You are on page 1of 4

‫السيدة زينب تكتب التأريخ من جديد‬

‫الشيخ عبد الله بن صالح الياسين‬

‫مدخل وتمهيد‪:‬‬

‫بما أن هذه الليلة المباركة تصادف ذكرى ميلد السيدة زينب بنت أمير المؤمنين علي بببن‬
‫ض ممببا‬
‫أبي طالب عليها أفضل الصلة والسلم أحببت في هذا اليوم أن أتطببرق إلببى بعب ٍ‬
‫‪ ،‬وفي الحقيقة ل يمكنني في هذه العجالة أن أشرح أو أبسببط الكلم‬ ‫يتعلق بحياتها‬
‫هببو‬ ‫في عرض وتناول كل زوايا وأبعاد هذه الشخصببية الفببذة‪ ،‬فالحببديث عببن زينببب‬
‫حديث عن اللم والمصائب‪ ،‬حديث عن السبببي والتهجيببر‪ ،‬حببديث عببن المعانبباة والهببات‪،‬‬
‫حديث عن الجوع والعطش‪ ،‬حديث عبن البترويع والتهديبد‪ ،‬حبديث عبن الصبراخ والعويبل‪،‬‬
‫‪ ،‬ومع‬ ‫حديث عن البكاء والتفجع‪ ،‬حديث عن الحرق والفرار‪ ،‬هذا هو حديثنا عن زينب‬
‫كونه حديثا ً هذه صفاته إل أنه في نفس الوقت حديث عببن الصبببر والصببمود‪ ،‬حببديث عببن‬
‫الشجاعة والباء‪ ،‬حديث عن التحمل والشموخ‪ ،‬حديث عببن المقاومببة للظلببم والسببتبداد‪،‬‬
‫حديث عن العزة والكرامة‪ ،‬حديث عن الرضا واليقين‪ ،‬وفي الخير هببو حببديث عببن النصببر‬
‫والفتح والغلبة‪ ،‬فهذا هو الحديث عن اللبوة الجريحة زينب صلوات الله وسلمه عليها في‬
‫مجمله‪.‬‬

‫المرأة القدوة قدوة للرجال والنساء‪:‬‬

‫تعتبر المرأة القدوة ول يظنببن أح بدٌ أن حببديثنا عببن السببيدة العظيمببة زينببب‬ ‫فزينب‬
‫‪ ،‬وعن قوتها وصمودها وشموخها وشجاعتها ويقينها ورضاها وتسليمها مقتصر في‬
‫هي قدوة وأسوة للجنسين ذكورا وإناثًا‪.‬‬ ‫القتداء على المرأة بل إن السيدة زينب‬

‫لم تصل إلى ما وصلت إليه من هذا الشموخ وهذه العببزة وهببذا العطبباء إل‬ ‫إن زينب‬
‫من خلل أمها الصديقة الكبرى فاطمة الزهببراء صببلوات اللببه وسببلمه عليهببا‪ ،‬فللزهببراء‬
‫‪.‬‬ ‫دوٌر كبيٌر في صياغة شخصية ابنتها الصديقة الصغرى زينب الكبرى‬

‫الشبه بين البنت والم عليهما السلم‪:‬‬

‫والشبه بين الم وابنتها جدّ كبير ول يكاد يعثر النسان الباحث في السببيرتين علببى فببرق‬
‫إل العصمة المنصوصة لمها الزهراء صلوات الله وسلمه عليها‪ ،‬وإل فزينب عليها الصلة‬
‫عاشت تلك الفببترة مببن‬ ‫والسلم معصومة‪ ،‬ولعل من أوجه الشبه بينهما أن الزهراء‬
‫المعاناة مع المام علي فكانت جنبا ً إلببى جنببب مببع علببي فببي الببدفاع عببن العقيببدة‬
‫والمبدأ والولية وهذا هو المهم‪ ،‬فهي مع كونها زوجة وهي أم وبالنتيجة هببي امببرأة لهببا‬
‫حياتها الخاصة‪ ،‬ولكنها وقفت مع علي في مشروعه ‪ -‬مشروع السلم ‪ -‬ذلك المشروع‬
‫كببانت هببي المدافعببة عببن تلببك‬ ‫الذي كان أمانة بيد المببام علببي ‪ ،‬فنجببد الزهببراء‬
‫كانت المدافعة عن حريم الولية الببتي هببي السببلم الصببيل‪،‬‬ ‫المكتسبات‪ ،‬والزهراء‬
‫ومواقفها شبباهد صببدق علببى تلببك الشببجاعة وذلببك الصببمود والشببموخ والبسببالة‪ ،‬وتلببك‬
‫المواقف الكبيرة التي وقفتها الزهراء عليها الصلة والسببلم فببي ذلببك الببدور المبّر مببن‬
‫حياتها غير خافية على أحد أزاح عن عين بصيرته سحائب عصبيته‪.‬‬

‫والدفاع عن الثورة الحسينية‪:‬‬ ‫السيدة زينب‬

‫كببذلك فإننببا نجببد فببي ابنتهببا‬ ‫ونعود لنقول‪ :‬كما كانت الم الحاضببنة للسببيدة زينببب‬
‫سببدت فببي الببدفاع والحمايببة والرعايببة‬
‫من الشجاعة والبسالة التي تج ّ‬ ‫السيدة زينب‬
‫للثورة الحسينية والمشروع الحسيني‪ ،‬وعلينا أن نعرف أن المشببروع الببذي حملببه المببام‬
‫صا بالمسلمين فقط بل مشروعه للنسانية قاطبة‪ ،‬وهذا مببا‬ ‫الحسين ليس مشروعا خا ّ‬
‫يمكن معرفته من قوله في يوم العاشر من المحرم الحرام من سببنة ‪ 61‬للهجببرة النبويببة‬
‫جه خطابه المدوي في تلك البقعة الطاهرة كربلء الفداء‪» :‬إن لم يكببن لكببم ديببن‬ ‫حينما و ّ‬
‫وكنت ل تخافون المعاد فكونوا أحرارا ً في دنيبباكم«‪ ،‬نعببم‪ ،‬علببى النسببان أل يكببون عبببدا‬
‫لغيره‪ ،‬عليه أن يكون حّرا شريفا ً ل يأتمر بأوامر تؤدي إلى عبوديته‪ ،‬إلى ذلته‪ ،‬إلى خسببته‬
‫وقفببت مواقببف عظيمببة بحجببم عظمببة‬ ‫حتى لو لببم يكببن مسببلما‪ ،‬فزينببب العظيمببة‬
‫لمببا وصببلتنا الثببورة الحسببينية‬ ‫شخصببيتها المنقطعببة النظيببر‪ ،‬ولببول السببيدة زينببب‬
‫ي في أخته السببيدة‬ ‫ّ‬ ‫ح‬ ‫ومشروعه‬ ‫ونهضته‬ ‫بالصورة التي وصلتنا اليوم‪ ،‬فالمام الحسين‬
‫لعطي للحسين ولهل بيته عليهم الصلة والسببلم صببورة‬ ‫‪ ،‬ولول زينب‬ ‫زينب‬
‫ثانية‪.‬‬
‫الثورة الحسينية وقلب الحقائق‪:‬‬

‫وهنا مربط الفرس‪ ،‬فالمام الحسين الشهيد عليه الصلة والسلم ‪ -‬وهو ابن رسول اللببه‬
‫فاقببة‬‫‪ -‬نهض ليدافع عن الحق‪ ،‬ويرفببع رايببة العببزة والكرامببة لتبقببى رايببة السببلم خ ّ‬
‫عالية‪ ،‬نهض مريدا الخير لهذه المة‪ ،‬ولكبن جهلبة المبة فعلبوا ببه وبأهبل بيتبه وأصبحابه‬
‫عليهم الصببلة والسببلم مببا تببذوب لببه القلببوب‪ ،‬وتنصببهر لببه الكببباد‪ ،‬وعلوة علببى تلكببم‬
‫الجرائم‪ ،‬وذلك التنكيل والتقتيل المنقطع المثيل عمدوا لقلب الحقائق وتشببويه الصببور‪،‬‬
‫وهذا ما يسبب الزعاج واللم الشديدين اللذين ل يطيقهما النسان الحر صاحب الضببمير‬
‫الحي‪ ،‬فالنسان قد يتحمل القتل في سبيل الله‪ ،‬ويتحمل السجن والتهجير والترويع كما‬
‫فعلت السيدة الطاهرة زينب العقيلة عليهببا الصببلة والسببلم حيببث تحملببت هببذا الشببيء‬
‫الكبير والكثير‪ ،‬ولكن أن توصف ويوصف أهل بيتها الكرام الببذين نهضببوا لطلببب الصببلح‬
‫بصفة الخوارج فهذا شيء يؤلم ويقض المضاجع ويندى لببه جبببين‬ ‫في أمة رسول الله‬
‫النصاف والحرية‪ ،‬فهذا القلببب للحقببائق آلببم ويببؤلم قلببب العقيلببة زينببب عليهببا الصببلة‬
‫والسلم‪ ،‬وآلم ويؤلم قلب المام زين العابدين وإل فالقتل لهببم عببادة وكرامتهببم مببن‬
‫الله الشهادة‪.‬‬

‫زينب تكتب التأريخ من جديد‪:‬‬

‫اليوم زينب تكتب التأريخ من جديد نعم زينب تسجل لنببا هببذا التأريببخ مببن جديببد فتعطينببا‬
‫كببانت فببي القمببة أمببام تلببك‬ ‫الدروس الكبيرة التي ينبغببي لنببا أن نعيهببا لن زينببب‬
‫مواقببف‬ ‫المصائب‪ ،‬وتلك الشدائد ‪ -‬من القتل والتهجير والسر ‪ ،-‬حيث وقفت زينببب‬
‫البطال موقف الشجاعة والباء والصمود والصبر‪ ،‬ووالله لو ألقيت المصائب التي ألقيت‬
‫ت يببا عقيلببة‬
‫علببى الجبببال الشببامخة لتدكببدكت وانهببدت‪ ،‬فللببه أن ب ِ‬ ‫على قلببب زينببب‬
‫ك‪.‬‬‫ِ‬ ‫وتسليم‬ ‫ك‬
‫ِ‬ ‫ورضا‬ ‫ك‬
‫ِ‬ ‫صبر‬ ‫الطالبيين‪ ،‬ولله‬

‫‪:‬‬ ‫الرضا عنوان بارز في شخصية السيدة زينب‬

‫أنها تحت وطببأة كببل الشببدائد الببتي مببا‬ ‫وأكبر شاهد على صمود وصبر السيدة زينب‬
‫دث التأريخ بمثلها من الوحشية والقسوة كانت تقول‪» :‬اللهم تقبل منببا هببذا القربببان«‬ ‫ح ّ‬
‫نحن عندما نصاب بمصيبة ما أو بألم ما في أنفسنا أو في أهلنببا أو أصببحابنا أو أحبائنببا ل‬
‫نكاد نستقر وتسكن نفوسنا‪ ،‬وقد ‪ -‬والعياذ بالله ‪ -‬تختلف حتى المفبباهيم عنببد بعضببنا لن‬
‫المؤمن الحقيقي ل يعرف إل في وقت البلء والختبببار والمتحببان‪ ،‬ومببع مببا وقببع علببى‬
‫زينب من المصائب والمتاعب والنوائب ‪ -‬كما ذكرت ‪ -‬لم نجببد فببي سببيرتها بببل ول يوجببد‬
‫في قاموسها إل الرضا والتسليم حيث قالت‪» :‬اللهم تقبل منا هذا القربان« أي يا رب ما‬
‫ل بنا من عناء وتهجير وقتل وسبي وجوع وعطش كله في سبيلك وقربة إليك‪،‬‬ ‫أصابنا وح ّ‬
‫‪.‬‬ ‫فعلينا إذن أن نأخذ هذا الدرس العظيم من السيدة العظيمة زينب‬

‫‪:‬‬ ‫المصائب والمحن جما ٌ‬


‫ل في نظر السيدة زينب‬

‫‪ -‬كما ذكرت ‪ -‬مواقفها البطولية كبيرة وكثيرة جدا‪ ،‬ولندقق النظر في جوابهببا‬ ‫زينب‬
‫ت صببنع اللببه فببي أخيببك؟ فهببو لعنببه اللببه‬
‫ليزيد لعنة الله عليه حينما قال لهببا‪ :‬كيببف رأيب ِ‬
‫يخاطبها من موقع نشوة النصر الظاهري ونشوة الغلبببة الظاهريببة ظنببا منببه أنببه سببيطر‬
‫على الوضع بالقتل والترويع والتهجير وحرق الخيام‪ ،‬ظن أنه سيطر وهببزم الحسببين ‪،‬‬
‫إل أنها أجابته إجابة نافذ البصيرة صلب اليمان وقالت له‪» :‬ما رأيت إل جميل« أي أن كل‬
‫شيء في سبببيل اللببه مبن قتبل وحبرق وتهجيببر وهببدم وإن كبان ظبباهره الشببدة واللبم‬
‫والحسرة إل أنه جميل في حقيقته لكونه يتضمن العزة والكرامة‪ ،‬والقتل في سبيل اللببه‬
‫شهادة وفوز وسعادة‪ ،‬ونجدها أيضا في مورد آخر من خطاباتها تقول‪» :‬هؤلء قوم كتببب‬
‫الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضبباجعهم‪ ،‬وسببيجمع اللببه بينببك وبينهببم فتحبباج وتخاصببم‬
‫فانظر لمن الفلج ثكلتك أمك يا بببن مرجانببة« نعببم‪ ،‬ومببا نببراه مببن قتببل وسبببي وتهجيببر‬
‫وترويع في بعض المناطق البتي نعيشبها اليبوم كلبه فبي سببيل اللبه‪ ،‬وكلبه جميبل فبي‬
‫الحقيقة ‪ -‬كما تقدم ‪.-‬‬
‫حقيقة باقية "العاقبة للمتقين"‪:‬‬

‫خاطبت يزيد لعنه الله بقولهببا‪» :‬أظننببت يببا يزيببد حيببث أخببذت‬ ‫سيدتنا زينب الكبرى‬
‫علينا أقطار الرض وآفاق السماء وأصبحنا نساق كما تساق السببارى أن بنببا هوانببا علببى‬
‫الله وبك عليه كرامة؟!« فهنا طرحت استفهامها النكاري إذ المر ليس كذلك‪ ،‬نعببم‪ ،‬هببذا‬
‫هو الظاهر الذي يظهر ولكن الحقيقة والواقع نحببن الكرمبباء نحببن أهببل العببزة‪ ،‬وتسببتمر‬
‫وتقول‪» :‬فمهل مهل أنسيت قوله تعالى ﴿ ول يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهببم خيببرا ً‬
‫لنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين ﴾ فو الله ما فريببت إل جلببدك ول‬
‫حززت إل لحمك وسيعلم من سول لك ومكنك مببن رقبباب المسببلمين أن بئس للظببالمين‬
‫بدل« أي أن العاقبة والنتيجة لطلب الحق والبقاء والعزة والكرامببة هببي للحسببين وأولد‬
‫‪.‬‬ ‫الحسين وأصحاب الحسين ومن سار على نهج الحسين عليه و‬

‫ب ‪ -‬كمببا ذكببرت ‪ -‬يعيببده التاريببخ اليببوم‪» :‬فكببد كيببدك وأسببع سببعيك‬


‫وكذلك خاطبته بخطا ٍ‬
‫وناصب جهدك فو الله ل تمحو ذكرنا ول تميت وحينا فهببل رأيببك إل فنببد وأيامببك إل عببدد‬
‫وشملك إل بببدد يببوم ينببادي المنببادي أل لعنببة اللببه علببى الظببالمين« إذن الخسببة والعببار‬
‫والشنار والخزي لولئك الظلمة‪ ،‬لولئك الذين يحملون الدناءة والخسة والحقارة‪.‬‬

‫نهاية المطاف‪:‬‬

‫‪» :‬فالحمببد للببه الببذي ختببم لولنببا بالسببعادة والرحمببة ولخرنببا‬ ‫وأخيرا تقول زينببب‬
‫بالشهادة والمغفرة وأسأل الله أن يكمل لهم الثواب ويوجب لهم المزيببد وحسببن المئاب‬
‫ويحسن علينببا الخلفببة إنببه رحيببم ودود وحسبببنا اللببه ونعببم الوكيببل نعببم المببولى ونعببم‬
‫النصير« وفي الحقيقة إن العاقبة للمتقين‪.‬‬

‫دعاء‪:‬‬

‫فنسأل من الله سبحانه وتعالى في هذه الظروف الحساسة‪ ،‬وفي هذه الظروف المؤلمة‬
‫أن ينتصر للحق وينتصر لدماء الشهداء ويأخذ بثببأرهم‪ ،‬ونسببأل مببن اللببه أن يببترحم علببى‬
‫جميع الشببهداء الببذين وقعببوا فبي هبذه اليببام فببي بلبداننا السبلمية مببن اليمببن وليبيبا‬
‫والبحرين‪ ،‬ومنه تعببالى نسببأل كببذلك أن يمببن علببى السببرى والمسببجونين والمفقببودين‬
‫بالعودة إلى أوطانهم وأهليهم سالمين غببانمين‪ ،‬وإلببى أرواح الشببهداء وكافببة المببؤمنين‬
‫والمؤمنات الفاتحة تسبقها الصلوات‪.‬‬

You might also like