Professional Documents
Culture Documents
الماحيات
الحسنات الماحيات 4
المقدمة
احلمد لله رب العاملني القائلُ { :ق ْل يَا ِع َبادِ َي ا َّلذِ ي َن أَ ْس َر ُفوا َعلَى أَنف ُِسهِ ْم اَل تَ ْقن َُطوا
جمِ ي ًعا ِإ َّن ُه ُه َو الْ َغفُو ُر ال َّر ِحي ُم } ( )35سورة الزمر، وب َ مِ ن َّر ْح َمةِ اللَّهِ إ َِّن اللَّ َه يَغْفِ ُر ال ُّذنُ َ
اس ُع الْ َمغْفِ َر ِة ُه َو أَ ْعل َ ُم
ش إ اَِّل اللَّ َم َم إ َِّن َر َّب َك َو ِ والقائل { :ا َّلذِ ي َن يَ ْجتَ ِنبُو َن َك َبا ِئ َر إْ ِ
الثْ ِم َوالْ َف َو ِ
اح َ
ض َو ِإ ْذ أَنتُ ْم أَ ِج َّن ٌة فِ ي بُ ُطونِ أ ُ َّم َها ِت ُك ْم َف اَل تُ َز ُّكوا أَنف َُس ُك ْم ُه َو أَ ْعل َ ُم نش َأ ُكم ِّم َن أْالَ ْر ِ
ِب ُك ْم ِإ ْذ أَ َ
ِب َمنِ ا َّتقَى} ( )23سورة النجم ،والصالة والسالم على أشرف النبيني وإمام املرسلني وقائد
الغر احملجلني إلى مرضاة الله رب العاملني ،القائلُ « :ك ُّل أ ُ َّمتِى يَ ْدخُ لُو َن الْ َج َّن َة ِ ،إ َّال َم ْن أَبَى
» َ .قالُوا :يَا َر ُسو َل اللَّهِ ! َو َم ْن يَ ْأبَى؟! َقا َلَ « :م ْن أَ َط َ
اعنِى َد َخ َل الْ َج َّن َة َ ،و َم ْن َع َ
صانِى َف َق ْد
أَبَى » ،1أما بعد :فلقد شاء الله ـ تعالى ـ أن ال يسلم أحد من بني آدم من خطأ ،غير أنهم
يتفاوتون فيما بينهم في ذلك ،فمنهم املستقل ومنهم املستكثر وبني ذلك ،ومنهم املنقبض
ومنهم املتجرئ وبني ذلك ،ولو آخذ الله العباد بذنوبهم وخطاياهم ملا ترك على ظهر األرض
ك َعلَيْ َها مِ ن َدآ َّب ٍة )16( }... َّاس ب ُ
ِظلْمِ هِ م َّما تَ َر َ اخ ُذ اللّ ُه الن َ
من دابة .قال تعالىَ { :ولَ ْو يُ َؤ ِ
سورة النحل ،ولكن من رحمته وفضله ومنته ـ جل وعال ـ أن أبواب رحمته ومغفرته وعفوه
مشرعة ملن تاب وأناب ورغب بصدق في محو ذنوبه والتجاوز عن خطاياه ،وفي حديث
أنس ـ رضي الله عنه ـ قال :قال رسول الله [ « :كل بني آدم خطاء وخير اخلطائني
التوابون « .2وفي هذه العجالة يطيب لنا أن نضع بني يديك ـ أيها القارئ الكرمي ـ ما تيسر
من أعمال صاحلات جالبات للحسنات التي نرجو أن تكون سببا ـ بإذن الله ـ في محو ذنوبك
وستر عيوبك ورفع درجتك عند الله تعالى ،مشفوعة باآلثار الدالة على ذلك من كتاب الله
وصحيح سنة رسول الله [ سائلني الله العلي القدير أن يوفقنا جميعا إلى ذكره وشكره
وحسن عبادته ،إن ربنا قريب مجيب .
)1رواه البخاري ،من حديث أبي هريرة ،رضي الله عنه .
)2رواه الترمذي وابن ماجه والدرمي ،وحسنه األلباني .
5 الحسنات الماحيات
3
التوحيد هو :إفراد الله ـ سبحانه ـ بالعبادة ،وهو دين الرسل الذين أرسلهم الله به إلى العباد.
وتوحيد الله ـ تعالى ـ هو الغاية من خلقه ـ سبحانه ـ للثقلني بل وللسموات واألرض ،وهو الغاية
من إرسال الرسل ،وإنزال الكتب ،والبعث والنشور ،ونصب املوازين ،واجلنة والنار .يقول ابن
القيم ـ رحمه الله ـ « :إن الله أرسل رسله وأنزل كتبه وخلق السموات واألرض ليُ ْع َر َف ويُ ْع َب َد
ويُ َو َّحد ,ويكون الدين كله لله ،والطاعة كلها له والدعوة له ،كما قال تعالىَ { :و َما َخلَق ُ
ْت الْ ِج َّن
نس إ اَِّل ِل َي ْعبُ ُدونِ } ( )65سورة الذاريات ،ا.هـ .4فمن أذعن لله ـ تعالى ـ وأقر بأنه اخلالق املالك َو إْ ِ
ال َ
املدبر ،وصرف جميع أنواع العبادة والطاعة له وحده ،وأثبت له ـ سبحانه ـ ما أثبته لنفسه في
كتابه ،أو على لسان رسوله [ـ من غير حتريف ،وال تعطيل ،ومن غير تكييف ،وال متثيل ،ونفى
عنه ـ سبحانه ـ ما نفاه عن نفسه في كتابه ،أو على لسان رسوله [ مع اعتقاده ثبوت كمال ضده
لله تعالى .من فعل ذلك نفعه الله ـ عز وجل ـ به منافع شتى ،ومنها أن يغفر الله له ذنبه ،فعن
عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ قال :قال رسول الله [ « :إن الله سيخلص
رجال من أمتى على رءوس اخلالئق يوم القيامة ،فينشر عليه تسعة وتسعني سجال كل سجل
مثل مد البصر ،ثم يقول :أتنكر من هذا شيئا؟ أظلمك كتبتى احلافظون؟ فيقول :ال يا رب.
فيقول :أفلك عذر؟ فيقول :ال يا رب .فيقول :بلى إن لك عندنا حسنة ،فإنه ال ظلم عليك اليوم
.فتخرج بطاقة فيها أشهد أن ال إله إال الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ،فيقول :أحضر
وزنك .فيقول :يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجالت؟ فقال :إنك ال تظلم .قال :فتوضع
السجالت فى كفة والبطاقة فى كفة ،فطاشت السجالت وثقلت البطاقة ،فال يثقل مع
اسم الله شىء » .5وعن أَنَ ُ
س بْ ُن َمال ٍِك ] َقا َل َسمِ ْع ُت َر ُسو َل اللَّهِ [ـ يَقُو ُلَ « :قا َل
اب األَ ْر ِ
ض َخ َطايَا ثُ َّم لَقِ يتَنِى الَ ت ُْشرِ ُك بِى َشيْ ًئا اللَّهُ :يَا ابْ َن آ َد َم! ِإ َّن َك لَ ْو أَتَيْتَنِى ِب ُق َر ِ
ألَتَيْت َُك ِب ُق َرا ِب َها َمغْفِ َر ًة » .6يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ :لِشهادة أن ال إله إال الله عند املوت
تأثير عظيم في تكفير السيئات وإحباطها ،ألنها شهادة من عبد موقن بها ،عارف مبضمونها،
قد ماتت منه الشهوات ،والنت نفسه املتمردة ،وانقادت بعد إبائها واستعصائها ،وأقبلت
بعد إعراضها ،وذ َّلت بعد عزِّها ،وخرج منها حرصها على الدنيا وفضولها ،واستخذت بني
يدي ربها وفاطرها وموالها احلق َّ
أذل ما كانت له وأرجى ما كانت ل َعفوه ومغفرته ورحمته،
وجترد منها التوحيد بانقطاع أسباب الشرك وحتقق بطالنه ،فزالت منها تلك املنازعات
التي كانت مشغولة بها ،واجتمع همها على من أيقنت بالقدوم عليه واملصير إليهَ ،ف َو َّجه
العبد َو ْج َه ُه بِكلِّ َّيتِه إليه ،وأقبل بقلبه وروحه وه ِّمه عليه ،فاستسلم له وحده ظاه ًرا وباطنًا،
مخلصا من قلبه ،وقد تخلص قلبه من التعلق
ً واستوى سره وعالنيته ،فقال :ال إله إال الله
بغيره وااللتفات إلى ما سواه ،قد خرجت الدنيا كلها من قلبه ،وشارف القدوم على ربه،
وخمدت نيران شهوته ،وامتأل قلبه من اآلخرة ،فصارت نصب عينيه ،وصارت الدنيا وراء
ظهره ،فكانت تلك الشهادة اخلالصة خامتة عمله ،فط َّهرته من ذنوبه ،وأدخلته على ربه،
ألنه لقي ربه بشهادة صادقة خالصة ،وافق ظاهرها باطنها وسرها عالنيتها .7هذا وقد
دلت األحاديث الصحيحة على أن الكافر إذا أسلم كافأه الله تعالى مبحو ذنوبه التي اقترفها
ال منه سبحانه وامتناناً ،فعن أبي سعيد اخلدري ] قال :قال رسول في زمن الكفر ،تفض ً
الله [ « :إذا أسلم العبد فحسن إسالمه كتب الله له كل حسنة كان أزلفها ،ومحيت عنه كل
سيئة كان أزلفها ،ثم كان بعد ذلك القصاص احلسنة بعشرة أمثالها إلى سبع مائة ضعف
والسيئة مبثلها إال أن يتجاوز الله ـ عز وجل ـ عنها» . 8وعن أنس ] قال :جاء رجل إلى
)6رواه الترمذي وغيره ،وقال :هذا حديث حسن غريب .وقوله (قراب) بضم القاف وكسرها معناه :ملؤها أو ما يقارب
مألها .
)7لفوائد (. )65
)8رواه النسائي وغيره ،وصححه األلباني .وحسن اإلسالم يكون بفعل الواجبات وترك احملرمات كما قرر ذلك بعض
أهل العلم .ومعنى ( أزلفها ) أسلفها وقدمها ،و( القصاص ) أَ ْي :كِ تَابَة الْ ُم َجازَاة فِ ي ال ُّدنْ َيا ،ذكره احلافظ في الفتح .
7 الحسنات الماحيات
النبي [ فقال :يا رسول الله ما تركت حاجة وال داجة إال أتيت قال « :أليس تشهد أن ال
إله إال الله وأن محمدا رسول الله ؟ « -ثالث مرات -قال :نعم قال « :ذاك يأتي على ذاك
« ، 9وعن أبي طويل شطب املمدود أنه أتى النبي [ فقال :أرأيت من عمل الذنوب كلها
فلم يترك منها شيئا وهو في ذلك لم يترك حاجة وال داجة إال أتاها فهل لذلك من توبة ؟
قال « :فهل أسلمت ؟ « قال :أما أنا فأشهد أن ال إله إال الله وأنك رسول الله قال « :تفعل
اخليرات وتترك السيئات فيجعلهن الله لك خيرات كلهن « قال :وغدراتي وفجراتي ؟ قال
« :نعم « .قال :الله أكبر .فما زال يكبر حتى توارى ،10وعن عمرو بن العاص] قال
في قصة إسالمه :أتيت النبي [ فقلت :ابسط ميينك فألبايعك ،فبسط ميينه .قال:
فقبضت يدي .قال :مالك يا عمرو ؟ قال :قلت :أردت أن أشترط .قال :تشترط مباذا ؟
قلت :أن يغفر لي .قال :أما علمت أن اإلسالم يهدم ما كان قبله ؟ وأن الهجرة تهدم ما كان
11
قبلها ؟ وأن احلج يهدم ما كان قبله ؟»
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم
)9قال احلافظ الهيثمي في اجملمع :رواه أبو يعلى والبزار بنحوه والطبراني في الصغير واألوسط ورجالهم ثقات.
ومعنى قوله ( ما تركت حاجة وال داجة إال أتيت ) أي ما تركت شيئاً َد َعتْنِي نفسي إليه من املعاصي إال وقد ركِ بْته
(.النهاية) .
)10قال احلافظ الهيثمي في اجملمع :رواه الطبراني والبزار بنحوه ورجال البزار رجال الصحيح غير محمد بن هارون
أبي نشيط وهو ثقة .
)11رواه مسلم .
الحسنات الماحيات 8
التــــــوبــــة
إن من أهم احلسنات التي متحو السيئات كلها ـ التوب َة النصوح ،والتي تقتضي اإلقالع عن
الذنب ،والندم على ما فات ،والعزم على عدم العودة إلى اخلطيئة مرة أخرى ،وإعادة احلقوق
وحا َع َسى َر ُّب ُك ْم أَن يُ َك ِّف َر َعن ُك ْم
ص ًألهلها ،قال تعالى{ :يَا أَ ُّي َها ا َّلذِ ي َن آ َمنُوا تُوبُوا ِإلَى اللَّهِ تَ ْوبَ ًة َّن ُ
َّات ت َْجرِ ي مِ ن ت َْح ِت َها أْالَنْ َها ُر ...اآلية} ( )8سورة التحرمي ،وقال سبحانه: َس ِّيئَا ِت ُك ْم َويُ ْد ِخل َ ُك ْم َجن ٍ
ِحونَ} ( )13سورة النــور ،وقال جل شأنه{ :إ اَِّل َمن { َوتُوبُوا ِإلَى اللَّهِ َجمِ ي ًعا أَ ُّي َها الْ ُمؤْمِ نُو َن لَ َعلَّ ُك ْم تُ ْفل ُ
َات َو َكا َن اللَّ ُه َغفُو ًرا َّر ِحي ًما} ()07
ِك يُ َب ِّد ُل اللَّ ُه َس ِّيئَاتِهِ ْم َح َسن ٍ صال ًِحا َفأُ ْولَئ َ َاب َوآ َم َن َو َعمِ َل َع َم اًل َ
ت َ
سورة الفرقان ،واملعنى :أن السيئات املاضية تنقلب بنفس التوبة النصوح حسنات ،وما ذاك إال أنه
كلما تذكر ما مضى ندم واسترجع واستغفر ،فينقلب الذنب طاعة بهذا االعتبار .فيوم القيامة
12
وإن وجده مكتوبا عليه ،لكنه ال يضره ،وينقلب حسنة في صحيفته ،كما ثبتت السنة بذلك .ا.هـ
فعن أبى ذر ـ] قال :قال رسول الله [« :إني ألعرف آخر أهل النار خروجا من النار ،وآخر
أهل اجلنة دخوال اجلنة .يؤتى برجل ،فيقول» سلوا عن صغار ذنوبه واخبئوا كبارها .فيقال له:
عملت كذا وكذا يوم كذا وكذا ،عملت كذا وكذا في يوم كذا وكذا .قال :فيقال له :فإن لك مكان كل
سيئة حسنة .قال :فيقول :يا رب لقد عملت أشياء ما أراها ها هنا » .قال فلقد رأيت رسول الله
[ يضحك حتى بدت نواجذه» .13وروى مجاهد عن ابن عباس أنه كان ينشد عند هذه اآلية:
ات ثُ َّم تَابُوا ْ مِ ن يعني :تغيرت تلك األحوال إلى غيرها .وقال تعالىَ { :وا َّلذِ ي َن َعمِ لُوا ْ َّ
الس ِّيئَ ِ
بَ ْعدِ َها َوآ َمنُوا ْ إ َِّن َر َّب َك مِ ن بَ ْعدِ َها لَ َغفُو ٌر َّر ِحي ٌم } ( )351سورة األعراف ،ومن ذلك ـ أيضا ـ ما أخرجه
الشيخان في صحيحيهما عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ :أن أناسا من أهل الشرك كانوا قد
قتلوا وأكثروا وزنوا وأكثروا ،فأتوا محمدا ـ[ فقالوا :إن الذي تقول وتدعو إليه حلسن لو تخبرنا
أن ملا عملنا كفارة .فنزل { والذين ال يدعون مع الله إلها آخر وال يقتلون النفس التي حرم الله إال
باحلق وال يزنون } .ونزل { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ال تقنطوا من رحمة الله
} ،ومن الشواهد على ذلك ـ أيضاً ـ قصة املرأة التي زنت على عهد رسول الله ـ[ فأتت وقالت:
يا رسول الله إني حبلى من الزنا ،فأقم علي احلد ،فأمرها أن ترجع حتى تضع حملها .وحني
وضعت أتته ،فقال لها :ارجعي حتى تفطمي طفلك ،فبعدما فطمته رجعت ،فأقام عليها احلد،
اح ُب َم ْك ٍس لَغُفِ َر لَ ُه » 14وقال في ماعز
ص ِثم قال [َ « :وا َّلذِ ى نَف ِْسى ِب َيدِ ِه لَ َق ْد تَابَ ْت تَ ْوبَ ًة لَ ْو تَابَ َها َ
َاب تَ ْوبَ ًة لَ ْو ُق ِس َم ْت بَيْ َن أ ُ َّم ٍة لَ َو ِس َعتْ ُه ْم » ، 15فالله أكبر يا عباد
] بعد إقامة احلد عليه « :لَ َق ْد ت َ
الله ،انظروا إلى أثر تقوى الله ـ عز وجل ـ في قلوب هؤالء األتقياء الذين لم يعلم مبعصيتهم أحد
إال الله ،فما زالت التقوى بهم ،وخوف الله يلهب قلوبهم ،وخشيته ترعد فرائصهم حتى أتوا إلى
النبي [ ليطهرهم من هذه اخلطيئة وهذا الذنب ،ولو أنهم تابوا فيما بينهم وبني الله ـ سبحانه
وتعالى ـ لكفاهم ذلك ،ولكنها نفوس سمت بإميانها إلى العلياء ،فما رضيت حتى جادت بنفوسها
رضاً لرب األرض والسماء .ومن ذلك ـ أيضا ـ قصة ذلك الرجل الذي قتل تسعاً وتسعني نفساً بل
أمت املائة ،وحينما وجد من دله على باب التوبة وأمره بأن ينتقل من بالد السوء إلى بالد اخلير
والصالح ثم قبضت روحه قبل أن يصل إليها ،أدخله ربه مع املتقني برحمته ،إذ إنه أقبل على
الله بقلب مؤمن تقي تائب من ذنبه ،أقبل عازماً على عدم العودة إليه ،نادماً على فعله ،فقال الله
لهذه( :أي بلد الصالح) أن تقاربي ،وقال لتلك :أن تباعدي (أي بلد السوء) فغفر الله له ما كان
وأدخله اجلنة برحمته وفضله ،جل وعال . 16وعن عبد الله بن مسعود ] عن النبي [ قال:
«التائب من الذنب كمن ال ذنب له» . 17ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت
التواب الرحيم.
)14رواه مسلم من حديث بريدة بن احلصيب ،رضي الله عنه .واملكس :الضريبة والعشور التي تأخذ على خالف
حكم الشرع.
)15املرجع السابق .
)16رواه مسلم من حديث أبي سعيد اخلدري ،رضي الله عنه .
)17قال في مجمع الزوائد :رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح إال أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه ا.هـ .وحسنه
األلباني .
الحسنات الماحيات 10
االستغفار
قال تعالىَ { :و َمن يَ ْع َم ْل ُسوءاً أَ ْو يَ ْظ ِل ْم نَف َْس ُه ثُ َّم يَ ْستَغْفِ رِ الله يَ ِجدِ الله َغفُوراً َّر ِحيم ًا
(النساء .)011:وقال جل شأنه { َو َما َكا َن اللّ ُه ِليُ َع ِّذبَ ُه ْم َوأَ َ
نت فِ يهِ ْم َو َما َكا َن اللّ ُه ُم َع ِّذبَ ُه ْم
َو ُه ْم يَ ْستَغْفِ ُرونَ} ( )33سورة األنفال ،أخبر سبحانه وتعالى أنه ال يعذب مستغفرا؛ ألن
االستغفار ميحو الذنب الذي هو سبب العذاب ،فيندفع العذاب .وعن أبي ذر] :عن
النبي [ فيما روى عن الله ـ تبارك وتعالى ـ أنه قال« :يا عبادي إنكم تخطئون بالليل
والنهار ،وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم» .18"..وعن عقبة بن عامر
] :أن رجال أتى رسول الله [ فقال :يا رسول الله أحدنا يذنب قال :يكتب عليه.
قال :ثم يستغفر منه ويتوب .قال :يغفر له .ويتاب عليه ،قال :فيعود فيذنب قال :يكتب
عليه وال ميل الله حتى متلوا". 19
ونظرا ملا لهذه العبادة العظيمة من أهمية كبرى ،فقد أمر الله ـ تعالى ـ نبيه وحبيبه
محمدا [ باالستغفار ،وتكرر األمر بذلك في غير موضع من كتاب ربنا الكرمي ،ومن
ِك َو ِلل ْ ُمؤْمِ نِني َ َوالْ ُمؤْمِ ن ِ
َات اعل َ ْم أَ َّن ُه اَل ِإلَ َه إ اَِّل اللَّ ُه َو ْ
استَغْفِ ْر ِل َذنب َ ذلك قوله جل وعال َ { :ف ْ
استَغْفِ رِ اللّهِ إ َِّن اللّ َه َكا َن َغفُو ًرا
َواللَّ ُه يَ ْعل َ ُم ُمتَ َقلَّ َب ُك ْم َو َمثْ َوا ُك ْم} ( )91سورة محمد ،وقال َ { :و ْ
ِح ْمدِ استَغْفِ ْر ِل َذنب َ
ِك َو َس ِّب ْح ب َ اص ِب ْر إ َِّن َو ْع َد اللَّهِ َحقٌّ َو ْ
َّر ِحي ًما} ( )601سورة النساء ،وقال َ { :ف ْ
َر ِّب َك بِالْ َع ِش ِّي َو إْ ِ
البْ َكارِ } ( )55سورة غافر ،وكان رسولنا الكرمي أحسن من امتثل ألمر ربه
وأسرع من استجاب له ،فكان ـ صلوات ربي وتسليماته عليه ـ كثيرا ما يستغفر الله ويتوب
إليه وهو املغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ،فعن أَبي ُه َريْ َرةَ ] قالَ :سمِ ْع ُت َر ُسو َل
ني َم َّر ًة» .20وعن اللَّهِ [ يَقُو ُلَ « :واللَّهِ ِإ ِّنى ألَ ْستَغْفِ ُر اللَّ َه َوأَت ُ
ُوب ِإلَيْهِ فِ ى الْ َي ْو ِم أَ ْكثَ َر مِ ْن َسبْعِ َ
األغر املزنى -وكانت له صحبة -أن رسول الله [ـ قال « إنه ليغان على قلبى وإنى
ألستغفر الله فى اليوم مائة مرة » .21قال ابن حجر :قال عياض :املراد بالغني فترات
عن الذكر الذي شأنه أن يداوم عليه ،فإذا فتر عنه ألمر ما عد ذلك ذنبا فاستغفر عنه
.وقيل هو شيء يعتري القلب مما يقع من حديث النفس ،وقيل هو السكينة التي تغشى
قلبه واالستغفار إلظهار العبودية لله والشكر ملا أواله ،وقيل :هي حالة خشية وإعظام،
واالستغفار شكرها ،ومن ثم قال احملاسبي :خوف املتقربني خوف إجالل وإعظام .22وعن
اس -رضى الله عنهما َ -قا َلَ :كا َن ال َّنب ُِّى [ ِإ َذا َقا َم مِ َن اللَّيْلِ يَتَ َه َّج ُد َقا َل « اللَّ ُه َّم ابْ َن َع َّب ٍ
ض ات َواألَ ْر ِ ض َو َم ْن فِ يهِ َّن َولَ َك الْ َح ْم ُد لك ُمل ْ ُك َّ
الس َم َو ِ ات َواألَ ْر ِ لَ َك الْ َح ْم ُد أَنْ َت َق ِّي ُم َّ
الس َم َو ِ
ضَ ،ولَ َك الْ َح ْم ُد أَنْ َت الْ َحقُّ َ ،و َو ْع ُد َك ات َواألَ ْر ِ الس َم َو ِ َو َم ْن فِ يهِ َّنَ ،ولَ َك الْ َح ْم ُد أَنْ َت نُو ُر َّ
الْ َحقُّ َ ،و ِلقَا ُؤ َك َحقٌّ َ ،و َق ْولُ َك َحقٌّ َ ،والْ َج َّن ُة َحقٌّ َ ،والنَّا ُر َحقٌّ َ ،وال َّن ِب ُّيو َن َحقٌّ َ ،و ُم َح َّم ٌد ـ صلى
اع ُة َحقٌّ ،اللَّ ُه َّم لَ َك أَ ْسل َ ْم ُتَ ،وب َ
ِك آ َمن ُْت َو َعلَيْ َك تَ َو َّكل ْ ُتَ ،و ِإلَيْ َك الس َ
الله عليه وسلم ـ َحقٌّ َ ،و َّ
اغفِ ْر لِى َما َق َّد ْم ُت َو َما أَخَّ ْر ُتَ ،و َما أَ ْس َر ْر ُت َو َما
اص ْم ُتَ ،و ِإلَيْ َك َحا َك ْم ُت َ ،ف ْ ِك َخ َ أَنَبْ ُتَ ،وب َ
أَ ْعلَن ُْت ،أَنْ َت الْ ُم َق ِّد ُم َوأَنْ َت الْ ُم َؤ ِّخ ُر ،الَ ِإلَ َه ِإ َّال أَنْ َت -أَ ْو الَ ِإلَ َه َغيْ ُر َك . 23» -وملا كان رسولنا
الكرمي حريصا على إيصال اخلير ألمته وبذل املعروف لها ،فقد أمرنا بكثرة االستغفار
ودلنا [ على طرق ذلك وصيغه والتي من أجمعها ما رواه عنه الصحابي اجلليل شداد
ِس ِت ْغ َفارِ أَ ْن تَقُو َل اللَّ ُه َّم أَنْ َت َر ِّبى ،الَ ِإلَ َه ِإ َّال أَنْ َتَ ،خل َ ْقتَنِى
ابن أوس ] قالَ « :س ِّي ُد اال ْ
صنَ ْع ُت ،أَبُوءُ لَ َك ِك مِ ْن َش ِّر َما َاست ََط ْع ُت ،أَ ُعو ُذ ب َ
َوأَنَا َعبْ ُد َكَ ،وأَنَا َعلَى َع ْهدِ َك َو َو ْعدِ َك َما ْ
وب ِإ َّال أَنْ َت » َ .قا َل « َ َم ْن َقالَ َها ِك َعل َ َّى َوأَبُوءُ ِب َذنْبِىْ ،
فاغفِ ْر لِىَ ،ف ِإ َّن ُه الَ يَغْفِ ُر ال ُّذنُ َ ِب ِن ْع َمت َ
ات مِ ْن يَ ْومِ هِ َقبْ َل أَ ْن يُ ْم ِس َى َ ،ف ُه َو مِ ْن أَ ْهلِ الْ َجنَّةِ َ ،و َم ْن َقالَ َها
مِ َن ال َّن َهارِ ُموقِ نًا ِب َها َ ،ف َم َ
)21رواه مسلم
)22انظر فتح الباري (. )26/81
)23رواه البخاري .
الحسنات الماحيات 12
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم
)24رواه البخاري
)25رواه أحمد ،وصححه األلباني .
)26رواه البخاري في األدب املفرد ،وصححه األلباني .قوله « :ويل ألقماع القول « قال صاحب الغريب :هم الذين
يسمعون احلق وال يعملون به ،شبههم بالقمع الذي تفرغ فيه أنواع األشياء ،وال يثبت فيه شيء.
13 الحسنات الماحيات
إن عمل احلسنة بعد السيئة ال يعدو أن يكون محض منة وفضل من الله تعالى على
عبده املسيئ ،فلوال توفيق الله له ملا قدر على االهتداء إلى ذلك األمر املاحى لسيئته
التي اقترفها ،وعلى العبد إذا ما وجد نفسه مهتديا وموفقا إلى هذه اخلصلة العظيمة
من خصال اخلير أن يبادر إلى شكر املنعم ـ سبحانه ـ فالشكر سبيل االستكثار من النعم
ودميومتها ،قال تعالىَ { :و ِإ ْذ تَ َأ َّذ َن َر ُّب ُك ْم لَئِن َش َك ْرتُ ْم ألَزِ ي َد َّن ُك ْم َولَئِن َك َف ْرتُ ْم إ َِّن َع َذابِي
لَ َشدِ ي ٌد} ( )7سورة إبراهيم ،بنا ًء على ما تقدم فإن العبد الناصح لنفسه الراجي مرضاة
ربه إذا ما رأى من نفسه ولعا مبعصية ما ،وعجزا عن تركها فعليه أن يبادر إلى حسنة
أن الواجب عليه ـ يعني:
متيل إليها نفسه وال تستثقلها ،قال الغزالي ،رحمه الله ( :اعلم ّ
صاحب املعصية ـ التّوبة والنّدم واالشتغال بالتّفكير بحسنة تضا ّده ،فإن لم تساعده
النّفس على العزم على التّرك لغلبة ّ
الشهوة ،فقد عجز عن أحد الواجبني فال ينبغي أن
ممن خلط عم ً
ال يترك الواجب ال ّثاني :وهو أن يدرأ باحلسنة ّ
الس ّيئة ليمحوها فيكون ّ
صال ًِحا اعتَ َر ُفوا ْ ِب ُذنُوبِهِ ْم َخل َ ُطوا ْ َع َم ً
ال َ صاحلاً وآخر س ّيئاً .27)...قال تعالى َ { :و َ
آخ ُرو َن ْ
ُوب َعلَيْهِ ْم إ َِّن اللّ َه َغفُو ٌر َّر ِحي ٌم} ( )201سورة التوبة ،وقال جل آخ َر َس ِّي ًئا َع َسى اللّ ُه أَن يَت َ
َو َ
الةَ َوأَن َفقُوا ْ مِ َّما َر َز ْقنَا ُه ْم ِس ًّرا
الص َ ص َب ُروا ْ ابْ ِتغَاء َو ْجهِ َر ِّبهِ ْم َوأَ َقا ُموا ْ َّ شأنهَ { :وا َّلذِ ي َن َ
الدارِ } ( )22سورة الرعد ،وقال عز ِك لَ ُه ْم ُع ْق َبى َّ الس ِّيئَ َة أ ُ ْولَئ َ َو َع َ
ال ِن َي ًة َويَ ْد َر ُؤو َن بِالْ َح َسنَةِ َّ
الس ِّيئَ َة َومِ َّما َر َز ْقنَا ُه ْم ِك يُ ْؤتَ ْو َن أَ ْج َر ُهم َّم َّرتَيْنِ ِب َما َ
ص َب ُروا َويَ ْد َر ُؤو َن بِالْ َح َسنَةِ َّ وجل{ :أ ُ ْولَئ َ
الس ّيئة احلسنة ّبي [ ملعاذ حني أوصاه « :وأتبع ّ يُنفِ قُونَ} ( )45سورة القصص .وقال الن ّ
وع ْن أَبِى ُه َريْ َرةَ ] َقا َلَ :قا َل ال َّنب ُِّى [ « :بَيْنَ َما َكل ْ ٌب يُ ِط ُ
يف ِب َركِ َّي ٍة َكا َد يَ ْقتُل ُ ُه متحها»َ .28
شِ ،إ ْذ َرأَتْ ُه بَغِ ٌّى مِ ْن بَغَايَا بَنِى إ ْ
ِس َرائِي َلَ ،فنَز ََع ْت ُمو َق َها َف َس َقتْهَُ ،فغُفِ َر لَ َها ِبهِ » ،29وعنه الْ َع َط ُ
ص َن َش ْو ٍك َعلَى َّ
الطرِ يقِ ] أَ َّن َر ُسو َل اللَّهِ [ َقا َل « :بَيْنَ َما َر ُج ٌل يَ ْم ِشى ب َ
ِطرِ ٍيق َو َج َد ُغ ْ
أخَّ َرهَُ ،ف َش َك َر اللَّ ُه لَهَُ ،ف َغ َف َر لَ ُه » .30قال احلافظ في الفتح :وفيه أن قليل اخلير يحصل
به كثير األجر.31
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم
الوضــــوء
إن مما امتازت به أمة اإلسالم عن غيرها من األمم الطهارةَ والنظاف َة ،وبلغ من
اهتمام اإلسالم بها أن جعلها نصف اإلميان ،يقول أبو مالك األشعري :قال رسول الله
[ « :الطهور شطر اإلميان.33»...
والوضوء طهارة وهو أيضا فريضة الزمة على كل مسلم ،يقول الله تعالى في سورة املائدة:
وه ُك ْم َوأَيْدِ يَ ُك ْم ِإلَى الْ َم َرافِ قِ َوا ْم َس ُحوا
اغ ِسلُوا ُو ُج َ يَا أَ ُّي َها ا َّلذِ ي َن آ َمنُوا ِإ َذا ُق ْمتُ ْم ِإلَى َّ
الصال ِة َف ْ
وس ُك ْم َوأَ ْر ُجل َ ُك ْم ِإلَى الْ َك ْع َبيْنِ
(املائدة.)6: ِب ُرءُ ِ
وقد شرع الوضوء ألمور كثيرة ومن أعظم ما ُشرع له الوضوء الصالة ،يقول الرسول ( :ال
يقبل الله صال ًة بغير طهور) ،34وروى البخاري ومسلم ً
أيضا أن النبي [ قال( :ال يقبل الله
صالة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ).
ومن أعظم ما يفيد املسلم من الوضوء أنه يغسل ذنوبه ويكفر خطاياه ،فعن أبي هريرة
] أن رسول الله قال( :إذا توضأ العبد املسلم ـ أو املؤمن ـ فغسل وجهه خرج من وجهه
ٍ
خطيئة نظر إليها بعينه مع املاء أو مع آخر قطر املاء ،فإذا غسل يديه خرج من يديه كل كل
خطيئة كان بطشتها يداه مع املاء أو مع آخر قطر املاء ،فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة
مشتها رجاله مع املاء أو مع آخر قطر املاء ،حتى يخرج نق ًيا من الذنوب) ،وروى مسلم ـ
ً
أيضاـ أن الرسول [ قال( :من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى
تخرج من حتت أظفاره) ومما يتصل بهذا املوضوع أيضا:
•إسباغ الوضوء َ :ع ْن أَبِى ُه َريْ َرةَ أَ َّن َر ُسو َل اللَّهِ [ َقا َل « أَالَ أَ ُدلُّ ُك ْم َعلَى َما يَ ْم ُحو
•اإلتيان بالوضوء والصالة كما ينبغي :عن عثمان ] قال سمعت رسول الله [
يقول" :ما من امرئ يتوضأ فيحسن وضوءه ثم يصلي الصالة إال غفر له ما بينه
وبني الصالة األخرى حتى يصليها". 36
•الطهارة والصالة واالستغفار بعد الذنوب :فعن أسماء بن احلكم الفزاري قال:
سمعت عليا ] يقول :إني كنت رجال إذا سمعت من رسول الله [ حديثا
نفعني الله منه مبا شاء أن ينفعني وإذا حدثني رجل من أصحابه استحلفته ،فإذا
حلف لي صدقته ،وإنه حدثني أبو بكر ـ وصدق أبوبكرـ قال :سمعت رسول الله
[ يقول" :ما من رجل يذنب ذنبا ،ثم يقوم ،فيتطهر ،ثم يصلي ،ثم يستغفر الله
إال غفر له ،ثم قرأ هذه اآلية {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا
الله} إلى آخر اآلية".37
•املشي إلى الصالة على وضوء :عن حمران مولى عثمان عن عثمان -رضي الله
عنهما -انه قال سمعت رسول الله [ يقول" :من توضأ فاسبغ الوضوء ،ثم مشى
إلى صالة مكتوبة فصالها غفر له ذنبه".38
)35رواه مسلم ،و املكاره جمع مكره ،وهو ما يكرهه اإلنسان ويشق عليه ،واملعنى :أن يتوضأ مع البرد الشديد والعلل
التي يتأذى معها مبس املاء ،والله أعلم .
)36رواه النسائي ،وصححه األلباني .
)37رواه الترمذي ،وصححه األلباني .
)38رواه أحمد ،وصححه األرنؤوط .
17 الحسنات الماحيات
عبد الله ...أمة الله ! إن للقيامة أحواال يشيب من هولها الولدان ويتناكر اخلالن
ويصير احلليم حيران ،وما أحوجنا في هذا اليوم شديد الزحام إلى من يتعرف علينا
ويشفع لنا عند ربنا بإذنه ،عز وجل ،ذلكم هو النبي الكرمي محمد [ فنؤنس به
وحشتنا،
اعلموا ـ رحمكم الله ـ أن من فضل الله علينا ورحمته بنا ـ نحن أمة اإلسالم ـ أن جعل
لنا عالمة يتعرف من خاللها رسول الله علينا أال وهي نور في جباهنا ومرافقنا من
آثار الوضو ،فعن أبي حازم قال :كنت خلف أبي هريرة ] وهو يتوضأ للصالة فكان
ميد يده حتى يبلغ إبطه ،فقلت له :يا أبا هريرة ،ما هذا الوضوء؟ فقال :يا بني ف ّروخ،
أنتم ها هنا؟! لو علمت أنكم ها هنا ما توضأت هذا الوضوء ،سمعت خليلي يقول:
(تبلغ احللية من املؤمن حيث يبلغ الوضوء) ،39وعن أبي الدرداء ] قال :قال رسول
الله [ ( :أنا أول من يؤذن له بالسجود يوم القيامة ،وأنا أول من يؤذن له أن يرفع
رأسه ،فأنظر إلى ما بني يدي ،فأعرف أمتي من بني األمم ،ومن خلفي مثل ذلك،
وعن مييني مثل ذلك ،وعن شمالي مثل ذلك) ،فقال رجل :يا رسول ،كيف تعرف أمتك
محجلون من أثر الوضوء ،ليس
َّ من بني األمم فيما بني نوح إلى أمتك؟! قال( :هم غر
أحد كذلك غيرهم ،وأعرفهم أنهم يؤتَون كتبهم بأميانهم ،وأعرفهم تس َعى بني أيديهم
ذ ّر َّيتهم) رواه اإلمام أحمد وأصله في الصحيحني.
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم
األذان
قال القاضي عياض ـ رحمه الله ـ :اعلم أن األذان كلمة جامعة لعقيدة اإلميان ،مشتملة على
نوعيه من العقليات والسمعيات ،فأوله إثبات الذات ،وما يستحقه من الكمال والتنزيه عن
أضدادها وذلك بقوله ( :الله أكبر ) ،كما أن األذان فيه تصريح بإثبات الوحدانية ونفي
ضدها من الشركة املستحيلة في حقه سبحانه وتعالى ،وفيه التصريح بإثبات النبوة والشهادة
بالرسالة لنبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم فيه الدعاء إلى ما دعاهم إليه من العبادات فدعاهم
إلى الصالة وجاء بها بعد إثبات النبوة؛ ألن معرفة وجوبها من جهة النبي ـ صلى الله عليه
وسلم ـ ال من جهة العقل ،ثم دعا إلى الفالح وهو الفوز والبقاء في النعيم املقيم ،وفيه إشعار
بأمور اآلخرة من البعث واجلزاء ،وهي آخر تراجم عقائد اإلسالم ،ثم كرر ذلك بإقامة الصالة
لإلعالم بالشروع فيها ،وهو متضمن لتأكيد اإلميان وتكرار ذكره عند الشروع في العبادة
بالقلب واللسان ،وليدخل املصلي فيها على بينة من أمره وبصيرة من إميانه ،ويستشعر عظيم
ما دخل فيه وعظمة حق من يعبده ،وجزيل ثوابه .40وقد جاء في فضل األذان آثار نقتصر هنا
على ما كان منها موضحا ألثر األذان في محو الذنوب وتكفيرها :فعن أبي هريرة ] سمعه
من فم رسول الله [ يقول" :املؤذن يغفر له مبد صوته ويشهد له كل رطب ويابس" 41قال ابن
األثير في النهاية في غريب احلديث واألثر :امل َ ّد :ال َق ْد ُر ،يريد به َق ْدر الذنوب :أي يُ ْغفَر له ذلك
لس َعة املَغْفِ رة ،وقال اخلطابي ـ رحمه الله ـ « :مدى الشيء
ص ْوته ،وهو متثيل َ
إلى ُمنْتَهى َم ّد َ
:غايته ،واملعنى أنه يستكمل مغفرة الله تعالى إذا استوفى ُوسعه في رفع الصوت ،فيبلغ
الغاية من املغفرة إذا بلغ الغاية من الصوت « . 42قال العالمة الشوكاني ـ رحمه الله ـ :احلديث
يدل على استحباب مد الصوت في األذان لكونه سببا للمغفرة وشهادة املوجودات ،وألنه أمر
باجمليء إلى الصالة فكل ما كان أدعى إلسماع املأمومني بذلك كان أولى .
ـ إجابة املؤذن :فعن عمر بن اخلطاب ] قال :قال رسول الله [ :إذا قال املؤذن :الله أكبر
.الله أكبر ،فقال أحدكم :الله أكبر .الله أكبر ،ثم قال :أشهد أن ال إله إال الله .قال :أشهد أن
ال إله إال الله ،ثم قال :أشهد أن محمدا رسول الله ،قال :أشهد أن محمدا رسول الله ،ثم قال:
حي على الصالة .قال :ال حول وال قوة إال بالله ،ثم قال :حي على الفالح .قال :ال حول وال قوة
إال بالله ،ثم قال :الله أكبر .الله أكبر .قال :الله أكبر .الله أكبر ،ثم قال :ال إله إال الله .قال:
ال إله إال الله من قلبه -دخل اجلنة» 43قال القاضي عياض رحمه الله :قوله [ « :إذا قال
املؤذن الله أكبر الله أكبر فقال أحدكم الله أكبر الله أكبر إلى آخره ثم قال في آخره « من قلبه
دخل اجلنة إمنا كان كذلك ألن ذلك توحيد ،وثناء على الله تعالى ،وانقياد لطاعته ،وتفويض
إليه لقوله ال حول وال قوة إال بالله فمن حصل هذا فقد حاز حقيقة اإلميان وكمال اإلسالم
،واستحق اجلنة بفضل الله تعالى ،وهذا معنى قوله في الرواية األخرى ( رضيت بالله ربا ،
ومبحمد رسوال ،وباإلسالم دينا ) ،44وهو هنا يشير إلى حديث سعد بن أبي وقاص ] عن
رسول الله [ أنه قال" :من قال حني يسمع املؤذن :أشهد أن ال إله إال الله وحده ال شريك
له وأن محمدا عبده ورسوله رضيت بالله ربا ومبحمد رسوال وباإلسالم دينا غفر له ذنبه"
45
.وعن عقبة بن عامر ] قال :سمعت رسول الله [ يقول « :يعجب ربك من راعي غنم في
رأس شظ ّية للجبل ،يُؤذن بالصالة ،ويصلي ،فيقول الله ـ عز وجل ـ :انظروا إلى عبدي هذا
يُؤذن ويقيم الصالة يخاف مني ،قد غفرت لعبدي ،وأدخلته اجلنة». 46
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم
الصــــالة
أخي الكرمي :إن من املنح اجلليلة ،والعطايا والهبات اجلميلة التي خص الله ـ تعالى ـ
بها أمة املعصوم محمد [ اإلذن بلقائه خمس مرات في اليوم والليلة ،فضال عن أوقات
أخرى يَ ْش ُرف العبد فيها بلقاء مواله ،فيما يعرف بالنوافل ،وأنا هناأريد أن أسأل نفسي
كما أريدكم أن تسألوا أنفسكم أنفسكم كذلك :ماذا لو أن ذا شأن على هذه األرض أذن لنا
بلقائه والسالم عليه ولو ملرة واحدة في العمر؟ ال يجادل أحد في أن ذلك سيُعد من املفاخر
العظام واملآثر اجلسام التي يتيه بها صاحبها على من دونه ممن لم يحظ مبثل ما حظي
هو به ،ولن يزال يعيش ذكريات هذه اللحظات وهو ممنت شاكر لذي الشأن هذا الذي أتاح
له فرصة العمر تلك! عبد الله ...أمة الله !!! إنه ال مير على واحد منا ـ ممن تصح صالته
ـ يوم وليلة إال ويلتقي خمس مرات أو يزيد بربه ومواله الذي خلق وبرأ وذرأ والذي يحي
ومييت والذي بيده مقاليد كل شيئ وإليه مرد كل شيئ ،ثم إن هذا اللقاء الذي يحصل بينك
ـ أيها العبد الضعيف ـ وبني الله القوي القاهر املقتدر ال يقتصر على مجرد لقاء أجوف
جامد ،بل هو لقاء مفعم بالرحمات ،مملوء باملنن والعطايا ،ممهور برفعة الدرجات وحط
الذنوب واخلطايا ،ف َع ْن أَبِى ُعثْ َما َن ال َّن ْهدِ ِّى َقا َلُ :كنَّا َم َع َسل ْ َما َن ت َْح َت َش َج َرةٍ َ ،ف َأ َخ َذ ُغ ْ
صناً
صنَ ْع ُت؟ َف ُقلْنَا :أَخْ ِب ْرنَاَ .فقَا َلُ :كنَّا
َضهَُ ،فت ََسا َق َط َو َر ُقهَُ ،فقَا َل :أَالَ ت َْس َألُونِى َع َّما َ
مِ نْ َهاَ ،فنَف َ
َضهَُ ،فت ََسا َق َط َو َر ُقهَُ ،فقَا َل « : َم َع َر ُسولِ اللَّهِ [ فِ ى ِظ ِّل َش َج َرةٍ َ ،ف َأ َخ َذ ُغ ْ
صناً مِ نْ َهاَ ،فنَف َ
صنَ ْع ُت ؟»َ .ف ُقلْنَا :أَخْ ِب ْرنَا يَا َر ُسو َل اللَّهِ َ .فقَا َل « :إ َِّن الْ َعبْ َد الْ ُم ْس ِل َم ِإ َذا َقا َم أَالَ ت َْس َألُونِى َع َّما َ
وعنِ ابْنِ َم ْس ُع ٍود ] الش َج َر ِة »َ .47 ات َو َر ُق َهذِ ِه َّ ال ِة ت ََحات َّْت َعنْ ُه َخ َطايَاهُ َك َما ت ََح َّالص َِإلَى َّ
الةَ َط َر َف ِيالص َ اب مِ َن ا ْم َرأَةٍ ُقبْل َ ًة َ ،ف َأتَى ال َّنب َِّى [ َف َأخْ َب َرهُ َ ،ف َأنْ َز َل اللَّ ُه { َوأَقِ ِم َّ
ص َال أَ َ
أَ َّن َر ُج ً
ات َذل َ
ِك ذِ ْك َرى ل َّ
ِلذاكِ رِ ي َن } ( )411سورة هود. الس ِّيئَ ِ إ َِّن الْ َح َسن ِ
َات يُ ْذ ِهبْ َن َّ ال َّن َهارِ َو ُزلَ ًفا ِّم َن اللَّيْلِ
يع أ ُ َّمتِى ُكلِّهِ ْم». 48 َفقَا َل ال َّر ُج ُل :يَا َر ُسو َل اللَّهِ .أَلِى َه َذا؟ َقا َل « :ل َ
ِجمِ ِ
•الصلوات اخلمس
)49متفق عليه
)50انظر فتح الباري (. )692/2
)51رواه مسلم .
)52متفق عليه .
)53رواه مسلم .
)54رواه أحمد وإسناده حسن .
الحسنات الماحيات 22
واعلم ـ أخي الكرمي ـ أن هذه امليزة ال تختص بها الصلوات املكتوبات فقط بل يشركها في
ذلك بعض النوافل وبعض أعمال الصالة ـ أيضا ـ حيث جعلهن الله ـ تعالى ـ من ماحيات
الذنوب ،ومن ذلك :
•صالة ركعتني بعد الوضوء :فعن عثمان بن عفان ] أنه دعا بإناء فأفرغ على
كفيه ثالث مرات فغسلهما ،ثم أدخل ميينه في اإلناء فمضمض واستنشق ،ثم
غسل وجهه ثالثا ويديه إلى املرافق ثالث مرات ،ثم مسح برأسه ،ثم غسل رجليه
ثالث مرات إلى الكعبني ،ثم قال :قال رسول الله [ ":من توضأ نحو وضوئي
هذا ثم صلى ركعتني ال يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه".55
•ـ انتظار الصالة :فعن أبي هريرة ] :أن رسول الله [ قال" :املالئكة تصلي
على أحدكم ما دام في مصاله الذي صلى فيه ،مالم يحدث فيه .تقول :اللهم
اغفر له اللهم ارحمه".56
•ـ شهود صالة اجلماعة :عن أَنَ ِس بْنِ َمال ٍِك ] َقا َل ُكن ُْت ِعنْ َد ال َّنب ِِّى [ َف َجا َءهُ
صبْ ُت َح ًّدا َف َأقِ ْم ُه َعل َ َّى َ .قا َلَ :ولَ ْم يَ ْس َألْ ُه َعنْ ُه .َر ُج ٌل َفقَا َل :يَا َر ُسو َل اللَّهِ ! ِإ ِّنى أَ َ
الص َ
الةَ َقا َم ِإلَيْهِ ضى ال َّنب ُِّى [ َّ صلَّى َم َع ال َّنب ِِّى [ َفل َ َّما َق َالةُ َف َالص َض َر ِت َّ َقا َلَ :و َح َ
سَاب اللَّهِ َ .قا َل«:أَلَيْ َ
في كِ ت َ صبْ ُت َح ًّدا َ ،ف َأقِ ْم َّ ال َّر ُج ُلَ ،فقَا َل :يَا َر ُسو َل اللَّهِ ! ِإ ِّنى أَ َ
َ 57
«:ح َّدك»صلَّيْ َت َم َعنَا» َ .قا َل :نَ َع ْم َ .قا َلَ « :ف ِإ َّن اللَّ َه َق ْد َغ َف َر لَ َك َذنْ َب َك» .أَ ْو َقا َل َ
َق ْد َ
.وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي [ قال« :أتاني ربي في أحسن
صورة ،فقال :يا محمد .قلت :لبيك ربي وسعديك قال :فيم يختصم املأل األعلى
كتفي فوجدت بردها بني ثديي فعلمت ما بني
ّ ؟ قلت :ربي ال أدري ،فوضع يده بني
املشرق واملغرب .قال :يا محمد فقلت :لبيك ربي وسعديك قال :فيم يختصم
املأل األعلى ؟ قلت :في الدرجات والكفارات ،وفي نقل األقدام إلى اجلماعات،
وإسباغ الوضوء في املكروهات ،وانتظار الصالة بعد الصالة ،ومن يحافظ عليهن
عاش بخير ومات بخير وكان من ذنوبه كيوم ولدته أمه.
58
•ـ قول آمني خلف اإلمام :فعن أبي هريرة ] أن رسول الله [ قال" :إذا أ ّمن
اإلمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمني املالئكة ،غفر له ما تقدم من ذنبه".59
•قول« :اللهم ربنا لك احلمد» بعد الرفع من الركوع :فعن أبي هريرة ] أن
الرسول [ قال":إذا قال اإلمام :سمع الله ملن حمده ،فقولوا :اللهم ربنا لك
احلمد ،فإنه من وافق قوله قول املالئكة غفر له ما تقدم من ذنبه". 60
•قيام رمضان إمياناً واحتساباً :فعن أبي هريرة ] قال :سمعت رسول الله [
يقول لرمضان" :من قامه إمياناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".61
• احملافظة على سنن اجلمعة وآدابها :عن سلمان الفارسي ] قال :قال النبي
[" :ال يغتسل رجل يوم اجلمعة ويتطهر ما استطاع من طهر ويدهن من دهنه ،أو
ميس من طيب بيته ،ثم يخرج فال يفرق بني اثنني ،ثم يصلي ما كتب له ،ثم ينصت
فحي ـ أخي ـ على الصالة ،حي على فالح الدارين ،و قرة العينني ،أخي :إذا ما داهمتك
األحزان ،ولعبت برأسك الظنون واألوهام ،حتى طال سهادك ،وغاب رقادك فافزع إلى
الصالة ،وبث شكواك إلى موالك ،وانفض عنك ما أتعبك وأضناك .أخي إذا ما انشغل منك
البال ،ودوختك مشاكل املال والعيال ،فردد مع املصطفى اخملتار أرحنا بها يا بالل.
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم
من أفضل هذه احلسنات املاحيات للذنوب املوبقات اإلنفاق في سبيل الله ،وهو عبارة
ضاض اللّ َه َق ْر ً
عن إخراج املال الطيب في الطاعات . 63قال الله تعالى َّ { :من َذا ا َّلذِ ي يُ ْقرِ ُ
تُ ْر َ
ج ُعونَ} ( )542سورة البقرة، ِض َويَبْ ُس ُ
ط َو ِإلَيْهِ اع َف ُه لَ ُه أَ ْ
ض َعا ًفا َكثِي َر ًة َواللّ ُه يَ ْقب ُ ض ِ َح َسنًا َفيُ َ
وقال أيضا َّ { :مثَ ُل ا َّلذِ ي َن يُنفِ قُو َن أَ ْم َوالَ ُه ْم فِ ي َسبِيلِ اللّهِ َك َمثَلِ َح َّب ٍة أَن َبت َْت َسبْ َع َسنَا ِب َل فِ ي
اس ٌع َعلِي ٌم} ( )162سورة البقرة ،فإن كان ف ِل َمن يَ َشاء َواللّ ُه َو ِ اع ُض ُِك ِّل ُسنبُل َ ٍة ِّمئَ ُة َح َّب ٍة َواللّ ُه يُ َ
العبد ذا مال كثير فلينفق ما استطاع في سبيل الله في ك ّل وجوه الب ّر ا ّلتي يستطيعها ،
وإن كان ذا مال يسير فلينفق أيضاً ،وقد سئل رسول الله [ :أي الصدقة أفضل؟ قال
الص َد َق ُة ت ُْطفِ ُئ الْ َخ ِطيئَ َة َك َما يُ ْطفِ ُئ الْ َماءُ النَّا َر» 65أَ ْي تُ ْذ ِهبُ َها
جهد املقل» .64وقال [َ « :و َّ
َوتَ ْم ُحو أَثَ َر َها ،أَ ْي ِإ َذا َكانَ ْت ُمتَ َعلِّ َق ًة ب َ
ِحقِّ اللَّهِ تَ َعالَى َ ،و ِإ َذا َكانَ ْت مِ ْن ُح ُقوقِ الْعِ َبادِ َفتَ ْد َف ُع ِتل ْ َك
ضا َع ْن َم ْظ ِل َمتِهِ ،66وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال :ـ فرض صمِ هِ ِع َو ً الْ َح َسنَ َة ِإلَى َخ ْ
رسول الله [ زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث .وطمعة للمساكني .فمن أداها
قبل الصالة فهي زكاة مقبولة .ومن أداها بعد الصالة فهي صدقة من الصدقات» .67وفي
حديث الْ َحارِ ثَ األَ ْش َعرِ َّى ] أَ َّن ال َّنب َِّى [ َقا َل « إ َِّن اللَّ َه أَ َم َر يَ ْح َيى بْ َن َز َكرِ َّيا ب َ
ِخ ْم ِس َك ِل َم ٍ
ات
ِس َرائِي َل أَ ْن يَ ْع َملُوا ِب َها ....وفيه قال َ « :وآ ُم ُر ُك ْم ب َّ
ِالص َد َقةِ َف ِإ َّن َمثَ َل أَ ْن يَ ْع َم َل ِب َها َويَ ْأ ُم َر بَنِى إ ْ
ضرِ بُوا ُعنُ َق ُه َفقَا َل أَنَا أَفْدِ يهِ ِك َك َمثَلِ َر ُج ٍل أَ َس َرهُ الْ َع ُد ُّو َف َأ ْوثَقُوا يَ َدهُ ِإلَى ُعنُقِ هِ َو َق َّد ُموهُ ِل َي ْ َذل َ
مِ نْ ُك ْم بِالْ َق ِليلِ َوالْ َك ِثيرِ َ .ف َف َدى نَف َْس ُه مِ نْ ُه ْم» ،68فإذا كان املال قد خلَّص صاحبه من يد أعدائه
بعد أن أوشكوا على إهالكه ،فباملال ـ أيضا ـ الذي ينفقه العبد في سبيل الله متحى الذنوب
التي هي ألد أعدائه ،وأساس همه وبلوائه .
فال تفوتنك أخي في الله هذه احلسنة العظيمة واعلم ـ رحمني الله وإياك ـ أن هناك آدابا
ينبغي أن تراعيها عند إنفاقك في سبيل الله حتى تنال األجر كامال غير منقوص وتكون تلك
النفقة ماحية لذنوبك بإذن الله تعالى .وهذه اآلداب ثالثة هي :
•أن تكون تلك النفقة من طيب مالك ،ال من رديئه وال خبيثه .
•أن يخرجها املنفق طيبة بها نفسه ،ثابتة عند بذلها ،يبتغي بها مرضاة الله
تعالى.
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم
27 الحسنات الماحيات
الصـــــــــيام
هو التعبد لله تعالى باإلمساك عن املفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس.
يقول ابن قدامة املقدسي في مختصر منهاج القاصدين :إن في الصوم خصيصة
ليست فى غيره ،وهى إضافته إلى الله ـ عز وجل ـ حيث يقول سبحانه « :الصوم لى
وأنا أجزى به» ،69وكفى بهذه اإلضافة شرفاً ،كما شرف البيت بإضافته إليه فى قوله :
{ وطهر بيتي} (احلج: 62) .
ثم يقول :وإمنا فضل الصوم ملعنيني: أحدهما: أنه سر وعمل باطن ،ال يراه اخللق وال
يدخله ريا ء. الثاني :أنه قهر لعدو الله؛ ألن وسيلة العدو الشهوات ،وإمنا تقوى الشهوات
باألكل والشرب ،وما دامت أرض الشهوات مخصبة ،فالشياطني يترددون الى ذلك املرعى،
وبترك الشهوات تضيق عليهم املسالك . وفى الصوم أخبار كثيرة تدل على فضله وهى
مشهورة.
وهو من احلسنات العظيمات في رفع الدرجات ومحو الذنوب والسيئات ،ف َع ْن أَبِى
صا َم يَ ْو ًما فِ ى َسبِيلِ اللَّهِ بَ َّع َد اللَّ ُه َو ْج َه ُه َعنِ
َسعِ ٍيد] َقا َل َسمِ ْع ُت ال َّنب َِّى [ يَقُو ُل « َم ْن َ
70
ني َخرِ ي ًفا »
النَّارِ َسبْعِ َ
وعن أبي هريرة ] أن رسول الله [ كان يقول « :الصلوات اخلمس واجلمعة إلى اجلمعة
ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر» . 71وعنه ] :عن النبي [
قال" :من صام رمضان إميانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ،ومن قام ليلة القدر إميانا
72
واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"
وفي صحيح مسلم من حديث أبي قتادة ] عن النبي [« :صيام يوم عرفة أحتسب على
الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده ،وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن
يكفر السنة التي قبله» .
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم
الحج والعمرة
احلج هو التعبد لله ـ عز وجل ـ بأداء املناسك على ما جاء في سنة رسول الله .[ ،والعمرة هي
التعبد لله بالطواف بالبيت ،وبالصفا واملروة ،واحللق أوالتقصير .73وفي فضلهما وبيان عظم
اس ـ رضي الله عنهما أثرهما في محو الذنوب وردت أحاديث كثيرة ،منها ما جاء عن ابْن َع َّب ٍ
وب َك َما يَنْفِ ى
ـ َقا َل :قال َر ُسو ُل اللَّهِ [ «:تَا ِب ُعوا بَيْ َن الْ َح ِّج َوالْ ُع ْم َر ِة َف ِإ َّن ُه َما يَنْفِ َيانِ الْ َف ْق َر َوال ُّذنُ َ
وع ْن أَبِى ُه َريْ َرةَ ] :أن رسول الله [ قال « :العمرة إلى العمرة
الْكِ ي ُر َخ َبثَ الْ َحدِ يدِ »َ .74
كفارة ملا بينهما واحلج املبرور ليس له جزاء إال اجلنة» 75وعنه ] قال :قال رسول الله [:
" من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه « ،76وتقدم معنا حديث عبد
الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ في قصة إسالمه ،وفيه قال رسول الله [« :وأن احلج يهدم
ما كان قبله ؟» ،77وعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال جاء رجل من األنصار إلى النبي [
فقال له النبي [ « :إن شئت أخبرتك عما جئت تسألني ،وإن شئت تسألني وأخبرك .فقال:
ال يا نبي الله ،أخبرني مبا جئت أسألك .قال :جئت تسألني عن احلاج ما له حني يخرج من
بيته؟ وما له حني يقوم بعرفات؟ وما له حني يرمي اجلمار؟ وما له حني يحلق رأسه؟ وما له
حني يقضي آخر طواف بالبيت؟ فقال :يا نبي الله! والذي بعثك باحلق ما أخطأت مما كان في
نفسي شيئا .قال :فإن له حني يخرج من بيته أن راحلته ال تخطو خطوة إال كتب الله بها حسنة،
أو حط عنه بها خطيئة ،فإذا وقف بعرفات فإن الله ـ عز وجل ـ ينزل إلى سماء الدنيا ،فيقول:
انظروا إلى عبادي شعثا غبرا ! اشهدوا أني قد غفرت لهم ذنوبهم ،وإن كانت عدد قطر السماء
ورمل عالج .وإذا رمى اجلمار ال يدري أحد ما له حتى يتوفاه الله يوم القيامة ،وإذا قضى آخر
طواف بالبيت خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه» 78ورواه الطبراني في األوسط من حديث عبادة
بن الصامت وقال فيه « :فإن لك من األجر إذا أممت البيت العتيق أال ترفع قدما أو تضعها
أنت ودابتك إال كتبت لك حسنة ورفعت لك درجة وأما وقوفك بعرفة فإن الله ـ عز وجل ـ يقول
ملالئكته :يا مالئكتي ما جاء بعبادي؟ قالوا :جاؤوا يلتمسون رضوانك واجلنة .فيقول الله ـ عز
وجل ـ :فإني أشهد نفسي وخلقي أني قد غفرت لهم ولو كانت ذنوبهم عدد أيام الدهر وعدد
رمل عالج وأما رميك اجلمار قال الله { :فال تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعني جزاء مبا
كانوا يعملون } وأما حلقك رأسك فإنه ليس من شعرك شعرة تقع في األرض إال كانت لك نورا
يوم القيامة وأما طوافك بالبيت إذا ودعت فإنك تخرج من ذنوبك كيوم ولدتك أمك» ، 79وعن ابن
عمرـ رضي الله عنهما ـ أن النبي [ قال« :إن مسح الركن اليماني والركن األسود يحط اخلطايا
حطا» 80وعن معاذ بن جبل ] :أن رسول الله [ قال من صام رمضان وصلى الصلوات وحج
البيت ـ ال أدري أذكر الزكاة أم ال ـ إال كان حقا على الله أن يغفر له إن هاجر في سبيل الله أو مكث
بأرضه التي ولد بها قال معاذ أال أخبر بهذا الناس؟ فقال رسول الله [ ذر الناس يعملون فإن
اجلنة مائة درجة ما بني كل درجتني كما بني السماء واألرض والفردوس أعلى اجلنة وأوسطها
وفوق ذلك عرش الرحمن ومنها تفجر أنهار اجلنة فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس". 81
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم
)78رواه البزار والطبراني وابن حبان في صحيحه واللفظ له ،وحسنه األلباني وانظر :صحيح الترغيب والترهيب
( ،)71/2ورمل عالج هو :ما تراكم من الرمل ودخل بعضه في بعض ،وهو أيضا اسم موضع كثير الرمال.
)79حسنه لغيره األلباني ،وانظر صحيح الترغيب والترهيب(. )3111
)80رواه أحمد والطبراني في الكبير ،وحسنه األرنؤوط .
)81رواه الترمذي ،وصححه األلباني .
31 الحسنات الماحيات
فيها ،ويزوج اثنتني" . 82وعن عتبة بن عبد السلمي ] وكان من أصحاب النبي [ قال
:قال رسول الله [ « :القتل ثالثة :رجل مؤمن جاهد بنفسه وماله في سبيل الله ـ عز
و جل ـ حتى إذا لقي العدو قاتلهم حتى يقتل ،فذلك الشهيد املفتخر في خيمة الله ـ عز
و جل ـ حتت عرشه ال يفضله النبيون إال بدرجة النبوة ،ورجل مؤمن قرف على نفسه من
83
الذنوب واخلطايا جاهد بنفسه وماله في سبيل الله حتى إذا لقي العدو فمصمصة
حتت ذنوبه وخطاياه؛ إن السيف محاء للخطايا .وأدخل من أي أبواب اجلنة شاء ،فإن لها
ثمانية أبواب ،وجلهنم سبعة أبواب وبعضها أفضل من بعض 84« ...وعن البراء ] قال
:أتى النبي [ رجل مقنع باحلديد ،فقال :يا رسول الله! أقاتل وأسلم ؟ قال ( :أسلم ثم
قاتل ) .فأسلم ،ثم قاتل ،فقتل .فقال رسول الله [ (:عمل قليال وأجر كثيرا ).85
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم
ذكـــر اهلل
ذكر الله هو النعمة الكبرى ،واملنحة العظمى ،فبه تستجلب النعم ،و تستدفع النقم ،وهو
قوت قلوب املؤمنني ،وقرة عيون املوحدين ،وبهجة نفوس احملبينب ،وروح احلياة ،وحياة
األرواح .قال تعالى { :يَا أَ ُّي َها ا َّلذِ ي َن آ َمنُوا ا ْذ ُك ُروا اللَّ َه ذِ ْك ًرا َكثِي ًرا} ( )14سورة األحزاب،
اش ُك ُروا ْ لِي َوالَ تَ ْك ُف ُرونِ } ( )251سورة البقرة ،وقال َ { :وا َّلذِ ي َن وقالَ { :فا ْذ ُك ُرونِي أَ ْذ ُك ْر ُك ْم َو ْ
وب ِإ َّال اح َش ًة أَ ْو َظل َ ُموا ْ أَنْف َُس ُه ْم َذ َك ُروا ْ اللّ َه َف ْ
استَ ْغ َف ُروا ْ ِل ُذنُوبِهِ ْم َو َمن يَغْفِ ُر ال ُّذنُ َ ِإ َذا َف َعلُوا ْ َف ِ
اللّ ُه َولَ ْم يُ ِص ُّروا ْ َعلَى َما َف َعلُوا ْ َو ُه ْم يَ ْعل َ ُمونَ} ( )531سورة آل عمران ،وقال{ :ا َّلذِ ي َن آ َمنُوا ْ
َوت َْط َمئ ُِّن ُقلُوبُ ُهم ِبذِ ْكرِ اللّهِ أَالَ ِبذِ ْكرِ اللّهِ ت َْط َمئ ُِّن الْ ُقل ُ ُ
وب} ( )82سورة الرعد ،وعن أبى الدرداء
]
قال :قال النبى [ « :أال أنبئكم بخير أعمالكم ،وأزكاها عند مليككم ،وأرفعها فى
درجاتكم ،وخير لكم من إنفاق الذهب والورق ،وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا
أعناقهم ويضربوا أعناقكم » .قالوا :بلى .قال « :ذكر الله تعالى » 86.قال معاذ بن جبل
] :ما شىء أجنى من عذاب الله من ذكر الله .وعن أبي موسى ] قال :قال النبي
[:
(مثل الذي يذكر ربه والذي ال يذكر ربه مثل احلي وامليت ) 87وفي الصحيحني عن أبي
هريرة ] قال :قال النبي [ ( :يقول الله تعالى :أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا
ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في مأل ذكرته في مأل خير منهم
وإن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا وإن أتاني
ميشي أتيته هرولة ) .وعن عبد الله بن بسر ] أن رجال قال :يا رسول الله إن شرائع
88
اإلسالم قد كثرت فأخبرني بشيء أتشبث به .قال« :ال يزال لسانك رطبا من ذكر الله»
واآليات واألحاديث في هذا املعنى كثيرة جدا ،وألجل ذلك فإننا سنحاول ـ مستعينني
بالله تعالى ـ اإلحاطة بكل ما ورد في صحيح السنة من أذكار تعني العبد على تكفير ذنوبه
ومحو سيئاته ،ومن ذلك :ـ
صحيحيهماع ْن أَبِى ُه َريْ َرةَ ]
َ •االجتماع على ذكر الله ،فقد روى الشيخان في
الط ُرقِ ،يَلْتَمِ ُسو َن أَ ْه َل َقا َلَ :قا َل َر ُسو ُل اللَّهِ [« :إ َِّن ِللَّهِ َم َ
ال ِئ َك ًة يَ ُطو ُفو َن فِ ى ُّ
ال ِّذ ْكرِ َ ،ف ِإ َذا َو َج ُدوا َق ْو ًما يَ ْذ ُك ُرو َن اللَّ َه تَنَا َد ْوا َهل ُ ُّموا ِإلَى َح َ
اج ِت ُك ْم َ .قا َل َف َي ُحفُّونَ ُه ْم
الس َماءِ ال ُّدنْ َيا َ .قا َل َف َي ْس َألُ ُه ْم َر ُّب ُه ْم ـ َو ْه َو أَ ْعل َ ُم مِ نْ ُهم ْـ َما يَقُو ُل
ِحتِهِ ْم ِإلَى َّ ِب َأ ْجن َ
ِع َبادِ ى؟ َقالُوا :يُ َس ِّب ُحونَ َك َ ،ويُ َك ِّب ُرونَ َك َ ،ويَ ْح َم ُدونَ َك َويُ َم ِّج ُدونَ َك َ .قا َلَ :ف َيقُو ُل:
َه ْل َرأَ ْونِى؟ َقا َلَ :ف َيقُولُونَ :الَ َواللَّهِ َما َرأَ ْو َك َ .قا َلَ :ف َيقُو ُلَ :و َكيْ َف لَ ْو َرأَ ْونِى؟ َقا َل:
يَقُولُونَ :لَ ْو َرأَ ْو َك َكانُوا أَ َش َّد لَ َك ِع َبا َد ًة َ ،وأَ َش َّد لَ َك تَ ْم ِجي ًدا َ ،وأَ ْكثَ َر لَ َك ت َْسب ً
ِيحا
َقال َ:يَقُو ُلَ :ف َما يَ ْس َألُونِى؟ َقالوا :يَ ْس َألُونَ َك الْ َج َّن َة َ .قا َل :يَقُو ُلَ :و َه ْل َرأَ ْو َها؟
َقا َل :يَقُولُونَ :الَ َواللَّهِ يَا َر ِّب َما َرأَ ْو َها َ .قا َل :يَقُو ُلَ :ف َكيْ َف لَ ْو أَ َّن ُه ْم َرأَ ْو َها؟ َقا َل:
صاَ ،وأَ َش َّد لَ َها َطل َ ًباَ ،وأَ ْع َظ َم فِ ي َها
يَقُولُونَ :لَ ْو أَ َّن ُه ْم َرأَ ْو َها َكانُوا أَ َش َّد َعلَيْ َها ِح ْر ً
َر ْغ َب ًة َ .قا َلَ :فمِ َّم يَتَ َع َّو ُذونَ؟ َقا َل :يَقُولُونَ :مِ َن النَّارِ َ .قا َل :يَقُو ُلَ :و َه ْل َرأَ ْو َها؟
َقا َل :يَقُولُونَ :الَ َواللَّهِ َما َرأَ ْو َها َ .قا َل :يَقُو ُلَ :ف َكيْ َف لَ ْو َرأَ ْو َها؟ َقا َل :يَقُولُونَ :لَ ْو
َرأَ ْو َها َكانُوا أَ َش َّد مِ نْ َها فِ َرا ًرا َ ،وأَ َش َّد لَ َها َم َخا َف ًة َ .قا َلَ :ف َيقُو ُلَ :فأُ ْشهِ ُد ُك ْم أَ ِّنى
ال ِئ َكةِ :فِ يهِ ْم ُف َ
ال ٌن لَيْ َ
س مِ نْ ُه ْم ِإ َّن َما َجا َء َق ْد َغ َف ْر ُت لَ ُه ْم َ .قا َل :يَقُو ُل َمل َ ٌك مِ َن الْ َم َ
اج ٍة َ .قا َلُ :ه ُم الْ ُجل َ َساءُ الَ يَ ْشقَى بِهِ ْم َجل ُ
ِيس ُه ْم » . ِح َ
ل َ
وقال رسول الله [« :ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله ـ عز و جل ـ ال يريدون
بذلك إال وجهه إال ناداهم مناد من السماء أن قوموا مغفورا لكم قد بدلت سيئاتكم
89
حسنات»
)89رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني ،من حديث انس بن مالك ،رضي الله عنه ،وصححه لغيره األلباني ،وانظر
«صحيح الترغيب والترهيب». .
35 الحسنات الماحيات
•التسبيح والتحميد والتهليل دبر كل صالة :فعن أبي هريرة ] قال :قال رسول
الله [":من سبح الله في دبر كل صالة ثالثا وثالثني ،وحمد الله ثالثا وثالثني،
وكبر الله ثالثا وثالثني ،فتلك تسع وتسعون ،ثم قال متام املائة :ال إله اال الله
وحده ال شريك له له امللك وله احلمد وهو على كل شيء قدير غفر له خطاياه
وإن كانت مثل زبد البحر". 90
•سؤال الله املغفرة في الثلث األخير من الليل :فعن أبي هريرة ] أن رسول
الله [ قال" :ينزل ربنا ـ تبارك وتعالى ـ كل ليلة إلى السماء الدنيا حني يبقى
ثلث الليل اآلخر يقول :من يدعوني؟ فأستجيب له .من يسألني؟ فأعطيه .من
91
يستغفرني؟ فأغفر له"
•االستيقاظ من الليل على ذكر الله ،فعن عبادة بن الصامت ] قال :قال رسول
الله [ ( :من تعار من الليل فقال ال إله إال الله وحده ال شريك له له امللك وله
احلمد وهو على كل شيء قدير احلمد لله وسبحان الله وال إله إال الله والله أكبر
وال حول وال قوة إال بالله ثم قال اللهم اغفر لي أو دعا استجيب له فإن توضأ
وصلى قبلت صالته ). 92
•قول ال إله إال الله وحده ال شريك له له امللك و له احلمد و هو على كل شيء قدير
في يوم مائة مرة ،فعن أبي هريرة ] أن رسول الله [ قال « :من قال :ال إله
إال الله وحده ال شريك له له امللك و له احلمد و هو على كل شيء قدير في يوم
مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب و كتبت له مائة حسنة و محيت عنه مائة سيئة
و كانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى ميسي و لم يأت أحد بأفضل مما
جاء به إال رجل عمل أكثر منه». 93
•قول سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة ،ففي الصحيحني عن أبي هريرة
] عن النبي [ قال« :من قال :سبحان الله وبحمده ،في يومه مائة مرة حطت
خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر».
س ] أَ َّن َر ُسو َل •قول سبحان الله واحلمد لله وال إله إال الله والله أكبر ،فعن أَنَ ٌ
َض ض ،ثُ َّم نَف َ
َض ُه َفانْتَف َ َض ُه َفل َ ْم يَنْتَفِ ْ َض ُه َفل َ ْم يَنْتَفِ ْ
ض ،ثُ َّم نَف َ اللَّهِ [ أَ َخ َذ ُغ ْ
صناً َفنَف َ
َ .فقَا َل َر ُسو ُل اللَّهِ [ « :إ َِّن ُسبْ َحا َن اللَّهِ َوالْ َح ْم ُد ِللَّهِ َوالَ ِإلَ َه ِإ َّال اللَّ ُه َواللَّ ُه أَ ْك َب ُر
94
الش َج َرةُ َو َر َق َها »
ُض َّ ُض الْ َخ َطايَا َك َما تَنْف ُ
تَنْف ُ
•قول ال إله إال الله وحده ال شريك له له امللك و له احلمد يحيي ومييت و هو على
كل شيء قدير بعد صالة الفجر ،فعن أبي ذر ] أن رسول الله ـ [ قال« :من
قال في دبر صالة الفجر وهو ثان رجليه قبل أن يتكلم ال إله إال الله وحده ال
شريك له له امللك وله احلمد يحيي ومييت وهو على كل شيء قدير عشر مرات ـ
كتب الله له عشر حسنات ،ومحا عنه عشر سيئات ،ورفع له عشر درجات ،وكان
يومه ذلك كله في حرز من كل مكروه ،وحرس من الشيطان ،ولم ينبغ لذنب أن
95
يدركه في ذلك اليوم إال الشرك بالله تعالى»
•قول ال إله إال الله وحده ال شريك له له امللك و له احلمد يحيي ومييت و هو
على كل شيء قدير بعد صالة املغرب ،فعن عمارة بن شبيب السبائي ] قال:
قال رسول الله [ « :من قال ال إله إال الله وحده ال شريك له له امللك وله
احلمد يحيي ومييت وهو على كل شيء قدير عشر مرات على إثر املغرب بعث
الله له مسلحة 96يحفظونه من الشيطان حتى يصبح ،وكتب الله له بها عشر
حسنات موجبات ،ومحا عنه عشر سيئات موبقات ،وكانت له بعدل عشر رقبات
97
مؤمنات»
•قول :أستغفر الله الذي ال إله إال هو احلي القيوم وأتوب إليه« :فعن هالل بن
يسار بن زيد مولى النبي [ قال سمعت أبي يحدثنيه عن جدي :أنه سمع رسول
الله [ يقول " :من قال :أستغفر الله الذي ال إله إال هو احلي القيوم وأتوب إليه
-غفر له وإن كان قد فر من الزحف". 98
•قول :اللهم إني أسألك يا الله األحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له
كفوا أحد أن تغفر لي ذنوبي إنك أنت الغفور الرحيم :فعن حنظلة بن علي أن
محجن بن األدرع ] حدثه قال :دخل رسول الله [ املسجد فإذا هو برجل
قد قضى صالته وهو يتشهد وهو يقول :اللهم إني أسألك يا الله األحد الصمد
الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد أن تغفر لي ذنوبي إنك أنت الغفور
الرحيم .قال :فقال ":قد غفر له .قد غفر له" ثالثاً".99
•حمد الله على الطعام يطعمه املرء واللباس يلبسه :فعن سهل بن معاذ بن أنس
عن أبيه ] :أن رسول الله [ قال" :من أكل طعاما ثم قال :احلمد لله الذي
أطعمني هذا الطعام ورزقنيه من غير حول مني وال قوة ـ غفر له ما تقدم من
ذنبه وما تأخر .قال :ومن لبس ثوبا ،فقال :احلمد لله الذي كساني هذا الثوب
ورزقنيه من غير حول مني وال قوة ـ غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر". 100
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم
)100رواه أبو داود ،وحسنه األلباني ،دون زيادة (وما تأخر) .
39 الحسنات الماحيات
االبتــــــالء
االبتالء هو اختبار من الله ـ تعالى ـ لعبيده ،مييز به املؤمنني الصابرين من غيرهم قال
تعالى{ :أم حسبتم أن تدخلوا اجلنة وملا يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين}
الصابِرِ ي َن َونَبْل ُ َو أَخْ َبا َر ُك ْم} ()13 وقال تعالىَ { :ولَنَبْل ُ َو َّن ُك ْم َحتَّى نَ ْعل َ َم الْ ُم َج ِ
اهدِ ي َن مِ ن ُك ْم َو َّ
سورة محمد .فصار بذلك معنى االبتالء شام ً
ال جلميع أحوال الناس ،سواء كان ذلك في
أمور اخلير التي يحبونها ،أو في أمور الشر التي يكرهونها ،فاخلير والنعمة ابتالء ،والشر
واملصيبة ابتالء أيضاً ،سواء بسواء ،كما قال تعالىَ { :ونَبْلُو ُكم ب َّ
ِالش ِّر َوالْ َخيْرِ فِ تْنَ ًة َو ِإلَيْنَا
تُ ْر َج ُعونَ} ( )53سورة األنبياء ،واملعنى أن الله يبتلي العباد بأمور الشر واخلير الختبارهم
وامتحانهم ،واملرجع واملعاد إلى الله تعالى ،فيجازي العباد بعدله أو رحمته وعفوه .واالبتالء
في حق الصابرين احملتسبني نعمة عظيمة من ورائها فوائد جليلة من بينها محو الذنوب
وتكفير السيئات ،ف َعنِ الْ َحارِ ِث بْنِ ُس َويْ ٍد َع ْن َعبْدِ اللَّهِ َقا َلَ :د َخل ْ ُت َعلَى َر ُسولِ اللَّهِ [ َو ْه َو
وع ُك َك َما يُ َ
وع ُك ُوع ُك َو ْع ًكا َشدِ ي ًدا َ .قا َل « :أَ َج ْل ِإ ِّنى أ ُ َوع ُك َ .ف ُقل ْ ُت :يَا َر ُسو َل اللَّهِ ! ِإ َّن َك ت َيُ َ
ِك َ ،ما مِ ْن ُم ْسل ٍِم يُ ِصيبُ ُه أَ ًذى ِك أَ َّن لَ َك أَ ْج َريْنِ َقا َل « :أَ َج ْل َذل َ
ِك َك َذل َ َر ُج َ
النِ مِ نْ ُك ْم » ُ .قل ْ ُتَ :ذل َ
َش ْو َك ٌة َف َما َف ْو َق َها ِ ،إ َّال َك َّف َر اللَّ ُه ِب َها َس ِّيئَاتِهِ َ ،ك َما ت َُح ُّط َّ
الش َج َرةُ َو َر َق َها » .101وعن عائشة ـ
رضي الله عنها ـ قالت :قال رسول الله [ « :ال يصيب املؤمن شوكة فما فوقها إال رفعه
وع ْن أَبِى ُه َريْ َرةَ] َقا َلَ :قا َل َر ُسو ُل اللَّهِ [ « :الَ
الله بها درجة وحط عنه بها خطيئة»َ ،102
الءُ بِالْ ُمؤْمِ نِ ،أَوِ الْ ُمؤْمِ نَةِ فِ ى َج َسدِ ِه َوفِ ى َمالِهِ َوفِ ى َولَدِ ِه َحتَّى يَلْقَى اللَّ َه َو َما َعلَيْهِ مِ ْن
يَزَا ُل الْ َب َ
َخ ِطيئَ ٍة » . 103وعن أبي سعيد اخلدري ] قال رجل :يا رسول الله! أرأيت هذه األمراض
التي تصيبنا ماذا لنا بها ؟ قال :كفارات .فقال أبي بن كعب :يا رسول الله و إن قلَّت ؟ قال
:شوكة فما فوقها قال :فدعا أُبي على نفسه أن ال يفارقه الوعك حتى ميوت بعد أن ال
وعن األسود قال :دخل شباب من قريش على عائشة وهي مبنى وهم يضحكون فقالت:
ما يضحككم ؟ قالوا :فالن خر على طنب فسطاط فكادت عنقه ،أو عينه أن تذهب
.فقالت :ال تضحكوا .فإني سمعت رسول الله [ قال « :ما من مسلم يشاك شوكة
وعن أنس بن مالك ] 105
فما فوقها إال كتبت له بها درجة ومحيت عنه خطيئة»
قال :قال رسول الله [" :إذا ابتلي الله العبد املسلم ببالء في جسده قال الله :اكتب
له صالح عمله الذي كان يعمله ،فان شفاه غسله وطهره ،وان قبضه غفر له ورحمه"
106
وروى النسائي وأحمد وابن حبان من حديث أبي ذر ] قال :قال رسول اللَّه [:
«ما من مسلمني ميوت بينهما ثالثة من أوالدهما لم يبلغوا احلنث إال غفر لهما».
يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ :لوال أنه ـ سبحانه ـ يداوي عباده بأدوية احملن واالبتالء لطغوا
وبغوا وعتوا ،والله ـ سبحانه ـ إذا أراد بعبد خيراً سقاه دواء من االبتالء واالمتحان على
أهله ألشرف
قدر حاله ،يستفرغ به من األدواء املهلكة ،حتى إذا هذبه ونقاه وصفاه َّ :
مراتب الدنيا ،وهي عبوديته ،وأرفع ثواب اآلخرة وهو رؤيته وقربه « انتهى 107.قال
وع َونَق ٍْص ِّم َن األَ َم َوالِ َواألنف ُِس َوال َّث َم َر ِ
ات َوبَ ِّشرِ تعالى َ {:ولَنَبْل ُ َو َّن ُك ْم ب َ
ِش ْيءٍ ِّم َن الْ َخ ْ
وف َوالْ ُج ِ
الصابِرِ ي َن } ( )551سورة البقرة
َّ
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم
)104رواه احلاكم في املستدرك ،ورواه غيره أيضا .قال احلاكم :هذا حديث صحيح على شرط الشيخني ولم
يخرجاه ،ووافقه الذهبي .
)105رواه مسلم ،و(طنب) هو احلبل الذي يشد به الفسطاط ،وهو اخلباء ونحوه .
)106رواه أحمد وصححه لغيره شعيب األرنؤوط .
)107انظر زاد املعاد (. )591/4
41 الحسنات الماحيات
بـــــر الوالديــــن
لقد اهتم اإلسالم ببر الوالدين ،واإلحسان إليهما ،والعناية بهما إلى درجة تسترعي انتباه كل
مصلح ينشد اخلير ويسعى في ركابه ،وذلك أنه جعل تلك القضية في عني اهتماماته ،ورأس
أولوياته ،وأنزلها منزلة خطيرة بقرنها بأهم قضاياه على اإلطالق وهي قضية التوحيد ،قال
وع ْن أَبِى ُه َريْ َرةَ
اعبُ ُدوا ْ اللّ َه َوالَ ت ُْشرِ ُكوا ْ ِبهِ َشيْئاً َوبِالْ َوا ِل َديْنِ إ ِْح َساناً }(النساءَ .)63:
تعالى َ { :و ْ
] َقا َلَ :قا َل َر ُسو ُل اللَّهِ [َ « :ر ِغ َم أَنْ ُفهُ ،ثُ َّم َر ِغ َم أَنْ ُف ُهُ ،ثُ َّم َر ِغ َم أَنْ ُفهُ» .قِ ي َلَ :م ْن يَا َر ُسو َل
اللَّهِ ؟ َقا َلَ « :م ْن أَ ْد َر َك َوا ِل َديْهِ ِعنْ َد الْكِ َبرِ أَ َح َد ُه َما أَ ْو كِ لَيْهِ َما ،ثُ َّم لَ ْم يَ ْدخُ لِ الْ َج َّن َة» .118وفضال
عن أن هذه العبادة طاعة لله ـ تعالى ـ فإنها ـ أيضا ـ من األسباب القوية في تكفير الذنوب
ومحو السيئات ،وقد جاء عن ابن ع ّباس ] أ ّنه جاءه رجل ،فقال له :إ ّني خطبت امرأة
فأبت أن تنكحني وخطبها غيري فأح ّبت أن تنكحه فغِ ُ
رت عليها فقتلتها فهل لي من توبة ؟
قال :أ ّمك ح ّية ؟ قال :ال ،قال :تُب إلى الله ـ ع ّز وجل ـ وتق ّرب إليه ما استطعت ،قال عطاء
بن يسار :فسألت ابن ع ّباس :لم سألته عن حياة أ ّمه ؟ فقال :إ ّني ال أعلم عم ً
ال أقرب إلى
قتلت نفساً ،قال :أ ُّمك حية ؟ ُ أن رج ً
ال قال له : الله من ب ّر الوالدة ) ( .)119وروي عن عم َر َّ
قال :ال ،قال :فأبوك ؟ قال :نعم ،قال :ف ِب َّره وأحسن إليه ،ثم قال عمر :لو كانت أ ُّمه ح َّي ًة
رجوت أ ْن ال تط َعمه النا ُر أبداً .وعن ابن عباس معناه أيضاً .120وكذلك
ُ فب َّرها ،وأحسن إليها،
املرأة التي َعمِ لَت بالسحر ب ُدو َمة اجلندلِ ،وقدمت املدين َة تسأ ُل عن توبتها ،فوجدت الن َّ
َّبي
[ قد توفي ،فقال لها أصحابُه :لو كان أبواك َح َّييْنِ أو أحدهما كانا يكفيانك .خ َّرجه
121
احلاكم وقال :فيه إجما ُع الصحابة ِح ْدثَان وفا ِة الرسول [ على َّ
أن ب َّر األبوين يكفيانها.
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
لقد اعتنى اإلسالم بدفع األذى والضرر بكافة أشكالهما عن اآلخرين؛ رغبة منه في
أن يعيش الناس حياة آمنة مطمئنة ال يكتنفها تنغيص وال يشوبها كدر ،ومن ثم جاءت
آيات الكتاب العزيز آمرة بالبر والتقوى زاجرة عن اإلثم والعدوان ،كما في قوله تعالى:
{ َوتَ َعا َونُوا ْ َعلَى الْب ِّر َوال َّت ْق َوى َوالَ تَ َعا َونُوا ْ َعلَى ا ِإلثْ ِم َوالْ ُع ْد َوانِ َوا َّتقُوا ْ اللّ َه إ َِّن اللّ َه َشدِ ي ُد
َاب} ( )2سورة املائدة ،وقوله{ :إ َِّن اللّ َه يَ ْأ ُم ُر بِالْ َع ْدلِ َوا ِإل ْح َسانِ َوإِيتَاء ذِ ي الْ ُق ْربَى َويَنْ َهى
الْعِ ق ِ
َعنِ الْف َْح َشاء َوالْ ُمن َكرِ َوالْ َبغ ِْي يَعِ ُظ ُك ْم لَ َعلَّ ُك ْم تَ َذ َّك ُرو َن } ( )09سورة النحل ،وغير ذلك من
اآليات الكرميات ،كما جاءت السنة املطهرة ـ كذلك ـ باألمر بالكف عن إحلاق األذى
باآلخرين سواء كان أذى حسيا أو معنويا رابطة بني فعل األذى والعقوبة األخروية ليكون
ذلك أبلغ في الزجر ،فمن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه َع ْن أَبِى ُه َريْ َرةَ ] أَ َّن َر ُسو َل
ِس فِ ينَا َم ْن الَ دِ ْر َه َم لَ ُه َوالَ َمتَا َعَ .فقَا َل «
ِس؟ »َ .قالُوا الْ ُم ْفل ُ اللَّهِ [ َقا َل « :أَتَ ْد ُرو َن َما الْ ُم ْفل ُ
الةٍ َو ِص َي ٍام َو َز َكاةٍ َويَ ْأتِى َق ْد َشتَ َم َه َذا َو َق َذ َف َه َذا ِس مِ ْن أ ُ َّمتِى يَ ْأتِى يَ ْو َم الْقِ َيا َمةِ ب َ
ِص َ إ َِّن الْ ُم ْفل َ
ض َر َب َه َذا َفيُ ْع َطى َه َذا مِ ْن َح َسنَاتِهِ َو َه َذا مِ ْن َح َسنَاتِهِ َف ِإ ْن َوأَ َك َل َما َل َه َذا َو َسف َ
َك َد َم َه َذا َو َ
ْضى َما َعلَيْهِ أ ُ ِخ َذ مِ ْن َخ َطايَا ُه ْم َف ُطرِ َح ْت َعلَيْهِ ثُ َّم ُطرِ َح فِ ى النَّارِ َف ِن َي ْت َح َسنَاتُ ُه َقبْ َل أَ ْن يُق َ
» .والنهي عن إحلاق األذى في الشريعة اإلسالمية ال يقف عند حدود البشر بل يتعداه
إلى احليوان أيضا حيث ال يحل إيذاء احليوان بغير حق ،وفي هذا يطالعنا احلديث الذي
يرويه البخاري َعنِ ابْنِ ُع َم َر -رضى الله عنهما َ -عنِ ال َّنب ِِّى [ َقا َلَ « :د َخل َ ِت ا ْم َرأَةٌ النَّا َر
ض » ،ولئن كانت شريعتنا اش األَ ْر ِ
فِ ى ِه َّرةٍ َربَ َطتْ َها َ ،فل َ ْم ت ُْطعِ ْم َها َ ،ولَ ْم تَ َد ْع َها تَ ْأ ُك ُل مِ ْن ِخ َش ِ
الغراء قد ثربت أشد تثريب على من يتعمد إحلاق األذى باآلخرين فإنها في الوقت ذاته
كافأت احملسن إلى اآلخرين ـ بشرا كانوا أو بهائم عجماوات ـ مكافأة عظيمة أال وهي
45 الحسنات الماحيات
محو ذنب ذلك احملسن ،فعن أبي هريرة ] أن رسول الله [ قال" :بينما رجل ميشي
بطريق وجد غصن شوك على الطريق فأخره فشكر الله له فغفر له" .122وعنه ]
قال :قال النبي [" :بينما كلب يطيف بركية كاد يقتله العطش إذ رأته بغي من بغايا بني
إسرائيل ،فنزعت موقها ،فسقته فغفر لها به". 123
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم
ليس هناك دين وال مذهب وال طريقة اعتنت باإلنسان عناية اإلسالم به ،وال حفظت له
حقوقه وكرامته كما حفظها اإلسالم له .وكل من يحاول املزايدة على ذلك ما يفتأ أن يخزيه
الله ـ تعالى ـ ويشهد على نفسه ويشهد اآلخرون عليه بأن ما جاء به ال يعدو أن يكون محض
كذب وافتراء ،ومن يطالع آيات الذكر احلكيم يجد أنها تعاملت مع ذلك الكائن معاملة تخلع
عليه احتراما وتوقيرا ،وتكسوه مهابة وإجالال .اللهم إال من نكص منهم على عقبيه بالكفر
نسا َن ومزق هو ما ألبسه الله إياه من ثياب العزة والكرامة ،قال جل شأنه { :لَ َق ْد َخل َ ْقنَا إْ ِ
ال َ
ات َفل َ ُه ْم أَ ْج ٌر َغيْ ُرِح ِالصال َ ني إ اَِّل ا َّلذِ ي َن آ َمنُوا َو َعمِ لُوا َّفِ ي أَ ْح َسنِ تَ ْقوِ ٍمي ثُ َّم َر َد ْدنَاهُ أَ ْس َف َل َسافِ ِل َ
َم ْمن ٍُون} ( 4ـ )6سورة التني ،وقال تعالىَ { :ولَ َق ْد َك َّر ْمنَا بَنِي آ َد َم َو َح َملْنَا ُه ْم فِ ي الْ َب ِّر َوالْ َب ْحرِ
ال} ( )07سورة اإلسراء ،ولم ِير ِّم َّم ْن َخل َ ْقنَا تَف ِْضي ً ات َو َف َّضلْنَا ُه ْم َعلَى َكث ٍ َو َر َز ْقنَا ُهم ِّم َن َّ
الط ِّي َب ِ
يقف تكرمي اإلسالم لإلنسان عند حدود احلياة فقط بل وإلى ما بعد املمات ،فكما أن له
حقوقا حال حياته ،فإن له حقوقا بعد وفاته يؤديها له من حوله من األحياء ،وشحذا لهمم
هؤالء األحياء وتقوية لعزائمهم كي تتواصل عنايتهم بإخوانهم من األموات وال يتكاسلوا عن
النهوض بالواجبات املنوطة بهم حيال ذلك ،فقد جاء في السنة املطهرة بيان األجر الذي
ينتظر من يقوم بواجبه من األحياء حيال األموات وهو محو ذنوبه ،وهو أيضا لذلك املتوفى،
وذلك في مواضع منها :
ـ األمانة في تغسيل املوتى :فعن أبي رافع ] قال :قال رسول الله [" :من غسل ميتاً،
فكتم عليه غفر له أربعني مرة ،و من كفن ميتا كساه الله من السندس وإستبرق اجلنة ،ومن
حفر مليت قبراً فأجنَّه فيه أجرى له من األجر كأجر مسكن أسكنه إلى يوم القيامة".124
ـ صالة مائة على اجلنازة :فعن أبي هريرة ] :أن النبي [ قال ":من صلى عليه
)124قال الشوكاني في الفوائد :قال في الآللىء :صححه احلاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي .
47 الحسنات الماحيات
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم
)125رواه ابن ماجه وغيره .قال في الزوائد :إسناده صحيح ورجاله رجال الصحيحني ،كذا صححه األلباني ،رحمه
الله .
)126رواه أبوداود وغيره ،وصححه األلباني .
الحسنات الماحيات 48
لقد جبل الله ـ تعالى ـ اإلنسان على حب األنس بغيره من بني البشر والنفور من العزلة
واالنفراد ،ولذلك ملا خلق الله آدم خلق حواء منه ليأنس كل منهما باآلخر .وفي هذا يقول
ابن كثير ـ رحمه الله ـ في تفسير قوله تعالى َ { :و َخل َ َق مِ نْ َها َز ْو َج َها } ( )1سورة النساء،
يقول :خلقت من ِضلعه األيسر من خلفه وهو نائم ،فاستيقظ فرآها فأعجبته ،فأنس
إليها وأنست إليه .ومن الطبيعي أن يسعى اإلنسان ـ ذكرا كان أو أنثى ـ إلى مجالسة
اآلخرين وفقا لهذه اجلبلة التي جبل عليها ،واإلسالم ال مينعه من إشباع هذه الغريزة
ولكنه ينظمها له حتى تعود عليه بخير عائدة ،لذا كانت الدعوة القرآنية إلى مجانبة
َاب أَ ْن
مجالس أهل الفساد والغي والضالل ،كما قال تعالىَ { :و َق ْد نَ َّز َل َعلَيْ ُك ْم فِ ي الْكِ ت ِ
وضوا ْ فِ ي َحدِ ٍ
يث ال تَ ْق ُع ُدوا ْ َم َع ُه ْم َحتَّى يَخُ ُ ات اللّهِ يُ َك َف ُر ِب َها َويُ ْستَ ْه َزأ ُ ِب َها َف َِإ َذا َسمِ ْعتُ ْم آيَ ِ
جمِ ي ًعا} ( )041سورة ني َوالْ َكافِ رِ ي َن فِ ي َج َه َّن َم َ
َغيْرِ ِه ِإ َّن ُك ْم ِإ ًذا ِّمثْل ُ ُه ْم إ َِّن اللّ َه َجامِ ُع الْ ُمنَافِ قِ َ
وضوا ْ
ض َعنْ ُه ْم َحتَّى يَخُ ُ وضو َن فِ ي آيَا ِتنَا َف َأ ْعرِ ْ النساء ،وقال أيضا َ { :و ِإ َذا َرأَيْ َت ا َّلذِ ي َن يَخُ ُ
الذ ْك َرى َم َع الْ َق ْو ِم َّ
الظالِمِ نيَ} الشيْ َطا ُن َف َ
ال تَ ْق ُع ْد بَ ْع َد ِّ نس َين ََّك َّ
يث َغيْرِ ِه َو ِإ َّما يُ ِ
فِ ي َحدِ ٍ
( )86سورة األنعام ،وفي الوقت نفسه حث على مجالس من نوع آخر منزهة عن الباطل
والسيئ من األقوال واألفعال وفي مقدمتها مجالس ذكر الله تعالى ،فعن أنس بن مالك
] :أن رسول الله [ قال« :إذا مررمت برياض اجلنة فارتعوا» قال :وما رياض اجلنة
؟ قال »:حلق الذكر» ،127ومن واسع فضله ـ سبحانه ـ أن جعل اجللوس في هذه اجملالس
من احلسنات التي تكفر بها الذنوب ومتحى بها اخلطايا ،فعن أبي هريرة ] عن
النبي [ قال" :إن لله ـ تبارك وتعالى ـ مالئكة سيارة فضال 128يتبعون مجالس الذكر،
فإذا وجدوا مجلسا فيه ذكر قعدوا معهم وحف بعضهم بعضا بأجنحتهم حتى ميلؤوا ما
بينهم وبني السماء الدنيا ،فإذا تفرقوا عرجوا وصعدوا إلى السماء .قال :فيسألهم الله
ـ عز وجل ـ وهو أعلم بهم من أين جئتم؟ فيقولون :جئنا من عند عباد لك في األرض
يسبحونك ويكبرونك ويهللونك ويحمدونك ويسألونك .قال :وماذا يسألوني؟ قالوا:
يسألونك جنتك .قال :وهل رأوا جنتي؟ قالوا :ال أي رب .قال :فكيف لو رأوا جنتي ؟
قالوا :ويستجيرونك .قال :ومم يستجيرونني؟ قالوا :من نارك يا رب .قال :وهل رأوا
ناري؟ قالوا :ال .قال :فكيف لو رأوا ناري؟ قالوا :ويستغفرونك .قال :فيقول :قد غفرت
لهم فأعطيتهم ما سألوا وأجرتهم مما استجاروا .قال :فيقولون :رب فيهم فالن عبد
129
خطاء إمنا مر فجلس معهم .قال :فيقول :وله غفرت هم القوم ال يشقى بهم جليسهم»
.ونظرا ألن اإلنسان رمبا غفل فتطرق في مجلسه هذا إلى ماال يرضي الله تعالى ،فقد
علمنا الصادق املصدوق كلمات يسيرات ميحو الله تعالى بها ذنوبنا وخطايانا في تلك
اجملالس حتى ال تكون علينا حسرة وندامة يوم نلقى الله عز وجل ،فعن أبي هريرة ]
قال :قال رسول الله [" :من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من
مجلسه ذلك :سبحانك اللهم وبحمدك ،أشهد أن ال إله إال أنت ،استغفرك وأتوب إليك
ـ إال غفر له ما كان في مجلسه ذلك" ،130وعن عمر بن اخلطاب ] أن رسول الله [
قال« :من دخل السوق ،فقال :ال إله إال الله وحده ال شريك له له امللك وله احلمد يحيي
ومييت وهو حي ال ميوت بيده اخلير وهو على كل شيء قدير ،كتب الله له ألف ألف
.وعلى ذلك فإن املسلم 131
حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة ورفع له ألف ألف درجة»
مطالب بأن ينتقي من اجملالس ما ينفعه في دينه ودنياه ،والبعد عما يضره في ذلك
عمال بالتوجيه الرباني الكرمي كما في اآليات السابقة ،بل رمبا كان بُعده هذا وهجره
ألماكن ومجالس ال يرضى عنها الله تعالى سببا في تكفير ذنوبه ومحو سيئاته إذا اقترن
بذلك الهجر توبة نصوح ،ويستدل لذلك مبا رواه الشيخان من حديث أبي سعيد ]:
عن النبي [ قال" :كان في بني إسرائيل رجل قتل تسعة وتسعني إنساناً ،ثم خرج يسأل
فأتى راهبا فسأله فقال له :هل من توبة؟ قال :ال .فقتله فجعل يسأل فقال له رجل :ائت
قرية كذا وكذا فأدركه املوت فناء بصدره نحوها فاختصمت فيه مالئكة الرحمة ومالئكة
العذاب فأوحى الله إلى هذه أن تقربي وأوحى الله إلى هذه أن تباعدي وقال قيسوا ما
بينهما فوجد إلى هذه أقرب بشبر فغفر له".
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم
51 الحسنات الماحيات
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم
)132رواه التزمذي وغيره ،وقال أبو عيسى :هذا حديث حسن غريب .
)133رواه أبو داود وغيره ،وصححه األلباني.
الحسنات الماحيات 52
إقامـــة الحــــدود
لقد شرع الله ـ َّ
جل وعال ـ احلدود ملكافحة اجلرمية والرذيلة ،وصيانة اجملتمع
من الفساد واملعاصي ،وحماية مصالح أساسية أجمعت الشرائع السماوية على
احملافظة عليها وهي :حفظ الدين ،وحفظ النسل ،وحفظ النفس ،وحفظ العقل،
وحفظ املال ،وهي املعروفة بالضروريات اخلمس ،وسميت بذلك ألنه ال قيام
حلياة الناس وصالحهم إال بتوافرها ووجودها ،كما أنه حفظها من االعتداء
عليها ووضع العقاب الرادع ملن حاول التعدي عليها .وقد أحكم الله َّ
جل وعال
وجوه الزجر الرادعة عن هذه اجلنايات غاية اإلحكام وشرعها على أكمل الوجوه،
فشرع حد الزنا صيانة لألنساب من التعرض للضياع ،وحد السرقة ،وقطع
الطريق لصيانة األموال واألنفس ،وحد القذف لصيانة األعراض ،وحد الشرب
لصيانة العقول .ومهما عكفت عقول بني البشر بغية وضع تشريعات حلماية
هذه الضروريات اخلمس فلن تبلغ معشار ما جادت به الشريعة اإلسالمية الغراء
من ذلك ،بشهادة أساطني القضاء وشيوخه وصدق الله تعالى إذ قال{ :أَ َف ُح ْك َم
اه ِل َّيةِ يَبْغُو َن َو َم ْن أَ ْح َس ُن مِ َن اللّهِ ُح ْك ًما ِّل َق ْو ٍم يُوقِ نُونَ} ( )05سورة املائدة ،بيد
الْ َج ِ
أن ما يدهش له املتأمل غاية الدهشة أن املنطلق الذي تنطلق منه احلدود في
اإلسالم ليس للتشفي من خلق الله وجلب العنت واملشقة لهم ،بل لإلصالح
وإشاعة أجواء مفعمة باألمن مترعة باألمان ،بحيث يتنسم جميع أفراد اجملتمع
عبير الراحة واالستقرار فيستفيدون جميعا ،مبا في ذلك اجلاني الذي تنفذ
فيه العقوبة أواحلد ،ومن أعظم ما يستفيده اجلاني الذي أقيم عليه حد الله
تعالى تكفير ذنبه ذلك ومحوه من صحيفته ،فعن عبادة بن الصامت ] وكان
شهد بدرا وهو أحد النقباء ليلة العقبة أن رسول الله [ قال وحوله عصابة من
أصحابه « :بايعوني على أن ال تشركوا بالله شيئا وال تسرقوا وال تزنوا وال تقتلوا
53 الحسنات الماحيات
أوالدكم وال تأتوا ببهتان تفترونه بني أيديكم وأرجلكم وال تعصوا في معروف فمن
وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدنيا فهو كفارة
له ،ومن أصاب من ذلك شيئا ،ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء
عاقبه ) .فبايعناه على ذلك .134وعن ابن خزمية بن ثابت عن أبيه ] قال :قال
رسول الله [« :من أقيم عليه حد غفر له ذلك الذنب».135
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم
اإلسالم كما هو دين عقيدة وعبادة فهو أيضا دين معاملة ،ومن يطالع كتب الفقه اإلسالمي
يجد أن احلديث في جانب املعامالت من بيوع وشركات و نكاح وطالق وعدد ورضاع ونفقات
وجنايات وديات وحدود وقضاء وشهادات وإقرار الخ يشغل حيزا كبيرا جدا من تلك الكتب،
وهذا دليل ظاهر على شمولية هذا الدين وجدارته بقيادة احلياة في دقيقها وجليلها وليس
كما يدعي ـ زورا وبهتانا ـ بعض اجلاهلني بحقيقة اإلسالم أن اإلسالم مكانه املسجد وعلى
الناس أن يقيموا حياتهم بعيدا عنه في ضوء ما متليه عليهم عقولهم القاصرة وأهواؤهم
الزائغة ،ولسنا هنا بصدد مناقشة هؤالء وتفنيد شبههم ،ولكننا نريد أن نقرر حقيقة كبرى
ها هنا وهي أن اإلسالم سلك مسلكا مبهرا في تشريعاته إذ ربط بني إقامة هذه التشريعات
وبني اجلزاء األخروي األمر الذي يجد فيه اخمللصون بغيتهم وطلبتهم ،فيتعاظم جهدهم
ويزداد سعيهم ،وفي إطار ما نحن بصدده جند رسولنا الكرمي ـ صلوات الله وتسليماته عليه
ـ يقدم حافزا جزيال ودعما كبيرا ،ترى ملن ؟!! إنه ملن تعامل في بيعه وشرائه وفق شرع الله
وحكمه وزاد على ذلك حسن خلق أثناء تعامله مع اآلخرين ـ بيعا وشراء وقضاء ـ واجلزاء
واحلافز محو ذنبه ،فعن جابر ] قال :قال رسول اللَّه [« :غفر الله لرجل ممن كان
ال إذا اشترى ،سه ً
ال إذا اقتضى».136 ال إذا باع ،سه ً
قبلكم كان سه ً
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم
ص ِحي ٌح َح َس ٌن َغرِ ٌ
يب مِ ْن هَ َذا الْ َو ْجهِ . 136رواه الترمذي وقال :هَ َذا َحدِ يثٌ َ
55 الحسنات الماحيات
إن الله تعالى بعث نبينا محمد [ بالهدى ودين احلق ،وجعله خامت النبيني وإمام املرسلني،
وش ّرفه بتبليغ رسالته إلى الناس كافة ،ليخرجهم به من ظلمات الشرك إلى نور التوحيد،
فكان رحم ًة للعاملني وإماماً للمتقني ،فلزم على العباد طاعته وتوقيره والقيام بحقوقه
ومن حقوقه أن الله اختصه بالصالة عليه ،وأمرنا بذلك في كتابه احلكيم وسنة نبيه
الكرمي حيث كتب مضاعفة األجر ملن صلّى عليه ،فما أسعد من وفق لفعل ذلك وهدي
صلُّو َن َعلَى ال َّنب ِِّي يَا أَ ُّي َها ا َّلذِ ي َن آ َمنُوا َ
صلُّوا إليه .قال الله تعالى{ :إ َِّن اللَّ َه َو َم اَل ِئ َكتَ ُه يُ َ
َعلَيْهِ َو َسلِّ ُموا ت َْسلِي ًما} ( )65سورة األحزاب .قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ ( :املقصود من هذه
اآلية أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ أخبر عباده مبنزلة عبده ونبيه عنده في املأل األعلى بأنه
تصلي عليه املالئكة ،ثم أمر الله تعالى العالم السفلي بالصالة والسالم عليه ،ليجتمع
الثناء عليه من أهل العاملني العلوي والسفلي جميعاً ) أ.هـ .ويقول ابن القيم -رحمه
الله تعالى -في جالء األفهام ( :واملعنى أنه إذا كان الله ومالئكته يصلون على رسوله
فصلوا عليه أنتم أيضاً صلوا عليه وسلموا تسليماً ملا نالكم ببركة رسالته ومين سفارته
من خير شرف الدنيا واآلخرة ) أ.هـ .ومع كون هذه الصالة التي نصليها على النبي [
حقا علينا وواجبا إال أن الله تعالى جعل فيها لنا منافع عظيمة وفوائد جليلة ،ومن بني
تلك املنافع والفوائد تكفير الذنوب ومحوها ،فعن أبي بن كعب ]ـ قال ُ :قل ْ ُت يَا َر ُسو َل
التِى137؟ َفقَا َلَ « :ما ِشئْ َت »َ .قا َل: ص َ الةَ َعلَيْ َك َ .ف َك ْم أَ ْج َع ُل لَ َك مِ ْن َ اللَّهِ ِ :إ ِّنى أ ُ ْك ِث ُر َّ
الص َ
ُقل ْ ُت :ال ُّربُ َعَ .قا َلَ « :ما ِشئْ َت َف ِإ ْن زِ ْد َت َف ُه َو َخيْ ٌر لَ َك »ُ .قل ْ ُت :الن ْ
ِّص َفَ .قا َلَ « :ما ِشئْ َت َف ِإ ْن
زِ ْد َت َف ُه َو َخيْ ٌر لَ َك »َ .قا َلُ :قل ْ ُتَ :فالثُّلُثَيْنِ َ .قا َلَ « :ما ِشئْ َت َف ِإ ْن زِ ْد َت َف ُه َو َخيْ ٌر لَ َك »ُ .قل ْ ُت:
)137أي بدل دعائي الذي أدعو به لنفسي ،قاله القاري .وقال املنذري في الترغيب :معناه أكثر الدعاء ،فكم أجعل لك
من دعائي صالة عليك؟ .
الحسنات الماحيات 56
ص َ
التِى ُكلَّ َهاَ .قا َلِ « :إ ًذا تُ ْكفَى َه َّم َك َويُ ْغ َف ُر لَ َك َذنْبُ َك » .138عن أنس بن مالك أَ ْج َع ُل لَ َك َ
] ،قال :قال رسول الله [ « :من صلى علي صالة صلى الله عليه عشر صلوات ،
وحط عنه عشر خطيئات ». 139
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم
**********
الـــخاتمـــــة
•قاعدة :األحاديث املطلقة في تكفير الذنوب مقيدة بترك الكبائر ،قال تعالى:
{إِن ت َْجتَ ِنبُوا ْ َك َبآ ِئ َر َما تُنْ َه ْو َن َعنْ ُه نُ َك ِّف ْر َعن ُك ْم َس ِّيئَا ِت ُك ْم َونُ ْد ِخل ْ ُكم ُّم ْد َخ ً
ال َكرِ ميًا}
ات وع ْن أَبِى ُه َريْ َرةَ ] أَ َّن َر ُسو َل اللَّهِ [ َكا َن يَقُو ُلَّ « :
الصل َ َو ُ ( )13سورة النساءَ ،
ضا َن ُم َك ِّف َر ٌ
ات َما بَيْنَ ُه َّن ِإ َذا ْ
اجتَن ََب ضا ُن ِإلَى َر َم َ
س َوالْ ُج ُم َع ُة ِإلَى الْ ُج ُم َعةِ َو َر َم َ
الْ َخ ْم ُ
الْ َك َبا ِئ َر » ،140وأما الكبائر فتكفرها التوبة النصوح ،قال تعالى ـ بعد ذكره ملصير
َاب َوآ َم َن َو َعمِ َل َع َم اًل َ
صال ًِحا مرتكبي كبائر الشرك والقتل والزنا ـ { :إ اَِّل َمن ت َ
َات َو َكا َن اللَّ ُه َغفُو ًرا َّر ِحي ًما} ( )07سورة الفرقان. َفأُ ْولَئ َ
ِك يُ َبدِّ ُل اللَّ ُه َس ِّيئَاتِهِ ْم َح َسن ٍ
الص اَلةضوءَ ،ف َما َذا تُ َك ِّفر َّ •فائدة :قال النووي ـ رحمه الله ـ َ :ق ْد يُقَال ِ :إ َذا َك َّف َر الْ ُو ُ
ص ْوم يَ ْوم َع َر َفةِك َ ضان؟َ ،و َك َذل َ الص اَلةَ ،ف َما َذا تُ َك ِّفر الْ ُج ُم َعات َو َر َم َ
؟ َو ِإ َذا َك َّف َر ْت َّ
اشو َراء َكفَّا َرة َسنَةَ ،و ِإ َذا َوا َف َق تَ ْأمِ ينه تَ ْأمِ ني الْ َم اَل ِئ َكة ُغفِ َر َكفَّا َرة َسنَتَيْنِ َ ،ويَ ْوم َع ُ
احد مِ ْن َهذِ ِه الْ َم ْذ ُكو َرات لَ ُه َما تَق ََّد َم مِ ْن َذنْبه َ .والْ َج َواب َما أَ َجابَ ُه الْ ُعل َ َماء أَ َّن ُك ّل َو ِ
صغِ ي َرة
صادِ ف َ الصغَائِر َك َّف َرهُ َو ِإ ْن لَ ْم يُ َصالِح لِل َّت ْكفِ يرِ َف ِإ ْن َو َج َد َما يُ َك ِّفرهُ مِ ْن َّ َ
صا َد َف ْت َكبِي َرة أَ ْو َك َبائِر َولَ ْم
َو اَل َكبِي َرة ُك ِت َب ْت ِبهِ َح َسنَات َو ُرفِ َع ْت ِبهِ َد َر َجات َ ،و ِإ ْن َ
صغِ ي َرة َر َج ْونَا أَ ْن يُ َخ ِّف َف مِ ْن الْ َك َبائِر َ .واَللَّه أَ ْعلَم. 141
صادِ ف َ
يُ َ
أخي الكرمي :هذه بعض األعمال السهلة امليسورة ومع سهولتها ويسرها إال أن الله تعالى
جعل لها قوة عجيبة وأثرا أكيدا في محو ما ميكن أن يقع منا من ذنوب وما يعترينا من
غفالت وخطايا .فاجتهد ـ رعاك الله ـ في طلبها ،واحفظها وحافظ عليها ،عسى أن تكون
من السعداء املفلحني الذي يلقون الله وما على أحدهم من خطيئة ،وصلى الله على نبينا
محمد وعلى آله وصحبه أجمعني.
الفهـــــــرس
3 إهداء
4 املقدمة
8 التوبة
10 االستغفار
15 الوضوء
18 األذان
20 الصالة
27 الصيام
39 االبتالء
57 اخلامتة
للطلب واالستفسار :االتصال على مؤسسة الشيخ عيد الخيرية
هاتف 4355555 :