Professional Documents
Culture Documents
كارل ماركس
كارل ماركس
أي دين ذاك الذي أطلق عليه "ماركس" بأنه "أفيون الشعوب"؟
محمد رضا اللواتي mohammed@alroya.net
عندما أطلق "فويرباخ" ولول مرة كلمته الشهيرة عن الدين بأنه يقففف "حجففر عففثرة" فففي
طريق تفتح قوى النسان بالنحو الكامل ،تلقى إسففتجابة قويففة مففن السياسففي والقتصففادي
اللماني "كارل ماركس" ،الفذي شفاء القفدر أن يصفبح تعليقفه علفى كلمفة "فويربفاخ" مفن
الشهرة بمكان بحيث غدت تلك في طي النسيان تماما .قال "مففاركس" أن "الففدين أفيففون
الشعوب"! وبعد ذلك ،سعى الرجل بكل ما أوتي من قوة ،وبمعونة رفيق دربه "إنجلففز" أن
يفصل النسان عن العلى .ذلفك العلفى الففذي يرمفز إلففى اللفه والجنفان والحيففاة مفا بعففد
المففوت .وبشففكل عففام ،أراد "مففاركس" أن يوقففع بيففن الميتافيزيقيففا والنسففان قطيعففة
أبستمولوجية وأيدلوجية حادة.
لماذ؟ قل من تساءل ،أما الغلب فقد هاجم وبحدة .لنرجع إلى السباب الففتي وقفففت وراء
توجه "ماركس" هذا وشدة عداءه لما وراء الطبيعة؟ الجابة تكمن في النقاط التالية:
.1لحظ "ماركس" أن الديان تجعل للنسان قيم وكمالت ينالهففا آخففر المطففاف وفففي
حياة أخرى .هذا بعد أن يطوي الموت صفففحته الدنيويففة .السففعادة ،واللففذة ،والخيففر
والجمال كله كفامن ففي مفا وراء الطبيعففة ،وعليففه فل خيففر ول سفعادة ول لفذة ففي
الحياة الحالية .إن هذا برأي "ماركس" عامل هدم وليس بعامل بنففاء .فالففذي يعمففل
على بلوغ الضفة الخرى لجل نيل السعادة ول يرى لها مجففال لن تقففع هاهنففا ،فلففن
يسعى بطبيعة الحال إلى تغيير حياته الراهنة .بل ل تملي الديففان علففى معتنقيهففا إل
فكرة سلبية عن الدنيا .فهي خالية من الخير ،ترى كيف سيعمل من يحمففل أعتقففادا
كهذا على تطوير حياته ودنياه؟ لقد أحال الدين كل ما يتمناه النسان إلى جهة عليففا
وأخلى اللحظة الراهنة من كل خير.
.2لحظ الرجل أيضا ،بأن الديففان تعمففل علففى تكريففس مفهففوم الخضففوع والستسففلم
للحوال السففيئة الففتي تتطلففب إرادة وعزيمففة لجففل أن تتغيففر .فهففي تفروج لمفهففوم
"القضففاء والقففدر" وأن الرادة اللهيففة قففد كتبففت مسففلك النسففان فففي حيففاته بكففل
تفاصيله ما قبل إيجاده ،وليس النسان إل آلة بيد القدر يقوده إلى أن يفنيه .إن مثل
هذا الفهم لن يجد ما يلح عليه لجل التغيير والكفاح لجل التطوير .إذ أن كل شففيء
مكتوب ول سبيل إلى تغييره على الطلق .الفقراء في الرض يقوم الدين بتكريففس
مزيدا من الفقر والتخلف فيهم ،في الففوقت الففذي كففان عليففه أن يففدعم حقهففم فففي
الحيففاة الكريمففة .يقففول " :إن الفقففراء ينتظففرون المففوت مستسففلمين ،عففاجزين
وينتظرون الجففزاء فففي عففالم آخففر .ولهففذا يقبلففون دون تمففرد أشففكال السففتبداد ول
يسعون للتحاد فيما بينهم من أجل تغييفر العفالم .إن إزالفة الفدين بوصففه السفعادة
الوهمية للشعب هي الشرط في تحقيق سعادته الحقيقية".
لم يكتفي "ماركس" بشن حملة شففعواء علففى الففدين ومفرداتففه ورمففوزه الغيبيففة مهمففا
كانت ،بل تطاول على الفلسفة أيضا والفكفر الفلسففي بشفكل عفام ،فقفد قفال عنهفم
بأنهم "يسعون إلى تفسير العالم بدل من تغييره" .يتضفح ممفا مفر أن "مفاركس" الفذي
عانى مرارة الستبداد القطاعي ووجد أن الدين يقف في صففف رداءة الحففوال وليففس
تغييرها ،بما يبثه من مفاهيم حول الحياة المثلى الكامنففة وراء الطبيعففة ،وأنهففا يجففب أن
تصبح محط نظرنا ولجلها ينبغي صرف النظر عن الدنيا تماما .إننا قبل أن نكففون أمففام
"ملحد" ل يعتقد بالفلسفة اللهية ،نحن أمام مكافففح يريفد للحيفاة بمففا تففرزخ مفن أنففواع
الفقر أن تشهد كفاحا مريرا مع أسبابها .ولما وجد أن الديان تقففف أمففام التغييففر عقبففة
دخل في صراع معها.
ولكن ،هل أن ما ظنه "ماركس" فففي الففدين صففحيح؟ ظننففا ،أن الفرصففة لففم تتففح أمففام
"ماركس" للتحقيق في أبجديات "السلم" الذي تدعو تعالميه إلى إعمار الففدنيا وتربففط
بينها وبين الخرة برباط تصبح بموجبه الخرة وسعادتها رهينة بعمل النسان في الففدنيا.
يصرح كتاب المسلمين الول قائل " وقل اعملففوا" وحففول أؤلئك الففذين لففم يجففدوا فففي
الرض متسعا لممارسة الخير ،يلومففوهم القففرآن بقففوله تعففالى " :ألففم تكففن أرض اللففه
واسعة فتهاجروا إليها؟" ،بل وعد الرض المهيئة للعيش جنففة بحففد ذاتهففا فقففال تعففالى :
"الحمد لله الذي أورثنا الرض نتبؤأ من الرض حيث نشاء".
إن الباحث عن صلة العمل الصالح باليمان في تضاعييف اليات يجدها وقد تفشت فففي
أغلب اليات ،هذا فضل عن الروايات المأثورة من قبيل "أعمل لدنياك كأنك تعيش أبففدا
واعمل لخرتك كأنك تموت غدا" ،و" من كانت بيده فسيلة فسمع نداء النشور فليثبتها"
ومعنى ذلك أن نداء الخرة والعرض على الله تعالى ل يكون مففبررا لتركففك الغففرس إن
كنت تحمل فسيلة بيدك عند النداء.
الواقع ،لست أريد القول أننا ل نتفق مع "ماركس" فيما ظنه بالدين السلمي ،ذلك لن
ماركس لعله لم يوفق إلى دراسة تعاليم الدين كما ينبغي ،ولكن وعوضففا عففن هففذا ،أود
القول بأن أغلبنا ،نحن المسلمون لم ندرك جيدا مففدى توقففف السففعادة الخرويففة علففى
دورنا اليجابي في حياتنا النية .تعاليم حول دور العمل ،وأهميته ،ذاك الففذي يصففب فففي
بناء الرض وعمرانها ،وخلق أجواء العيففش الكريففم ،وفقففا للعدالففة ،والقيففم السففامية ،ل
تترجمها كما ينبغي أغلب تصرفاتنا .لعل أروع ما ربط به الدين الواقففع الففدنيوي بففالواقع
الخروي ،أن ذلك الواقع ،ليس إل كشف عن هذا الواقع ،بكل همففومه وأفراحففه ،بتمففام
تفاصيلها ،حتى صرحت الية تقول ،ة "فمن يعمففل مثقففال ذرة خيففرا يففره ،ومففن يعمففل
مثقال ذرة شرا يره" ،فهناك ،وفففي أفففق آخففر مففن مراحففل سففير النسففان فففي عففوالم
الوجود ،لن يجد إل ما عمله هنا .النهاية عادت إلى البداية فعل "كما بدأكم تعودون".