You are on page 1of 6

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫خطبة الجمعة في المسجد الحرام بمكة المكرمة‬


‫لفضيلة الشيخ ‪ :‬صالح بن حميد‬
‫بتاريخ ‪1423-1 -15 :‬هـ‬
‫والتي تحدث فيها فضيلته عن ‪ :‬الرحمة في السلم‬

‫الحمد لله وسع كل شي برحمته‪ ،‬وعم كل حي بنعمتضضه‪ ،‬ل إلضضه إل هضضو خضضضعت‬
‫الخلئق لعظمته‪ ،‬سبحانه يسبح الرعضضد بحمضضده والملئكضضة مضضن خيفتضضه‪ ،‬أحمضضده‬
‫سبحانه وأشكره على توابع آلئه وجلئل منته‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل اللضضه وحضضده‬
‫ل شريك له في ربوبيته وألضضوهيته‪ ،‬وأشضضهد أن سضضيدنا ونبينضضا محمضضدا ً عبضضد اللضضه‬
‫ورسوله‪ ،‬خيرته من بريته‪ ،‬ومصطفاه لرسالته‪ ،‬صلى الله وسضضلم وبضضارك عليضضه‬
‫وعلى آله وأصحابه وعفرته والتابعين ومن تبعهضضم بإحسضضان وسضضار علضضى نهجضضه‬
‫طريقته‪ ،‬أما بعد‪:‬‬

‫فأوصيكم ‪-‬أيها الناس‪ -‬ونفسي بتقوى الله عز وجل‪ ،‬فاتقوا الله رحمكضضم اللضضه‪،‬‬
‫واعتبروا بمضضن مضضضى مضضن قبلكضضم‪ ،‬عضضاجلهم ريضضب المنضضون‪ ،‬وجضضاءهم مضضا كضضانوا‬
‫يوعدون‪ ،‬هم السابقون وأنتم اللحقون‪ ،‬سبقوكم بمضضضي الجضضال‪ ،‬وأنتضضم علضضى‬
‫َ‬
‫ب‬ ‫م قُل ُضضو ٌ‬‫ن ل َهُض ْ‬ ‫ض فَت َك ُضضو َ‬ ‫ْ‬
‫سضضيُروا فِضضى ٱلْر ِ‬ ‫م يَ ِ‬‫آثارهم تشتد بكضضم الرحضضال‪ ،‬أفَل َض ْ‬
‫م ض ٰى‬ ‫كن ت َعْ َ‬ ‫ص ٰض ضُر وَل َ ٰض ض ِ‬
‫مضضى ٱل ْب ْ َ‬ ‫ن ب ِهَضضا فَإ ِن ّهَضضا ل َ ت َعْ َ‬
‫مُعو َ‬
‫سض َ‬‫ن يَ ْ‬ ‫ن ب ِهَضضا أ َوْ ءا َ‬
‫ذا ٌ‬ ‫قل ُضضو َ‬
‫ي َعْ ِ‬
‫دوِر ]الحج‪.[46:‬‬ ‫ص ُ‬
‫ب ٱلِتى ِفى ٱل ّ‬‫ّ‬ ‫قلو ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ٱل ُ‬
‫َ‬
‫أيها المسلمون‪ ،‬الناس في حاجة إلضضى كن َضضف رحيضضم‪ ،‬ورعايضضة حانيضضة‪ ،‬وبشاشضضة‬
‫سضضمحة‪ ،‬هضضم بحاجضضة إلضضى وُد ّ يسضعهم‪ ،‬وحلضضم ل يضضضيق بجهلهضضم‪ ،‬ول ينفضضر مضضن‬
‫ضعفهم‪ ،‬في حاجة إلى قلب كبير‪ ،‬يمنحهم ويعطيهضضم‪ ،‬ول يتطلضضع إلضضى مضضا فضضي‬
‫أيديهم‪ ،‬يحمل همومهم‪ ،‬ول يثقلهم بهمومه‪.‬‬
‫ن بغيضضر قلضب‬ ‫إن تبّلد الحس يهوي بالنسان إلى منزلة بهيمية أو أحضط‪ ،‬النسضا ُ‬
‫ّ‬
‫رحيم أشبه باللة الصماء‪ ،‬وهو بغير روح ودود أشبه بالحجر الصلب‪.‬‬
‫إن النسان ل يتمّيز في إنسانيته إل بقلبه وروحه‪ ،‬ل في أكوام لحمه وعظامه‪.‬‬
‫بالروح والقلب يعش ويشعر‪ ،‬وينفعل ويتأثر‪ ،‬ويرحم ويتألم‪.‬‬
‫ق‬
‫الرحمة ‪-‬أيها الخوة في الله‪ -‬كمال في الطبيعة البشضضرية‪ ،‬تجعضضل المضضرء يضضر ّ‬
‫للم الخلق‪ ،‬فيسعى لزالتها‪ ،‬كما يسعى في مواساتهم‪ ،‬كما يضضأس لخطضضائهم‪،‬‬
‫مس أعذارهم‪.‬‬ ‫فيتمّنى هدايتهم‪ ،‬ويتل ّ‬
‫الرحمة صورة من كمال الفطرة وجمضضال الخل ُضضق‪ ،‬تحمضضل صضضاحبها علضضى الضضبر‪،‬‬
‫طب معه الحياة‪ ،‬وتأنس له الفئدة‪.‬‬ ‫ب عليه في الزمات نسيما ً عليل ً تتر ّ‬ ‫وته ّ‬
‫في الحديث الصحيح‪)) :‬جعل الله الرحمة مائة جضضزء‪ ،‬أنضضزل فضضي الرض جضضزءا ً‬
‫واحدًا‪ ،‬فمن ذلك الجزء تتراحم الخلئق حتى ترفضع الدابضضة حافرهضا عضن ولضضدها‬
‫خشية أن تصيبه((‪.‬‬
‫ة ل تشضضبه صضضفات المخلضضوقين‪ ،‬فهضضو أرحضضم‬ ‫ف بالرحمة صضضف ً‬ ‫وربنا سبحانه متص ٌ‬
‫م بهضا كضل حضي‪،‬‬ ‫الراحمين‪ ،‬وخيضر الراحميضن‪ ،‬وسضعت رحمتضه كضل شضيء‪ ،‬وعض ّ‬
‫وملئكة الرحمة ‪-‬وهي تدعو للمؤمنين‪ -‬أثنضضت علضضى ربهضضا‪ ،‬وتقربضضت إليضضه بهضضذه‬
‫ن ت َضضاُبوا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫فْر ل ِل ّض ِ‬ ‫عْلم ضا ً فَ ض ٱغْ ِ‬ ‫ة وَ ِ‬ ‫مض ً‬ ‫ح َ‬‫ىء ّر ْ‬ ‫ل َ‬ ‫كض ّ‬ ‫ت ُ‬
‫ش ْ‬ ‫سع ْ َ‬ ‫الصفة العظيمة‪َ ،‬رب َّنا وَ ِ‬
‫حي ضم ِ ]غضضافر‪ ،[7:‬وفضضي الحضضديث القدسضضي‪:‬‬ ‫ج ِ‬ ‫ْ‬
‫ب ٱل َ‬ ‫ذا َ‬ ‫م ع َض َ‬ ‫ك وَقِهِ ْ‬ ‫سِبيل َ َ‬ ‫وَٱت ّب َُعوا ْ َ‬
‫))إن رحمتي تغلب غضضبي(( مخضّرج فضي الصضضحيحين مضن حضضديث أبضي هريضضرة‬
‫خي ْضُر‬ ‫ت َ‬ ‫م َوأن ض َ‬ ‫حض ْ‬ ‫فضْر وَٱْر َ‬ ‫ب ٱغْ ِ‬ ‫رضي الله عنه‪ ،‬وفي التنزيل العزيضضز‪ :‬وَقُضضل ّر ّ‬
‫َ‬ ‫ف ً‬
‫ن‬‫ميض َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ٱلر ِ‬ ‫حض ُ‬ ‫ظا وَهُضوَ أْر َ‬ ‫حضضٰ ِ‬ ‫خي ْضٌر َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن ]المؤمنون‪،[118:‬ض فَٱلل ّ ُ‬ ‫مي َ‬‫ح ِ‬ ‫ٱلر ِ‬
‫]يوسف‪.[64:‬‬
‫وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال‪ :‬قدم رسضضول اللضضه بسضضبي‪ ،‬فضضإذا‬
‫امرأةٌ من السبي تسعى قد تحّلب ثديها‪ ،‬إذا وجضضدت صضضبيا فضضي السضضبي أخضضذته‬
‫فألزقته بيطنها فأرضعته‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آلضضه وصضضحبه‬
‫ة ولدها في النار؟(( قلنا‪ :‬ل والله وهي تقدر‬ ‫وسلم‪)) :‬أُترون هذه المرأة طارح ً‬
‫على أن ل تطرحه‪ ،‬قال‪)) :‬فالله تعالى أرحم بعباده من هذه بولضضدها(( أخرجضضه‬
‫البخاري‪.‬‬
‫ب واصضل بيضن اللضه وبيضن عبضاده‪ ،‬بهضا أرسضل‬ ‫أيها المسلمون‪ ،‬ورحمة الله سضب ٌ‬
‫رسله إليهم‪ ،‬وأنزل كتبه عليهضضم‪ ،‬وبهضضا هضضداهم‪ ،‬وبهضضا يسضضكنهم دار ثضضوابه‪ ،‬وبهضضا‬
‫يرزقهم ويعافيهم وينعضم عليهضم‪ ،‬فضبينهم وبينضه سضبب العبوديضة‪ ،‬وبينضه وبينهضم‬
‫َ‬
‫مضضا فِضضى‬ ‫فاء ل ِ َ‬ ‫شض َ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫من ّرب ّك ُض ْ‬ ‫ة ّ‬ ‫عظ َ ٌ‬ ‫موْ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫جاءت ْك ُ ْ‬ ‫س قَد ْ َ‬ ‫سبب الرحمة‪ٰ ،‬يأي َّها ٱلّنا ُ‬
‫ك‬ ‫مِتضضهِ فَِبضضذ َل ِ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ل ٱلّلضضهِ وَب َِر ْ‬ ‫ضضض ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫ل بِ َ‬ ‫ُقضض ْ‬ ‫ن‬
‫مِني َ‬ ‫مضضؤْ ِ‬ ‫ة ل ّل ْ ُ‬ ‫مضض ٌ‬ ‫ح َ‬
‫دى وََر ْ‬ ‫هضض ً‬ ‫دورِ وَ ُ‬ ‫صضض ُ‬ ‫ٱل ّ‬
‫ن ]يونس‪.[58 ،57:‬‬ ‫مُعو َ‬ ‫ج َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫خي ٌْر ّ‬ ‫حوا ْ هُوَ َ‬ ‫فَر ُ‬ ‫فَل ْي َ ْ‬
‫هداهم‪ ،‬فكلما كان نصيب العبد من‬ ‫الرحمة تحصل للمؤمنين المهتدين بحسب ُ‬
‫م كان حظه من الرحمة أوفضضر‪ ،‬فضضبرحمته سضضبحانه شضضرع لهضضم شضضرائع‬ ‫الهدى أت ّ‬
‫الوامر والنواهي‪ ،‬بل برحمته جعضضل فضضي الضضدنيا مضضا جعضضل مضضن الكضضدار حضضتى ل‬
‫يركنوا إليها فيرغبوا عن نعيم الخرة‪ ،‬وأرسل نبيه محمدا ً بالرحمة‪ ،‬فهو نبي‬
‫َ‬
‫ن ]النبيضضاء‪،[107:‬‬ ‫مي َ‬ ‫ة ل ّل ْعَ ٰضل َ ِ‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬ ‫ك إ ِل ّ َر ْ‬ ‫سل ْن َٰض َ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫الرحمة للعالمين أجمعين‪ ،‬وَ َ‬
‫خلقضضه مضضن الينضضاس والضضبر‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫بعثه ربه فسكب في قلبه من العلم والحلضضم وفضضي ُ‬
‫وفي طبعه من السهولة والرفق‪ ،‬وفضضي يضضده مضضن السضضخاوة والنضضدى مضضا جعلضضه‬
‫م ضةٍ‬ ‫ح َ‬ ‫مضضا َر ْ‬ ‫أزكى عباد الرحمن رحمة‪ ،‬وأوسعهم عاطفة‪ ،‬وأرحبهضضم صضضدرًا‪ ،‬فَب ِ َ‬
‫ك ]آل‬ ‫حوْل ِض َ‬ ‫ن َ‬ ‫مض ْ‬ ‫ضضضوا ْ ِ‬ ‫ف ّ‬ ‫ب ل َن ْ َ‬ ‫قل ْض ِ‬ ‫ظ ٱل ْ َ‬ ‫ت فَظ ّضا ً غَِلي ض َ‬ ‫م وَل َضوْ ك ُن ْض َ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬ ‫ن ٱلل ّهِ ِلن َ‬ ‫م َ‬ ‫ّ‬
‫ص‬ ‫ض‬ ‫ري‬ ‫ح‬ ‫م‬ ‫تضض‬ ‫ِ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫ما‬ ‫ه‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ز‬ ‫زي‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫س‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫َ‬
‫أن‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ٌ‬
‫ل‬ ‫سو‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫جاء‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫[‪،‬ضض‬ ‫‪159‬‬ ‫عمران‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ّ ْ‬ ‫ْ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م ]التوبة‪.[128:‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫ف ّر ِ‬ ‫ن َرءو ٌ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤْ ِ‬‫م ب ِٱل ْ ُ‬ ‫عَل َي ْك ُ ْ‬
‫والسلم رسالة خير وسلم ورحمة للبشرية كلهضضا‪ ،‬دعضضا إلضضى الضضتراحم‪ ،‬وجعضضل‬
‫ف‬ ‫الرحمة من دلئل كمضضال اليمضضان‪ ،‬فالمسضضلم يلقضضى النضضاس وفضضي قلبضضه عطض ٌ‬
‫مدخور‪ ،‬وبّر مكنون‪ ،‬يوسع لهم‪ ،‬ويخفف عنهم‪ ،‬ويواسيهم‪ ،‬فعضضن ابضضن مسضضعود‬
‫رضي الله عنه‪ ،‬عن النبي أنه قال‪)) :‬لن تؤمنوا حضضتى تراحمضضوا((‪ ،‬قضضالوا‪ :‬يضضا‬
‫رسول الله‪ ،‬كلنا رحيم‪ ،‬قال‪)) :‬إنه ليس برحمة أحدكم صضضاحبه‪ ،‬ولكنهضضا رحمضضة‬
‫العامة(( رواه الطبراني ورجاله ثقات‪.‬‬
‫ليس المطلوب قصر الرحمة على مضضن تعضضرف مضضن قريضضب أو صضضديق‪ ،‬ولكنهضضا‬
‫ُتبرز هضضذه العمضضوم فضضي‬ ‫رحمة عامة تسع العامة كلهم‪ ،‬وأحاديث رسول الله‬
‫إسداء الرحمة‪ ،‬والحث على إفشائها وانتشارها‪ .‬عضضن أبضضي هريضضرة رضضضي اللضضه‬
‫عنه قال‪ :‬قال رسول الله ‪)) :‬ل يرحم الله من ل يرحم الناس(( متفق عليه‪،‬‬
‫وفي الحديث الخر‪)) :‬من ل يرحم ل ُيرحضضم((‪ ،‬يقضضول ابضضن بطضضال رحمضضه اللضضه‪:‬‬
‫ض علضضى اسضضتعمال الرحمضضة للخلضضق‪ ،‬فيضضدخل المضضؤمن‬ ‫"في هضضذا الحضضديث الحض ّ‬
‫والكافر‪ ،‬والبهائم المملوك فيها وغير المملضضوك‪ ،‬ويضضدخل فضضي الرحمضضة التعاهضضد‬
‫بالطعام والمساعدة في الحمل وترك التعدي بالضر"‪.‬‬
‫عباد الله‪ ،‬ورحم الله ُتستجلب بطاعته وطاعة رسضضوله محمضضد ‪ ،‬والسضضتقامة‬
‫َ‬
‫ن ]آل عمضضران‪:‬‬ ‫مضضو َ‬ ‫ح ُ‬‫م ت ُْر َ‬ ‫ل ل َعَل ّك ُض ْ‬ ‫سو َ‬ ‫ه وَٱلّر ُ‬ ‫طيُعوا ْ ٱلل ّ َ‬ ‫على أمر السلم‪ ،‬وَأ ِ‬
‫ن ]الحجضضرات‪:‬‬ ‫مو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫م ت ُْر َ‬ ‫ه ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫قوا ْ ٱلل ّ َ‬ ‫‪ ،[132‬كما ُتستجلب بتقوى الله‪ ،‬وَٱت ّ ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مضضن‬ ‫ن ِ‬ ‫فلي ْض ِ‬ ‫م كِ ْ‬ ‫ُ‬
‫سضضول ِهِ ي ُضؤْت ِك ْ‬ ‫من ُضضوا ب َِر ُ‬ ‫ه َوءا ِ‬ ‫قوا ْ ٱلل ّض َ‬ ‫مُنوا ْ ٱت ّ ُ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪،[10‬ض ٰيأي َّها ٱل ّ ِ‬
‫م ]الحديضضد‪:‬‬ ‫حيض ٌ‬ ‫فضضوٌر ّر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫م وَٱلل ّض ُ‬ ‫فْر ل َك ُ ْ‬ ‫ن ب ِهِ وَي َغْ ِ‬ ‫شو َ‬ ‫م ُ‬ ‫م ُنورا ً ت َ ْ‬ ‫جَعل ل ّك ُ ْ‬ ‫مت ِهِ وَي َ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ّر ْ‬
‫‪.[28‬‬
‫ومن جالبات رحمة الله إقام الصلة وإيتضضاء الزكضضاة والمضضر بضضالمعروف والنهضضي‬
‫ن‬ ‫ْ‬ ‫عضضن المنكضضر‪ ،‬وٱل ْمؤْمنضضون وٱل ْمؤْمن ٰضضضت بعضضضه َ‬
‫مُرو َ‬ ‫ض َيضضأ ُ‬ ‫م أوْل َِيضضاء ب َْعضض ٍ‬ ‫ِ َْ ُ ُ ْ‬ ‫ُ ِ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ ِ ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫طيُعضضو َ‬ ‫ن ٱلّزك ٰوةَ وَي ُ ِ‬‫َ‬ ‫صل ٰوةَ وَي ُؤُْتو َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ٱ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫مو‬
‫ُ‬ ‫قي‬‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫و‬
‫ُ ِ َ‬‫ر‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ٱ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ف وَي َن ْهَوْ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ب ِٱل ْ َ‬
‫ِ‬
‫م ]التوبضضة‪،[71:‬‬ ‫كي ض ٌ‬‫ح ِ‬ ‫زي ضٌز َ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫ن ٱلل ّض َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫م ٱلل ّض ُ‬ ‫مه ُ ُ‬ ‫ح ُ‬‫س ضي َْر َ‬ ‫ك َ‬ ‫ه أ ُوَْلضئ ِ َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ٱلل ّ َ‬
‫م‬ ‫ه ل َعَل ّك ُض ْ‬ ‫ن ٱلل ّض َ‬ ‫فُرو َ‬ ‫س ضت َغْ ِ‬ ‫والعبد بذنوبه وتقصيره فقير إلى رحمة الله‪ ،‬ل َضوْل َ ت َ ْ‬
‫ن ]النمل‪.[46:‬‬ ‫مو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ت ُْر َ‬
‫ومن أعظضضم مضضا ُتسضضتجلب بضضه رحمضضة اللضضه ‪-‬عبضضاد اللضضه‪ -‬الرحمضضة بعبضضاده‪ ،‬ففضضي‬
‫الحضضديث الصضضحيح‪)) :‬الراحمضضون يرحمهضضم الرحمضضن‪ ،‬ارحمضضوا مضضن فضضي الرض‬
‫يرحمكم من في السماء(( رواه أبو داود والترمذي‪.‬‬
‫ي‬ ‫ومن أجل هضذا ‪-‬رحمكضم اللضه‪ -‬فضإن المضؤمن قضويّ اليمضان يتمّيضز بقلضب حض ّ‬
‫ن علضضى المسضضكين‪ ،‬ويمضد ّ‬ ‫مرهف لين رحيم‪ ،‬يرقّ للضعيف‪ ،‬ويألم للحزين‪ ،‬ويح ّ‬
‫يده إلى الملهوف‪ ،‬وينفر من اليضضذاء‪ ،‬ويكضضره الجريمضضة‪ ،‬فهضضو مصضضدر خيضضر وبضضر‬
‫وسلم لما حوله ومن حوله‪.‬‬
‫أيها المسلمون‪ ،‬وإذا كان المر كذلك فإن من أولى النضضاس وأحقهضضم بالرحمضضة‬
‫وأمّنهم بها وأولهم بها الوالدين‪ ،‬فببرهما ُتستجلب الرحمة‪ ،‬وبالحسان إليهمضضا‬
‫مضضا‬ ‫مه ُ َ‬
‫ح ْ‬ ‫ب ٱْر َ‬ ‫مةِ وَُقل ّر ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ٱلّر ْ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ح ٱلذ ّ ّ‬ ‫جَنا َ‬
‫ما َ‬ ‫ض ل َهُ َ‬ ‫ف ْ‬ ‫خ ِ‬ ‫تكون السعادة‪ ،‬وَٱ ْ‬
‫صِغيًرا ]السراء‪.[24:‬‬ ‫ما َرب َّياِنى َ‬ ‫كَ َ‬
‫ثم من بعد ذلك الولد فلذات الكباد‪ ،‬عن أسامة بن زيد رضي الله عنضضه قضضال‪:‬‬
‫كان رسول الله يأخذني فيقعدني على فخذه‪ ،‬ويقعضضد الحسضضن علضضى فخضضذه‬
‫الخرى‪ ،‬ثم يضضضمهما ثضضم يقضضول‪)) :‬اللهضضم ارحمهمضضا‪ ،‬فضضإني ارحمهمضضا(( أخرجضضه‬
‫البخاري‪.‬‬
‫و‪ ،‬فضضي مسضضالكهم‬ ‫والشاهد أن في الناس أجلفا ً تخلو قلوبهم من الرقضضة والحنض ّ‬
‫فظاظة‪ ،‬وفي ألفاظهم غلظة‪ ،‬قّبل رسضضول اللضضه الحسضضن والحسضضين رضضضي‬
‫الله عنهما‪ ،‬وعنده القرع بن حابس‪ ،‬فقال القرع‪ :‬إن لي عشرةً من الولد‪ ،‬ما‬
‫قّبلت منهم أحدًا‪ ،‬فنظر إليه رسول الله وقضضال‪)) :‬مضضن ل َيرحضضم ل ُيرحضضم((‪،‬‬
‫وفضضي روايضضة‪)) :‬أ َوَ أملضضك أن نضضزع اللضضه الرحمضضة مضضن قلبضضك؟!(( مخضضرج فضضي‬
‫الصحيحين من حديث عائشة وأبي هريرة رضي الله عنهما‪.‬‬
‫ويرتبط بالوالدين والولد حق ذوي الرحام‪ ،‬فالرحم مشتقة مضضن الرحمضضة فضضي‬
‫ري أن تستقيم معها في معناها‪ ،‬وفي الحديث‪)) :‬الرحم شجنة مضضن‬ ‫مبناها‪ ،‬فح ِ‬
‫الرحمة‪ ،‬من وصلها وصله الله‪ ،‬ومن قطعها قطعضضه اللضضه((‪ ،‬ليضضس للمسضضلم أن‬
‫يوصضضد قلبضضه وبيتضضه دون أقضضاربه‪ ،‬أو يقطضضع علئقهضضم ل يسضضدي لهضضم عون ضًا‪ ،‬فل‬
‫يواسيهم في ألم‪ ،‬ول يبادرهم في معروف‪.‬‬
‫إن الغلظة والجفاء والقطيعة والصدود في حق ذي الرحضضم تحضضرم العبضضد بركضضة‬
‫الله وفضله‪ ،‬وتعّرضه لسخط الله ومقته‪ ،‬عن أبي هريرة رضي الله عنه قضضال‪:‬‬
‫سمعت رسول الله يقول‪)) :‬الرحم شجنة من الرحمضضة تقضضول‪ :‬يضضا رب‪ ،‬إنضضي‬
‫ي‪ ،‬فيجيبهضضا‪ :‬أل ترضضضين أن‬ ‫ُ‬ ‫ُقطعت‪ ،‬يا رب‪ ،‬إني ُ‬
‫ظلمت‪ ،‬يا رب‪ ،‬إني أسضضيَء إل ض ّ‬
‫أصل من وصلك‪ ،‬وأقطع من قطعك؟!(( أخرجه أحمد‪.‬‬
‫ّ‬
‫ومن مواطن الرحمة إحسان معاملة الخدم‪ ،‬والترفق بهم فيما يكلفون به من‬
‫خرهم‬ ‫أعمال‪ ،‬والتجاوز عن هفواتهم‪ ،‬وليحذر المرء من سطوة التصرف‪ ،‬فيس ض ّ‬
‫ويسخر منهم‪ ،‬فإن الله إذا ملك أحدا ً شيئا ً فاستبد بضضه وأسضضاء سضضلبه مضضا ملضضك‪،‬‬
‫وُيخشى عليه من سوء المنقلب‪ .‬وهذا أنس بن مالك رضضضي اللضضه عنضضه يقضضول‪:‬‬
‫ف قط‪ ،‬وما قال لي لشيء‬ ‫ت رسول الله عشر سنين‪ ،‬فما قال لي‪ :‬أ ٍ‬ ‫)خدم ُ‬
‫صنعُته‪ :‬لضضم صضضنعته؟ ول لشضضيء تركتضضه‪ :‬لضضم تركتضضه؟( رواه مسضضلم‪ ،‬وعضضن أبضضي‬
‫مسعود البدري رضي الله عنه قال‪ :‬كنت أضرب غلما ً لي بالسوط‪ ،‬فسضضمعت‬
‫صوتا ً خلفي‪)) :‬اعلم أبا مسعود((‪ ،‬فلم أفهضضم الصضوت مضن الغضضضب‪ ،‬فلمضضا دنضضا‬
‫فإذا هو رسول الله وإذا هو يقول‪)) :‬اعلم ض أبا مسعود ض أن الله أقدر عليك‬
‫منك من هذا الغلم((‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬هو حّر لوجه الله‪ ،‬فقال‪)) :‬أما لو‬
‫لم تفعل لفحتك النار((‪ ،‬وجاءه عليه الصلة والسضضلم رجضضل يسضضأله‪ :‬كضضم أعفضضو‬
‫عن الخادم؟ فقال ‪)) :‬كل يوم سبعين مرة(( أخرجه أبو داود‪.‬‬
‫وفي الناس أقوام شضداد قسضاة ينتهضزون بعضض الخضدم‪ ،‬فيوقعضضون بهضضم أنضضواع‬
‫الذى‪ ،‬وقد شدد السلم في ذلك وغّلظ‪ ،‬يقول رسضضول اللضضه ‪)) :‬مضضن ضضضرب‬
‫ص منه يوم القيامة((‪.‬‬ ‫سوطا ً ظلما ً اقت ُ ّ‬
‫مضضن تتطلضضب حضضالتهم الرحمضضة المرضضضى وذوو العاهضضات والعاقضضات‪ ،‬فهضضم‬ ‫وم ّ‬
‫يعيشون في الحياة بوسائل منقوصة‪ ،‬تعوق مسيرهم‪ ،‬وتحول دون تحقيق كضضل‬
‫مقاصضضدهم‪ ،‬وتضضضيق بهضضا صضضدورهم‪ ،‬وتحضضرج نفوسضضهم‪ .‬فلقضضد قي ّضضدتهم علُلهضضم‪،‬‬
‫واجتمع عليهم حضّر الضضداء‪ ،‬مضضع مضّر الضضدواء‪ ،‬فيجضضب الضضترفق بهضضم‪ ،‬والحضضذر مضضن‬
‫السضضاءة إليهضضم‪ ،‬أو السضضتهانة بمتطلبضضات راحتهضضم‪ ،‬فضضإن القسضضوة معهضضم جضضرم‬
‫ض‬
‫ريضض ِ‬ ‫ج وَل َ عََلضضى ٱل ْ َ‬
‫م ِ‬ ‫ج وَل َ عََلى ٱل ْعَْرِج َ‬
‫حَر ٌ‬ ‫حَر ٌ‬ ‫س عََلى ٱل ْعْ َ ٰ‬
‫مى َ‬ ‫عظيم‪ ،‬ل ّي ْ َ‬
‫ج ]النور‪.[61:‬‬ ‫حَر ٌ‬
‫َ‬
‫أما الصغار والطفال فإنهم محتاجون إلى عناية خاصة‪ ،‬ورحمة راحمة‪ ،‬فليضضس‬
‫منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا‪ ،‬والنفوس ذات الفطضضر السضضليمة تتعل ّضضق‬
‫بالصضضغير حضضتى يكضضبر‪ ،‬والمريضضض حضضتى ُيشضضفى‪ ،‬والغضضائب حضضتى يحضضضر‪ ،‬وفضضي‬
‫الحديث‪)) :‬ليس منا من لضضم يرحضضم صضضغيرنا‪ ،‬ويعضضرف شضضرف كبيرنضضا(( أخرجضضه‬
‫أحمد والترمذي‪ ،‬وقال الترمذي‪" :‬حديث حسن صحيح"‪.‬‬
‫أيها الخوة المسلمون‪ ،‬وتعاليم السلم وآداب الضضدين فضضي هضضذا البضضاب تتجضضاوز‬
‫ي‬ ‫النسان الناطق إلى الحيوان العجم‪ ،‬فجنات عضضدن تفتضضح أبوابهضضا لمضضرأة بغض ّ‬
‫سقت كلبا ً فغفر الله لها‪ ،‬ونار جهنم فتحت أبوابها لمضضرأة حبسضضت هضضرة حضضتى‬
‫ماتت‪ ،‬ل هي أطعمتها وسقتها‪ ،‬ول هي تركتها تأكل مضضن خشضضاش الرض‪ ،‬فضضإذا‬
‫كانت الرحمة بكلب تغفر ذنوب البغايا‪ ،‬فإن الرحمضضة بالبشضضر تصضضنع العجضضائب‪،‬‬
‫وفي المقابل‪ ،‬فإذا كان حبس هرة أوجضضب النضضاس‪ ،‬فكيضضف بحبضضس الضضبرآء مضضن‬
‫البشر؟!‬
‫وتترّقى تعاليم ديننا في الرحمة بالبهائم حتى في حال ذبحها‪ ،‬والمشضضروع مضضن‬
‫قتلها‪ ،‬يقول عليه الصلة والسلم‪)) :‬إن الله كتب الحسضضان علضضى كضضل شضضيء‪،‬‬
‫فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة‪ ،‬وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة‪ ،‬ولُيحد ّ أحدكم شفرته‪،‬‬
‫وليرح ذبيحته((‪.‬‬
‫وبعد أيها الناس‪ ،‬فبالرحمة تجتمع القلوب‪ ،‬وبضالرفق تتضآلف النفضوس‪ ،‬والقلضب‬
‫س بضألم‬ ‫يتبّلد مع اللهو الطويل والمرح الدائم‪ ،‬ل يشعر بحاجضة محتضاج‪ ،‬ول يحض ّ‬
‫متألم‪ ،‬ول يشاطر في يؤس بائس ول حزن محزون‪ ،‬جاء رجضضل إلضضى النضضبي‬
‫ب أن يليضضن قلبضضك؟! أرحضضم اليضضتيم‪ ،‬وامسضضح‬ ‫يشكو قسوة قلبه فقال له‪)) :‬أتح ض ّ‬
‫ن قلبك((‪ ،‬والرحمة ل ُتنزع إل من شضضقي عيضضاذا‬ ‫رأسه‪ ،‬وأطعمه من طعامك يل ْ‬
‫بالله‪.‬‬
‫ة َرب ّض َ‬ ‫َ‬
‫مَنا‬‫سض ْ‬ ‫ن قَ َ‬ ‫حض ُ‬‫ك نَ ْ‬ ‫مض َ‬
‫ح َ‬
‫ن َر ْ‬
‫مو َ‬‫سض ُ‬‫ق ِ‬ ‫م يَ ْ‬‫أعوذ بالله من الشيطان الرجيضضم‪ :‬أهُض ْ‬
‫ّ‬ ‫م ِفى ٱل ْ َ‬
‫خضذ َ‬ ‫ت لي َت ّ ِ‬ ‫ج ٰض ض ٍ‬ ‫م فَضوْقَ ب َعْض ٍ‬
‫ض د ََر َ‬ ‫ضه ُ ْ‬‫حي َ ٰوةِ ٱلد ّن َْيا وََرفَعَْنا ب َعْ َ‬ ‫مِعي َ‬
‫شت َهُ ْ‬ ‫م ّ‬‫ب َي ْن َهُ ْ‬
‫ن ]الزخرف‪.[22:‬‬ ‫مُعو َ‬‫ج َ‬‫ما ي َ ْ‬
‫م ّ‬‫خي ٌْر ّ‬‫ك َ‬ ‫ة َرب ّ َ‬
‫م ُ‬
‫ح َ‬ ‫ً‬
‫خرِي ّا وََر ْ‬
‫س ْ‬ ‫ً‬
‫ضُهم ب َْعضا ُ‬ ‫ب َعْ ُ‬
‫نفعني اللضضه وإيضضاكم بضضالقرآن العظيضضم‪ ،‬وبهضضدي محمضضد ‪ ،‬وأقضضول قضضولي هضضذا‪،‬‬
‫وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنضضب وخطيئة‪ ،‬فاسضضتغفروه‬
‫إنه هو الغفور الرحيم‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‪:‬‬
‫الحمضضد للضضه‪ ،‬يعلضضم مكنونضضات الصضضدور‪ ،‬ومخفيضضات الضضضمائر‪ ،‬أحمضضده سضضبحانه‬
‫وأشكره على ما أولى من وافر النعم‪ ،‬والفضل المتكاثر‪ ،‬وأشضضهد أن ل إلضضه إل‬
‫الله وحده ل شريك له‪ ،‬هو الول والخر‪ ،‬والباطن والظاهر‪ ،‬وأشضضهد أن سضضيدنا‬
‫ونبينا محمدا ً عبده الله ورسوله المطّهر الطاهر‪ ،‬كريضضم الصضضل‪ ،‬زكضضي المضضآثر‪،‬‬
‫صلى الله وسلم وبارك عليه وعلضضى آلضضه وأصضضحابه أولضضي الفضضضائل والمفضضاخر‪،‬‬
‫والتابعين ومن تبعهم بإحسان‪ ،‬وعلى درب الحق سائر‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فيا عباد الله‪ ،‬الرحمة ليست حنانا ل عقل معه‪ ،‬وليسضضت شضضفقة تتنكضضر للعضضدل‬
‫خُلق يرعى الحقوق كّلها‪ ،‬قد تأخذ الرحمة صورةَ الحضضزم‬ ‫والنظام‪ ،‬كل‪ ،‬بل إنها ُ‬
‫حين يؤخذ الصغير إلى المدرسة من أجل التربية وطلضضب العلضضم‪ ،‬فُيلضضزم بضضذلك‬
‫ركوا وما أرادوا لم يحسنوا صنعًا‪ ،‬ولم يبنوا‬ ‫ف عن اللعب كفًا‪ ،‬ولو ت ُ ِ‬ ‫إلزامًا‪ ،‬وُيك ّ‬
‫مجدًا‪.‬‬
‫والطبيب يمّزق اللحم ويهشم العظم ويبتر العضو‪ ،‬وما فعل ذلك ض أحسن الله‬
‫إليه ض إل رحمة بالمريض وعلجه‪ ،‬ناهيكم بإقامضضة الحضضدود‪ ،‬والخضضذ علضضى أيضضدي‬
‫السفهاء‪ ،‬وأطرهم على الحق أطرًا‪ ،‬فهضضي الرحمضضة فضضي مآلتهضضا‪ ،‬والحيضضاة فضضي‬
‫ُ‬
‫ن ]البقضضرة‪:‬‬ ‫قضضو َ‬ ‫م ت َت ّ ُ‬ ‫ب ل َعَل ّك ُض ْ‬ ‫حي َ ٰوةٌ يأوِلي ٱلل ْب َٰض ِ‬ ‫ص َ‬ ‫صا ِ‬ ‫ق َ‬ ‫م ِفي ٱل ْ ِ‬ ‫كمالتها‪ ،‬وَل َك ُ ْ‬
‫‪.[179‬‬
‫جع‬ ‫والشفقة على المجرمين تخفي أشد ّ أنواع القسوة على الجماعة‪ ،‬إنهضا تشض ّ‬
‫الشواذ على الجرام‪ ،‬والشفقة على المجرمين سماها القضضرآن الكريضضم رأفضضة‪،‬‬
‫مضضا َرأ ْفَ ض ٌ‬
‫ة‬ ‫م ب ِهِ َ‬ ‫خ ضذ ْك ُ ْ‬ ‫ولم يسمها رحمة‪ ،‬فقال في عقاب الزناة والزواني‪ :‬وَل َ ت َأ ْ ُ‬
‫ه ]النور‪.[2:‬‬ ‫ن ٱلل ّ ِ‬ ‫ِفى ِدي ِ‬
‫إن القسوة التي استنكرها السلم جفاف في النفس‪ ،‬ل ترتبط بتحقيق عضضدل‪،‬‬
‫ول بمسلك إنصاف‪ ،‬ولكنها شدة ٌ وانحراف في دائرة مجردة وهوى مضل‪.‬‬
‫أيها المسلمون‪ ،‬وقد يستوقف المتأمل معنى الشدة على الكافرين في مقابل‬
‫ه‬‫معَضضض ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬‫ل ٱلل ّهِ وَٱل ّ ِ‬ ‫سو ُ‬ ‫مد ٌ ّر ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ّ‬ ‫الرحمة بالمؤمنين في قول الله عز وجل‪:‬‬
‫م ]الفتضضح‪ ،[29:‬والحضضق أن السضضلم قضضد جضضاء‬ ‫داء عََلى ٱل ْك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫ماء ب َي ْن َهُ ض ْ‬‫ح َ‬‫فارِ ُر َ‬ ‫ش ّ‬‫أ ِ‬
‫بالرحمة العامة‪ ،‬ل ُيستثنى منهضضا إنسضضان ول دابضضة ول طيضضر‪ ،‬بيضضد أن هنضضاك مضضن‬
‫الناس والدواب من يكون مصدر خطر ومثار ُرهب فيكون من رعايضضة مصضضلحة‬
‫ة بضضه‬ ‫الجماعة كلها أن ُيحبس شضضره وُيكضضف ضضضرره‪ ،‬بضضل إن الشضضدة معضضه رحمض ً‬
‫وبغيره‪.‬‬
‫السلم رسالة خير وسلم ورحمة للبشرية كلها‪ ،‬بل للضضدنيا كلهضضا‪ ،‬ولكضضن ذئاب‬
‫البشر أبوا إل اعتراض الرحمة المرسلة‪ ،‬ووضع العوائق فضضي طريقهضضا حضضتى ل‬
‫تصل إلى الناس‪ ،‬فيهلكوا في أودية الحيرات والجهالة‪ ،‬فلم يضضك بضد ّ مضضن إزالضضة‬
‫هذه العوائق‪ ،‬والغلظ لصضضحابها‪ ،‬وينقطضضع تعّرضضضهم وتحضضديهم تشضضملهم هضضذه‬
‫الرحمة العامة‪ ،‬فليس في الرحمة قصور‪ ،‬ولكضضن القصضضور فيمضضن حضضرم نفسضضه‬
‫سضأ َك ْت ُب َُها‬‫ىء فَ َ‬ ‫شض ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ت ك ُض ّ‬ ‫س ضع َ ْ‬ ‫مِتى وَ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫متنّزلتها‪ ،‬اقرؤوا قول الله عز وجل‪ :‬وََر ْ‬
‫ن‬ ‫ن ي َت ّب ِعُضضو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ٱل ّض ِ‬ ‫من ُضضو َ‬ ‫هم ِبضَئاي َٰضت َِنا ي ُؤْ ِ‬ ‫ن ُ‬‫ذي َ‬ ‫كض ٰوةَ وَٱل ّ ِ‬ ‫ن ٱلّز َ‬ ‫ن وَي ُؤُْتو َ‬ ‫قو َ‬ ‫ن ي َت ّ ُ‬‫ذي َ‬ ‫ل ِل ّ ِ‬
‫ى ]العراف‪.[157 ،156:‬‬ ‫م ّ‬ ‫ى ٱل ّ‬ ‫ل ٱلن ّب ِ ّ‬ ‫سو َ‬ ‫ٱلّر ُ‬
‫أل فضضاتقوا اللضضه رحمكضضم اللضضه‪ ،‬وتواصضضوا بضضالحق‪ ،‬وتواصضضوا بالصضضبر و تواصضضوا‬
‫بالمرحمة‪.‬‬
‫ثم صلوا وسلموا على نبيكم نبي الرحمة‪ ،‬الرحمة المهداة‪ ،‬والنعمضضة المسضضداة‬
‫محمد رسول الله‪ ،‬فقد أمركم بذلك ربكضضم جضضل فضضي عله‪ ،‬فقضضال فضضي محكضضم‬
‫ن عَل َضضى‬ ‫ص ضّلو َ‬ ‫ه يُ َ‬ ‫كض ضت َ ُ‬ ‫مل َ ٰضئ ِ َ‬‫ه وَ َ‬ ‫ن ٱلل ّض َ‬ ‫تنزيله‪ ،‬وهو الصادق في قيله قول ً كريمًا‪ :‬إ ِ ّ‬
‫سِليما ً ]الحزاب‪.[56:‬‬ ‫َ‬
‫موا ْ ت َ ْ‬ ‫سل ّ ُ‬
‫صّلوا ْ عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫مُنوا ْ َ‬ ‫ن ءا َ‬‫ذي َ‬ ‫ى يٰأي َّها ٱل ّ ِ‬ ‫ٱلن ّب ِ ّ‬
‫اللهم صضضل وسضضلم وبضضارك علضضى عبضضدك ورسضضولك محمضضد وعلضضى آلضضه الطيضضبين‬
‫الطاهرين‪...‬‬

You might also like