Professional Documents
Culture Documents
الوصية الجامعه
الوصية الجامعه
تأليف
الطبعة الثالثة
1990م ـ 1410هـ
------------------------------------------
بسم ال الرحمن الرحيم
الحمد ل رب العالمين ،والصلة والسلم على رسوله الصادق المين .أما بعد ،فهذه رسالة شيخ
اإسلم ابن تيمية رحمه ال تعالى والتي أجاب فيها سؤال من سأله الوصية .فجمع له فيها ما يقيم
شانه في الدنيا والخرة على اختصار وإيجاز ،فجاءت الرسالة جامعة ممتعة نافعة.
ولّما كانت هذه الوصية حاوية على فوائد كثيرة ،كان من المفيد نشرها بعد مراجعة أصولها
وتخريج آياتها وأحاديثها .وستكون واحدة في سلسلة من رسائل ووصايا علماء السلم الجلء.
الناشر
يتفضل الشيخ المام ،بقية السلف ،وقدوة الخلف ،أعلم من لقيت ببلد
المشرق والمغرب ،تقي الدين أو العباس أحمد ابن تيمية بأن يوصيني بما
يكون فيه صلح ديني ودنياي ،ويرشدني الى كتاب يكون عليه اعتمادي في
علم الحديث ،وكذلك في غيره من العلوم الشرعية ،وينبهني على أفضل
العمال الصالحة بعد الواجبات ،ويبين لي أرجح المكاسب .كل ذلك على
قصد اليماء والختصار ،والله تعالى يحفظه ،والسلم الكريم عليه ورحمة
الله وبركاته.
بسم ال الرحمن الرحيم
الحمد ل رب العالمين .أما الوصية ،فما أعلم وصية أنفع من وصية ال ورسوله لمن عقلها
ن ات ُّقوا ْ الل َّه{ قد وصينا ال ّذين ُأوتوا ْ ال ْكتاب من قَبل ِك ُم وإياك ُ َ
مأ ِْ ْ َ ِّ ْ َِ َ ِ ُ ِ َ واتبعها .قال تعلى }:وَل َ َ ْ َ ّ ْ َ
النساء .131
ووصى النبي صلى ال عليه وسلم معاذا لما بعثه الى اليمن فقال ":يا معاذ :اتق ال حيثما كنت،
واتبع الحسنة السيئة تمحها ،وخالق الناس بخلق حسن" *رواه المام أحمد في مسنده ].[266\5
وكان معاذ رضي ال من النبي صلى ال عليه وسلم بمنزلة علّية ،فإنه قال له " :يا معاذ :وال
إني لحبك" * رواه أبو داود] ،[1522والنسائي ] ،*[53\3وكان يردفه وراءه .وروي فيه أنه
أعلم المة بالحلل والحرام * جزء من حديث طويل رواه الترمذي ] [3791وابن ماجه ]
،*[154وأنه يحشر امام العلماء برتوة * كما في طبقات ابن سعد ] ،[347 :2وابن حجر في
الصابة ] * .[427\3أي بخطوة .ومن فضله انه بعثه النبي صلى ال عليه وسلم مبلغا عنه* ،
كما في حديث البخاري ] 1395فتح الباري[ * ،داعيا ومفقها وحاكما الى أهل اليمن.
وكان يشبهه بإبراهيم الخليل عليه السلم ،وإبراهيم إمام الناس .وكان ابن مسعود رضي ال عنه
يقول :إن معاذا كان أمة قانتا ل حنيفا ولم يك من المشركين ،تشبيها له بإبراهيم * .الصابة ] \3
.[427
ثم إنه صلى ال عليه وسلم وصاه هذه الوصية ،فُعلم أنها جامعة ،وهي كذلك لمن عقلها ،مع أنها
تفسير الوصية القرآنية.
أما بيان جمعها ،فلن العبد عليه حقان :حق ال عز وجل ،وحق لعباده .ثم الحق الذي عليه ل بد
ي عنه ،فقال النبي صلى ال عليه وسلم": أن يخل ببعضه أحيانا ،إما بترك مأمور به ،أو فعل منه ّ
اتق ال حيثما كنت" ،وهذه كلمة جامعة ،وفي قوله ":حيثما كنت" ،تحقيق لحاجته الى التقوى في
السر والعلنية .ثم قال ":واتبع السيئة الحسنة تمحها" ،فإن الطبيب متى تناول المريض شيئا
مضرا أمره بما يصلحه .والذنب للعبد كأنه أمر حتم .فالكّيس هو الذي ل يزال يأتي من الحسنات
بما يمحو السيئات .وإنما قدم في لفظ الحديث "السيئة" وإن كانت مفعولة ،لن المقصود هنا
محوها ل فعل الحسنة فصار كقوله في بول العرابي" :صبوا عليه ذنوبا من ماء" * أبو داود ]
[380وأصله في الصحيحين.
وينبغي أن تكون الحسنات من جنس السيئات ،فإنه أبلغ في المحو .والذنوب يزول موجبها
بأشياء :أحدها التوبة ،والثاني الستغفار من غير توبة .فإن ال تعالى قد يغفر له إجابة لدعائه وإن
لم يتب ،فإذا اجتمعت التوبة والستغفار فهو الكمال ،الثالث :العمال الصالحة المكفرة .إما
الكفارات المقدرة كما يكّفر المجامع في رمضان والمظاهر ولمرتكب لبعض محظورات الحج أو
تارك بعض واجباته أو قاتل الصيد ،بالكفارات المقدرة وهي أربعة أجناس :هدي وعتق وصدقة
وصيام .وإما الكفارات المطلقة كما قال حذيفة لعمر :فتنة الرجل في أهله وماله وولده يكفرها
ل على ذلك القرآنالصلة والصيام والصدقة والمر بالمعروف والنهي عن المنكر .وقد د ّ
والحاديث الصحاح في التكفير بالصلوات الخمس والجمعة والصيام والحج وسائر العمال التي
غفر له ،أو غفر له ما تقدم من ذنبه ،وهي كثيرة لمن تلقاها من
يقال فيها :من قال كذا وعمل كذا ُ
السنن وخصوصا ما صنف في فضائل العمال.
واعلم أن العناية بهذا من أشد ما بالنسان الحاجة إليه ،فإن النسان من حين يبلغ ،خصوصا في
هذه الزمنة ونحوها ـ من أزمنة الفترات التي تشبه الجاهلية من بعض الوجوه ـ فإن النسان الذي
ينشأ بين أهل علم ودين قد يتلطخ من أمور الجاهلية بعدة أشياء ،فكيف بغير هذا؟
وفي الصحيحين عن النبي صلى ال عليه وسلم من حديث أبي سعيد رضي ال عنه ":لتتبعن
ب لدخلتموه" ،قالوا :يا رسول ال، سنن من كان قبلكم حذو القّذة بالقذة حتى لو دخلوا حجر ض ّ
آليهود والنصارى؟ قال ":فمن؟" .البخاري ] [7320ومسلم [ .[2669هذا خبر تصديقه في قوله
ذيكال ّ ِ
م َ
ضت ُ ْ
خ ْ خل َقِهِ ْ
م وَ ُ من قَب ْل ِك ُ ْ
م بِ َ ن ِ مت َعَ ال ّ ِ
ذي َ ست َ ْ م كَ َ
ما ا ْ خل َقِك ُ ْ
مت َعُْتم ب ِ َ تعالىَ }:فا ْ
ست َ ْ
ضوا ْ { التوبة ،.69ولهذا شواهد في الصحاح والحسان. خا ُ
َ
وهذا أمر قد سري في المنتسبين الى الدين من الخاصة ،كما قال غير واحد من السلف منهم ابن
عيينة .فإن كثيرا من احوال اليهود قد ابتلي به بعض المنتسبين الى العلم ،وكثيرا من أحوال
النصارى قد ابتلي به بعض المنتسبين الى الدين ،كما يبصر ذلك من فهم دين السلم الذي بعث
ال به محمدا صلى ال عليه وسلم ،ثم نزله على أحوال الناس.
وإذا كان المر كذلك فمن شرح ال صدره للسلم فهو على نور من ربه ،وكان ميتا فأحياه ال
وجعل له نورا يمشي به بين الناس ،ل بد أن يلحظ أحوال الجاهلية وطريق المتين المغضوب
عليهم والضالين من اليهود والنصارى ،فيرى إن قد ابتلي ببعض ذلك.
فأنفع ما للخاصة والعامة العلم بما يخص النفوس من هذه الورطات وهو إتباع السيئات
الحسنات .والحسنات ما ندب ال إليه على لسان خاتم النبيين من العمال والخلق والصفات.
ومما يزيل موجب الذنوب المصائب المكّفرة ،وهي كل ما يؤلك من هم أو حزن أو أذى في مال
أو عرض أو جسد أو غير ذلك ،لكن ليس هذا من فعل العبد.
فلما قضى بهاتين الكلمتين :حق ال من عمل الصالح وإصلح الفاسد ،قال ":وخالق الناس بخلق
حسن" وهو حق الناس .وجماع الخلق الحسن مع الناس أن تصل من قطعك بالسلم والكرام
والدعاء له والستغفار والثناء عليه والزيارة له ،وتعطي من حرمك من التعليم والمنفعة والمال،
وتعفو عمن ظلمك في دم أو مال أو عض .وبعض هذا واجب وبعضه مستحب.
وأما الخلق العظيم الذي وصف ال به محمدا صلى ال عليه وسلم فهو الدين الجامع لجميع ما
أمر ال به مطلقا ،هكذا قال مجاهد وغيره وهو تأويل القرآن ،كما قالت عائشة رضي ال عنها:
كان خلقه القرآن * ،رواه مسلم ] [746بنحوه في جملة حديث طويل* ،وحقيقته المبادرة الى
امتثال ما يحبه ال تعالى بطيب نفس وانشراح صدر.
واما بيان أن هذا كله في وصية ال ،فهو أن اسم تقوى ال يجمع فعل كل ما أمر ال به إيجابا
واستحبابا ،وما نهى عنه تحريما وتنزيها؛ وهذا يجمع حقوق ال وحقوق العباد .لكن لما كان تارى
سرا في حديث معاذ ،وكذلك يعني بالتقوى خشية العذاب المقتضية للنكاف عن المحارم ،جاء مف ّ
في حديث أبي هريرة رضي ال عنهما الذي رواه الترمذي وصححه * انظر تحفة الحوذي ]
،[2072قيل :يا رسول ال ما اكثر ما يدخل الناس الجنة؟ قال ":تقوى ال وحسن الخلق" .قيل:
وما أكثر ما يدخل الناس النار؟ قال ":الجوفان :الفم والفرج".
وفي الصحيح عن عبد ال بن عمر رضي ال عنهما قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم":
أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا" * لم أجد بعد كثرة التتبع هذا الحديث من رواية عبدال بن
عمر رضي ال عنهما وإنما رواه أبو داود ] [4682بهذا اللفظ من رواية أبي هريرة رضي ال
عنه وصححه الحاكم ورواه الترمذي بزيادة ] 1172تحفة الحوذي[ عنه أيضا وصححه.*.
فجعل كمال اليمان في كمال حسن الخلق .ومعلوم أن اليمان كله تقوى ال ،وتفصيل أصول
التقوى وفروعها ل يحتمله هذا الموضع ،فإنها الدين كله ،لكن ينبوع الخير وأصله :إخلص العبد
ن ) {(5الفاتحة ،وفي قوله: ست َِعي ُ
ك نَ ْ ك ن َعْب ُد ُ وإ ِّيا َلربه عبادة واستعانة كما في قوله }:إ ِّيا َ
ُ َ ْ َ
ب ) {(10الشورى، ّ
ه{ هود ،123وفي قوله }:ع َلي ْهِ ت َوَكل ُ
ت وَإ ِلي ْهِ أِني ُ ل ع َل َي ْ ِ
} َفاع ْب ُد ْه ُ وَت َوَك ّ ْ
شك ُُروا ل َُه{ العنكبوت ،17بحيث يقطع العبد دوه ُ َوا ْ عند َ الل ّهِ الّرْزقَ َواع ْب ُ ُ وفي قولهَ }:فاب ْت َُغوا ِ
تعلق قلبه من المخلوقين انتفاعا بهم أو عمل لجلهم ،ويجعل همته ربه تعالى .وذلك بملزمة
الدعاء له في كل مطلوب من فاقة وحاجة ومخافة غير ذلك ،والعمل له بكل محبوب .ومن أحكم
هذا فل يمكن أن يوصف ما يعقبه ذلك.
وأما ما سألت عنه من أفضل العمال بعد الفرائض فإنه يختلف بإختلف الناس فيما يقدرون
عليه وما يناسب أوقاتهم ،فل يمكن فيه جواب جامع مفصل لكل أحد ،لكن مما هو الجماع بين
العلماء باله وأمره :إن ملزمة ذكر ال دائما هو أفضل ما شغل العبد به نفسه في الجملة ،وعلى
ل حديث أبي هريرة الذي رواه مسلم ":سبق المفّردون" * ] ،*[2676قالوا :يا رسول ال، ذلك د ّ
ومن المفّردون؟ قال ":الذاكرون ال كثيرا والذاكرات" .وفيما رواه أبو داود عن أبي الدرداء
رضي ال عنه عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال ":أل أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند
مليككم ،وأرفعها في درجاتكم ،وخير لكم من إعطاء الذهب والورق ،ومن أن تلقوا عدوكم
فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟" ،قالوا :بلى يا رسول ال ،قال ":ذكر ال" * هذا الحديث لم
خرجه أبو داود في سننه ولكن الترمذي ] 3437تحفة الحوذي[ وابن ماجه ] .[3790والدلئل يّ
القرآنية واليمانية بصرا وخبرا ونظرا على ذلك كثيرة .وأقل ذلك أن يلزم العبد الذكار
المأثورة عن معلم الخير وإمام المتقين صلى ال عليه وسلم كالذكار المؤقتة :في أول النهار
وآخره ،وعند أخذ المضجع ،وعند الستيقاظ من المنام ،وأدبار الصلوات ،والذكار المقّيدة :مثل
ما يقال عند الكل والشرب واللباس والجماع ،ودخول المنزل والمسجد والخلء والخروج من
ذلك ،وعند المطر والرعد ،الى غير ذلك ،وقد صنفت له الكتب المسماة بعمل يوم وليلة * .ومن
احسنها وأكثرها استيعابا كتاب الذكار لللمام الرباني محيى الدين يحيى النووي رحمه ال وقد
اختصره المؤلف وانتقى منه منتخبات في كتابه الكلم الطيب *.ثم ملزمة الذكر مطلقا ،وأفضله ل
اله ال ال .وقد تعرض أحوال يكون بقية الذكر مثل سبحان ال والحمد ل وال أكبر ول حول ول
قوة إل بال أفضل منه.
ثم يعلم أن كل ما تكلم به اللسان وتصوره القلب مما يقّرب الى ال تعالى من تعلم علم وتعليمه،
وأمر بمعروف ونهي عن منكر فهو من ذكر ال .ولهذا من اشتغل بطلب العلم النافع بعد أداء
الفرائض ،أو جلس مجلسا يتفقه أو يفقه فيه الفقه الذي سماه ال ورسوله فقها ،فهذا أيضا من
أفضل ذكر ال .وعلى ذلك إذا تدبرت ولم تجد بين الولين في كلماتهم في أفضل العمال كبير
اختلف.
وما اشتبه أمره على العبد فعليه بالستخارة المشروعة ،فما ندم من استخار ال تعالى .وليكثر
من ذلك ومن الدعاء ،فإنه مفتاح كل خير ،ول يعجل فيقول قد دعوت فلم يستجب لي .وليتحّر
الوقات الفاضلة كآخر الليل وأدبار الصلوات وعند الذان ،ووقت نزول المطر ونحو ذلك.
واما أرجح المكاسب :فالتوكل على ال ،والثقة بكفايته ،وحسن الظن به .وذلك أنه ينبغي للمهتم
بأمر الرزق أن يلجأ فيه الى ال ويدعوه ،كما قال سبحانه فيما يأثر عن نبّيه ":كلم جائع إل من
أطعمته فاستطعموني أطعمكم .يا عبادي كلكم عار إل من كسوته فاستكسوني أكسكم"* رواه
مسلم ] .*[2577وفيما رواه الترمذي عن أنس رضي ال عنه قال :قال رسول ال صلى ال عليه
وسلم ":ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى شسع نعله إذا انقطع ،فإنه إن لم ييسره له لم يتيسر" *
] 3682تحفة الحوذي[ *.وقد قال ال تعالى في كتابه }:وا َ
ضل ِِه { النساء ،32 من فَ ْ ه ِ سأُلوا ْ الل ّ ََ ْ
ُ ّ
ل اللهِ َواذ ْكُروا من فَ ْ َْ صَلة ُ َفانت َ ِ ذا قُ ِ وقال سبحانه }:فَإ ِ َ
ض ِ ض َواب ْت َُغوا ِ شُروا ِفي الْر ِ ت ال ّ
ضي َ ِ
ن ) {(10الجمعة ،وهذا وإن كان في الجمعة فمعناه قائم في جميع حو َ فل ِ ُ
م تُ ْ ه ك َِثيرا ً ل ّعَل ّك ُ ْالل ّ َ
الصلوات .ولهذا ـ وال أعلم ـ أمر النبي صلى ال عليه وسلم للذي يدخل المسجد أن يقول ":اللهم
اقتح لي أبواب رحمتك" *رواه مسلم ] ،[713وإذا خرج أن يقول ":اللهم أني أسألك من فضلك"
دوهُعند َ الل ّهِ الّرْزقَ َواع ْب ُ ُ *رواه مسلم ] .[713وقد قال الخليل صلى ال عليه وسلمَ }:فاب ْت َُغوا ِ
شك ُُروا ل َُه { العنكبوت ،17وهذا أمر ،والمر يقتضي اليجاب .فالستعانة بال واللجوء اليه َوا ْ
في أمر الرزق وغيره أصل عظيم.
ثم ينبغي له أن ياخذ المال بسخاوة ليبارك له فيه ،ول يأخذه بإشراف وهلع ،بل يكون المال عنده
بمنزلة الخلء الذي يحتاج اليه من غير أن يكون له في القلب مكانة ،والسعي فيه إذا سعى
كإصلح الخلء .وفي الحديث المرفوع رواه الترمذي وغيره ":من أصبح والدنيا همه شتت ال
عليه شمله ،وفرق عليه ضيعته ،ولم ياته من الدنيا إل ما كتب له .ومن أصبح والخرة أكبر هّمه
جمع ال عليه ما شمله ،وجعل غناه في قلبه ،وأتته الدنيا وهي راغمة" * ]تحفة الحوذي [2583
وفي إسناده يزيد الرقاشي وهو ضعيف كما قال الحافظ .وأخرجه ابن ماجه من طرق أخرى
صحيحة ] [4105كما نقله المحقق الستاذ محمد فؤاد عبدالباقي عن الزوائد*.
وقال بعض السلف :أنت محتاج الى الدنيا وأنت الى نصيبك من الخرة أحوج ،فإن بدأت بنصيبك
ن ت ال ْ ِ
ج ّ خل َ ْ
ق ُ ما َمن الخرة مر على نصيبك من الدنيا فانتظمه انتظاما .قال ال تعالى }:وَ َ
َ ُ ُ
و ن الل ّ َ
ه هُ َ ن ) (57إ ِ ّ ما أِريد ُ أن ي ُط ْعِ ُ
مو ِ ق وَ َ
من ّرْز ٍ
من ُْهم ّ
ما أِريد ُ ِ
ن )َ (56 دو ِ س إ ِّل ل ِي َعْب ُ ُ
لن ََوا ْ ِ
ن ) {(58الذاريات. قوّةِ ال ْ َ
مِتي ُ ذو ال ْ ُ الّرّزاقُ ُ
فأما تعيين مكسب على مكسب من صناعة أو تجارة أو بناية أو حراثة أو غير ذلك فهذا مختلف
ن للنسان جهة فليستخر ال تعالى فيها باختلف الناس ،ول أعلم في ذلك شيئا عاما ،لكن إذا ع ّ
الستخارة المتلقاة عن معلم الخير صلى ال عليه وسلم ،فإن فيها من البركة ما ل يحاط به .ثم ما
تيسر له فل يتكلف غيره إل أن يكون منه كراهة شرعية * .روى البخاري ] 1162فتح الباري[
عن جابر بن عبد ال رضي ال عنهما قال :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يعلمنا الستخارة
في المور كلها ،كما يعلمنا السور من القرآن ،يقول ":إذا هّم أحدكم بالمر فليركع ركعتين من
غير الفريضة ثم ليقل :اللهم إني أستخيرك بعلمك ،وأستقدرك بقدرك ،وأسألك من فضلك العظيم.
فإنك تقدر ول أقدر ،وتعلم ول أعلم ،وأنت علم الغيوب .اللهم إن كنت تعلم أن هذا المر خير لي
في ديني ومعاشي وعاقبة أمري ـ أو قال :بعاجل أمري وآجله ـ فاقدره لي ،ويسره لي ،ثم بارك
لي فيه وإن كنت تعلم أن هذا المر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري ـ أو قال :عاجل
أمري وآجله ـ فاصرفه عني ،واصرفني عنه .واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به" .قال":
ويسمي حاجته".
وأما ما تعتمد عليه من الكتب والعلوم فهذا باب واسع ،وهو أيضا يختلف باختلف نشء النسان
في البلد ،فقد يتيسر له في بعض البلد من العلم أو من طريقه ومذهبه فيه ما ل يتيسر له في بلد
آخر ،لكن جماع الخير أن يستعين بال سبحانه في تلقي العلم الموروث عن النبي صلى ال عليه
وسلم ،فإنه هو الذي يستحق أن ُيسّمى علما ،وما سواه إما أن يكون علما فل يكون نافعا ،وإما أن
سّمي به .ولئن كان علما نافعا فل بد أن يكون في ميراث محمد صلى ال عليه ل يكون علما وإن ُ
وسلم ما يغني عنه مما هو مثله وخير منه .ولتكن همته فهم مقاصد الرسول في أمره ونهيه وسائر
كلمه .فإذا اطمأن قلبه أن هذا هو مراد الرسول فل يعدل عنه فيما بينه وبين ال تعالى ول مع
الناس إذا أمكنه ذلك.
وليجتهد أن يعتصم في كل باب من أبواب العلم بأصل مأثور عن النبي صلى ال عليه وسلم.
وإذا اشتبه عليه مما قد اختلف فيه الناس فليدع ما رواه مسلم في صحيحه عن عائشة رضي ال
عنها :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يقول إذا قام يصلي من الليل ":اللهم رب جبريل
وميكائيل وإسرافيل ،فاطر السموات والرض ،عالم الغيب والشهادة ،أنت تحكم بين عبادك فيما
كانوا فيه يختلفون ،اهدني لما اختلق فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء الى صراط مستقيم".
]مسلم .[770فإن ال تعالى قد قال فيما رواه عنه رسوله :يا عبادي كلكم ضال إل من هديته
فاستهدوني أهدكم".
سره ال سبحانه .وما في وأما وصف الكتب والمصنفين ،فقد سمع منا في أثناء المذاكرة ما ي ّ
الكتب المصنفة المبوبة كتاب أنفع من صحيح محمد بن إسماعيل البخاري ،لكن هو وحده ل يقوم
بأصول العلم ول يقوم بتمام المقصود للمتبحر في أبواب العلم ،إذ ل بد من معرفة أحاديث أخر
وكلم أهل العلم في المور التي يختص بعلمها بعض العلماء .وقد أوعبت المة في كل فن من
فنون العلم إيعابا ،فمن نور ال قلبه هداه بما يبلغه من ذلك ،ومن أعماه لم تزده كثرة الكتب إل
حيرة وضلل ،كما قال النبي صلى ال عليه وسلم لبن لبيد النصاري ":أوليست التوراة
والنجيل عند اليهود والنصارى؟ فماذا تغني عنهم؟"* .رواه الترمذي ]تحفة الحوذي .[2791
فنسأل ال العظيم أن يرزقنا الهدى والسداد ،ويلهمنا رشدنا ،ويقينا شّر أنفسنا ،وان ل يزيغ قلوبنا
بعد إذ هدانا ،ويهب لنا من لدنه رحمه إنه هو الوهاب.