Professional Documents
Culture Documents
الأدلة والمناقشة في حكم الغناء إذا اقترن بآلة اللهو
الأدلة والمناقشة في حكم الغناء إذا اقترن بآلة اللهو
تأليف
www.zaharuddin.net
لقد رأينا صورة عامة الختالفات العلماء حول اآلالت اإليقاعية والوترية والهوائية والغناء ،واآلن ،إليك
بيان أدلة الفريقين في المسألة [ ، ]1وهي كما
يلي -:
) هُزُوًا ) لَهْوَ الحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللِه بِغَيرِ عِلمٍ وَيَتَّخِذَهَا
أ) قال اهلل تعالى (( :وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي
) عَنهُ وَقَالُوا لَنَا ) اهلل تعالى (( :وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُواأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ )) [ لقمان ]6 :وقول
أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُم سَلَامٌ عَلَيكُمْ لَا نَبتَغِي الجَاهِلِينَ )) [ القصص ]55:؛ وجه الداللة :قد صح عن ابن
)
) ابن مسعود عباس وابن مسعود وابن عمر رضي اهلل عنهم أن "لهو الحديث" في اآلية هو الغناء ،وأقسم
) أن أكثر المفسرين على أن المراد بلهو الحديث : على ذلك حيث قال " هو-اهلل-الغناء [ ،]6وذكر الواحدي
الغناء ..وهو قول مجاهد وعكرمة ]7[.كما أن "اللغو" في اآلية الثانية تدل على الغناء وصوت المغازف
بأجمعها إال الدف باستثناء من
الشارع .
) ؛ إال فيما كان من سبب نزول ونحوه ،ولو كان كله مرفوعًا• إن تفسير الصحابي ليس في حكم المرفوع
ما تعارض وال اختالف .أو كما قال ابن حزم " إنه ال حجة ألحد دون رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ".
[ ]9
) التفسير مرفوعًا فعالً ،فإن سياق اآلية ال يوحي بذّم مجرّد من يشتغل بالغناء ،أو لهم الحديث
• لو فرضنا
) هزوًا .وهذا صفة من فعلها ،بل تذمّ وتتوعد بالعذاب المهين من يشتريه ليضل به عن سبيل اهلل ويتخذها
كان كافرا بال خالف كما فال ابن حزم .وهذا غير ما نحن فيه .وقال الغزالي في هذا الصدد " وأما
شراء (لهو الحديث ) بالدين ،استبداالً به ليضل به عن سبيل اهلل فهو حرام مذموم وليس النزاع فيه ،
وليس كل غناء بدالً عن الذي مشترى به ومضال عن سبيل اهلل ]10[ "..
) من القول في ذلك أن يقال :عنى به كل ما كان من الحديث ملهيًا عن سبيل ) " :والصواب • قال الطبري
اهلل ،مما نهى اهلل عن استماعه أو رسوله ؛ ألن اهلل تعالى عمّ بقوله ((لهو الحديث)) ،ولم يخصص بعضًا
دون بعض ،فذلك على عمومه ،حتى ما يدل علة خصوصه"[ ]11؛ ومن هنا يكون االستدالل باآلية على
) وإنما تنطبق اآلية حقًا على من اتخذ الغناء واللهو
تحريم الغناء لمجرد الترويج خارجًا عن الموضوع
بصفة عامة ليصدّ الناس عن القرآن ،ويلهيهم عن فرائض
اإلسالم .
)
) والخمر
ب) قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم (( :ليكون قومٌ أمتي يستحلّون الحر[ ]12والحرير
) الغناء
) عن الجوهري أن المعازف ) ))[ ]13؛ و"المعازف" هي أآلت المالهي ،ونقل القرطبي والمعازف
) والطنبور والشبابة
) بها ،كالمزمار
واآلت اللهو ؛ وأوضح الذهبي أنها اسم لكل اآلت المالهى الني يعزف
والصنوح " ؛ كما أن الحديث جعل استحالل المعازف بمنزلة استحالل الخمر ولبس الحرير ]14[.فال بد
أنه يفيد تحريمها .
جـ) عن عمران بن حصين ،أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال (( سيكون في هذه األمة خسف
ومسخ وقذف)) فقال رجل من المسلمين :يا رسول اهلل ،ومتى ذلك ؟ قال (( :إذا ظهرت القيان
) وشربت الخمور ))[ .]15
والمعازف
) للعالمين ،وأمرني أن ) قال (( إن اهلل بعثني رحمة وهدى د) عن أبي أمامة ،عن النبي صلى اهلل عليه وسلم
أمحق المزامير والكبارات -يعني البرابط[ ]16والمعلزف واألوثان التي كانت تعبد في الجاهلية )) [[]17
) واستماعا) من المذاهب األربعة هو التحريم ،استعماالً ، ]18وبناء على هذه األحاديث كان القول المشهور
) األوتار والنايات[ .) والرباب وغيرها مثل الكوبة وضرب ) والمعزفة والمزمار ،وكل آلة تطرب كالمنبور
]19
هـ) قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم (( صوتان ملعونان في الدنيا واآلخرة :مزمار عند نعمة،
) على أن صوت المزمار ملعون في الدنيا واآلخرة ،فال بد منورنةّ عند مصيبة )) []20؛ يذكر بوضوح
تحريم اآلت الطرب واللهو .
• قال المبيحون :إن سند الحديث األول ومتنه لم يسلما من االضطراب فضال عن أنه حديث معلق [، ]21
وقد اجتهد الحافظ ابن حجر لوصل الحديث ،ووصله بالفعل من تسع طرق ،ولكنها جميعا تدور على راو
تكلم فيه عدد من األئمة النقاد ،وهو هشام بن عمّار السلمي[ .]22وأما بالنسبة لحديثي (( إذا ظهرت القيان
) ضعيفان ال يحتج بهما .وأما بالنسبة لحديثي (( صوتان، )).. ) )) و (( إن اهلل بعثني )) ،فإنهما
والمعازف
فقال القرضاوي في "المنتقى" أن في رواته شيب بن بشر ،ليّنه أبو حاتم ،ووثقه ابن حبان ،وابن معين ،
) خالفي كبير ،كموضووع الغناء والمزامير " ،وعلى لكن قال :يخطئ كثيرًا ،فال يحتج به في موضوع
) على البالء .
) اإلباحة ،كما خرج بالرنة عن حدود الصبر أنه يؤول بما إذا خرج بالمزمار عن حدود
) خطابه يقتضي إباحة غير هذين الصوتين في غير هاتين ،وإال بطلت فائدة التخصيص . وكذلك أن مغهوم
[ ]23
• إن داللة هذه األدلة على التحريم غير صريحة ؛ فكلمة "المعازف" في كل األحاديث ،لم يتفق على
) بأن معناها :معناها بالتحديد ،فقد قيل :المالهى ،وهذه كلمة مجملة ،وقيل :اآلت العزف .ولوفرضنا
) غير صريح في إفادة حرمة اآلت الطرب المعروفة باآلت الموسيقي ،فإن الحديث المعلّق في البخاري
) ألن عبارة "يستحلون" كما ذكر ابن العربي المالكي لها معنيان :أحدهما :يعتقدون أن ذلك "المعازف"
) :أن تكون مجازًا عن الإلسترسال تلك األمور[ ]24؛ إذا لو كان المقصود باالستحالل : حالل ،والثاني
المعنى الحقيقي ،لكان كفرًا ،فإن استحالل الحرام المقطوع به-مثل الخمر والزنا -كفر
باإلجماع .
) :هي اآلت المالهي ،وقال آخرون :الغناء أو اللهو ،) مختلف في مولودها ،فقال بعضهم • إن المعازف
وقيل :صوت المالهي ،لهذا لما كان اللفظ محتمال ألن لآللة ولغيري األلة ،لم ينتهض لإلستدالل]25[.
) هشام بن عمّار ،جعل الوعيد على شرب •واحتمال آخر هو أن كل من روى الحديث من غير طريق
) إال مكملة وتابعة ، وبهاذا ال يصلح لالستدالل به على تحريم المعازف والغناء
الخمر ،وما المعازف
على إطالقها]26[.
) المنصوص على تحريمها هي المقترنة بشرب الخمر .وكما قد يحتمل ،هل •ويحتمل أن تكون المعازف
) ،أو على كل فرد على حدة ؟ ) والخمر والمعازف) من الحر والحرير ) المذكور
يستفاد منها تحريم المجموع
،فإن الحديث في الواقع ينعى على أخالق طائفة من الناس انغمسوا في الترف والفساد واليالي الحمراء ،
) ،كما روى ابن ماجة عن أبي مالك ) فهم بين خمر ونساء ولهو وغناء وحر وحرير وشرب الخمور
) بغير اسمها يعزف على رؤوسهم بالمعازف األشعري (( ليشرين أناس من أمتي الخمر يسمونها
) اهلل بهم األرض ويجعل منهم القردة والخنازير )) [ .]27
والمغنيات ،يخسف
) والولع بها• ثم إن القول بحرمة الكوبة بدليل أن في ضرب الكوبة تشبها المخنثين -إذا ال يعتاد ضربها
إال هم -غير مسلّم في تحريمها في كل زمان ومكان ؛ إذ ينبغي أن نفهم الحديث بالنظر فيما بني على
األسباب خاصة أو ارتباط بعلة معينة ،منصوص عليها أو مستنبطة منه أو مفهومة من الواقع الذي سيق
) إذ يقول " إن القول بأن الكوبة شعار المخنثين غير مسلّم ،فإنفيه الحديث .]28[ وهذا ما قاله الزبيدي
كان هذا في بعض األقاليم فيختص به ،وال يسلم أن كل شيء يفعله المخنثون يكون حرامًا ،ولو كان ذلك
) غسالون ،وإنما يمنع من التشبه لحرم على الرجال غسل الثياب حرفة ،ألن المخنثين اعتادوه وأكثرهم
بهم في األفعال المخصوصة لهم إن سلم ،وإال فال "[ .]29يجيب عن هذه
المناقشات :
) الحديث -الذي رواه البخاري وقيل إنه معلق-غير قليل من األئمة أيضًا وقال هذا التعليق " :إن • قد وثق
) عديدة معروفة ،وهذا ليس منها ، الغالب على األحاديث المعلقة أنها منقطعة بينهما وبين معلقهاولها صور
ألن هشام بن عمّار من شيوخ البخاري الذين احتج بهم في صحيحة...والمقصود أن الحديث ليس منقطعًا
بين البخاري وشيخه هشام كما زعم البعض ]30["..وقد نقل األلباني عن ابن القيم أنه قال في إسناد
الحديث أنه صحيح متصل كما صرح أكثر من عشرة من الحفاظ بصحة الحديث وقوة إسناده[.
]31
• أما بالنسبة لحديث (( صوتان )) فجواب قول "إن مفهوم الخطاب يقتضي إباحة غيره " هو أن مثل هذا
اللفظ ال مفهوم له عند أكثر أهل العلم ،فإن التخصيص في مثل هذا العدد ال يقتضي الحكم به [.
]33
• قال أحمد المحرمين "هذا ما يقوله القرضاوي ومن يقول بذلك ال فهم له باللغة العربية ،إذا الواو لمطلق
) يشارك المعطوف عليه وال يكون مكمالً عليه "[.]34الجمع والمعطوف
) والخمر والمعازف أو • وأما من قال "هل يستفاد من الحديث تحريم المجموع المذكور من الحر والحرير
على كل فرد منها على حدة" ؟ فتعرض لرّدة عبد الملك السعدي بقوله " هذا زندقة إذا قصد أن النهي حالة
اجتماعها فقط ،ألنه يجوّز الزنا على انفراد وشرب الخمر على انفراد وبيع الحر على انفراد[ "..
]35
) من علماء الظاهر ،وجماعة ) في "نيل األوطار" " :ذهب أهل المدينة[ ]37ومن وافقهم قال الشوكاني
) البغدادي الشافعي[
الصوفية ،إلى الترخيص في الغناء ،ولو مع العود واليراع .وحكى األستاذ أبو منصور
) مثل) األستاذ المذكور
]38في مؤلفة في "السماع" :أن عبد اهلل بن جعفر كان ال يري بالغناء بأسًا" وحكي
أيضًا عن القاضي شرسح ،وسعيد بن المسيب ،وعطاء بن أبي رباح[ ،]39والزهري ،والشعبي [[ ]40
) ومحمّد الغزالي
) الزرقا
) وأبو زهرة ،ومصطفى ]41وذهب أكثر المعاصرين-كما يبدولي-منهم رشيد رضا
) ومحمّد الغزالي) الزرقا
) شلتوت وسيد سابق والقرضاوي ،ووهبة رضا وأبو زهرة ،ومصطفى ومحمود
)
)[ ]43ورواس ) شلتوت وسيد سابق والقرضاوي ،ووهبة الزحيلي[ ]42ومحمد سعيد رمضان البوطي ومحمود
).قلعجي[ ]44وغيرهم كثير ال يتسع المقام لذكرهم
) اهلل صلىمناقشة هذا الدليل :إن آية الجمعة وردت في معرض الذم والعتاب ألولئك الذين تركوا رسول
اهلل عليه وسلم يخطب وذهبوا إلى القوافل التجارية وإلى اللهو ،ولذلك ليس فيهما ما يدل على إباحة
المالهي[ .
]46
• قال ابن حجر العسقالني في الرد " ويكفي في رد ذلك تصريح عائشة في الحديث الذي في الباب بعده
) المعنى ما أثبته لهما باللفظ..ال يسمى فاعله مغنيًا وإنما
) بمغنيتين)) فنفت عنهما عن طريق بقولها ((وليستا
) وتهييج وتشويق بما فيه تعريض بالفواحش أو تصريح" وقال يسمى بذلك من ينشط بتمطيط وتكسير
القرطبي ،قولها ((ليستا بمغنيتين أي ليستا ممن يعرف الغناء..وهذا منها تحرز عن الغناء المعتاد عند
المشتهرين به" ]49[
•وأما التفافة صلى اهلل عليه وسلم بثوبه ففيه إعراض عن ذلك لكون مقامه يقتضي أن يرتفع عن اإلصغاء
) على ما ورد فيه النص وقتًا وكيفية وتقليالً لمخالفة
) فيقتصر
إلى ذلك..واألصل التنزة عن اللعب واللهو
األصل .
) عيدًا وهذا عيدنا )) من جهة ،يشير إلى إقرار أبي بكر على إنكاره للمزامير • التعليل في (( فإن لكل قوم
ويصرح من جهة أخرى بإقرار الجارتين على غنائهما بالدف مشيرًا إلى أنه مستثنى من األصل .وبقي
إنكار بكر العام مسلّمًا به[ ]50؛ إلقراره صلى اهلل عليه وسلم إياه ،ولكنه استثنى منه الغناء في العيد ،فهو
مباح بالمواصفات الواردة في الحديث .كما أن الجارتين غير مكلفتين تغنيان بغناء األعراب الذي قيل في
يوم حرب بعاث من الشجاعة والحرب ]51[.
• ال يلزم من إباحة الضرب بالدف في العرس ونحوه إباحة غيره من اآلالت كالعود ونحوه ،إذن أنه ال
يشمل غيره ]52[.
الدليل الثالث :أمر الرسول صلى اهلل عليه وسلم بالغناء والموسيقي في العرس عندما زفت امرأة إلى
)
) ((يا عائشة أما يمون معكم لهو ؟ فإن األنصار رجل من األنصار ،فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم
يعجبهم اللهو ))[ ]53؛ ولو نظرنا إلى هذا الحديث ال تضح أن األمر ال يقتصر على أن يجعل اللهو شعارا
للنكاح الحالل فقط -كما قال بعض العلماء -بل يعتدى إلى مقاصد أخرى مثل ما ورد في الحديث يعني
"فإن األنصار يعجبهم اللهو" ،أال ترى أن حرف "الفاء" هو من أحرف اإليماء التي تدل على التعليل
) المزاجى وال يحكم ) المختلفة ،واتجاهم
والمقصد معا .والحديث أيضا يدل على رعاية أعراف األقوام
المرء مزاحه هو في حياة كل الناس .
) ال ينحصر في المزامير والمالهي فهناك اللهو البرئ كمالعبة الرجلمناقشة هذا الدليل :أن كلمة "اللهو"
فرسه وكلو الحبشة وهم يرقصون في المسجد ،ولو كان على آلة موسيقية فلن يحمل إال الطبل أو الدف[ .
]54
الدليل الرابع :عن الربيع بنت معوذ بن عفراء قالت جاء رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فدخل علي
) كمجلسك مني فجعلت جويريات يضربن الدف لهن ويندبن من قتل من صبيحة بني بي فجلس على فراشي
) الذي كنت تقولين ))[آبائي يوم بدر إلى أن قالت إحداهن وفينا نبي يعلم ما في غد فقال (( دعي هذا وقولي
. ]55واضح من الحديث ،أن النبي ال ينكر على هؤالء الجواري أن يضربن بالدف للربيع في بكرة اليوم
ليوم زفافها ،ولم ينكر عليها سماعها اهن .
الدليل الخامس :القواعد الفقهية المقررة والمعقول :وهي فيما يلي -:
) اإلباحة ؛
أوال :األصل في األشياء والمنافع
فإن لم يكن فيه نص ولم يستقم القياس على منصوص بطل القول بتحريمه وبقى فعال ال حرج
) الغناء نص وال قياس ]56[.ال شيء في الغناء -بالقيود طبعا
) المباحات ،وال يدل على تحريم فيه كسائر
) األنفس ،وتستطيبها العقول ،وتستحسنها الفطر ،وتشتهيها األسماع،
-إال أنه من طيبات الدنيا التي تستلذها
فهو لذة األذن..،فهل الطيبات أي المستلذات حرام في اإلسالم أم حالل ؟
).
ثانيًا -قاعدة " :إذا ضاق األمر اتسع " وقاعدة" المشقة تجلب التيسير"
ال ريب أن عموم البلوى بالشيء كثيرًا ما ينشأ من حاجتهم إليه ،ولو ال ذلك ما تجاوزا عنه على
نطاق واسع ،والحاجة لها اعتبارها وال سيما إذا عمت وانتشرت ،وقالوا :ما حرم لسد الذريعة يباح
للحاجة .فقضية الغناء منها حيث قد عمّ بها البلوى حيث ال يمكن سدها بالسهولة وال أفل الصعوبة ،لذا ال
) والقواعد الشرعية لهذه الغناء واآلالتبد من تقديم اليسر مع مراعاة الضوابط
الموسيقية .
• هذه القاعدة فيما إذا لم يرد ما يحرم ذلك ،وقد ورد كما سبق من األدلة التي قال بها المانعون.
) األمر بالمنكرات ؟ على هذا المبدأ هل تقول كشف عورات النساء أيضًا
) فيما ضاق
• هل هذه القاعدة تطبق
عمت به البلوى فال بد من القول بإباحته ؟ []57
ثالثا :المعقول
أ -علل الغزالي حرمة تلك اآلالت بأنها تدعو إلى شرب الخمر ،وأنها في حق قريب العهد
بشرب الخمر تذكر الخمر مجالس األنس بالشرب ،ولما أن صار االجتماع عليها من عادة أهل الفسق ،
) والصنع) كلها كالعود
) واألوتار
) العراقي
) بعده "فبهذه المعاني حرم المزمار
منع من التشبّه بهم ،وقال
) وغيرهما ،وما عدا ذلك فليس في معناها كشاهين الرعاة والحجيج وشاهين الطبالين وكل والرباب والبريط
آلة يستخرج منها صوت مستطاب موزون سوى ما يعتاده أهل الشرب ،ألن كل ذلك ال يتعلق بالخمر وال
) فلم يكن في معناها فبقي على أصل اإلباحة ،قياسًا ) غليها وال يوجب التشبه بأربابها
يذكر بها وال يشوق
) وغيرها بل أقول سماع األوتار ممن يضربها على غير وزن متناسب مستلذ حرام على أصوات الطيور
أيضًا ،وبهذا يتين أنه ليست العلة في تحريمها مجرد اللذة الطيبة بل القياس تحليل الطيبات كلها..فهذه
األصوات ال تحرم من أنها أصوات موزونة وإنما تحرم بعارض وآخر " [
]58
ب -إن الذي كان يريد أن يسمع الغناء في العصور الماضية كان يتحتم عليه أن يذهب إلى
) كانت تخلو هذه المجالس من محرمات ومنكرات ،من مجلس الغناء أو مجلس الطرب ،ويشهد ما فيه ،وقلما
خمر وخالعة ومجون وتهتك ،وال نزع في أن حضور هذا النوع من المجلس محرم شرعًا ،وفي عصرنا
) كاسيت ،أو
) يستطيع أن يستمع إلى الغناء من شريط لم يعد مستمع الغناء في حاجة إلى شيء من ذلك ،فهو
من المذياع أو من التلفاز ،فال بد من وضع هذا الفارق في االعتبار عند اإلفتاء [.
]59
قبل الخوض في ترجيح المسألة فأقول :بعد االتفاق على تحريم الغناء الماجن وما فيه فتنة وهو
) عدا ذلك كأن يكون فيه حث على غالب ما عليه الغناء اآلن في اإلذاعات وغيرها ومعظمه غزالي .وفيما
الشجاعة والكرامة أو مدح الوطن والوالدين واألصدقاء وحث على الخيرات وغيرها ففيه خالف بين
الفقهاء الذي سبق عرضه ،ويكون الترجيح في هذا
المجال
.
)1جواز استعمال هذه اآلالت الموسيقية في مواضع السرور والفرح والحرب ونحوها -التي تباح شرعًا-
قياسًا على إباحة الدف في النكاح والعيد ،مع رعاية المقاصد من ذلك االستعمال والقيود والضوابط
المقررة عند العلماء ؛ وذلك نظرًا لكثرة االحتماالت المتطرقة إلى داللة األحاديث الواردة في الباب فضال
) إليها االحتمال ،كساها ثوب ) األحوال إذا تطرق عن الكالم في سندها ،وقال في شرح فتح القدير" :قضايا
اإلجمال ،فبطل بها االستدالل" [ ، ]61وقال الفاكهاني :لم أعلم في كتاب اهلل ،وال في السنة حديثًا
) وعمومات يستأنس بها ال أدلة قطعية"[ .]62وقال ) المالهى ،وإنما هي ظواهر صحيحًا صريحًا في تحريم
) شيء" ،وكذلك قال الغزالي وابن النحوي ابن العربي في كتابه "أحكام القرآن" بقوله "لم يصح في التحريم
في العمدة وابن طاهر[ . ]63
) المقررة لدى المبيحين -المذكورة في الصفحة وإال فال يجوز استعمال هذه
)2ضرورة رعاية الضوابط
اآلالت وال الغناء.
زهرالدين عبدالرحمن
www.zaharuddin.net
لقد اختلف الفقهاء في المسألة إلى أكثر من قولين ،وقد يقال أنهم اختلفوا إلى ثمانية أقوال واآلخر إلى
أربعة ،وابن حجر الهيتمي ذكر أحد عشر قوالً ،وأما أنا ،أرى أن أكتفي بذكر الفريقين األساسين .وأهلل
أعلم
) 2/382 ،
[ ]4إحياء علوم الدين ،مرجع سابق
1114 أنظر في تلبيس إبليس اللجوزي وكشف الغطاء عن حكم سماع الغناء البن القيم ،تحريم اآلت
الطرب لأللباني وفتاوى شرعية لعبد القادر أبو فارس وحكم الغناء والموسيقي لعبد الفتاح إدريس .
[ ]6السنن الكبرى ،مرجع سابق 10/223 ،؛ تفسير ابن كثير 3/441 ،
[ ]7تفسير الطبري ،مرجع سابق 21/62 ،؛ السنن الكبرى ،مرجع سابق 10/223 ،
[ ]12هو الفرج ،وأصله "حرج" بكسر الحاء وسكون الراء (التهاية)
[ ]13رواه البخاري ،مع الفتح ،كتاب األشربة ،برقم 10/65 ،5590ط دار السالم
) 1/70 ،؛ سير أعالم النبالء 2/158 ،نقال من تحريم اآلت الطرب ،ص 79؛ كشف
[ ]14فتح الباري
الغطاء عن حكم سماع الغناء ،ص222
) 4/495 ،2211؛ وقال الترمذي حديث غريب ،وقد روى مرسالً
[ ]15الترمذي ،كتاب الفتن ،برقم
[ ]16البرابط جمع بَربَط .آلة طرب تشبه العود فارسي معرب (النهاية) 1/112 ،
) ، 22218عن أبي أمامه ،برقم ،16/238 ،22219تحقيق أحمد شاكر؛ عن [ ]17رواه أحمد ،برقم
) في تحقيق المسند طريق فرج بن فضالة ،وليس من طريق عبيداهلل بن زحر ،قال شعيب األرناؤوط
) جدًا ،فرج بن فضالة ضعيف ،وعي بن يريد ضعيف ،وحسنه أحمد شاكر ،وضعفه :إسناده ضعيف
) على ضعفه بل قال فيه أبو الهيثمي ألجل علي بن يزيد ()5/69؛ وقال ابن رجب "علي بن يزيد لم يتوقفوا
مسهر وهو من بلده وهو أعلمبلده من غيرهم (مسند أحمد بتحقيق الشعيب وزمالؤه 36/550 ،ط .مؤسسة
الرسالة )؛ ابن رجب ،عبد الرحمن رجب ،نزهة األسماع في مسألة السماع ،تحقيق الوليد بن
عبدالرحمن ،الرياض ،دار طيبة ،ط 1986 ،1م ،ص)32
[ ]19حاشية ابن عابدين ،مرجع سابق5/305 ،؛ مواهب الجليل6/153 ،؛ نهاية المحتاج8/281 ،؛
المغني12/39 ،
]21[ الحديث المعلق هو ما حذف من مبتدأ إسناده واحد فأكثر ،ولد إلى آخر اإلسناد ،وله أكثر من
صورة (أنظر :ابن حجر العسقالني ،نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر ،تحقيق عبد السميع األنس ،
عمان-األردن ،دار عمار ،ص)55
[ ]22فقه الغناء والموسيقي ،مرجع سابق ،ص 41؛ فقد قال عن هشام بن عمار أبو داود" :حدث
) وقد تغير" ،والذهبي"
بأربعمائة حديث ال أصل لها" .وقال أحمد ":طيلش خفيف" وقال أبو حاتم "صدوق
صدوق مكثر له ما ينكر (الذهبي ،شمس الدين محمد بن أحمد ،ميزان اإلعتدال في نقد الرجال ،تحقيق
)
على محمد معوض وصديقه ،بيروت-لبنان ،دار الكتب العلمية ،ط1995 ،1م ،ج، 7ص : )86وقال
رواس قلجي في هذا الحديث :لعل القول بضعفه أكثر صفحة" (الموسوعة الفقهية الميسرة)1/180 ،
]27[ رواه ابن ماجه ،كتاب الفتن ،برقم 4020/368ط .دار المؤيد ؛ قد تكلم في صحته قد ضعف
أحد رواته وهو مالك بن أبي مريم ،وقال الذهبي :ال يعرف (ميزان اإلعتدال)6/10 ،؛ ولكن صححه
) 2/371 ، 3247األلباني في صحيح سنن ابن ماجه ،برقم
) سليم في :القرضاوي ،
735 ]28[ راجع المزيد من التفاصيل في كيفية فهم نصوص الحديث بطريق
كيف نتعامل مع السنة النبوية ،بيروت-لبنان ،دار الشروق ،ط 2002 ،2م ،ص 145
) ،األردن
) 29/7/2004م وفيجامعة اليرموك
) عبد الملك السعري
[ ]34قال ألستاذ الدكتور
]36[ وهذه القيود هي )1 -سالمة مضمون الغناء من المخالفة الشريعة )2سالمة طريقة من التكسر
واإلغراء )3عدم اقتران الغناء بأمر محرم )4تجنب اإلسراف في السماع )5ما يتعلق بامتسمع وهو أن
) حرام عليهتكون الشهوة غالبة عليه في غرة الشباب ،وكانت هذه الصفة أغلب عليه من غيرها ،فالسماع
سواء غلب على قلبه حب شخص معين أو لم يغلب )6 .على أن المتسمع يكون فقيه نفسه ،فإذا كان
) عزيزته ،ويغريه بالفتنة ويسبح به في شطحات الخيال الحسلي فعليه أن يتجنبه ويسد
الغناء مما يستثير
الباب تهب منه رياح الفتنة على قلبه ودينه وخلقه فيستريح ويريح .فيباح إلراحة النفس من المتعب بعض
الوقت الستعادة النشاط ( .فقه الغناء والموسيسقي ،ص194-187
) ،ولد ونشأ في بغداد ،ورحل إلى 1147هو عبد القدر بن طاهر بن محمد ،عالم متقن من أئمة األصول
) عام
) ومات في إسرائين ،من مصنافاته :أصول الدين ،الملل والنحل ،توفيخرسان فاستقر في نيسابور
429هـ ( وفيات األعيان 298 /1 ،؛ طبقاتت السبكي)238 /3 ،
)
) من كبار التابعين وفقهائهم ،توفي
1148هو عطاء با أبي رباح ،أسلم القرشي ،مفتي أهل مكة ومحثيهم،
عام 114هـ بمكة ( تذكرة الحفاظ للذهبي )1/98 ،
) بالفقه وحفظ الحديث ،روي عن أبي هريرة [ ]40هو أبو عمرو عامر بن شراحيل ،التابعي المعروف
وابن عباس ،وأنس بن مالك ،وكان قوي الذاكرة ،ونقل عنه قوله "ما كتبت سوداء في بيضاء قط ،ما
حدثني أحد بحديث فأحببت أن يعيده علي " ،توفي عام 103هـ (طبقات ابن سعد246 /6 ،؛ تاريغ بغداد،
)1/229
) مالك
1150 رد المحرمون نسبه الشوكاني ومن قبله إلى شريح القاضي وسعيد بن المسيب والشعبي،
بن أنس( .أنظر كشف الغطاء ،ص 196-188؛ تحريم اآلت الطرب ،ص )105-100
) ألبي زهرة في مجلة اإلخوان المسلمون ،العدد ،11بتاريخ 29ذي القعدة 1373 1151أنظر فتوى
) المنار لرشيد رضا143 /9 ،؛ ومحمد الغزالي في "السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث"
هـ ،وتفسير
) للقرضاوي ؛ الفقه الإلسالمي وأدلته، ) الرزقاء ،ص 349 -347؛ فقه الغناء والموسيقى
) مصطفى وفتاوى
مرجع سابق2666 /4 ،
) ،دمشق -سورية ،دار الفكر ،ط،3 1152البوطي ،محمد سعيد رمضان ،مع الناس :مشورات وفتاوى
2003م ،ج ،1ص 186؛ أنظر أيضا كلمة البوطي التي ألقاها بعد صالة الجمعة في كتاب :اإلسالم
) الفن المعاصر ،ياسن محمد حسن ،دمشق-سورية ،دار األلباب ،ط1990 ،1م ،ص 227 وقضايا
)
[ ]44الموسوعة الفقهية المسيرة ،مرجع سابق 180 /1 ،في مادة "استماع"
[ ]47رواه البخاري ،مع الفتح ،كتاب العيدين ،برقم 567 /4 ،949
1159وأجابه ابن العربي المالكي بقوله " لم ينكر النبي صلى اهلل عليه وسلم على أبي بكر تسمية الغناء
مزمار الشيطان ،وذلك ألن المباح يستدرج به الشيطان إلى المعصية أكثر وأقرب إلى اإلستدراج إليها
) لشرح سنن الترميذي1618 /3 ،ط .دار الكتاب العربي) بالواجب ( "..أنظر ،عارضة األحودي
[ ]52فتح الباري571 /2 ،؛ تحريم اآلت الطرب ،ص 112؛ إغاثة اللهفان ،مرجع سابق257 /1 ،
]53[ رواه البخاري ،كتاب النكاح ،برقم 41 /7 ،94ط دار األرقم؛ أحمد ،عن عائشة ،برقم ،26191
18/188
1169علمًا بأن هذا الترجيح بالغناء واستعمال اآلالت في مسأله غناء اللهو والترويج فقط ،وليس من
شأنه غناء المتصوفة لما فيها من صفة خاصة وغاية معينة غير غايات الغناء العام الشائع والمعروف،
) محمد بن
والتي تحتاج إلى دراسة أخرى ،لمستزيد ،أنظر فقه الموسيقي للقرضاوي ،ص 195الزركشي،
) ط 1409 ،1هـ ،ج ،3ص 152 بهادر ،البحر المحيط في أصول الفقه ،الكويت ،وزارة األوقاف،
[ ]62الفواكه الدواني 392 /2 ،نقال من حكم الغناء والمعازف ،مرجع سابق ،ص 101؛ الموسوعة
الفقية المسيرة ،مرجع سابق1/180 ،