You are on page 1of 2

‫بين المطالب الواقعية والمطالب الرومانسية‬

‫نشر في جريدة الرؤية بتاريخ ‪2/4/2011‬‬

‫محمد رضا محمد اللواتي ‪mohammed@alroya.net‬‬

‫طالعتنا جريدة الرؤية مشكورة صباح الخميس الفائت بنشرها لمطالب مسيرة "نداء الخ ير" لمعتص مي "ظف ار"‪،‬‬
‫لتعطي‪ ،‬ليس فحسب للمسؤولين وسائر المهتمين‪ ،‬فرصة االطالع على الذي يقل ق الم واطن في ظف ار ويقض‬
‫مضجعه‪ ،‬وإنما للمحللين النقاد والمحققين فرصة ثمينة للغاية لتدارس أنماط التفكير وبالتالي نوعية الثقاف ة ال تي‬
‫تحكم تلك األنماط وتودي بها إلى ترتيب أولويات الحياة‪ ،‬هذا فضال عن إيصالها لصوت أؤلئك المعتصمين ألك بر‬
‫قدر من الناس على أرض هذا الوطن‪ ،‬وهذه بحد ذاتها "كبيرة" على االعالم العماني بشتى أشكاله ال يتلقاها منه ا‬
‫إال ذوي "حظ عظيم"‪.‬‬

‫وعند التأمل في مفردات المطالبات تلك‪ ،‬ينبغي القول أن منها ما قد تحقق فعال‪ ،‬ومنها ما هو جدير ب أن يتحق ق‪،‬‬
‫ومنها – مع األسف – يخلو كليا من الواقعية ويرتمي إلى صف ما أسميناه في عنوان العمود بالرومانسية‪.‬‬

‫يتفق معي جمع من الذين تناولوا هذه المطالب بالتأمل والتدقيق مساء الخميس بأن بنودا مثل تشغيل العاطلين جميعا‬
‫عن العمل بما يتناسب مؤهالتهم العلمية والعملية‪ ،‬ورفع الحد األدنى من األجور في القطاعين بما ال يقل عن ‪700‬‬
‫لاير‪ ،‬وإعفاء المواطنين عن الديون البنكية‪ ،‬وإلغاء نظام التعليم األساسي‪ ،‬قد تسللت‪ ،‬جزما‪ ،‬بإغفاءة قلم‪ ،‬إلى وس ط‬
‫العريضة‪ ،‬دفع بها العقل الجمعي الذي‪ ،‬كما تؤكد سيكولوجيا االعتصامات‪ ،‬غالبا ما يفسح المجال للعقل ألن يفصح‬
‫المطالب بتأني وروية‪ .‬وإال‪ ،‬فنعيذ قلم أؤلئك الشجعان الذين بنت أعوادهم ونمت فروعهم بين الجب ال الش امخة‬
‫واألرض الصلبة والخضرة النضرة‪ ،‬وهذه كلها تطبع في البنية التي تتربى بينها العزم الهائل على العمل والعطاء‪،‬‬
‫أقول‪ ،‬أعيذ قلمهم أن يشطح بما تأباه شيمهم‪.‬‬

‫لنتأمل قليال مطلب رفع األجور األدنى لتكون ‪ ،700‬والذي جاء بال شرط "بما يتناسب مؤهالتهم العلمية والعملية"‪،‬‬
‫ذلك ألن قلم كاتب هذا البند‪ ،‬أحسبه وقد أبى أن يكتب الشرط ألنه أحس برومانسية البند بش كل قطعي بكتابت ه‪،‬‬
‫فحذفه ليخفي قدرا من فلعله أراد أن يخفي بعده الخيالي والالواقعي فحذف الشرط! وإال‪ ،‬ف إذا اس تحق "عام ل‬
‫المصنع" بإعدادتيه وبال خبراته ‪ 700‬لاير فماذا سيحل بهذا المصنع الذي يلتزم بسداد مديونياته من جهة‪ ،‬وبالمنافسة‬
‫الحادة من الجوار من جهة أخرى‪ ،‬وبهامش ربح ضئيل من جهة ثالثة‪ ،‬وإذا ب ه ق د حلت علي ه "كارث ة" منح‬
‫الالمؤهل بأي نوع من التأهيل هذا الراتب الذي ال يتقاضاه اليوم حتى جامعي في مصرف محلي كب ير! ت رى‪،‬‬
‫والحال هذا‪ ،‬مالذي ينبغي أن يكون مرتب صاحب الماجستير؟ واألهم من هذا كله‪ ،‬فإن ت دهورا س يحل بجمي ع‬
‫المناطق الصناعية في السلطنة‪ ،‬بحيث أن أصحابها سيكونوا بين إغالقها‪ ،‬وفيه ضياع لجهود الحكومة المضنية في‬
‫وضع البنية التحتية لمصادر دخل أخرى في مرحلة نضوب النفط‪ ،‬وبين الرحيل بمعداتها إلى المناطق المج اورة‪،‬‬
‫حيث ال قيود التعمين‪ ،‬والعامل األجنبي الوفير والمؤهل الذي ال يكلف إال ‪ 90‬رياال في الشهر‪ ،‬سيؤدي إلى ارتفاع‬
‫هامش الربح‪ ،‬والقدرة على المنافسة‪ .‬فهل هذا الذي يريده أؤلئك المعتصمون األعزاء؟ الواقع‪ ،‬إننا نود أن نعرض‬
‫فكرتنا على الجهات المعنية حول تخفيف نسب التعمين في القطاع الصناعي‪ ،‬بمقابل مع تم إرغام القطاع به وه و‬
‫رفع األجور وزيادة اإلجازات! وبما أن "رفع األجور" و "زيادة اإلجازات" جاء عن "ال دراسة" فلسنا نطالب أن يتم‬
‫األخذ بتوصيتنا حول تخفيض نسب التعمين في هذا القطاع "المسكين" أن تتم "بالدراسة" عمال بالمثل!‬

‫ولنتأمل البند المنادي بإلغاء التعليم األساسي! لوهلة ظننت أن فريق ا من الب احثين من ذوي أعلى التخصص ات‬
‫التربوية قد نطقوا! لقد أنفقت وزارة التربية والتعليم ميزانية كبيرة ولسنوات عديدة تبحث عن أفضل منهج تعليمي‬
‫يناسب إيقاع العصر للرفع بمستوى التعليم العام في البلد‪ ،‬وليس هذا معناه أن ما توصلت إلي ه من نت ائج ت دعم‬
‫إحالل التعليمى األساسي مكان القديم كانت صحيحة بتمام معنى الكلمة‪ ،‬إال أن الذي سيحدد س قمها من س المتها‬
‫ليس جمعا من المعتصمين وإنما خبراء كبار في ميدان تخصصاتهم‪ .‬وليت وزارة التربي ة والتعليم تعك ف على‬
‫تطوير "التأهيل التربوي" حتى يستطيع فرز مؤهالت تستطيع مجاراة متطلبات التعليم األساسي حتى يك ون الحكم‬
‫على جدواه من عدمه حكما صحيحا‪ .‬باألمس القريب‪ ،‬أعلنت ‪ British Council‬بأن لديها دورة تأهيلية تربوية إال‬
‫أنها تتعجب عن أسباب إحجام وزارة التربية والتعليم عن اعتمادها رغم أن الدورة تتوافق مع أعلى مقاييس التأهيل‬
‫المعتمدة في دول كبيرة كبريطانيا – حسب دعوى المجلس ‪!-‬‬

‫أما البند الذي ألهم عنوان هذا العمود حقا‪ ،‬هو ذاك الذي يطالب الحكومة بستديد ديون المديونين! ال شك أنه بن د‬
‫حالم للغاية يحمل في طياته الدعوة إلى العبثية والالمسؤولية بتمام معانيها‪ .‬وإال‪ ،‬فهل تتحمل الحكومة عن المواطن‬
‫قرضه لشهر العسل؟ ولشراء سيارة فارهة بينما راتبه ال يزيد عن ‪ 280‬لاير؟ أم شراء أخرى لولده في الوقت الذي‬
‫تكدست شيكات سيارته األولى على طاولة محصلي الديون؟ أم الديون التي تراكمت جراء مض اربات في س وق‬
‫األوراق المالية عن عدم دراسة ووعي كافيين؟ وهل هذا السداد يأتي كخطوة ألجل اقتراضات جديدة سيتم المطالبة‬
‫بإسقاطها بعد عدة أعوام أخرى؟‬

‫إن الذي يدفع المواطن إلى االقتراض إما مستدعيات الرفاهية القصوى‪ ،‬وإما لتحصيل ضرورات الحياة عبره ا‪.‬‬
‫وال شك أن الحكومة مسؤولة مسؤولية كاملة عن توفير فرص العيش الكريم بإزالة عوامل االقتراض من الن وع‬
‫الثاني عبر خطة مدروسة تدفع العماني ألن يتأهل أكاديميا ومهنيا إلى الحدود الذي يخرج عن أن ينافس الوافد في‬
‫الحدود األدنى‪ ،‬وإنما ينافسه في الحدود الوسطى والعليا‪ ،‬فتزول ظاهرة "تدوير" كراسي "مدراء العموم" و "الرؤساء‬
‫التنفيذيين" الوافدين وبأعمار مديدة‪ ،‬إذ يا للعجب أن نسمع عن "معمر" في كرسي مساعد الرئيس التنفيذي أو مساعد‬
‫المدير العام في مصرف عماني مرموق بينما يبحث ذوي الماجستيرات من العم انيين عن ف رص توظي ف أو‬
‫يتكدسون على كراسي مدراء الفروع طوال أعمارهم!‬

‫نحن بحاجة إلى "أهداف محددة تكون الحالة الميسورة للعماني" بؤرة تركيزها‪ ،‬وتوضع استراتيجياتها وفقها‪ ،‬تكون‬
‫وزارة التربية والتعليم أولى أطرافها‪ ،‬ووزارة القوى العاملة ثانية أطرافها‪ ،‬وبينهما القطاع الخاص بنح و مم يز‬
‫جدا‪ ،‬مع هيئة رقابية ال تسمح باعتماد القوائم المالية أن تدقق ويعلن عنها في الجرائد ما لم يتم الكش ف عن حجم‬
‫العمالة الوافدة في الدرجات الوظيفية العليا والوسطى وما يقابلها من مؤهالت لعمانيين يجولون في الطرقات لم تقع‬
‫عين المحاباة عليهم بعد لتلقطهم عن قارعة الطريق بعد‪.‬‬

You might also like