾‪.‬‬‫ال إن ال يحب التوابين ويح ّ‬
‫وفيه أحاديث‪:‬‬

‫) ( أي المكثر الطلخ بـ)الخلوق( بفتح المعجمة قال ابن الثير وهو طيب معروف‬ ‫‪6‬‬

‫مركب من الزعفران وغيره من أنواع الطيب وإنما نهي عنه لنه من طيب النساء‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫الول‪ :‬من قوله صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫))من أتى حائضًا‪ ،‬أو امرأة في دبرها‪ ،‬أو كاهنًا؛‬
‫]‪[49‬‬
‫فصدقه بما يقول؛ فقد كفر بما أنزل على محمد (( حديث صحيح‪ .‬رواه أصحاب‬
‫السنن وغيرهم‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬عن أنس بن مالك قال‪:‬‬
‫) إن اليهود كانت إذا حاضت منهم المرأة أخرجوها من البيت‪،‬ولم يؤاكلوها‪ ،‬ولم‬
‫يشاربوها‪،‬ولم يجامعوها في البيت‪ ،‬فسئل رسول ال صلى ال عليه وسلم عن ذلك‪،‬‬
‫فأنزل ال تعالى ذكره ﴿ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في‬
‫المحيض﴾ إلى آخر الية‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬جامعوهن في‬
‫البيوت‪ ،‬واصنعوا كل شيء؛ غير النكاح‪ ،‬فقالت اليهود‪ :‬ما يريد هذا الرجل أل يدع‬
‫شيئًا من أمرنا إل خالفنا فيه‪ ،‬فجاء أسيد بن حضير وعّباد بن بشر إلى النبي صلى ال‬
‫ن في المحيض؟‬ ‫عليه وسلم‪ ،‬فقال يا رسول ال! إن اليهود تقول كذا وكذا‪ ،‬أفل ننكحه ّ‬
‫فتمّعر وجه رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى ظنّنا أن قد وجد عليهما‪ ،‬فخرجا‪،‬‬
‫فاستقبلتهما هدية من لبن إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فبعث في آثارهما‬
‫فسقاهما‪ ،‬فظننا أنه لم يجد عليهما ((‪ .‬مسلم وأبو عوانة وأبو دواد في صحاحهم‪.‬‬
‫]‪[50‬‬
‫‪ -15‬كفارة من جامع الحائض‪:‬‬
‫من غلته نفسه فأتى الحائض قبل أن تطهر من حيضها‪ ،‬فعليه أن يتصدق بنصف‬
‫جنيه ذهب إنكليزي تقريبًا أو ربعها‪ ،‬لحديث عبد ال بن عباس رضي ال عنه عن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض‪ ،‬قال‪:‬‬
‫))يتصدق بدينار أو نصف دينار (( أخرجه أصحاب السنن والطبراني والدارمي‬
‫والحاكم‪.‬‬
‫]‪[51‬‬
‫‪ -16‬ما يحل له من الحائض‪:‬‬
‫ويجوز له أن يتمتع بما دون الفرج من الحائض‪ ،‬وفيه أحاديث‪:‬‬
‫الول‪ :‬قوله صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫)) ‪ ...‬واصنعوا كل شيء إل النكاح ((‪.‬‬
‫]‪[52‬‬
‫الثاني‪ :‬عن عائشة رضي ال عنها قالت‪:‬‬
‫))كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يأمر إحدانا إذا كانت حائضًا أن تّتزر‪ ،‬ثم‬
‫يضاجعها زوجها‪ ،‬وقالت مرة‪ :‬يباشرها ((البخاري ومسلم وأبو عوانة‪.‬‬
‫]‪[53‬‬
‫الثالث‪ :‬عن بعض أزواج النبي صلى ال عليه وسلم قالت‪ :‬إن النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪:‬‬
‫))كان إذا أراد من الحائض شيئًا ألقى على فرجها ثوبًا] ثم صنع ما أراد[ ((أبو داود‬
‫وسنده صحيح على شرط مسلم‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫‪ -17‬متى يجوز إتيانها إذا طهرت‪:‬‬
‫فإذا طهرت من حيضها‪ ،‬وانقطع الدم عنها‪ ،‬جاز له وطؤها بعد أن تغسل موضع الدم‬
‫منها فقط‪ ،‬أو تتوضأ أو تغتسل‪ ،‬أي ذلك فعلت‪ ،‬جاز له إتيانها‪ ،‬لقوله تبارك‬
‫]‪[54‬‬
‫وتعالى في الية السابقة‪:‬‬
‫]‪[55‬‬
‫ب المتطهرين﴾‪.‬‬ ‫﴿فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم ال إن ال يحب التوابين ويح ّ‬
‫]‪[58‬‬
‫‪ -18‬جواز العزل‪:‬‬
‫ويجو له أن يعزل عنها ماءه‪ ،‬وفيه أحاديث‪:‬‬
‫الول‪ :‬عن جابر رضي ال عنه قال‪:‬‬
‫))كنا نعزل والقرآن ينزل ((‪ ،‬وفي رواية‪:‬‬
‫))كنا نعزل على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فبلغ ذلك نبي ال صلى ال‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فلم ينهنا (( البخاري ومسلم والنسائي والترمذي‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬عن أبي سعيد الخدري قال‪:‬‬
‫))جاء رجل إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال‪ :‬إن لي وليدة‪ ،‬وأنا أعزل عنها‪،‬‬
‫وأنا أريد ما يريد الرجل‪ ،‬وإن اليهود زعموا‪)) :‬أن الموءودة الصغرى العزل ((‪،‬‬
‫فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪)) :‬كذبت يهود‪] ،‬كذبت يهود[‪ ،‬لو أراد ال أن‬
‫يخلقه لم تستطع أن تصرفه (( النسائي‪ ،‬وأبو داود والترمذي‪.‬‬
‫]‪[59‬‬
‫ل أتى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال‪ :‬إن لي جارية‬ ‫الثالث‪ :‬عن جابر أن رج ً‬
‫هي خادمينا وسانيتنا‪ ،‬وأنا أطوف عليها‪ ،‬وأنا أكره أن تحمل‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫))اعزل عنها إن شئت‪ ،‬فإنه سيأتيها ما قدر لها ((‪ ،‬فلبث الرجل‪ ،‬ثم أتاه فقال‪ :‬إن‬
‫الجارية قد حبلت! فقال‪:‬‬
‫))قد أخبرتك أنه سيأتيها ما قدر لها (( مسلم وأبو داود وأحمد ‪.‬‬
‫]‪[60‬‬
‫‪ -19‬الولى ترك العزل‪:‬‬
‫ولكن تركه أولى لمور‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن فيه إدخال ضرر على المرأة لما فيه من تفويت لذتها‪ ،‬فإن وافقت عليه ففيه‬
‫ما يأتي‪ ،‬وهو‪:‬‬
‫الثاني‪ :‬أنه يفوت بعض مقاصد النكاح‪ ،‬وهو تكثير نسل أمة نبينا صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وذلك قوله صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫))تزوجوا الودود الولد فإني مكاثر بكم المم (( حديث صحيح‪ ،‬رواه أبو داود‬
‫والنسائي‪.‬‬
‫]‪[61‬‬
‫ولذلك وصفه النبي صلى ال عليه وسلم بالوأد الخفي حين سألوه عن العزل‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫))ذلك الوأد الخفي ((‪.‬مسلم والطحاوي وأحمد والبيهقي‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫]‪[61‬‬
‫ولهذا أشار صلى ال عليه وسلم إلى أن الولى تركه في حديث أبي سعيد الخدري‬
‫أيضًا‪ ،‬قال‪:‬‬
‫]‪[63‬‬
‫)) ُذكر العزل عند رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقال‪ :‬ولم يفعل ذلك أحدكم؟!‪ -‬ولم‬
‫يقل‪ :‬فل يفعل ذلك أحدكم‪ -‬فإنه ليست نفس مخلوقة إل ال خالقها‪ ) .‬وفي رواية (‪،‬‬
‫فقال‪ :‬وإنكم لتفعلون‪ ،‬وإنكم لتفعلون‪ ،‬وإنكم لتفعلون؟ ما من نسمة كائنة إلى يوم‬
‫القيامة إل هي كائنة (( مسلم والنسائي‪ ،‬وابن منده والبخاري‪.‬‬
‫]‪[65‬‬
‫‪ -20‬ما ينويان بالنكاح‪:‬‬
‫وينبغي لهما أن ينويا بنكاحمها إعفاف نفسيهما‪ ،‬وإحصانهما من الوقوع فيما حرم ال‬
‫عليهما‪ ،‬فإنه تكتب مباضعتهما صدقة لهما‪ ،‬لحديث أبي ذر رضي ال عنه‪:‬‬
‫))أن أناسًا من أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم قالوا للنبي صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫يا رسول ال! ذهب أهل الدثور بالجور‪ ،‬يصلون كما نصلي‪ ،‬ويصومون كما نصوم‪،‬‬
‫ويتصدقون بفضول أموالهم‪ ،‬قال‪ :‬أو ليس قد جعل ال لكم ما تصدقون؟ إن بكل‬
‫تسبيحة صدقة‪] ،‬وبكل تكبير صدقة‪ ،‬وبكل تهليلة صدقة‪ ،‬وبكل تحميدة صدقة[‪ ،‬وأمر‬
‫بالمعروف صدقة‪ ،‬ونهي عن منكر صدقة‪ ،‬وفي ُبضع أحدكم صدقة! قالوا‪ :‬يا رسول‬
‫ال! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟! قال‪ :‬أرأيتم لو وضعها في حرام أكان‬
‫عليها فيها وزر؟ ]قالوا‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ [:‬فكذلك إذا وضعها في الحلل كان له ]فيها[ أجر‪،‬‬
‫]وذكر أشياء‪ :‬صدقة‪ ،‬صدقة‪ ،‬ثم قال‪ :‬ويجزئ من هذا كله ركعتا الضحى[ (( مسلم‬
‫والنسائي وأحمد‪.‬‬
‫]‪[66‬‬
‫‪ -21‬ما يفعل صبيحة بنائه‪:‬‬
‫وُيستحب له صبيحة بنائه بأهله أن يأتي أقاربه الذين أتوه في داره‪ ،‬ويسلم عليهم‪،‬‬
‫ويدعو لهم‪ ،‬وأن يقابلوه بالمثل لحديث أنس رضي ال عنه قال‪:‬‬
‫))أولم رسول ال صلى ال عليه وسلم إذ بنى بزينب‪ ،‬فأشبع المسلمين خبزًا ولحمًا‪ ،‬ثم‬
‫خرج إلى أمهات المؤمنين فسلم عليهن‪ ،‬ودعا لهن‪ ،‬وسلمن عليه ودعون له‪ ،‬فكان‬
‫يفعل ذلك صبيحة بنائه (( أخرجه الحاكم والترمذي والنسائي وأحمد‪.‬‬
‫]‪[67‬‬
‫‪ -22‬وجوب اتخاذ الحّمام في الدار‪:‬‬
‫ويجب عليهما أن يتخذا حمامًا في دارهما‪ ،‬ول يسمح لها أن تدخل حمام السوق‪ ،‬فإن‬
‫ذلك حرام‪ ،‬وفيه أحاديث‪:‬‬
‫الول‪ :‬عن جابر رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫))من كان يؤمن بال واليوم الخر فل يدخل حليلته الحمام‪ ،‬ومن كان يؤمن بال‬
‫واليوم الخر فل يدخل الحمام إل بمئزر‪ ،‬ومن كان يؤممن بال واليوم الخر فل‬
‫يجلس على مائدة يدار عليها الخمر (( الحاكم والترمذي والنسائي‪.‬‬
‫]‪[68‬‬

‫‪14‬‬
‫الثاني‪ :‬عن أم الدرداء قالت‪:‬‬
‫خرجت من الحمام‪ ،‬فلقيني رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقال‪ :‬من أين يا أم‬
‫الدرداء؟ قالت‪ :‬من الحمام‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫))والذي نفسي بيده‪ ،‬ما من أمرأة تضع ثيابها في غير بيت أحد من أمهاتها‪ ،‬إل وهي‬
‫هاتكة كل ستر بينها وبين الرحمن (( أحمد والدولبي بإسنادين عنها ؛ أحدهما‬
‫صحيح‪.‬‬
‫]‪[69‬‬
‫الثالث‪ :‬عن أبي المليح قال‪:‬‬
‫دخل نسوة من أهل الشام على عائشة رضي ال عنها‪ ،‬فقالت‪ :‬ممن أنتن؟ قلن‪ :‬من‬
‫أهل الشام‪ ،‬قالت‪ :‬لعلكن من الكورة التي تدخل نساؤها الحمام؟ قلن‪ :‬نعم‪ ،‬قالت‪ :‬أما‬
‫إني سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪:‬‬
‫))ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيتها إل هتكت ما بينها وبين ال تعالى ((‪.‬‬
‫أصحاب السنن إل النسائي‪ ،‬والدارمي والطيالسي‪ ،‬وأحمد ‪.‬‬
‫]‪[70‬‬
‫‪ -23‬تحريم نشر أسرار الستمتاع‪:‬‬
‫ويحرم على كل منهما أن ينشر السرار المتعلقة بالوقاع‪ ،‬وفيه حديثان‪:‬‬
‫الول‪ :‬قوله صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫))إن من أشر الناس عند ال منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته‪ ،‬وتفضي‬
‫إليه‪ ،‬ثم ينشر سرها (( ابن أبي شيبة‪ ،‬ومن طريقه مسلم‪ ،‬وأحمد وأبو نعيم‪.‬‬
‫]‪[71‬‬
‫الثاني‪ :‬عن أسماء بنت يزيد أنها كانت عند رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬والرجال‬
‫والنساء قعود‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ل يقول ما يفعل بأهله‪ ،‬ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها؟! فأرّم‬ ‫))لعل رج ً‬
‫القوم‪ ،‬فقلت‪ :‬إي وال يا رسول ال! إنهن ليفعلن‪ ،‬وإنهم ليفعلون‪ .‬قال‪:‬‬
‫))فل تفعلوا‪ ،‬فإنما ذلك مثل الشيطان لقي شيطانة في طريق‪ ،‬فغشيها والناس ينظرون‬
‫(( أحمد وله شاهد من عند ابن أبي شيبة‪ ،‬وأبي داود‪ ،‬والبيهقي ‪ ،‬وابن السني‪.‬‬
‫]‪[72‬‬
‫‪ -24‬وجوب الوليمة‪:‬‬
‫ول بد له من عمل وليمة بعد الدخول؛ لمر النبي صلى ال عليه وسلم عبد الرحمن‬
‫بن عوف بها كما يأتي‪ ،‬ولحديث بريدة ابن الحصيب‪ ،‬قال‪:‬‬
‫لما خطب علي فاطمة رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫)) إنه ل بد للعرس) وفي رواية للعروس ( من وليمة (( ‪ -‬أحمد والطبراني‬
‫والطحاوي‪ .‬وإسناده كما قال الحافظ في الفتح‪)) :‬ل بأس به ((‪. -‬‬
‫]‪[73‬‬
‫قال‪ :‬فقال سعد علي كبش‪ ،‬وقال فلن‪ :‬علي كذا وكذا من ذرة‪ ،‬وفي الرواية الخرى‪:‬‬
‫))وجمع له رهط من النصار أصوعًا ذرة ((‪.‬‬
‫‪ -25‬السنة في الوليمة‪:‬‬

‫‪15‬‬
‫وينبغي أن يلحظ فيها أمورًا‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن تكون ثلثة أيام عقب الدخول‪ ،‬لنه هو المنقول عن النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ ،‬فعن أنس رضي ال عنه قال‪:‬‬
‫ل على الطعام ((‬ ‫))بنى رسول ال صلى ال عليه وسلم بامرأة‪ ،‬فأرسلني فدعوت رجا ً‬
‫البخاري والبيهقي‪.‬‬
‫]‪[74‬‬
‫وعنه قال‪:‬‬
‫))تزوج النبي صلى ال عليه وسلم صفية‪ ،‬وجعل عتقها صداقها‪ ،‬وجعل الوليمة ثلثة‬
‫أيام (( أبو يعلى بسند حسن وهو في ))صحيح البخاري (( بمعناه‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن يدعو الصالحين إليها‪ ،‬فقراء كانوا أو أغنياء‪ ،‬لقوله صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫))ل تصاحب إل مؤمنًا‪ ،‬ول يأكل طعامك إل تقي (( أبو داود والترمذي‪ ،‬والحاكم‪،‬‬
‫وأحمد‪.‬وقال الحاكم‪)) :‬صحيح السناد (( ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن يولم بشاة أو أكثر إن وجد سعة‪،‬‬
‫]‪[75‬‬
‫لحديث أنس رضي ال عنه قال‪:‬‬
‫))إن عبد الرحمن بن عوف قدم المدينة‪ ،‬فآخى رسول ال صلى ال عليه وسلم بينه‬
‫وبين سعد بن الربيع النصاري ]فانطلق به سعد إلى منزله‪ ،‬فدعا بطعام فأكل[‪ ،‬فقال‬
‫ل‪ ،‬فانظر‬‫له سعد‪ :‬أي أخي! أنا أكثر أهل المدينة ) وفي رواية‪ :‬أكثر النصار (ما ً‬
‫شطر مالي فخذه ) وفي رواية‪ :‬هلم إلى حديقتي أشاطركها ((‪ ،‬وتحتي امرأتان ]وأنت‬
‫أخي في ال‪ ،‬ل امرأة لك[‪ ،‬فانظر أيهما أعجب إليك ]فسمها لي[ حتى أطلقها ]لك[‬
‫]فإذا انقضت عدتها فتزوجها[‪ ،‬فقال عبد الرحمن‪] :‬ل وال[‪ ،‬بارك ال لك في أهلك‬
‫ومالك‪ ،‬دلوني على السوق‪ ،‬فدلوه على السوق‪ ،‬فذهب‪ ،‬فاشترى وباع‪ ،‬وربح‪] ،‬ثم‬
‫ط‪ -‬لبن مجفف يابس مستجر يطبخ به‪ -‬وسمن ]قد‬ ‫تابع الغدو[ فجاء بشيء من أِق ٍ‬
‫أفضله[ ]فأتى به أهل منزله[‪ ،‬ثم لبث ما شاء ال أن يلبث‪ ،‬فجاء وعليه ردع زعفران‬
‫) وفي رواية‪ :‬وضر من خلوق (‪،‬‬
‫]‪[76‬‬
‫فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬مْهَيم؟ فقال‪ :‬يا رسول ال! تزوجت امرأة ]من‬
‫النصار[‪ ،‬فقال‪ :‬ما أصدقتها؟ قال‪ :‬وزن نواة من ذهب‪ ،‬قال‪] :‬فبارك ال لك[ أولم‬
‫ولو بشاة‪] ،‬فأجاز ذلك[‪ .‬قال عبد الرحمن‪ :‬فلقد رأيتني ولو رفعت حجرًا لرجوت أن‬
‫سم لكل أمرأة من نسائه بعد‬ ‫أصيب ]تحته[ ]ذهبًا أو فضة[‪] ،‬قال أنس‪ :‬لقد رأيته ُق ِ‬
‫موته مائة ألف دينار[ ((البخاري‪ ،‬والنسائي‪ ،‬وابن سعد‪ ،‬والبيهقي‪.‬‬
‫]‪[78‬‬
‫وعن أنس أيضًا‪:‬‬
‫))ما رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم أولم على امرأة من نسائه ما أولم على‬
‫زينب‪ ،‬فإن ذبح شاة‪] ،‬قال‪ :‬أطعمهم خبزًا ولحمًا حتى تركوه[ (( البخاري ومسلم ‪.‬‬
‫]‪[79‬‬
‫‪ -26‬جواز الوليمة بغير لحم‪:‬‬

‫‪16‬‬
‫ويجوز أن تؤدى الوليمة بأي طعام تيسر‪ ،‬ولم لم يكن فيه لحم‪ ،‬لحديث أنس رضي ال‬
‫عنه قال‪:‬‬
‫))أقام النبي صلى ال عليه وسلم بين خيبر والمدينة ثلث ليال يبني عليه بصفية‪،‬‬
‫فدعوت المسلمين إلى وليمته‪ ،‬وما كان فيها من خبز ول لحم‪ ،‬وما كان فيها إل أن‬
‫أمر بالنطاع فبسطت) وفي رواية‪ :‬فحصت الرض أفاحيص‪ ،‬وجيء بالنطاع‬
‫فوضعت فيها ( ‪ ،‬فألقي عليها التمر والقط والسمن ]فشبع الناس[ (( البخاري‬
‫ومسلم‪.‬‬
‫]‪[80‬‬
‫‪ -27‬مشاركة الغنياء بمالهم في الوليمة‪:‬‬
‫ويستحب أن يشارك ذوو الفضل والسعة في إعدادها؛ لحديث أنس في قصة زواجه‬
‫صلى ال عليه وسلم بصفية قال‪:‬‬
‫))حتى إذا كان بالطريق جهزتها له أم سليم‪ ،‬فأهدتها له من الليل‪ ،‬فأصبح النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم عروسًا‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫من كان عنده شيء فليجئ به‪ ) ،‬وفي رواية‪ :‬من كان عنده فضل زاد فليأتنا به (‪،‬‬
‫قال‪ :‬وبسط نطعًا‪ ،‬فجعل الرجل يجئ بالقط‪ ،‬وجعل الرجل يجيء بالتمر‪ ،‬وجعل‬
‫الرجل يأتي بالسمن‪ ،‬فحاسوا حيسًا ]فجعلوا يأكلون من ذلك الحيس ويشربون من‬
‫حياض إلى جنبهم من ماء السماء[‪ ،‬فكانت وليمة رسول ال صلى ال عليه وسلم ((‬
‫الشيخان وأحمد‪.‬‬
‫]‪[81‬‬
‫‪ -28‬تحريم تخصيص الغنياء بالدعوة‪:‬‬
‫ول يجوز أن يخص بالدعوة الغنياء دون الفقراء؛ لقوله صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫))شر الطعام طعام الوليمة‪ ،‬يدعى لها الغنياء‪ ،‬ويمنعها المساكين‪ ،‬ومن لم يجب‬
‫الدعوة فقط عصى ال ورسوله (( مسلم‪ ،‬والبيهقي‪ ،‬وهو عند البخاري موقوفًا على‬
‫أبي هريرة‪.‬‬
‫‪ -29‬وجوب إجابة الدعوة‪:‬‬
‫ويجب على من دعي إليها أن يحضرها‪ ،‬وفيها حديثان‪:‬‬
‫]‪[82‬‬
‫الول‪ :‬فكوا العاني‪ ،‬وأجيبوا الداعي‪ ،‬وعودوا المريض (( البخاري ‪.‬‬
‫الثاني‪)) :‬إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها] عرسًا كان أو نحوه[‪] ،‬ومن لم يجب‬
‫الدعوة‪ ،‬فقد عصى ال ورسوله[ ((البخاري ومسلم وأحمد والبيهقي‪.‬‬
‫‪ -30‬الجابة ولو كان صائمًا‪:‬‬
‫وينبغي أن يجيب ولو كان صائمًا‪ ،‬لقوله صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫]‪[83‬‬
‫))إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب‪ ،‬فإن كان مفطرًا فليطعم‪ ،‬وإن كان صائمًا فليصل‪.‬‬
‫يعني‪ :‬الدعاء (( مسلم والنسائي وأحمد والبيهقي‪.‬‬
‫‪ -31‬الفطار من أجل الداعي‪:‬‬

‫‪17‬‬
‫وله أن يفطر إذا كان متطوعًا في صيامه‪ ،‬ول سيما إذا ألح عليه الداعي‪ ،‬وفيه‬
‫أحاديث‪:‬‬
‫الول‪)) :‬إذا دعي أحدكم إلى طعام فلُيجب‪ ،‬فإن شاء طعم‪ ،‬وإن شاء ترك (( مسلم‬
‫وأحمد والطحاوي‪.‬‬
‫]‪[84‬‬
‫الثاني‪)) :‬الصائم المتطوع أمير نفسه‪ ،‬إن شاء صام‪ ،‬وإن شاء أفطر (( النسائي‪،‬‬
‫والحاكم‪ ،‬والبيهقي‪ .‬وقال الحاكم ))صحيح السناد (( ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫]‪[86‬‬
‫الثالث‪ :‬حديث عائشة رضي ال عنها قالت‪:‬‬
‫دخل علي رسول ال صلى ال عليه وسلم يومًا فقال‪ :‬هل عندكم شيء؟ فقلت‪ :‬ل‪ .‬قال‪:‬‬
‫فإني صائم‪ .‬ثم مّر بي بعد ذلك اليوم وقد أهدي إلي حيس‪ ،‬فخبأت له منه‪ ،‬وكان يحب‬
‫الحيس‪ ،‬قالت‪ :‬يا رسول ال! إنه أهدي لنا حيس فخبأت لك منه‪ .‬قال‪ :‬أدنيه؛ أما إني قد‬
‫أصبحت وأنا صائم‪ .‬فأكل منه‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫]‪[87‬‬
‫))إنما مثل صوم المتطوع مثل الرجل يخرج من ماله الصدقة‪ ،‬فإن شاء أمضاها‪،‬‬
‫وإن شاء حبسها (( النسائي بإسناد صحيح‪.‬‬
‫‪ -32‬ل يجب قضاء يوم النفل‪:‬‬
‫ول يجب عليه قضاء ذلك اليوم ‪ ،‬وفيه حديثان‪:‬‬
‫الول‪ :‬عن أبي سعيد الخدري قال‪)) :‬صنعت لرسول ال صلى ال عليه وسلم طعامًا‪،‬‬
‫فأتاني هو وأصحابه‪ ،‬فلما وضع الطعام قال رجل من القوم‪ :‬إني صائم‪ ،‬فقال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬دعاكم أخوكم وتكلف لكم! ثم قال له‪ :‬أفطر وصم مكانه‬
‫يومًا إن شئت ((البيهقي بإسناد حسن‪.‬‬
‫]‪[89‬‬
‫الثاني‪ :‬عن أبي جحيفة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم آخى بين سلمان وبين أبي‬
‫الدرداء‪ ،‬قال‪ :‬فجاءه سلمان يزوره‪ ،‬فإذا أم الدرداء متَبّذلة‪ ،‬فقال‪ :‬ما شأنك يا أم‬
‫الدرداء؟ قالت‪ :‬إن أخاك أبا الدرداء يقوم الليل ويصوم النهار‪ ،‬وليس له في شيء من‬
‫الدنيا حاجة! فجاء أبو الدرداء فرحب به‪ ،‬وقرب إليه طعامًا‪ ،‬فقال له سلمان‪ :‬اطعم‪،‬‬
‫قال‪ :‬إني صائم‪ ،‬قال‪ :‬أقسمت عليك لتفطرنه‪ ،‬ما أنا بآكل حتى تأكل‪ ،‬فأكل معه‪ ،‬ثم‬
‫بات عنده‪ ،‬فلما كان من الليل أراد أبو الدرداء أن يقوم‪ ،‬فمنه سلمان وقال له‪ :‬يا أبا‬
‫الدرداء! إن لجسدك عليك حقًا‪ ،‬ولربك عليك حقًا‪] ،‬ولضيفك عليك حقا[‪ ،‬ولهلك‬
‫ل‪ ،‬وائت أهلك‪ ،‬وأعط كل ذي حق حقه‪ ،‬فلما كان في‬ ‫عليك حقًا‪ ،‬صم‪ ،‬وأفطر‪ ،‬وص ّ‬
‫وجه الصبح‪ ،‬قال‪ :‬قم الن إن شئت‪ ،‬قال‪ :‬فقاما فتوضآ‪ ،‬ثم ركعا‪ ،‬ثم خرجا إلى‬
‫الصلة‪ ،‬فدنا أبو الدرداء ليخبر رسول ال صلى ال عليه وسلم بالذي أمره سلمان‪،‬‬
‫فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬يا أبا الدرداء! إن لجسدك عليك حقًا‪ ،‬مثل ما‬
‫قال سلمان) وفي رواية‪ :‬صدق سلمان ( البخاري والترمذي‪ ،‬والبيهقي‪.‬‬
‫]‪[89‬‬
‫‪ -33‬ترك حضور الدعوة التي فيها معصية‪:‬‬

‫‪18‬‬
‫ول يجوز حضور الدعوة إذا اشتملت على معصية‪ ،‬إل أن يقصد إنكارها ومحاولة‬
‫إزالتها‪ ،‬فإن ُأزيلت؛ وإل وجب الرجوع‪ ،‬وفيه أحاديث‪:‬‬
‫الول‪ :‬عن علي قال‪:‬‬
‫))صنعت طعامًا فدعوت رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فجاء فرأى في البيت‬
‫تصاوير‪ ،‬فرجع ]قال‪ :‬فقلت‪ :‬يا رسول ال! ما أرجعك بأبي أنت وأمي؟ قال‪ :‬إن في‬
‫البيت سترًا فيه تصاوير‪ ،‬وإن الملئكة ل تدخل بيتًا فيه تصاوير[ (( ابن ماجه‪ ،‬وأبو‬
‫يعلى بسند صحيح‪.‬‬
‫]‪[90‬‬
‫الثاني‪ :‬عن عائشة أنها اشترت ُنمُرقة فيها تصاوير‪ ،‬فلما رآها رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم قام على الباب‪ ،‬فلم يدخل‪ ،‬فعرفت في وجهه الكراهية‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رسول‬
‫ال! أتوب إلى ال وإلى رسوله‪ ،‬ماذا أذنبت؟ فقال صلى ال عليه وسلم‪ :‬ما بال هذه‬
‫النمرقة؟ فقلت‪ :‬اشتريتها لك لتقعد عليها وتوسدها‪ ،‬فقال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫))إن أصحاب هذه الصور) وفي رواية‪ :‬إن الذين يعملون هذه التصاوير ( يعذبون‬
‫يوم القيامة‪ ،‬ويقال لهم‪ :‬أحيوا ما خلقتم‪ ،‬وإن البيت الذي فيه ]مثل هذه[ الصور ل‬
‫تدخله الملئكة] قالت ‪ :‬فما دخل حتى أخرجتها[ (( البخاري ومسلم ‪.‬‬
‫]‪[91‬‬
‫الثالث‪ :‬قال‪ :‬صلى ال عليه وسلم ‪ ) :‬من كان يؤمن بال واليوم الخر؛ فل يقعدن‬
‫على مائدة يدار عليها بالخمر ((‪.‬‬
‫]‪[92‬‬
‫وعلى ما ذكرنا جرى عليه عمل السلف الصالح رضي ال عنهم‪ ،‬والمثلة على ذلك‬
‫كثيرة جدًا‪ ،‬فأقتصر على ما يحضرني الن منها‪:‬‬
‫أ‪ -‬عن أسلم –مولى عمر‪ -‬أن عمر بن الخطاب رضي ال عنه حين قدم الشام‪ ،‬فصنع‬
‫له رجل من النصارى‪ ،‬فقال لعمر‪ :‬إني أحب أن تجيئني وتكرمني أنت وأصحابك –‬
‫وهو رجل من عظماء الشام‪ -‬فقال له عمر رضي ال عنه ‪:‬‬
‫))إنا ل ندخل كنائسكم من أجل الصور التي فيها (( البيهقي بسند صحيح‪.‬‬
‫]‪[93‬‬
‫ل صنع له طعامًا‪ ،‬فدعاه‪ ،‬فقال‪ :‬أفي‬‫ب‪ -‬عن أبي مسعود ‪ -‬عقبة بن عمرو‪ -‬أن رج ً‬
‫البيت صورة؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬فأبى أن يدخل حتى كسر الصورة ثم دخل‪ .‬البيهقي سنده‬
‫صحيح‪.‬‬
‫ج‪ -‬قال المام الوزاعي‪:‬‬
‫))ل ندخل وليمة فيها طبل ول معزاف (( أبو الحسن الحربي‪.‬‬
‫]‪[94‬‬
‫‪ -34‬ما يستحب لمن حضر الدعوة‪:‬‬
‫ويستحب لمن حضر الدعوة أمران‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن يدعو لصاحبها بعد الفراغ بما جاء عنه صلى ال عليه وسلم وهو أنواع‪:‬‬
‫أ‪ -‬عن عبد ال بن بسر أن أباه صنع للنبي صلى ال عليه وسلم طعامًا‪ ،‬فدعاه‪،‬‬
‫فأجابه‪ ،‬فلما فرغ من طعامه قال‪:‬‬

‫‪19‬‬
‫))اللهم اغفر لهم‪ ،‬وارحمهم‪ ،‬وبارك لهم فيما رزقتهم (( ابن أبي شيبة‪ ,‬ومسلم‪ ،‬وأبو‬
‫داود‪.‬‬
‫]‪[95‬‬
‫ب‪ -‬عن المقداد بن السود قال‪ :‬قدمت أنا وصاحبان لي على رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم‪ .‬فأصابنا جوع شديد‪ ،‬فتعرضنا للناس‪ ،‬فلم يضفنا أحد‪ ،‬فانطلق بنا رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم إلى منزله؛ وعنده أربع أعنز‪ ،‬فقال لي‪ :‬يا مقداد جزئ ألبانها‬
‫بيننا أرباعًا‪ ،‬فكنت أجزئه بيننا أرباعًا‪] ،‬فيشرب كل إنسان نصيبه‪ ،‬ونرفع لرسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم نصيبه[‪ ،‬فاحتبس رسول ال صلى ال عليه وسلم ذات ليلة‪،‬‬
‫فحدثت أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قد أتى بعض النصار‪ ،‬فأكل حتى شبع‪،‬‬
‫وشرب حتى روي‪ ،‬فلو شربت نصيبه ) ! ( فلم أزل كذلك حتى قمت إلى نصيبه‬
‫فشربته) ! ( ثم غطيت القدح‪ ،‬فلما فرغت أخذني ما قُدم وما حدث‪ ،‬فقلت‪ :‬يجيء‬
‫جيت‪] ،‬قال‪ :‬وعلي شملة من‬ ‫رسول ال صلى ال عليه وسلم جائعًا ول يجد شيئًا‪ ،‬فتس ّ‬
‫صوف كلما رفعت على رأسي خرجت قدماي‪ ،‬وإذا أرسلت على قدمي خرج رأسي‪،‬‬
‫قال‪] [:‬وجعل ل يجيئني النوم[‪ ،‬وجعلت أحدث نفسي‪] ،‬قال‪ :‬وأما صاحباي فناما[‪،‬‬
‫فبينا أنا كذلك؛‬
‫]‪[96‬‬
‫إذ دخل رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فسلم تسليمة يسمع اليقظان‪ ،‬ول يوقظ النائم‪،‬‬
‫]ثم أتى المسجد فصلى[‪ ،‬ثم أتى القدح فكشفه‪ ،‬فلم ير شيئًا‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫))اللهم أطعم من أطعمني‪ ،‬واسق من سقاني ((‪ ،‬واغتنمت الدعوة‪] ،‬فعمدت إلى‬
‫سها‬
‫الشملة فشددتها علي[‪ ،‬فقمت إلى الشفرة فأخذتها‪ ،‬ثم أتيت العنز‪ ،‬فجعلت أجت ّ‬
‫أيها اسمن؛ ]فأذبح لرسول ال صلى ال عليه وسلم[‪ ،‬فل تمر يدي على ضرع واحدة‬
‫ل‪] ،‬فعمدت إلى إناء لل محمد ما كانوا يطعمون أن يحلبوا فيه[‪،‬‬ ‫إل وجدتها حاف ً‬
‫فحلبت حتى ملـ القدح‪ ،‬ثم أتيت ]به[ رسول ال صلى ال عليه وسلم‪] ،‬فقال‪ :‬أما‬
‫شربتم شرابكم الليلة يا مقداد؟ قال‪ [:‬فقلت‪ :‬اشرب يا رسول ال! فرفع رأسه إلي‪،‬‬
‫فقال‪ :‬بعض سوآتك يا مقداد‪ ،‬ما الخبر؟ قلت‪ :‬اشرب ثم الخبر‪ ،‬فشرب حتى روي‪ ،‬ثم‬
‫ناولني فشربت‪ ،‬فلما‬
‫]‪[97‬‬
‫عرفت أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قد روي وأصابتني دعوته‪ ،‬ضحكت‪ ،‬حتى‬
‫ألقيت إلى الرض‪ ،‬فقال‪ :‬ما الخبر؟ فأخبرته‪ ،‬فقال‪ :‬هذه بركة نزلت من السماء‪ ،‬فهل‬
‫أعلمتني حتى نسقي صاحبينا؟ فقلت‪] :‬والذي بعثك بالحق[‪ ،‬إذا أصابتني وإياك‬
‫البركة‪ ،‬فما أبالي من أخطأت!‪ .‬مسلم وأحمد وابن سعد وبعضه الترمذي وصححه‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬عن أنس أو غيره أن رسول ال صلى ال عليه وسلم] كان يزور النصار‪،‬‬
‫فإذا جاء إلى دور النصار جاء صبيان النصار يدورون حوله‪ ،‬فيدعوا لهم‪ ،‬ويمسح‬
‫رؤوسهم ويسلم عليهم‪ ،‬فأتى إلى باب سعد بن عبادة فـ[ استأذن على سعد فقال‪:‬‬
‫السلم عليكم ورحمة ال‪ ،‬فقال سعد‪ :‬وعليك السلم ورحمة ال‪ ،‬ولم ُيسمع النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم حتى سلم ثلثًا‪ ،‬ورد عليه سعد ثلثًا‪ ،‬ولم ُيسمعه‪] ،‬وكان النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم ل يزيد فوق ثلث تسليمات‪ ،‬فإن أذن له‪،‬‬

‫‪20‬‬
‫]‪[98‬‬
‫وإل انصرف[‪ ،‬فرجع النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬واتبعه سعد‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول ال!‬
‫بأبي أنت وأمي ما سلمت تسليمة إل هي بأذني‪ ،‬ولقد رددت عليك ولم أسمعك‪ ،‬أحببت‬
‫أن أستكثر من سلمك ومن البركة‪] ،‬فادخل يا رسول ال[‪ ،‬ثم أدخله البيت‪ ،‬فقرب له‬
‫زبيبًا‪ ،‬فأكل نبي ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فلما فرغ قال‪:‬‬
‫))أكل طعامكم البرار‪ ،‬وصلت عليكم الملئكة‪ ،‬وأفطر عندكم الصائمون ((‪ .‬أحمد‬
‫والطحاوي والبيهقي وابن عساكر وإسنادهم صحيح‪.‬‬
‫]‪[100‬‬
‫المر الثاني‪ :‬الدعاء له ولزوجه بالخير والبركة‪ ،‬وفيه أحاديث‪:‬‬
‫الول‪ :‬عن جابر بن عبد ال رضي ال عنهما قال‪:‬‬
‫هلك أبي‪ ،‬وترك سبع بنات أو تسع بنات‪ ،‬فتزوجت امرأة ثيبًا‪ ،‬فقال لي رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ :‬تزوجت يا جابر؟ فقلت‪ :‬نعم‪ ،‬فقال‪ :‬أبكرًا أم ثيبًا‪ ،‬قلت‪ :‬بل ثيبًا‪،‬‬
‫قال‪ :‬فهل جارية تلعبها وتلعبك‪ ،‬وتضاحكها وتضاحكك؟ فقلت له‪ :‬إن عبد ال هلك‬
‫وترك ]تسع أو سبع[ بنات‪ ،‬وإني كرهت أن أجيئهن بمثلهن‪ ،‬فتزوجت امرأة تقوم‬
‫عليهن وتصلحهن‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫))بارك ال لك ((‪ ،‬أو قال لي خيرًا‪ .‬البخاري ومسلم ‪.‬‬
‫]‪[101‬‬
‫الثاني‪ :‬عن بريدة رضي ال عنه قال‪ :‬قال نفر من النصار لعلي‪ :‬عندك فاطمة‪ ،‬فأتى‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم فسلم عليه‪ ،‬فقال‪ :‬ما حاجة ابن أبي طالب؟ فقال‪ :‬يا‬
‫ل‪،‬‬
‫رسول ال! ذكرت فاطمة بنت رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقال‪ :‬مرحبًا وأه ً‬
‫لم يزد عليهما‪ ،‬فخرج علي بن أبي طالب على أولئك الرهط من النصار ينتظرونه‪،‬‬
‫ل‪ ،‬فقالوا‪ :‬يكفيك من‬ ‫قالوا‪ :‬ما وراءك؟ قال‪ :‬ما أدري غير أنه قال لي‪ :‬مرحبًا وأه ً‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم إحداهما‪ ،‬أعطاك الهل والمرحب‪ ،‬فلما كان بعد ذلك‪،‬‬
‫بعدما زوجه قال‪ :‬يا علي إنه ل بد للعروس من وليمة‪ ،‬فقال سعد‪ :‬عند كبش‪ ،‬وجمع‬
‫له رهط من النصار أصوعًا من ذرة‪ ،‬فلما كانت ليلة البناء‪ ،‬قال‪ :‬ل تحدث شيئًا حتى‬
‫تلقاني‪ ،‬فدعا رسول ال صلى ال عليه وسلم بما فتوضأ فيه‪ ،‬ثم أفرغه على علي‪،‬‬
‫فقال‪:‬‬
‫))اللهم بارك فيهما‪ ،‬وبارك لهما في بنائهما ((‪.‬‬
‫]‪[102‬‬
‫الثالث‪ :‬عن عائشة رضي ال عنها قالت‪:‬‬
‫تزوجني النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فأتتني أمي‪ ،‬فأدخلتني الدار‪ ،‬فإذا نسوة من‬
‫النصار في البيت‪ ،‬فقلن‪:‬‬
‫))على الخير والبركة‪ ،‬وعلى خير طائر ((‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬عن أبي هريرة أن النبي صلى ال عليه وسلم كان إذا رّفأ النسان إذا تزوج‬
‫قال‪:‬‬

‫‪21‬‬
‫))بارك اله لك‪ ،‬وبارك عليك‪ ،‬وجمع بينكما في ) وفي رواية‪ :‬على ( خير (( أبو‬
‫داود‪ ،‬والترمذي‪ ،‬وكذا أبو علي الطوسي وصححاه‪ ،‬والدارمي وأحمد والحاكم‬
‫والبيهقي‪.‬‬
‫]‪[103‬‬
‫‪ -35‬بالرفاء والبنين تهنئة الجاهلية‪:‬‬
‫ول يقول‪)) :‬بالرفاء والبنين ((؛ كما يفعل الذين ل يعلمون‪ ،‬فإنه من عمل الجاهلية‪،‬‬
‫وقد ُنهي عنه في أحاديث‪ ،‬منها‪ :‬عن الحسن أن عقيل بن أبي طالب تزوج امرأة من‬
‫جشم‪ ،‬فدخل عليه القوم‪ ،‬فقالوا‪ :‬بالرفاء والبنين‪ ،‬فقال‪ :‬ل تفعلوا ذلك ]فإن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم نهى عن ذلك[‪ ،‬قالوا‪ :‬فما نقول يا أبا زيد؟ قال‪ :‬قولوا‪ :‬بارك ال‬
‫]‪[104‬‬
‫لكم‪ ،‬وبارك عليكم‪ ،‬إنا كذلك كنا نؤمر‪ .‬ابن أبي شيبة‪ ،‬وعبد الرزاق‪ ،‬والنسائي‪،‬وابن‬
‫ماجه‪ ،‬والدارمي‪.‬‬
‫‪ -36‬قيام العروس على خدمة الرجال‪:‬‬
‫ول بأس من أن تقوم على خدمة المدعوين العروس نفسها إذا كانت متسترة وأمنت‬
‫الفتنة‪ ،‬لحديث سهل بن سعد قال‪:‬‬
‫]‪[106‬‬
‫))لما عرس أبو أسيد الساعدي دعا النبي صلى ال عليه وسلم وأصحابه‪ ،‬فما صنع‬
‫لهم طعامًا‪ ،‬ول قدمه إليهم‪ ،‬إل امرأته أم أسيد‪ ،‬بّلت ) وفي رواية‪ :‬أنقعت ( تمرات في‬
‫تور من حجارة من الليل‪ ،‬فلما فرغ النبي صلى ال عليه وسلم من الطعام أماثته له‬
‫فسقته‪ ،‬تتحفه بذلك‪] ،‬فكانت امرأته يومئذ خادمهم وهي العروس[ ((‪ .‬البخاري‬
‫ومسلم‪.‬‬
‫]‪[107‬‬
‫‪ -37‬الغناء والضرب بالدف‪:‬‬
‫ويجوز له أن يسمح للنساء في العرس بإعلن النكاح بالضرب على الدف فقط‪،‬‬
‫وبالغناء المباح الذي ليس فيه وصف الجمال وذكر الفجور‪ ،‬وفي ذلك أحاديث‪:‬‬
‫]‪[108‬‬
‫الول‪ :‬عن الربيع بنت معوذ قالت‪:‬‬
‫))جاء النبي صلى ال عليه وسلم يدخل حين ُبني علي‪ ،‬فجلس على فراشي مجلسك‬
‫مني‪ ) ،‬الخطاب للراوي عنها (‪ ،‬فجعلت جويرات لنا يضربن بالدف‪ ،‬ويندبن من قتل‬
‫من آبائي يوم بدر‪ ،‬إذ قالت إحداهن‪ :‬وفينا نبي يعلم ما في غد‪ .‬فقال‪ :‬دعي هذه وقولي‬
‫بالذي كنت تقولين ((‪ .‬البخاري والبيهقي وأحمد والمحاملي في صلة العيدين‪.‬‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬عن عائشة أنها زفت امرأة إلى رجل من النصار‪ ،‬فقال نبي ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪)) :‬يا عائشة! ما كان معكم لهو‪ ،‬فإن النصار يعجبهم اللهو؟ (( البخاري‬
‫والحاكم وعنه البيهقي‪.‬‬
‫]‪[109‬‬
‫وفي رواية بلفظ‪:‬‬

‫‪22‬‬
‫))فقال‪ :‬فهل بعثتم معها جارية تضرب بالدف وتغني؟ قلت‪ :‬ماذا تقول؟ قال‪ :‬تقول‪:‬‬
‫أتيناكم أتيناكـم فحيـونا نحييـكـم‬
‫لول الذهب الحمـ ـر ما حلت بواديكم‬
‫لول الحنطة السمرا ء ما سمنت عذاريكم ((‬
‫الثالث‪ :‬عنها أيضًا‪:‬‬
‫))أن النبي صلى ال عليه وسلم سمع ناسًا يغنون في عرس وهم يقولون‪:‬‬
‫وأهـدي لها أكبش يبحبحن في المربـد‬
‫ويعلم ما في غـد‬ ‫وحبك في النـادي‬
‫وفي رواية‪:‬‬
‫]‪[110‬‬
‫وزوجـك في النادي ويعلم ما في غـد‬
‫قالت‪ :‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪)) :‬ل يعلم ما في غد إل ال سبحانه ((‪.‬‬
‫أخرجه الطبرانفي في الصغير والحاكم‪ ،‬البيهقي‪ ،‬وقال الحاكم‪:‬صحيح على شرط‬
‫مسلم‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬عن عامر بن سعد البجلي‪ ،‬قال‪:‬‬
‫))دخلت على قرظة بنت كعب وأبي مسعود‪ ،‬وذكر ثالثًا‪ -‬ذهب علي‪ -‬وجواري‬
‫يضربن بالدف ويغنين‪ ،‬فقلت‪ :‬تقرون على وأنتم أصحاب محمد صلى ال عليه وسلم؟‬
‫قالوا‪ :‬إنه قد رخص لنا في العرسات‪ ،‬والنياحة عند المصيبة ((‪ ،‬وفي رواية‪:‬‬
‫))وفي البكاء على الميت في غير نياحة (( أخرجه الحاكم‪ ،‬والبيهقي‪ ،‬والنسائي‪،‬‬
‫والطيالسي‪.‬‬
‫]‪[111‬‬
‫الخامس‪ :‬عن أبي بلج يحيى بن سليم قال‪:‬‬
‫))قلت لمحمد بن حاطب‪ :‬تزوجت امرأتين ما كان في واحدة منهما صوت‪ ،‬يعني دفًا‪،‬‬
‫فقال محمد رضي ال عنه‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫))فصل ما بين الحلل والحرام الصوت بالدف ((‪ .‬النسائي‪ ،‬والترمذي وقال‪ :‬حديث‬
‫حسن ‪ ،‬وابن ماجه ‪.‬وغيرهم‪.‬‬
‫السادس‪)) :‬أعلنوا النكاح ((‪ .‬ابن حبان والطبراني‪.‬‬
‫]‪[112‬‬
‫‪ -38‬المتناع من مخالفة الشرع‪:‬‬
‫ويجب عليه أن يمتنع من كل ما فيه مخالفة للشرع‪ ،‬وخاصة ما اعتاده الناس في مثل‬
‫هذه المناسبة‪ ،‬حتى ظن كثير منهم‪ -‬بسبب سكوت العلماء‪ -‬أن ل بأس فيها‪ ،‬وأنا أنبه‬
‫هنا على أمور هامة منها‪:‬‬
‫]‪[113‬‬
‫ً‪ -1‬تعليق الصور‪:‬‬
‫الول‪ :‬تعليق الصور على الجدران‪ ،‬سواء كانت مجسمة أو غير مجسمة‪ ،‬لها ظل‪ ،‬أو‬
‫ل ظل لها‪ ،‬يدوية أو فوتوغرافية‪ ،‬فإن ذلك كله ل يجوز‪ ،‬ويجب على المستطيع‬
‫نزعها إن لم يستطع تمزيقها‪ ،‬وفي أحاديث‪:‬‬

‫‪23‬‬
‫‪ -1‬عن عائشة رضي ال عنها قالت‪:‬‬
‫))دخل علي رسول ال صلى ال عليه وسلم وقد سترت سهوًة لي بقرام فيه تماثيل‪،‬‬
‫) وفي رواية‪ :‬فيه الخيل ذوات الجنحة (‪ ،‬فلما رآه هتكة‪ ،‬وتلون وجهه‪ ،‬وقال‪ :‬يا‬
‫عائشة! أشد الناس عذابًا عند ال يوم القيامة الذين يضاهون بخلق ال‪،‬‬
‫]‪[114‬‬
‫) وفي رواية‪ :‬إن أصحاب هذه الصور يعذبون‪ ،‬ويقال لهم‪ :‬أحيوا ما خلقتم‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫إن البيت الذي فيه الصور ل تدخله الملئكة (‪ ،‬قالت‪ :‬عائشة‪ :‬فقطعناه فجعلنا منه‬
‫وسادة أو وسادتين‪] ،‬فقد رأيته متكئًا على إحداهما وفيها صورة[ ((‪.‬البخاري ومسلم‪.‬‬
‫]‪[117‬‬
‫‪ -2‬وعنها قالت‪:‬‬
‫))حشوت وسادة للنبي صلى ال عليه وسلم فيها تماثيل كأنها نمرقة‪ ،‬فقام بين البابين‪،‬‬
‫وجعل يتغير وجهه‪ ،‬فقلت‪ :‬ما لنا يا رسول ال؟ ]أتوب إلى ال مما أذنبت[‪ ،‬قال‪ :‬ما‬
‫بال هذه الوسادة؟ قالت‪ :‬قلت‪ :‬وسادة جعلتها لك لتضطجع عليها‪ ،‬قال‪ :‬أما علمت أن‬
‫الملئكة ل تدخل بيتًا فيه صورة‪ ،‬وأن من صنع الصور يعذب يوم القيامة‪ ،‬فيقال‪:‬‬
‫أحيوا ما خلقتم؟! وفي رواية‪ :‬إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ]قالت‪ :‬فما‬
‫دخل حتى أخرجتها[ (( البخاري وأبو بكر الشافعي‪.‬‬
‫]‪[118‬‬
‫‪ -3‬قوله صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫))أتاني جبريل عليه السلم‪ ،‬فقال لي‪ :‬أتيتك البارحة‪ ،‬فلم يمنعني أن أكون دخلت إل‬
‫أنه كان على الباب تمثال ]الرجال[‪ ،‬وكان في البيت قرام ستٍر فيه تماثيل‪،‬‬
‫]‪[119‬‬
‫وكان في البيت كلب‪ ،‬فمر برأس التمثال الذي في البيت يقطع فيصير كهيئة الشجرة‪،‬‬
‫وُمر بالستر فليقطع‪،‬‬
‫]‪[124‬‬
‫فليجعل منه وسادتين توطآن‪ ،‬ومر بالكلب فليخرج ]فإنا ل ندخل بيتًا فيه صورة ول‬
‫كلب[‪ ،‬وإذا الكلب ]جرو[ لحسن أو حسين‪ ،‬كانت تحت نضد لهم ) وفي رواية‪ :‬تحت‬
‫سريره (‪] ،‬فقال يا عائشة! متى دخل هذا الكلب؟ فقالت‪ :‬وال ما دريت[‪ ،‬فأمر به‬
‫فأخرج ]ثم أخذ بيده ماًء فنضح مكانه[ ((حديث صحيح‪.‬‬
‫]‪[125‬‬
‫ً‪ -2‬ستر الجدران بالسجاد‪:‬‬
‫المر الثاني مما ينبغي اجتنابه‪ :‬ستر الجدار بالسجاد ونحوه‪ ،‬ولو من غير الحرير‪،‬‬
‫لنه سرف وزينة غير مشروعة؛ لحديث عائشة رضي ال عنها قالت‪:‬‬
‫]‪[126‬‬
‫))كان رسول ال صلى ال عليه وسلم غائبًا في غزاة غزاها‪ ،‬فلما تحينت قفوله‪،‬‬
‫أخذت نمطّا ]فيه صورة[كانت لي‪ ،‬فسترت به على العرض‪ ،‬فلما دخل رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم تلقيته في الحجرة‪ ،‬فقلت‪ :‬السلم عليك يا رسول ورحمة ال‬
‫وبركاته‪ ،‬الحمد ل الذي أعز]ك[ فنصرك‪،‬‬

‫‪24‬‬
‫]‪[127‬‬
‫وأقر عينيك وأكرمك‪ ،‬قالت‪ :‬فلم يكلمني! وعرفت في وجهه الغضب‪ ،‬ودخل البيت‬
‫مسرعًا‪ ،‬وأخذ النمط بيده‪ ،‬فجذبه حتى هتكه‪ ،‬ثم قال‪] :‬أتسترين الجدار؟![ ]بستر فيه‬
‫تصاوير؟![‪ ،‬إن ال لم يأمرنا فيما رزقنا أن نكسو الحجارة]والطين‪ .‬قالت‪ :‬فقطعنا منه‬
‫ي[‬
‫وسادتين‪ ،‬وحشوتهما ليفًا‪ ،‬فلم يعب ذلك عل ّ‬
‫]‪[128‬‬
‫]قالت‪ :‬فكان صلى ال عليه وسلم يرتفق عليهما[ (( مسلم وأبو عوانة وأحمد ‪.‬‬
‫ولهذا كان بعض السلف يتمنع من دخول البيوت المستورة جدرها‪ ،‬قال سالم بن عبد‬
‫ال‪:‬‬
‫]‪[129‬‬
‫))أعرست في عهد أبي‪ ،‬فآذن أبي الناس‪ ،‬وكان أبو أيوب فيمن آذّنا‪ ،‬وقد ستروا بيتي‬
‫بنجاد أخضر‪ ،‬فأقبل أبو أيوب فدخل‪ ،‬فرآني قائمًا‪ ،‬واطلع فرأى البيت مستترًا بنجاد‬
‫أخضر‪ ،‬فقال‪ :‬يا عبد ال! أتسترون الجدر؟! قال‪ :‬أبي‪ - :‬واستحيى‪ -‬غلبنا النساء أبا‬
‫أيوب! فقال‪ :‬من ]كنت[ أخشى ]عليه[ أن تغلبنه النساء فلم]أكن[ أخشى ]عليك[ أن‬
‫تغلبنك! ثم قال‪ :‬ل أطعم لكم طعامًا‪ ،‬ول أدخل لكم بيتًا‪ .‬ثم خرج رحمه ال ((‬
‫الطبراني وابن عساكر ‪.‬‬
‫‪ -3‬نتف الحواجب وغيرها!‬
‫الثالث‪ :‬ما تفعله بعض النسوة من نتفهن حواجبهن حتى تكون كالقوس أو الهلل‪،‬‬
‫ل بزعمهن!‬ ‫يفعلن ذلك تجم ً‬
‫]‪[130‬‬
‫وهذا مما حرمه رسول ال صلى ال عليه وسلم ولعن فاعله بقوله‪:‬‬
‫))لعن ال الواشمات ‪ ،‬والمستوشمات) ‪] ،( 7‬والواصلت[‪ ،‬والنامصات ‪،‬‬
‫)‪(8‬‬

‫والمتنمصات‪ ،‬والمتفلجات للحسن) ‪( 9‬؛ المغيرات خلق ال ((البخاري ومسلم وأبو‬


‫داود‪ ،‬والترمذي وصححه وغيرهم‪.‬‬
‫]‪[132‬‬
‫‪ -4‬تدميم الظفار وإطالتها‪:‬‬
‫الرابع‪ :‬هذه العادة القبيحة الخرى التي تسربت من فاجرات أوربا إلى كثير من‬
‫المسلمات‪ ،‬وهي تدميمهن لظفارهن بالصمغ الحمر المعروف اليوم بـ) مينيكور (‪،‬‬
‫]‪[133‬‬

‫) ( من الوشم‪ :‬غرز البرة ونحوها في الجلد حتى يسيل الدم‪ ،‬ثم حشوه بالكحل أو ما‬ ‫‪7‬‬

‫شابه فيخضر‪.‬‬
‫والمستوشمة‪ :‬التي تطلب الوشم‪.‬‬
‫) ( جمع نامصة وهي التي تفعل النماص‪ ،‬والنماص‪ :‬إزالة شعر الوجه بالمنقاش كما‬ ‫‪8‬‬

‫في ))النهاية(( وغيره‪.‬‬


‫) ( أي لجل الحسن‪ ،‬المتفلجة‪ :‬التي تطلب الفلج‪ ،‬وهوفرجة ما بين الثنايا‬ ‫‪9‬‬

‫والرباعيات‪،‬والتفلج أن يفرج بين المتلصقين بالمبرد ونحوه‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫وإطالتهن لبعضها‪ -‬وقد يفعلها بعض الشباب أيضًا‪ -‬فإن هذا مع ما فيه من تغير لخلق‬
‫ال المستلزم لعن فاعله كما علمت آنفًا‪ ،‬ومن التشبه بالكافرات المنهي عنه في‬
‫أحاديث كثيرة التي منها قوله صلى ال عليه وسلم ‪ ...)) :‬ومن تشبه بقوم فهو‬
‫منهم ((؛ فإنه أيضًا مخالف للفطرة ﴿فطرة ال التي فطر الناس عليها﴾‪ ،‬وقد قال صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫))الفطرة خمس‪ :‬الختتان‪ ،‬والستحداد‪،‬‬
‫]‪[135‬‬
‫) وفي رواية‪ :‬حلق العانة (‪ ،‬وقص الشارب‪ ،‬وتقليم الظفار‪ ،‬ونتف البط ((‪.‬‬
‫وقال أنس رضي ال عنه ‪:‬‬
‫ت لنا رسول ال ( في قص الشارب‪ ،‬وتقليم الظفار‪،‬‬ ‫ت لنا ) وفي رواية‪ :‬وّق َ‬ ‫))ُوّق َ‬
‫ونتف البط‪ ،‬وحلق العانة‪ ،‬أن ل تترك أكثر من أربعين ليلة ((مسلم وأبو عوانة وأبو‬
‫داود‪.‬‬
‫ً‪ -5‬حلق اللحى‪:‬‬
‫الخامس‪ :‬ومثلها في القبح –إن لم تكن أقبح منها عند ذوي الفطرة السليمة‪ -‬ما ابُتلي به‬
‫أكثر الرجال من التزين بحلق اللحية بحكم تقليدهم للوربيين الكفار‪ ،‬حتى صار من‬
‫العار عندهم أن يدخل العروس على عروسه وهو غير حليق! وفي ذلك عدة‬
‫مخالفات‪:‬‬
‫]‪[136‬‬
‫أ‪ -‬تغيير خلق ال‪ ،‬قال تعالى في حق الشيطان‪:‬‬
‫﴿لعنه ال وقال لتخّذن من عبادك نصيبًا مفروضًا‪ ،‬ولضلّنهم ولمنينهم ولمرنهم‬
‫ن خلق ال‪ ،‬ومن يتخذ الشيطان وليًا من دون ال‬ ‫فليبتكن آذان النعام ولمرنهم فليغير ّ‬
‫فقد خسر خسرانًا مبينًا﴾‪.‬‬
‫فهذا نص صريح في أن تغيير خلق ال دون إذن منه تعالى‪ ،‬إطاعة لمر الشيطان‪،‬‬
‫وعصيان للرحمن جل جلله‪ ،‬فل جرم أن لعن رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫حسن) ! ( في‬ ‫المغيرات خلق ال للحسن كما سبق قربًا‪ ،‬ول شك في دخول اللحية لل ُ‬
‫اللعن المذكور بجامع الشتراك في العلة كما ل يخفى‪ ،‬وإنما قلت‪)) :‬دون إذن من ال‬
‫تعالى ((‪ ،‬لكي ل ُيتوهم‪ ،‬أنه يدخل في التغيير المذكور مثل حلق العانة ونحوها مما‬
‫أذن فيه الشارع‪ ،‬بل استحبه‪ ،‬أو أوجبه‪.‬‬
‫ب‪ -‬مخالفة أمره صلى ال عليه وسلم وهو قوله‪:‬‬
‫]‪[137‬‬
‫))أنهكوا الشوارب‪ ،‬وأعفوا اللحى ((البخاري ومسلم وأبو عوانة وغيرهم‪.‬‬
‫ومن المعلوم أن المر يفيد الوجوب إل لقرينة والقرينة هنا مؤكدة للوجوب‪ ،‬وهو‪:‬‬
‫ج‪ -‬التشبه بالكفار‪ ،‬قال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫))جزوا الشوارب‪ ،‬وأرخوا اللحى‪ ،‬خالفوا المجوس (( مسلم وأبو عوانة في‬
‫صحيحيهما‪.‬‬
‫]‪[138‬‬
‫ويؤيد الوجوب أيضًا‪:‬‬

‫‪26‬‬
‫د‪ -‬التشبه بالنساء‪ ،‬فقد‪:‬‬
‫))لعن رسول ال صلى ال عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء‪ ،‬والمتشبهات من‬
‫النساء بالرجال ((‪ .‬البخاري‪ ،‬والترمذي وصححه‪.‬‬
‫]‪[140‬‬
‫ول يخفى أن في حلق الرجل لحيته‪ -‬التي ميزه ال بها على المرأة‪ -‬أكبر تشبه بها‪،‬‬
‫فلعل فيما أوردنا من الدلة ما يقنع المبتلين بهذه المخالفة‪ ،‬عافانا ال وإياهم من كل ما‬
‫ل يحبه ول يرضاه‪.‬‬
‫ً‪ -6‬خاتم الخطبة‪:‬‬
‫السادس‪ :‬لبس بعض الرجال خاتم الذهب الذي يسمونه بـ))خاتم الخطبة ((‪ ،‬فهذا مع‬
‫ما فيه من تقليد الكفار أيضًا‪ -‬لن هذه العادة سرت إليهم من النصارى‪-‬‬
‫]‪[142‬‬
‫ففيه مخالفة صريحة لنصوص صحيحة تحرم خاتم الذهب على الرجال وعلى النساء‬
‫أيضًا كما ستعلمه‪ ،‬وإليك بعض هذه النصوص‪:‬‬
‫ل‪)) :‬نهى صلى ال عليه وسلم عن خاتم الذهب ((‪.‬‬ ‫أو ً‬
‫ثانيًا‪ :‬عن ابن عباس أن رسول ال صلى ال عليه وسلم رأى خاتمًا من ذهب في يد‬
‫رجل‪ ،‬فنزعه فطرحه‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫]‪[143‬‬
‫))يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده ؟! ((‪.‬‬
‫فقيل للرجل بعدما ذهب رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬خذ خاتمك وانتفع به‪ ،‬قال‪ :‬ل‬
‫وال ل آخذه أبدًا وقد طرحه رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫ثالثًا عن أبي ثعلبة الخشني أن النبي صلى ال عليه وسلم أبصر في يده خاتمًا من‬
‫ذهب‪ ،‬فجعل يقرعه بقضيب معه‪ ،‬فلما غفل النبي صلى ال عليه وسلم ألقاه‪] ،‬فنظر‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم فلم يره في يده فـ[قال‪ :‬ما أرانا إل قد أوجعناك وأغرمناك‪.‬‬
‫النسائي وأحمد وابن سعد وأبو نعيم في ))أصبهان ((‪.‬‬
‫]‪[145‬‬
‫رابعًا‪ :‬عن عبد ال بن عمرو أن النبي صلى ال عليه وسلم رأى على بعض أصحابه‬
‫خاتمًا من ذهب‪ ،‬فأعرض عنه‪ ،‬فألقاه‪ ،‬واّتخذ خاتمًا من حديد‪ ،‬فقال‪ :‬هذا شر‪ ،‬هذا‬
‫حلية أهل النار‪ ،‬فألفاه ‪ ،‬فاتخذ خاتمًا من َوِرق‪ -‬أي فضة‪ -‬فسكت عنه‪ .‬حديث صحيح‬
‫رواه أحمد‪ .‬والبخاري في ))الدب المفرد ((‪.‬‬
‫]‪[150‬‬
‫خامسًا‪)) :‬من كان يؤمن بال واليوم الخر فل يلبس حريرًا ول ذهبًا ((أحمد بسند‬
‫حسن‪.‬‬
‫سادسا‪)) :‬من لبس الذهب من أمتي‪ ،‬فمات وهو يلبسه حرم ال عليه ذهب الجنة ((‪.‬‬
‫أحمد بسند صحيح‪.‬‬
‫‪ -39‬تحريم خاتم الذهب ونحوه على النساء‪:‬‬
‫واعلم أن النساء يشتركن مع الرجال في حريم خاتم الذهب عليهن‪ ،‬ومثله السوار‬
‫والطوق من الذهب؛‬

‫‪27‬‬
‫]‪[151‬‬
‫لحاديث خاصة وردت فيهن‪ ،‬فيدخلن لذلك في بعض النصوص المطلقة التي لم تقيد‬
‫بالرجال‪ ،‬مثل الحديث الول المتقدم آنفًا‪ ،‬وإليك الن ما صح من الحاديث المشار‬
‫إليها‪:‬‬
‫الول‪)) :‬من أحب أن يحّلق حبيبه بحلقة من نار فليحّلقه حلقة من ذهب‪ ،‬ومن أحب أن‬
‫يطوق حبيبه طوقًا من نار فليطوقه طوقًا من ذهب‪ ،‬ومن أحب أن يسّور حبيبه سوارًا‬
‫من نار فليطوقه طوقًا ) ويفي رواية‪ :‬فليسوره سوارًا ( من ذهب‪ ،‬ولكن عليكم‬
‫بالفضة‪ ،‬فالعبو بها ]العبوا بها‪ ،‬العبوا بها[ ((أبو داود‪ ،‬وأحمد بسند جيد‪.‬‬
‫]‪[158‬‬
‫الثاني‪ :‬عن ثوبان رضي ال عنه قال‪:‬‬
‫))جاءت بنت هبيرة إلى النبي صلى ال عليه وسلم وفي يدها فتخ ]من ذهب[ ]أي‬
‫خواتيم كبار[‪ ،‬فجعل النبي صلى ال عليه وسلم يضرب يدها ]بعصية معه يقول لها‪:‬‬
‫أيسرك أن يجعل ال في يدك خواتيم من نار؟![‪ ،‬فأتت فاطمة تشكو إليها‪ ،‬قال ثوبان‪:‬‬
‫فدخل النبي صلى ال عليه وسلم على فاطمة وأنا معه؛ وقد أخذت من عنقها سلسلة‬
‫من ذهب‪ ،‬فقالت‪ :‬هذا أهدى لي أبو حسن ) تعني زوجها عليًا رضي ال عنه (‪ -‬وفي‬
‫يدها السلسلة‪ -‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم‪ :‬يا فاطمة! أيسرك أن يقول الناس‪:‬‬
‫فاطمة بنت محمد في يدها سلسلة من نار؟! ]ثم عذمها عذمًا شديدًا[‪ ،‬فخرج ولم يقعد‪،‬‬
‫فعمدت فاطمة إلى السلسلة فباعتها فاشترت بها نسمة‪ ،‬فأعتقتها‪ ،‬فبلغ ذلك النبي صلى‬
‫جى فاطمة من النار (( النسائي والطيالسي‬ ‫ال عليه وسلم‪ ،‬فقال‪ :‬الحمد ل الذي ن ّ‬
‫والطبراني‪.‬‬
‫]‪[160‬‬
‫الثالث عن عائشة أن النبي صلى ال عليه وسلم رأى في يد عائشة ُقلبين ملويين من‬
‫ذهب‪ ،‬فقال‪ :‬ألقيهما عنك‪ ،‬واجعلي قلبين من فضة‪ ،‬وصفريها بزعفران‪ .‬القاسم‬
‫السرقسطي بسند صحيح‪ ،‬والنسائي والخطيب‪ ،‬والبزار نحوه‪.‬‬
‫]‪[161‬‬
‫الرابع‪ :‬عن أم سلمة زوج النبي صلى ال عليه وسلم قالت‪:‬‬
‫))جعلت شعائر من ذهب في رقبتها‪ ،‬فدخل النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فأعرض‬
‫عنها‪ ،‬فقلت‪ :‬أل تنظر إلى زينتها‪ ،‬فقال‪ :‬عن زينتك ُأعرض‪] ،‬قالت‪ :‬فقطعتها‪ ،‬فأقبل‬
‫ضّر إحداكن لو جعلت خرصًا من ورق‪ ،‬ثم‬ ‫علي بوجهه[‪ .‬قال‪ :‬زعموا أنه قال‪ :‬ما َ‬
‫جعلته بزعفران ((‪.‬‬
‫]‪[164‬‬
‫وفي حديث أسماء بنت يزيد في قصة أخرى نحوه‪:‬‬
‫جمانتين من فضة‪ ،‬فتدرجه بين أناملها بشيء من زعفران‪ ،‬فإذا هو‬ ‫))‪ ...‬وتتخذ لها ُ‬
‫كالذهب يبرق ((أخرجه أحمد وأبو نعيم وابن عساكر‪.‬‬
‫]‪[165‬‬
‫شبهات حول تحريم الذهب المحلق‪ ،‬وجوابها‬

‫‪28‬‬
‫واعلم أن كثيرًا من علماء أعرضوا عن العمل بهذه الحاديث؛ لشبهات قامت لديهم‬
‫ظنوها أدلة‪ ،‬ول يزال‬
‫]‪[166‬‬
‫كثيرون منهم يتمسكون بها على أنها حجج تسوغ لهم ترك هذه الحاديث‪ ،‬ولذلك‬
‫رأيت أنه ل بد من حكاية تلك الشبهات والرد عليها‪ ،‬كي ل يغتر بها من ل علم عنده‬
‫بطرق الجمع بين الحاديث‪ ،‬فيقع في مخالفة الحاديث الصحيحة المحكمة‪ ،‬بدون‬
‫حجة أو بينة‪ ،‬فأقول‪:‬‬
‫دعوى الجماع على إباحة الذهب مطلقًا للنساء‪ ،‬وردها‬
‫‪ -1‬ادعى بعضهم الجماع على إباحة الذهب مطلقًا للنساء‪ ،‬وهذا مردود من وجوه‪:‬‬
‫الجماع الصحيح‪:‬‬
‫الول‪ :‬أنه ل يمكن إثبات صحة الجماع في هذه المسألة‪ ،‬وإن نقله البيهقي في ))سننه‬
‫(( ) ‪ ( 4/124‬وغيره‪ ،‬مثل الحافظ ابن حجر في ))الفتح ((‪ ،‬ولكن هذا كأنه أشار‬
‫لعدم ثبوته حين قال‪ ( 10/260 ) :‬في بحث خاتم الذهب‪:‬‬
‫))فقد نقل الجماع على إباحته للنساء ((‪ ،‬ويأتي قريبًا ما يبطل هذا الجماع‪ ،‬وذلك‬
‫لنه ل يستطيع أحد‬
‫]‪[167‬‬
‫أن يدعي أنه إجماع معلوم من الدين بالضرورة‪ ،‬وغير هذا الجماع مما ل يمكن‬
‫ل عن وقوعه‪ ،‬ولهذا قال المام أحمد رضي ال عنه‪:‬‬ ‫تصوره‪ ،‬فض ً‬
‫))من ادعى الجماع فهو كاذب‪] ،‬وما يدريه؟[‪ ،‬لعل الناس اختلفوا ((‪.‬‬
‫رواه ابنه عبد ال في ))مسائله (( ) ص ‪.( 390‬‬
‫وتفصيل القول في هذا الموضوع الخطير ليس هذا موضعه‪ ،‬فليراجع من شاء‬
‫التحقيق بعض كتب علم أصول الفقه التي ل يقلد مؤلفوها من قبلهم! مثل‪)) :‬أصول‬
‫الحكام (( لبن حزم ) ‪ ،( 144 -4/128‬و))إرشاد الفحول (( للشوكاني‪ ،‬ونحوهما‪.‬‬
‫استحالة وجود إجماع صحيح على خلف حديث صحيح دون وجود ناسخ صحيح‬
‫الثاني‪ :‬لو كان يمكن إثبات الجماع في الجملة‪ ،‬لكان ادعاؤه في خصوص هذه‬
‫المسألة غير صحيح‪ ،‬لنه مناقض للسنة الصحيحة‪ ،‬وهذا مما ل يمكن تصوره أيضًا؛‬
‫لنه يلزم منه اجتماع المة على ضلل‪ ،‬وهذا‬
‫]‪[168‬‬
‫مستحيل لقوله صلى ال عليه وسلم‪)) :‬ل تجتمع أمتي على ضللة ((‪ ،‬ومثل هذا‬
‫الجماع ل وجود له إل في الذهن والخيال‪ ،‬ول أصل له في الوجود والواقع‪ ،‬قال أبو‬
‫محمد بن حزم رحمه ال تعالى في ))أصول الحكام (( ) ‪:( 72 -2/71‬‬
‫))وقد أجاز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح عن النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫ويكون الجماع على خلفه‪ ،‬قال‪ :‬وذلك دليل على أنه منسوخ‪ .‬وهذا عندنا خطأ‬
‫فاحش متيقن لوجهين برهانيين ضروريين ‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أن ورود حديث صحيح يكون الجماع على خلفه معدوم لم يكن قط‪ ،‬ول‬
‫هو في العالم‪ ،‬فمن ادعى أنه موجود فليذكره لنا‪ ،‬ول سبيل له‪ -‬وال‪ -‬إلى وجوده أبدًا‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫والثاني‪ :‬أن ال تعالى قد قال‪﴿ :‬إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون﴾‪ ،‬فمضمون عند‬
‫كل من يؤمن بال واليوم الخر أن ما تكفل ال عز وجل بحفظه فهو غير ضائع أبدًا‪،‬‬
‫ل يشك في ذلك مسلم‪ ،‬وكلم النبي صلى ال عليه وسلم كله وحي بقوله تعالى‪﴿ :‬وما‬
‫ي يوحى﴾‪ ،‬والوحي ذكٌر بإجماع المة كلها‪،‬‬ ‫ينطق عن الهوى‪ ،‬إن هو إل وح ٌ‬
‫]‪[169‬‬
‫والذكر محفوظ بالنص‪ ،‬فكلمه عليه السلم محفوظ بحفظ ال تعالى عز وجل‬
‫ضرورة‪ ،‬منقول كله إلينا ل بد من ذلك ‪ ،‬فلو كان هذا الحديث الذي اّدعى هذا القائل‬
‫أنه مجمع على تركه‪ ،‬وأنه منسوخ كما ذكر‪ ،‬لكان ناسخه الذي اتفقوا عليه قد ضاع‬
‫ولم يحفظ‪ ،‬وهذا تكذيب ل عز وجل في أنه حافظ للذكر كله‪ ،‬ولو كان ذلك لسقط كثير‬
‫مما بّلغ عليه السلم عن ربه‪ ،‬وقد أبطل ذلك رسول ال صلى ال عليه وسلم في قوله‬
‫في حجة الوداع‪ :‬اللهم هل بلغت؟ ((‪ .‬قال‪:‬‬
‫))ولسنا ننكر أن يكون حديث صحيح‪ ،‬وآية صحيحة التلوة منسوخين إما بحديث‬
‫آخر صحيح‪, ،‬وإما بآية متلوة‪ ،‬ويكون التفاق على النسخ المذكور قد ثبت‪ ،‬بل هو‬
‫موجود عندنا إل أننا نقول‪ :‬ل بد أن يكون الناسخ لهما موجودًا أيضًا عندنا‪ ،‬منقو ً‬
‫ل‬
‫إلينا‪ ،‬محفوظًا عندنا‪ ،‬مبلغًا نحونا بلفظه‪ ،‬قائم النص لدينا‪ ،‬ل بد من ذلك‪ ،‬وإنما الذي‬
‫ل مبلغًا إلينا‪ ،‬ويكون الناسخ له قد سقط‬ ‫منعنا منه فهو أن يكون المنسوخ محفوظًا منقو ً‬
‫ولم ينقل إلينا لفظه‪ ،‬فهذا باطل عندنا‪ ،‬ل سبيل إلى وجوده في العالم أبد البد‪ ،‬لنه‬
‫معدوم البتة‪ ،‬قد دخل –بأنه غير‬
‫]‪[170‬‬
‫كائن‪ -‬في باب المحال‪ ،‬والممتنع عندنا‪ ،‬وبال تعالى التوفيق ((‪.‬‬
‫تقديم السنة على الجماع الذي ليس معه كتاب أو سنة‬
‫وقال العلمة المحقق ابن قيم الجوزية رحمه ال تعالى‪:‬‬
‫))ولم يزل أئمة السلم على تقديم الكتاب على السنة‪ ،‬والسنة على الجماع‪ ،‬وجعل‬
‫الجماع في المرتبة الثالثة‪ .‬قال الشافعي‪ :‬الحجة كتاب ال وسنة رسوله واتفاق‬
‫الئمة‪ ،‬وقال في ))كتاب اختلفه مع مالك ((‪:‬‬
‫))والعلم طبقات‪:‬الولى الكتاب والسنة الثابتة‪ ،‬ثم الجماع فيما ليس كتابًا ول‬
‫سنة‪.(( ...‬‬
‫وقال ابن القيم أيضًا في صدد بيان أصول فتاوى المام أحمد‪:‬‬
‫ل ول رأيًا ول قياسًا‬ ‫))ولم يكن ) يعني المام أحمد ( يقدم على الحديث الصحيح عم ً‬
‫ول قول صاحب‪ ،‬ول عدم علمه بالمخالف الذي يسميه كثير من الناس إجماعًا‬
‫ويقدمونه على الحديث الصحيح! وقد كّذب أحمد من‬
‫]‪[171‬‬
‫ادعى هذا الجماع‪ ،‬ولم يسغ تقديمه على الحديث الثابت‪ ،‬وكذلك الشافعي ‪...‬‬
‫ل عند المام أحمد وسائر أئمة الحديث‬ ‫ونصوص رسول ال صلى ال عليه وسلم أج ّ‬
‫من أن يقدموا عليها توهم إجماع مضمونه عدم العلم بالمخالف‪ ،‬ولو ساغ لتعطلت‬
‫النصوص‪ ،‬وساغ لكل من لم يعلم مخالفًا في حكم مسألة أن يقدم جهله بالمخالف على‬
‫النصوص ((‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا ما فعله البعض هنا‪ ،‬فقدموا ما زعموه إجماعًا على النصوص المتقدمة‪،‬‬
‫مع أنه ل إجماع في ذلك‪ ،‬وبيانه في الوجه التالي‪:‬‬
‫الثالث‪ :‬أنه قد ثبت ما ينقض بالجماع المزعوم‪ ،‬وهو ما روى عبد الرزاق في‬
‫))المصنف (( ) ‪ ،( 19935/ 70/ 11‬وابن صاعد في ))حديثه (( ) ‪ -35/1‬وهو‬
‫بخط الحافظ ابن عساكر (‪ ،‬وابن حزم) ‪ ،( 10/82‬بسند صحيح عن محمد بن‬
‫سيرين؛ أنه سمع أبا هريرة يقول لبنته‪:‬‬
‫]‪[172‬‬
‫))ل تلبسي الذهب؛ إني أخشى عليك اللهب ((‪.‬‬
‫وروى ابن عساكر ) ‪ ( 19/124/2‬من طريقين آخرين أن ابنًة لبي هريرة قالت له‪:‬‬
‫إن الجواري ُيعّيرنني‪ ،‬يقلن‪ :‬إن أباك ل يحليك الذهب! فقال‪:‬‬
‫قولي لهن‪ :‬إني أبي ل يحليني الذهب؛ يخشى علي من اللهب‪.‬‬
‫ورواه عبد الرزاق ) ‪ ( 19938‬نحوه‪ ،‬وعلقه البغوي في ))شرح السنة (( ) ‪210 /3‬‬
‫‪ ،( 82 /‬وحكى الخلف في هذه المسألة‪ ،‬فإنه بعد أن ذكر إباحة خاتم الذهب للنساء‬
‫وتحليهن به عند الكثرين؛ قال‪:‬‬
‫))وكره ذلك قوم ((‪.‬‬
‫ثم ساق حديث أسماء بنت يزيد المتقدم بعضه في المتن ) ص ‪( 236‬وتمامه في‬
‫التعليق) ‪.( 237‬‬
‫وما حكاه البغوي رحمه ال من الكراهة عن أولئك الذين أشار إليهم من العلماء‪ ،‬فهي‬
‫الكراهة التحريمية‪ ،‬لنه المعروف في اصطلح السلف؛ تبعًا للسلوب القرآني في‬
‫عديد من اليات الكريمة؛‬
‫]‪[173‬‬
‫كقوله تعالى‪﴿ :‬وكّره إليكم الكفر والفسوق والعصيان﴾‪.‬‬
‫وقد كنت شرحت هذه المسألة الهامة في كتابي‪)) :‬تحذير الساجد من اتخاذ القبور‬
‫مساجد (( ) ص ‪ ،( 55 -48‬وذكرت هناك بعض المثلة‪ ،‬فلتراجع‪.‬‬
‫وبين أيدينا مثال آخر قريب المنال‪ ،‬وهو ما تقدم في بحث ) خاتم الخطبة ( أن المام‬
‫أحمد‪ ،‬والمام إسحاق بن راهويه كرها خاتم الذهب للرجال‪ ،‬فهذه الكراهة للتحريم‬
‫أيضًا‪ ،‬لتصريح الحاديث المتقدمة هناك به‪ ،‬وكذلك المر في تحريم خاتم الذهب‬
‫على النساء؛ لن الدلة صريحة أيضًا‪ ،‬فمن أطلق كراهته عليهن‪ ،‬فإنما يعني الكراهة‬
‫الشرعية‪ ،‬وهي التحريم‪ ،‬فتأمل منصفًا‪.‬‬
‫وذكر ابن عبد الحكم في ))سيرة عمر بن عبد العزيز (( ) ص ‪ ( 163‬أن ابنة عمر‬
‫بعثت إليه بلؤلؤة وقالت له‪ :‬إن رأيت أن تبعث لي بأخت لها حتى أجعلها في أذني‪،‬‬
‫فأرسل إليها ثم قال لها‪ :‬إن استطعت أن تجعلي هاتين الجمرتين في أذنيك بعثت لك‬
‫بأخت لها!‬
‫]‪[174‬‬
‫ومن الظاهر أن اللؤلؤة كانت محلة بالذهب‪ ،‬لنها ل تقوم بنفسها‪ ،‬ول تحلى عادة إل‬
‫بها‪ ،‬ويؤيد ذلك لفظة‪)) :‬الجمرتين ((‪ ،‬فإنها مستوحاة من بعض أحاديث التحريم‬
‫المتقدمة كحديث بنت هبيرة‪ ،‬فثبت بطلن دعوى الجماع في هذه المسألة‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫دعوى نسخ الحاديث المتقدمة ‪ ،‬وإبطالها‬
‫‪ -2‬وادعى آخرون نسخ هذه الحاديث المحرمة بمثل قوله صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫))أحل الذهب والحرير لناث أمتي ‪ ،(( ...‬وهو حديث صحيح بمجموع طرقه‪ ،‬وقد‬
‫ذكرها الزيعلي في ))نصب الراية (( ) ‪ ،( 225 -4/222‬ثم حققته في تخريج كتاب‬
‫))الحلل والحرام (( للستاذ القرضاوي ) رقم ‪ ،( 78‬وهو ادعاء باطل‪ ،‬لن للنسخ‬
‫شروطًا كثيرة معروفة عند العلماء؛ منها أن يكون الخطاب الناسخ متراخيًا عن‬
‫المنسوخ‪ ،‬ومنها أن ل يمكن الجمع بينهما‪ ،‬وهذان الشرطان منفيان هنا‪ ،‬أما الول؛‬
‫فلنه ل ُيعلم تأخر هذا الحديث المبيح عن‬
‫]‪[175‬‬
‫أحاديث التحريم‪ ،‬وأما الثاني؛ فلن الجمع ممكن بسهولة بين الحديث المذكور وما في‬
‫معناه‪ ،‬وبين الحاديث المتقدمة‪ ،‬ذلك لن الحديث مطلق‪ ،‬وتلك مقيدة بالذهب الذي هو‬
‫طوق أو سوار أو حلقة‪ ،‬فهذا هو المحرم عليهن‪ ،‬وما سوى ذلك من الذهب المقطع‬
‫ل الذهب لهن‪ ،‬فهو مطلق مقيد بالحاديث‬ ‫فهو المباح لهن‪ ،‬وهو المراد بحديث ح ّ‬
‫المشار إليها‪ ،‬فل تعارض وبالتالي فل نسخ‪.‬‬
‫ولذلك لم نر أحدًا ممن ألف في الناسخ والمنسوخ أورد الحاديث المذكورة فيما هو‬
‫منسوخ‪ ،‬كالحافظ أبي الفرج ابن الجوزي في رسالة ))إخبار أهل الرسوخ في الفقه‬
‫والتحديث بمقدار المنسوخ في الحديث ((‪ ،‬والحافظ أبي بكر الحازمي في كتابه‬
‫))العتبار في الناسخ والمنسوخ من الثار ((‪ ،‬وغيرهما‪ ،‬بل قد أشار ابن الجوزي‬
‫رحمه ال في مقدمة رسالته المشارة إليها إلى رد دعوى نسخ هذه الحاديث‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫))أفردت في هذا الكتاب قدر ما صح نسخه أو احتمل‪ ،‬وأعرضت عما ل وجه لنسخه‬
‫ول احتمال‪ ،‬فمن‬
‫]‪[176‬‬
‫سمع بخبر يدعى عليه النسخ وليس في هذا الكتاب‪ ،‬فليعلم وهاء تلك الدعوى‪ ،‬وقد‬
‫تدبرته فإذا فيه أحد وعشرون حديثا ((‪.‬‬
‫بل قال المحقق ابن القيم في ))العلم (( ) ‪:( 3/458‬‬
‫))إن النسخ الواقع في الحاديث الذي أجمعت عليه المة؛ ل يبلغ عشرة أحاديث‬
‫البتة‪ ،‬ول شطرها ((!‬
‫قلت‪ :‬ثم ساقها‪ ،‬وليس فيها شيء من هذه الحاديث السابقة‪ ،‬فثبت ضعف ادعاء‬
‫احتمال نسخها‪ ،‬فكيف الجزم بنسخها؟ وقد أشار لضعف دعوى النسخ ابن الثير‬
‫في))النهاية ((‪ ،‬بقوله تعليقا على حديث أسماء المشار إليه آنفًا‪:‬‬
‫))قيل‪ :‬كان هذا قبل النسخ‪ ،‬فإنه قد ثبت إباحة الذهب للنساء ((‪.‬‬
‫فإن لفظة‪)) :‬قيل (( للتمريض كما هو معروف‪.‬‬
‫وقال العلمة صدر الدين علي بن علء الحنفي بعد أن حكى كلم ابن الجوزي النف‬
‫الذكر‪:‬‬
‫سِلم من‬
‫))وهذا هو الذي يشهد العقل بصدقه إذا َ‬
‫]‪[177‬‬

‫‪32‬‬
‫الهوى‪ ،‬وقد ادعى كثير من الفقهاء في كثير من السنة أنها منسوخة‪ ،‬وذلك إما لعجزه‬
‫عن الجمع بينها وبين ما يظن أنه يعارضها‪ ،‬وإما لعدم علمه ببطلن ذلك المعارض‪،‬‬
‫وإما لتصحيح مذهبه ودفع ما يرد عليه من جهة مخالفة‪ ،‬ولكن نجد غيره قد بين‬
‫الصواب في ذلك‪ ،‬لن هذا الدين محفوظ‪ ،‬ول تجتمع هذه المة على ضللة ((‪.‬‬
‫ولقد صدق رحمه ال في كل ما ذكره‪ ،‬فأنت ترى أن هذه الحاديث المحرمة ل‬
‫تتعارض مطلقًا مع حديث حل الذهب للنساء‪ ،‬لنه عام‪ ،‬وتلك خاصة‪ ،‬والخاص مقدم‬
‫على العام كما هو مقرر في علم الصول‪ ،‬ولهذه القاعدة رجح المام النووي رضي‬
‫ال عنه في ))شرح مسلم (( و))المجموع (( وجوب الوضوء من أكل لحم البل‪ ،‬مع‬
‫أنه مخالف لمذهبه‪ ،‬بل ومذهب الجمهور‪ ،‬حتى ظن بعض المتعالمين في هذا العصر‬
‫أنه ل يقول بالوضوء منه عالم من علماء المسلمين! كما نشر ذلك في‬
‫]‪[178‬‬
‫بعض الجرائد الدمشقية سنة ‪1386‬هـ تقريبًا‪.‬‬
‫وِلما ذكرنا قال ولي ال الدهلوي في ))حجة ال البالغة (( ) ‪ ( 2/190‬بعد أن ذكر‬
‫أحاديث التحريم وحديث الحل‪:‬‬
‫))معناه الحل في الجملة‪ ،‬وهذا ما يوجبه مفهوم هذه الحاديث‪ ،‬ولم أجد لها‬
‫معارضًا ((‪.‬‬
‫وأقره صديق حسن خان في ))الروضة الندية (( ) ‪.( 218 -2/217‬‬
‫قلت‪ :‬ومما يدلك على ضعف دعوى النسخ هذه؛ أن بعض متعصبة الحنفية‪ -‬وقد‬
‫سبقت الشارة إليه‪ -‬لم ينظر إليها بعين الرضا‪ ،‬مع أنه حكاها عن الجمهور الذين‬
‫يقلدهم في هذه المسألة‪ ،‬واحتج على ذلك بقوله‪ -‬وقد وفق فيه‪: -‬‬
‫))إن النسخ ل ُيلجأ إلى القول به ما دام التوفيق بين الحاديث ممكنًا‪ ،‬بحيث ل يرد‬
‫شيء من الدلة ((‪ ،‬وهذا حق ل ريب فيه‪ ،‬وهو من المقرر في علم الصول‪.‬‬
‫ولكنه مع السف لم يستقر عليه الدكتور‪ ،‬بل رجع‬
‫]‪[179‬‬
‫إلى ادعاء النسخ معارضًا بذلك الخذ بأحاديث التحريم‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫))إن الفريقين لما تجاذبا دعوى النسخ احتجنا إلى النظر في التاريخ للترجيح بين‬
‫المذهبين‪ ،‬وتعيين الناسخ والمنسوخ‪ ،‬والتاريخ يؤيد نظر الجمهور ) ! (‪.‬‬
‫فإنه ل شك في أن الصحابة في ابتداء السلم كانوا في أمس الحاجة للمال‪ ...‬ولقد‬
‫قسم النصار أموالهم مناصفة بينهم وبين المهاجرين‪ ،‬فكان التختم بالذهب في تلك‬
‫الفترة بطرًا وترفًا‪ ،‬فلما مضت اليام ‪ ،‬وفتحت على رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫الفتوحات صار الناس في رخاء العيش فأباح النبي صلى ال عليه وسلم لبس الذهب‬
‫لزوال المانع ((!‬
‫قلت‪ :‬وجوابي عليه من وجوه‪:‬‬
‫الول‪ :‬أنه لم يذكر نصًا تاريخيًا يؤيد تأخر المبيح عن الحاظر‪ ،‬يرجح به نظر‬
‫الجمهور‪ ،‬وإنما هو مجرد الدعوى أن الباحة كانت بعد رخاء العيش‪ ،‬فأين الدليل‬
‫عليها؟!‬
‫]‪[180‬‬

‫‪33‬‬
‫الثاني‪ :‬هذه الدعوى لو صحت‪ ،‬لزم منها أن يكون تحريم الذهب على الرجال قد‬
‫شرع في الوقت الذي حرم على النساء‪ ،‬إن لم يكن تقدم عليه‪ ،‬وكل عاقل يفهم من‬
‫قوله‪)) :‬في ابتداء السلم ((‪ ،‬أنه يعني في مكة‪ ،‬أو في أول الهجرة على أبعد تقدير‪،‬‬
‫وإذا كان كذلك‪ ،‬فنحن نقطع ببطلن هذه الدعوى؛ لن تحريم الذهب على الرجال إنما‬
‫كان في أواخر المر‪ ،‬كما نص على ذلك الحافظ الذهبي في ))تلخيص المستدرك ((‬
‫) ‪ ،( 3/231‬ومما يشهد له ما أخرجه البخاري في ))اللباس (( وأحمد في‬
‫))المسند (( ) ‪ ( 4/328‬عن المسور بن مخرمة‪:‬‬
‫))أن أباه مخرمة قال له‪ :‬يا بني! إنه بلغني أن النبي صلى ال عليه وسلم قدمت عليه‬
‫أقبية‪ ،‬فهو يقسمها‪ ،‬فاذهب بنا إليه‪ ،‬فذهبنا إليه ‪ ...‬فخرج وعليه قباء من الديباج مزرر‬
‫بالذهب‪ ،‬فقال‪ :‬يا مخرمة هذا خبأته لك‪ ،‬فأعطاه إياه ((‪.‬‬
‫وإنما أسلم مخرمة عام الفتح‪ ،‬وذلك بعد ثمان سنين ونصف من الهجرة‪ ،‬فهذا نص‬
‫على أن الذهب كان مباحًا إلى ما قبل وفاته صلى ال عليه وسلم بسنة ونصف تقريبًا‪،‬‬
‫ولول ذلك لم يلبس صلى ال عليه وسلم القباء المزرر بالذهب‪ ،‬ول وزعه على‬
‫أصحابه كما هو ظاهر‪.‬‬
‫]‪[181‬‬
‫الثالث‪ :‬أنه لو صح قوله‪)) :‬فأباح النبي صلى ال عليه وسلم لبس الذهب لزوال المانع‬
‫((‪ ،‬لزم منه إباحة الذهب للرجال أيضًا لزوال المانع أيضًا! وهذا باطل ل يقوله عالم‪،‬‬
‫وما لزم منه باطل؛ فهو باطل‪.‬‬
‫فإن قال‪ :‬هذا غير لزم‪ ،‬لن علة تحريم الذهب على الرجال‪ ،‬غير علة تحريمه على‬
‫النساء‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬ما هيه؟ ول سبيل له إلى إثباتها أبدًا‪ ،‬إل بمثل هذه الدعوى التي أثبت بها أختها!‬
‫وليست هي إل مجرد رأي تفرد به الدكتور في آخر الزمان!‬
‫وما ُيلجئ بعض الناس إلى مثل هذه المضايق والراء‪ ،‬إل محاولتهم التخلص من‬
‫معارضة النص الشرعي لمخالفته لمذهبهم‪ ،‬وتقليدهم‪ ،‬وعاداتهم‪ ،‬فيقعون فيما هو‬
‫أعظم منه! ولو أنهم استسلموا لحكم ال ورسوله‪ -‬كما هو المفروض في المسلم‪ -‬لكان‬
‫خيرًا لهم‪ ،‬ولم يقعوا في مثل ذلك‪.‬‬
‫]‪[182‬‬
‫وخلصة البحث‪ :‬أن القول بنسخ الحاديث المحرمة للذهب على النساء مما ل دليل‬
‫عليه‪ ،‬بل هو مخالف لعلم الصول‪ ،‬والواجب الجمع بينها وبين الحاديث المبيحة‬
‫للذهب عليهن‪ ،‬وذلك بحمل المطلق على المقيد‪ ،‬أو العام على الخاص‪ ،‬كما شرحنا‪،‬‬
‫وينتج منه أن الذهب كله حلل على النساء‪ ،‬إل المحلق منه‪ ،‬كما يحرم عليهن‬
‫استعمال أواني الذهب والفضة اتفاقًا‪ ،‬فل نسخ عندنا؛ خلفًا لما فهمه الدكتور‪ ،‬وأدار‬
‫كل بحثه في كتابه عليه‪ ،‬كما ينبئك به كلمه السابق في المعارضة المزعومة‪ .‬وال‬
‫الهادي‪ ،‬ل رب سواه‪.‬‬
‫رد الحاديث المتقدمة بأحاديث مبيحة‪ ،‬والجواب عنها‬
‫‪ -3‬وقد يرّد بعضهم هذه الحاديث بأحاديث أخرى‪ ،‬فيها إباحة المحلق من الذهب‬
‫على النساء‪ ،‬والجواب أن هذا كان قبل التحريم حتمًا‪ ،‬وبيانه‪:‬‬

‫‪34‬‬
‫أن من المعلوم بداهة أن النهي عن الشيء مما يحتمل التحليل والتحريم؛ ل يكون إل‬
‫بعد أن يكون مسبوقًا بالباحة‪ ،‬فالتمسك بها حينئذ فيه مخالفة صريحة‬
‫]‪[183‬‬
‫لمنطوق الحاديث المحّرمة‪ ،‬ومما يقرب هذا إلى المنصفين إن شاء ال تعالى أن‬
‫هناك أحاديث يستفاد منها إباحة الذهب على الرجال أيضًا‪ ،‬ومع ذلك فلم يأخذ بها أحد‬
‫من العلماء‪ ،‬لمجيء النصوص المحرمة‪ ،‬وقد سبق ذكر بعضها‪ ،‬بل ذهبوا إلى أنها‬
‫كانت قبل التحريم‪ ،‬وكذلك نقول نحن في الحاديث المبيحة للذهب المحلق للنساء‪ ،‬ول‬
‫فرق أنها كانت قبل التحريم‪ ،‬ومن فرق بين هذه وتلك‪ ،‬فهو متناقض أو متلعب!‬
‫تقييد الحاديث المتقدمة بمن لم يؤد الزكاة‪ ،‬ورّده‬
‫‪ -4‬وأجاب بعضهم بأن الوعيد الوارد في الحاديث المتقدمة إنما هو في حق من ل‬
‫يؤدي زكاة تلك الحلي؛ دون من أداها‪ ،‬واستدل عليه بحديث عمرو بن‬
‫]‪[184‬‬
‫شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة أتت رسول ال صلى ال عليه وسلم ومعها ابنة لها‪،‬‬
‫وفي يد ابنتها مسكتان ) أي سواران ( غليظتان من ذهب‪ ،‬فقال لها‪ :‬أتعطين زكاة‬
‫هذا؟ قالت‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬أيسرك أن يسّورك ال بهما يوم القيامة سوارين من نار؟!قال‪:‬‬
‫فخلعتهما‪ ،‬فألقتهما إلى النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وقالت‪ :‬هما ل عز ولرسوله‪.‬‬
‫أخرجه أبو داود ) ‪ ،( 1/244‬والنسائي) ‪ ،( 1/343‬وأبو عبيد في ))الموال ((‬
‫) رقم ‪ ،( 1260‬وإسناده حسن‪ ،‬وصححه ابن الملقن ) ‪ ،( 65/1‬وتضعيف ابن‬
‫الجوزي له في ))التحقيق (( ) ‪ ،( 6/197/1‬مردود عليه‪.‬‬
‫ل‪،‬‬‫ورواه النسائي في ))السنن الكبرى (( ) ق ‪ ( 5/1‬عن عمرو بن شعيب به موصو ً‬
‫ل‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫ثم رواه عنه مرس ً‬
‫))الموصول أولى بالصواب ((‪.‬‬
‫والجواب‪ :‬إن هذا استدلل ضعيف جدًا‪ ،‬لن الرسول صلى ال عليه وسلم لم ينكر في‬
‫هذه القصة لبس السوارين‪،‬‬
‫]‪[185‬‬
‫وإنما أنكر عدم إخراج زكاتهما‪ ،‬بخلف الحاديث المتقدمة‪ ،‬فإنه أنكر اللبس‪ ،‬ولم‬
‫يتعرض ليجاب الزكاة عليها‪ ،‬والظاهر أن هذه القصة كانت في وقت الباحة‪ ،‬فكأنه‬
‫ل‪ ،‬ثم حرمها‪ ،‬كما هو‬ ‫صلى ال عليه وسلم تدرج لتحريمها‪ ،‬فأوجب الزكاة عليها أو ً‬
‫صريح الحاديث السابقة‪ ،‬ول سيما الحديث الول من رواية أبي هريرة مرفوعًا‪:‬‬
‫))من أحب أن يحلق حبيبه بحلقة من نار فليحلقه حلقة من ذهب ‪ (( ...‬إلخ‪ ،‬فإنه ل‬
‫يدل دللة قاطعة أن التحريم لنفس التحليق وما قرن معه‪ ،‬ل لعدم إخراج زكاتها‪.‬‬
‫والحق أن هذه القصة أفادت وجوب الزكاة على الحلي‪ ،‬ومثلها قصة عائشة التية في‬
‫زكاة خواتيم الفضة‪ ،‬فهذه وتلك ل تدل على تحريم الستعمال‪ ،‬بل على وجوب زكاة‬
‫المستعمل؛ فالتحريم وعكسه يؤخذ من أدلة أخرى‪ ،‬فأخذنا تحريم الذهب المحلق‬
‫عليهن الحاديث المتقدمة‪ ،‬وأخذنا إباحة الفضة من حديث أبي هريرة المتقدم‪ ،‬ومن‬
‫حديث عائشة المشار إليها وغيرها‪.‬‬
‫]‪[186‬‬

‫‪35‬‬
‫وجملة القول؛ أن هذا الحديث ل حجة فيه على ما ذكره المنذري‪ ،‬لنه لم ينص فيه‬
‫على تحريم السوار‪ ،‬إنما كان لنه لم يؤد زكاته حتى يمكن أن يقال‪ :‬إنه مفصل‪ ،‬وتلك‬
‫الحاديث مجملة‪ ،‬فيحمل المجمل على المفصل‪ ،‬وإنما هي واقعة عين أفادت وجوب‬
‫زكاة الحلي‪ ،‬فل يعارض ما أفادته الحاديث السابقة من التحريم‪.‬‬
‫تقييد آخر للحاديث ‪ ،‬والجواب عنه‬
‫‪ -5‬وأجاب هذا البعض أيضًا بجواب آخر فقال‪ :‬إن الوعيد المذكور إنما هو في حق‬
‫من تزينت به وأظهرته‪ ،‬واستدب لما رواه النسائي وأبو داود عن ربعي بن حراش‬
‫عن امرأته عن أخت لحذيفة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪:‬‬
‫]‪[187‬‬
‫))يا معشر النساء! أما لكن في الفضة ما تحلين به؟ أما إنه ليس منكن امرأة تتحلى‬
‫ذهبًا تظهره إل عذبت به ((‪.‬‬
‫والجواب من وجهين‪:‬‬
‫الول‪ :‬رد الحديث من أصله لعدم ثبوته‪ ،‬فإن في سنده امرأة ربعي وهي مجهولة كما‬
‫قال ابن حزم) ‪( 10/83‬؛ ولذلك ضعفته في ))المشكاة (( ) ‪.( 4403‬‬
‫ثانيًا‪ :‬لو كانت العلة هي الظهار؛ لكان ل فرق في ذلك بين الذهب والفضة‬
‫لشتراكهما في العلة‪ ،‬مع أن الحديث صريح في التفريق بينهما‪ ،‬ول قائل بحرمة خاتم‬
‫الفضة على المرأة مع ظهوره‪ ،‬فثبت بطلن التمسك بعلة الظهار‪ .‬ولهذا قال أبو‬
‫الحسن السندي‪:‬‬
‫)) ) تظهره (؛ يحتمل أن تكون الكراهة إذا ظهرت وافتخرت به‪ ،‬لكن الفضة مثل‬
‫الذهب في ذلك‪ ،‬فالظاهر أن هذا لزيادة التقبيح والتوبيخ‪ ،‬والكلم لفادة حرمة الذهب‬
‫) يعني ‪ :‬المحلق ( على ا لنساء‪ ،‬مع قطع النظر عن الظهار والفتخار ((‪.‬‬
‫]‪[188‬‬
‫وهذا كله يقال على افتراض صحة الحديث‪ ،‬وإل فقد عرفت ضعفه‪ ،‬فسقط الستدلل‬
‫ل‪.‬‬
‫به أص ً‬
‫رد الحاديث بفعل عائشة‪ ،‬والجواب عنه‬
‫‪ -6‬ومن أعجب ما ُرّدت به هذه الحاديث الصحيحة؛ قول بعض متعصبة الحنفية‪:‬‬
‫))إن عائشة رضي ال عنها كانت تلبس الخواتيم من الذهب‪ ،‬كما رآها ابن أختها‬
‫القاسم بن محمد وحدث بذلك‪ ،‬وهذا الخبر عن عائشة رواه البخاري في صحيحه ((‪.‬‬
‫وأقول ‪ :‬إطلق عزو هذا الثر للبخاري فيه نظر‪ ،‬لن المعروف عند العلماء أن‬
‫العزو إلى البخاري مطلقًا معناه أنه في ))صحيحه (( مسند‪ ،‬وليس كذلك أمر هذا‬
‫الثر‪ ،‬فإنه إنما ذكره معلقًا بدون إسناد! وذكر الحافظ في ))الفتح (( ) ‪ ( 10/271‬أنه‬
‫وصله ابن سعد في ))الطبقات ((‪ .‬وسكت عن سنده‪ ،‬وهو عندي حسن‪ ،‬فقال ابن سعد‬
‫) ‪ :( 8/48‬أخبرنا عبد ال بن مسلمة بن قعنب‪ :‬حدثنا عبد العزيز بن محمد عن‬
‫عمرو بن أبي‬
‫]‪[189‬‬

‫‪36‬‬
‫عمرو قال‪ :‬سألت القاسم بن محمد قلت‪ :‬إن ناسًا يزعمون أن رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم نهى عن الحمرين‪ :‬المعصفر والذهب‪ ،‬فقال‪ :‬كذبوا وال‪ ،‬لقد رأيت عائشة‬
‫تلبس المعصفرات‪ ،‬وتلبس خواتم الذهب‪.‬‬
‫لكن رواه غير عبد العزيز بلفظ‪ :‬كانت تلبس الحمرين‪ :‬المذهب والمعصفر ((‪.‬‬
‫أخرجه ابن سعد أيضًا‪ :‬وأخبرنا أبو بكر بن عبد ال بن ابي أويس عن سلميان بن‬
‫بلل عن عمرو به‪ ،‬وهذا السناد أصح‪ ،‬لن سليمان هذا أحفظ من عبد العزيز‪ .‬فإن‬
‫ثبت ذكر الخاتم في هذا الثر عن عائشة فالجواب ما سيأتي‪ ،‬وإل فل حجة فيه‬
‫مطلقًا‪ ،‬لن الرواية الخرى‪ -‬وهي الصح‪ -‬ل ذكر للخاتم فيها‪ ،‬فهو على هذا مثل‬
‫حديثها الخر من طريق القاسم أيضًا أن عائشة كانت تحلي بنات أختها الذهب ثم ل‬
‫تزكيه‪ .‬رواه أحمد في مسائل عبد ال ) ص ‪ ،( 145‬وسنده صحيح‪ ،‬فهذا محمول على‬
‫الذهب‬
‫]‪[190‬‬
‫المقطع‪ ،‬وهو جائز لهن اتفاقًا‪.‬‬
‫ثم قال ذاك المذكور‪:‬‬
‫) ل يتصور أن تلبس عائشة رضي ال عنها الذهب الملحق‪ ،‬ورسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم كل يوم معها وفي بيتها‪ ،‬ثم ل ينهاها عنه ((‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذه مغالطة ظاهرة_ولعلها غير مقصودة‪ -‬إذ ليس في الثر المتقدم أن عائشة‬
‫لبسته على علم منه صلى ال عليه وسلم‪ ،‬بل فيه أن القاسم بن محمد رآها تلبسه‪،‬‬
‫فمعنى ذلك أن لبسها إياه إنما كان بعد وفاته صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬لن القاسم لم‬
‫يدركه صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫ثم قال عطفًا على ما سبق‪:‬‬
‫))أَو ينهى عنه رسول ال صلى ال عليه وسلم ول يبلغهما؟! فهذا مستحيل قطعًا ((‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ل استحالة في ذلك إل نظرًا‪ ،‬وهذا ليس يهمنا‪ ،‬لن الواقع خلفه‪ ،‬فكم من سنن‬
‫فعلية‪ ،‬وأقوال نبوية؛ خفيت على كبار الصحابة رضي ال عنهم‪ ،‬ولول صحة السند‬
‫بذلك عنهم‪ ،‬لقلنا كما قال المؤمأ إليه‬
‫]‪[191‬‬
‫هاهنا‪ ،‬ول يتحمل هذا التعليق الكثار من أمثلة ذلك‪ ،‬فلنقتصر على مثالين منها‪:‬‬
‫‪ -1‬أن عائشة ترى أن القراء إنما هي الطهار‪ ،‬كما قال أحمد في ))المسائل ( )‬
‫‪ ،( 185‬وروى مالك في ))الموطأ (( ) ‪ ( 2/96‬بسند صحيح جدًا عنها أنها قالت‪:‬‬
‫))تدرون ما القراء؟ إنما القراء الطهار ((‪.‬‬
‫ونحوه في مسائل المام أحمد لبنه عبد ال ) ص ‪.( 231‬‬
‫أقول‪ :‬وقد ثبت في السنة أن القرء إنما هو الحيض‪ ،‬وبه قال الحنفية‪ ،‬والرجل منهم‪،‬‬
‫فهل يرد حضرته مذهبه‪ ،‬ول سيما أنه موافق للسنة من أجل قول عائشة هذا؟ أم‬
‫ل على نسخ ذلك كما فعل في مسألتنا هذه ؟!‬ ‫يجعل قولها دلي ً‬
‫‪ -2‬قالت عائشة رضي ال عنها‪ :‬دخل رسول ال صلى ال عليه وسلم فرأى في يدي‬
‫فتخات من ورق‪ ،‬فقال ‪ :‬ما هذا يا عائشة؟ فقلت‪ :‬صنعتهن أتزين لك يا رسول ال!‬
‫قال‪ :‬أتؤدين زكاتهن؟ قلت‪ :‬ل‪ ،‬أو ما شاء ال‪ ،‬قال‪ :‬هو حسبك من النار‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫]‪[192‬‬
‫أخرجه أبو داود ) ‪ ( 1/244‬وغيره‪ ،‬وإسناده على شرط الصحيح كما قال الحافظ في‬
‫))التخليص (( ) ‪ ،( 6/19‬ومحمد بن عطاء الذي في إسناده هو محمد بن عمرو بن‬
‫عطاء؛ ثقة محتج به في ))الصحيحين (( كما في ))الترغيب ((‪ ،‬وظنه ابن الجوزي‬
‫ل آخر فجهله‪ ،‬وضعف الحديث من أجل ذلك‪ ،‬فل‬ ‫في ))التحقيق (( ) ‪ ( 1/198/1‬رج ً‬
‫يلتفت إليه‪.‬‬
‫فهذا الحديث صريح في إيجاب الزكاة على الحلي‪ ،‬وهو حجة الذين ذهبوا إلى إيجابه‪،‬‬
‫ومنهم الحنفية‪.‬‬
‫ثم إنه قد ورد عن عائشة نفسها ما يعارض هذا الحديث‪ ،‬وهو ما أخرجه مالك )‬
‫‪ ( 1/245‬عن القاسم ابن محمد ) راوي حديث الخاتم! ( أن عائشة كانت تل بنات‬
‫أخيها يتامى في حجرها لهن الحلي‪ ،‬فل تخرج من حليهن الزكاة‪ .‬سنده صحيح جدًا‪،‬‬
‫وتقدم نحوه من رواية أحمد‪.‬‬
‫]‪[193‬‬
‫فهذه مخافة صريحة عن عائشة رضي ال عنها لحديثها فإذا جاز في حقها ذلك‪،‬‬
‫فبالحرى أن تخالف حديث غيرها‪ ،‬لم تروه هي‪ ،‬وهي على كل حال مأجورة‪ ،‬فماذا‬
‫يقول المشار إليه في هذه المخالفة؟ أيدع الحديث والمذهب لقولها‪ ،‬أم يتمسك بالحديث‬
‫ويدع قولهًا معتذرًا عنها بأي عذر مقبول كما هو الواجب؟‬
‫وعلى كل حال فقد ظهر لكل من له قلب أن ما كان يظنه مما )) ل يتصور (( أو أنه‬
‫))مستحيل قطعًا ((؛ قد أثبتناه بالسانيد الصحيحة‪ ،‬ولزم ذلك أن ل يتلفت المسلم إلى‬
‫ل وعلمًا‬‫أي قول يخالف ما ثبت عنه صلى ال عليه وسلم‪ ،‬مهما كان شأن قائله فض ً‬
‫وصلحًا؛ لنتفاء العصمة‪ ،‬وهذا من السباب التي تشجعنا على الستمرار في خطتنا‬
‫من التمسك بالكتاب والسنة‪ ،‬وعدم العتداد بما سواهما‪،‬‬
‫]‪[194‬‬
‫كما صنعنا في هذه المسألة التي أسأل ال تعالى أن يوفق المسلمين للعمل بها‪ ،‬وبكل‬
‫ما ثبت عنه صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫ترك الحاديث لعدم العلم بها بمن عمل بها‪ ،‬وجوابه‬
‫‪ -6‬هذا‪ ،‬ولعل فيمن ينصر السنة ويعمل بها ويدعو إليها من يتوقف عن العمل بهذه‬
‫الحاديث؛ بعذر أنه ل يعلم أحدًا من السلف قال بها‪ ،‬فليعلم هؤلء الحبة أن هذا‬
‫ل في بعض المسائل التي يكون طريق تقريرها إنما هو الستنباط‬ ‫العذر قد يكون مقبو ً‬
‫والجتهاد فحسب‪ ،‬لن النفس حينئذ ل تطمئن لها خشية أن يكون الستنباط خطأ‪ ،‬ول‬
‫سيما إذا كان المستنبط من هؤلء المتأخرين الذين يقررون أمورًا لم يقل بها أحد من‬
‫المسلمين ؛ بدعوى أن المصلحة تقتضي تشريعها‪ ،‬دون أن ينظروا إلى موافقتها‬
‫ل‪ ،‬مثل إباحة بعضهم للربا الذي سماه بـ) الربا الستهلكي (‬ ‫لنصوص الشرع أو ً‬
‫واليانصيب الخيري –زعموا‪ -‬ونحوهما! أما ومسألتنا ليست من هذا القبيل‪ ،‬فإن فيها‬
‫نصوصًا صريحة محكمة لم يأت ما ينسخها‪ -‬كما سبق بيانه‪ -‬فل يجوز ترك العمل‬
‫بها للعذر المذكور‪ ،‬ول سيما أننا قد ذكرنا من قال بها مثل‬
‫]‪[196‬‬

‫‪38‬‬
‫أبي هريرة رضي ال عنه‪ ،‬وولي ال الدهلوي وغيرهما كما تقدم‪ ،‬ول بدأن يكون‬
‫هناك غير هؤلء ممن عمل بهذه الحاديث لم نعرفهم؛ لن ال تعالى لم يتعهد لنا‬
‫ص ما من كتاب أو سنة‪ ،‬وإنما تعهد بحفظها فقط كما‬ ‫بحفظ أسماء كل من عمل بن ّ‬
‫قال‪﴿ :‬إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون﴾‪ ،‬فوجب العمل بالنص سوءا علمنا من‬
‫قال به أو لم نعلم‪ ،‬ما دام لم يثبت نسخه كما هو الشأن في مسألتنا هذه‪.‬‬
‫وأختم هذا البحث بكلمة طيبة للعلمة المحقق ابن القيم رحمه ال تعالى؛ لها مساس‬
‫كبير بما نحن فيه‪ ،‬قال‪ :‬في ))إعلم الموقعين (( ) ‪:( 465 -3/464‬‬
‫))وقد كان السلف الطيب يشتد نكيرهم وغضبهم على من عارض حديث رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم برأي أو قياس أو استحسان أو قول أحد من الناس كائنًا من كان‪،‬‬
‫ويهجرون فاعل ذلك‪ ،‬وينكرون على من يضرب له المثال‪ ،‬ول يسوغون غير‬
‫النقياد له صلى ال عليه وسلم‪ ،‬والتسليم والتلقي بالسمع والطاعة‪ ،‬ول يخطر بقلوبهم‬
‫التوقف في قبوله حتى يشهد له عمل أو قياس ‪ ،‬أو يوافق قول فلن وفلن‪ ،‬بل كانوا‬
‫عاملين بقوله تعالى‪﴿ :‬وما كان لمؤمن ول مؤمنة إذا قضى ال ورسوله أمرًا أن يكون‬
‫لهم الخيرة من أمرهم﴾‪ ،‬وبقوله تعالى‪﴿ :‬فل ورّبك ل يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر‬
‫بينهم ثم ل يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت وُيسلموا تسليمًا﴾‪ ،‬وبقوله تعالى‪﴿ :‬‬
‫ل ما تذّكرون﴾‪ ،‬وأمثالها‪،‬‬ ‫اّتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ول تتبعوا من دونه أولياء قلي ً‬
‫فدفعنا إلى زمان إذا قيل لحدهم‪ :‬ثبت عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال كذا‬
‫وكذا‪ ،‬يقول‪ :‬من قال هذا؟ دفعًا في صدر الحديث‪ ،‬ويجعل جهله بالقائل حجة له في‬
‫مخالفته وترك العمل به‪ ،‬ولو نصح نفسه لعلم أن هذا الكلم من أعظم الباطل‪ ،‬وأنه ل‬
‫يحل له دفع سنن رسول ال صلى ال عليه وسلم بمثل هذا الجهل‪ ،‬وأقبح من ذلك‬
‫عذره في جهله‪ ،‬إذ يعتقد أن الجماع منعقد على مخالفة تلك السنة‪ ،‬وهذا سوء ظن‬
‫بجماعة المسلمين؛ إذ ينسبهم إلى اتفاقهم على مخالفة سنة رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬وأقبح من ذلك عذره في دعوى هذا الجماع‪ ،‬وهو جهله وعدم علمه بمن قال‬
‫بالحديث‪ ،‬فعاد المر إلى تقديم جهله على السنة‪ .‬وال المستعان ((‪.‬‬
‫]‪[197‬‬
‫‪ -40‬وجوب إحسان عشرة الزوجة‪:‬‬
‫ويجب عليه أن يحسن عشرتها‪ ،‬ويسايرها فيما أحل ال لها – ل فيما حرم‪ ، -‬ول‬
‫سيما إذا كانت حديثة السن‪ ،‬وفي ذلك أحاديث‪:‬‬
‫الول‪ :‬قوله صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫))خيركم خيركم لهله‪،‬وأنا خيركم لهلي ((الطحاوي وشطره الول الحاكم‬
‫وصححه‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬قوله صلى ال عليه وسلم في خطبة حجة الوداع‪:‬‬
‫]‪[198‬‬
‫)) ‪ ...‬أل واستوصوا بالنساء خيرًا‪ ،‬فإنهن عوان عندكم‪ ،‬ليس تملكون منهن شيئًا غير‬
‫ذلك؛ إل أن يأتين بفاحشة مبينة‪ ،‬فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع‪ ،‬واضربوهن‬
‫ل‪ .‬إل إن لكم على نسائكم حقًا‪،‬‬ ‫ضربًا غير مبرح‪ ،‬فإن أطعنكم فل تبغوا عليهن سبي ً‬
‫ولنسائكم عليكم حقًا‪ ،‬فأما حقكم على نسائكم؛ فل يوطئن فرشكم من تكروهن‪ ،‬ول‬

‫‪39‬‬
‫ن في بيوتكم لمن تكرهون‪ ،‬أل وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن‬ ‫يأذ ّ‬
‫وطعامهن ((أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح‪ ،‬وابن ماجه‪،‬وصححه ابن القيم‪.‬‬
‫]‪[199‬‬
‫الثالث‪:‬قوله صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫ن مؤمنة‪ ،‬إن كره منها خلقًا رضي منها آخر (( مسلم‬ ‫))ل يفرك) أي ل يبغض ( مؤم ٌ‬
‫وغيره‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬قوله صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫))أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا‪ ،‬وخيارهم خيارهم لنسائهم ((‪ .‬الترمذي وأحمد‪.‬‬
‫وهو حسن السناد‪.‬‬
‫]‪[200‬‬
‫الخامس‪ :‬عن عائشة رضي ال عنها قالت‪:‬‬
‫))دعاني رسول ال صلى ال عليه وسلم ]والحبشة يلعبون بحرابهم في المسجد[‪،‬‬
‫]في يوم عيد[‪ ،‬فقال لي‪] :‬يا حميراء أتحبين أن تنظري إليهم؟ فقلت‪ :‬نعم[‬
‫]‪[201‬‬
‫]فأقامني وراءه[‪ ،‬فطأطأ لي منكبيه لنظر إليهم‪] ،‬فوضعت ذقني على عاتقه‪،‬‬
‫وأسندت وجهي إلى خده[‪ ،‬فنظرت من فوق منكبيه ) وفي رواية‪ :‬من بين أذنه وعاتقه‬
‫( ]وهو يقول‪ :‬دونك يا بني أرفده[ فجعل يقول‪ :‬يا عائشة! ما شبعت! فأقول‪ :‬ل‪،‬‬
‫لنظر منزلتي عنده[ حتى شبعت‪.‬‬
‫]‪[202‬‬
‫]قالت‪ :‬ومن قولهم يومئذ‪ :‬أبا القاسم طيبًا[ وفي رواية‪)) :‬حتى إذا مللت‪ ،‬قال‪ :‬حسبك؟‬
‫قلت نعم‪ ،‬قال‪ :‬فاذهبي ((‪ ،‬وفي أخرى‪)) :‬قلت‪ :‬ل تعجل‪ ،‬فقام لي‪ ،‬ثم قال ‪ :‬حسبك؟‬
‫قلت‪ :‬ل تعجل‪] ،‬ولقد رأيته يرواح بين قدميه[‪ ،‬قالت‪ :‬ما بي حب النظر إليهم‪ ،‬ولكن‬
‫أحببت أن يبلَغ النساء مقاُمه لي‪ ،‬ومكاني منه] وأنا جارية[‪] ،‬فاقدروا قدر‬
‫الجارية]العربة[ الحديثة السن‪ ،‬الحريصة على اللهو[‪] ،‬قالت‪ :‬فطلع عمر‪ ،‬فتفرق‬
‫الناس عنها والصبيان‪ ،‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم ‪ :‬رأيت شياطين النس والجن‬
‫فروا من عمر[‪] ،‬قالت عائشة‪ :‬قال صلى ال عليه وسلم يومئٍذ‪ :‬لتعلم يهود أن في‬
‫ديننا فسحة[ ((‪ .‬البخاري ومسلم وغيرهم‪.‬‬
‫]‪[203‬‬
‫السادس‪ :‬عنها أيضًا قالت‪:‬‬
‫))قدم رسول ال صلى ال عليه وسلم من غزوة تبوك أو خيبر‪ ،‬وفي سهوتها ستر‪،‬‬
‫فهبت ريح‪ ،‬فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة ُلَعب‪ ،‬فقال ‪ :‬ما هذا عائشة؟ قالت‪:‬‬
‫بناتي‪ ،‬ورأى بينهن فرسًا له جناحان من رقاع‪ ،‬فقال‪ :‬ما هذا الذي أرى وسطهن؟‬
‫قالت‪ :‬فرس‪ ،‬قال‪ :‬وما هذا الذي عليه؟ قال‪ :‬جناحان‪ ،‬قال‪ :‬فرس له جناحان؟ قالت‪:‬‬
‫ل لها أجنحة؟ قالت‪ :‬فضحك حتى رأيت نواجذه ((‪ .‬أبو‬ ‫أما سمعت أن لسليمان خي ً‬
‫داود والنسائي بسند صحيح‪.‬‬
‫]‪[204‬‬
‫السابع ‪ :‬عنها أيضًا‪:‬‬

‫‪40‬‬
‫)) أنها كانت مع رسول ال صلى ال عليه وسلم في سفره‪ ،‬وهي جارية ]قالت‪ :‬لم‬
‫أحمل اللحم‪ ،‬ولم أبدن[‪ ،‬فقال لصحابه‪ :‬تقدموا‪] ،‬فتقدموا[‪ ،‬ثم قال‪ :‬تعالي أسابقك‪،‬‬
‫فسابقته‪ ،‬فسبقته على رجلي‪ ،‬فلما كان بعد‪ ،‬خرجت معه في سفر‪ ،‬فقال لصحابه‪:‬‬
‫تقدموا‪ ،‬ثم قال‪ :‬تعالي أسابقك‪ ،‬ونسيت الذي كان‪ ،‬وقد حملت اللحم‪] ،‬وبّدنت[‪ ،‬فقلت‪:‬‬
‫كيف أسابقك يا رسول ال صلى ال عليه وسلم وأنا على هذه الحال؟ فقال ‪ :‬لتفعلن‪،‬‬
‫فسابقته‪ ،‬فسبقني‪ ،‬فـ]جعل يضحك‪ ،‬و[ قال ‪ :‬هذه بتلك السبقة ((‪.‬‬
‫الحميدي في مسنده وأبو داود والنسائي والطبراني‪.‬‬
‫]‪[205‬‬
‫الثامن‪ :‬عنها أيضًا قالت‪:‬‬
‫))إن كان رسول ال صلى ال عليه وسلم ليؤتى بالناء‪ ،‬فأشرب منه وأنا حائض‪ ،‬ثم‬
‫ي‪ ،‬وإن كنت لخذ العرق فآكل منه‪ ،‬ثم يأخذه فيضع فاه‬ ‫يأخذه فيضع فاه على موضع ف ّ‬
‫ي ((‪ .‬مسلم وأحمد وغيرهما‪.‬‬ ‫على موضع ف ّ‬
‫التاسع‪ :‬عن جابر بن عبد ال‪ ،‬وجابر بن عمير‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪:‬‬
‫))كل شيء ليس فيه ذكر ال‪ ،‬فهو ]لغٌو[ وسهو ولعب‪ ،‬إل أربع ]خصال[‪ :‬ملعبة‬
‫الرجل امرأته‪ ،‬وتأديب الرجل فرسه‪ ،‬ومشيه بين الغرضين‪ ،‬وتعليم الرجل‬
‫السباحة (( النسائي والطبراني وأبو نعيم بإسناد صحيح‪.‬‬
‫]‪[206‬‬
‫‪ -41‬وصايا إلى الزوجين‪:‬‬
‫وختامًا أوصي الزوجين‪:‬‬
‫ل‪ :‬أن يتطاوعا ويتناصحا بطاعة ال تبارك وتعالى‪ ،‬واتباع أحكامه الثابتة في‬ ‫أو ً‬
‫الكتاب والسنة‪ ،‬ول يقدما عليها تقليدًا أو عادة غلبت على الناس‪ ،‬أو مذهبًا فقد قال عز‬
‫وجل‪﴿ :‬وما كان لمؤمن ول مؤمنة إذا قضى ال ورسوله أمرًا أن يكون لُهم الخيرة‬
‫ل مبينًا﴾ ]الحزاب‪.[36 :‬‬ ‫من أمرهم ومن يعص ال ورسوله فقد ضل ضل ً‬
‫ثانيًا‪ :‬أن يلتزم كل واحد منهما القيام بما فرض ال عليه من الواجبات والحقوق تجاه‬
‫ل‪ -‬أن تساوي الرجل في جميع حقوقه‪ ،‬ول يستغل‬ ‫الخر‪ ،‬فل تطلب الزوجة‪ -‬مث ً‬
‫الرجل ما فضله ال تعالى به عليها من السيادة‬
‫]‪[207‬‬
‫والرياسة ؛ فيظلمها‪ ،‬ويضربها بدون حق‪ ،‬فقد قال ال عز وجل‪:‬‬
‫﴿ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة وال عزيز حكيم﴾ ]البقرة‪:‬‬
‫‪ ،[228‬وقال‪:‬‬
‫ن َأْمَواِلِهْم‬
‫ض َوِبَما َأنَفُقوْا ِم ْ‬‫عَلى َبْع ٍ‬ ‫ضُهْم َ‬ ‫ل َبْع َ‬ ‫لا ّ‬ ‫ضَ‬‫ساء ِبَما َف ّ‬‫عَلى الّن َ‬
‫ن َ‬‫ل َقّواُمو َ‬ ‫جا ُ‬‫﴿الّر َ‬
‫ظوُه ّ‬
‫ن‬ ‫ن َفِع ُ‬‫شوَزُه ّ‬ ‫ن ُن ُ‬ ‫خاُفو َ‬
‫لِتي َت َ‬‫ل َوال ّ‬ ‫ظا ّ‬ ‫حِف َ‬
‫ب ِبَما َ‬
‫ت ّلْلَغْي ِ‬
‫ظا ٌ‬
‫حاِف َ‬
‫ت َ‬ ‫ت َقاِنَتا ٌ‬
‫حا ُ‬‫صاِل َ‬
‫َفال ّ‬
‫ل َكا َ‬
‫ن‬ ‫نا ّ‬ ‫ل ِإ ّ‬
‫سِبي ً‬‫ن َ‬ ‫عَلْيِه ّ‬
‫ل َتْبُغوْا َ‬
‫طْعَنُكْم َف َ‬
‫ن َأ َ‬
‫ن َفِإ ْ‬
‫ضِرُبوُه ّ‬
‫جِع َوا ْ‬ ‫ضا ِ‬
‫ن ِفي اْلَم َ‬ ‫جُروُه ّ‬ ‫َواْه ُ‬
‫عِلّيا َكِبيرًا﴾ ]النساء‪.[34 :‬‬ ‫َ‬
‫]‪[208‬‬

‫‪41‬‬
‫وقد قال معاوية بن حيدة رضي ال عنه‪ :‬يا رسول ال! ما حق زوجة أحدنا عليه؟‬
‫قال‪ :‬أن تطعمها إذا طعمت‪ ،‬وتكسوها إذا اكتسيت‪ ،‬ول تقبح الوجه‪ ،‬ول تضرب‪،‬‬
‫]ول تهجر إل في البيت‪ ،‬كيف وقد أفضى بعضكم إلى بعض؛ إل بما حل عليهن[ أبو‬
‫داود والحاكم وأحمد بسند حسن‪.‬‬
‫وقال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫))المسقطون يوم القيامة على منابر من نور على يمين الرحمن‪ -‬وكلتا يديه يمين‪-‬‬
‫الذين يعدلون في‬
‫]‪[209‬‬
‫حكمهم وأهليهم وما ولوا ((‪ .‬مسلم وابن منده وقال‪)) :‬حديث صحيح ((‪.‬‬
‫ل به‪ ،‬أحياهما ال تبارك وتعالى حياة طيبة‪ ،‬وعاشا‪ -‬ما عاشا‬ ‫فإذا هما عرفا ذلك وعم ً‬
‫معًا‪ -‬في هناء وسعادة‪ ،‬فقد قال عز وجل‪﴿ :‬من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو‬
‫مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم أحسن ما كانوا يعملون﴾ ]النحل‪.[97 :‬‬
‫ثالثًا‪ :‬وعلى المرأة بصورة خاصة أن تطيع زوجها فيما يأمرها به في حدود‬
‫استطاعتها‪ ،‬فإن هذا مما فضل ال به الرجال على النساء كما في اليتين السابقتين‪﴿ :‬‬
‫الرجال قوامون على النساء﴾‪﴿ ،‬وللرجال عليهن درجة﴾‪ ،‬وقد جاءت أحاديث كثيرة‬
‫صحيحة مؤكدة لهذا المعنى‪ ،‬ومبينة بوضوح ما للمرأة‪ ،‬وما عليها؛ إذا هي أطاعت‬
‫زوجها أو عصته‪ ،‬فل بد من إيراد بعضها‪ ،‬لعل‬
‫]‪[210‬‬
‫فيها تذكيرًا لنساء زماننا‪ ،‬فقد قال تعالى‪﴿ :‬وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين﴾‪.‬‬
‫الحديث الول‪)) :‬ل يحل لمرأة أن تصوم ) وفي رواية‪ :‬ل تصم المرأة ( وزوجها‬
‫شاهد إل بإذنه]غير رمضان[‪ ،‬ول تأذن في بيته إل بإذنه ((البخاري ومسلم‬
‫وغيرهما‪.‬‬
‫]‪[211‬‬
‫الثاني‪)) :‬إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته‪ ،‬فبات غضبان عليها ‪ ،‬لعنتها‬
‫الملئكة حتى تصبح‪ ) ،‬وفي رواية‪ :‬أو حتى ترجع‪ ،‬وفي أخرى‪ :‬حتى يرضى عنها (‬
‫((‪.‬‬
‫الثالث‪)) :‬والذي نفسي محمد بيده‪ ،‬ل تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها‪،‬‬
‫ولو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه من ]نفسها[ ((حديث صحيح‪ .‬رواه ابن‬
‫ماجه وغيره‪.‬‬
‫]‪[212‬‬
‫الرابع‪)) :‬ل تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إل قالت زوجته من الحور العين‪ :‬ل تؤذيه‬
‫قاتلك ال‪ ،‬فإنما هو عندك دخيل يوشك أن يفارقك إلينا ((‪.‬‬
‫]‪[213‬‬
‫الخامس‪ :‬عن حصين بن محصن قال‪ :‬حدثتني عمتي قالت‪:‬‬
‫))أتيت رسول ال صلى ال عليه وسلم في بعض الحاجة‪ ،‬فقال‪ :‬أي هذه! أذات بعل؟‬
‫قلت‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬كيف أنت له؟ قالت‪ :‬ما آلوه؛ إل ما عجزت عنه‪ ،‬قال‪] :‬فانظري[ أين‬

‫‪42‬‬
‫أنت منه؟ فإنما هو جنتك ونارك ((رواه ابن أبي شيبة‪ ،‬وابن سعد‪ ،‬والنسائي‪،‬‬
‫والطبراني‪.‬‬
‫]‪[214‬‬
‫السادس‪ :‬إذا صلت المرأة خمسها‪ ،‬وحصنت فرجها‪ ،‬وأطاعت بعلها‪ ،‬دخلت من أي‬
‫أبواب الجنة شاءت ((‪ .‬حديث حسن أو صحيح له طرق‪.‬‬
‫وجوب خدمة المرأة لزوجها‬
‫قلت‪ :‬وبعض الحاديث المذكورة آنفًا ظاهرة الدللة على وجوب طاعة الزوجة‬
‫لزوجها وخدمتها إياه في حدود استطاعتها‪ ،‬ومما ل شك فيها أن من أول ما يدخل في‬
‫ذلك الخدمة في منزله‪ ،‬وما يتعلق به من تربية أولده ونحو ذلك ‪ ،‬وقد اختلف العلماء‬
‫في هذا‪ ،‬فقال شيخ السلم ابن تيمية في ))الفتاوى (( ) ‪:( 235 -2/234‬‬
‫]‪[215‬‬
‫))وتنازع العلماء‪ ،‬هل عليها أن تخدمه في مثل فراش المنزل‪ ،‬ومناولة الطعام‬
‫والشراب‪ ،‬والخبز والطحن والطعام لممالكيه وبهائمه‪ ،‬مثل علف دابته ونحو ذلك ؟‬
‫فمنهم من قال‪:‬‬
‫ل تجب الخدمة‪ .‬وهذا القول ضعيف‪ ،‬كضعف قول من قال‪ :‬ل تجب عليه العشرة‬
‫والوطء! فإن هذا ليس معاشرة له بالمعروف‪ ،‬بل الصاحب في السفر الذي هو نظير‬
‫النسان وصاحبه في المسكن؛ إن لم يعاونه على مصلحته؛ لم يكن قد عاشره‬
‫بالمعروف‪.‬‬
‫وقيل‪ -‬وهو الصواب‪ : -‬وجوب الخدمة‪ ،‬فإن الزوج سيدها في كتاب ال‪ ،‬وهي عانية‬
‫عنده بسنة رسول ال صلى ال عليه وسلم؛ ) كما تقدم ص ‪ ،( 270‬وعلى العاني‬
‫والعبد الخدمة‪ ،‬ولن ذلك هو المعروف‪.‬‬
‫ن هؤلء من قال‪ :‬تجب الخدمة اليسيرة‪ ،‬ومنهم من قال‪ :‬تجب الخدمة بالمعروف‪.‬‬ ‫ثم ِم ْ‬
‫وهذا هو الصواب‪ ،‬فعليها أن تخدمه الخدمة المعروفة من مثلها‬
‫]‪[216‬‬
‫لمثله‪ ،‬ويتنوع ذلك بتنوع الحوال‪ ،‬فخدمة البدوية ليست كخدمة القوية‪ ،‬وخدمة القوية‬
‫ليست كخدمة الضعيفة ((‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا هو الحق إن شاء ال تعالى؛ أنه يجب على المرأة خدمة البيت‪ ،‬وهو قول‬
‫مالك وأصبغ كما في ))الفتح (( ) ‪ ،( 9/418‬وأبي بكر بن أبي شيبة‪ ،‬وكذا‬
‫الجوزجاني من الحنابلة كما في ))الختيارات (( ) ص‪ ،( 145‬وطائفة من السلف‬
‫ل صالحًا‪.‬‬ ‫والخلف‪ ،‬كما في ))الزاد (( ) ‪ ،( 4/46‬ولم نجد لمن قال بعدم الوجوب دلي ً‬
‫وقول بعضهم‪)) :‬إن عقد النكاح إنما اقتضى الستمتاع ل الستخدام‪ ،‬مردود بأن‬
‫الستمتاع حاصل للمرأة أيضًا بزوجها‪ ،‬فهما متساويان في هذه الناحية‪ ،‬ومن المعلوم‬
‫أن ال تبارك وتعالى قد أوجب على الزوج شيئًا آخر لزوجته‪ ،‬أل وهو نفقتها‬
‫وكسوتها ومسكنها‪ ،‬فالعدل يقتضي أن يجب عليها مقابل ذلك شيء آخر أيضًا‬
‫لزوجها‪ ،‬وما هو إل خدمتها إياه‪ ،‬ول سيما أنه القّوام عليها بنص القرآن الكريم كما‬
‫سبق‪ ،‬وإذا لم تقم هي‬
‫]‪[217‬‬

‫‪43‬‬
‫بالخدمة فسيضطر هو إلى خدمتها في بيتها‪ ،‬وهذا يجعلها هي القوامة عليه‪ ،‬وهو‬
‫عكس للية القرآنية كما ل يخفى‪ ،‬فثبت أنه ل بد لها من خدمته‪ ،‬وهذا هو المراد‪.‬‬
‫وأيضًا؛ فإن قيام الرجل بالخدمة يؤدي إلى أمرين متباينين تمام التباين؛ أن ينشغل‬
‫الرجل بالخدمة عن السعي وراء الرزق وغير ذلك من المصالح‪ ،‬وتبقى المرأة في‬
‫ل عن أي عمل ي عليها القيام به‪ ،‬ول يخفى فساد هذا في الشريعة التي‬ ‫بيتها عط ً‬
‫سوت بين الزوجين في الحقوق‪ ،‬بل وفضلت الرجل عليها درجة‪ ،‬ولهذا لم ُيِز ِ‬
‫ل‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم شكوى ابنته فاطمة عليها السلم حينما‪:‬‬
‫))أتت النبي صلى ال عليه وسلم تشكو إليه ما تلقى في يدها من الرحى‪ ،‬وبلغها أنه‬
‫جاءه رقيق‪ ،‬فلم تصادفه‪ ،‬فذكرت لعائشة‪ ،‬فلما جاء‪ ،‬أخبرته عائشة‪ ،‬قال علي رضي‬
‫ال عنه‪ :‬فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا‪ ،‬فذهبنا نقوم‪ ،‬فقال‪ :‬على مكانكما‪ ،‬فجاء‪ ،‬فقعد‬
‫بيني وبينها حتى وجدت برد قدميه على بطني‪ ،‬فقال‪ :‬أل أدلكما على خير مما سألتما؟‬
‫إذا أخذتما مضاجعكما‪ ،‬أو أويتما إلى فراشكما‪ ،‬فسبحا ثلثًا وثلثين‪ ،‬واحمدا ثلثا‬
‫]‪[218‬‬
‫وثلثين‪ ،‬وكبرا أربعًا وثلثين‪ ،‬فهو خير لكما من خادم]قال علي‪ :‬فما تركتها بعد‪،‬‬
‫قيل‪ :‬ول ليلة صفين؟ قال‪ :‬ول ليلة صفين![ ((‪.‬‬
‫رواه البخاري) ‪.( 418 -9/417‬‬
‫فأنت ترى أن النبي صلى ال عليه وسلم لم يقل لعلي‪ :‬ل خدمة عليها‪ ،‬وإنما هي‬
‫عليك‪ ،‬وهو صلى ال عليه وسلم ل يحابي في الحكم أحدًا كما قال ابن القيم رضي ال‬
‫عنه ‪ ،‬ومن شاء زيادة البحث في هذه المسألة فليرجع إلى كتابه القيم ))زاد المعاد ((‬
‫) ‪.( 46 -4/45‬‬
‫هذا وليس فيما سبق من وجوب خدمة المرأة لزوجها ما ينافي استحباب مشاركة‬
‫الرجل لها في ذلك ‪ ،‬إذا وجد الفراغ والوقت ‪ ،‬بل هذا من حسن المعاشرة بين‬
‫الزوجين‪ ،‬ولذلك قالت السيدة عائشة رضي ال عنها‪:‬‬
‫))كان صلى ال عليه وسلم يكون في مهنة أهله‪ ،‬يعني خدمة أهله‪ ،‬فإذا حضرت‬
‫الصلة خرج إلى الصلة ((‪.‬‬
‫رواه البخاري ) ‪ 2/129‬و‪ ،( 9/418‬والترمذي ) ‪ ،( 3/314‬وصححه‪ ،‬والمخّلص‬
‫من الثالث من‬
‫]‪[219‬‬
‫السادس من ))المخّلصيات (( ) ‪ ،( 66/1‬وابن سعد ) ‪ .( 1/366‬ورواه في‬
‫))الشمائل (( ) ‪ ( 2/185‬من طريق أخرى عنها بلفظ‪:‬‬
‫))كان بشرًا من البشر؛ يفلي ثوبه‪ ،‬ويحلب شاته‪ ،‬ويخدم نفسه ((‪.‬‬
‫ورجاله رجال الصحيح‪ ،‬وفي بعضهم ضعف‪ .‬لكن رواه أحمد وأبو بكر الشافعي بسند‬
‫قوي كما حققته في ))سلسلة الحاديث الصحيحة (( ) رقم ‪ ،( 670‬وال ولي التوفيق‪.‬‬
‫وهذا آخر ما وفقنا ال تبارك وتعالى لذكره من آداب الزفاف في هذه الرسالة‪.‬‬
‫و))سبحانك اللهم وبحمدك‪ ،‬أشهد أن ل إله إل أنت‪ ،‬أستغفرك وأتوب إليك ((‪.‬‬

‫‪44‬‬

You might also like