Professional Documents
Culture Documents
Tafsir-Pertemuan k-IV
Tafsir-Pertemuan k-IV
امل ()1
وقال اجلمهور من العلماء « :بل جيب أن يُتكلم فيها وتُلتمس الفوائد اليت حتتها واملعاين اليت تتخرج
عليها » واختلفوا يف ذلك على اثين عشر قوالً :
فقال علي بن أيب طالب وابن عباس رضي اهلل عنهما « :احلروف املقطعة يف القرآن هي اسم اهلل
األعظم ،إال أنا ال نعرف تأليفه منها » .
وقال ابن عباس أيضاً « :هي أمساء اهلل أقسم هبا » .
وقد وردت هذه الفواتح تارة مفردة zحبرف واحد ،وتارة مركبة من حرفني أو ثالثة أو أربعة أو مخسة .
فالسور اليت بدأت حبرف واحد ثالثة وهي سورة ص ،ق ،ن .
والسورة اليت بدأت حبرفني تسعة وهي :طه ،يس ،طس { ،وحم } يف ست سور هي :غافر ،
فصلت ،الزخرف ،اجلاثية ،األحقاف .
والسورة اليت بدأت بثالثه أحرف ثالث عشرة سورة وهي { :أمل } يف ست سور :البقرة ،وآل
عمران ،العنكبوت ،الروم ،لقمان ،السجدة و { الر } يف مخس سور هي :يونس ،هود ،يوسف ،
احلجر ،إبراهيم { طسم } يف سورتني مها :الشعراء ،القصص .
وهناك سورتان بدئتا بأربعة أحرف ومها .الرعد { ،املر } ،واألعراف { ،املص } وسورتان -أيضاً
-بدئنا خبمسة أحرف ومها :مرمي { كهيعص } والشورى { حم عسق}.
فيكون جمموع السور اليت افتتحت باحلروف املقطعة تسعا وعشرين سورة .
هذا ،وقد وقع خالف بني العلماء يف املعىن املقصود بتلك احلروف املقطعة اليت افتتحت هبا بعض السور
القرآنية ،وميكن إمجال خالفهم يف رأيني رئيسني :
الرأي األول يرى أصحابه :أن املعىن املقصود منها غري معروف ،فهي من املتشابه الذي استأثر اهلل بعلمه
.
وإىل هذا الرأى ذهب ابن عباس -يف إحدى رواياته -كما ذهب إليه الشعيب ،وسفيان الثوري ،
وغريهم من العلماء ،فقد أخرج ابن املنذر وغريه عن الشعيب أنه سئل عن فواتح السور فقال :إن لكل
كتاب سراً ،وإن سر هذا القرآن يف فواتح السور .ويروى عن ابن عباس أنه قال :عجزت العلماء عن
إدراكها .وعن علي -رضي اهلل عنه -أنه قال " :إن لكل كتاب صفوة وصفوة zهذا الكتاب حروف
التهجي؟ .ويف رواية أخرى عن الشعيب أنه قال " :سر اهلل فال تطلبوه " .
ومن االعرتاضات اليت وجهت إىل هذا الرأي ،أنه كان اخلطاب هبذه الفواتح غري مفهوم للناس ،ألنه من
املتشابه ،فإنه يرتتب على ذلك أنه كاخلطاب باملهمل ،أو مثله كمثل املتكلم بلغة أعجمية مع أناس
عرب ال يفهموهنا .
وقد أجيب عن ذلك بأن هذه األلفاظ مل ينتف اإلفهام عنها عند كل الناس ،فالرسول صلى اهلل عليه
وسلم كان يفهم املراد منها ،وكذلك بعض أصحابه املقربني -ولكن الذي ننفيه أن يكون الناس مجيعاً
فامهني ملعىن هذه احلروف املقطعة يف أوائل بعض السور .
وهناك مناقشات أخرى للعلماء حول هذا الرأي يضيق اجملال عن ذكرها .
أما الرأي الثاين فريى أصحابه :أن املعىن املقصود منها معلوم ،وأهنا ليست من املتشابه الذي استأثر اهلل
بعلمه .
وأصحاب هذا الرأي قد اختلفوا فيما بينهم يف تعيني هذا املعىن املقصود على أقوال كثرية ،من أمهها ما
يأيت :
أن هذه احلروف أمساء للسور ،بدليل قول النيب صلى اهلل عليه وسلم" من قرأ حم السجدة حفظ -1
إىل أن يصبح " وبدليل اشتهار بعض السور بالتسمية هبا كسورة وال خيلو هذا القول من الضعف
،ألن كثرياً من السور قد افتتحت بلفظ واحد من هذه الفواتح ،والغرض من التسمية رفع
االشتباه .
-2وقيل إن هذه احلروف قد جاءت هكذا فاصلة للداللة على انقضاء سورة وابتداء أخرى .
- 3وقيل :إهنا حروف مقطعة ،بعضها من أمساء اهلل -تعاىل -وبعضها من صفاته ،فمثالً { االما }
أصلها :أنا اهلل أعلم .
- 4وقيل :إهنا اسم اهلل األعظم .إىل غري ذلك من األقوال اليت ال ختلو من مقال ،واليت أوصلها
السيوطي يف " اإلتقان " إىل أكثر من عشرين قوال .
- 5ولعل أقرب اآلراء إىل الصواب أن يقال :إن هذه احلروف املقطعة قد وردت يف افتتاح بعض السور
لإلشعار بأن هذا القرآن الذي حتدى اهلل به املشركني هو من جنس الكالم املركب من هذه احلروف اليت
يعرفوهنا ،ويقدرون على تأليف الكالم منها ،فإذا عجزوا عن اإلتيان بسورة من مثله ،فذلك لبلوغه يف
الفصاحة واحلكمة مرتبة يقف فصحاؤهم وبلغاؤهم دوهنا مبراحل شاسعة ،وفضال عن ذلك فإن تصدير
السور مبثل هذه احلروف املقطعة جيذب أنظار املعرضني عن استماع القرآن حني يتلى عليهم إىل اإلنصات
والتدبر ،ألنه يطرق أمساعهم يف أول التالوة ألفاظ غري مألوفة يف جمارى كالمهم ،وذلك مما يلفت
أنظارهم ليتبينوا ما يراد منها ،فيستمعوا حكما وحججاً قد يكون سبباً يف هدايتهم واستجابتهم للحق .
هذه خالصة ألراء العلماء يف احلروف املقطعة اليت افتتحت هبا بعض السور القرآنية ،ومن أراد مزيداً
لذلك فلريجع -مثالً -إىل كتاب " اإلتقان " للسيوطي ،وإىل كتاب " الربهان " للزركشي ،وإىل
تفسري األلوسي .
والثاين :يعين به ما نزل من القرآن قبل هذا مبكة واملدينة ،وهذا قول األصم .
والثالث :يعين هذا الكتاب ،وقد يستعمل ذلك يف اإلشارة إىل حاضر ،وإن كان موضوعاً لإلشارة إىل
غائب ،قال ُخفاف بن ندبة :
والر ْم ُح يَأْ ِطُر َمْتنُهُ ...تَأ ََّم ْل ُخ َفافاً إِنَّيِن أَنَا ذَلِ َكا أَقُ ُ
ول لَهُ ُّ
ومن قال بالتأويل األول :أن املراد به التوراة واإلجنيل ،اختلفوا يف املخاطب به على قولني :
أحدمها :أن املخاطب به النيب صلى اهلل عليه وسلم ،أي ذلك الكتاب الذي ذكرته يف التوراة واإلجنيل ،
هو الذي أنزلته عليك يا حممد .
والقول الثاين :أن املخاطب به اليهود والنصارى ،وتقديره :أن ذلك الذي وعدتكم به هو هذا
الكتاب ،الذي أنزلته على حممد عليه وعلى آله السالم .قوله عز وجل { :الَ ريب ِ
فيه } وفيه َْ َ
تأويالن :
ول
ول اجْلَ ُه ُ
ب َما َي ُق ُ ب ...إِمَّنَا َّ
الريْ ُ س يف احْلَ ِّق يَا أ َُمْي َمةُ َريْ ٌ
لَْي َ
والتأويل الثاين :أن الريب التهمة ومنه قول مجيل :
والثاين :أهنم الذين حيذرون من اهلل تعاىل عقوبته ويرجون رمحته وهذا قول ابن عباس .
والثالث :أهنم الذين اتقوا الشرك وبرئوا من النفاق وهذا فاسد ،ألنه قد يكون كذلك ،وهو فاسق وإمنا
هدى جلميع الناس ،ألهنم آمنوا وصدقوا مبا فيه .
خص به املتقني ،وإن كان ً
تفسري الرازي ( -ج / 1ص )278
املسألة األوىل :لقائل أن يقول :املشار إليه ههنا حاضر ،و «ذلك» اسم مبهم يشار به إىل البعيد ،
واجلواب عنه من وجهني :األول :ال نسلم أن املشار إليه حاضر ،وبيانه من وجوه :أحدها :ما قاله
األصم :وهو أن اهلل تعاىل أنزل الكتاب بعضه بعد بعض ،فنزل قبل سورة البقرة سور كثرية ،وهي كل
ما نزل مبكة مما فيه الداللة على التوحيد وفساد الشرك وإثبات النبوة وإثبات املعاد ،فقوله { :ذلك }
إشارة إىل تلك السور اليت نزلت قبل هذه السورة ،وقد يسمى بعض القرآن قرآناً ،قال اهلل تعاىل :
{ َوإِذَا قُِرىء القرءان فاستمعوا لَهُ } [ األعراف ] 204 :وقال حاكياً عن اجلن { إنا مسعنا قرآناً
عجباً } [ اجلن ] 1 :وقوله { :إِنَّا مَسِ ْعنَا كتابا أُن ِز َل ِمن َب ْع ِد موسى } [ األحقاف ] 30 :وهم ما
مسعوا إال البعض ،وهو الذي كان قد نزل إىل ذلك الوقت ،وثانيها :أنه تعاىل وعد رسوله عند مبعثه
أن ينزل عليه كتابا ال ميحوه املاحي ،وهو عليه السالم أخرب أمته بذلك وروت األمة ذلك عنه ،ويؤيده
ك َق ْوالً ثَِقيالً } [ املزمل ] 5 :وهذا يف سورة املزمل ،وهي إمنا نزلت يف ابتداء ِ
قوله { :إِنَّا َسُن ْلقى َعلَْي َ
املبعث ،وثالثها :أنه تعاىل خاطب بين إسرائيل ،ألن سورة البقرة مدنية ،وأكثرها احتجاج على بين
إسرائيل ،وقد كانت بنو إسرائيل أخربهم موسى وعيسى عليهما السالم أن اهلل يرسل حممداً صلى اهلل
عليه وسلم وينزل عليه كتاباً فقال تعاىل { :ذلك الكتاب } أي الكتاب الذي أخرب األنبياء املتقدمون
بأن اهلل تعاىل سينزله على النيب املبعوث من ولد إمساعيل ،ورابعها :أنه تعاىل ملا أخرب عن القرآن بأنه يف
اللوح احملفوظ بقوله َ { :وإِنَّهُ ىِف أ ُّم الكتاب لَ َد ْينَا } [ الزخرف ] 4 :وقد كان عليه السالم أخرب أمته
بذلك ،فغري ممتنع أن يقول تعاىل { :ذلك الكتاب } ليعلم أن هذا املنزل هو ذلك الكتاب املثبت يف
اللوح احملفوظ .وخامسها :أنه وقعت اإلشارة بذلك إىل «أمل» بعد ما سبق التكلم به وانقضى ،
واملنقضى يف حكم املتباعد ،وسادسها :أنه ملا وصل من املرسل إىل املرسل إليه وقع يف حد البعد ،كما
تقول لصاحبك وقد أعطيته شيئاً احتفظ بذلك .وسابعها :أن القرآن ملا اشتمل على حكم عظيمة
وعلوم كثرية يتعسر اطالع القوة البشرية عليها بأسرها والقرآن وإن كان حاضراً نظراً إىل صورته لكنه
غائب نظراً إىل أسراره وحقائقه فجاز أن يشار إليه كما يشار إىل البعيد الغائب .