Professional Documents
Culture Documents
المطالب الواقعية والمطالب الرومانسية
المطالب الواقعية والمطالب الرومانسية
طالعتنا جريدة الرؤية مشكورة صباح الخميس الفائت بنشرها لمطالب مسيرة "نداء الخ ير" لمعتص مي "ظف ار"،
لتعطي ،ليس فحسب للمسؤولين وسائر المهتمين ،فرصة االطالع على الذي يقل ق الم واطن في ظف ار ويقض
مضجعه ،وإنما للمحللين النقاد والمحققين فرصة ثمينة للغاية لتدارس أنماط التفكير وبالتالي نوعية الثقاف ة ال تي
تحكم تلك األنماط وتودي بها إلى ترتيب أولويات الحياة ،هذا فضال عن إيصالها لصوت أؤلئك المعتصمين ألك بر
قدر من الناس على أرض هذا الوطن ،وهذه بحد ذاتها "كبيرة" على االعالم العماني بشتى أشكاله ال يتلقاها منه ا
إال ذوي "حظ عظيم".
وعند التأمل في مفردات المطالبات تلك ،ينبغي القول أن منها ما قد تحقق فعال ،ومنها ما هو جدير ب أن يتحق ق،
ومنها – مع األسف – يخلو كليا من الواقعية ويرتمي إلى صف ما أسميناه في عنوان العمود بالرومانسية.
يتفق معي جمع من الذين تناولوا هذه المطالب بالتأمل والتدقيق مساء الخميس بأن بنودا مثل تشغيل العاطلين جميعا
عن العمل بما يتناسب مؤهالتهم العلمية والعملية ،ورفع الحد األدنى من األجور في القطاعين بما ال يقل عن 700
لاير ،وإعفاء المواطنين عن الديون البنكية ،وإلغاء نظام التعليم األساسي ،قد تسللت ،جزما ،بإغفاءة قلم ،إلى وس ط
العريضة ،دفع بها العقل الجمعي الذي ،كما تؤكد سيكولوجيا االعتصامات ،غالبا ما يفسح المجال للعقل ألن يفصح
المطالب بتأني وروية .وإال ،فنعيذ قلم أؤلئك الشجعان الذين بنت أعوادهم ونمت فروعهم بين الجب ال الش امخة
واألرض الصلبة والخضرة النضرة ،وهذه كلها تطبع في البنية التي تتربى بينها العزم الهائل على العمل والعطاء،
أقول ،أعيذ قلمهم أن يشطح بما تأباه شيمهم.
لنتأمل قليال مطلب رفع األجور األدنى لتكون ،700والذي جاء بال شرط "بما يتناسب مؤهالتهم العلمية والعملية"،
ذلك ألن قلم كاتب هذا البند ،أحسبه وقد أبى أن يكتب الشرط ألنه أحس برومانسية البند بش كل قطعي بكتابت ه،
فحذفه ليخفي قدرا من فلعله أراد أن يخفي بعده الخيالي والالواقعي فحذف الشرط! وإال ،ف إذا اس تحق "عام ل
المصنع" بإعدادتيه وبال خبراته 700لاير فماذا سيحل بهذا المصنع الذي يلتزم بسداد مديونياته من جهة ،وبالمنافسة
الحادة من الجوار من جهة أخرى ،وبهامش ربح ضئيل من جهة ثالثة ،وإذا ب ه ق د حلت علي ه "كارث ة" منح
الالمؤهل بأي نوع من التأهيل هذا الراتب الذي ال يتقاضاه اليوم حتى جامعي في مصرف محلي كب ير! ت رى،
والحال هذا ،مالذي ينبغي أن يكون مرتب صاحب الماجستير؟ واألهم من هذا كله ،فإن ت دهورا س يحل بجمي ع
المناطق الصناعية في السلطنة ،بحيث أن أصحابها سيكونوا بين إغالقها ،وفيه ضياع لجهود الحكومة المضنية في
وضع البنية التحتية لمصادر دخل أخرى في مرحلة نضوب النفط ،وبين الرحيل بمعداتها إلى المناطق المج اورة،
حيث ال قيود التعمين ،والعامل األجنبي الوفير والمؤهل الذي ال يكلف إال 90رياال في الشهر ،سيؤدي إلى ارتفاع
هامش الربح ،والقدرة على المنافسة .فهل هذا الذي يريده أؤلئك المعتصمون األعزاء؟ الواقع ،إننا نود أن نعرض
فكرتنا على الجهات المعنية حول تخفيف نسب التعمين في القطاع الصناعي ،بمقابل مع تم إرغام القطاع به وه و
رفع األجور وزيادة اإلجازات! وبما أن "رفع األجور" و "زيادة اإلجازات" جاء عن "ال دراسة" فلسنا نطالب أن يتم
األخذ بتوصيتنا حول تخفيض نسب التعمين في هذا القطاع "المسكين" أن تتم "بالدراسة" عمال بالمثل!
ولنتأمل البند المنادي بإلغاء التعليم األساسي! لوهلة ظننت أن فريق ا من الب احثين من ذوي أعلى التخصص ات
التربوية قد نطقوا! لقد أنفقت وزارة التربية والتعليم ميزانية كبيرة ولسنوات عديدة تبحث عن أفضل منهج تعليمي
يناسب إيقاع العصر للرفع بمستوى التعليم العام في البلد ،وليس هذا معناه أن ما توصلت إلي ه من نت ائج ت دعم
إحالل التعليمى األساسي مكان القديم كانت صحيحة بتمام معنى الكلمة ،إال أن الذي سيحدد س قمها من س المتها
ليس جمعا من المعتصمين وإنما خبراء كبار في ميدان تخصصاتهم .وليت وزارة التربي ة والتعليم تعك ف على
تطوير "التأهيل التربوي" حتى يستطيع فرز مؤهالت تستطيع مجاراة متطلبات التعليم األساسي حتى يك ون الحكم
على جدواه من عدمه حكما صحيحا .باألمس القريب ،أعلنت British Councilبأن لديها دورة تأهيلية تربوية إال
أنها تتعجب عن أسباب إحجام وزارة التربية والتعليم عن اعتمادها رغم أن الدورة تتوافق مع أعلى مقاييس التأهيل
المعتمدة في دول كبيرة كبريطانيا – حسب دعوى المجلس !-
أما البند الذي ألهم عنوان هذا العمود حقا ،هو ذاك الذي يطالب الحكومة بستديد ديون المديونين! ال شك أنه بن د
حالم للغاية يحمل في طياته الدعوة إلى العبثية والالمسؤولية بتمام معانيها .وإال ،فهل تتحمل الحكومة عن المواطن
قرضه لشهر العسل؟ ولشراء سيارة فارهة بينما راتبه ال يزيد عن 280لاير؟ أم شراء أخرى لولده في الوقت الذي
تكدست شيكات سيارته األولى على طاولة محصلي الديون؟ أم الديون التي تراكمت جراء مض اربات في س وق
األوراق المالية عن عدم دراسة ووعي كافيين؟ وهل هذا السداد يأتي كخطوة ألجل اقتراضات جديدة سيتم المطالبة
بإسقاطها بعد عدة أعوام أخرى؟
إن الذي يدفع المواطن إلى االقتراض إما مستدعيات الرفاهية القصوى ،وإما لتحصيل ضرورات الحياة عبره ا.
وال شك أن الحكومة مسؤولة مسؤولية كاملة عن توفير فرص العيش الكريم بإزالة عوامل االقتراض من الن وع
الثاني عبر خطة مدروسة تدفع العماني ألن يتأهل أكاديميا ومهنيا إلى الحدود الذي يخرج عن أن ينافس الوافد في
الحدود األدنى ،وإنما ينافسه في الحدود الوسطى والعليا ،فتزول ظاهرة "تدوير" كراسي "مدراء العموم" و "الرؤساء
التنفيذيين" الوافدين وبأعمار مديدة ،إذ يا للعجب أن نسمع عن "معمر" في كرسي مساعد الرئيس التنفيذي أو مساعد
المدير العام في مصرف عماني مرموق بينما يبحث ذوي الماجستيرات من العم انيين عن ف رص توظي ف أو
يتكدسون على كراسي مدراء الفروع طوال أعمارهم!
نحن بحاجة إلى "أهداف محددة تكون الحالة الميسورة للعماني" بؤرة تركيزها ،وتوضع استراتيجياتها وفقها ،تكون
وزارة التربية والتعليم أولى أطرافها ،ووزارة القوى العاملة ثانية أطرافها ،وبينهما القطاع الخاص بنح و مم يز
جدا ،مع هيئة رقابية ال تسمح باعتماد القوائم المالية أن تدقق ويعلن عنها في الجرائد ما لم يتم الكش ف عن حجم
العمالة الوافدة في الدرجات الوظيفية العليا والوسطى وما يقابلها من مؤهالت لعمانيين يجولون في الطرقات لم تقع
عين المحاباة عليهم بعد لتلقطهم عن قارعة الطريق بعد.