Professional Documents
Culture Documents
الاعتصام المؤلم
الاعتصام المؤلم
متابعة نقدية لإلعتصام الذي شهدته وزارة االعالم و مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية يوم أمس
لعلي ال أكون مبالغا إن قلت بأن اعتصام االعالميين ومن يهمهم أمر االعالم في مسقط ممن تمكنوا من االلتح اق
بالمعتصمين غداة أمس أمام مبنى وزارة االعالم ومبنى مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية هو اش د إيالم ا
على النفس من سائر مثيالتها من االعتصامات ،باستثناء تكدس آالف طلبات التوظيف في وزارة الق وى العامل ة
دون أن تتمكن من إجاد حلول فاعلة لها آنذاك لوال أن تدخلت األوامر السامية لحل األزمة ،أقول باس تثناء ذل ك،
فاعتصامات المهتمين بالشأن االعالمي كانت مؤلمة فعال ألنها ،ربما ،كشفت عن الوضع المرزي ،ليس الذي عليه
االعالم العماني فحسب ،وإنما رزية أؤلئك الذين يعملون في مكاتب وزارة االعالم من الص حفيين والمص ورين
والمهندسين والمخرجين وغيرهم .إذ أن أغلب المعتصمين كانوا من الوزارة ،الذين رفعوا ش عارات تكش ف عن
حجم مأساتهم مع سوء التخطيط والفساد االداري وغيره الذي – وفق الشعارات -يعصف به ذه ال وزارة ال تي
شبهوها "بالسجن الكبير" و" القلعة العسكرية" وغير ذلك من الشعارات التي – إن صح مضامينها – فالمرأ ال يسعه
حينئذ إال وأن يصاب بالذهول والصدمة .هل هذه هي وزارة االعالم كما يصورها أؤلئك المهندسون والص حفيون
والمصورون والمخرجون وغيرهم؟
يمكننا تقسيم مطالبات المعتصمين والمحتجين إلى أربعة أقسام تداخلت فيما بينها بنحو مثير:
القسم األول :مطالبات بالحرية االعالمية ،وتحت هذه المطالبة بالتحديد رفعوا ش عارات من قبي ل " :ال لتحوي ل
االعالم إلى مؤسسة أمنية" ،و "ال للتعتيم والتظليل" و "ال لكبت الحريات وال للك ذب على الم واطن" و "ال لكمت
األفواه" إضافة إلى أخرى ربما بدت "مستهجنة" قليال من قبيل " الكذب مجاني في التلفزيون العماني".
وسواء أتفقنا أم اختلفنا حول ما هو مستهجن وغير مقبول من الشعارات وما هو مقبول ومطلوب ،فلن نتخل ف أن
االعالم العماني عجز ،ألسباب ما ،عن كسب ثقة المواطن فيه من أقصى عمان إلى أقصاها ،فلقد استبدله بقن وات
مجاورة حتى ألجل معرفة الشأن الداخلي للبلد! ففي الوقت الذي تطورت القنوات الفضائية إلى حيث نرى ونسمع،
إنكفأ التلفزيون المحلي ليبث أمورا وبرامجا وأخبارا ال تمت بكثير صلة بما يجري حقيقة في العالم .وم ؤخرا في
أحداث صحار ،لم يصدق المواطنون أنهم فعال أمام تلفزيون بالدهم! فقد وجدوه وربما ألول مرة يحاول جاهدا أن
يواكب الحدث بشفافية كبيرة .ولوال ذلك ،لكانت القنوات المجاورة التي نذرت نفسها أن تتواجد أينما ش مت روائح
"المشكالت" – بالطبع إلى الحد الذي ال يضر بمصالحها -قد خرجت على المواطن العماني بأحداث دوار ص حار
بينما انشغل التلفزيون في موضوع آخر ،ربما في بث ب رامج الرس وم المتحرك ة ،لس ت أدري ،لكن المهم أن
التلفزيون قد فوت أن توجه لما تبقى من بقايا ثقة في نفوس بعض المواطنين آخر ضربة والتي ال سمح اهلل لكانت
جد قاسية وقاصمة أيضا.
المتحدثون اللبقون ،بدورهم ،كشفوا ما لم تتمكن الشعارات من كشفها ،فالرقابة الصارمة على ش ريط األخب ار،
ومراجعة المستشار لكل صغيرة وكبيرة فيه ،بل وسيطرته على تمام أوضاع الوزارة رغم كونه مستشارا للش أن
الثقافي ،قد بلغ إلى حدود أن موظفا بمؤهل الثانوية العامة مكلف بمراقبة ما يقوله العالمة الخليلي بل ومجاز بقطع
ما ال يالئم توجهات المستشار! – حسب ما تم التصريح به علنا .-كانوا يقولون بأن التلفزيون وبحسب التوجيهات
كان يبث صورا متحركة متحاشيا نقل ما كانت إسرائيل توزعه من موت على أرض غزة.
القسم الثاني من الشعارات التي رفعها المعتصمون ،تلك التي تتعلق بشؤونهم المزرية في داخل "القلعة العسكرية"
– بحسب ما وصفت – وكانت الشعارات مؤلمة للغاية ،من قبيل " :يا وزير االعالم تعبنا من المتاوبات بال تقدير"
و "ال لتوريث المناصب يا رواس" و "نريد 13راتب" و "المهندس في وزارة االعالم عامل نظاف ة" و " نط الب
بارجاع العالوات بأنواعها" و "ليس الخميس كالسبت وال الجمعة كاألحد :إجازاتنا" و"أربعين سنة و 4كاميرات" و "
أحلم بأجرة تزيد عن 7رياالت للتقرير" و "أحلم بدورات تدريبية خارج البلد" ،و "أحلم ببطاقة الدخول للوزارة" و
"مساكن االعالم أين ذهبت" و "نريد زيادة الرواتب".
وعندما استمعت إلى بعض المتحدثين اللبقين وهو يكشف عن مأساته ومأساة رفاقه من المخ رجين والمص ورين
والمهندسين ،اتضح تماما بأن المعاناة هاهنا قد بلغت ذروتها .فلقد تحدثوا عن سوء المعامل ة وأوام ر من ن وع
"اشتغل أو ارحل" و "نظام الشلل والمحاباة على حساب األداء" وصرح بعضهم بأنهم ومنذ 20عاما لم يتلق وا أي
تدريب ،وتحدثوا عن صدمة الملتحقين الجدد الذين يوعدون عند االلتحاق ،بالدورات وغير ذلك ولكنهم صدموا إذ
لم يجدوا لهذه الوعود وفاء بمستوى التدريب على رأس العمل!
لقد تحدث المتحدثون عن ساعات وساعات من العمل المضني بال تقدير وال زيادات وال حتى إشادات .لقد تحدثوا
عن أيام غونو وتغطية التلفزيون ألحداثه ،فلقد عمل العاملون في التغطية الصحفية والتصوير والهندسة ثالثة أي ام
متواصلة دون أن تقدم لهم الوزارة ماء وال طعام وال حتى "بسكويت"! – على حد وصفهم .-
هناك من تحدث عن السعر الذي يتقاضاه الممثل العماني الذي في بعض األحيان يصل إلى ما يتقاض اه منظف وا
البالط في الوقت الذي يتقاضا نظراءهم من الخليجيين ما ال يمكن مقارنته أساسا بهاهنا .لق د أش ار البعض إلى
مواطنين صحفيين واعالميين التحقوا بالقنوات المجاورة فرارا من القلعة العسكرية التي تعرف – وفق وصفهم –
وزارة االعالم بها .حسب البعض عدد االستقاالت في الوزارة فبلغت 70استقالة في ظرف قصير أظنه ال يتعدى
السنتين!
القسم لثالث من الشعارات التي رفعها المعتصمون ،كانت تتعلق بالتوقف عن المحاباة واالنتقائي ة في دعم ونش ر
الكتب وتغيير قانون المطبوعات وإطالق الحريات االعالمية بحيث يستطيع المواطن ون أن يس تثمروا في ه ذا
القطاع بال عوائق من النوع التي توجد اآلن والتي صممت لقمع الحريات ومنع الناس من التع اطي م ع الش أن
االعالمي .فالعراقيل أمام النشر عديدة وتعجيزية ،فضال عن القنوات االذاعية أو الفضائية .بل وح تى الص حيفة
االلكترونية باتت تواجه حفرا وخنادق في طريق من يود أن يوجد واحدة!
لقد أشار البعض إلى المعاناة التي تكبدوها ألجل يؤسسوا مشروعا الصدار صحيفة للطفل العماني ،فلق د ك انت
القوانين وكأنها قد حبكت بالنحو الذي تصرف االرادة فور االطالع عليها من التفكير في تأسيسها.
والسؤال الذي يفرض نفسه هو :أليست هذه القوانين ،إن صح وصفها المار ،بالتي ستعمل على إقص اء االعالام
نفسه عن الساحة العمانية؟ هذا ألنها حتما لن تتمكن من إقصاء المواطن من أن يتعاطى االعالم الح ر والنزيف ه
الذي يطل عليه من القنوات المجاورة وأشكال االعالم الحديث من facebookونظيراتها؟
أما القسم األخير من الشعارات ،فقد ارتكزت على من أسمتهم صراحة بالمسؤولين عن هذا الذي يعاني من االعالم
منه وما يعانيه منه موظفيه .لقد كثرت الشعارات التي وجهت اللوم إلى بعض المسؤولين وطالبت بإقالتهم عاجال،
من قبيل الشعارات التي قالت "االعالم وين يا شوين" و "ال رواس ح ول االعالم إلى منطق ة االع دام" و "كفى
للتدخالت يا عبدالعزيز" و "نطالب بوجوده إدارية جديدة لإلعالم" و " اسرعوا في تفعيل هيئة االذاعة والتلفزي ون"
على أن ال تكون تحت إدارة الوزير الحالي ووكيله والمستشار "المحرك الحقيقي لل وزارة إلى حيث االنح دار" –
حسب الشعارات. -
لعلنا ال نتوقع عن قريب انبثاق نظام يمنح لكل مسؤول كبير جدا وبمرتبة وزير مدة زمنية يقضيها في حمل أعباء
مسؤولياته ،ويلقيها على عاتق غيرها بانتهائها ،إال أن تصل مدة وجود أي فرد مهما ك ان عبقري ا في منص به
لسنوات متمادية فأمر قد ال يكون صحيا جدا إذ ال مبرر له أوال في ظل وجود كفاءات عديدة إذ لم ينضب ينب وع
المخرجات المبدعة والعقول الكبيرة في هذا البلد المعطاء أبدا ولن ينضب .هذا وثانيا في ظل غياب نظام أشد دقة
في تقييم ما تم بين الفينة واألخرى .لقد أبدى العديد من المفكرين العمانيين والكتاب عدم ارتياحهم من فكرة "طول
المكوث" في المناصب الحساسة والكبيرة ،و "تدوير الكراسي" ووافقتهم المراسيم السامية ال سيما تلك التي أوجدت
تعديال في مجلس الوزراء بات وفقه 7من الوزراء من منتخبات الشعب عبر مجلس الشورى .األمر ال ذي ح دا
بالمعتصمين إلى أن ينادوا بأن تهب رياح التغيير واالصالح لهذه الوزارة العريقة التي ال شك بأنه ا في مس يس
الحاجة إلى إصالح جذري يعيد ترتيب أوضاعها الداخلية لها تمهيدا لدفعها نحو مواكبة إيق اع االعالم العص ري
الذي ال يجد نحو كسب ثقة الجماهير إال طريق الكلمة الصادقة والتغطية واقعية للحدث.
إن بزوغ شمس االصالح فجر 28فبراير قد مدت شعاعها على سهول عمان وفيافيها وأوديتها وهضابها ،ولس نا
نظن أن أحدا يمكنه أن ينأى من نورها االصالحي بعيدا ،السيما وأن آذان القيادة الحكيمة للبلد قد تبوأت مكانا غاية
في القرب من شتى أصوات أبناء عمان ،ومن المحتم أن "توزيع المكافآت على الشلل" و "الس يطرة على الخ بر"
حاالت باتت تلفظ آخر أنفاسها.