You are on page 1of 16

‫‪My reading choices – Saleh A.

Alsulaiman‬‬
‫متارات من قراءاتي‬

‫البنتاجون بعد أحداث ‪ 11‬سبتمبر‬


‫عسكرة الحياة السياسة‪...‬وتسييس الحياة العسكرية‬
‫‪The Pentagon after September 11‬‬
‫‪The militarization of political life ... and the politicization of the military life‬‬

‫بقلم يوسف شلي‬

‫عندما ينتهي العد التنازلي في ‪ 19‬يناير ‪ ،2009‬سيودع الرئيس بوش مكتبه‬


‫البيضاوي‪ ،‬تاركا لخليفته إرثا كبيرا قد يثقل كاهل الدارة المريكية الجديدة لسنوات‬
‫عديدة‪.‬‬

‫ومن المؤكد أن بوش يريد من خليفته مواجهة تحديات الحروب والحرمان‪ ،‬هذا من‬
‫جانب‪ ،‬ومن جانب آخر فإن تهاوي صورة الوليات المتحدة في نظر العالم عموما‪،‬‬
‫والعرب والمسلمين خصوصا‪ ،‬بعد استباحة "الجزمة الخشنة" (العسكر) كل‬
‫المحرمات‪ ،‬واعتراف النخب المريكية بالخلل الذي أصاب الفكر والوجدان‬
‫المريكي‪ ،‬الذي قام على تقديس "الحرية الفردية والجماعية" و"البداع الخلب"‬
‫و"الحياة النسانية"‪ ،‬وسيكون تحديا آخر للرئيس المريكي الجديد في محاولة لتحسين‬
‫الصورة المريكية "البشعة" في العالم‪.‬‬

‫العلم نور ‪Knowledge is Freedom -‬‬


‫‪My reading choices – Saleh A. Alsulaiman‬‬
‫متارات من قراءاتي‬
‫وفي هذا الطار‪ ،‬ومن باب التذكير‪ ،‬النقاش الذي دار بعد نهاية الحرب الباردة في‬
‫الوليات المتحدة حول ماهية الدور الذي ينبغي أن تضطلع به واشنطن كقوة عسكرية‬
‫"أحادية القطب" في عالم متغير‪ ،‬أخذ أبعادا خطيرة تجلت ملمحه "السوداوية" بعد‬
‫أحداث ‪ 11‬سبتمبر ‪2001‬م الليمة!‬

‫الهجمات التي وقعت في ‪ 11‬سبتمبر ‪ ،2001‬انتهت بحسم تلك المناقشة الحادة ـ نهائيا‬
‫ـ لصالح التيار المتشدد في الدارة المريكية‪ ،‬من المحافظين الجدد‪ ،‬خصوصا‬
‫العسكريين منهم‪ ،‬ومراكز اتخاذ القرار المعتمدة على التمويل العسكري‪ .‬إدارة‬
‫الرئيس بوش ـ وعلى الفور ـ أعلنت الحرب الشاملة على كل الجبهات ضد الشعوب‪،‬‬
‫اليديولوجيات‪ ،‬وقبل كل شيء‪" ،‬الرهاب" (وهو تكتيك الضعفاء حسب بعض‬
‫الخبراء العسكريين)‪.‬‬

‫وإن غاية ما تمخض من شهر سبتمبر‪ ،‬كحادث مأساوي غير وجهة العالم‪ ،‬وكما جاء‬
‫في تصريحات المسؤولين في الدارة‪ ،‬من خلل المعلومات التي تسربت‪ ،‬أن إدارة‬
‫بوش كانت على استعداد تام لضرب "أهداف" ما يربو عن ‪ 60‬دولة‪ ،‬إضافة إلى‬
‫الحركات‪ ،‬التي تصفها "إرهابية"‪ ،‬النشطة المنتشرة في أصقاع العالم‪.‬‬

‫في عام ‪2002‬م‪ ،‬أكد رسميا وزير الدفاع المريكي (السابق) دونالد رامسفيلد عن‬
‫الموقف العسكري المريكي الجديد‪ ،‬من خلل هذا الستعداد‪ ،‬الذي هو في حد ذاته‪،‬‬
‫ل يخرج عن نطاق نظرية "الهجوم والهجوم دائما" (الخرب الستباقية)‪ ،‬وهو‬
‫المطلوب عسكريا في الوقت الحالي‪ .‬وقد دعا الوزير إلى اختزال إستراتيجية الدفاع‬
‫المريكية الحالية من خلل العتماد على خطة (‪ ،)1-2-4-1‬وهي إستراتيجية‬
‫عسكرية معروفة (تدرس في الكاديميات العسكرية المريكية) تقوم على مفهوم‬
‫الحساب أو العلمة العددية التالية‪ ،1-2-4-1 :‬ويعني هذا باختصار شديد أن العدد‬
‫الول (‪ )1‬يمثل خط الدفاع عن الراضي المريكية‪.‬‬

‫ويليه بعد ذلك العدد (‪ )4‬الذي يمثل القدرة على ردع العمال العدائية التي يكون‬
‫مصدرها "المناطق الربعة الحرجة" في الرقعة الجغرافية السياسية العالمية‬
‫(أوروبا‪ ،‬شمال شرق آسيا‪ ،‬شرق آسيا‪ ،‬والشرق الوسط)‪ ،‬ومن ثم إلحاق الهزيمة في‬
‫اثنين من العداء في وقت واحد وهو ما يمثله العدد (‪ ،)2‬وإمكانية التدخل الحاسم ـ‬
‫في نفس الوقت ـ عند هزيمة واحدة محتملة‪ ،‬ويشير إليه العدد الخير (‪( .)1‬بدل من‬
‫خطة الرئيس السبق ـ المتواضعة جدا ـ‪ ،‬بيل كلينتون‪ ،‬التي تعتمد على الستعداد التام‬
‫لخوض حربين رئيسيتين (في الشرق الوسط وشمال شرق آسيا) في وقت واحد فقط)‪.‬‬

‫العلم نور ‪Knowledge is Freedom -‬‬


‫‪My reading choices – Saleh A. Alsulaiman‬‬
‫متارات من قراءاتي‬
‫إن البنتاجون‪ ،‬دخل فعل عصرا جديدا يؤرخ إلى أحداث ما بعد "‪ 11‬سبتمبر"‪ ،‬غير‬
‫أنه وبعد مرور أكثر من ست سنوات تقريبا‪ ،‬فإن استقراء حجم تلك المؤسسة‬
‫العسكرية الضخمة وحدود انتشارها‪ ،‬لم يتم إدراك خطورته بالكامل مقارنة بباقي‬
‫المؤسسات المريكية الرئيسية‪ .‬وسوف نستعرض في هذا المقام‪ ،‬أهم الوسائل السبعة‬
‫التي دفعت البنتاجون إلى احتلل هذه المكانة الرائدة وعلى حساب باقي المؤسسات‬
‫الحكومية الخرى‪:‬‬

‫‪ .1‬ميزانية البنتاجون الضخمة‪:‬‬

‫يتفق الكل على أن الميزانية الساسية للبنتاجون ضخمة وبكل المقاييس‪ ،‬ول يمكن‬
‫بأي حال من الحوال مقارنتها بميزانيات باقي المؤسسات الخرى‪ .‬فمع ‪ 300‬مليار‬
‫دولر ميزانية الوزارة عندما تولى بوش الرئاسة في ‪ ،2000‬تضاعف الرقم مرتين‬
‫تقريبا‪ .‬أما بالنسبة للسنة المالية ‪ ، 2009‬فان الميزانية العادية ـ دون الضافية ـ‬
‫للبنتاجون ستبلغ ما يقرب من ‪ 541‬مليار دولر (بما في ذلك الميزانية المخصصة‬
‫للرؤوس الحربية النووية‪ ،‬والمفاعلت البحرية في وزارة الطاقة)‪.‬‬

‫وفي هذا الطار‪ ،‬ترأست إدارة بوش واحدة من أكبر التعزيزات "النظامية" العسكرية‬
‫في تاريخ الوليات المتحدة قاطبة‪ .‬وإذا كانت التكاليف المباشرة للحروب في العراق‬
‫وأفغانستان‪ ،‬فضل عن "الحرب على الرهاب"‪ ،‬هي من العوامل المؤثرة في‬
‫إستراتيجية "الدفاع" إل أن النفاق تضاعف ثلثة مرات مقارنة بالمؤشرات التي‬
‫كانت سائدة من قبل‪.‬‬

‫واعتبارا من فبراير ‪2008‬م‪ ،‬ووفقا لمكتب الميزانية في الكونغرس (‬


‫‪ ،)Congressional Budget Office‬فإن المشرعين خصصوا مبلغا قدره ‪752‬‬
‫مليار دولر للعراق‪ ،‬وللعمليات العسكرية الجارية في أفغانستان‪ ،‬ولغيرها من‬
‫النشطة المرتبطة بـ"الحرب على الرهاب"‪ .‬وحسب تقديرات البنتاجون فهو سيكون‬
‫بحاجة إلى مبلغ آخر إضافي قدره ‪ 170‬مليار دولر للسنة المالية ‪ ،2009‬مما يعني‪،‬‬
‫رقم ‪ 922‬مليار دولر‪ ،‬أي تقريبا ‪ 01‬ترليون دولر‪ ،‬وهي ميزانية النفاقات‬
‫العسكرية المباشرة على الحرب التي لم يسجل مثلها في الوليات المتحدة‪ ،‬إل بعد‬
‫أحداث سبتمبر ‪2001‬م‪.‬‬

‫وفي عموده الخاص في مجلة "نيويورك تايمز"‪ ،‬وصف بوب هيربرت ضخامة‬
‫التكاليف العسكرية‪ ،‬وميزانية البنتاجون بتمثيلها وكأنها كومة من الفواتير تقريبا‬
‫بارتفاع ست بوصات بقيمة ‪ 1‬مليون دولر؛ أو ككومة من ‪ 1‬مليار دولر مرتفعة‬

‫العلم نور ‪Knowledge is Freedom -‬‬


‫‪My reading choices – Saleh A. Alsulaiman‬‬
‫متارات من قراءاتي‬
‫وشامخة بشموخ نصب واشنطن التذكاري‪ ،‬أو كومة من ‪ 1‬تريليون دولر من شأنها‬
‫أن تكون بارتفاع ‪ 160‬كيلو متر في السماء‪.‬‬

‫فمجموع ميزانية البنتاجون يمثل مجموع ما ينفق في التعليم‪ ،‬وحماية البيئة‪ ،‬وإدارة‬
‫العدالة وملحقاتها (سجون‪ ،‬أعوان‪ ،‬تسليح‪ ،)...‬والفوائد المالية والخدمية المقدمة إلى‬
‫المحاربين القدماء‪ ،‬والمساعدة في مجال السكان‪ ،‬والنقل‪ ،‬والتدريب والتأهيل‬
‫المهنيين في العمل‪ ،‬والزراعة‪ ،‬والطاقة‪ ،‬والتنمية القتصادية‪.‬‬

‫‪ .2‬البنتاجون والدبلوماسية السياسية‪:‬‬

‫عارضت إدارة بوش مرارا وتكرارا مناقشة قراراتها بخصوص دعم ميزانية‬
‫البنتاجون‪ .‬ول غرابة‪ ،‬إذن‪ ،‬إذا كان جدول أعمال البيت البيض في مجالت السياسة‬
‫الخارجية‪ ،‬وبصورة متزايدة‪ ،‬يضعه الفريق العسكري المقرب من الرئيس بوش‪ .‬ومع‬
‫ميزانية عسكرية ‪ 30‬مرة أكثر من جميع عمليات إدارة شؤون الدولة غير العسكرية‬
‫والمعونة الجنبية معا‪ ،‬انتهج البنتاجون سياسة المزاوجة بين الدبلوماسية والعسكرية‪،‬‬
‫والعسكرية والدبلوماسية في آن واحد‪ ،‬وفي أهم المعاقل السياسية التقليدية ـ‬
‫الدبلوماسية والتنمية ـ وهي الزدواجية المعتمدة حاليا في الجزء الكبير من عمل‬
‫البنتاجون‪.‬‬

‫ومنذ أواخر القرن الثامن عشر‪ ،‬كان السفير المريكي ينظر إليه في أي بلد من بلدان‬
‫العالم على أنه الممثل الشخصي للرئيس‪ ،‬المسؤول عن ضمان السياسة الخارجية‬
‫المريكية وبلوغ الهداف المقررة‪ .‬وكما أوضح أحد السفراء بالقول إن‪" :‬القاعدة هي‬
‫كالتالي‪ :‬إذا كنت في البلد المضيف‪ ،‬أنت تعمل للسفير‪ .‬وإذا كنت ل تعمل للسفير‪ ،‬لن‬
‫تحصل على ترخيص البلد المضيف"‪.‬‬

‫أما في عهد الرئيس بوش‪ ،‬فان البنتاجون قد نقض هذا النموذج‪ .‬ووفقا لتقرير من‬
‫الكونغرس صادر بتاريخ ‪ ،2006‬للسيناتور ريتشارد لوغار‪ ،‬تحولت السفارات من‬
‫دورها الدبلوماسي المعتاد‪ ،‬إلى مناصب قيادية في حملة مكافحة الرهاب‪ ،‬وشعر‬
‫الموظفون المدنيون في العديد من السفارات في الخارج أن سفاراتهم أصبحت مرتعا‬
‫للعسكريين وأعوان المخابرات العسكرية أو المدنية‪ ،‬وأنهم أصبحوا خاضعين للوامر‬
‫العسكرية‪ ،‬وأن ل قرار لهم في تسيير شؤون السفارة أو القنصليات التابعة لهم‪.‬‬

‫العلم نور ‪Knowledge is Freedom -‬‬


‫‪My reading choices – Saleh A. Alsulaiman‬‬
‫متارات من قراءاتي‬
‫حتى وزير الدفاع الحالي روبرت جيتس يعي خطورة هذه المشكلة‪ ،‬ويتفهمها‪ ،‬وفي‬
‫إشارة واضحة منه في نوفمبر الماضي أعلن أن هناك‪" :‬سوى حوالي ‪ 6600‬من الفئة‬
‫الفنية لموظفي وزارة الخارجية‪ ،‬أقل مقارنة بطاقم مجموعة واحدة عاملة في حاملة‬
‫طائرات"‪ .‬ولكنه‪ ،‬أضاف‪ ":‬وزارة الخارجية المريكية تحتاج إلى مزيد من الموارد‬
‫المالية لتسيير شؤونها‪ ..‬غير أنه حتى ل يساء فهمي خطأ‪ ،‬أنا رغم ذلك سأطلب‬
‫المزيد من الموال والدعم لوزارتي في العام القادم‪ ".‬وأعرب سفير أمريكي آخر عن‬
‫أسفه إلى طريقة تعامل نظرائه الجانب الذين أصبحوا يقدمون خدماتهم "في أعقاب‬
‫التخمة المالية"‪ ،‬لتطوير علقاتهم العسكرية المريكية مع العسكريين بدل من توثيق‬
‫التصالت الدبلوماسية مع نظرائهم في وزارة الخارجية‪.‬‬

‫وفي السياق العام‪ ،‬يحتفظ البنتاجون دائما على دورته البيروقراطية المبريالية من‬
‫حيث "التعاون المشترك بين مختلف المؤسسات"‪ .‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬في العام‬
‫الماضي نشرت القيادة الجنوبية المريكية ‪US Southern Command‬‬
‫‪ SOUTHCOM‬إستراتيجية القيادة لـ ‪ ،2016‬وهي الوثيقة التي حددت الفقر‬
‫والجريمة والفساد على أنها مفاتيح "المن" للمشاكل في أمريكا اللتينية‪ .‬واقترحت‬
‫الوثيقة أن تتولى القيادة الجنوبية المريكية (‪ ،)SOUTHCOM‬حماية المن‪ ،‬وأن‬
‫تكون في الواقع "الفاعل والممثل المركزي في التصدي للمشاكل القليمية‪ "...‬في‬
‫حين‪ ،‬كان المر في السابق‪ ،‬من مهام المؤسسات والوكالت المدنية‪.‬‬

‫عموما‪ ،‬يتبع البنتاجون هذا النمط على الصعيد العالمي منذ عام ‪ .2001‬ولكن ماذا‬
‫تعني عبارة "التعاون" في كيان واحد عندما ينظر إلى الخرين ـ أي المدنيين ـ على‬
‫أنهم أقزام وأن الموارد المالية وصناع القرار‪ ،‬ما هم إل غطاء سياسي للعسكر‪ ،‬في‬
‫حين‪ ،‬أن تنامي المفاهيم "المنية" على حساب المفاهيم "السياسية" أصبح يشكل‬
‫ناقوس الخطر في السياسة المريكية القادمة إذا لم يتم التراجع عنها في الوقت‬
‫المناسب‪.‬‬

‫‪ .3‬البنتاجون وتجارة السلح‪:‬‬

‫في سنوات بوش الثمانية تقريبا وهو على سدة الحكم‪ ،‬زاد دور ونفوذ البنتاجون بقوة‬
‫في التجارة بالسلح على كوكب الرض‪ .‬وأصبح يضخ السلح للبيع في كل مكان‬
‫يمكن أن يصل إليه النسان‪ ،‬حيث قد يتحول في المستقبل القريب إلى زارع الحروب‬
‫والفتن‪ ،‬ومثير الصراعات القليمية والعالمية‪.‬‬

‫العلم نور ‪Knowledge is Freedom -‬‬


‫‪My reading choices – Saleh A. Alsulaiman‬‬
‫متارات من قراءاتي‬
‫وبحلول عام ‪( 2006‬وهي السنة الخيرة التي توفرت فيها هذه البيانات الكاملة)‪،‬‬
‫كانت الوليات المتحدة تمثل وحدها أكثر من نصف تجارة العالم في السلحة مع ‪14‬‬
‫مليار دولر من المبيعات‪ .‬وتجدر الشارة إلى مبلغ ‪ 5‬مليارات دولر للمعالجة التقنية‬
‫لطائرة ‪ F-16‬في باكستان‪ ،‬ومبلغ ‪ 5,8‬مليار دولر كاتفاق مبدئي لعادة تجهيز قوى‬
‫المن الداخلي في المملكة العربية السعودية‪ .‬ووصلت مبيعات السلحة المريكية لعام‬
‫‪ 2006‬إلى مرتين تقريبا لمستوى السنة السابقة من إدارة الرئيس بوش‪.‬‬

‫وبالمقارنة مع التاجر الثاني للسلحة في العالم‪ ،‬روسيا‪ ،‬فإن سجله هزيل نسبيا‬
‫بمجموع ‪ 5،8‬مليار دولر‪ ،‬ما يزيد قليل عن ثلث مجموع السلحة المريكية‪ .‬أما‬
‫حليف الوليات المتحدة المريكية‪ ،‬بريطانيا العظمى‪ ،‬فتحتل المرتبة الثالثة عالميا في‬
‫تجارة السلح بمجموع ‪ 3،3‬مليار دولر‪ ،‬والدول الثلث تمثل لوحدها ما نسبته‬
‫‪ %85‬من السلحة التي بيعت في تلك السنة‪ ،‬وأكثر من ‪ %70‬من هذا السلح ذهب‬
‫إلى الدول النامية أو السائرة في طريق النمو‪.‬‬

‫وفي هذا الصدد‪ ،‬يمتنع البنتاجون من أن يقدم تقريرا وافيا لمبيعاته من السلح‪ ،‬رغم‬
‫الخطار بمبيعات السلحة الصادر عن البنتاجون من الوكالة ‪Defense Security‬‬
‫‪ ،Cooperation Agency‬وخلل شهر مايو من عام ‪2008‬م‪ ،‬أصدرت الوكالة (‬
‫‪ )DISC‬بالفعل أكثر من ‪ 9.1‬مليار دولر من مبيعات السلحة‪ ،‬ومنها المشمول‬
‫بإخطار الوكالة بما في ذلك "القنبلة الذكية" إلى المملكة العربية السعودية‪ ،‬وصواريخ‬
‫(‪ )TOW‬إلى الكويت‪ ،‬وطائرات (‪ )F-16‬إلى رومانيا‪ ،‬وطائرات الهليكوبتر (‬
‫‪ )Chinook‬إلى كندا‪.‬‬

‫وللحفاظ على ميزة التفوق في سوق السلح‪ ،‬ل يتوقف البنتاجون عن تكثيف‬
‫ضغوطاته على الجميع لبيع السلح في الخارج‪ .‬ولهذا السبب‪ ،‬وعلى الرغم من‬
‫الكسر الذي أصابه في الكتف‪ ،‬لم يتوقف وزير الدفاع جيتس عن السفر إلى كل‬
‫مناطق العالم في فبراير الماضي‪ ،‬من أجل بيع السلحة وأنظمتها المختلفة إلى بلدان‬
‫مثل الهند واندونيسيا‪ ،‬أهم أسواق بيع السلح في العالم‪.‬‬

‫‪ .4‬البنتاجون والتغلغل في مجال الستخبارات والتجسس‪:‬‬

‫في مجال "الستخبارات"‪ ،‬تمكن البنتاجون من السيطرة على المعلومات وتحليل‬


‫الدوار‪ ،‬وتم ذلك بوجه سريع‪ ،‬وبطريقة سلسة‪ ،‬وبشكل ذكي‪.‬‬

‫العلم نور ‪Knowledge is Freedom -‬‬


‫‪My reading choices – Saleh A. Alsulaiman‬‬
‫متارات من قراءاتي‬
‫ومحاولة البنتاجون الستيلء على الستخبارات أو وضع اليد عليها‪ ،‬ليست مهمة‬
‫سهلة‪ .‬وهذا لسبب واحد وجيه‪ ،‬وهو أن هناك العشرات من وكالت ومكاتب‬
‫البنتاجون ـ الن ـ تجمع وتحلل المعلومات باستخدام العنصر البشري (‪human‬‬
‫‪ intelligence‬الستخبارات البشرية) من خلل التصنت والقمار الصطناعية‪.‬‬
‫فالمهمة صعبة نوعا ما‪ ،‬وصارمة أكثر في جانبها السري الذي يكتنف في الساس‬
‫عمليات المخابرات المريكية و"الميزانيات السوداء" الضخمة التي في الكثير من‬
‫الحيان تختفي بقدرة قادر‪.‬‬

‫ومن المتعارف عليه أن ميزانية الستخبارات سرية‪ ،‬ولكن المحللين أشاروا إلى أن‬
‫مجموع النفاق ألستخباراتي بلغ نحو ‪ 26‬مليار دولر قبل عقد من الزمن‪ .‬وبعد ‪/ 9‬‬
‫‪ ،11‬ضخ الكونغرس الكثير من الموال الجديدة إلى المخابرات‪ .‬وبحلول عام ‪،2003‬‬
‫ارتفع مجموع ميزانية الستخبارات إلى أكثر من ‪ 40‬مليار دولر‪.‬‬

‫وفي عام ‪2004‬م‪ ،‬أبرزت "لجنة ‪ "11-9‬إخفاق الكشف عن المعلومات من طرف‬


‫وكالة الستخبارات المركزية المريكية (‪ )CIA‬وباقي الوكالت الخرى‪ ،‬في جمع‬
‫وتحليل المعلومات عن التهديدات التي يتعرض لها البلد‪ .‬ثم اصدر الكونغرس‬
‫مشروع قانون "إصلح" فرع الستخبارات والذي نص إلى إنشاء مكتب مدير‬
‫الستخبارات الوطنية‪ ،‬ويهدف إلى إدارة وتنسيق‬
‫عمليات المخابرات داخل وخارج أمريكا‪.‬‬

‫وبفضل المقاومة الشديدة من قبل المشرعين العسكريين‬


‫الموالين للبنتاجون‪ ،‬فان مديرية المخابرات الوطنية من‬
‫المفترض أن تلعب دورا محوريا في حماية الراضي‬
‫المريكية‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬أبقى البنتاجون السيطرة على‬
‫الوكالت الرئيسية الثلثة‪ ،‬حيث جمع بين وكالة المن‬
‫الوطني (‪ ،)National Security Agency‬ووكالة‬
‫الستخبارات الرضية الفضائية الوطنية (‪National‬‬
‫‪ ،)Geospatial-Intelligence Agency‬والوكالة‬
‫الوطنية للستطلعات (‪National‬‬
‫‪.)Reconnaissance Agency‬‬

‫العلم نور ‪Knowledge is Freedom -‬‬


‫‪My reading choices – Saleh A. Alsulaiman‬‬
‫متارات من قراءاتي‬
‫ونتيجة لذلك‪ ،‬ووفقا لـ ‪ ،Tim Shorrock‬الصحافي المتخصص في التحقيقات‬
‫ومؤلف كتاب (‪Spies for Hire: The Secret‬‬
‫‪ - )World of Intelligence‬جواسيس‬
‫لليجار‪ :‬العالم السري للستخبارات‪ ،‬أصبح‬
‫البنتاجون يسيطر على أكثر من ‪ %80‬من النفاق‬
‫على الستخبارات المريكية‪ ،‬والتي تقدر بنحو‬
‫‪ 60‬مليار دولر في عام ‪.2007‬‬

‫تخصص الصحفي المريكي الشهير في صحيفة (‬


‫‪ ،)the New Yorker‬سيمور هيرش‪ ،‬في الكتابة‬
‫عن فضائح البنتاجون والقصص المثيرة المرتبطة‬
‫به‪ ،‬خاصة تلك المتعلقة بـ"الحرب على‬
‫الرهاب"‪ ،‬حيث كتب في يناير ‪ ،2005‬أن إدارة‬
‫بوش "دعمت سيطرتها على الجيش‪ ،‬المخابرات‪،‬‬
‫الهيئات المختصة في التحليلت الستراتيجية‬
‫والعمليات الخفية‪ ،‬إلى درجة ل مثيل لها منذ بروز مفهوم المن القومي للدولة ما بعد‬
‫الحرب العالمية الثانية"‪.‬‬

‫ومن خلل الندفاع "المريب" لغزو العراق‪ ،‬عارض الموظفون العاملون في إدارة‬
‫البنتاجون من المدنيين آلة الدعاية "الرهيبة" لدارة الرئيس بوش القائمة بالتنسيق‬
‫"الكامل" مع الستخبارات العسكرية‪ ،‬والتي سلطت الضوء على كل الذين رفضوا‬
‫السير في مغامرات الساسة "العسكرية" والعسكر "السياسية"‪.‬‬

‫وفي عام ‪ ،2002‬أنشأ مساعد وزير الدفاع المريكي دوغلس فايث‪ ،‬مكتب الخطط‬
‫الخاصة ‪ Office of Special Plans‬في البنتاجون‪ ،‬لتقديم "المعلومات‬
‫الضرورية" إلى واضعي السياسات في البيت البيض‪ ،‬وهذا لتخاذ الجراءات‬
‫اللزمة في أوقات الزمات والصراعات‪ .‬وعمد المكتب إلى اختلق "حوادث"‬
‫و"وقائع" كاذبة‪ ،‬باستخدام تقارير الستخبارات التي في الكثير من الحيان كانت‬
‫تقارير ملفقة‪ ،‬خاصة تلك التي تتعلق بالنظام العراقي ورئيسه الراحل صدام حسين‪.‬‬

‫وتمكن المكتب من إبراز قدرات العراق "المبالغ فيها" في تطوير أسلحة الدمار‬
‫الشامل وكأنها حقيقية‪ ،‬وعلقة صدام حسين بتنظيم القاعدة‪ ،‬من خلل التسريبات‬
‫المقصودة‪ ،‬استخدمت فيها وسائل العلم "المقربة" من الدارة المريكية بشكل‬
‫فضيع للمصادقة عليها وترويجها على النطاق العالمي‪.‬‬

‫العلم نور ‪Knowledge is Freedom -‬‬


‫‪My reading choices – Saleh A. Alsulaiman‬‬
‫متارات من قراءاتي‬
‫وانتقد روبيرت جيتس‪ ،‬مدير وكالة المخابرات المركزية السابق‪ ،‬الذي تولى وزارة‬
‫البنتاجون بعد استقالة دونالد رامسفيلد في نوفمبر ‪ ،2006‬هيمنة البنتاجون على‬
‫الستخبارات الذي انتقص من دورها المركزي الرئيسي في "الحرب على‬
‫الرهاب"‪ .‬وأعلن أنه بصدد إعطاء الستخبارات المريكية (‪ )CIA‬حرية أكبر في‬
‫التحرك بعيدا عن "بيروقراطية" البنتاجون و"رقابتها" الخانقة‪ ،‬لكنه لم يفعل‪.‬‬

‫‪ .5‬البنتاجون وإدارة الكوارث‪:‬‬

‫عندما اكتشف أصحاب القرار في واشنطن أن البنتاجون هو مفتاح الحل لمعظم‬


‫مشاكل العالم!!‪ ،‬حدثت أشياء كثيرة غريبة‪ .‬في الواقع‪ ،‬وفي سنوات حكم الرئيس‬
‫بوش‪ ،‬أصبح البنتاجون ـ بقدرة قادر ـ قوة التدخل الساسي الول في حالة الكوارث‬
‫من خلل مواجهة‪ :‬العاصير‪ ،‬الزوابع‪ ،‬الفيضانات‪ ،‬الضطرابات المدنية وتفشي‬
‫المراض المحتملة والممكنة‪ ،‬البيولوجية أو الكيماوية‪.‬‬

‫وفي عام ‪ ،2002‬وفي إشارة واضحة إلى "تسلل" البنتاجون في كل مفاصل الدولة‬
‫والمؤسسات القريبة منها‪ ،‬أنشأ الرئيس بوش القيادة العسكرية المحلية الولى منذ‬
‫الحرب الهلية المريكية (‪ ،)1865 - 1861‬القيادة الشمالية المريكية (‪US‬‬
‫‪ ،)Northern Command Northcom‬مهمتها‪" :‬العداد‪ ،‬الحماية‪ ،‬الردع‪ ،‬القيام‬
‫بإجراءات احترازية ووقائية‪ ،‬الدفاع‪ ،‬الرد على العدوان‪ ،‬مواجهة التهديدات‪ ،‬السيادة‪،‬‬
‫السكان‪ ،‬البنية التحتية‪ ،‬فضل عن إدارة الزمات وآثارها المحتملة‪. "...‬‬

‫وخلل السنوات الست الماضية‪ ،‬لم تشهد القيادة الشمالية المريكية (‪)Northcom‬‬
‫أي نجاح يذكر على الصعيد الداخلي أو الخارجي‪ ،‬سوى التوسع النظري الذي كان‬
‫في متناول اليد‪ .‬في البداية‪ ،‬أسندت القيادة إلى وزارة الدفاع من خلل أفرادها ‪1300‬‬
‫الموظفين‪ ،‬ولكن منذ ذلك الحين تحولت إلى قوة "كبيرة" مؤلفة من أكثر من ‪15000‬‬
‫فردا (القوة الضاربة)‪.‬‬

‫وحتى سياسة النتقاد التي انتهجها بعض السياسيين العلميين والخبراء العسكريين‪،‬‬
‫حول خطورة تعاظم الشأن "العسكري" و"الستخباراتي" لمثل هذه الجهزة على‬
‫حساب الحياة السياسية المدنية المريكية‪ ،‬لم يغير من المر شيئا‪.‬‬

‫فعلى سبيل المثال‪ ،‬في أبريل ‪ ،2008‬وعند مساءلة الحكومة المريكية عن أهمية‬
‫وجود هذا الجهاز‪ ،‬خلص التقرير إلى أن مكتب (‪ )Northcom‬فشل في التواصل‬

‫العلم نور ‪Knowledge is Freedom -‬‬


‫‪My reading choices – Saleh A. Alsulaiman‬‬
‫متارات من قراءاتي‬
‫بفعالية مع الدولة والزعماء المحليين أو وحدات الحرس الوطني‪ ،‬في حالة وقوع‬
‫أحداث مباشرة أو غير مباشرة متعلقة بمكافحة الرهاب والكوارث‪ ،‬وكيفية التعامل‬
‫معها‪.‬‬

‫والنتيجة‪ ،‬إعلن (‪ )Northcom‬أنها ستنشئ أول وحدة لها بحجم لواء من العسكريين‬
‫المدربين أحسن تدريب‪ ،‬لمساعدة السلطات المحلية على الستجابة للمخاطر‬
‫الكيميائية أو البيولوجية أو النووية التي تتهددها‪ .‬وفي انتظار ذلك‪ ،‬يبقى الجهاز‬
‫يستهلك المليير من الدولرات مصاريف يدفعها المواطن المريكي سنويا على شكل‬
‫ضرائب‪ ،‬الذي أصيب بالتخمة من انتشار العشرات من الجهزة المنية‬
‫والستخباراتية التي أثبتت عجزها في التصدي لهجمات ‪ ،11 / 9‬أو القضاء على‬
‫"الجماعات الرهابية" و"زعمائها" وعلى رأسها (القاعدة وبن لدن)‪.‬‬

‫بالمناسبة‪ ،‬هناك تسعة قيادات مقاتلة موحدة‪ .‬خمسة منها لها مسؤوليات إقليمية‪،‬‬
‫وأربعة لها مسؤوليات وظيفية‪ .‬القيادة المريكية في أوروبا (‪ )EUCOM‬تعتبر قيادة‬
‫مقاتلة إقليمية‪ ،‬مسؤولة على كل أوروبا‪ ،‬أغلب أفريقيا‪ ،‬وأجزاء في منطقة الشرق‬
‫الوسط‪ .‬القيادة الوروبية تخطط لحالت الطوارئ القليمية‪ ،‬وعندما يصدر لها‬
‫المر‪ ،‬تستخدم القوات العسكرية في المنطقة‪ ،‬إما كمقر مستقر للقو ¼ة المشتركة‪ ،‬أ»و عن‬
‫القوة المشتركة المتخصصة‪ )EUCOM( .‬هي القيادة المقاتلة القليمية‬ ‫طريق ½‬
‫الوحيدة التي تتوفر على مقر أمامي منتشر خارج الوليات المتحدة‪ .‬أما القيادات‬
‫المقاتلة الموحدة الخرى هي قيادة المحيط الهادي (‪ ،)PACOM‬القيادة الجنوبية (‬
‫‪ ،)SOUTHCOM‬القيادة المركزية (‪ ،)CENTCOM‬القيادة الشمالية (‬
‫‪ ،)NORTHCOM‬قيادة العمليات الخاص½ ة (‪ ،)SOCOM‬القيادة الستراتيجية (‬
‫‪ ،)STRATCOM‬قيادة القوات المشتركة (‪ ،)JFCOM‬وقيادة النقل (‬
‫‪.)TRANSCOM‬‬

‫وأكثر من أي شيء آخر‪ ،‬منحت (‪ )Northcom‬البنتاجون الفرصة الذهبية للتحرك‬


‫بقوة في مناطق الكوارث المحلية التي سبق تناولها أو معالجتها من قبل الحكومة‬
‫الوطنية وحكومات الوليات والسلطات المدنية المحلية‪.‬‬

‫فعلى سبيل المثال ل الحصر‪ ،‬نائب مدير (‪ ،)Northcom‬العميد روبرت فلدمان‪،‬‬


‫يفتخر بقيادته الجهاز‪ ،‬وأن الوليات المتحدة الن أصبحت ـ فعل ـ "مقياس التزامن‬
‫والتنسيق العالميين" (‪.)the global synchronizer the global coordinator‬‬

‫العلم نور ‪Knowledge is Freedom -‬‬


‫‪My reading choices – Saleh A. Alsulaiman‬‬
‫متارات من قراءاتي‬
‫كما أن (‪ )Northcom‬تستضيف الن المؤتمرات السنوية الخاصة بـ "العاصير"‬
‫إعدادا وتمويل‪ ،‬حتى ل تتكرر فضيحة ومأساة كاترينا في المستقبل أو الحالت‬
‫الشبيهة بها "من أجل إنقاذ الرواح وتقليل المعاناة وحماية البنية التحتية"‪.‬‬

‫وبطبيعة الحال‪ ،‬وفي الوقت الحاضر‪ ،‬حصل البنتاجون على الموال الكافية التي كان‬
‫يمكن أن تنفق في مجالت أخرى‪ ،‬يحتاجها المواطن المريكي أكثر من أي وقت‬
‫مضى‪ ،‬خاصة إذا أخذنا بعين العتبار أن مكتب الحصاء المريكي في تقرير له في‬
‫أن عدد المريكيين الذين يعيشون في حالة‬‫شهر أغسطس من العام ‪2007‬م‪ ،‬أعلن ½‬
‫فقر في أمريكا بلغ العام ‪ 2006‬الرقم ‪ 36.5‬مليون نسمة‪ ،‬وذلك بواقع يزيد بـ ‪5‬‬
‫مليون نسمة عن الرقم المسجل للعام ‪.2000‬‬

‫وقد فشل الرئيس بوش في تحقيق أي تق ½دم ملموس في هذا الطار‪ ،‬بل على العكس‪،‬‬
‫فمعدلت الفقر اليوم في عهدته أسوء مما كانت عليه قبل ست سنوات مع زيادة ‪4.9‬‬
‫مليون فقير في العام ‪ 2006‬عن الرقم المحقق العام ‪2000‬م‪.‬‬

‫وعلى سبيل المثال‪ ،‬قدرت الجمعية المريكية للمهندسين المدنيين (‪The American‬‬
‫‪ ،)Society for Civil Engineers‬على سبيل المثال‪ ،‬أن المة المريكية‪ ،‬بحاجة‬
‫ماسة إلى مبلغ قدره ‪ 1،6‬تريليون دولر لقامة البنية الساسية لحماية المواطن‪ ،‬و‬
‫‪ 320‬مليار دولر في السنوات الخمس القادمة‪ .‬فتقييم شبكات المياه والطرق‬
‫والجسور والسدود والمباني على الصعيد الوطني‪ ،‬أصبح يعاني من الهمال ول‬
‫مبالة المسؤولين‪ ،‬وهو ما دفع جمعية المهندسين إلى إعطاء درجة (‪ )C‬و(‪،)D‬‬
‫وتعني درجة متوسط وتحت المتوسط‪.‬‬

‫وفي غضون ذلك‪ ،‬وأثناء مأساة إعصار كاترينا "المدمر"‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬تم نقل‬
‫الجيش المريكي من خلل النزال الرضى في ‪ 29‬أغسطس ‪ .2005‬وقد أمر‬
‫الرئيس بوش في ‪ 2‬سبتمبر ‪2005‬م‪ ،‬القوات المنتشرة في نيو اورليانز‪ ،‬بالتحرك‬
‫وتنسيق الجهود ليصال الغذاء والماء‪ ،‬والتصدي لكل من يعبث بالمن الداخلي أو‬
‫يقوم بالنهب أو استعمال العنف‪ .‬في وقت لحق‪ ،‬وبعد أقل من شهر‪ ،‬طالب بوش‬
‫الكونجرس المريكي تحويل المسؤولية الرئيسية عند وقوع الكوارث الكبرى في‬
‫المستقبل من حكومات الوليات ووزارة المن الوطني إلى البنتاجون مباشرة‪.‬‬

‫وبعد شهر‪ ،‬عرض بوش ـ مرة أخرى ـ رؤيته "المنية" من خلل تمكين الجيش من‬
‫القيادة والتحكم في القضايا الكبرى‪ ،‬العسكرية والنسانية‪ ،‬وهذه المرة عن طريق‬

‫العلم نور ‪Knowledge is Freedom -‬‬


‫‪My reading choices – Saleh A. Alsulaiman‬‬
‫متارات من قراءاتي‬
‫البوابة العالمية‪ ،‬بعد أن أبدى مخاوفه من تفشى فيروس انفلونزا الطيور وانتشاره‬
‫الواسع‪.‬‬

‫واقترح في سبيل ذلك فرض الحجر الصحي واحترامه (عنوة)‪ ،‬كأحد الخيارات‬
‫المطروحة وذلك بـ"استخدام القوات العسكرية القادرة على التخطيط والتحرك‬
‫والمبادرة"‪.‬‬

‫ورغم كون إدارة بوش غارقة بالفعل تحت وطأة امتداداتها الخارجية‪ ،‬واستنزافها في‬
‫حربين كبيرتين‪ ،‬في أفغانستان والعراق‪ ،‬وتورطها في حرب كونية ضد شبح خطير‬
‫اسمه "الرهاب الدولي"‪ ،‬وإبراز العضلت ضد العدو الصديق‪ ،‬روسيا‪ ،‬واستعمال‬
‫لغة العصا والجزرة مع الصين‪ ،‬وإيعاز بوش بدور أكبر للجيش للتدخل أثناء‬
‫الكوارث الطبيعية وتفشي الوبئة‪ ،‬أسال الماء البارد على رأس الكونجرس‬
‫والسياسيين وحتى العسكريين المريكيين الذين رأوا في هذا القتراح تجاوز للطر‬
‫التنظيمية والقانونية التي من أجلها تم إنشاء الجيوش‪.‬‬

‫وإن عرض الحل "العسكري" باعتباره الحل المثل لمعالجة الكوارث الطبيعية‬
‫والوبئة‪ ،‬يعني زيادة ميزانية البنتاجون "المتخمة" على حساب باقي الميزانيات‬
‫الخرى "الهزيلة" المتصلة بالقطاعات الخدمية‪ ،‬التي تسيرها الهيئات والجهات‬
‫المختصة أكثر من غيرها في التصدي للكوارث والوبئة بالطرق السلمية والعلمية‬
‫والحضارية‪ ،‬وبأقل التكاليف والخسائر البشرية والمادية‪ .‬ومن غير المحتمل‪ ،‬مع‬
‫ذلك‪ ،‬أن تكتفي (‪ )Northcom‬بركوب قطار المال فقط‪ ،‬أو يكتنفها غياهب النسيان‬
‫بهدوء في السنوات القادمة‪ ،‬ما دام القرار السياسي الرسمي يصب في عسكرة‬
‫"الكوارث الطبيعية" وأمننة "الوبئة"‪.‬‬

‫‪ .6‬البنتاجون والرعاية النسانية في الخارج‪:‬‬

‫وكانت الوكالة المريكية للتنمية الدولية (‪Agency for International‬‬


‫‪ )Development‬ووزارة الخارجية تتصديان تقليديا للمهام النسانية خلل وقوع‬
‫الكوارث الطبيعية في الخارج‪ ،‬والتجاوب مع المتطلبات النية الساسية؛ ولكن‪ ،‬من‬
‫أمواج تسونامي في اندونيسيا (‪ 250‬ألف قتيل) إلى إعصار "نرجس" بميانمار‬
‫الخير (‪ 80‬ألف قتيل)‪ ،‬مرورا بعشرات الدول المصابة‪ ،‬تحولت الكوارث الطبيعية‬
‫إلى أرض خصبة للتدخلت‪ ،‬وفرص مواتية لـ"إرسال المزيد من المارينز"‪،‬‬
‫فالبنتاجون وبشكل متزايد تناول موضوع التخطيط النساني‪ ،‬للحصول على حصة‬

‫العلم نور ‪Knowledge is Freedom -‬‬


‫‪My reading choices – Saleh A. Alsulaiman‬‬
‫متارات من قراءاتي‬
‫اكبر من أي وقت مضى من دولرات الوليات المتحدة المخصصة للبعثات النسانية‬
‫في الخارج‪.‬‬

‫من كينيا إلى أفغانستان‪ ،‬من الفلبين إلى بيرو‪ ،‬من كوسوفو إلى العراق‪ ،‬فإن المؤسسة‬
‫العسكرية المريكية تقوم‪ ،‬وبصورة منتظمة‪ ،‬ببناء المدارس وعيادات طب السنان‪،‬‬
‫وإصلح الطرق والجسور‪ ،‬وتقديم يد المساعدة إلى الطفال المرضى‪ ،‬وتوزيع‬
‫المساعدات النقدية والغذائية‪ ،‬والقيام بجميع المسؤوليات المدنية التي تفرضها الحاجة‪.‬‬

‫المركز المريكي من أجل التنمية الشاملة (‪The Center for Global‬‬


‫‪ )Development‬يعترف أن حصة البنتاجون في "المساعدة النمائية الرسمية"‪،‬‬
‫ليس من أجل "كسب القلوب والعقول" أو "بناء المة"‪ ،‬بل لغراض خفية وعلنية‬
‫أخرى‪ ،‬وقد ارتفع معدل المساعدات التي تحصلت عليها المؤسسة العسكرية من ‪?6‬‬
‫إلى ‪ ?22‬بين عامي ‪ 2002‬و ‪.2005‬‬

‫فالبنتاجون استفاد أكثر من اللزم من أموال التنمية مقارنة بكل المنظمات غير‬
‫الحكومية والجهزة المحلية والوكالت المدنية‪ ،‬في حين أن فاتورة العمليات‬
‫العسكرية في العراق‪ ،‬وأفغانستان‪ ،‬وفيما وراءهما‪ ،‬وما بعدهما‪ ،‬قد تعطي دفعة من‬
‫الوكسجين للتنمية المحلية والوطنية في الوليات المتحدة المريكية لمدة قرن من‬
‫الزمن‪ ،‬على القل‪.‬‬

‫وعلى الرغم من محدودية تحويل قوة عسكرية مدربة على القتل والتدمير إلى كادر‬
‫مسالم من مقدمي الرعاية الصحية والنسانية‪ ،‬فإن مشروع البنتاجون العسكري ‪-‬‬
‫النساني حصل على انطلقة كبيرة بعد أن تم الستيلء على نقود صدام حسين في‬
‫خزائنه السرية‪ .‬وقد استغلت بعض القيادات المريكية المحلية في العراق هذه الموال‬
‫لستخدامها عند التعامل مع الحتياجات الفورية خلل المعارك في صفقات مختلفة‬
‫أشهر بعد سقوط بغداد في ابريل ‪ .2003‬والذي كان في البداية مجرد مشروع غير‬
‫رسمي وطارئ‪ ،‬أصبح له الن اسم رسمي ـ قائد برنامج التدخل في حالت الطوارئ‬
‫(‪ ،)he Commander Emergency Response Program‬وهو حاليا بند في‬
‫ميزانيه البنتاجون السنوية‪.‬‬

‫وعند مثوله أمام مجلس النواب "لجنة الموازنة" في الصيف الماضي‪ ،‬أبلغ نائب‬
‫وزير الدفاع المريكي‪ ،‬غوردون أنجلند‪ ،‬أن (‪" )CERP‬مبادرة فعالة بصفة خاصة‬
‫"‪ ،‬موضحا أن البرنامج يوفر بصفة "محدودة " النقود عند الحاجة‪ ،‬إل أن رؤوس‬
‫الموال تبقى متاحة على الفور للقيادات العسكرية‪.‬‬

‫العلم نور ‪Knowledge is Freedom -‬‬


‫‪My reading choices – Saleh A. Alsulaiman‬‬
‫متارات من قراءاتي‬
‫وفي الواقع‪ ،‬وإذا تتبعنا الوقائع الميدانية لم يقدم البنتاجون عمل إنسانيا بصورة جيدة‪.‬‬
‫في أفغانستان‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬انخفض إجمالي المساعدات الغذائية الملقاة من قبل‬
‫الطائرات المريكية على السكان في القاليم الفغانية الشاسعة ـ وهى على نفس لون‬
‫الذخائر العنقودية ـ مما كان من قبل؛ بينما المدارس والمستوصفات التي بنيت في‬
‫كثير من الحيان ـ على عجالة ـ ودون تخطيط سليم لتأمين حمايتها من طرف القوات‬
‫المريكية أصبحت أهدافا سهلة للمتمردين حتى قبل أن يتمكنوا من استعمالها‪.‬‬

‫وفي العراق‪ ،‬وزع البنتاجون أموال إلى المجموعات الطائفية المتناحرة ـ سنية أو‬
‫شيعية ـ القصد منها تحصيل البنزين والمولدات الكهربائية وشراء الدوية والغذاء‪،‬‬
‫واتضح فيما بعد انه وبنفس السهولة أنفقت أيضا في شراء المتفجرات والبنادق‬
‫الوتوماتيكية (‪ )AK-47s‬من طرف هذا الفصيل السني أو ذاك الشيعي‪.‬‬

‫‪ .7‬البنتاجون وشمولية الحكم والولية على البشر‪:‬‬

‫في سنوات بوش الخيرة‪ ،‬انتهى البنتاجون من تقسيم العالم إلى فرق عسكرية‬
‫"مأمورة"‪ ،‬والتي لها الصفة العملية والميدانية‪ .‬بالتأكيد‪ ،‬حتى قبل ‪ ، 11 / 9‬كان من‬
‫الصعب تصور مكان على الكرة الرضية توجد فيه الوليات المتحدة دون وجود‬
‫عسكري واضح لها‪ ،‬حتى في المنظور القريب‪.‬‬

‫قارة إفريقيا مؤهلة هي أيضا ـ إلى حد كبير ـ للستئناس بالوجود المريكي في‬
‫أراضيها‪ ،‬من خلل القيادة العسكرية المريكية في أفريقيا والمعروفة باسم (أفريكوم‬
‫‪ ،)AFRICOM-‬والتي ستصبح جاهزة للعمل بمشاركة ألف جندي أمريكي بحلول‬
‫سبتمبر ‪ ،2008‬على أن تكون مسؤولة عن كل الدول الفريقية باستثناء مصر‪ .‬وعلى‬
‫الرغم من عدم وجود دولة أفريقية واحدة تمثل تهديد‪Ã‬ا مباشرا للوليات المتحدة‪ ،‬إل أن‬
‫واشنطن تشعر بالقلق من تنامي نشاط تنظيم القاعدة والجماعات "الرهابية" الخرى‬
‫في كافة أنحاء أفريقيا‪..‬‬

‫ومع أن إنشاء (‪ ،)Northcom‬كان بالنسبة إلى البنتاجون أكثر من ضرورة‬


‫إستراتيجية وقومية‪ ،‬إل أن إنشاء الوليات المتحدة المريكية قيادة الـ (‬
‫‪ )AFRICOM‬رسميا في عام ‪2008‬م‪ ،‬مل فراغا في رقعة جغرافية هامة على‬
‫الخريطة العالمية (حسب ما تروجه الدارة المريكية)‪.‬‬

‫العلم نور ‪Knowledge is Freedom -‬‬


‫‪My reading choices – Saleh A. Alsulaiman‬‬
‫متارات من قراءاتي‬
‫وقد أشارت وثيقة من الوثائق العسكرية الرئيسية المهمة‪" ،‬إستراتيجية المن القومي‬
‫للوليات المتحدة ‪ "2006‬إلى هذا التحرك‪ ،‬مؤكدة أن "إفريقيا تحمل أهمية متزايدة‬
‫من الناحية الجغرافيا الستراتيجية‪ ،‬وهي ذات أولوية عالية مع هذه الدارة"‪.‬‬
‫(وأهمها‪ :‬النفط وغير ذلك من مواد الخام الرئيسية)‪.‬‬

‫وفي غضون ذلك‪ ،‬تضاعف التمويل العسكري الجنبي‪ ،‬حيث حصلت إفريقيا وفي‬
‫إطار برنامج المساعدات العسكرية المريكية على أكبر حصة‪ ،‬وهي ‪ 20‬مليون‬
‫دولر بعد أن كانت ‪ 10‬مليين دولر‪ ،‬بين عامي ‪ 2000‬و ‪ ،2006‬وعدد البلدان‬
‫المستفيدة انتقل من ‪ 2‬إلى ‪ 14‬دولة‪ .‬أما بخصوص التدريبات العسكرية‪ ،‬ارتفع‬
‫التمويل بنسبة ‪ ?35‬في نفس الفترة (حيث انتقلت من ‪ 8,1‬مليون دولر إلى ‪ 11‬مليون‬
‫دولر)‪ .‬والن‪ ،‬يتم تدريب عناصر وأفراد الجيش من ‪ 47‬دولة إفريقية من طرف‬
‫الوليات المتحدة المريكية‪.‬‬

‫ومن حيث التخطيط‪ ،‬تمكن البنتاجون من جمع القارة الفريقية لول مرة في قيادة‬
‫موحدة (‪( .)AFRICOM‬ما عدا مصر ظلت تحت رعاية الوليات المتحدة من‬
‫خلل القيادة المركزية) ووفقا لبوش‪ ،‬فإن ذلك "يعزز جهودنا لحلل السلم والمن‬
‫لشعوب إفريقيا وترويج أهدافنا المشتركة للتنمية والصحة والتعليم والديمقراطية‬
‫والنمو القتصادي في إفريقيا "‪.‬‬

‫في أغسطس ‪ ،2006‬وبناء على وثائق سابقة‪ ،‬مثل وثيقة "الوليات المتحدة القيادة‬
‫الفضائية رؤية لعام ‪ ،"2020‬التي دعت إلى سياسة "الهيمنة الكاملة"‪ ،‬أزاحت إدارة‬
‫بوش النقاب عن "سياسة الفضاء الوطنية"‪ .‬ودعت إلى توسيع سيطرة الوليات‬
‫المتحدة على موارد الفضاء الخارجية والدفاع عنها‪ ،‬وأيدت "حق النسان في الفضاء‬
‫دون عائق"‪ ،‬وهذا بموجب اتفاقيات دولية تمنع تسليح الفضاء‪ .‬وتتضمن الوثيقة أيضا‬
‫"أن حرية العمل والحركة في الفضاء هي من الهمية للوليات المتحدة بوصفها القوة‬
‫الجوية والبحرية المسيطرة على العالم"‪.‬‬

‫وكما جاء في الوثيقة أنفة الذكر‪" ،‬في القرن الجديد (‪ ،)21‬الذين يستعملون الفضاء‬
‫على نحو فعال سيتمتعون بالرخاء والمن‪ ،‬وسيمتلكون ميزة أكبر مقارنة بغيرهم‬
‫الذين امتنعوا عن الستفادة من الفضاء الخارجي"‪( .‬ومما ل شك فيه‪ ،‬فإن زعماء‬
‫الصين وروسيا والهند والدول الرئيسية الخرى قد يكونوا استمعوا إلى هذه النصيحة‬
‫المريكية من "ذهب" فانطلقوا بدورهم إلى غزو الفضاء والستفادة من موارده)‪.‬‬

‫العلم نور ‪Knowledge is Freedom -‬‬


‫‪My reading choices – Saleh A. Alsulaiman‬‬
‫متارات من قراءاتي‬
‫في هذه اللحظة‪ ،‬تمتلك إدارة بوش الخطط اللزمة للحصول على الموارد المخصصة‬
‫لتكنولوجيا السلحة الفضائية‪ .‬ومع إعلن الميزانية‪ ،‬خصص الرئيس بوش ما يقرب‬
‫من مليار دولر لبرامج نشر السلحة في الفضاء الخارجي‪.‬‬

‫أخيرا‪ ،‬وعلى كل حال‪ ،‬سبع سنوات وأربعة أشهر من أيام بوش في الرئاسة‪ ،‬مكنت‬
‫البنتاجون من توطيد أركانه وتعميق جذوره في واشنطن (عاصمة العالم) مع رغبة‬
‫جامحة في العدوانية والتوسع والستغلل والسيطرة‪ .‬البنتاجون‪ ،‬وبالمختصر‬
‫المفيد‪ ،‬هو المؤسسة الدستورية الوحيدة المهمة التي فلتت من الرقابة والضوابط‬
‫وتوازنات المة المريكية (إنه الستنتاج الذي خلص إليه معهد ‪the New‬‬
‫‪.)America Foundation's Arms and Security Initiative‬‬

‫العلم نور ‪Knowledge is Freedom -‬‬

You might also like