Professional Documents
Culture Documents
1-أقسام الناس في التأثر بآيات الله
1-أقسام الناس في التأثر بآيات الله
منهجية البحث:
سأتناول في هذا البحث جانبا ً إيمانيا ً تربويا ً واحدا ً فقط لن
السورة مليئة بأسس وقواعد التربية ،وهو موضوع :أقسام
الناس في التأثر بآيات الله المتلوة والمشاهدة.
وذلك وفق منهجية علمية تتمثل في النقاط التالية :
-العتماد على كتب التفسير بالمأثور خاصة للبحث في معاني
اليات ،وعلى كتب التفسير عامة في صياغة البحث
ومسائله.
-الحرص على إيراد الروايات الصحيحة في تفسير اليات وفي
أسباب النزول.
-الحرص على بيان المعنى الجمالي للية قبل استنباط العبر
والعظات منها.
-اللتزام بالستشهاد بالحاديث الصحيحة فقط ،ولم أستشهد
بحديث اتفق على ضعفه.
-تخريج الحاديث والثار من مصادرها ،مع عزو الحاديث
لمخرجها بذكر الكتاب والباب ورقم الحديث إن وجد.
-العتماد على تصحيح وتضعيف علماء الحديث.
-محاولة عرض المعنى الجمالي لليات ثم التركيز في
المعنى على الفوائد العملية ،مع عدم إيراد أي معلومة ل
ينبني عليها فائدة عملية.
-الربط بين المعاني التي تشير إليها اليات وحاجة الناس
اليوم لهداياتها.
-الرجوع إلى المراجع التي تخدم الموضوع الذي تشير إليه
اليات.
-التقديم بمقدمة عن الوحدة الموضوعية للسورة ،وفيها بيان
فيها ملمح السورة الرئيسة وعلقتها بهذا البحث.
()1الفوائد ص .3
()2مختصر منهاج القاصدين .55
()3انظر :تفسير الرازي .26/238
صفحة 11من 55
بزيادة ذلك الوصف ،وينقص بنقصانه؛ فكلمــا تـم اليمـان كــان انتفـاع
النسان بآيات الله أكثر ،وفهمه لها أعظم").(1
(3أن يعلم أن الله أراد بهذه اللفاظ المعاني التي هي
موضوعة لها:
ﮞ ﮟ له تعالى :ﭽﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ فهو كما وصفه ُمن ْزِ ُ
ﮠ ﮡ ﭼ]فصلت [،42:ول يليق بالحكيم إل ّالكلم لحكمة ٍ تقتضي ذلك).(2
(4حياة القلب والخذ بأسبابه:
كما قال تعالى :ﭽ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﯲﯲ ﭼ ]يس-69:
[70وقال في موضع آخر :ﭽﭡﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭼ ]ق"[37:
فإن النتفاع بالقرآن والنذار به إنما يحصل لمن هو كذلك).(3
(5أن يحرص على النتفاع بالقرآن في شتى وجوه
النتفاع:
"فقد أنزل الله القرآن:
-1لليمان به.
-2وتعلمه وتلوته.
-3وتدبره.
-4والعمل به.
-5وتحكيمه.
-6والتحاكم إليه.
7-والستشفاء به من أمراض القلوب وأدرانها.
إلى غير ذلك من الحكم التي أرادها الله مــن إنزالــه .ويحصــل الهجــر
للقرآن من الشخص بقدر ما يحصل منه من العراض عن النتفاع بــه
بأي وجه ٍ من الوجوه").(4
هم القرآن وتدبره: (6ت َ َ
ف ُ
فيجتهد ما استطاع في ذلــك عنــد قراءتــه فإنهــا مــواهب مــن الكريــم
الوهاب يعطيها لمن صدق في طلبها وسلك الســباب الموصــلة إليهــا
بجد واجتهاد ﭽﮠﮩ ﮡﮩ ﯲ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧﮩ ﮨ ﮩﮩ ﮪ ﭼ ]العنكبوت .(5)[٦٩ :ومما يعين
علـى تـدبر القـرآن وفهــم معــانيه قـراءة بعـض التفاســير المختصـرة
المفيدة :كتفسير ابن كــثير الدمشــقي ،ومختصــراته كعمــدة التفســير
يعنــى بتفســيره والمصباح المنير ،وتفاسير الشيخ ابن ســعدي .أو مــا ُ
()1تفسير سورة البقرة لبن عثيمين .3/220
()2انظر :تفسير الرازي .26/238
()3انظر :إغاثة اللهفان .22-1/21
()4
وانظر فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والفتاء .4/104
()5وانظر :تدبر القرآن د.اللحم ص 4
صفحة 12من 55
الجمــالي :كالمصــحف الميســر -طباعــة مجمــع الملــك فهــد ،وزبــدة
التفسير مختصر فتح القدير للشقر ،وملخصه نفحة العــبير مــن زبــدة
التفسير وغيرها ،مع العناية باختيار السلم في مسائل العتقــاد وتتبــع
معاني كلم الله.
ومجاهدة النفس والخذ بأسباب التـدبر :كمعرفـة معـاني الكلمـات
عن الشواغل ،ونحو ذلك ،حــتى يتســنى لــه النتفــاع بعيد ً
والقراءة ا
بما يقرأ).(1
(7أن يجتهد ما استطاع في الخشوع والخضوع لله عند
قراءته:
قال النووي رحمه الله" :فإذا شرع في القراءة فليكن شأنه الخشــوع
والتدبر عند القراءة ،والدلئل عليه أكثر من أن تحصر وأشهر وأظهــر
من أن تذكر ،فهو المقصود المطلوب ،وبه تنشــرح الصــدور وتســتنير
القلوب .قال الله عز وجل :ﭽﭻﭼ ﭽﭾﭼ]النساء ،[82:وقال تعالى :ﭽﭲﭳ ﭴ
[29والحــاديث فيــه كــثيرة وأقاويــل الســلف فيــهﭵـ ﭶـ ﭷﭼ ]ص. :
مشهورة.(2)".
(8الستعاذة من الشيطان الرجيم عند تلوة القرآن:
قال تعالى :ﭽﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﭼ ]النحل [،٩٨:ليكون الشيطان بعيدا
عن قلب المرء ،وهو يتلو كتاب الله حتى يحصل له بذلك تدبر القرآن
وتفهم معانيه ،والنتفاع به؛ فإذا قرأته وقلبــك حاضــر حصــل لــك مــن
معرفة المعاني والنتفاع بالقرآن مـا لـم يحصـل لـك إذا قرأتـه وأنـت
غافل ،وجرب تجد.(3).
(9عدم تقديم شيء بين يدي كلمه سبحانه:
ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ قال تعالى :ﭽ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ
ﯛ ﯜ ﯜ ﯙ ﯚ ﯜ ﯲ ﯲ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮡﮢﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ
ومن ذلك حسن ﯞ ﯟ ﯠ ﯪ ﯡﯪﯪ ﯢ ﯪ ﯣ ﯪ ﯤﯪﯥﯪﯪﯪ ﯦﯪ ﯧﯪ ﯨ ﯩ ﯪﯪﯪ ﭼ ]الحجرات.[٣ – ١ :
الدب بخفض الصوت عند سماع كلمه.
(10الستماع للقران والنصات له:
لقوله تعالى :ﭽﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﭼ ]العراف [،٢٠٤:والنصات :السكوت
للستماع والصغاء والمراعـاة وقـت قــراءة القـرآن فـي صــلة وغيــر
صلة ،وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يســمع القــرآن مــن
غيره ،وأمر عبدالله بن مسعود رضي الله عنه ،فقرأ عليه وهو يسمع،
1
)( فتاوى الشبكة السلمية رقم الفتوى 35005بعنوان :فَ ّ
وت على نفسه النتفاع
بالقرآن ،تاريخ الفتوى 17 :جمادى الولى 1424هـ.
()2انظر :التبيان في آداب حملة القرآن ص 37
()3انظر :الشرح الممتع 3/40باب صفو الصلة باختصار وتصرف.
صفحة 13من 55
وخشع صلى الله عليه وسلم لسماع القرآن منه حتى ذرفت عيناه ).(1
ﯽ ﯾ ﯿ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﰈﰉ ﯲ ﯲ ) .(2وقال تعالى :ﭽﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﯼ
ﯲ ﯲ ﯲﭼ ]القيامة.[١٩–١٦:
(11إن حسن الداء هو طريق النتفاع بالقرآن:
كما قال تعالى :ﭽ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭼ ]المزمل.(3) [٥ – ٤ :
(12مدارسة القرآن وعلومه:
بأن يحضر حلقات العلم ليستفيد ويتذاكر مــع إخــوانه الــذين يرجــو أن
يكون عندهم علم حتى يستفيد من علمهم ،وحتى يضم ما لديهم مــن
العلوم النافعة إلى ما لديه مــن العلــم ،فيحصــل لــه بــذلك خيــر كــثير
ويحصل له بــذلك الفقــه فــي الــدين ،والبعــد عــن صــفات المعرضــين
والغافلين ،وقد قال صلى الله عليــه وســلم) :مــن يــرد اللــه بــه خيــرا
يفقهه في الدين().(5)(4
ﭽﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ والخلصة:
قال ابن القيم رحمه الله لما ذكر هذه الية
ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ:ﭼ "فإذا حصل المؤثر وهو :القرآن، ﭦ
والمحل القابل وهو :القلــب الحــي ،ووجــد الشــرط وهــو :الصــغاء،
وانتفى المــانع وهــو :اشــتغال القلــب وذهــوله عــن معنــى الخطــاب
وانصرافه عنه إلى شيء آخر؛ حصل الثر وهو النتفاع والتذكر").(6
()1صحيح البخاري كتاب التفسير باب فكيف إذا جئنا من كل أمــة بشــهيد وجئنــا بــك
صــلة المســافرين وقصــرها بــاب على هؤلء شهيدا ) .(4582ومسلم كتــاب
فضل اســتماع القــرآن وطلــب القــراءة مــن حــافظ للســتماع والبكــاء عنــد القــراءة
والتدبر).(800
()2انظر :زاد المعاد 189 /1الجامع لحكام القرآن .354 / 7
انظر :فاكهة الخلفاء ومفاكهة الظرفاء -أحمد بن محمد بن عزت شــاه الحنفــي :ص ()3
.16
()4مسند أحمد (7193)2/234قال شعيب الرنؤوط :إســناده صــحيح علــى شــرط
الشيخين.
()5مجموع فتاوى ومقالت ابن باز .9/283
()6تقدم تخريجه.
صفحة 14من 55
المبحث الثاني
أسباب النتفاع باليات الخرى
ن أسباب النتفاع والتعاظ قــد جمعهــا اللــه فــي أمريــن جمعــا إ ّ
أسباب النتفاع بالقرآن :وهما حضــور القلـب عنــد ســماع وقــراءة
القرآن مع تفهم معاني اليات وإنزالها على نفسه .ومع ذلــك فقــد
أقام الحجة على خلقه بآياته الكونيــة -أفقيــة ونفســية أيضـًا ،ولــذا
نجـد فــي آيــات السـورة ذكــرا ً للسـباب الـتي تجعـل العبـد ينتفــع
باليات الفقية والنفسية.
قال تعالى :ﭽﮪﮫﮬ ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣ ﯤﯥﯦﯧ ﯨﯩﯲﯲﯲﯲﯲﯲﯲﯲﯲﯲ
ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲﭼ
وقال تعالى :ﭽ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ ﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭﭮ ﭯﭰ
ﭼ
وقال تعالى :ﭽ ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ ﯙﯚﯛﯜﯝ ﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ ﯦﯧﯨﯩ ﯲﯲﯲﯲ ﯲﯲﯲﯲﯲﯲﯲ
ﯲﯲ ﯲﯲﯲﯲﯲﯼﯽ ﯾﯿ ﯲﯲﯲ ﯲﯲﯲﯲﯲﰈﰉﯲﯲﯲﯲﰎﯲﯲﯲﰒﯲﯲﯲﯲﭑﭒ ﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ ﭚﭛﭜﭝ
ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ
ﮊﮋﮌﮍ ﮎﮏ ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ ﮤﮥ ﮦﮧ ﮨﭼ
وقد أكثر الله ســبحانه فــي كتــابه الكريــم مــن الســتدلل علــى
العلم والقدرة والحكمة بأحوال السموات والرض وتعــاقب الليــل
والنهار وكيفية تبدل الضياء بـالظلم وبـالعكس ،وأحـوال الشـمس
والقمــر والنجــوم ،وأمــر بــالنظر فــي ملكــوت الســماء والغــبراء
وبالتفكر فيهما.
وإن من أعظم أسباب الضلل عدم تدبر القرآن وترك
التفكر في حال الرسول صلى الله عليععه وسععلم وعععدم
النظر في ملكوت السموات والرض وما خلق الله .كمـــا
قال الله تعالى :ﭽﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐﮑ ﮒﮓﮔﮕﮖﮗ ﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ ﮥ ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ
ﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯲﯲﯲﯲﯲﭼ ]العراف[١٨٦ – ١٨٢ :
ولذا فإن ما تضمنته آيات السورة خصوصا ً وآي الكتــاب عمومــا ً
في هذا الباب يحتاج للنظر من وجهين:
أو ً
ل :ل تنفع الموعظة إل لمن آمن بععالله وخععافه
ورجاه:
"آمن بالله وخافه ورجاه كما قال الله تعالى :ﭽ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﭼ
]سورة هود [103وقال :ﭽ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﭼ ]سورة العلى [10وقال :ﭽ ﰈ
ﰉﰉﰉﰉ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﭼ ]سورة النازعات [45وأصرح من ذلك قوله تعالى :ﭽ ﰉﰉ
ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﭼ ﯣ]سورة ق.[45
ومن أخص ذلــك اليمــان بالوعــد والوعيــد وتــذكره فــإنه شــرط
كذلك في النتفـاع بالعظــات واليـات والعـبر ،يسـتحيل حصـوله
بدونه.
-1وتستبصر العبرة بثلثة أشياء ) :بحياة العقععل،
ومعرفة اليام ،والسلمة من الغراض(
صفحة 15من 55
أ -فحياة العقل :هي صحة الدراك وقوة الفهم وجودته
وتحقق النتفاع بالشيء والتضرر به وهو نور يخص الله به من
يشاء من خلقه .وبحسب تفاوت الناس في قوة ذلك النور وضعفه
ووجوده وعدمه يقع تفاوت أذهانهم وأفهامهم وإدراكاتهم ،ونسبته
إلى القلب كنسبة النور الباصر إلى العين.
فألفوها صحيحة أن من ومن تجارب السالكين التي جربوها
أدمن] :يا حي يا قيوم ل إله إل أنت[ ،أورثه ذلك حياة
)(1
القلب والعقل ،وكان شيخ السلم ابن تيمية قدس الله روحه
شديد اللهج بها جدا ً وقال لي يومًا :لهذين السمين -وهما الحي
القيوم -تأثير عظيم في حياة القلب ،وكان يشير إلى أنهما السم
العظم وسمعته يقول :من واظب عليها أربعين مرة كل يوم بين
سنة الفجر وصلة الفجر ]يا حي يا قيوم ل إله إل أنت
برحمتك أستغيث[) (2حصلت له حياة القلب ولم يمت قلبه).(3
ومن علم عبوديات السماء الحسنى والدعاء بها وسر ارتباطها
بالخلق والمر وبمطالب العبد وحاجاته؛ عرف ذلك وتحققه ،فإن
سأل بالمناسب له .فتأمل أدعية القرآن والحاديث كل مطلوب ي ُ ْ
النبوية تجدها كذلك.
ب -وأما معرفة اليام :فيحتمل أن يريد به أيامه التي تخصه
وما يلحقه فيها من الزيادة والنقصان ويعلم قصــرها وأنهــا أنفــاس
()1يشير إلى حديث ابن عمر قال :قال رسول الله" :إن ربكم حي كريــم يســتحي
أن يرفع العبد يديه فيردهما صفرًا ،ل خير فيهما ،فإذا رفع أحدكم يديه فليقل :يا حــي
يا قيوم ،ل إله إل أنت ،يا أرحم الراحمين -ثلث مرات -ثم ذا رد يديه فليفرغ الخيــر
على وجهه" .أخرجه الطبراني في الدعاء (880) 1/275قال الهيثمي" 11/38رواه
الطبراني وفيه الجارود بن يزيد وهو متروك" .ولكنه صح بلفظ آخـر عـن أنـس قـال:
سمع النبي رجل يقول اللهم إني أســألك بــأن لــك الحمــد ل إلــه إل أنــت وحــدك ل
شريك لك المنان بديع السموات والرض ذو الجلل والكرام يــاحي يــاقيوم .قــال:
)لقد دعا الله باسمه العظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب( أخرجه ابن
أبى شـيبة ،(29361) 6/47وأحمـد ،(13824) 1/230وأبـو داود ،(1495) 2/79
والترمذي ،(3544) 5/550وقــال :غريــب .والنســائي ،(1300) 3/52وابــن ماجــة
،(3858) 2/1268وابــن حبــان ،(893) 3/175والحــاكم (1856) 1/683وقــال:
صحيح على شرط مسلم .والضــياء .(1885) 5/257وصــححه اللبــاني )ابــن ماجــة
(3858
ً
()2يشير إلى حديث أنس مرفوعا )ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به أن تقــولي إذا
أصبحت وإذا أمسيت يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ول تكلنــي
إلى نفسي طرفة عين( أخرجه النسائي (10405) 6/147والترمذي كتاب الدعوات
عن رسـول اللـه بـاب .(35249) 92وأخرجـه الحـاكم (2000) 1/730وقـال:
صحيح على شرط الشيخين .والــبيهقي فـي شــعب اليمــان ) ، 1/476رقــم (761ـ ،
والضياء ) ، 6/300رقــم (2320وقـال :إســناده حسـن .وعـن ابـن مسـعود أخرجــه
)البزار( ]كنز العمال [5010والحاكم ، (1875) 1/689والبيهقي في شعب اليمان
. (10231) 7/258
()3لم أجده عن شيخ السلم ولعل حكاية ابن القيم له كافية .وينتبه لقول الشاطبي
في العتصام" 1/199 :الرؤيا من غير النبياء ل يحكــم بهــا شــرعا علــى حــال إل أن
تعرض على ما في أيدينا من الحكام الشــرعية ،فــإن ســوغتها عمــل بمقتضــاها ،وإل
وجب تركها والعراض عنها ،وإنما فائدتها البشارة ،أو النــذرة خاصــة ،وأمــا اســتفادة
الحكام فل ،كما يحكى عن الكتاني رحمــه اللــه قــال :رأيــت النــبي صــلى اللــه عليــه
وسلم في المنام ،فقلت :ادع الله أن ل يميت قلبي ،فقال :قل كل يوم أربعيــن مــرة
ياحي ياقيوم ل إله إل أنت فهذا كلم حسن ل إشكال في صحته ،وكون الذكر يحيــى
القلب صحيح شرعا ،وفائدة الرؤيا التنبيه على الخير ،وهو من ناحية البشــارة ،وإنمــا
يبقى الكلم في التحديد بالربعين ،وإذا لم يوجد على اللزوم استقام".أ.هـ ففيه تنبيه
لطيف ،وأن هذا الدعاء متداول قبل شيخ السلم رحم الله سادات المة وعلمائها.
صفحة 16من 55
س منهــا يقــابله آلف آلف مــن الســنين معدودة منصرمة ،كل ن ََفـ ٍ
في دار البقاء ،فليس لهذه اليام الخالية قط نسبة إلى أيام البقاء
والعبد منساق زمنه وفي مدة العمــر إلــى النعيــم أو إلــى الجحيــم
وهي كمدة المنام لمن له عقــل حــي وقلــب واع ،فمــا أوله أن ل
يصرف منها ن ََفسا ً إل في أحب المور إلــى اللــه فلــو صــرفه فيمــا
يحبــه وتــرك الحــب لكــان مفرط ـًا ،فكيــف إذا صــرفه فــي مــا ل
ينفعه؟! فكيف إذا صرفه فيما يمقته عليه ربه؟! فــالله المســتعان
ول قوة إل به.
ويحتمل أن المراد باليام أيام الله التي أمر رسله بتذكير أممهم
بها كما قال تعالى :ﭽ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﭼ ]سورة إبراهيم [5وقد
ســَرت أيــام اللــه بنعمــه ،وفســرت بنقمــه مــن أهــل الكفــر فُ ّ
والمعاصي ،وأيامه تعم النوعين ،وهي وقائعه التي أوقعها بأعــدائه
ونعمه التي ساقها إلى أوليائه ،وسميت هذه النعــم والنقــم الكبــار
المتحدث بها أياما ً لنها ظرف لها ،تقــول العـرب فلن عـالم بأيـام
العرب وأيام الناس أي :بالوقائع التي كانت في تلك اليام.
فمعرفة هذه اليام توجب للعبد استبصار العَِبر وبحسب معرفته
بها تكون عبرته وعظته قال الله تعالى :ﭽ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﭼ ]سورة يوسف
.[111
ج -أما السلمة من الغراض :وهي :متابعة الهوى .والنقياد
لداعي النفس المارة بالسوء .فإن اّتباع الهوى يطمس نور
العقل ،ويعمي بصيرة القلب ،ويصد عن اتباع الحق ،ويضل عن
الطريق المستقيم ،فل تحصل بصيرة العبرة معه البتة ،والعبد إذا
سن في صورة ح َاّتبع هواه فسد رأيه ونظره ،فأرته نفسه ال َ
القبيح ،والقبيح في صورة الحسن ،فالتبس عليه الحق بالباطل؛
فأنى له النتفاع بالتذكر والتفكر أو بالعظة.
-2وإنما تجتنى ثمرة الفكرة بثلثة أشياء :أحدها :قصر
المل ،والثاني :تدبر القرآن ،والثالث :تجنب مفسدات القلب").(1
" -3وأما أفعاله ومخلوقاته -سبحانه -ففي الذي أشهدناه
عبرة لما لم نشهده ،والغائب من جنس الشاهد ،وذلك لن
المماثلة ثابتة في المفعولت ،كما قال تعالى :ومن كل شيء
خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ،فلو لم يكن الغائب من أفعاله تعالى
نظيرا للشاهد لم يجز رده !!...،فكيف إذا كان الغائب نظير
الشاهد ،حيث أشهدنا إبداع الجواهر وصفاتها بعد عدمها ،يا
ولهذا قيد تعالى النتفاع باليات بالمؤمنين ،فإن المؤمنين يحملهم مــا
معهم من اليمان ،على العمل بمقتضياته ولوازمه ،التي منهــا التفكــر
()1سيأتي مزيد بحث وتفصيل لغلب هذه الصفات عند شرح وصايا لقمان.
()2دراسات قرآنية ص 200بتصرف.
()3الجامع لحكام القرآن . 14/74
صفحة 22من 55
خامسًا :الصبر والشكر:
قال تعالى :ﭽﭼﭽ ﭾ ﭿﮀﮁ ﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍ ﮎﮏ ﮐﭼ "يخبر تعالى أنه هو الذي
سخر البحر لتجري الفلك فيه بتسخيره ليريكم قــدرته ،وهــذا فيــه
آية وموعظة لكل صبار في الضراء ،شكور في الرخاء").(1
ويفهم من هذا أن الذين يتأثرون بآيات الله إذا وقع بهم البلء
في البحر صبروا لنهم يعلمون أن البحر بيد الله فيدعون الله،
وإذا نجاهم الله من البحر شكروا الله على نعمة النجاة فهم في
دائرة بين الصبر والشكر ،وأنه ل ينتفع من اليات إل من كان له
نصيب وافر من الصبر والشكر ،فإذا تخلف النتفاع باليات
الشرعية أو الكونية فقد يكون ذلك من جهة ضعف الصبر أو
الشكر.
وفي الية فائدة في أن الصبر والشكر يحتاجان لنوع من
الممارسة والتكرار حتى يتم النتفاع بهما.
فهؤلء الصنف قوم تأثروا بآيات الله فعرفوا الله وآمنوا بالله
وتلقوا عن الله وعن رسول الله واستسلموا لمنهج الله
وصبروا عليه وشكروا الله عليه ،فنتج عن ذلك هداية جعلت لهذا
العلم وهذا التأثر أثرا ً على القلب والجوارح ،وذلك بالطمأنينة
وبالعمل.
(5الحياة والنور:
ﭚﭛﭜ ﭝﭞ كما قال الله جل وعل في وصفه :ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ
ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭼ ]الشورى[52:فهذا القرآن نور وروح فهذه أوصاف تبعث
الحياة في الفرد كما أنها تبعث الحياة في الجماعــة وكمــا أنهــا تبعــث
الحياة في المــة فــإن المــة إذا أقبلــت علــى الكتــاب بشــرت بهــذين
الروح والنور.
(6المخرج من الزمات:
فإن حصول الروح الذي به الحياة والنور ويحصل به التمييز بين الحق
والباطل؛ خروج من هذه الظلمات التي أحلكـت بالمـة وأحـاطت بهـا
من كل جانب ل مخرج منها إل بالكتاب المبين والقــرآن العظيــم قــال
الله جل وعل :ﭽ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮩﮩ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ
ﮯ ﮰﮩ ﭼ]النعام.[122: ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮩ
()1أخرجه ابن ماجة كتــاب بــاب فضــل مــن تعلــم القــرآن وعلمــه وأحمــد )19/305
(13542)21/175(12292قال المنذرى " 2/231إسناده صحيح" وصــححه شــعيب
الرنؤوط ،واللباني في صحيح ابن ماجة ) ،(178والتعليق الرغيب ).(2/210
()2انظر :محاضرة بعنوان :حال السلف مع القرآن للشيخ خالد المصلح فــي موقــع
صيد الفوائد.
()3تقدم تخريجه.
()4مجموع فتاوى ومقالت ابن باز .9/283
()5صحيح مسلم كتاب الذكر والدعاء والتوبة باب فضل الجتماع علــى تلوة القــرآن
وعلى الذكر ).(2699
صفحة 26من 55
الفصل الثاني
الصنف الثاني :المستكبرون عن آيات
الله
قال تعالى :ﭽﭰﭱﭲ ﭳﭴ ﭵﭶﭷ ﭸﭹﭺ ﭻ ﭼﭽﭾﭿ ﮀﮁﮂ ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎﮏﮐﮑ ﮒﮓ
ﮔﮕ ﭼ
ن كتاب الله مثاني ،تثنى فيه الخبار والحكام ،فلما ذكر
إ ّ
سبحانه صفات عباده المحسنين المنتفعين بآياته المتلوة -كما في
أول السورة -والمشاهدة -كما في ثنايا السورة -عقب ذلك
بالصنف المقابل لهم وهم المسيؤون لنفسهم الظالمون لها .
وهؤلء المعرضون لم ينتفعوا بآيات الله المتلوة والمشاهدة كما
في آيات هذه السورة وغيرها.
وسيكون الحديث عنهم في أربعة مباحث:
المبحث الول :أسباب العراض عن القرآن.
المبحث الثاني :أسباب العراض عن اليات الخرى.
ما
المبحث الثالث :صفات المستكبرين المعرضين ع ّ
يسمعون ويشاهدون من آيات الله.
المبحث الرابع :نتيجة العراض عن آيات الله وجزاء
المعرضين.
()1موضوعات سور القرآن– سورة لقمان ص 9وعزاه للحسن البصري رحمه الله.
()2جامع البيان ،21/40ابن أبي حاتم ،9/3096والدر المنثور .11/615
()3الدب المفرد للبخاري ) (786سنن البيهقي . 223 /10وصحح إســناده اللبــاني
في صحيح الدب المفرد ).(603
()4تيسير الكريم الرحمن .647
()5دراسات قرآنية ص .192
صفحة 28من 55
والغناء كما هو معروف لهما ثمن باهظ يدفعه المرء من ماله
ومن وقته ومن صحته ومن تفكيره").(1
(2إضلل الناس عن الحق:
قال تعالى :ﭽ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭼ "أي ليصد ذلك الذي يشتري من لهو الحديث
عن دين الله وطاعته ،وما يقــرب إليــه ؛ مــن قــراءة قــرآن ،وذكــر
اللـه")" ،(2فيضـلون ناسـا ً غيـر عـالمين يحسـبون إضـللهم نصـحًا،
والمقصود من هذا الحال تعظيم التضليل ل تقييده فإن التضليل ل
يكون إل عن عدم علم كل ً أو بعضًا")" ،(3فهــو يشــغل النــاس بلهــو
الحديث ليصرفهم عن القرآن").(4
فهــذا الــذي يشــتري لهــو الحــديث ،يشــتريه بانصــراف مشــاعره
واهتماماته إليه ،وبنية خبيثة أن يفتــن النــاس عــن الــوحي المنــزل
من عند الله على رسول الله ،وذلك أن سبيل الله حق والغنــاء
ولهو الحديث أباطيل ومشاعر كاذبة وســكر ســاعة ،يتبعهــا عــذاب
وافتتان وتعلق وعبودية لغير الله بل صد عن سبيل الله ومحبته.
(3عدم العلم:
قال تعالى :ﭽ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ "أي :عن غير بصيرة في صالح نفسه
حيث يستبدل الباطل بالحق") ،(5وذلك كقوله تعالى :ﭽﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩ ﭪ
ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭼ ]هنا وفي سورة الحج " .[8فتقييد إتباع الهوى بأنه بغير
علم تشنيع لهذا التباع فإنه إتباع شهوة مع جهالة").(6
"فالعلم بمعناه الصحيح هو:حكم الذهن المطابق للواقع عن
ضرورة أو برهان") ،(7وهذا بضلله" :فعل ما فعل من اشتراءه لهو
الحديث ،جهل ً منه بما له في العاقبة عند الله من وزر ذلك
وإثمه").(8
فهم يضلون الناس بغير حجة ول برهان نقلي ول عقلي،
فيضلون الناس بالجهل وبالعمل الذي يخالف العلم فإن المسألة
ليست في المعلومات التي يعلمها فحسب -ولو كانت متعلقة
بالله سبحانه،-إنما هي عمله بهذه المعلومات ،وكذلك فإن
النسان إذا لم تكن هذه المعلومات موجودة في تصرفاته العملية
فكأنه لم يعلم شيئًا ،فيستوي إذا ً النسان الجاهل مع النسان
الذي عنده معلومات ول يطبقها كما أمر الله ،بل قد يكون
الجاهل أخف ضررا ً منه ،لن هذا الذي عنده العلم ول يحققه في
واقعه يكون سببا ً في ضلل الناس ،قال تعالى :ﭽﭰﭱﭲﭳﭴ ﭵﭶﭷﭸﭹﭺ
ﯜﮩﮩﮩﮩ ﯝ ﯞ ﯟﮩ ﯠﭼ ]السراء.[٤٦:
ا :ﭽﯘ ﯙ ﯚ ﯛأيض ً
(9النشغال عن القرآن بما دونه:
ء من الشهوات أو الشبهات؛ قال تعالى عن الكفار ومقــولتهم :ﭽ سوا ٌ
ﭲ ﭳ ﭴ ﭵـ ﭼ ]فصلت [٥:أي" :خلف في الدين ،لنهم يعبدون الصنام
وهو يعبد الله عز وجل .وهو :ستر مانع عن الجابة") .(7وأخبر عنها
الله بقوله أيضًا :ﭽ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﭼ ]السراء.[٤٥ :
(10عداوة ومحاربة القرآن:
قال تعالى عن الكفار ومقولتهم :ﭽﭶـ ﭷـ ﭸـ ﭹﭼ ]فصــلت [٥:أي" :اعمــل
أنت على طريقتك ،ونحن علــى طريقتنــا ل نتابعــك")" .(8فأعرضــوا
مصرحين بقلـة الكـتراث وبالنتصـاب للجفـاء والعـداء ،وهـذا تفصـيل
()1التحرير والتنوير 9/36باختصار.
()2أضواء البيان .5/874
()3تفسير القرآن العظيم .5/82
()4التحرير والتنوير .24/233
()5تفسير القرآن العظيم 5/82
()6جامع البيان .20/277
()7الجامع لحكام القرآن 15/339
()8تفسير القرآن العظيم 7/161
صفحة 31من 55
للعراض عما وصف به القرآن من الصــفات الــتي شــأنها أن تقربهــم
إلى تلقيه ل أن يبعـدوا ويعرضــوا وقــد جــاء بالتفصـيل بــأقوالهم الــتي
حرمتهم من النتفاع بالقرآن واحدا واحدا").(1
ا :ﭽ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ وهذه الصفات أخبر عنها الله بقوله أيض ً
ﯜﮩﮩﮩﮩ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﮩ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﭼ ]السراء .[٤٦-٤٥ :و"القصد من ﯖﯗﯘﯙﯚﯛ
ذلك ،أنهم أظهروا العراض عنه ،من كل وجه ،وأظهروا بغضــه،
والرضا بما هم عليه ،ولهذا قالوا :ﭽ ـ ﭶـ ﭷـ ﭸﭼ أي :كما رضـيت
بالعمل بدينك ،فإننا راضون كل الرضا ،بالعمل فــي ديننــا ،وهــذا
من أعظم الخذلن ،حيث رضوا بالضلل عن الهــدى ،واســتبدلوا
الكفـر باليمـان ،وبـاعوا الخـرة بالـدنيا").(2ويكــون معنــى اليــة:
"وقال الكافرون للنبي على ســبيل تيئيســه مــن إيمــانهم :إن
قلوبنا قد كستها أغطية متكاثفة جعلتها ل تفقه ما تقوله لنا ،وما
تدعونا إليه ،وإن آذاننا فيها صمم يحول بيننا وبين سماع حديثك،
وإن من بيننا ومن بينك حاجزا غليظا يحجــب التواصــل والتلقــي
بيننا وبينك ،وما دام حالنا وحالك كــذلك فاعمــل مــا شــئت فيمــا
يتعلق بدينك ،ونحن من جانبنا سنعمل ما شئنا فيما يتعلق بديننا.
وهذه القوال التي حكاها القرآن عنهم ،تدل على أنهم قــوم قــد
بلغوا أقصى درجات الجحود والعنــاد :فقلــوبهم قــد أغلقــت عــن
إدراك الحق ،وأسماعهم قد صمت عن سماعه ،وأشخاصهم قــد
أبت القتراب من شخص الرســول الــذي يحمــل لهــم الخيــر
والنور ،ومــا حملهــم علــى ذلــك إل إتبــاعهم للهــوى والشــيطان.
وصدق الله إذ يقول :ﭽﯩ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲﯲﭼ ]الصف.(3)"[٥:
(11الفك والذنوب:
قال تعالى :ﭽﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﭼ ]الجاثية [7-6:فإن
"القرآن من جملة آيات الله وأنه مذكر بها ،فالذين كفروا بآيــات اللــه
كفروا بالقرآن في عموم اليات ،وهذا واقع موقع التذييل لما تقــدمه.
وجيء بالموصول وصلته ﭽ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲﭼ ]الجاثية [١١:لما تشعر به
الصلة من أنهم حقيقون بالعقاب").(4
(12الصرار والستكبار:
وقال في هذه السورة :ﭽﮄ ﮅ ﮆ ﮇ قال تعالى :ﭽ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﮩ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﭼ ]السراء[٤٦:
روا في قوله ض ُ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕـ ﭼ ]لقمان [٧:وقد است ُ ْ
ح ِ
تعالى :ﭽ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲﰈﰉ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﭼ ]الجاثية [٣١:وقوله :ﭽ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ
"بعنوان الكفر دون عنواني الصرار والستكبار ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲﭼ ]الجاثية[1١:
ﮜ ﮝﮞ ﮟ اللذين استحضروا بهما في قوله :ﭽ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ
لن الغرض هنا النعي عليهم إهمالهم النتفاع بــالقرآن ﮠ ﮡﮢ ﭼ]الجاثية[8:
(5الغفلة عن اليات:
قال الله تعالى :ﭽﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﭼ"والغفلة انصراف العقل والذهن
عن تذكر شيء بقصد أو بغير قصد ،وأكثر استعماله في القــرآن فيمــا
كان عن قصد بإعراض وتشاغل ،والمذموم منهـا مـا كـان عـن قصـد،
وهو مناط التكليف والمؤاخذة ،فأما الغفلة عن غير قصد فل مؤاخــذة
عليها ،وهي المقصـود مــن قــول علمـاء أصـول الفقـه :يمتنــع تكليــف
وللتنبيه على أن غفلتهم عن قصد صيغ الخبار عنهم بصيغة )(3
الغافل
.
للدللة على استمرار غفلتهم .وكونها دأبا لهم ،وإنما تكون ﭽﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﭼ
كذلك إذا كانوا قد التزموها ،فأما لو كــانت عــن غيــر قصــد .فإنهــا قــد
تعتريهم وقد تفارقهم.(4)".ولذا فإن أهل الغفلة ل ينتفعون باليات ول
تثمر فيهم؛ ولهذا يقول الله عز وجل :ﭽﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭼ
]سورة يوسف.[105:
()1المصدر السابق.
()2جامع البيان .238-9/237
()3وانظــر كلم الصــوليين عليهــا المحصــول للــرازي ، 2/437والحكــام للمــدي
،1/149والبحر المحيط للزركشي .1/442
()4التحرير والتنوير .107-9/106
صفحة 36من 55
ﮪ ﮫﮩ ﭼ ]النبياء[٧ : ﭽـ ﮤ ﮥﮩ ﮦ ﮧﮩ ﮨ ﮩﮩ وعلج الغفلة في قول الله سبحانه:
فعليه أن يحضر حلقات العلم؛ ليســتفيد ويتــذاكر مــع إخــوانه الــذين
يرجو أن يكون عندهم علم حتى يستفيد من علمهم ،وحتى يضم مــا
لديهم من العلوم النافعة إلى ما لديه من العلـم ،فيحصــل لـه بـذلك
خير كثير ويحصل له بذلك الفقه في الدين ،ويحصل له بــذلك البعــد
عن صفات المعرضين والغافلين).(1
(6ضعف الصبر أو الشكر:
ﮎ ﮏﮐ ﭼ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﭾ قال الله تعالى :ﭽﭼ ﭽ
ً
]لقمان [٣١ :وقال عن الفلك أيضا :ﭽﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ
ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﭼ ]سبأ[١٩: ﭧﭨﭼ ]الشورى [٣٣:وقال في سبأ :ﭽﮞ ﮟ ﮠ ﮡ
وقال عن موسى عليه السلم :ﭽﮬﯪﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ
ﯟﮩ ﯠﯡﯢﯣﭼ ]إبراهيم[٥:الصبار :الكثير الصبر ،كما قال تعالى :ﭽﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ
فل بد مــن الصــبر قبـل العتبــار ليكــون نافعـًا. ﭩـ ﭪـ ﭫﭬﭼ ]النبيــاء.[٣٧:
"والشــكور :الكــثير الشــكر .وإنمــا خــص الشــكور والصــبور بالعتبــار
باليــات وإن كــان فيهــا عــبرة للكافــة لنهــم هــم المنتفعــون بهــا دون
غيرهم فلهذا خصهم باليات ،فكأنها ليست لغيرهم فهو كقوله ﭽﭚ ﭛﭼ
ولن النتفاع باليات ل يمكــن حصــوله إل لمــن يكــون صــابرا ]البقرة[٢:
شاكرا أما من لم يكن كذلك فل ينتفع بها البتة" .
)(2
(7الطغيان:
ﯲ ﯲ ﯲﰈﰉ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﭼ ]النعام[١١٠: ﯲ قال الله تعالى :ﭽﯲ ﯲ ﯲ ﯲ
أي" :فنحول بينها وبين النتفــاع بآيــات اللــه ,فليؤمنــون بهــا كمــا لــم
يؤمنوا بآيات القرآن عند نزولها أول مرة ,ونتركهم في تمردهــم علـى
الله متحيرين ,ليهتدون إلى الحق والصــواب" .(3)".والمعنــى ونقل ّــب
أيديهم وأبصارهم فل يؤمنون بالية اّلتي تجيئهم مثَلمــا لــم يؤمنــوا
ل ،فتقليــب أفئدتهــم وأبصــارهم علــى هــذا المعنــى بالقرآن من قب ُ
ن المكابرة سجّيتهم فكما لــم دنيا ،وهو الخذلن ..فإ ّ يحصل في ال ّ
يؤمنوا في الماضــي بآيــة القــرآن وفيــه أعظــم دليــل علــى صــدق
سلم ل يؤمنون في المستقبل بآيةٍ أخرى صلة وال ّ الّرسول عليه ال ّ
ما لم تكفهم اليات العقلّية ولـم ينتفعــوا بـأفئدتهم إذا جاءتهم ..ول ّ
ن يرقــى صــرة ،كــأ ْلّنها مقّلبة عن الفطرة وسألوا آيــات مرئي ّــة مب َ
ل عليهم كتابا ً في قرطاس ،أخبر اللـه رسـوله سماء وينز َ في ال ّ
ن أبصـارهم مـا آمنـوا ل ّ والمسلمين بأّنهم لو جاءتهم آيـة مبصـرة ل َ َ
مقّلبة أيضا ً مثل تقليب عقولهم ...نتركها على انقلبهــا ال ّــذي هــي
ق ،وكــانت تصــرف عليــه ،فكــانت مملــوءة طغيان ـا ً ومكــابرة للح ـ ّ
طغيــان إلــى أبصــارهم عــن الّنظــر والســتدلل ،ولــذلك أضــاف ال ّ
صله فيهم ونشأتهم عليه وأّنهم حرموا لين دللة على تأ ّ ضميرهم لل ّ
ذكرى ..وفــي -أســلوب اليــة- ة وال ـ ّالفئدة اّلذي تنشأ عنه الخشي ُ
طغيان" .
)(4 ئ عن ال ّ مه ناش ٌ ن العَ َتنبيه على أ ّ
()1مجموع فتاوى ومقالت ابن باز .9/283
()2تفسير الخازن 4/33
()3التفسير الميسر .141
()4التحرير والتنوير 444-7/441باختصار.
صفحة 37من 55
(8عدم أو ضعف اليقين:
أخبر الله تعالى عن أهل النار بأنهم لم يكونوا من أهــل اليقيــن فقــال
تعالى :ﭽﯲ ﯲ ﯲ ﰎﯲ ﯲ ﰒ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﭼ ]الجاثية:
.[٣٢
وأخبر سبحانه أنه :ﭽ ـ ﯲـ ﯲـ ﯲـ ﯼـ ﯽﯾﭼ ]البقــرة" [١١٨:وفي هــذا الكلم
تسلية للنبي بأن ما لقيه من قومه مثل ما لقاه الرســل قبلــه
ولذلك أردفت هذه الية بقوله :ﭽﯿ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲﭼ ]البقرة [119 :الية.
وجملة ﭽﯲـ ﯲـ ﯲـ ﯲـ ﯲـ ﯲـ ﯲﭼ واقعة موقع الجواب لمقالة الذين ل
يعلمون ،وهو جواب إجمالي اقتصر فيه على تنظير حالهم بحــال
من قبلهم ،فيكون ذلك التنظير كناية عــن العــراض عــن جــواب
مقــالهم ،وأنــه ل يســتأهل أن يجــاب؛ لنهــم ليســوا بمرتبــة مــن
يكلمهم الله ،وليست أفهامهم بأهل لدراك ما في نزول القــرآن
من أعظم آية.
ن وســوء وجملــة ﭽﯲـ ﯲﭼ تقريــر ،أي :تشــابهت عقــولهم فــي الفَـ ِ
النظر ،وجملة ﭽﯲـ ﯲ ﯲـ ﯼ ﯽﭼ تعليل ً للعراض عن جوابهم؛ بأنهم
غير أهل للجواب ،لن أهل الجواب هم القوم الذين يوقنون ،وقد
بينت لهم آيات القرآن بما اشتملت عليه من الدلئل ،وأما هــؤلء
فليســوا أهل ً للجــواب لنهــم ليســوا بقــوم يوقنــون بــل ديــدنهم
المكابرة").(1
و"قد وضحنا الدللت على صدق الرسل بما ل يحتاج معهــا إلــى
سؤال آخر وزيادة أخرى ،لمن أيقن وصدق واتبع الرســل ،وفهــم
ما جاؤوا به عن الله تبارك وتعالى.
وأما من ختم الله على قلبه وجعل علــى بصــره غشــاوة فــأولئك
الذين قال الله تعالى فيهم :ﭽﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﯲ ﯲﯲ ﭼ
ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﭼ ﮑﮒ ]يونس .(2)" [٩٧–٩٦ :ﭽ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ
ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﭼ ]السجدة [٢٤:ﭽﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ]النمل [٨٢:ﭽﭺ ﭻ ﭼ ﭽ
ﭩ ﭪﭼ ]الجاثية[٤ :
" والمــراد بــ ) المــؤمنين ( ،وبــ ) قــوم يوقنــون ( ،وبــ ) قــوم
يعقلون ( واحد ،وهم المؤمنون بتوحيد الله فحصل لهــم اليقيــن
وكانوا يعقلون ،أي :يعلمون دللة اليات .والمعنى :أن المــؤمنين
والذين ُيوقنون :يعلمون ول يكابرون ،والذين يعقلون دللة الثــار
علــى المــؤثر ونظــروا النظــر الصــحيح فــي شــواهد الســماوات
والرض فعلموا أن ل بد لها من خــالق وأنــه واحــد فــأيقن بــذلك
العاقل منهم الــذي كــان مــترددًا ،وازداد إيمانـا ً مــن كــان مؤمنـا ً
فصار موقنًا.
فالذين انتفعوا باليــات هــم المؤمنــون العــاقلون ،فــوزعت هــذه
الوصاف على اليات لن ذلك أوقع في نفس الســامع مــن إت ْل َءِ
بعضها لبعــض ،وقُــدم المتصــفون باليمــان لشــرفه وجعــل خلــق
الناس والدواب آية للموصوفين باليقان لن دللــة الخلــق كائنــة
()1المصدر السابق .1/690
()2تفسير القرآن العظيم . 1/400
صفحة 38من 55
في نفس النسان وما يحيط به من الدواب ،وجعل اختلف الليل
ف حــوادث الجــو آيــة للــذين اتصــفوا بالعقــل لن والنهــار واختل ُ
دللتها على الوحدانية بواسطة لوزام مترتبة بإدراك العقل .وقــد
أومأ ذكر هــذه الصــفات إلــى أن الــذين لــم يهتــدوا بهــذه اليــات
ﮊ ليسوا من أصحاب هذه الصفات ،ولذلك أعقبه بقوله :ﭽ ﮇ ﮈ ﮉ
ﯜﮩﮩﮩﮩ ﯝ ﯞ ﯟﮩ ﭼ ]الجاثية [٢٠ :ﭽ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﮋ ﮌ ﮍ ﭼ ]الجاثية .(1)"[٦:ﭽ ﯘﮩ ﯙ ﯚ ﯛ
ﭻ ﭼ ]الطور.[٣٦:
(9العراض عن الدين:
قال تعالى :ﭽـ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋـ ﭼ ]النعام"[٤ :أصل العراض
صـرف الــوجه عـن النظـر فـي الشـيء وهــو هنـا مجـاز فـي إبـاء
المعرفة ،فيشمل المعنى الحقيقي بالنسبة إلى اليات المبصرات
كانشقاق القمر ،ويشمل ترك الستماع للقرآن ،ويشمل المكــابرة
عن العتراف بإعجازه وكونه حّقا ً بالنسبة للذين يستمعون القرآن
ب إلى ضميرهم هم لقصد التســجيل عليهــم ويكابرونه وإضافة الر ّ
ن من حقّ العبد أن ُيقبل علــى مــا يــأتيه بالعقوق لحقّ العبودية ،ل ّ
ممرسل إليــك مــن رب ّــك ،ث ـ ّ من رّبه وعلى من يأتيه يقول له :إّني ُ
ّ
مل وينظر ،وليس من حّقه أن يعرض عن ذلــك إذ لعلــه يعــرض يتأ ّ
ما إن تأمله علم أّنه من عند رّبه. ع ّ
ن
واختير التيان في خبر كان بصيغة اسم الفاعل للدللــة علــى أ ّ
ل على أّنهم لم يكــن دد .والستثناء د ّ هذا العراض متحّقق ،ومتج ّ
لهم حال إل ّ العــراض .وإّنمــا ينشــأ العــراض عــن اعتقــاد عــدم
ذب ن المعــرض مك ـ ّ دليــل علــى أ ّ مــل ،فهــو جــدوى النظــر والتأ ّ
رض عن سماعه. ".
)(2
للمخِبر المع ِ
وقال تعالى :ﭽﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭼ ]يوسف" [١٠٥ :يخبر تعالى
عن غفلة أكثر الناس عن التفكر في آيــات اللــه ودلئل توحيــده،
بما خلقه الله في السموات والرض من كواكب زاهرات ثوابت،
وسيارات وأفلك دائرات ،والجميع مســخرات ،وكــم فــي الرض
مــن قطــع متجــاورات وحــدائق وجنــات وجبــال راســيات ،وبحــار
زاخرات ،وأمواج متلطمات ،وقفــار شاســعات ،وكــم مــن أحيــاء
وأمــوات ،وحيــوان ونبــات ،وثمــرات متشــابهة ومختلفــات ،فــي
الطعوم والــروائح واللــوان والصــفات ،فســبحان الواحــد الحــد،
خالق أنواع المخلوقات ،المتفرد بالــدوام والبقــاء والصــمدية ذي
السماء والصفات").(3
ذبين فقال :ﭽﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﭼ ]الحجر ،[٨١ :ونبه مع َ ّوأخبر تعالى عن ال ُ
ﯜﮩﮩﮩﮩ ﯝ ﯞ ﯟﮩ ﯠﭼ ]النبياء[٣٢ :
سبحانه وتعالى إلى تلك اليات فقال :ﭽﯗﮩ ﯘﮩ ﯙ ﯚﯛ
"فل يتفكرون فيما خلق الله فيها من التساع العظيم ،والرتفــاع
الباهر ،وما زينت به من الكواكب الثوابت والسيارات فــي ليلهــا،
وفي نهارها من هذه الشمس التي تقطع الفلك بكماله ،في يوم
()1التحرير والتنوير 328-25/327بتصرف.
()2المصدر السابق .135 -7/134
()3تفسير القرآن العظيم 4/418بتصرف.
صفحة 39من 55
وليلــة فتســير غايــة ل يعلــم قــدرها إل الــذي قــدرها وســخرها
ﮇ ﮈ ﮉ ﭼ ]يس.[٤٦ : وسيرها") .(1ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ
فأخبر تعالى" :عن تمادي المشركين في غيهم وضــللهم ،وعــدم
اكتراثهم بذنوبهم التي أسلفوها ،وما هم يســتقبلون بيــن أيــديهم
يوم القيامة لعل الله باتقائكم ذلك يرحمكم ويؤمنكم من عــذابه.
وتقدير كلمه :أنهم ل يجيبون إلى ذلك ويعرضــون عنــه .واكتفــى
عن ذلك بقوله :ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﭼ على التوحيد وصدق الرسل ﭽﮅ ﮆ
ﮇ ﮈ ﮉ ﭼ ل يتأملونها ول ينتفعون بها").(2ﭽ ﮚ ﮛ ﮜﮝﮞ ﮟ ﮠﮩ ﮡﮩ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮩ ﮨ
ﮩﮩ ﮪ ﭼ ]الحقاف[٣ :
لقبال عليه ،وأصــله لعراض عن الشئ :الصدود عنه ،وعدم ا ِ و"ا ِ
مــن العُـْرض -بضــم العيــن -وهــو الجــانب ،لن المعــرض عــن
الشئ يعطيه جانب عنقه ،مبتعــدا عنــه .والمعنــى :نحــن الــذين
خلقنا بقدرتنا وحكمتنا السماوات والرض وما بينهما بالحق الذي
اقتضته مشيئتنا ،وبتقدير أمد معين عند انتهائه ﭽﮡﮩ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﭼ ]إبراهيم:
.[٤٨
ومع كل هذه الدلئل الســاطعة الدالــة علــى وحــدانيتنا وقــدرتنا،
فالذين كفروا بــالحق عــن الــذي أنــذروه مــن الحســاب والجــزاء
معرضون ،وفى طغيانهم يعمهون .فالية الكريمة قد وضــحت أن
هذا الكون لم يخلقه الله تعالى عبثا ،وأن لهذا الكون نهاية ينتهي
عندها ،وأن الكــافرين -لجهلهــم وعنــادهم -لــم يســتجيبوا لمــن
دعــاهم إلــى إخلص العبــادة للــه الواحــد القهــار ،ولــم يســتعدوا
ليمان والعمل الصالح").(3 لستقبال يوم القيامة با ِ
(10ضعف أو فقد التقوى والعقل وأسبابها:
قال الله تعالى :ﭽﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﯲ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﭼ ]يونس[٦:فجعل الله
اليات ﭽ ﯽ ﯾﭼوفي آية البقرة :ﭽﭺ ﭻﭼﭼوفي آية آل عمران :ﭽﮒ ﮓ ﮔﭼ
وفي سورة النحل جاءت التعبيرات مختلفة ومتتابعة :ﭽ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ
ﮘ ﭼ ﭽ ﮤ ﮥﮩ ﮦ ﮧﮩ ﮨ ﮩﮩ ﮪ ﭼ ﭽ ﯔﮩ ﯕ ﯖ ﯗﮩ ﯘﮩ ﯙﯚﭼ ]النحل"[١٣-11:لن السياق
تعريض بالمشركين الذين لم يهتــدوا باليــات ليعلمــوا أن بعــدهم عــن
التقوى هو ســبب حرمــانهم مــن النتفــاع باليــات ،وأن نفعهــا حاصــل
للذين يتقون ،أي يحذرون الضلل .فالمتقون هم المتصفون باتقاء مــا
يوقع في الخسران فيبعثهم على تطلب أسباب النجاح فيتــوجه الفكــر
إلى النظر والستدلل بالدلئل").(4
"فالمعنى :إن في ذلك آيات للذين سجيتهم العقــل ،وهــو تعريــض
بأن الذين لم ينتفعوا بآيات ذلك ليست عقــولهم براســخة ول هــي
.12الستدراج:
ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﭼ ]العراف١٨٢ : قال الله تعالى :ﭽ ﮌ ﮍ ﮎ
.[١٨٣ -
.13تحقيق الخسران العاجل والجل:
ﭽ ﭾ ﭼ ]يونس،[ ٤٥ : ﭹﭺ ﭻﭼ قال الله تعالى :ﭽ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ
ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﭼ ]يونس.[٩٥ : وقال تعالى :ﭽ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ
.14حلول العذاب العاجل واستحقاق الجل:
قال الله تعالى :ﭽ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ
ﯲ ﯲ ﯲﯲﯲﯲﯲﯲﯲﯼ ﯽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ
ﭸ ﭹ ﭼ ]النفال.[ ٥٤ – ٥٠ : ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭭ
ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﭼ ]النبياء ،[ ٧٧ :وقال ﮌﮍ وقال تعالى :ﭽ ﮉ ﮊ ﮋ
ﮏ ﮐﮑ تعالى :ﭽ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﭼ ]العراف ، [ ٣٦ :وقال تعالى :ﭽﮌ ﮍ ﮎ
ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﭼ
]العراف ،[ ٤١ – ٤٠ :وقال تعالى :ﭽﮜﮝﮞ ﮟ ﮠﮩﮡﮩ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮩ ﮨ ﮩ ﮪ ﭼ ]العراف:
،[١٤٧وقال تعالى:ﭽ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﭼ ]يونس:
،[ ٧٣وقال تعالى :ﭽـ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﭼ ]العراف [١٣٦ :وقال
ﭳ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭼ ]الحج ,[ ٥٧ :وقال تعالى :ﭽﭰ ﭱ ﭲ تعالى :ﭽ ﭟ ﭠ
()1الوسيط للطنطاوي .15/155
صفحة 47من 55
ﭘ ﭓﭔﭕﭖ ﭗ ﭽﭑﭒ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭼ ]الفرقان [٣٦ :وقال تعالى: ﭴﭵ
ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭼ ]التغابن.[١٠ :