Professional Documents
Culture Documents
Alsulaiman
متارات من قراءاتي
ومن المؤكد أن بوش يريد من خليفته مواجهة تحديات الحروب والحرمان ،هذا من
جانب ،ومن جانب آخر فإن تهاوي صورة الوليات المتحدة في نظر العالم عموما،
والعرب والمسلمين خصوصا ،بعد استباحة "الجزمة الخشنة" (العسكر) كل
المحرمات ،واعتراف النخب المريكية بالخلل الذي أصاب الفكر والوجدان
المريكي ،الذي قام على تقديس "الحرية الفردية والجماعية" و"البداع الخلب"
و"الحياة النسانية" ،وسيكون تحديا آخر للرئيس المريكي الجديد في محاولة لتحسين
الصورة المريكية "البشعة" في العالم.
الهجمات التي وقعت في 11سبتمبر ،2001انتهت بحسم تلك المناقشة الحادة ـ نهائيا
ـ لصالح التيار المتشدد في الدارة المريكية ،من المحافظين الجدد ،خصوصا
العسكريين منهم ،ومراكز اتخاذ القرار المعتمدة على التمويل العسكري .إدارة
الرئيس بوش ـ وعلى الفور ـ أعلنت الحرب الشاملة على كل الجبهات ضد الشعوب،
اليديولوجيات ،وقبل كل شيء" ،الرهاب" (وهو تكتيك الضعفاء حسب بعض
الخبراء العسكريين).
وإن غاية ما تمخض من شهر سبتمبر ،كحادث مأساوي غير وجهة العالم ،وكما جاء
في تصريحات المسؤولين في الدارة ،من خلل المعلومات التي تسربت ،أن إدارة
بوش كانت على استعداد تام لضرب "أهداف" ما يربو عن 60دولة ،إضافة إلى
الحركات ،التي تصفها "إرهابية" ،النشطة المنتشرة في أصقاع العالم.
في عام 2002م ،أكد رسميا وزير الدفاع المريكي (السابق) دونالد رامسفيلد عن
الموقف العسكري المريكي الجديد ،من خلل هذا الستعداد ،الذي هو في حد ذاته،
ل يخرج عن نطاق نظرية "الهجوم والهجوم دائما" (الخرب الستباقية) ،وهو
المطلوب عسكريا في الوقت الحالي .وقد دعا الوزير إلى اختزال إستراتيجية الدفاع
المريكية الحالية من خلل العتماد على خطة ( ،)1-2-4-1وهي إستراتيجية
عسكرية معروفة (تدرس في الكاديميات العسكرية المريكية) تقوم على مفهوم
الحساب أو العلمة العددية التالية ،1-2-4-1 :ويعني هذا باختصار شديد أن العدد
الول ( )1يمثل خط الدفاع عن الراضي المريكية.
ويليه بعد ذلك العدد ( )4الذي يمثل القدرة على ردع العمال العدائية التي يكون
مصدرها "المناطق الربعة الحرجة" في الرقعة الجغرافية السياسية العالمية
(أوروبا ،شمال شرق آسيا ،شرق آسيا ،والشرق الوسط) ،ومن ثم إلحاق الهزيمة في
اثنين من العداء في وقت واحد وهو ما يمثله العدد ( ،)2وإمكانية التدخل الحاسم ـ
في نفس الوقت ـ عند هزيمة واحدة محتملة ،ويشير إليه العدد الخير (( .)1بدل من
خطة الرئيس السبق ـ المتواضعة جدا ـ ،بيل كلينتون ،التي تعتمد على الستعداد التام
لخوض حربين رئيسيتين (في الشرق الوسط وشمال شرق آسيا) في وقت واحد فقط).
يتفق الكل على أن الميزانية الساسية للبنتاجون ضخمة وبكل المقاييس ،ول يمكن
بأي حال من الحوال مقارنتها بميزانيات باقي المؤسسات الخرى .فمع 300مليار
دولر ميزانية الوزارة عندما تولى بوش الرئاسة في ،2000تضاعف الرقم مرتين
تقريبا .أما بالنسبة للسنة المالية ، 2009فان الميزانية العادية ـ دون الضافية ـ
للبنتاجون ستبلغ ما يقرب من 541مليار دولر (بما في ذلك الميزانية المخصصة
للرؤوس الحربية النووية ،والمفاعلت البحرية في وزارة الطاقة).
وفي هذا الطار ،ترأست إدارة بوش واحدة من أكبر التعزيزات "النظامية" العسكرية
في تاريخ الوليات المتحدة قاطبة .وإذا كانت التكاليف المباشرة للحروب في العراق
وأفغانستان ،فضل عن "الحرب على الرهاب" ،هي من العوامل المؤثرة في
إستراتيجية "الدفاع" إل أن النفاق تضاعف ثلثة مرات مقارنة بالمؤشرات التي
كانت سائدة من قبل.
وفي عموده الخاص في مجلة "نيويورك تايمز" ،وصف بوب هيربرت ضخامة
التكاليف العسكرية ،وميزانية البنتاجون بتمثيلها وكأنها كومة من الفواتير تقريبا
بارتفاع ست بوصات بقيمة 1مليون دولر؛ أو ككومة من 1مليار دولر مرتفعة
فمجموع ميزانية البنتاجون يمثل مجموع ما ينفق في التعليم ،وحماية البيئة ،وإدارة
العدالة وملحقاتها (سجون ،أعوان ،تسليح ،)...والفوائد المالية والخدمية المقدمة إلى
المحاربين القدماء ،والمساعدة في مجال السكان ،والنقل ،والتدريب والتأهيل
المهنيين في العمل ،والزراعة ،والطاقة ،والتنمية القتصادية.
عارضت إدارة بوش مرارا وتكرارا مناقشة قراراتها بخصوص دعم ميزانية
البنتاجون .ول غرابة ،إذن ،إذا كان جدول أعمال البيت البيض في مجالت السياسة
الخارجية ،وبصورة متزايدة ،يضعه الفريق العسكري المقرب من الرئيس بوش .ومع
ميزانية عسكرية 30مرة أكثر من جميع عمليات إدارة شؤون الدولة غير العسكرية
والمعونة الجنبية معا ،انتهج البنتاجون سياسة المزاوجة بين الدبلوماسية والعسكرية،
والعسكرية والدبلوماسية في آن واحد ،وفي أهم المعاقل السياسية التقليدية ـ
الدبلوماسية والتنمية ـ وهي الزدواجية المعتمدة حاليا في الجزء الكبير من عمل
البنتاجون.
ومنذ أواخر القرن الثامن عشر ،كان السفير المريكي ينظر إليه في أي بلد من بلدان
العالم على أنه الممثل الشخصي للرئيس ،المسؤول عن ضمان السياسة الخارجية
المريكية وبلوغ الهداف المقررة .وكما أوضح أحد السفراء بالقول إن" :القاعدة هي
كالتالي :إذا كنت في البلد المضيف ،أنت تعمل للسفير .وإذا كنت ل تعمل للسفير ،لن
تحصل على ترخيص البلد المضيف".
أما في عهد الرئيس بوش ،فان البنتاجون قد نقض هذا النموذج .ووفقا لتقرير من
الكونغرس صادر بتاريخ ،2006للسيناتور ريتشارد لوغار ،تحولت السفارات من
دورها الدبلوماسي المعتاد ،إلى مناصب قيادية في حملة مكافحة الرهاب ،وشعر
الموظفون المدنيون في العديد من السفارات في الخارج أن سفاراتهم أصبحت مرتعا
للعسكريين وأعوان المخابرات العسكرية أو المدنية ،وأنهم أصبحوا خاضعين للوامر
العسكرية ،وأن ل قرار لهم في تسيير شؤون السفارة أو القنصليات التابعة لهم.
وفي السياق العام ،يحتفظ البنتاجون دائما على دورته البيروقراطية المبريالية من
حيث "التعاون المشترك بين مختلف المؤسسات" .فعلى سبيل المثال ،في العام
الماضي نشرت القيادة الجنوبية المريكية US Southern Command
SOUTHCOMإستراتيجية القيادة لـ ،2016وهي الوثيقة التي حددت الفقر
والجريمة والفساد على أنها مفاتيح "المن" للمشاكل في أمريكا اللتينية .واقترحت
الوثيقة أن تتولى القيادة الجنوبية المريكية ( ،)SOUTHCOMحماية المن ،وأن
تكون في الواقع "الفاعل والممثل المركزي في التصدي للمشاكل القليمية "...في
حين ،كان المر في السابق ،من مهام المؤسسات والوكالت المدنية.
عموما ،يتبع البنتاجون هذا النمط على الصعيد العالمي منذ عام .2001ولكن ماذا
تعني عبارة "التعاون" في كيان واحد عندما ينظر إلى الخرين ـ أي المدنيين ـ على
أنهم أقزام وأن الموارد المالية وصناع القرار ،ما هم إل غطاء سياسي للعسكر ،في
حين ،أن تنامي المفاهيم "المنية" على حساب المفاهيم "السياسية" أصبح يشكل
ناقوس الخطر في السياسة المريكية القادمة إذا لم يتم التراجع عنها في الوقت
المناسب.
في سنوات بوش الثمانية تقريبا وهو على سدة الحكم ،زاد دور ونفوذ البنتاجون بقوة
في التجارة بالسلح على كوكب الرض .وأصبح يضخ السلح للبيع في كل مكان
يمكن أن يصل إليه النسان ،حيث قد يتحول في المستقبل القريب إلى زارع الحروب
والفتن ،ومثير الصراعات القليمية والعالمية.
وبالمقارنة مع التاجر الثاني للسلحة في العالم ،روسيا ،فإن سجله هزيل نسبيا
بمجموع 5،8مليار دولر ،ما يزيد قليل عن ثلث مجموع السلحة المريكية .أما
حليف الوليات المتحدة المريكية ،بريطانيا العظمى ،فتحتل المرتبة الثالثة عالميا في
تجارة السلح بمجموع 3،3مليار دولر ،والدول الثلث تمثل لوحدها ما نسبته
%85من السلحة التي بيعت في تلك السنة ،وأكثر من %70من هذا السلح ذهب
إلى الدول النامية أو السائرة في طريق النمو.
وفي هذا الصدد ،يمتنع البنتاجون من أن يقدم تقريرا وافيا لمبيعاته من السلح ،رغم
الخطار بمبيعات السلحة الصادر عن البنتاجون من الوكالة Defense Security
،Cooperation Agencyوخلل شهر مايو من عام 2008م ،أصدرت الوكالة (
)DISCبالفعل أكثر من 9.1مليار دولر من مبيعات السلحة ،ومنها المشمول
بإخطار الوكالة بما في ذلك "القنبلة الذكية" إلى المملكة العربية السعودية ،وصواريخ
( )TOWإلى الكويت ،وطائرات ( )F-16إلى رومانيا ،وطائرات الهليكوبتر (
)Chinookإلى كندا.
وللحفاظ على ميزة التفوق في سوق السلح ،ل يتوقف البنتاجون عن تكثيف
ضغوطاته على الجميع لبيع السلح في الخارج .ولهذا السبب ،وعلى الرغم من
الكسر الذي أصابه في الكتف ،لم يتوقف وزير الدفاع جيتس عن السفر إلى كل
مناطق العالم في فبراير الماضي ،من أجل بيع السلحة وأنظمتها المختلفة إلى بلدان
مثل الهند واندونيسيا ،أهم أسواق بيع السلح في العالم.
ومن المتعارف عليه أن ميزانية الستخبارات سرية ،ولكن المحللين أشاروا إلى أن
مجموع النفاق ألستخباراتي بلغ نحو 26مليار دولر قبل عقد من الزمن .وبعد / 9
،11ضخ الكونغرس الكثير من الموال الجديدة إلى المخابرات .وبحلول عام ،2003
ارتفع مجموع ميزانية الستخبارات إلى أكثر من 40مليار دولر.
ومن خلل الندفاع "المريب" لغزو العراق ،عارض الموظفون العاملون في إدارة
البنتاجون من المدنيين آلة الدعاية "الرهيبة" لدارة الرئيس بوش القائمة بالتنسيق
"الكامل" مع الستخبارات العسكرية ،والتي سلطت الضوء على كل الذين رفضوا
السير في مغامرات الساسة "العسكرية" والعسكر "السياسية".
وفي عام ،2002أنشأ مساعد وزير الدفاع المريكي دوغلس فايث ،مكتب الخطط
الخاصة Office of Special Plansفي البنتاجون ،لتقديم "المعلومات
الضرورية" إلى واضعي السياسات في البيت البيض ،وهذا لتخاذ الجراءات
اللزمة في أوقات الزمات والصراعات .وعمد المكتب إلى اختلق "حوادث"
و"وقائع" كاذبة ،باستخدام تقارير الستخبارات التي في الكثير من الحيان كانت
تقارير ملفقة ،خاصة تلك التي تتعلق بالنظام العراقي ورئيسه الراحل صدام حسين.
وتمكن المكتب من إبراز قدرات العراق "المبالغ فيها" في تطوير أسلحة الدمار
الشامل وكأنها حقيقية ،وعلقة صدام حسين بتنظيم القاعدة ،من خلل التسريبات
المقصودة ،استخدمت فيها وسائل العلم "المقربة" من الدارة المريكية بشكل
فضيع للمصادقة عليها وترويجها على النطاق العالمي.
وفي عام ،2002وفي إشارة واضحة إلى "تسلل" البنتاجون في كل مفاصل الدولة
والمؤسسات القريبة منها ،أنشأ الرئيس بوش القيادة العسكرية المحلية الولى منذ
الحرب الهلية المريكية ( ،)1865 - 1861القيادة الشمالية المريكية (US
،)Northern Command Northcomمهمتها" :العداد ،الحماية ،الردع ،القيام
بإجراءات احترازية ووقائية ،الدفاع ،الرد على العدوان ،مواجهة التهديدات ،السيادة،
السكان ،البنية التحتية ،فضل عن إدارة الزمات وآثارها المحتملة. "...
وخلل السنوات الست الماضية ،لم تشهد القيادة الشمالية المريكية ()Northcom
أي نجاح يذكر على الصعيد الداخلي أو الخارجي ،سوى التوسع النظري الذي كان
في متناول اليد .في البداية ،أسندت القيادة إلى وزارة الدفاع من خلل أفرادها 1300
الموظفين ،ولكن منذ ذلك الحين تحولت إلى قوة "كبيرة" مؤلفة من أكثر من 15000
فردا (القوة الضاربة).
وحتى سياسة النتقاد التي انتهجها بعض السياسيين العلميين والخبراء العسكريين،
حول خطورة تعاظم الشأن "العسكري" و"الستخباراتي" لمثل هذه الجهزة على
حساب الحياة السياسية المدنية المريكية ،لم يغير من المر شيئا.
فعلى سبيل المثال ،في أبريل ،2008وعند مساءلة الحكومة المريكية عن أهمية
وجود هذا الجهاز ،خلص التقرير إلى أن مكتب ( )Northcomفشل في التواصل
والنتيجة ،إعلن ( )Northcomأنها ستنشئ أول وحدة لها بحجم لواء من العسكريين
المدربين أحسن تدريب ،لمساعدة السلطات المحلية على الستجابة للمخاطر
الكيميائية أو البيولوجية أو النووية التي تتهددها .وفي انتظار ذلك ،يبقى الجهاز
يستهلك المليير من الدولرات مصاريف يدفعها المواطن المريكي سنويا على شكل
ضرائب ،الذي أصيب بالتخمة من انتشار العشرات من الجهزة المنية
والستخباراتية التي أثبتت عجزها في التصدي لهجمات ،11 / 9أو القضاء على
"الجماعات الرهابية" و"زعمائها" وعلى رأسها (القاعدة وبن لدن).
بالمناسبة ،هناك تسعة قيادات مقاتلة موحدة .خمسة منها لها مسؤوليات إقليمية،
وأربعة لها مسؤوليات وظيفية .القيادة المريكية في أوروبا ( )EUCOMتعتبر قيادة
مقاتلة إقليمية ،مسؤولة على كل أوروبا ،أغلب أفريقيا ،وأجزاء في منطقة الشرق
الوسط .القيادة الوروبية تخطط لحالت الطوارئ القليمية ،وعندما يصدر لها
المر ،تستخدم القوات العسكرية في المنطقة ،إما كمقر مستقر للقو ¼ة المشتركة ،أ»و عن
القوة المشتركة المتخصصة )EUCOM( .هي القيادة المقاتلة القليمية طريق ½
الوحيدة التي تتوفر على مقر أمامي منتشر خارج الوليات المتحدة .أما القيادات
المقاتلة الموحدة الخرى هي قيادة المحيط الهادي ( ،)PACOMالقيادة الجنوبية (
،)SOUTHCOMالقيادة المركزية ( ،)CENTCOMالقيادة الشمالية (
،)NORTHCOMقيادة العمليات الخاص½ ة ( ،)SOCOMالقيادة الستراتيجية (
،)STRATCOMقيادة القوات المشتركة ( ،)JFCOMوقيادة النقل (
.)TRANSCOM
وبطبيعة الحال ،وفي الوقت الحاضر ،حصل البنتاجون على الموال الكافية التي كان
يمكن أن تنفق في مجالت أخرى ،يحتاجها المواطن المريكي أكثر من أي وقت
مضى ،خاصة إذا أخذنا بعين العتبار أن مكتب الحصاء المريكي في تقرير له في
أن عدد المريكيين الذين يعيشون في حالةشهر أغسطس من العام 2007م ،أعلن ½
فقر في أمريكا بلغ العام 2006الرقم 36.5مليون نسمة ،وذلك بواقع يزيد بـ 5
مليون نسمة عن الرقم المسجل للعام .2000
وقد فشل الرئيس بوش في تحقيق أي تق ½دم ملموس في هذا الطار ،بل على العكس،
فمعدلت الفقر اليوم في عهدته أسوء مما كانت عليه قبل ست سنوات مع زيادة 4.9
مليون فقير في العام 2006عن الرقم المحقق العام 2000م.
وعلى سبيل المثال ،قدرت الجمعية المريكية للمهندسين المدنيين (The American
،)Society for Civil Engineersعلى سبيل المثال ،أن المة المريكية ،بحاجة
ماسة إلى مبلغ قدره 1،6تريليون دولر لقامة البنية الساسية لحماية المواطن ،و
320مليار دولر في السنوات الخمس القادمة .فتقييم شبكات المياه والطرق
والجسور والسدود والمباني على الصعيد الوطني ،أصبح يعاني من الهمال ول
مبالة المسؤولين ،وهو ما دفع جمعية المهندسين إلى إعطاء درجة ( )Cو(،)D
وتعني درجة متوسط وتحت المتوسط.
وفي غضون ذلك ،وأثناء مأساة إعصار كاترينا "المدمر" ،على سبيل المثال ،تم نقل
الجيش المريكي من خلل النزال الرضى في 29أغسطس .2005وقد أمر
الرئيس بوش في 2سبتمبر 2005م ،القوات المنتشرة في نيو اورليانز ،بالتحرك
وتنسيق الجهود ليصال الغذاء والماء ،والتصدي لكل من يعبث بالمن الداخلي أو
يقوم بالنهب أو استعمال العنف .في وقت لحق ،وبعد أقل من شهر ،طالب بوش
الكونجرس المريكي تحويل المسؤولية الرئيسية عند وقوع الكوارث الكبرى في
المستقبل من حكومات الوليات ووزارة المن الوطني إلى البنتاجون مباشرة.
وبعد شهر ،عرض بوش ـ مرة أخرى ـ رؤيته "المنية" من خلل تمكين الجيش من
القيادة والتحكم في القضايا الكبرى ،العسكرية والنسانية ،وهذه المرة عن طريق
واقترح في سبيل ذلك فرض الحجر الصحي واحترامه (عنوة) ،كأحد الخيارات
المطروحة وذلك بـ"استخدام القوات العسكرية القادرة على التخطيط والتحرك
والمبادرة".
ورغم كون إدارة بوش غارقة بالفعل تحت وطأة امتداداتها الخارجية ،واستنزافها في
حربين كبيرتين ،في أفغانستان والعراق ،وتورطها في حرب كونية ضد شبح خطير
اسمه "الرهاب الدولي" ،وإبراز العضلت ضد العدو الصديق ،روسيا ،واستعمال
لغة العصا والجزرة مع الصين ،وإيعاز بوش بدور أكبر للجيش للتدخل أثناء
الكوارث الطبيعية وتفشي الوبئة ،أسال الماء البارد على رأس الكونجرس
والسياسيين وحتى العسكريين المريكيين الذين رأوا في هذا القتراح تجاوز للطر
التنظيمية والقانونية التي من أجلها تم إنشاء الجيوش.
وإن عرض الحل "العسكري" باعتباره الحل المثل لمعالجة الكوارث الطبيعية
والوبئة ،يعني زيادة ميزانية البنتاجون "المتخمة" على حساب باقي الميزانيات
الخرى "الهزيلة" المتصلة بالقطاعات الخدمية ،التي تسيرها الهيئات والجهات
المختصة أكثر من غيرها في التصدي للكوارث والوبئة بالطرق السلمية والعلمية
والحضارية ،وبأقل التكاليف والخسائر البشرية والمادية .ومن غير المحتمل ،مع
ذلك ،أن تكتفي ( )Northcomبركوب قطار المال فقط ،أو يكتنفها غياهب النسيان
بهدوء في السنوات القادمة ،ما دام القرار السياسي الرسمي يصب في عسكرة
"الكوارث الطبيعية" وأمننة "الوبئة".
من كينيا إلى أفغانستان ،من الفلبين إلى بيرو ،من كوسوفو إلى العراق ،فإن المؤسسة
العسكرية المريكية تقوم ،وبصورة منتظمة ،ببناء المدارس وعيادات طب السنان،
وإصلح الطرق والجسور ،وتقديم يد المساعدة إلى الطفال المرضى ،وتوزيع
المساعدات النقدية والغذائية ،والقيام بجميع المسؤوليات المدنية التي تفرضها الحاجة.
فالبنتاجون استفاد أكثر من اللزم من أموال التنمية مقارنة بكل المنظمات غير
الحكومية والجهزة المحلية والوكالت المدنية ،في حين أن فاتورة العمليات
العسكرية في العراق ،وأفغانستان ،وفيما وراءهما ،وما بعدهما ،قد تعطي دفعة من
الوكسجين للتنمية المحلية والوطنية في الوليات المتحدة المريكية لمدة قرن من
الزمن ،على القل.
وعلى الرغم من محدودية تحويل قوة عسكرية مدربة على القتل والتدمير إلى كادر
مسالم من مقدمي الرعاية الصحية والنسانية ،فإن مشروع البنتاجون العسكري -
النساني حصل على انطلقة كبيرة بعد أن تم الستيلء على نقود صدام حسين في
خزائنه السرية .وقد استغلت بعض القيادات المريكية المحلية في العراق هذه الموال
لستخدامها عند التعامل مع الحتياجات الفورية خلل المعارك في صفقات مختلفة
أشهر بعد سقوط بغداد في ابريل .2003والذي كان في البداية مجرد مشروع غير
رسمي وطارئ ،أصبح له الن اسم رسمي ـ قائد برنامج التدخل في حالت الطوارئ
( ،)he Commander Emergency Response Programوهو حاليا بند في
ميزانيه البنتاجون السنوية.
وعند مثوله أمام مجلس النواب "لجنة الموازنة" في الصيف الماضي ،أبلغ نائب
وزير الدفاع المريكي ،غوردون أنجلند ،أن (" )CERPمبادرة فعالة بصفة خاصة
" ،موضحا أن البرنامج يوفر بصفة "محدودة " النقود عند الحاجة ،إل أن رؤوس
الموال تبقى متاحة على الفور للقيادات العسكرية.
وفي العراق ،وزع البنتاجون أموال إلى المجموعات الطائفية المتناحرة ـ سنية أو
شيعية ـ القصد منها تحصيل البنزين والمولدات الكهربائية وشراء الدوية والغذاء،
واتضح فيما بعد انه وبنفس السهولة أنفقت أيضا في شراء المتفجرات والبنادق
الوتوماتيكية ( )AK-47sمن طرف هذا الفصيل السني أو ذاك الشيعي.
في سنوات بوش الخيرة ،انتهى البنتاجون من تقسيم العالم إلى فرق عسكرية
"مأمورة" ،والتي لها الصفة العملية والميدانية .بالتأكيد ،حتى قبل ، 11 / 9كان من
الصعب تصور مكان على الكرة الرضية توجد فيه الوليات المتحدة دون وجود
عسكري واضح لها ،حتى في المنظور القريب.
قارة إفريقيا مؤهلة هي أيضا ـ إلى حد كبير ـ للستئناس بالوجود المريكي في
أراضيها ،من خلل القيادة العسكرية المريكية في أفريقيا والمعروفة باسم (أفريكوم
،)AFRICOM-والتي ستصبح جاهزة للعمل بمشاركة ألف جندي أمريكي بحلول
سبتمبر ،2008على أن تكون مسؤولة عن كل الدول الفريقية باستثناء مصر .وعلى
الرغم من عدم وجود دولة أفريقية واحدة تمثل تهديدÃا مباشرا للوليات المتحدة ،إل أن
واشنطن تشعر بالقلق من تنامي نشاط تنظيم القاعدة والجماعات "الرهابية" الخرى
في كافة أنحاء أفريقيا..
وفي غضون ذلك ،تضاعف التمويل العسكري الجنبي ،حيث حصلت إفريقيا وفي
إطار برنامج المساعدات العسكرية المريكية على أكبر حصة ،وهي 20مليون
دولر بعد أن كانت 10مليين دولر ،بين عامي 2000و ،2006وعدد البلدان
المستفيدة انتقل من 2إلى 14دولة .أما بخصوص التدريبات العسكرية ،ارتفع
التمويل بنسبة ?35في نفس الفترة (حيث انتقلت من 8,1مليون دولر إلى 11مليون
دولر) .والن ،يتم تدريب عناصر وأفراد الجيش من 47دولة إفريقية من طرف
الوليات المتحدة المريكية.
ومن حيث التخطيط ،تمكن البنتاجون من جمع القارة الفريقية لول مرة في قيادة
موحدة (( .)AFRICOMما عدا مصر ظلت تحت رعاية الوليات المتحدة من
خلل القيادة المركزية) ووفقا لبوش ،فإن ذلك "يعزز جهودنا لحلل السلم والمن
لشعوب إفريقيا وترويج أهدافنا المشتركة للتنمية والصحة والتعليم والديمقراطية
والنمو القتصادي في إفريقيا ".
في أغسطس ،2006وبناء على وثائق سابقة ،مثل وثيقة "الوليات المتحدة القيادة
الفضائية رؤية لعام ،"2020التي دعت إلى سياسة "الهيمنة الكاملة" ،أزاحت إدارة
بوش النقاب عن "سياسة الفضاء الوطنية" .ودعت إلى توسيع سيطرة الوليات
المتحدة على موارد الفضاء الخارجية والدفاع عنها ،وأيدت "حق النسان في الفضاء
دون عائق" ،وهذا بموجب اتفاقيات دولية تمنع تسليح الفضاء .وتتضمن الوثيقة أيضا
"أن حرية العمل والحركة في الفضاء هي من الهمية للوليات المتحدة بوصفها القوة
الجوية والبحرية المسيطرة على العالم".
وكما جاء في الوثيقة أنفة الذكر" ،في القرن الجديد ( ،)21الذين يستعملون الفضاء
على نحو فعال سيتمتعون بالرخاء والمن ،وسيمتلكون ميزة أكبر مقارنة بغيرهم
الذين امتنعوا عن الستفادة من الفضاء الخارجي"( .ومما ل شك فيه ،فإن زعماء
الصين وروسيا والهند والدول الرئيسية الخرى قد يكونوا استمعوا إلى هذه النصيحة
المريكية من "ذهب" فانطلقوا بدورهم إلى غزو الفضاء والستفادة من موارده).
أخيرا ،وعلى كل حال ،سبع سنوات وأربعة أشهر من أيام بوش في الرئاسة ،مكنت
البنتاجون من توطيد أركانه وتعميق جذوره في واشنطن (عاصمة العالم) مع رغبة
جامحة في العدوانية والتوسع والستغلل والسيطرة .البنتاجون ،وبالمختصر
المفيد ،هو المؤسسة الدستورية الوحيدة المهمة التي فلتت من الرقابة والضوابط
وتوازنات المة المريكية (إنه الستنتاج الذي خلص إليه معهد the New
.)America Foundation's Arms and Security Initiative