You are on page 1of 3

‫االعتصام المؤلم‬

‫متابعة نقدية لإلعتصام الذي شهدته وزارة االعالم و مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية يوم أمس‬

‫محمد رضا اللواتي‪ .‬نشر في جريدة الرؤيا بتاريخ ‪/9/3/2011‬م‬

‫لعلي ال أكون مبالغا إن قلت بأن اعتصام االعالميين ومن يهمهم أمر االعالم في مسقط ممن تمكنوا من االلتح اق‬
‫بالمعتصمين غداة أمس أمام مبنى وزارة االعالم ومبنى مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية هو اش د إيالم ا‬
‫على النفس من سائر مثيالتها من االعتصامات‪ ،‬باستثناء تكدس آالف طلبات التوظيف في وزارة الق وى العامل ة‬
‫دون أن تتمكن من إجاد حلول فاعلة لها آنذاك لوال أن تدخلت األوامر السامية لحل األزمة‪ ،‬أقول باس تثناء ذل ك‪،‬‬
‫فاعتصامات المهتمين بالشأن االعالمي كانت مؤلمة فعال ألنها‪ ،‬ربما‪ ،‬كشفت عن الوضع المرزي‪ ،‬ليس الذي عليه‬
‫االعالم العماني فحسب‪ ،‬وإنما رزية أؤلئك الذين يعملون في مكاتب وزارة االعالم من الص حفيين والمص ورين‬
‫والمهندسين والمخرجين وغيرهم‪ .‬إذ أن أغلب المعتصمين كانوا من الوزارة‪ ،‬الذين رفعوا ش عارات تكش ف عن‬
‫حجم مأساتهم مع سوء التخطيط والفساد االداري وغيره الذي – وفق الشعارات ‪ -‬يعصف به ذه ال وزارة ال تي‬
‫شبهوها "بالسجن الكبير" و" القلعة العسكرية" وغير ذلك من الشعارات التي – إن صح مضامينها – فالمرأ ال يسعه‬
‫حينئذ إال وأن يصاب بالذهول والصدمة‪ .‬هل هذه هي وزارة االعالم كما يصورها أؤلئك المهندسون والص حفيون‬
‫والمصورون والمخرجون وغيرهم؟‬

‫يمكننا تقسيم مطالبات المعتصمين والمحتجين إلى أربعة أقسام تداخلت فيما بينها بنحو مثير‪:‬‬

‫القسم األول‪ :‬مطالبات بالحرية االعالمية‪ ،‬وتحت هذه المطالبة بالتحديد رفعوا ش عارات من قبي ل ‪" :‬ال لتحوي ل‬
‫االعالم إلى مؤسسة أمنية"‪ ،‬و "ال للتعتيم والتظليل" و "ال لكبت الحريات وال للك ذب على الم واطن" و "ال لكمت‬
‫األفواه" إضافة إلى أخرى ربما بدت "مستهجنة" قليال من قبيل " الكذب مجاني في التلفزيون العماني"‪.‬‬

‫وسواء أتفقنا أم اختلفنا حول ما هو مستهجن وغير مقبول من الشعارات وما هو مقبول ومطلوب‪ ،‬فلن نتخل ف أن‬
‫االعالم العماني عجز‪ ،‬ألسباب ما‪ ،‬عن كسب ثقة المواطن فيه من أقصى عمان إلى أقصاها‪ ،‬فلقد استبدله بقن وات‬
‫مجاورة حتى ألجل معرفة الشأن الداخلي للبلد! ففي الوقت الذي تطورت القنوات الفضائية إلى حيث نرى ونسمع‪،‬‬
‫إنكفأ التلفزيون المحلي ليبث أمورا وبرامجا وأخبارا ال تمت بكثير صلة بما يجري حقيقة في العالم‪ .‬وم ؤخرا في‬
‫أحداث صحار‪ ،‬لم يصدق المواطنون أنهم فعال أمام تلفزيون بالدهم! فقد وجدوه وربما ألول مرة يحاول جاهدا أن‬
‫يواكب الحدث بشفافية كبيرة‪ .‬ولوال ذلك‪ ،‬لكانت القنوات المجاورة التي نذرت نفسها أن تتواجد أينما ش مت روائح‬
‫"المشكالت" – بالطبع إلى الحد الذي ال يضر بمصالحها‪ -‬قد خرجت على المواطن العماني بأحداث دوار ص حار‬
‫بينما انشغل التلفزيون في موضوع آخر‪ ،‬ربما في بث ب رامج الرس وم المتحرك ة‪ ،‬لس ت أدري‪ ،‬لكن المهم أن‬
‫التلفزيون قد فوت أن توجه لما تبقى من بقايا ثقة في نفوس بعض المواطنين آخر ضربة والتي ال سمح اهلل لكانت‬
‫جد قاسية وقاصمة أيضا‪.‬‬
‫المتحدثون اللبقون‪ ،‬بدورهم‪ ،‬كشفوا ما لم تتمكن الشعارات من كشفها‪ ،‬فالرقابة الصارمة على ش ريط األخب ار‪،‬‬
‫ومراجعة المستشار لكل صغيرة وكبيرة فيه‪ ،‬بل وسيطرته على تمام أوضاع الوزارة رغم كونه مستشارا للش أن‬
‫الثقافي‪ ،‬قد بلغ إلى حدود أن موظفا بمؤهل الثانوية العامة مكلف بمراقبة ما يقوله العالمة الخليلي بل ومجاز بقطع‬
‫ما ال يالئم توجهات المستشار! – حسب ما تم التصريح به علنا ‪ .-‬كانوا يقولون بأن التلفزيون وبحسب التوجيهات‬
‫كان يبث صورا متحركة متحاشيا نقل ما كانت إسرائيل توزعه من موت على أرض غزة‪.‬‬

‫القسم الثاني من الشعارات التي رفعها المعتصمون‪ ،‬تلك التي تتعلق بشؤونهم المزرية في داخل "القلعة العسكرية"‬
‫– بحسب ما وصفت – وكانت الشعارات مؤلمة للغاية‪ ،‬من قبيل ‪" :‬يا وزير االعالم تعبنا من المتاوبات بال تقدير"‬
‫و "ال لتوريث المناصب يا رواس" و "نريد ‪ 13‬راتب" و "المهندس في وزارة االعالم عامل نظاف ة" و " نط الب‬
‫بارجاع العالوات بأنواعها" و "ليس الخميس كالسبت وال الجمعة كاألحد‪ :‬إجازاتنا" و"أربعين سنة و‪ 4‬كاميرات" و "‬
‫أحلم بأجرة تزيد عن ‪ 7‬رياالت للتقرير" و "أحلم بدورات تدريبية خارج البلد"‪ ،‬و "أحلم ببطاقة الدخول للوزارة" و‬
‫"مساكن االعالم أين ذهبت" و "نريد زيادة الرواتب"‪.‬‬

‫وعندما استمعت إلى بعض المتحدثين اللبقين وهو يكشف عن مأساته ومأساة رفاقه من المخ رجين والمص ورين‬
‫والمهندسين‪ ،‬اتضح تماما بأن المعاناة هاهنا قد بلغت ذروتها‪ .‬فلقد تحدثوا عن سوء المعامل ة وأوام ر من ن وع‬
‫"اشتغل أو ارحل" و "نظام الشلل والمحاباة على حساب األداء" وصرح بعضهم بأنهم ومنذ ‪ 20‬عاما لم يتلق وا أي‬
‫تدريب‪ ،‬وتحدثوا عن صدمة الملتحقين الجدد الذين يوعدون عند االلتحاق‪ ،‬بالدورات وغير ذلك ولكنهم صدموا إذ‬
‫لم يجدوا لهذه الوعود وفاء بمستوى التدريب على رأس العمل!‬

‫لقد تحدث المتحدثون عن ساعات وساعات من العمل المضني بال تقدير وال زيادات وال حتى إشادات‪ .‬لقد تحدثوا‬
‫عن أيام غونو وتغطية التلفزيون ألحداثه‪ ،‬فلقد عمل العاملون في التغطية الصحفية والتصوير والهندسة ثالثة أي ام‬
‫متواصلة دون أن تقدم لهم الوزارة ماء وال طعام وال حتى "بسكويت"! – على حد وصفهم ‪.-‬‬

‫هناك من تحدث عن السعر الذي يتقاضاه الممثل العماني الذي في بعض األحيان يصل إلى ما يتقاض اه منظف وا‬
‫البالط في الوقت الذي يتقاضا نظراءهم من الخليجيين ما ال يمكن مقارنته أساسا بهاهنا‪ .‬لق د أش ار البعض إلى‬
‫مواطنين صحفيين واعالميين التحقوا بالقنوات المجاورة فرارا من القلعة العسكرية التي تعرف – وفق وصفهم –‬
‫وزارة االعالم بها‪ .‬حسب البعض عدد االستقاالت في الوزارة فبلغت ‪ 70‬استقالة في ظرف قصير أظنه ال يتعدى‬
‫السنتين!‬

‫القسم لثالث من الشعارات التي رفعها المعتصمون‪ ،‬كانت تتعلق بالتوقف عن المحاباة واالنتقائي ة في دعم ونش ر‬
‫الكتب وتغيير قانون المطبوعات وإطالق الحريات االعالمية بحيث يستطيع المواطن ون أن يس تثمروا في ه ذا‬
‫القطاع بال عوائق من النوع التي توجد اآلن والتي صممت لقمع الحريات ومنع الناس من التع اطي م ع الش أن‬
‫االعالمي‪ .‬فالعراقيل أمام النشر عديدة وتعجيزية‪ ،‬فضال عن القنوات االذاعية أو الفضائية‪ .‬بل وح تى الص حيفة‬
‫االلكترونية باتت تواجه حفرا وخنادق في طريق من يود أن يوجد واحدة!‬

‫لقد أشار البعض إلى المعاناة التي تكبدوها ألجل يؤسسوا مشروعا الصدار صحيفة للطفل العماني‪ ،‬فلق د ك انت‬
‫القوانين وكأنها قد حبكت بالنحو الذي تصرف االرادة فور االطالع عليها من التفكير في تأسيسها‪.‬‬
‫والسؤال الذي يفرض نفسه هو ‪ :‬أليست هذه القوانين‪ ،‬إن صح وصفها المار‪ ،‬بالتي ستعمل على إقص اء االعالام‬
‫نفسه عن الساحة العمانية؟ هذا ألنها حتما لن تتمكن من إقصاء المواطن من أن يتعاطى االعالم الح ر والنزيف ه‬
‫الذي يطل عليه من القنوات المجاورة وأشكال االعالم الحديث من ‪ facebook‬ونظيراتها؟‬

‫أما القسم األخير من الشعارات‪ ،‬فقد ارتكزت على من أسمتهم صراحة بالمسؤولين عن هذا الذي يعاني من االعالم‬
‫منه وما يعانيه منه موظفيه‪ .‬لقد كثرت الشعارات التي وجهت اللوم إلى بعض المسؤولين وطالبت بإقالتهم عاجال‪،‬‬
‫من قبيل الشعارات التي قالت "االعالم وين يا شوين" و "ال رواس ح ول االعالم إلى منطق ة االع دام" و "كفى‬
‫للتدخالت يا عبدالعزيز" و "نطالب بوجوده إدارية جديدة لإلعالم" و " اسرعوا في تفعيل هيئة االذاعة والتلفزي ون"‬
‫على أن ال تكون تحت إدارة الوزير الحالي ووكيله والمستشار "المحرك الحقيقي لل وزارة إلى حيث االنح دار" –‬
‫حسب الشعارات‪. -‬‬

‫لعلنا ال نتوقع عن قريب انبثاق نظام يمنح لكل مسؤول كبير جدا وبمرتبة وزير مدة زمنية يقضيها في حمل أعباء‬
‫مسؤولياته‪ ،‬ويلقيها على عاتق غيرها بانتهائها‪ ،‬إال أن تصل مدة وجود أي فرد مهما ك ان عبقري ا في منص به‬
‫لسنوات متمادية فأمر قد ال يكون صحيا جدا إذ ال مبرر له أوال في ظل وجود كفاءات عديدة إذ لم ينضب ينب وع‬
‫المخرجات المبدعة والعقول الكبيرة في هذا البلد المعطاء أبدا ولن ينضب‪ .‬هذا وثانيا في ظل غياب نظام أشد دقة‬
‫في تقييم ما تم بين الفينة واألخرى‪ .‬لقد أبدى العديد من المفكرين العمانيين والكتاب عدم ارتياحهم من فكرة "طول‬
‫المكوث" في المناصب الحساسة والكبيرة‪ ،‬و "تدوير الكراسي" ووافقتهم المراسيم السامية ال سيما تلك التي أوجدت‬
‫تعديال في مجلس الوزراء بات وفقه ‪ 7‬من الوزراء من منتخبات الشعب عبر مجلس الشورى‪ .‬األمر ال ذي ح دا‬
‫بالمعتصمين إلى أن ينادوا بأن تهب رياح التغيير واالصالح لهذه الوزارة العريقة التي ال شك بأنه ا في مس يس‬
‫الحاجة إلى إصالح جذري يعيد ترتيب أوضاعها الداخلية لها تمهيدا لدفعها نحو مواكبة إيق اع االعالم العص ري‬
‫الذي ال يجد نحو كسب ثقة الجماهير إال طريق الكلمة الصادقة والتغطية واقعية للحدث‪.‬‬

‫إن بزوغ شمس االصالح فجر ‪ 28‬فبراير قد مدت شعاعها على سهول عمان وفيافيها وأوديتها وهضابها‪ ،‬ولس نا‬
‫نظن أن أحدا يمكنه أن ينأى من نورها االصالحي بعيدا‪ ،‬السيما وأن آذان القيادة الحكيمة للبلد قد تبوأت مكانا غاية‬
‫في القرب من شتى أصوات أبناء عمان‪ ،‬ومن المحتم أن "توزيع المكافآت على الشلل" و "الس يطرة على الخ بر"‬
‫حاالت باتت تلفظ آخر أنفاسها‪.‬‬

You might also like