You are on page 1of 60

‫الحسـنات‬

‫الماحيات‬
‫الحسنات الماحيات‬ ‫‪4‬‬

‫المقدمة‬

‫احلمد لله رب العاملني القائل‪ُ { :‬ق ْل يَا ِع َبادِ َي ا َّلذِ ي َن أَ ْس َر ُفوا َعلَى أَنف ُِسهِ ْم اَل تَ ْقن َُطوا‬
‫جمِ ي ًعا ِإ َّن ُه ُه َو الْ َغفُو ُر ال َّر ِحي ُم } (‪ )35‬سورة الزمر‪،‬‬ ‫وب َ‬ ‫مِ ن َّر ْح َمةِ اللَّهِ إ َِّن اللَّ َه يَغْفِ ُر ال ُّذنُ َ‬
‫اس ُع الْ َمغْفِ َر ِة ُه َو أَ ْعل َ ُم‬
‫ش إ اَِّل اللَّ َم َم إ َِّن َر َّب َك َو ِ‬ ‫والقائل ‪{ :‬ا َّلذِ ي َن يَ ْجتَ ِنبُو َن َك َبا ِئ َر إْ ِ‬
‫الثْ ِم َوالْ َف َو ِ‬
‫اح َ‬
‫ض َو ِإ ْذ أَنتُ ْم أَ ِج َّن ٌة فِ ي بُ ُطونِ أ ُ َّم َها ِت ُك ْم َف اَل تُ َز ُّكوا أَنف َُس ُك ْم ُه َو أَ ْعل َ ُم‬ ‫نش َأ ُكم ِّم َن أْالَ ْر ِ‬
‫ِب ُك ْم ِإ ْذ أَ َ‬
‫ِب َمنِ ا َّتقَى} (‪ )23‬سورة النجم‪ ،‬والصالة والسالم على أشرف النبيني وإمام املرسلني وقائد‬
‫الغر احملجلني إلى مرضاة الله رب العاملني‪ ،‬القائل‪ُ « :‬ك ُّل أ ُ َّمتِى يَ ْدخُ لُو َن الْ َج َّن َة ‪ِ ،‬إ َّال َم ْن أَبَى‬
‫» ‪َ .‬قالُوا‪ :‬يَا َر ُسو َل اللَّهِ ! َو َم ْن يَ ْأبَى؟! َقا َل‪َ « :‬م ْن أَ َط َ‬
‫اعنِى َد َخ َل الْ َج َّن َة ‪َ ،‬و َم ْن َع َ‬
‫صانِى َف َق ْد‬
‫أَبَى »‪ ،1‬أما بعد‪ :‬فلقد شاء الله ـ تعالى ـ أن ال يسلم أحد من بني آدم من خطأ‪ ،‬غير أنهم‬
‫يتفاوتون فيما بينهم في ذلك‪ ،‬فمنهم املستقل ومنهم املستكثر وبني ذلك‪ ،‬ومنهم املنقبض‬
‫ومنهم املتجرئ وبني ذلك‪ ،‬ولو آخذ الله العباد بذنوبهم وخطاياهم ملا ترك على ظهر األرض‬
‫ك َعلَيْ َها مِ ن َدآ َّب ٍة ‪)16( }...‬‬ ‫َّاس ب ُ‬
‫ِظلْمِ هِ م َّما تَ َر َ‬ ‫اخ ُذ اللّ ُه الن َ‬
‫من دابة‪ .‬قال تعالى‪َ { :‬ولَ ْو يُ َؤ ِ‬
‫سورة النحل‪ ،‬ولكن من رحمته وفضله ومنته ـ جل وعال ـ أن أبواب رحمته ومغفرته وعفوه‬
‫مشرعة ملن تاب وأناب ورغب بصدق في محو ذنوبه والتجاوز عن خطاياه ‪ ،‬وفي حديث‬
‫أنس ـ رضي الله عنه ـ قال ‪ :‬قال رسول الله [ ‪« :‬كل بني آدم خطاء وخير اخلطائني‬
‫التوابون «‪ .2‬وفي هذه العجالة يطيب لنا أن نضع بني يديك ـ أيها القارئ الكرمي ـ ما تيسر‬
‫من أعمال صاحلات جالبات للحسنات التي نرجو أن تكون سببا ـ بإذن الله ـ في محو ذنوبك‬
‫وستر عيوبك ورفع درجتك عند الله تعالى‪ ،‬مشفوعة باآلثار الدالة على ذلك من كتاب الله‬
‫وصحيح سنة رسول الله [ سائلني الله العلي القدير أن يوفقنا جميعا إلى ذكره وشكره‬
‫وحسن عبادته‪ ،‬إن ربنا قريب مجيب ‪.‬‬

‫‪ )1‬رواه البخاري‪ ،‬من حديث أبي هريرة‪ ،‬رضي الله عنه ‪.‬‬
‫‪ )2‬رواه الترمذي وابن ماجه والدرمي‪ ،‬وحسنه األلباني ‪.‬‬
‫‪5‬‬ ‫الحسنات الماحيات‬

‫توحيد اهلل تعالى وإسالم الوجه له سبحانه‬

‫‪3‬‬
‫التوحيد هو‪ :‬إفراد الله ـ سبحانه ـ بالعبادة‪ ،‬وهو دين الرسل الذين أرسلهم الله به إلى العباد‪.‬‬
‫وتوحيد الله ـ تعالى ـ هو الغاية من خلقه ـ سبحانه ـ للثقلني بل وللسموات واألرض‪ ،‬وهو الغاية‬
‫من إرسال الرسل‪ ،‬وإنزال الكتب‪ ،‬والبعث والنشور‪ ،‬ونصب املوازين‪ ،‬واجلنة والنار ‪ .‬يقول ابن‬
‫القيم ـ رحمه الله ـ ‪« :‬إن الله أرسل رسله وأنزل كتبه وخلق السموات واألرض ليُ ْع َر َف ويُ ْع َب َد‬
‫ويُ َو َّحد‪ ,‬ويكون الدين كله لله‪ ،‬والطاعة كلها له والدعوة له‪ ،‬كما قال تعالى‪َ { :‬و َما َخلَق ُ‬
‫ْت الْ ِج َّن‬
‫نس إ اَِّل ِل َي ْعبُ ُدونِ } (‪ )65‬سورة الذاريات‪ ،‬ا‪.‬هـ ‪ .4‬فمن أذعن لله ـ تعالى ـ وأقر بأنه اخلالق املالك‬ ‫َو إْ ِ‬
‫ال َ‬
‫املدبر‪ ،‬وصرف جميع أنواع العبادة والطاعة له وحده‪ ،‬وأثبت له ـ سبحانه ـ ما أثبته لنفسه في‬
‫كتابه‪ ،‬أو على لسان رسوله [ـ من غير حتريف‪ ،‬وال تعطيل‪ ،‬ومن غير تكييف‪ ،‬وال متثيل‪ ،‬ونفى‬
‫عنه ـ سبحانه ـ ما نفاه عن نفسه في كتابه‪ ،‬أو على لسان رسوله [ مع اعتقاده ثبوت كمال ضده‬
‫لله تعالى‪ .‬من فعل ذلك نفعه الله ـ عز وجل ـ به منافع شتى‪ ،‬ومنها أن يغفر الله له ذنبه‪ ،‬فعن‬
‫عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ قال‪ :‬قال رسول الله [‪ « :‬إن الله سيخلص‬
‫رجال من أمتى على رءوس اخلالئق يوم القيامة‪ ،‬فينشر عليه تسعة وتسعني سجال كل سجل‬
‫مثل مد البصر‪ ،‬ثم يقول‪ :‬أتنكر من هذا شيئا؟ أظلمك كتبتى احلافظون؟ فيقول‪ :‬ال يا رب‪.‬‬
‫فيقول‪ :‬أفلك عذر؟ فيقول‪ :‬ال يا رب‪ .‬فيقول‪ :‬بلى إن لك عندنا حسنة‪ ،‬فإنه ال ظلم عليك اليوم‬
‫‪ .‬فتخرج بطاقة فيها أشهد أن ال إله إال الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله‪ ،‬فيقول‪ :‬أحضر‬
‫وزنك ‪ .‬فيقول‪ :‬يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجالت؟ فقال‪ :‬إنك ال تظلم‪ .‬قال‪ :‬فتوضع‬
‫السجالت فى كفة والبطاقة فى كفة‪ ،‬فطاشت السجالت وثقلت البطاقة‪ ،‬فال يثقل مع‬
‫اسم الله شىء »‪ .5‬وعن أَنَ ُ‬
‫س بْ ُن َمال ٍِك ] َقا َل َسمِ ْع ُت َر ُسو َل اللَّهِ [ـ يَقُو ُل‪َ « :‬قا َل‬

‫‪ )3‬كتاب التوحيد‪ ،‬للشيخ محمد بن عبد الوهاب ‪.‬‬


‫‪ )4‬اجلواب الكافي (‪. )98/1‬‬
‫‪) 5‬رواه الترمذي (‪ )9362‬وغيره وقال‪ :‬هذا حديث حسن غريب‪.‬‬
‫الحسنات الماحيات‬ ‫‪6‬‬

‫اب األَ ْر ِ‬
‫ض َخ َطايَا ثُ َّم لَقِ يتَنِى الَ ت ُْشرِ ُك بِى َشيْ ًئا‬ ‫اللَّهُ‪ :‬يَا ابْ َن آ َد َم! ِإ َّن َك لَ ْو أَتَيْتَنِى ِب ُق َر ِ‬
‫ألَتَيْت َُك ِب ُق َرا ِب َها َمغْفِ َر ًة »‪ .6‬يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ‪ :‬لِشهادة أن ال إله إال الله عند املوت‬
‫تأثير عظيم في تكفير السيئات وإحباطها‪ ،‬ألنها شهادة من عبد موقن بها‪ ،‬عارف مبضمونها‪،‬‬
‫قد ماتت منه الشهوات‪ ،‬والنت نفسه املتمردة‪ ،‬وانقادت بعد إبائها واستعصائها‪ ،‬وأقبلت‬
‫بعد إعراضها‪ ،‬وذ َّلت بعد عزِّها‪ ،‬وخرج منها حرصها على الدنيا وفضولها‪ ،‬واستخذت بني‬
‫يدي ربها وفاطرها وموالها احلق َّ‬
‫أذل ما كانت له وأرجى ما كانت ل َعفوه ومغفرته ورحمته‪،‬‬
‫وجترد منها التوحيد بانقطاع أسباب الشرك وحتقق بطالنه‪ ،‬فزالت منها تلك املنازعات‬
‫التي كانت مشغولة بها‪ ،‬واجتمع همها على من أيقنت بالقدوم عليه واملصير إليه‪َ ،‬ف َو َّجه‬
‫العبد َو ْج َه ُه بِكلِّ َّيتِه إليه‪ ،‬وأقبل بقلبه وروحه وه ِّمه عليه‪ ،‬فاستسلم له وحده ظاه ًرا وباطنًا‪،‬‬
‫مخلصا من قلبه‪ ،‬وقد تخلص قلبه من التعلق‬
‫ً‬ ‫واستوى سره وعالنيته‪ ،‬فقال‪ :‬ال إله إال الله‬
‫بغيره وااللتفات إلى ما سواه‪ ،‬قد خرجت الدنيا كلها من قلبه‪ ،‬وشارف القدوم على ربه‪،‬‬
‫وخمدت نيران شهوته‪ ،‬وامتأل قلبه من اآلخرة‪ ،‬فصارت نصب عينيه‪ ،‬وصارت الدنيا وراء‬
‫ظهره‪ ،‬فكانت تلك الشهادة اخلالصة خامتة عمله‪ ،‬فط َّهرته من ذنوبه‪ ،‬وأدخلته على ربه‪،‬‬
‫ألنه لقي ربه بشهادة صادقة خالصة‪ ،‬وافق ظاهرها باطنها وسرها عالنيتها‪ .7‬هذا وقد‬
‫دلت األحاديث الصحيحة على أن الكافر إذا أسلم كافأه الله تعالى مبحو ذنوبه التي اقترفها‬
‫ال منه سبحانه وامتناناً‪ ،‬فعن أبي سعيد اخلدري ] قال‪ :‬قال رسول‬ ‫في زمن الكفر ‪ ،‬تفض ً‬
‫الله [ ‪« :‬إذا أسلم العبد فحسن إسالمه كتب الله له كل حسنة كان أزلفها‪ ،‬ومحيت عنه كل‬
‫سيئة كان أزلفها‪ ،‬ثم كان بعد ذلك القصاص احلسنة بعشرة أمثالها إلى سبع مائة ضعف‬
‫والسيئة مبثلها إال أن يتجاوز الله ـ عز وجل ـ عنها»‪ . 8‬وعن أنس ] قال ‪ :‬جاء رجل إلى‬

‫‪ )6‬رواه الترمذي وغيره‪ ،‬وقال‪ :‬هذا حديث حسن غريب‪ .‬وقوله (قراب) بضم القاف وكسرها معناه ‪:‬ملؤها أو ما يقارب‬
‫مألها ‪.‬‬
‫‪ )7‬لفوائد (‪. )65‬‬
‫‪ )8‬رواه النسائي وغيره‪ ،‬وصححه األلباني ‪ .‬وحسن اإلسالم يكون بفعل الواجبات وترك احملرمات كما قرر ذلك بعض‬
‫أهل العلم ‪ .‬ومعنى ( أزلفها ) أسلفها وقدمها‪ ،‬و( القصاص ) أَ ْي ‪ :‬كِ تَابَة الْ ُم َجازَاة فِ ي ال ُّدنْ َيا‪ ،‬ذكره احلافظ في الفتح ‪.‬‬
‫‪7‬‬ ‫الحسنات الماحيات‬

‫النبي [ فقال ‪ :‬يا رسول الله ما تركت حاجة وال داجة إال أتيت قال ‪ « :‬أليس تشهد أن ال‬
‫إله إال الله وأن محمدا رسول الله ؟ « ‪ -‬ثالث مرات ‪ -‬قال ‪ :‬نعم قال ‪ « :‬ذاك يأتي على ذاك‬
‫«‪ ، 9‬وعن أبي طويل شطب املمدود أنه أتى النبي [ فقال ‪ :‬أرأيت من عمل الذنوب كلها‬
‫فلم يترك منها شيئا وهو في ذلك لم يترك حاجة وال داجة إال أتاها فهل لذلك من توبة ؟‬
‫قال ‪ « :‬فهل أسلمت ؟ « قال ‪ :‬أما أنا فأشهد أن ال إله إال الله وأنك رسول الله قال ‪ « :‬تفعل‬
‫اخليرات وتترك السيئات فيجعلهن الله لك خيرات كلهن « قال ‪ :‬وغدراتي وفجراتي ؟ قال‬
‫‪ « :‬نعم « ‪ .‬قال ‪ :‬الله أكبر ‪ .‬فما زال يكبر حتى توارى‪ ،10‬وعن عمرو بن العاص] قال‬
‫في قصة إسالمه ‪ :‬أتيت النبي [ فقلت‪ :‬ابسط ميينك فألبايعك‪ ،‬فبسط ميينه ‪ .‬قال‪:‬‬
‫فقبضت يدي ‪ .‬قال‪ :‬مالك يا عمرو ؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬أردت أن أشترط ‪ .‬قال‪ :‬تشترط مباذا ؟‬
‫قلت‪ :‬أن يغفر لي ‪ .‬قال‪ :‬أما علمت أن اإلسالم يهدم ما كان قبله ؟ وأن الهجرة تهدم ما كان‬
‫‪11‬‬
‫قبلها ؟ وأن احلج يهدم ما كان قبله ؟»‬

‫ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم‬

‫‪ )9‬قال احلافظ الهيثمي في اجملمع‪ :‬رواه أبو يعلى والبزار بنحوه والطبراني في الصغير واألوسط ورجالهم ثقات‪.‬‬
‫ومعنى قوله ( ما تركت حاجة وال داجة إال أتيت ) أي ما تركت شيئاً َد َعتْنِي نفسي إليه من املعاصي إال وقد ركِ بْته‬
‫‪(.‬النهاية) ‪.‬‬
‫‪ )10‬قال احلافظ الهيثمي في اجملمع‪ :‬رواه الطبراني والبزار بنحوه ورجال البزار رجال الصحيح غير محمد بن هارون‬
‫أبي نشيط وهو ثقة ‪.‬‬
‫‪)11‬رواه مسلم ‪.‬‬
‫الحسنات الماحيات‬ ‫‪8‬‬

‫التــــــوبــــة‬
‫إن من أهم احلسنات التي متحو السيئات كلها ـ التوب َة النصوح‪ ،‬والتي تقتضي اإلقالع عن‬
‫الذنب‪ ،‬والندم على ما فات‪ ،‬والعزم على عدم العودة إلى اخلطيئة مرة أخرى‪ ،‬وإعادة احلقوق‬
‫وحا َع َسى َر ُّب ُك ْم أَن يُ َك ِّف َر َعن ُك ْم‬
‫ص ً‬‫ألهلها‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬يَا أَ ُّي َها ا َّلذِ ي َن آ َمنُوا تُوبُوا ِإلَى اللَّهِ تَ ْوبَ ًة َّن ُ‬
‫َّات ت َْجرِ ي مِ ن ت َْح ِت َها أْالَنْ َها ُر ‪ ...‬اآلية} (‪ )8‬سورة التحرمي‪ ،‬وقال سبحانه‪:‬‬ ‫َس ِّيئَا ِت ُك ْم َويُ ْد ِخل َ ُك ْم َجن ٍ‬
‫ِحونَ} (‪ )13‬سورة النــور‪ ،‬وقال جل شأنه‪{ :‬إ اَِّل َمن‬ ‫{ َوتُوبُوا ِإلَى اللَّهِ َجمِ ي ًعا أَ ُّي َها الْ ُمؤْمِ نُو َن لَ َعلَّ ُك ْم تُ ْفل ُ‬
‫َات َو َكا َن اللَّ ُه َغفُو ًرا َّر ِحي ًما} (‪)07‬‬
‫ِك يُ َب ِّد ُل اللَّ ُه َس ِّيئَاتِهِ ْم َح َسن ٍ‬ ‫صال ًِحا َفأُ ْولَئ َ‬ ‫َاب َوآ َم َن َو َعمِ َل َع َم اًل َ‬
‫ت َ‬
‫سورة الفرقان‪ ،‬واملعنى‪ :‬أن السيئات املاضية تنقلب بنفس التوبة النصوح حسنات‪ ،‬وما ذاك إال أنه‬
‫كلما تذكر ما مضى ندم واسترجع واستغفر‪ ،‬فينقلب الذنب طاعة بهذا االعتبار‪ .‬فيوم القيامة‬
‫‪12‬‬
‫وإن وجده مكتوبا عليه‪ ،‬لكنه ال يضره‪ ،‬وينقلب حسنة في صحيفته‪ ،‬كما ثبتت السنة بذلك ‪ .‬ا‪.‬هـ‬
‫فعن أبى ذر ـ] قال‪ :‬قال رسول الله [‪« :‬إني ألعرف آخر أهل النار خروجا من النار‪ ،‬وآخر‬
‫أهل اجلنة دخوال اجلنة‪ .‬يؤتى برجل‪ ،‬فيقول» سلوا عن صغار ذنوبه واخبئوا كبارها‪ .‬فيقال له‪:‬‬
‫عملت كذا وكذا يوم كذا وكذا‪ ،‬عملت كذا وكذا في يوم كذا وكذا‪ .‬قال‪ :‬فيقال له‪ :‬فإن لك مكان كل‬
‫سيئة حسنة‪ .‬قال‪ :‬فيقول‪ :‬يا رب لقد عملت أشياء ما أراها ها هنا »‪ .‬قال فلقد رأيت رسول الله‬
‫[ يضحك حتى بدت نواجذه»‪ .13‬وروى مجاهد عن ابن عباس أنه كان ينشد عند هذه اآلية‪:‬‬

‫َوبَعــــــ ْ َد ُطول ال َّنفَــــس ال َوجيفَا‬ ‫بُ ّدلْــــ َن بَ ْعــــــ َد َح ِّر ِه َخريفـــــــــــا‬

‫ات ثُ َّم تَابُوا ْ مِ ن‬ ‫يعني‪ :‬تغيرت تلك األحوال إلى غيرها‪ .‬وقال تعالى‪َ { :‬وا َّلذِ ي َن َعمِ لُوا ْ َّ‬
‫الس ِّيئَ ِ‬
‫بَ ْعدِ َها َوآ َمنُوا ْ إ َِّن َر َّب َك مِ ن بَ ْعدِ َها لَ َغفُو ٌر َّر ِحي ٌم } (‪ )351‬سورة األعراف‪ ،‬ومن ذلك ـ أيضا ـ ما أخرجه‬
‫الشيخان في صحيحيهما عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ‪ :‬أن أناسا من أهل الشرك كانوا قد‬
‫قتلوا وأكثروا وزنوا وأكثروا‪ ،‬فأتوا محمدا ـ[ فقالوا‪ :‬إن الذي تقول وتدعو إليه حلسن لو تخبرنا‬
‫أن ملا عملنا كفارة ‪ .‬فنزل { والذين ال يدعون مع الله إلها آخر وال يقتلون النفس التي حرم الله إال‬

‫‪ )12‬تفسير القرآن العظيم‪ ،‬البن كثير (‪.)721/6‬‬


‫‪ )13‬رواه الترمذي (‪ )46/01‬وقال ‪ :‬هذا حديث حسن صحيح ‪.‬‬
‫‪9‬‬ ‫الحسنات الماحيات‬

‫باحلق وال يزنون } ‪ .‬ونزل { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ال تقنطوا من رحمة الله‬
‫}‪ ،‬ومن الشواهد على ذلك ـ أيضاً ـ قصة املرأة التي زنت على عهد رسول الله ـ[ فأتت وقالت‪:‬‬
‫يا رسول الله إني حبلى من الزنا‪ ،‬فأقم علي احلد‪ ،‬فأمرها أن ترجع حتى تضع حملها‪ .‬وحني‬
‫وضعت أتته‪ ،‬فقال لها‪ :‬ارجعي حتى تفطمي طفلك‪ ،‬فبعدما فطمته رجعت‪ ،‬فأقام عليها احلد‪،‬‬
‫اح ُب َم ْك ٍس لَغُفِ َر لَ ُه »‪ 14‬وقال في ماعز‬
‫ص ِ‬‫ثم قال [‪َ « :‬وا َّلذِ ى نَف ِْسى ِب َيدِ ِه لَ َق ْد تَابَ ْت تَ ْوبَ ًة لَ ْو تَابَ َها َ‬
‫َاب تَ ْوبَ ًة لَ ْو ُق ِس َم ْت بَيْ َن أ ُ َّم ٍة لَ َو ِس َعتْ ُه ْم »‪ ، 15‬فالله أكبر يا عباد‬
‫] بعد إقامة احلد عليه‪ « :‬لَ َق ْد ت َ‬
‫الله‪ ،‬انظروا إلى أثر تقوى الله ـ عز وجل ـ في قلوب هؤالء األتقياء الذين لم يعلم مبعصيتهم أحد‬
‫إال الله‪ ،‬فما زالت التقوى بهم‪ ،‬وخوف الله يلهب قلوبهم‪ ،‬وخشيته ترعد فرائصهم حتى أتوا إلى‬
‫النبي [ ليطهرهم من هذه اخلطيئة وهذا الذنب‪ ،‬ولو أنهم تابوا فيما بينهم وبني الله ـ سبحانه‬
‫وتعالى ـ لكفاهم ذلك‪ ،‬ولكنها نفوس سمت بإميانها إلى العلياء‪ ،‬فما رضيت حتى جادت بنفوسها‬
‫رضاً لرب األرض والسماء‪ .‬ومن ذلك ـ أيضا ـ قصة ذلك الرجل الذي قتل تسعاً وتسعني نفساً بل‬
‫أمت املائة‪ ،‬وحينما وجد من دله على باب التوبة وأمره بأن ينتقل من بالد السوء إلى بالد اخلير‬
‫والصالح ثم قبضت روحه قبل أن يصل إليها‪ ،‬أدخله ربه مع املتقني برحمته‪ ،‬إذ إنه أقبل على‬
‫الله بقلب مؤمن تقي تائب من ذنبه‪ ،‬أقبل عازماً على عدم العودة إليه‪ ،‬نادماً على فعله‪ ،‬فقال الله‬
‫لهذه‪( :‬أي بلد الصالح) أن تقاربي‪ ،‬وقال لتلك‪ :‬أن تباعدي (أي بلد السوء) فغفر الله له ما كان‬
‫وأدخله اجلنة برحمته وفضله‪ ،‬جل وعال‪ . 16‬وعن عبد الله بن مسعود ] عن النبي [ قال‪:‬‬
‫«التائب من الذنب كمن ال ذنب له»‪ . 17‬ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت‬
‫التواب الرحيم‪.‬‬

‫‪ )14‬رواه مسلم من حديث بريدة بن احلصيب ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ .‬واملكس ‪ :‬الضريبة والعشور التي تأخذ على خالف‬
‫حكم الشرع‪.‬‬
‫‪ )15‬املرجع السابق ‪.‬‬
‫‪ )16‬رواه مسلم من حديث أبي سعيد اخلدري‪ ،‬رضي الله عنه ‪.‬‬
‫‪ )17‬قال في مجمع الزوائد‪ :‬رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح إال أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه ا‪.‬هـ ‪ .‬وحسنه‬
‫األلباني ‪.‬‬
‫الحسنات الماحيات‬ ‫‪10‬‬

‫االستغفار‬

‫قال تعالى‪َ { :‬و َمن يَ ْع َم ْل ُسوءاً أَ ْو يَ ْظ ِل ْم نَف َْس ُه ثُ َّم يَ ْستَغْفِ رِ الله يَ ِجدِ الله َغفُوراً َّر ِحيم ًا‬
‫(النساء‪ .)011:‬وقال جل شأنه { َو َما َكا َن اللّ ُه ِليُ َع ِّذبَ ُه ْم َوأَ َ‬
‫نت فِ يهِ ْم َو َما َكا َن اللّ ُه ُم َع ِّذبَ ُه ْم‬
‫َو ُه ْم يَ ْستَغْفِ ُرونَ} (‪ )33‬سورة األنفال‪ ،‬أخبر سبحانه وتعالى أنه ال يعذب مستغفرا؛ ألن‬
‫االستغفار ميحو الذنب الذي هو سبب العذاب‪ ،‬فيندفع العذاب‪ .‬وعن أبي ذر]‪ :‬عن‬
‫النبي [ فيما روى عن الله ـ تبارك وتعالى ـ أنه قال‪« :‬يا عبادي إنكم تخطئون بالليل‬
‫والنهار‪ ،‬وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم»‪ .18"..‬وعن عقبة بن عامر‬
‫]‪ :‬أن رجال أتى رسول الله [ فقال‪ :‬يا رسول الله أحدنا يذنب قال‪ :‬يكتب عليه‪.‬‬
‫قال‪ :‬ثم يستغفر منه ويتوب‪ .‬قال‪ :‬يغفر له‪ .‬ويتاب عليه‪ ،‬قال‪ :‬فيعود فيذنب قال‪ :‬يكتب‬
‫عليه وال ميل الله حتى متلوا"‪. 19‬‬

‫ونظرا ملا لهذه العبادة العظيمة من أهمية كبرى‪ ،‬فقد أمر الله ـ تعالى ـ نبيه وحبيبه‬
‫محمدا [ باالستغفار‪ ،‬وتكرر األمر بذلك في غير موضع من كتاب ربنا الكرمي ‪ ،‬ومن‬
‫ِك َو ِلل ْ ُمؤْمِ نِني َ َوالْ ُمؤْمِ ن ِ‬
‫َات‬ ‫اعل َ ْم أَ َّن ُه اَل ِإلَ َه إ اَِّل اللَّ ُه َو ْ‬
‫استَغْفِ ْر ِل َذنب َ‬ ‫ذلك قوله جل وعال ‪َ { :‬ف ْ‬
‫استَغْفِ رِ اللّهِ إ َِّن اللّ َه َكا َن َغفُو ًرا‬
‫َواللَّ ُه يَ ْعل َ ُم ُمتَ َقلَّ َب ُك ْم َو َمثْ َوا ُك ْم} (‪ )91‬سورة محمد‪ ،‬وقال ‪َ { :‬و ْ‬
‫ِح ْمدِ‬ ‫استَغْفِ ْر ِل َذنب َ‬
‫ِك َو َس ِّب ْح ب َ‬ ‫اص ِب ْر إ َِّن َو ْع َد اللَّهِ َحقٌّ َو ْ‬
‫َّر ِحي ًما} (‪ )601‬سورة النساء‪ ،‬وقال ‪َ { :‬ف ْ‬
‫َر ِّب َك بِالْ َع ِش ِّي َو إْ ِ‬
‫البْ َكارِ } (‪ )55‬سورة غافر‪ ،‬وكان رسولنا الكرمي أحسن من امتثل ألمر ربه‬
‫وأسرع من استجاب له‪ ،‬فكان ـ صلوات ربي وتسليماته عليه ـ كثيرا ما يستغفر الله ويتوب‬
‫إليه وهو املغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر‪ ،‬فعن أَبي ُه َريْ َرةَ ] قال‪َ :‬سمِ ْع ُت َر ُسو َل‬
‫ني َم َّر ًة»‪ .20‬وعن‬ ‫اللَّهِ [ يَقُو ُل‪َ « :‬واللَّهِ ِإ ِّنى ألَ ْستَغْفِ ُر اللَّ َه َوأَت ُ‬
‫ُوب ِإلَيْهِ فِ ى الْ َي ْو ِم أَ ْكثَ َر مِ ْن َسبْعِ َ‬

‫‪ )18‬رواه مسلم ‪.‬‬


‫‪ )19‬قال الهيثمي في مجمع الزوائد‪ :‬رواه الطبراني في الكبير واألوسط‪ ،‬وإسناده حسن ‪..‬‬
‫‪ )20‬رواه البخاري‬
‫‪11‬‬ ‫الحسنات الماحيات‬

‫األغر املزنى ‪ -‬وكانت له صحبة ‪ -‬أن رسول الله [ـ قال « إنه ليغان على قلبى وإنى‬
‫ألستغفر الله فى اليوم مائة مرة »‪ .21‬قال ابن حجر‪ :‬قال عياض ‪ :‬املراد بالغني فترات‬
‫عن الذكر الذي شأنه أن يداوم عليه ‪ ،‬فإذا فتر عنه ألمر ما عد ذلك ذنبا فاستغفر عنه‬
‫‪ .‬وقيل هو شيء يعتري القلب مما يقع من حديث النفس ‪ ،‬وقيل هو السكينة التي تغشى‬
‫قلبه واالستغفار إلظهار العبودية لله والشكر ملا أواله‪ ،‬وقيل‪ :‬هي حالة خشية وإعظام‪،‬‬
‫واالستغفار شكرها‪ ،‬ومن ثم قال احملاسبي‪ :‬خوف املتقربني خوف إجالل وإعظام‪ .22‬وعن‬
‫اس ‪ -‬رضى الله عنهما ‪َ -‬قا َل‪َ :‬كا َن ال َّنب ُِّى [ ِإ َذا َقا َم مِ َن اللَّيْلِ يَتَ َه َّج ُد َقا َل « اللَّ ُه َّم‬ ‫ابْ َن َع َّب ٍ‬
‫ض‬ ‫ات َواألَ ْر ِ‬ ‫ض َو َم ْن فِ يهِ َّن َولَ َك الْ َح ْم ُد لك ُمل ْ ُك َّ‬
‫الس َم َو ِ‬ ‫ات َواألَ ْر ِ‬ ‫لَ َك الْ َح ْم ُد أَنْ َت َق ِّي ُم َّ‬
‫الس َم َو ِ‬
‫ض‪َ ،‬ولَ َك الْ َح ْم ُد أَنْ َت الْ َحقُّ ‪َ ،‬و َو ْع ُد َك‬ ‫ات َواألَ ْر ِ‬ ‫الس َم َو ِ‬ ‫َو َم ْن فِ يهِ َّن‪َ ،‬ولَ َك الْ َح ْم ُد أَنْ َت نُو ُر َّ‬
‫الْ َحقُّ ‪َ ،‬و ِلقَا ُؤ َك َحقٌّ ‪َ ،‬و َق ْولُ َك َحقٌّ ‪َ ،‬والْ َج َّن ُة َحقٌّ ‪َ ،‬والنَّا ُر َحقٌّ ‪َ ،‬وال َّن ِب ُّيو َن َحقٌّ ‪َ ،‬و ُم َح َّم ٌد ـ صلى‬
‫اع ُة َحقٌّ ‪ ،‬اللَّ ُه َّم لَ َك أَ ْسل َ ْم ُت‪َ ،‬وب َ‬
‫ِك آ َمن ُْت َو َعلَيْ َك تَ َو َّكل ْ ُت‪َ ،‬و ِإلَيْ َك‬ ‫الس َ‬
‫الله عليه وسلم ـ َحقٌّ ‪َ ،‬و َّ‬
‫اغفِ ْر لِى َما َق َّد ْم ُت َو َما أَخَّ ْر ُت‪َ ،‬و َما أَ ْس َر ْر ُت َو َما‬
‫اص ْم ُت‪َ ،‬و ِإلَيْ َك َحا َك ْم ُت ‪َ ،‬ف ْ‬ ‫ِك َخ َ‬ ‫أَنَبْ ُت‪َ ،‬وب َ‬
‫أَ ْعلَن ُْت‪ ،‬أَنْ َت الْ ُم َق ِّد ُم َوأَنْ َت الْ ُم َؤ ِّخ ُر‪ ،‬الَ ِإلَ َه ِإ َّال أَنْ َت ‪ -‬أَ ْو الَ ِإلَ َه َغيْ ُر َك ‪ . 23» -‬وملا كان رسولنا‬
‫الكرمي حريصا على إيصال اخلير ألمته وبذل املعروف لها‪ ،‬فقد أمرنا بكثرة االستغفار‬
‫ودلنا [ على طرق ذلك وصيغه والتي من أجمعها ما رواه عنه الصحابي اجلليل شداد‬
‫ِس ِت ْغ َفارِ أَ ْن تَقُو َل اللَّ ُه َّم أَنْ َت َر ِّبى ‪ ،‬الَ ِإلَ َه ِإ َّال أَنْ َت‪َ ،‬خل َ ْقتَنِى‬
‫ابن أوس ] قال‪َ « :‬س ِّي ُد اال ْ‬
‫صنَ ْع ُت‪ ،‬أَبُوءُ لَ َك‬ ‫ِك مِ ْن َش ِّر َما َ‬‫است ََط ْع ُت‪ ،‬أَ ُعو ُذ ب َ‬
‫َوأَنَا َعبْ ُد َك‪َ ،‬وأَنَا َعلَى َع ْهدِ َك َو َو ْعدِ َك َما ْ‬
‫وب ِإ َّال أَنْ َت » ‪َ .‬قا َل « َ َم ْن َقالَ َها‬ ‫ِك َعل َ َّى َوأَبُوءُ ِب َذنْبِى‪ْ ،‬‬
‫فاغفِ ْر لِى‪َ ،‬ف ِإ َّن ُه الَ يَغْفِ ُر ال ُّذنُ َ‬ ‫ِب ِن ْع َمت َ‬
‫ات مِ ْن يَ ْومِ هِ َقبْ َل أَ ْن يُ ْم ِس َى ‪َ ،‬ف ُه َو مِ ْن أَ ْهلِ الْ َجنَّةِ ‪َ ،‬و َم ْن َقالَ َها‬
‫مِ َن ال َّن َهارِ ُموقِ نًا ِب َها ‪َ ،‬ف َم َ‬

‫‪ )21‬رواه مسلم‬
‫‪ )22‬انظر فتح الباري (‪. )26/81‬‬
‫‪ )23‬رواه البخاري ‪.‬‬
‫الحسنات الماحيات‬ ‫‪12‬‬

‫ص ِب َح ‪َ ،‬ف ْه َو مِ ْن أَ ْهلِ الْ َجنَّةِ »‪ 24‬واالستغفار التام‬ ‫ات َقبْ َل أَ ْن يُ ْ‬


‫مِ َن اللَّيْلِ َو ْه َو ُموقِ ٌن ِب َها ‪َ ،‬ف َم َ‬
‫اح َش ًة أَ ْو‬
‫املوجب للمغفرة هو ما قارن عدم اإلصرار‪ .‬قال جل وعال ‪َ { :‬وا َّلذِ ي َن ِإ َذا َف َعلُوا ْ َف ِ‬
‫وب ِإ َّال اللّ ُه َولَ ْم يُ ِص ُّروا ْ َعلَى‬ ‫َظل َ ُموا ْ أَنْف َُس ُه ْم َذ َك ُروا ْ اللّ َه َف ْ‬
‫استَ ْغ َف ُروا ْ ِل ُذنُوبِهِ ْم َو َمن يَغْفِ ُر ال ُّذنُ َ‬
‫َما َف َعلُوا ْ َو ُه ْم يَ ْعل َ ُمونَ} (‪ )531‬سورة آل عمران‪ ،‬قال أحد السلف‪ :‬من لم يكن ثمرة استغفاره‬
‫تصحيح توبته فهو كاذب في استغفاره‪ .‬وفى ذلك يقول بعضهم ‪:‬‬

‫من لفظة بــــدرت خالفت معناها‬ ‫أستغفـــــــــــر الله من أستغفر الـله‬


‫سددت بالذنب عند الله مجراها‬ ‫وكيف أرجو إجابات الدعاء وقــــد‬
‫*******‬
‫نصوحا‪ ،‬واآليات‬
‫ً‬ ‫فأفضل االستغفار ما قرن به ترك اإلصرار‪ ،‬وهو حينئذ يؤمل توبة‬
‫واألحاديث واآلثار في هذا املعنى كثيرة جدا‪ ،‬وحتتاج إلى مؤلف خاص نحن بصدد إعداده‬
‫قريبا ـ إن شاء الله ـ والله املوفق والهادي إلى سواء الصراط‪ .‬ومما يتصل مبوضوع‬
‫االستغفار مما يكون سببا في محو الذنوب‪ ،‬مغفرة أخطاء الناس والتجاوز عنها‪ :‬فعن‬
‫‪25‬‬
‫جرير] قال‪ :‬قال رسول الله [‪" :‬من ال يرحم ال يرحم ومن ال يغفر ال يغفر له"‬
‫‪ .‬وعن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي [ قال ‪« :‬ارحموا‬
‫ترحموا واغفروا يغفر الله لكم ‪ .‬ويل ألقماع القول‪ ،‬ويل للمصرين الذين يصرون على ما‬
‫فعلوا وهم يعلمون»‪. 26‬‬

‫ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم‬

‫‪ )24‬رواه البخاري‬
‫‪ )25‬رواه أحمد‪ ،‬وصححه األلباني ‪.‬‬
‫‪ )26‬رواه البخاري في األدب املفرد‪ ،‬وصححه األلباني ‪ .‬قوله ‪« :‬ويل ألقماع القول « قال صاحب الغريب‪ :‬هم الذين‬
‫يسمعون احلق وال يعملون به‪ ،‬شبههم بالقمع الذي تفرغ فيه أنواع األشياء‪ ،‬وال يثبت فيه شيء‪.‬‬
‫‪13‬‬ ‫الحسنات الماحيات‬

‫عمل الحسنة بعد السيئة‬

‫إن عمل احلسنة بعد السيئة ال يعدو أن يكون محض منة وفضل من الله تعالى على‬
‫عبده املسيئ‪ ،‬فلوال توفيق الله له ملا قدر على االهتداء إلى ذلك األمر املاحى لسيئته‬
‫التي اقترفها‪ ،‬وعلى العبد إذا ما وجد نفسه مهتديا وموفقا إلى هذه اخلصلة العظيمة‬
‫من خصال اخلير أن يبادر إلى شكر املنعم ـ سبحانه ـ فالشكر سبيل االستكثار من النعم‬
‫ودميومتها‪ ،‬قال تعالى‪َ { :‬و ِإ ْذ تَ َأ َّذ َن َر ُّب ُك ْم لَئِن َش َك ْرتُ ْم ألَزِ ي َد َّن ُك ْم َولَئِن َك َف ْرتُ ْم إ َِّن َع َذابِي‬
‫لَ َشدِ ي ٌد} (‪ )7‬سورة إبراهيم‪ ،‬بنا ًء على ما تقدم فإن العبد الناصح لنفسه الراجي مرضاة‬
‫ربه إذا ما رأى من نفسه ولعا مبعصية ما‪ ،‬وعجزا عن تركها فعليه أن يبادر إلى حسنة‬
‫أن الواجب عليه ـ يعني‪:‬‬
‫متيل إليها نفسه وال تستثقلها ‪ ،‬قال الغزالي‪ ،‬رحمه الله ‪( :‬اعلم ّ‬
‫صاحب املعصية ـ التّوبة والنّدم واالشتغال بالتّفكير بحسنة تضا ّده‪ ،‬فإن لم تساعده‬
‫النّفس على العزم على التّرك لغلبة ّ‬
‫الشهوة‪ ،‬فقد عجز عن أحد الواجبني فال ينبغي أن‬
‫ممن خلط عم ً‬
‫ال‬ ‫يترك الواجب ال ّثاني‪ :‬وهو أن يدرأ باحلسنة ّ‬
‫الس ّيئة ليمحوها فيكون ّ‬
‫صال ًِحا‬ ‫اعتَ َر ُفوا ْ ِب ُذنُوبِهِ ْم َخل َ ُطوا ْ َع َم ً‬
‫ال َ‬ ‫صاحلاً وآخر س ّيئاً ‪ .27)...‬قال تعالى ‪َ { :‬و َ‬
‫آخ ُرو َن ْ‬
‫ُوب َعلَيْهِ ْم إ َِّن اللّ َه َغفُو ٌر َّر ِحي ٌم} (‪ )201‬سورة التوبة‪ ،‬وقال جل‬ ‫آخ َر َس ِّي ًئا َع َسى اللّ ُه أَن يَت َ‬
‫َو َ‬
‫الةَ َوأَن َفقُوا ْ مِ َّما َر َز ْقنَا ُه ْم ِس ًّرا‬
‫الص َ‬ ‫ص َب ُروا ْ ابْ ِتغَاء َو ْجهِ َر ِّبهِ ْم َوأَ َقا ُموا ْ َّ‬ ‫شأنه‪َ { :‬وا َّلذِ ي َن َ‬
‫الدارِ } (‪ )22‬سورة الرعد‪ ،‬وقال عز‬ ‫ِك لَ ُه ْم ُع ْق َبى َّ‬ ‫الس ِّيئَ َة أ ُ ْولَئ َ‬ ‫َو َع َ‬
‫ال ِن َي ًة َويَ ْد َر ُؤو َن بِالْ َح َسنَةِ َّ‬
‫الس ِّيئَ َة َومِ َّما َر َز ْقنَا ُه ْم‬ ‫ِك يُ ْؤتَ ْو َن أَ ْج َر ُهم َّم َّرتَيْنِ ِب َما َ‬
‫ص َب ُروا َويَ ْد َر ُؤو َن بِالْ َح َسنَةِ َّ‬ ‫وجل‪{ :‬أ ُ ْولَئ َ‬
‫الس ّيئة احلسنة‬ ‫ّبي [ ملعاذ حني أوصاه ‪« :‬وأتبع ّ‬ ‫يُنفِ قُونَ} (‪ )45‬سورة القصص‪ .‬وقال الن ّ‬
‫وع ْن أَبِى ُه َريْ َرةَ ] َقا َل‪َ :‬قا َل ال َّنب ُِّى [‪ « :‬بَيْنَ َما َكل ْ ٌب يُ ِط ُ‬
‫يف ِب َركِ َّي ٍة َكا َد يَ ْقتُل ُ ُه‬ ‫متحها»‪َ .28‬‬
‫ش‪ِ ،‬إ ْذ َرأَتْ ُه بَغِ ٌّى مِ ْن بَغَايَا بَنِى إ ْ‬
‫ِس َرائِي َل‪َ ،‬فنَز ََع ْت ُمو َق َها َف َس َقتْهُ‪َ ،‬فغُفِ َر لَ َها ِبهِ »‪ ،29‬وعنه‬ ‫الْ َع َط ُ‬

‫الدين ‪ 192 / 4‬ـ‪ 292‬بتص ّرف ‪.‬‬


‫‪ )27‬إحياء علوم ّ‬
‫‪ )28‬رواه الترمذي وغيره‪ ،‬وقال‪ :‬هذا حديث حسن صحيح ‪.‬‬
‫‪ )29‬متفق عليه ‪ .‬والركية ‪ :‬البئر‪ ،‬واملوق‪ :‬اخلف ‪.‬‬
‫الحسنات الماحيات‬ ‫‪14‬‬

‫ص َن َش ْو ٍك َعلَى َّ‬
‫الطرِ يقِ‬ ‫] أَ َّن َر ُسو َل اللَّهِ [ َقا َل‪ « :‬بَيْنَ َما َر ُج ٌل يَ ْم ِشى ب َ‬
‫ِطرِ ٍيق َو َج َد ُغ ْ‬
‫أخَّ َرهُ‪َ ،‬ف َش َك َر اللَّ ُه لَهُ‪َ ،‬ف َغ َف َر لَ ُه »‪ .30‬قال احلافظ في الفتح‪ :‬وفيه أن قليل اخلير يحصل‬
‫به كثير األجر‪.31‬‬

‫أن الله كتبه عليك ؟ قال‬


‫فعلمت َّ‬
‫َ‬ ‫لرجل ‪ :‬هل أذنبت ذنباً ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫وقال بعضهم‬
‫أن الله قد محاه‪. 32‬‬
‫‪ :‬نعم ‪ ،‬قال ‪ :‬فاعمل حتّى تعل َم َّ‬

‫ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم‬

‫‪ )30‬متفق عليه ‪.‬‬


‫‪ )31‬فتح الباري(‪. )204/7‬‬
‫‪ )32‬انظر جامع العلوم واحلكم ‪.‬‬
‫‪15‬‬ ‫الحسنات الماحيات‬

‫الوضــــوء‬

‫إن مما امتازت به أمة اإلسالم عن غيرها من األمم الطهارةَ والنظاف َة‪ ،‬وبلغ من‬
‫اهتمام اإلسالم بها أن جعلها نصف اإلميان‪ ،‬يقول أبو مالك األشعري‪ :‬قال رسول الله‬
‫[ ‪« :‬الطهور شطر اإلميان‪.33»...‬‬
‫والوضوء طهارة وهو أيضا فريضة الزمة على كل مسلم‪ ،‬يقول الله تعالى في سورة املائدة‪:‬‬
‫وه ُك ْم َوأَيْدِ يَ ُك ْم ِإلَى الْ َم َرافِ قِ َوا ْم َس ُحوا‬
‫اغ ِسلُوا ُو ُج َ‬ ‫يَا أَ ُّي َها ا َّلذِ ي َن آ َمنُوا ِإ َذا ُق ْمتُ ْم ِإلَى َّ‬
‫الصال ِة َف ْ‬
‫وس ُك ْم َوأَ ْر ُجل َ ُك ْم ِإلَى الْ َك ْع َبيْنِ‬
‫(املائدة‪.)6:‬‬ ‫ِب ُرءُ ِ‬
‫وقد شرع الوضوء ألمور كثيرة ومن أعظم ما ُشرع له الوضوء الصالة‪ ،‬يقول الرسول ‪( :‬ال‬
‫يقبل الله صال ًة بغير طهور)‪ ،34‬وروى البخاري ومسلم ً‬
‫أيضا أن النبي [ قال‪( :‬ال يقبل الله‬
‫صالة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)‪.‬‬
‫ومن أعظم ما يفيد املسلم من الوضوء أنه يغسل ذنوبه ويكفر خطاياه‪ ،‬فعن أبي هريرة‬
‫] أن رسول الله قال‪( :‬إذا توضأ العبد املسلم ـ أو املؤمن ـ فغسل وجهه خرج من وجهه‬
‫ٍ‬
‫خطيئة نظر إليها بعينه مع املاء أو مع آخر قطر املاء‪ ،‬فإذا غسل يديه خرج من يديه كل‬ ‫كل‬
‫خطيئة كان بطشتها يداه مع املاء أو مع آخر قطر املاء‪ ،‬فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة‬
‫مشتها رجاله مع املاء أو مع آخر قطر املاء‪ ،‬حتى يخرج نق ًيا من الذنوب)‪ ،‬وروى مسلم ـ‬
‫ً‬
‫أيضاـ أن الرسول [ قال‪( :‬من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى‬
‫تخرج من حتت أظفاره) ومما يتصل بهذا املوضوع أيضا‪:‬‬

‫ •إسباغ الوضوء ‪َ :‬ع ْن أَبِى ُه َريْ َرةَ أَ َّن َر ُسو َل اللَّهِ [ َقا َل « أَالَ أَ ُدلُّ ُك ْم َعلَى َما يَ ْم ُحو‬

‫‪ )33‬رواه مسلم ‪.‬‬


‫‪ )34‬رواه مسلم ‪.‬‬
‫الحسنات الماحيات‬ ‫‪16‬‬

‫ات »‪َ .‬قالُوا بَلَى يَا َر ُسو َل اللَّهِ ‪َ .‬قا َل « إ ْ‬


‫ِس َبا ُغ‬ ‫اللَّ ُه ِبهِ الْ َخ َطايَا َويَ ْر َف ُع ِبهِ َّ‬
‫الد َر َج ِ‬
‫الص َ‬
‫ال ِة‬ ‫الص َ‬
‫ال ِة بَ ْع َد َّ‬ ‫ِظا ُر َّ‬ ‫اجدِ َوانْت َ‬
‫ضوءِ َعلَى الْ َم َكارِ ِه َو َكثْ َرةُ الْخُ َطا ِإلَى الْ َم َس ِ‬
‫الْ ُو ُ‬
‫َف َذ ِل ُك ُم ال ِّربَ ُ‬
‫اط »‪.35‬‬

‫ •اإلتيان بالوضوء والصالة كما ينبغي‪ :‬عن عثمان ] قال سمعت رسول الله [‬
‫يقول‪" :‬ما من امرئ يتوضأ فيحسن وضوءه ثم يصلي الصالة إال غفر له ما بينه‬
‫وبني الصالة األخرى حتى يصليها"‪. 36‬‬

‫ •الطهارة والصالة واالستغفار بعد الذنوب‪ :‬فعن أسماء بن احلكم الفزاري قال‪:‬‬
‫سمعت عليا ] يقول‪ :‬إني كنت رجال إذا سمعت من رسول الله [ حديثا‬
‫نفعني الله منه مبا شاء أن ينفعني وإذا حدثني رجل من أصحابه استحلفته ‪ ،‬فإذا‬
‫حلف لي صدقته‪ ،‬وإنه حدثني أبو بكر ـ وصدق أبوبكرـ قال‪ :‬سمعت رسول الله‬
‫[ يقول‪" :‬ما من رجل يذنب ذنبا‪ ،‬ثم يقوم‪ ،‬فيتطهر‪ ،‬ثم يصلي‪ ،‬ثم يستغفر الله‬
‫إال غفر له‪ ،‬ثم قرأ هذه اآلية {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا‬
‫الله} إلى آخر اآلية"‪.37‬‬

‫ •املشي إلى الصالة على وضوء ‪ :‬عن حمران مولى عثمان عن عثمان ‪-‬رضي الله‬
‫عنهما‪ -‬انه قال سمعت رسول الله [ يقول‪" :‬من توضأ فاسبغ الوضوء‪ ،‬ثم مشى‬
‫إلى صالة مكتوبة فصالها غفر له ذنبه"‪.38‬‬

‫‪ )35‬رواه مسلم‪ ،‬و املكاره جمع مكره‪ ،‬وهو ما يكرهه اإلنسان ويشق عليه‪ ،‬واملعنى‪ :‬أن يتوضأ مع البرد الشديد والعلل‬
‫التي يتأذى معها مبس املاء‪ ،‬والله أعلم ‪.‬‬
‫‪ )36‬رواه النسائي‪ ،‬وصححه األلباني ‪.‬‬
‫‪ )37‬رواه الترمذي‪ ،‬وصححه األلباني ‪.‬‬
‫‪ )38‬رواه أحمد‪ ،‬وصححه األرنؤوط ‪.‬‬
‫‪17‬‬ ‫الحسنات الماحيات‬

‫عبد الله ‪ ...‬أمة الله ! إن للقيامة أحواال يشيب من هولها الولدان ويتناكر اخلالن‬
‫ويصير احلليم حيران‪ ،‬وما أحوجنا في هذا اليوم شديد الزحام إلى من يتعرف علينا‬
‫ويشفع لنا عند ربنا بإذنه‪ ،‬عز وجل‪ ،‬ذلكم هو النبي الكرمي محمد [ فنؤنس به‬
‫وحشتنا‪،‬‬
‫اعلموا ـ رحمكم الله ـ أن من فضل الله علينا ورحمته بنا ـ نحن أمة اإلسالم ـ أن جعل‬
‫لنا عالمة يتعرف من خاللها رسول الله علينا أال وهي نور في جباهنا ومرافقنا من‬
‫آثار الوضو‪ ،‬فعن أبي حازم قال‪ :‬كنت خلف أبي هريرة ] وهو يتوضأ للصالة فكان‬
‫ميد يده حتى يبلغ إبطه‪ ،‬فقلت له‪ :‬يا أبا هريرة‪ ،‬ما هذا الوضوء؟ فقال‪ :‬يا بني ف ّروخ‪،‬‬
‫أنتم ها هنا؟! لو علمت أنكم ها هنا ما توضأت هذا الوضوء‪ ،‬سمعت خليلي يقول‪:‬‬
‫(تبلغ احللية من املؤمن حيث يبلغ الوضوء)‪ ،39‬وعن أبي الدرداء ] قال‪ :‬قال رسول‬
‫الله [ ‪( :‬أنا أول من يؤذن له بالسجود يوم القيامة‪ ،‬وأنا أول من يؤذن له أن يرفع‬
‫رأسه‪ ،‬فأنظر إلى ما بني يدي‪ ،‬فأعرف أمتي من بني األمم‪ ،‬ومن خلفي مثل ذلك‪،‬‬
‫وعن مييني مثل ذلك‪ ،‬وعن شمالي مثل ذلك)‪ ،‬فقال رجل‪ :‬يا رسول‪ ،‬كيف تعرف أمتك‬
‫محجلون من أثر الوضوء‪ ،‬ليس‬
‫َّ‬ ‫من بني األمم فيما بني نوح إلى أمتك؟! قال‪( :‬هم غر‬
‫أحد كذلك غيرهم‪ ،‬وأعرفهم أنهم يؤتَون كتبهم بأميانهم‪ ،‬وأعرفهم تس َعى بني أيديهم‬
‫ذ ّر َّيتهم) رواه اإلمام أحمد وأصله في الصحيحني‪.‬‬

‫ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم‬

‫‪ )39‬رواه مسلم ‪.‬‬


‫الحسنات الماحيات‬ ‫‪18‬‬

‫األذان‬

‫قال القاضي عياض ـ رحمه الله ـ ‪ :‬اعلم أن األذان كلمة جامعة لعقيدة اإلميان‪ ،‬مشتملة على‬
‫نوعيه من العقليات والسمعيات‪ ،‬فأوله إثبات الذات‪ ،‬وما يستحقه من الكمال والتنزيه عن‬
‫أضدادها وذلك بقوله ‪ ( :‬الله أكبر ) ‪ ،‬كما أن األذان فيه تصريح بإثبات الوحدانية ونفي‬
‫ضدها من الشركة املستحيلة في حقه سبحانه وتعالى ‪ ،‬وفيه التصريح بإثبات النبوة والشهادة‬
‫بالرسالة لنبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم فيه الدعاء إلى ما دعاهم إليه من العبادات فدعاهم‬
‫إلى الصالة وجاء بها بعد إثبات النبوة؛ ألن معرفة وجوبها من جهة النبي ـ صلى الله عليه‬
‫وسلم ـ ال من جهة العقل‪ ،‬ثم دعا إلى الفالح وهو الفوز والبقاء في النعيم املقيم‪ ،‬وفيه إشعار‬
‫بأمور اآلخرة من البعث واجلزاء‪ ،‬وهي آخر تراجم عقائد اإلسالم‪ ،‬ثم كرر ذلك بإقامة الصالة‬
‫لإلعالم بالشروع فيها‪ ،‬وهو متضمن لتأكيد اإلميان وتكرار ذكره عند الشروع في العبادة‬
‫بالقلب واللسان‪ ،‬وليدخل املصلي فيها على بينة من أمره وبصيرة من إميانه‪ ،‬ويستشعر عظيم‬
‫ما دخل فيه وعظمة حق من يعبده‪ ،‬وجزيل ثوابه‪ .40‬وقد جاء في فضل األذان آثار نقتصر هنا‬
‫على ما كان منها موضحا ألثر األذان في محو الذنوب وتكفيرها ‪ :‬فعن أبي هريرة ] سمعه‬
‫من فم رسول الله [ يقول‪" :‬املؤذن يغفر له مبد صوته ويشهد له كل رطب ويابس"‪ 41‬قال ابن‬
‫األثير في النهاية في غريب احلديث واألثر‪ :‬امل َ ّد‪ :‬ال َق ْد ُر‪ ،‬يريد به َق ْدر الذنوب‪ :‬أي يُ ْغفَر له ذلك‬
‫لس َعة املَغْفِ رة‪ ،‬وقال اخلطابي ـ رحمه الله ـ ‪ « :‬مدى الشيء‬
‫ص ْوته‪ ،‬وهو متثيل َ‬
‫إلى ُمنْتَهى َم ّد َ‬
‫‪ :‬غايته ‪ ،‬واملعنى أنه يستكمل مغفرة الله تعالى إذا استوفى ُوسعه في رفع الصوت ‪ ،‬فيبلغ‬
‫الغاية من املغفرة إذا بلغ الغاية من الصوت «‪ . 42‬قال العالمة الشوكاني ـ رحمه الله ـ ‪ :‬احلديث‬
‫يدل على استحباب مد الصوت في األذان لكونه سببا للمغفرة وشهادة املوجودات‪ ،‬وألنه أمر‬

‫‪ )40‬انظر شرح النووي على مسلم (‪. )111/2‬‬


‫‪ )41‬رواه النسائي‪ ،‬وصححه األلباني ‪.‬‬
‫‪ )42‬انظر معالم السنن (‪. )182/1‬‬
‫‪19‬‬ ‫الحسنات الماحيات‬

‫باجمليء إلى الصالة فكل ما كان أدعى إلسماع املأمومني بذلك كان أولى ‪.‬‬
‫ـ إجابة املؤذن‪ :‬فعن عمر بن اخلطاب ] قال ‪ :‬قال رسول الله [ ‪ :‬إذا قال املؤذن‪ :‬الله أكبر‬
‫‪ .‬الله أكبر‪ ،‬فقال أحدكم‪ :‬الله أكبر ‪ .‬الله أكبر‪ ،‬ثم قال‪ :‬أشهد أن ال إله إال الله ‪ .‬قال‪ :‬أشهد أن‬
‫ال إله إال الله‪ ،‬ثم قال‪ :‬أشهد أن محمدا رسول الله‪ ،‬قال‪ :‬أشهد أن محمدا رسول الله‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫حي على الصالة ‪ .‬قال‪ :‬ال حول وال قوة إال بالله‪ ،‬ثم قال‪ :‬حي على الفالح ‪ .‬قال‪ :‬ال حول وال قوة‬
‫إال بالله‪ ،‬ثم قال‪ :‬الله أكبر ‪ .‬الله أكبر ‪ .‬قال ‪ :‬الله أكبر ‪ .‬الله أكبر‪ ،‬ثم قال‪ :‬ال إله إال الله ‪ .‬قال‪:‬‬
‫ال إله إال الله من قلبه ‪ -‬دخل اجلنة»‪ 43‬قال القاضي عياض رحمه الله ‪ :‬قوله [ ‪ « :‬إذا قال‬
‫املؤذن الله أكبر الله أكبر فقال أحدكم الله أكبر الله أكبر إلى آخره ثم قال في آخره « من قلبه‬
‫دخل اجلنة إمنا كان كذلك ألن ذلك توحيد ‪ ،‬وثناء على الله تعالى ‪ ،‬وانقياد لطاعته ‪ ،‬وتفويض‬
‫إليه لقوله ال حول وال قوة إال بالله فمن حصل هذا فقد حاز حقيقة اإلميان وكمال اإلسالم‬
‫‪ ،‬واستحق اجلنة بفضل الله تعالى‪ ،‬وهذا معنى قوله في الرواية األخرى ( رضيت بالله ربا ‪،‬‬
‫ومبحمد رسوال ‪ ،‬وباإلسالم دينا )‪ ،44‬وهو هنا يشير إلى حديث سعد بن أبي وقاص ] عن‬
‫رسول الله [ أنه قال‪" :‬من قال حني يسمع املؤذن ‪ :‬أشهد أن ال إله إال الله وحده ال شريك‬
‫له وأن محمدا عبده ورسوله رضيت بالله ربا ومبحمد رسوال وباإلسالم دينا غفر له ذنبه"‬
‫‪45‬‬

‫‪.‬وعن عقبة بن عامر ] قال ‪ :‬سمعت رسول الله [ يقول ‪ « :‬يعجب ربك من راعي غنم في‬
‫رأس شظ ّية للجبل ‪ ،‬يُؤذن بالصالة ‪ ،‬ويصلي ‪ ،‬فيقول الله ـ عز وجل ـ ‪ :‬انظروا إلى عبدي هذا‬
‫يُؤذن ويقيم الصالة يخاف مني ‪ ،‬قد غفرت لعبدي ‪ ،‬وأدخلته اجلنة»‪. 46‬‬

‫ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم‬

‫‪ )43‬رواه مسلم ‪.‬‬


‫‪ )44‬انظر شرح النووي على مسلم (‪. )111/2‬‬
‫‪ )45‬رواه مسلم ‪.‬‬
‫‪ )46‬رواه أبو داود والنسائي‪ ،‬وصححه األلباني ‪ .‬والشظية ‪ :‬القطعة من اجلبل ولم تنفصل عنه ‪.‬‬
‫الحسنات الماحيات‬ ‫‪20‬‬

‫الصــــالة‬
‫أخي الكرمي ‪ :‬إن من املنح اجلليلة‪ ،‬والعطايا والهبات اجلميلة التي خص الله ـ تعالى ـ‬
‫بها أمة املعصوم محمد [ اإلذن بلقائه خمس مرات في اليوم والليلة‪ ،‬فضال عن أوقات‬
‫أخرى يَ ْش ُرف العبد فيها بلقاء مواله‪ ،‬فيما يعرف بالنوافل‪ ،‬وأنا هناأريد أن أسأل نفسي‬
‫كما أريدكم أن تسألوا أنفسكم أنفسكم كذلك ‪ :‬ماذا لو أن ذا شأن على هذه األرض أذن لنا‬
‫بلقائه والسالم عليه ولو ملرة واحدة في العمر؟ ال يجادل أحد في أن ذلك سيُعد من املفاخر‬
‫العظام واملآثر اجلسام التي يتيه بها صاحبها على من دونه ممن لم يحظ مبثل ما حظي‬
‫هو به‪ ،‬ولن يزال يعيش ذكريات هذه اللحظات وهو ممنت شاكر لذي الشأن هذا الذي أتاح‬
‫له فرصة العمر تلك! عبد الله ‪...‬أمة الله !!! إنه ال مير على واحد منا ـ ممن تصح صالته‬
‫ـ يوم وليلة إال ويلتقي خمس مرات أو يزيد بربه ومواله الذي خلق وبرأ وذرأ والذي يحي‬
‫ومييت والذي بيده مقاليد كل شيئ وإليه مرد كل شيئ‪ ،‬ثم إن هذا اللقاء الذي يحصل بينك‬
‫ـ أيها العبد الضعيف ـ وبني الله القوي القاهر املقتدر ال يقتصر على مجرد لقاء أجوف‬
‫جامد‪ ،‬بل هو لقاء مفعم بالرحمات‪ ،‬مملوء باملنن والعطايا‪ ،‬ممهور برفعة الدرجات وحط‬
‫الذنوب واخلطايا‪ ،‬ف َع ْن أَبِى ُعثْ َما َن ال َّن ْهدِ ِّى َقا َل‪ُ :‬كنَّا َم َع َسل ْ َما َن ت َْح َت َش َج َرةٍ ‪َ ،‬ف َأ َخ َذ ُغ ْ‬
‫صناً‬
‫صنَ ْع ُت؟ َف ُقلْنَا‪ :‬أَخْ ِب ْرنَا‪َ .‬فقَا َل‪ُ :‬كنَّا‬
‫َضهُ‪َ ،‬فت ََسا َق َط َو َر ُقهُ‪َ ،‬فقَا َل‪ :‬أَالَ ت َْس َألُونِى َع َّما َ‬
‫مِ نْ َها‪َ ،‬فنَف َ‬
‫َضهُ‪َ ،‬فت ََسا َق َط َو َر ُقهُ‪َ ،‬فقَا َل ‪« :‬‬ ‫َم َع َر ُسولِ اللَّهِ [ فِ ى ِظ ِّل َش َج َرةٍ ‪َ ،‬ف َأ َخ َذ ُغ ْ‬
‫صناً مِ نْ َها‪َ ،‬فنَف َ‬
‫صنَ ْع ُت ؟»‪َ .‬ف ُقلْنَا‪ :‬أَخْ ِب ْرنَا يَا َر ُسو َل اللَّهِ ‪َ .‬فقَا َل‪ « :‬إ َِّن الْ َعبْ َد الْ ُم ْس ِل َم ِإ َذا َقا َم‬ ‫أَالَ ت َْس َألُونِى َع َّما َ‬
‫وعنِ ابْنِ َم ْس ُع ٍود ]‬ ‫الش َج َر ِة »‪َ .47‬‬ ‫ات َو َر ُق َهذِ ِه َّ‬ ‫ال ِة ت ََحات َّْت َعنْ ُه َخ َطايَاهُ َك َما ت ََح َّ‬‫الص َ‬‫ِإلَى َّ‬
‫الةَ َط َر َف ِي‬‫الص َ‬ ‫اب مِ َن ا ْم َرأَةٍ ُقبْل َ ًة ‪َ ،‬ف َأتَى ال َّنب َِّى [ َف َأخْ َب َرهُ ‪َ ،‬ف َأنْ َز َل اللَّ ُه { َوأَقِ ِم َّ‬
‫ص َ‬‫ال أَ َ‬
‫أَ َّن َر ُج ً‬
‫ات َذل َ‬
‫ِك ذِ ْك َرى ل َّ‬
‫ِلذاكِ رِ ي َن } (‪ )411‬سورة هود‪.‬‬ ‫الس ِّيئَ ِ‬ ‫إ َِّن الْ َح َسن ِ‬
‫َات يُ ْذ ِهبْ َن َّ‬ ‫ال َّن َهارِ َو ُزلَ ًفا ِّم َن اللَّيْلِ‬
‫يع أ ُ َّمتِى ُكلِّهِ ْم»‪. 48‬‬ ‫َفقَا َل ال َّر ُج ُل‪ :‬يَا َر ُسو َل اللَّهِ ‪ .‬أَلِى َه َذا؟ َقا َل‪ « :‬ل َ‬
‫ِجمِ ِ‬

‫‪ )47‬رواه أحمد في املسند ‪.‬‬


‫‪ )48‬متفق عليه‪ ،‬واللفظ للبخاري ‪.‬‬
‫‪21‬‬ ‫الحسنات الماحيات‬

‫ •الصلوات اخلمس‬

‫اب أَ َحدِ ُك ْم‪ ،‬يَ ْغت َِس ُل‬


‫َع ْن أَبِى ُه َريْ َرةَ ] أَ َّن ُه َسمِ َع َر ُسو َل اللَّهِ [ يَقُو ُل « أَ َرأَيْتُ ْم لَ ْو أَ َّن نَ َه ًرا ِب َب ِ‬
‫ِك يُبْقِ ى مِ ْن َد َرنِهِ ؟ » ‪َ .‬قالُوا‪ :‬الَ يُبْقِ ى مِ ْن َد َرنِهِ َشيْ ًئا ‪َ .‬قا َل‪« :‬‬ ‫فِ يهِ ُك َّل يَ ْو ٍم َخ ْم ًسا‪َ ،‬ما تَقُو ُل َذل َ‬
‫ات الْ َخ ْم ِس‪ ،‬يَ ْم ُحو اللَّ ُه ِب َها الْ َخ َطايَا »‪َ َ . 49‬قا َل ِابْن الْ َع َرب ِِّي ‪َ :‬و ْجه ال َّت ْمثِيل‬
‫الصل َ َو ِ‬‫ِك مِ ثْ ُل َّ‬ ‫َف َذل َ‬
‫ِالَ ْق َذارِ الْ َم ْح ُس َ‬
‫وسةِ فِ ي بَ َدنِهِ َو ِث َيا ِبهِ َويُ َط ِّه ُرهُ الْ َماءُ الْ َكثِير‪َ ،‬ف َك َذل َ‬
‫ِك‬ ‫س ب أْ‬‫أَ َّن الْ َم ْر َء َك َما يَتَ َد َّن ُ‬
‫الصل َ َوات ت َُط ِّه ُر الْ َعبْد َع ْن أَ ْق َذار ال ُّذنُوب َحتَّى اَل تُبْقِ ي لَ ُه َذنْ ًبا إ اَِّل أَ ْسق ََطتْهُ‪ِ .‬انْتَ َهى‪. 50‬‬‫َّ‬
‫س‪َ ،‬والْ ُج ُم َع ُة ِإلَى‬ ‫ات الْ َخ ْم ُ‬‫«الصل َ َو ُ‬
‫َّ‬ ‫وع ْن أَبِى ُه َريْ َرةَ ] أَ َّن َر ُسو َل اللَّهِ [ َكا َن يَقُو ُل‪:‬‬ ‫َ‬
‫اجتَن ََب الْ َك َبا ِئ َر» ‪ .‬وعنه ] قال‪:‬‬
‫‪51‬‬
‫ضانَ‪ُ ،‬م َك ِّف َر ٌ‬
‫ات َما بَيْنَ ُه َّن ِإ َذا ْ‬ ‫ضا ُن ِإلَى َر َم َ‬ ‫الْ ُج ُم َعةِ ‪َ ،‬و َر َم َ‬
‫قال رسول الله [‪« :‬صالة الرجل في اجلماعة تضعف على صالته في بيته وفي سوقه‬
‫خمسة وعشرين ضعفا‪ ،‬وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى املسجد ال يخرجه‬
‫إال الصالة لم يخط خطوة إال رفعت له بها درجة‪ ،‬وحط عنه بها خطيئة‪ ،‬فإذا صلى لم تزل‬
‫املالئكة تصلي عليه ما دام في مصاله‪ :‬اللهم صل عليه اللهم ارحمه ‪ .‬وال يزال أحدكم في‬
‫صالة ما انتظر الصالة )‪.52‬‬
‫وعن عثمان ] قال ‪َ :‬قا َل رسول الله [ ‪َ « :‬ما مِ ْن ُم ْسل ٍِم يَت ََط َّه ُر َفيُ ِت ُّم ُّ‬
‫الط ُهو َر ا َّلذِ ى َكت ََب‬
‫س ِإ َّال َكانَ ْت َكفَّا َر ٍات ِل َما بَيْنَ َها »‪.53‬‬ ‫صلِّى َهذِ ِه َّ‬
‫الصل َ َو ِ‬
‫ات الْ َخ ْم َ‬ ‫اللَّ ُه َعلَيْهِ َفيُ َ‬
‫الةٍ ت َُح ُّط َما بَيْ َن يَ َديْ َها‬‫ص َ‬ ‫صارِ َّى ] أَ َّن ال َّنب َِّى [ َكا َن يَقُو ُل « إ َِّن ُك َّل َ‬ ‫وب األَنْ َ‬
‫وعن أبي أَ ُّي َ‬
‫مِ ْن َخ ِطيئَ ٍة »‪.54‬‬

‫‪ )49‬متفق عليه‬
‫‪ )50‬انظر فتح الباري (‪. )692/2‬‬
‫‪ )51‬رواه مسلم ‪.‬‬
‫‪ )52‬متفق عليه ‪.‬‬
‫‪ )53‬رواه مسلم ‪.‬‬
‫‪ )54‬رواه أحمد وإسناده حسن ‪.‬‬
‫الحسنات الماحيات‬ ‫‪22‬‬

‫واعلم ـ أخي الكرمي ـ أن هذه امليزة ال تختص بها الصلوات املكتوبات فقط بل يشركها في‬
‫ذلك بعض النوافل وبعض أعمال الصالة ـ أيضا ـ حيث جعلهن الله ـ تعالى ـ من ماحيات‬
‫الذنوب‪ ،‬ومن ذلك ‪:‬‬
‫ •صالة ركعتني بعد الوضوء‪ :‬فعن عثمان بن عفان ] أنه دعا بإناء فأفرغ على‬
‫كفيه ثالث مرات فغسلهما‪ ،‬ثم أدخل ميينه في اإلناء فمضمض واستنشق‪ ،‬ثم‬
‫غسل وجهه ثالثا ويديه إلى املرافق ثالث مرات‪ ،‬ثم مسح برأسه‪ ،‬ثم غسل رجليه‬
‫ثالث مرات إلى الكعبني‪ ،‬ثم قال‪ :‬قال رسول الله [‪ ":‬من توضأ نحو وضوئي‬
‫هذا ثم صلى ركعتني ال يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه"‪.55‬‬

‫ •ـ انتظار الصالة‪ :‬فعن أبي هريرة ]‪ :‬أن رسول الله [ قال‪" :‬املالئكة تصلي‬
‫على أحدكم ما دام في مصاله الذي صلى فيه‪ ،‬مالم يحدث فيه‪ .‬تقول‪ :‬اللهم‬
‫اغفر له اللهم ارحمه"‪.56‬‬

‫ •ـ شهود صالة اجلماعة ‪ :‬عن أَنَ ِس بْنِ َمال ٍِك ] َقا َل ُكن ُْت ِعنْ َد ال َّنب ِِّى [ َف َجا َءهُ‬
‫صبْ ُت َح ًّدا َف َأقِ ْم ُه َعل َ َّى ‪َ .‬قا َل‪َ :‬ولَ ْم يَ ْس َألْ ُه َعنْ ُه ‪.‬‬‫َر ُج ٌل َفقَا َل‪ :‬يَا َر ُسو َل اللَّهِ ! ِإ ِّنى أَ َ‬
‫الص َ‬
‫الةَ َقا َم ِإلَيْهِ‬ ‫ضى ال َّنب ُِّى [ َّ‬ ‫صلَّى َم َع ال َّنب ِِّى [ َفل َ َّما َق َ‬‫الةُ َف َ‬‫الص َ‬‫ض َر ِت َّ‬ ‫َقا َل‪َ :‬و َح َ‬
‫س‬‫َاب اللَّهِ ‪َ .‬قا َل‪«:‬أَلَيْ َ‬
‫في كِ ت َ‬ ‫صبْ ُت َح ًّدا ‪َ ،‬ف َأقِ ْم َّ‬ ‫ال َّر ُج ُل‪َ ،‬فقَا َل‪ :‬يَا َر ُسو َل اللَّهِ ! ِإ ِّنى أَ َ‬
‫َ ‪57‬‬
‫‪«:‬ح َّدك»‬‫صلَّيْ َت َم َعنَا» ‪َ .‬قا َل‪ :‬نَ َع ْم ‪َ .‬قا َل‪َ « :‬ف ِإ َّن اللَّ َه َق ْد َغ َف َر لَ َك َذنْ َب َك» ‪ .‬أَ ْو َقا َل َ‬
‫َق ْد َ‬
‫‪ .‬وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي [ قال‪« :‬أتاني ربي في أحسن‬

‫‪ )55‬متفق عليه ‪.‬‬


‫‪ )56‬متفق عليه ‪.‬‬
‫‪ )57‬متفق عليه ‪ .‬قال احلافظ في الفتح ‪ :‬وجزم النووي وجماعة أن الذنب الذي فعله كان من الصغائر بدليل أن في بقية‬
‫اخلبر أنه كفرته الصالة بناء على أن الذي تكفره الصالة من الذنوب الصغائر ال الكبائر ‪ ،‬وهذا هو األكثر األغلب ‪ ،‬وقد‬
‫تكفر الصالة بعض الكبائر كمن كثر تطوعه مثال بحيث صلح ألن يكفر عددا كثيرا من الصغائر ولم يكن عليه من الصغائر‬
‫شيء أصال أو شيء يسير وعليه كبيرة واحدة مثال فإنها تكفر عنه ذلك ألن الله ال يضيع أجر من أحسن عمال ا‪.‬هـ ‪.‬‬
‫‪23‬‬ ‫الحسنات الماحيات‬

‫صورة‪ ،‬فقال‪ :‬يا محمد‪ .‬قلت‪ :‬لبيك ربي وسعديك قال‪ :‬فيم يختصم املأل األعلى‬
‫كتفي فوجدت بردها بني ثديي فعلمت ما بني‬
‫ّ‬ ‫؟ قلت‪ :‬ربي ال أدري‪ ،‬فوضع يده بني‬
‫املشرق واملغرب ‪ .‬قال‪ :‬يا محمد فقلت‪ :‬لبيك ربي وسعديك قال‪ :‬فيم يختصم‬
‫املأل األعلى ؟ قلت‪ :‬في الدرجات والكفارات‪ ،‬وفي نقل األقدام إلى اجلماعات‪،‬‬
‫وإسباغ الوضوء في املكروهات‪ ،‬وانتظار الصالة بعد الصالة‪ ،‬ومن يحافظ عليهن‬
‫عاش بخير ومات بخير وكان من ذنوبه كيوم ولدته أمه‪.‬‬
‫‪58‬‬

‫ •ـ قول آمني خلف اإلمام‪ :‬فعن أبي هريرة ] أن رسول الله [ قال‪" :‬إذا أ ّمن‬
‫اإلمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمني املالئكة‪ ،‬غفر له ما تقدم من ذنبه"‪.59‬‬

‫ •قول‪« :‬اللهم ربنا لك احلمد» بعد الرفع من الركوع‪ :‬فعن أبي هريرة ] أن‬
‫الرسول [ قال‪":‬إذا قال اإلمام‪ :‬سمع الله ملن حمده‪ ،‬فقولوا‪ :‬اللهم ربنا لك‬
‫احلمد‪ ،‬فإنه من وافق قوله قول املالئكة غفر له ما تقدم من ذنبه"‪. 60‬‬

‫ •قيام رمضان إمياناً واحتساباً‪ :‬فعن أبي هريرة ] قال‪ :‬سمعت رسول الله [‬
‫يقول لرمضان‪" :‬من قامه إمياناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"‪.61‬‬

‫ • احملافظة على سنن اجلمعة وآدابها ‪ :‬عن سلمان الفارسي ] قال ‪ :‬قال النبي‬
‫[‪" :‬ال يغتسل رجل يوم اجلمعة ويتطهر ما استطاع من طهر ويدهن من دهنه‪ ،‬أو‬
‫ميس من طيب بيته‪ ،‬ثم يخرج فال يفرق بني اثنني‪ ،‬ثم يصلي ما كتب له‪ ،‬ثم ينصت‬

‫‪ )58‬رواه الترمذي وغيره‪ ،‬وصححه األلباني ‪.‬‬


‫‪ )59‬متفق عليه ‪.‬‬
‫‪ )60‬متفق عليه ‪.‬‬
‫‪ )61‬متفق عليه ‪.‬‬
‫الحسنات الماحيات‬ ‫‪24‬‬

‫إذا تكلم اإلمام إال غفر له ما بينه وبني اجلمعة األخرى"‪.62‬‬

‫فحي ـ أخي ـ على الصالة‪ ،‬حي على فالح الدارين‪ ،‬و قرة العينني‪ ،‬أخي ‪ :‬إذا ما داهمتك‬
‫األحزان‪ ،‬ولعبت برأسك الظنون واألوهام‪ ،‬حتى طال سهادك‪ ،‬وغاب رقادك فافزع إلى‬
‫الصالة‪ ،‬وبث شكواك إلى موالك‪ ،‬وانفض عنك ما أتعبك وأضناك ‪ .‬أخي إذا ما انشغل منك‬
‫البال‪ ،‬ودوختك مشاكل املال والعيال‪ ،‬فردد مع املصطفى اخملتار أرحنا بها يا بالل‪.‬‬

‫ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم‬

‫‪ )62‬رواه البخاري ‪ .‬واألحاديث في هذا الباب كثيرة ‪.‬‬


‫‪25‬‬ ‫الحسنات الماحيات‬

‫اإلنفاق في سبيل اهلل‬

‫من أفضل هذه احلسنات املاحيات للذنوب املوبقات اإلنفاق في سبيل الله‪ ،‬وهو عبارة‬
‫ضا‬‫ض اللّ َه َق ْر ً‬
‫عن إخراج املال الطيب في الطاعات‪ . 63‬قال الله تعالى ‪َّ { :‬من َذا ا َّلذِ ي يُ ْقرِ ُ‬
‫تُ ْر َ‬
‫ج ُعونَ} (‪ )542‬سورة البقرة‪،‬‬ ‫ِض َويَبْ ُس ُ‬
‫ط َو ِإلَيْهِ‬ ‫اع َف ُه لَ ُه أَ ْ‬
‫ض َعا ًفا َكثِي َر ًة َواللّ ُه يَ ْقب ُ‬ ‫ض ِ‬ ‫َح َسنًا َفيُ َ‬
‫وقال أيضا ‪َّ { :‬مثَ ُل ا َّلذِ ي َن يُنفِ قُو َن أَ ْم َوالَ ُه ْم فِ ي َسبِيلِ اللّهِ َك َمثَلِ َح َّب ٍة أَن َبت َْت َسبْ َع َسنَا ِب َل فِ ي‬
‫اس ٌع َعلِي ٌم} (‪ )162‬سورة البقرة‪ ،‬فإن كان‬ ‫ف ِل َمن يَ َشاء َواللّ ُه َو ِ‬ ‫اع ُ‬‫ض ِ‬‫ُك ِّل ُسنبُل َ ٍة ِّمئَ ُة َح َّب ٍة َواللّ ُه يُ َ‬
‫العبد ذا مال كثير فلينفق ما استطاع في سبيل الله في ك ّل وجوه الب ّر ا ّلتي يستطيعها ‪،‬‬
‫وإن كان ذا مال يسير فلينفق أيضاً‪ ،‬وقد سئل رسول الله [ ‪ :‬أي الصدقة أفضل؟ قال‬
‫الص َد َق ُة ت ُْطفِ ُئ الْ َخ ِطيئَ َة َك َما يُ ْطفِ ُئ الْ َماءُ النَّا َر»‪ 65‬أَ ْي تُ ْذ ِهبُ َها‬
‫جهد املقل»‪ .64‬وقال [‪َ « :‬و َّ‬
‫َوتَ ْم ُحو أَثَ َر َها ‪ ،‬أَ ْي ِإ َذا َكانَ ْت ُمتَ َعلِّ َق ًة ب َ‬
‫ِحقِّ اللَّهِ تَ َعالَى ‪َ ،‬و ِإ َذا َكانَ ْت مِ ْن ُح ُقوقِ الْعِ َبادِ َفتَ ْد َف ُع ِتل ْ َك‬
‫ضا َع ْن َم ْظ ِل َمتِهِ ‪ ،66‬وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال‪ :‬ـ فرض‬ ‫صمِ هِ ِع َو ً‬ ‫الْ َح َسنَ َة ِإلَى َخ ْ‬
‫رسول الله [ زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث ‪ .‬وطمعة للمساكني ‪ .‬فمن أداها‬
‫قبل الصالة فهي زكاة مقبولة ‪ .‬ومن أداها بعد الصالة فهي صدقة من الصدقات»‪ .67‬وفي‬
‫حديث الْ َحارِ ثَ األَ ْش َعرِ َّى ] أَ َّن ال َّنب َِّى [ َقا َل « إ َِّن اللَّ َه أَ َم َر يَ ْح َيى بْ َن َز َكرِ َّيا ب َ‬
‫ِخ ْم ِس َك ِل َم ٍ‬
‫ات‬
‫ِس َرائِي َل أَ ْن يَ ْع َملُوا ِب َها‪ ....‬وفيه قال ‪َ « :‬وآ ُم ُر ُك ْم ب َّ‬
‫ِالص َد َقةِ َف ِإ َّن َمثَ َل‬ ‫أَ ْن يَ ْع َم َل ِب َها َويَ ْأ ُم َر بَنِى إ ْ‬
‫ضرِ بُوا ُعنُ َق ُه َفقَا َل أَنَا أَفْدِ يهِ‬ ‫ِك َك َمثَلِ َر ُج ٍل أَ َس َرهُ الْ َع ُد ُّو َف َأ ْوثَقُوا يَ َدهُ ِإلَى ُعنُقِ هِ َو َق َّد ُموهُ ِل َي ْ‬ ‫َذل َ‬
‫مِ نْ ُك ْم بِالْ َق ِليلِ َوالْ َك ِثيرِ ‪َ .‬ف َف َدى نَف َْس ُه مِ نْ ُه ْم»‪ ،68‬فإذا كان املال قد خلَّص صاحبه من يد أعدائه‬

‫‪ )63‬انظر دليل الفاحلني لطرق رياض الصاحلني (‪. )415/2‬‬


‫‪ )64‬رواه أبو داود من حديث عبد الله بن حبشي اخلثعمي‪ ،‬وصححه األلباني ‪.‬‬
‫‪ )65‬رواه الترمذي وغيره من حديث كعب بن عجرة‪ ،‬وصححه األلباني ‪.‬‬
‫‪ )66‬انظر حتفة األحوذي (‪)514/6‬‬
‫‪ )67‬واه ابن ماجه وغيره ‪ ،‬وحسنه األلباني ‪.‬‬
‫‪ )68‬رواه الترمذي وقال ‪ :‬حديث حسن صحيح غريب ‪.‬‬
‫الحسنات الماحيات‬ ‫‪26‬‬

‫بعد أن أوشكوا على إهالكه‪ ،‬فباملال ـ أيضا ـ الذي ينفقه العبد في سبيل الله متحى الذنوب‬
‫التي هي ألد أعدائه‪ ،‬وأساس همه وبلوائه ‪.‬‬

‫فال تفوتنك أخي في الله هذه احلسنة العظيمة واعلم ـ رحمني الله وإياك ـ أن هناك آدابا‬
‫ينبغي أن تراعيها عند إنفاقك في سبيل الله حتى تنال األجر كامال غير منقوص وتكون تلك‬
‫النفقة ماحية لذنوبك بإذن الله تعالى‪ .‬وهذه اآلداب ثالثة هي ‪:‬‬

‫ •أن تكون تلك النفقة من طيب مالك‪ ،‬ال من رديئه وال خبيثه ‪.‬‬

‫ •أن يخرجها املنفق طيبة بها نفسه‪ ،‬ثابتة عند بذلها‪ ،‬يبتغي بها مرضاة الله‬
‫تعالى‪.‬‬

‫ •أن ال مين بها وال يؤذي ‪.‬‬

‫ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم‬
‫‪27‬‬ ‫الحسنات الماحيات‬

‫الصـــــــــيام‬

‫‏ هو التعبد لله تعالى باإلمساك عن املفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس‪.‬‬

‫يقول ابن قدامة املقدسي في مختصر منهاج القاصدين ‪:‬إن في الصوم خصيصة‬
‫ليست فى غيره‪ ،‬وهى إضافته إلى الله ـ عز وجل ـ حيث يقول سبحانه ‏‪« :‬الصوم لى‬
‫وأنا أجزى به‏»‏‪ ،69‬وكفى بهذه اإلضافة شرفاً ‪ ،‬كما شرف البيت بإضافته إليه فى قوله ‏‪:‬‏‬
‫{‏ وطهر بيتي‏}‏ (‏احلج‏‪:‬‏ ‪62‬‏) ‏‪.‬‬

‫ثم يقول ‪ :‬وإمنا فضل الصوم ملعنيني‏‪:‬‏ أحدهما‏‪:‬‏ أنه سر وعمل باطن ‪ ،‬ال يراه اخللق وال‬
‫يدخله ريا ‏ء‪.‬‏ الثاني‏ ‏‪ :‬أنه قهر لعدو الله؛ ألن وسيلة العدو الشهوات‪ ،‬وإمنا تقوى الشهوات‬
‫باألكل والشرب‪ ،‬وما دامت أرض الشهوات مخصبة‪ ،‬فالشياطني يترددون الى ذلك املرعى‪،‬‬
‫وبترك الشهوات تضيق عليهم املسالك ‏‪.‬‏ وفى الصوم أخبار كثيرة تدل على فضله وهى‬
‫مشهورة‏‪.‬‏‬

‫وهو من احلسنات العظيمات في رفع الدرجات ومحو الذنوب والسيئات‪ ،‬ف َع ْن أَبِى‬
‫صا َم يَ ْو ًما فِ ى َسبِيلِ اللَّهِ بَ َّع َد اللَّ ُه َو ْج َه ُه َعنِ‬
‫َسعِ ٍيد] َقا َل َسمِ ْع ُت ال َّنب َِّى [ يَقُو ُل « َم ْن َ‬
‫‪70‬‬
‫ني َخرِ ي ًفا »‬
‫النَّارِ َسبْعِ َ‬
‫وعن أبي هريرة ] أن رسول الله [ كان يقول ‪« :‬الصلوات اخلمس واجلمعة إلى اجلمعة‬
‫ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر»‪ . 71‬وعنه ]‪ :‬عن النبي [‬
‫قال‪" :‬من صام رمضان إميانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه‪ ،‬ومن قام ليلة القدر إميانا‬

‫‪ )69‬متفق عليه ‪.‬‬


‫‪ )70‬رواه البخاري ‪.‬‬
‫‪ )71‬رواه مسلم ‪.‬‬
‫الحسنات الماحيات‬ ‫‪28‬‬

‫‪72‬‬
‫واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"‬

‫وفي صحيح مسلم من حديث أبي قتادة ] عن النبي [‪« :‬صيام يوم عرفة أحتسب على‬
‫الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده‪ ،‬وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن‬
‫يكفر السنة التي قبله» ‪.‬‬

‫ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم‬

‫‪ )72‬متفق عليه ‪.‬‬


‫‪29‬‬ ‫الحسنات الماحيات‬

‫الحج والعمرة‬
‫احلج هو التعبد لله ـ عز وجل ـ بأداء املناسك على ما جاء في سنة رسول الله‪ .[ ،‬والعمرة هي‬
‫التعبد لله بالطواف بالبيت‪ ،‬وبالصفا واملروة‪ ،‬واحللق أوالتقصير‪ .73‬وفي فضلهما وبيان عظم‬
‫اس ـ رضي الله عنهما‬ ‫أثرهما في محو الذنوب وردت أحاديث كثيرة‪ ،‬منها ما جاء عن ابْن َع َّب ٍ‬
‫وب َك َما يَنْفِ ى‬
‫ـ َقا َل‪ :‬قال َر ُسو ُل اللَّهِ [ ‪ «:‬تَا ِب ُعوا بَيْ َن الْ َح ِّج َوالْ ُع ْم َر ِة َف ِإ َّن ُه َما يَنْفِ َيانِ الْ َف ْق َر َوال ُّذنُ َ‬
‫وع ْن أَبِى ُه َريْ َرةَ ]‪ :‬أن رسول الله [ قال‪ « :‬العمرة إلى العمرة‬
‫الْكِ ي ُر َخ َبثَ الْ َحدِ يدِ »‪َ .74‬‬
‫كفارة ملا بينهما واحلج املبرور ليس له جزاء إال اجلنة»‪ 75‬وعنه ] قال ‪ :‬قال رسول الله [‪:‬‬
‫" من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه «‪ ،76‬وتقدم معنا حديث عبد‬
‫الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ في قصة إسالمه‪ ،‬وفيه قال رسول الله [‪« :‬وأن احلج يهدم‬
‫ما كان قبله ؟»‪ ،77‬وعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال جاء رجل من األنصار إلى النبي [‬
‫فقال له النبي [ ‪« :‬إن شئت أخبرتك عما جئت تسألني‪ ،‬وإن شئت تسألني وأخبرك ‪ .‬فقال‪:‬‬
‫ال يا نبي الله‪ ،‬أخبرني مبا جئت أسألك ‪ .‬قال‪ :‬جئت تسألني عن احلاج ما له حني يخرج من‬
‫بيته؟ وما له حني يقوم بعرفات؟ وما له حني يرمي اجلمار؟ وما له حني يحلق رأسه؟ وما له‬
‫حني يقضي آخر طواف بالبيت؟ فقال‪ :‬يا نبي الله! والذي بعثك باحلق ما أخطأت مما كان في‬

‫‪ )73‬انظر الشرح املمتع‪ ،‬للشيخ ابن عثيمني ‪ ،‬رحمه الله ‪.‬‬


‫‪ ) 74‬رواه النسائي وصححه األلباني ‪ .‬وينفيان الفقر والذنوب معناه ‪ :‬يزيالن وميحوان الفقر والذنوب‪ ،‬وخبث احلديد‬
‫‪ :‬وسخه ‪.‬‬
‫‪ )75‬متفق عليه ‪ .‬وقوله ‪( :‬كفارة ) أي ‪ :‬ماحية ‪ .‬و( ملا بينهما ) أي ‪ :‬ملا وقع بينهما من الذنوب الصغيرة ‪ .‬و( املبرور )‬
‫املقبول وهو الذي ال يخالطه إثم ‪.‬‬
‫‪ )76‬متفق عليه ‪ .‬وقوله (يرفث) من الرفث ويطلق على اجلماع وعلى ذكر اجلماع وخاصة مع وجود النساء وعلى‬
‫الفحش في القول ‪ .‬و( يفسق ) من الفسوق‪ ،‬وهو اخلروج عن حدود الشريعة من قول أو فعل ‪ .‬وقوله (كما ولدته ) أي‪:‬‬
‫نقيا من الذنوب ‪.‬‬
‫‪ )77‬رواه مسلم‪ ،‬وقد تقدم ‪.‬‬
‫الحسنات الماحيات‬ ‫‪30‬‬

‫نفسي شيئا ‪ .‬قال‪ :‬فإن له حني يخرج من بيته أن راحلته ال تخطو خطوة إال كتب الله بها حسنة‪،‬‬
‫أو حط عنه بها خطيئة‪ ،‬فإذا وقف بعرفات فإن الله ـ عز وجل ـ ينزل إلى سماء الدنيا‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫انظروا إلى عبادي شعثا غبرا ! اشهدوا أني قد غفرت لهم ذنوبهم‪ ،‬وإن كانت عدد قطر السماء‬
‫ورمل عالج ‪ .‬وإذا رمى اجلمار ال يدري أحد ما له حتى يتوفاه الله يوم القيامة‪ ،‬وإذا قضى آخر‬
‫طواف بالبيت خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه»‪ 78‬ورواه الطبراني في األوسط من حديث عبادة‬
‫بن الصامت وقال فيه‪ « :‬فإن لك من األجر إذا أممت البيت العتيق أال ترفع قدما أو تضعها‬
‫أنت ودابتك إال كتبت لك حسنة ورفعت لك درجة وأما وقوفك بعرفة فإن الله ـ عز وجل ـ يقول‬
‫ملالئكته‪ :‬يا مالئكتي ما جاء بعبادي؟ قالوا‪ :‬جاؤوا يلتمسون رضوانك واجلنة ‪ .‬فيقول الله ـ عز‬
‫وجل ـ‪ :‬فإني أشهد نفسي وخلقي أني قد غفرت لهم ولو كانت ذنوبهم عدد أيام الدهر وعدد‬
‫رمل عالج وأما رميك اجلمار قال الله ‪ { :‬فال تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعني جزاء مبا‬
‫كانوا يعملون } وأما حلقك رأسك فإنه ليس من شعرك شعرة تقع في األرض إال كانت لك نورا‬
‫يوم القيامة وأما طوافك بالبيت إذا ودعت فإنك تخرج من ذنوبك كيوم ولدتك أمك»‪ ، 79‬وعن ابن‬
‫عمرـ رضي الله عنهما ـ أن النبي [ قال‪« :‬إن مسح الركن اليماني والركن األسود يحط اخلطايا‬
‫حطا»‪ 80‬وعن معاذ بن جبل ]‪ :‬أن رسول الله [ قال من صام رمضان وصلى الصلوات وحج‬
‫البيت ـ ال أدري أذكر الزكاة أم ال ـ إال كان حقا على الله أن يغفر له إن هاجر في سبيل الله أو مكث‬
‫بأرضه التي ولد بها قال معاذ أال أخبر بهذا الناس؟ فقال رسول الله [ ذر الناس يعملون فإن‬
‫اجلنة مائة درجة ما بني كل درجتني كما بني السماء واألرض والفردوس أعلى اجلنة وأوسطها‬
‫وفوق ذلك عرش الرحمن ومنها تفجر أنهار اجلنة فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس"‪. 81‬‬
‫ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم‬

‫‪ )78‬رواه البزار والطبراني وابن حبان في صحيحه واللفظ له‪ ،‬وحسنه األلباني وانظر ‪ :‬صحيح الترغيب والترهيب‬
‫(‪ ،)71/2‬ورمل عالج هو ‪ :‬ما تراكم من الرمل ودخل بعضه في بعض ‪ ،‬وهو أيضا اسم موضع كثير الرمال‪.‬‬
‫‪ )79‬حسنه لغيره األلباني‪ ،‬وانظر صحيح الترغيب والترهيب(‪. )3111‬‬
‫‪ )80‬رواه أحمد والطبراني في الكبير‪ ،‬وحسنه األرنؤوط ‪.‬‬
‫‪ )81‬رواه الترمذي‪ ،‬وصححه األلباني ‪.‬‬
‫‪31‬‬ ‫الحسنات الماحيات‬

‫الشهادة في سبيل اهلل‬


‫املراد بالشهادة في سبيل الله أن يقتل العبد في معركة بني أهل اإلسالم وأهل الكفر‪،‬‬
‫وهو صابر محتسب مقبل غير مدبر‪ ،‬فمن قتل وهو على هذه احلال مجاهداً في سبيل‬
‫الله إلعالء كلمة الله‪ ،‬فهو الشهيد الذي أكرمه الله بأعلى املنازل عنده كما في قوله عز‬
‫وجل ‪َ { :‬والَ ت َْح َس َب َّن ا َّلذِ ي َن ُق ِتلُوا ْ فِ ي َسبِيلِ اللّهِ أَ ْم َواتًا بَ ْل أَ ْح َياء ِعن َد َر ِّبهِ ْم يُ ْر َز ُقو َن َفرِ ِحني َ‬
‫ضلِهِ َويَ ْستَبْ ِش ُرو َن بِا َّلذِ ي َن لَ ْم يَل ْ َحقُوا ْ بِهِ م ِّم ْن َخلْفِ هِ ْم أَ َّال َخ ْو ٌ‬
‫ف َعلَيْهِ ْم‬ ‫ِب َما آتَا ُه ُم اللّ ُه مِ ن َف ْ‬
‫َوالَ ُه ْم يَ ْح َزنُو َن ‪ )071( ، )961( }..‬سورة آل عمران‪ ،‬ويغفر الله له ذنبه كما في احلديث الذي‬
‫رواه مسلم عن عبدالله بن أبي قتادة عن أبي قتادة ] ‪ :‬أنه سمعه يحدث عن رسول الله‬
‫[ أنه قام فيهم فذكر لهم ‪« :‬أن اجلهاد في سبيل الله‪ ،‬واإلميان بالله أفضل األعمال»‬
‫فقام رجل‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول الله أرأيت إن قتلت في سبيل الله تكفر عني خطاياي ؟ فقال‬
‫له رسول الله [‪« :‬نعم إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر» ثم‬
‫قال رسول الله [‪« :‬كيف قلت ؟» قال أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفر عني خطاياي‬
‫؟ فقال رسول الله [‪ « :‬نعم وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر‪ ،‬إال الدين فإن جبريل‬
‫ـ عليه السالم ـ قال لي ذلك» قال احلافظ في الفتح ‪ :‬يستفاد منه أن الشهادة ال تكفر‬
‫التبعات ‪ ،‬وحصول التبعات ال مينع حصول درجة الشهادة ‪ ،‬وليس للشهادة معنى إال أن‬
‫الله يثيب من حصلت له ثوابا مخصوصا ويكرمه كرامة زائدة ‪ ،‬وقد بني احلديث أن الله‬
‫يتجاوز عنه ما عدا التبعات ‪ ،‬فلو فرض أن للشهيد أعماال صاحلة وقد كفرت الشهادة‬
‫أعماله السيئة غير التبعات فإن أعماله الصاحلة تنفعه في موازنة ما عليه من التبعات‬
‫وتبقى له درجة الشهادة خالصة ‪ ،‬فإن لم يكن له أعمال صاحلة فهو في املشيئة ‪ ،‬والله‬
‫أعلم ا‪.‬هـ‪ .‬وعن املقدام بن معد يكرب ] قال‪ :‬قال رسول الله [‪" :‬للشهيد عند الله‬
‫ست خصال‪ :‬يغفر له في أول دفعة‪ ،‬ويرى مقعده من اجلنة‪ ،‬ويجار من عذاب القبر‪،‬‬
‫ويأمن من الفزع األكبر‪ ،‬ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منها خير من الدنيا وما‬
‫الحسنات الماحيات‬ ‫‪32‬‬

‫فيها‪ ،‬ويزوج اثنتني"‪ . 82‬وعن عتبة بن عبد السلمي ] وكان من أصحاب النبي [ قال‬
‫‪ :‬قال رسول الله [ ‪ « :‬القتل ثالثة ‪ :‬رجل مؤمن جاهد بنفسه وماله في سبيل الله ـ عز‬
‫و جل ـ حتى إذا لقي العدو قاتلهم حتى يقتل‪ ،‬فذلك الشهيد املفتخر في خيمة الله ـ عز‬
‫و جل ـ حتت عرشه ال يفضله النبيون إال بدرجة النبوة‪ ،‬ورجل مؤمن قرف على نفسه من‬
‫‪83‬‬
‫الذنوب واخلطايا جاهد بنفسه وماله في سبيل الله حتى إذا لقي العدو فمصمصة‬
‫حتت ذنوبه وخطاياه؛ إن السيف محاء للخطايا ‪ .‬وأدخل من أي أبواب اجلنة شاء‪ ،‬فإن لها‬
‫ثمانية أبواب‪ ،‬وجلهنم سبعة أبواب وبعضها أفضل من بعض ‪ 84« ...‬وعن البراء ] قال‬
‫‪ :‬أتى النبي [ رجل مقنع باحلديد‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول الله! أقاتل وأسلم ؟ قال‪ ( :‬أسلم ثم‬
‫قاتل ) ‪ .‬فأسلم‪ ،‬ثم قاتل‪ ،‬فقتل ‪ .‬فقال رسول الله [‪ (:‬عمل قليال وأجر كثيرا )‪.85‬‬

‫ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم‬

‫‪ )82‬رواه الترمذي‪ ،‬وصححه ‪.‬‬


‫‪ )83‬قوله‪« :‬قرف على نفسه من الذنوب واخلطايا «أي ‪ :‬كسبها‪ ،‬و»مصمصة» أي‪ :‬مطهرة من دنس خطاياه ‪.‬‬
‫‪ )84‬قال احلافظ الهيثمي في اجملمع‪ :‬رواه أحمد والطبراني إال أنه قال ‪ « :‬وأدخل من أي أبواب اجلنة شاء ولها ثمانية‬
‫أبواب وبعضها أفضل من بعض « ‪ .‬ورجال أحمد رجال الصحيح خال املثنى األملوكي وهو ثقة ‪.‬‬
‫‪ )85‬متفق عليه‪ ،‬ورواه أيضا ابن حبان في صحيحه‪ ،‬وترجم له بقوله ‪ :‬ذكر البيان بأن اجلهاد في اإلسالم يهدم ما كان‬
‫من احلوبات قبل اإلسالم ا‪.‬هـ ‪ ،‬وذاك الرجل هو‪ :‬األصرم بن عبد الله بن ثابت األشهلي ـ رضي الله عنه ـ وقوله (مقنع)‬
‫أي‪ :‬مغطى ‪.‬‬
‫‪33‬‬ ‫الحسنات الماحيات‬

‫ذكـــر اهلل‬
‫ذكر الله هو النعمة الكبرى‪ ،‬واملنحة العظمى‪ ،‬فبه تستجلب النعم‪ ،‬و تستدفع النقم‪ ،‬وهو‬
‫قوت قلوب املؤمنني‪ ،‬وقرة عيون املوحدين‪ ،‬وبهجة نفوس احملبينب‪ ،‬وروح احلياة‪ ،‬وحياة‬
‫األرواح‪ .‬قال تعالى ‪{ :‬يَا أَ ُّي َها ا َّلذِ ي َن آ َمنُوا ا ْذ ُك ُروا اللَّ َه ذِ ْك ًرا َكثِي ًرا} (‪ )14‬سورة األحزاب‪،‬‬
‫اش ُك ُروا ْ لِي َوالَ تَ ْك ُف ُرونِ } (‪ )251‬سورة البقرة‪ ،‬وقال ‪َ { :‬وا َّلذِ ي َن‬ ‫وقال‪َ { :‬فا ْذ ُك ُرونِي أَ ْذ ُك ْر ُك ْم َو ْ‬
‫وب ِإ َّال‬ ‫اح َش ًة أَ ْو َظل َ ُموا ْ أَنْف َُس ُه ْم َذ َك ُروا ْ اللّ َه َف ْ‬
‫استَ ْغ َف ُروا ْ ِل ُذنُوبِهِ ْم َو َمن يَغْفِ ُر ال ُّذنُ َ‬ ‫ِإ َذا َف َعلُوا ْ َف ِ‬
‫اللّ ُه َولَ ْم يُ ِص ُّروا ْ َعلَى َما َف َعلُوا ْ َو ُه ْم يَ ْعل َ ُمونَ} (‪ )531‬سورة آل عمران‪ ،‬وقال‪{ :‬ا َّلذِ ي َن آ َمنُوا ْ‬
‫َوت َْط َمئ ُِّن ُقلُوبُ ُهم ِبذِ ْكرِ اللّهِ أَالَ ِبذِ ْكرِ اللّهِ ت َْط َمئ ُِّن الْ ُقل ُ ُ‬
‫وب} (‪ )82‬سورة الرعد‪ ،‬وعن أبى الدرداء‬
‫]‬
‫قال‪ :‬قال النبى [‪ « :‬أال أنبئكم بخير أعمالكم‪ ،‬وأزكاها عند مليككم‪ ،‬وأرفعها فى‬
‫درجاتكم‪ ،‬وخير لكم من إنفاق الذهب والورق‪ ،‬وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا‬
‫أعناقهم ويضربوا أعناقكم »‪ .‬قالوا‪ :‬بلى‪ .‬قال‪ « :‬ذكر الله تعالى »‪ 86.‬قال معاذ بن جبل‬
‫] ‪ :‬ما شىء أجنى من عذاب الله من ذكر الله‪ .‬وعن أبي موسى ] قال‪ :‬قال النبي‬
‫[‪:‬‬
‫(مثل الذي يذكر ربه والذي ال يذكر ربه مثل احلي وامليت )‪ 87‬وفي الصحيحني عن أبي‬
‫هريرة ] قال‪ :‬قال النبي [‪ ( :‬يقول الله تعالى‪ :‬أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا‬
‫ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في مأل ذكرته في مأل خير منهم‬
‫وإن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا وإن أتاني‬
‫ميشي أتيته هرولة ) ‪ .‬وعن عبد الله بن بسر ] أن رجال قال‪ :‬يا رسول الله إن شرائع‬
‫‪88‬‬
‫اإلسالم قد كثرت فأخبرني بشيء أتشبث به ‪ .‬قال‪« :‬ال يزال لسانك رطبا من ذكر الله»‬

‫‪ )86‬رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد وصححه احلاكم ‪.‬‬


‫‪ )87‬متفق عليه ‪.‬‬
‫‪ )88‬رواه الترمذي واللفظ له وقال حديث حسن غريب وابن ماجه وابن حبان في صحيحه واحلاكم وقال صحيح‬
‫اإلسناد‬
‫الحسنات الماحيات‬ ‫‪34‬‬

‫واآليات واألحاديث في هذا املعنى كثيرة جدا‪ ،‬وألجل ذلك فإننا سنحاول ـ مستعينني‬
‫بالله تعالى ـ اإلحاطة بكل ما ورد في صحيح السنة من أذكار تعني العبد على تكفير ذنوبه‬
‫ومحو سيئاته‪ ،‬ومن ذلك ‪:‬ـ‬
‫صحيحيهماع ْن أَبِى ُه َريْ َرةَ ]‬
‫َ‬ ‫ •االجتماع على ذكر الله‪ ،‬فقد روى الشيخان في‬
‫الط ُرقِ ‪ ،‬يَلْتَمِ ُسو َن أَ ْه َل‬ ‫َقا َل‪َ :‬قا َل َر ُسو ُل اللَّهِ [‪« :‬إ َِّن ِللَّهِ َم َ‬
‫ال ِئ َك ًة يَ ُطو ُفو َن فِ ى ُّ‬
‫ال ِّذ ْكرِ ‪َ ،‬ف ِإ َذا َو َج ُدوا َق ْو ًما يَ ْذ ُك ُرو َن اللَّ َه تَنَا َد ْوا َهل ُ ُّموا ِإلَى َح َ‬
‫اج ِت ُك ْم ‪َ .‬قا َل َف َي ُحفُّونَ ُه ْم‬
‫الس َماءِ ال ُّدنْ َيا ‪َ .‬قا َل َف َي ْس َألُ ُه ْم َر ُّب ُه ْم ـ َو ْه َو أَ ْعل َ ُم مِ نْ ُهم ْـ َما يَقُو ُل‬
‫ِحتِهِ ْم ِإلَى َّ‬ ‫ِب َأ ْجن َ‬
‫ِع َبادِ ى؟ َقالُوا ‪ :‬يُ َس ِّب ُحونَ َك ‪َ ،‬ويُ َك ِّب ُرونَ َك ‪َ ،‬ويَ ْح َم ُدونَ َك َويُ َم ِّج ُدونَ َك ‪َ .‬قا َل‪َ :‬ف َيقُو ُل‪:‬‬
‫َه ْل َرأَ ْونِى؟ َقا َل‪َ :‬ف َيقُولُونَ‪ :‬الَ َواللَّهِ َما َرأَ ْو َك ‪َ .‬قا َل‪َ :‬ف َيقُو ُل‪َ :‬و َكيْ َف لَ ْو َرأَ ْونِى؟ َقا َل‪:‬‬
‫يَقُولُونَ‪ :‬لَ ْو َرأَ ْو َك َكانُوا أَ َش َّد لَ َك ِع َبا َد ًة ‪َ ،‬وأَ َش َّد لَ َك تَ ْم ِجي ًدا ‪َ ،‬وأَ ْكثَ َر لَ َك ت َْسب ً‬
‫ِيحا‬
‫َقال‪ َ:‬يَقُو ُل‪َ :‬ف َما يَ ْس َألُونِى؟ َقالوا‪ :‬يَ ْس َألُونَ َك الْ َج َّن َة ‪َ .‬قا َل‪ :‬يَقُو ُل‪َ :‬و َه ْل َرأَ ْو َها؟‬
‫َقا َل‪ :‬يَقُولُونَ‪ :‬الَ َواللَّهِ يَا َر ِّب َما َرأَ ْو َها ‪َ .‬قا َل‪ :‬يَقُو ُل‪َ :‬ف َكيْ َف لَ ْو أَ َّن ُه ْم َرأَ ْو َها؟ َقا َل‪:‬‬
‫صا‪َ ،‬وأَ َش َّد لَ َها َطل َ ًبا‪َ ،‬وأَ ْع َظ َم فِ ي َها‬
‫يَقُولُونَ‪ :‬لَ ْو أَ َّن ُه ْم َرأَ ْو َها َكانُوا أَ َش َّد َعلَيْ َها ِح ْر ً‬
‫َر ْغ َب ًة ‪َ .‬قا َل‪َ :‬فمِ َّم يَتَ َع َّو ُذونَ؟ َقا َل‪ :‬يَقُولُونَ‪ :‬مِ َن النَّارِ ‪َ .‬قا َل‪ :‬يَقُو ُل‪َ :‬و َه ْل َرأَ ْو َها؟‬
‫َقا َل‪ :‬يَقُولُونَ‪ :‬الَ َواللَّهِ َما َرأَ ْو َها ‪َ .‬قا َل‪ :‬يَقُو ُل‪َ :‬ف َكيْ َف لَ ْو َرأَ ْو َها؟ َقا َل‪ :‬يَقُولُونَ‪ :‬لَ ْو‬
‫َرأَ ْو َها َكانُوا أَ َش َّد مِ نْ َها فِ َرا ًرا ‪َ ،‬وأَ َش َّد لَ َها َم َخا َف ًة ‪َ .‬قا َل‪َ :‬ف َيقُو ُل‪َ :‬فأُ ْشهِ ُد ُك ْم أَ ِّنى‬
‫ال ِئ َكةِ ‪ :‬فِ يهِ ْم ُف َ‬
‫ال ٌن لَيْ َ‬
‫س مِ نْ ُه ْم ِإ َّن َما َجا َء‬ ‫َق ْد َغ َف ْر ُت لَ ُه ْم ‪َ .‬قا َل‪ :‬يَقُو ُل َمل َ ٌك مِ َن الْ َم َ‬
‫اج ٍة ‪َ .‬قا َل‪ُ :‬ه ُم الْ ُجل َ َساءُ الَ يَ ْشقَى بِهِ ْم َجل ُ‬
‫ِيس ُه ْم » ‪.‬‬ ‫ِح َ‬
‫ل َ‬

‫وقال رسول الله [‪« :‬ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله ـ عز و جل ـ ال يريدون‬
‫بذلك إال وجهه إال ناداهم مناد من السماء أن قوموا مغفورا لكم قد بدلت سيئاتكم‬
‫‪89‬‬
‫حسنات»‬

‫‪ )89‬رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني‪ ،‬من حديث انس بن مالك‪ ،‬رضي الله عنه‪ ،‬وصححه لغيره األلباني‪ ،‬وانظر‬
‫«صحيح الترغيب والترهيب»‪. .‬‬
‫‪35‬‬ ‫الحسنات الماحيات‬

‫ •التسبيح والتحميد والتهليل دبر كل صالة‪ :‬فعن أبي هريرة ] قال‪ :‬قال رسول‬
‫الله [‪":‬من سبح الله في دبر كل صالة ثالثا وثالثني‪ ،‬وحمد الله ثالثا وثالثني‪،‬‬
‫وكبر الله ثالثا وثالثني‪ ،‬فتلك تسع وتسعون‪ ،‬ثم قال متام املائة‪ :‬ال إله اال الله‬
‫وحده ال شريك له له امللك وله احلمد وهو على كل شيء قدير غفر له خطاياه‬
‫وإن كانت مثل زبد البحر"‪. 90‬‬

‫ •سؤال الله املغفرة في الثلث األخير من الليل‪ :‬فعن أبي هريرة ] أن رسول‬
‫الله [ قال‪" :‬ينزل ربنا ـ تبارك وتعالى ـ كل ليلة إلى السماء الدنيا حني يبقى‬
‫ثلث الليل اآلخر يقول‪ :‬من يدعوني؟ فأستجيب له‪ .‬من يسألني؟ فأعطيه‪ .‬من‬
‫‪91‬‬
‫يستغفرني؟ فأغفر له"‬

‫ •االستيقاظ من الليل على ذكر الله‪ ،‬فعن عبادة بن الصامت ] قال‪ :‬قال رسول‬
‫الله [‪ ( :‬من تعار من الليل فقال ال إله إال الله وحده ال شريك له له امللك وله‬
‫احلمد وهو على كل شيء قدير احلمد لله وسبحان الله وال إله إال الله والله أكبر‬
‫وال حول وال قوة إال بالله ثم قال اللهم اغفر لي أو دعا استجيب له فإن توضأ‬
‫وصلى قبلت صالته )‪. 92‬‬

‫ •قول ال إله إال الله وحده ال شريك له له امللك و له احلمد و هو على كل شيء قدير‬
‫في يوم مائة مرة‪ ،‬فعن أبي هريرة ] أن رسول الله [ قال ‪« :‬من قال ‪ :‬ال إله‬
‫إال الله وحده ال شريك له له امللك و له احلمد و هو على كل شيء قدير في يوم‬

‫‪ )90‬رواه أحمد‪ ،‬وصححه األرنؤوط ‪.‬‬


‫‪ )91‬متفق عليه ‪.‬‬
‫‪ )92‬رواه البخاري‪ ،‬وقوله ( تعار من الليل) أي ‪ :‬انتبه وهو يسبح‪ ،‬أو يستغفر‪ ،‬أو يذكر الله‪ ،‬تعالى ‪.‬‬
‫الحسنات الماحيات‬ ‫‪36‬‬

‫مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب و كتبت له مائة حسنة و محيت عنه مائة سيئة‬
‫و كانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى ميسي و لم يأت أحد بأفضل مما‬
‫جاء به إال رجل عمل أكثر منه»‪. 93‬‬

‫ •قول سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة‪ ،‬ففي الصحيحني عن أبي هريرة‬
‫] عن النبي [ قال‪« :‬من قال‪ :‬سبحان الله وبحمده‪ ،‬في يومه مائة مرة حطت‬
‫خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر»‪.‬‬

‫س ] أَ َّن َر ُسو َل‬ ‫ •قول سبحان الله واحلمد لله وال إله إال الله والله أكبر‪ ،‬فعن أَنَ ٌ‬
‫َض‬ ‫ض‪ ،‬ثُ َّم نَف َ‬
‫َض ُه َفانْتَف َ‬ ‫َض ُه َفل َ ْم يَنْتَفِ ْ‬ ‫َض ُه َفل َ ْم يَنْتَفِ ْ‬
‫ض‪ ،‬ثُ َّم نَف َ‬ ‫اللَّهِ [ أَ َخ َذ ُغ ْ‬
‫صناً َفنَف َ‬
‫‪َ .‬فقَا َل َر ُسو ُل اللَّهِ [‪ « :‬إ َِّن ُسبْ َحا َن اللَّهِ َوالْ َح ْم ُد ِللَّهِ َوالَ ِإلَ َه ِإ َّال اللَّ ُه َواللَّ ُه أَ ْك َب ُر‬
‫‪94‬‬
‫الش َج َرةُ َو َر َق َها »‬
‫ُض َّ‬ ‫ُض الْ َخ َطايَا َك َما تَنْف ُ‬
‫تَنْف ُ‬

‫ •قول ال إله إال الله وحده ال شريك له له امللك و له احلمد يحيي ومييت و هو على‬
‫كل شيء قدير بعد صالة الفجر‪ ،‬فعن أبي ذر ] أن رسول الله ـ [ قال‪« :‬من‬
‫قال في دبر صالة الفجر وهو ثان رجليه قبل أن يتكلم ال إله إال الله وحده ال‬
‫شريك له له امللك وله احلمد يحيي ومييت وهو على كل شيء قدير عشر مرات ـ‬
‫كتب الله له عشر حسنات‪ ،‬ومحا عنه عشر سيئات‪ ،‬ورفع له عشر درجات‪ ،‬وكان‬
‫يومه ذلك كله في حرز من كل مكروه‪ ،‬وحرس من الشيطان‪ ،‬ولم ينبغ لذنب أن‬
‫‪95‬‬
‫يدركه في ذلك اليوم إال الشرك بالله تعالى»‬

‫ •قول ال إله إال الله وحده ال شريك له له امللك و له احلمد يحيي ومييت و هو‬

‫‪ )93‬متفق عليه ‪.‬‬


‫‪ )94‬رواه أحمد والبخاري في األدب املفرد‪ ،‬وحسنه األلباني ‪.‬‬
‫‪ )95‬رواه الترمذي وصححه‪ ،‬والنسائي وزاد فيه بيده اخلير‪ ،‬وزاد فيه ـ أيضا ـ وكان له بكل واحدة قالها عتق رقبة مؤمنة ‪.‬‬
‫‪37‬‬ ‫الحسنات الماحيات‬

‫على كل شيء قدير بعد صالة املغرب‪ ،‬فعن عمارة بن شبيب السبائي ] قال‪:‬‬
‫قال رسول الله [ ‪« :‬من قال ال إله إال الله وحده ال شريك له له امللك وله‬
‫احلمد يحيي ومييت وهو على كل شيء قدير عشر مرات على إثر املغرب بعث‬
‫الله له مسلحة‪ 96‬يحفظونه من الشيطان حتى يصبح‪ ،‬وكتب الله له بها عشر‬
‫حسنات موجبات‪ ،‬ومحا عنه عشر سيئات موبقات‪ ،‬وكانت له بعدل عشر رقبات‬
‫‪97‬‬
‫مؤمنات»‬

‫ •قول‪ :‬أستغفر الله الذي ال إله إال هو احلي القيوم وأتوب إليه‪« :‬فعن هالل بن‬
‫يسار بن زيد مولى النبي [ قال سمعت أبي يحدثنيه عن جدي ‪ :‬أنه سمع رسول‬
‫الله [ يقول‪ " :‬من قال‪ :‬أستغفر الله الذي ال إله إال هو احلي القيوم وأتوب إليه‬
‫‪-‬غفر له وإن كان قد فر من الزحف"‪. 98‬‬

‫ •قول‪ :‬اللهم إني أسألك يا الله األحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له‬
‫كفوا أحد أن تغفر لي ذنوبي إنك أنت الغفور الرحيم‪ :‬فعن حنظلة بن علي أن‬
‫محجن بن األدرع ] حدثه قال‪ :‬دخل رسول الله [ املسجد فإذا هو برجل‬
‫قد قضى صالته وهو يتشهد وهو يقول‪ :‬اللهم إني أسألك يا الله األحد الصمد‬
‫الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد أن تغفر لي ذنوبي إنك أنت الغفور‬
‫الرحيم‪ .‬قال‪ :‬فقال ‪ ":‬قد غفر له‪ .‬قد غفر له" ثالثاً"‪.99‬‬

‫‪ )96‬امل َ ْسلَحة‪ :‬القو ُم الذين يَ َح ُظون الثُّغُور من العد ّو‪ُ .‬‬


‫وس ُّموا َم ْسلحة ألنهم يكونون ذوى سالح‪ ،‬أو ألنهم يسكنون امل َ ْسلحة‪،‬‬
‫ليتأهبُوا له‪ .‬وجم ُع‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫وهي كالثغر وامل َ ْر َقب يكون فيه أقوام يَر ُقبون الع ُد َّو لئال يَط ُرقهم على غفْلة‪ ،‬فإ َذا رأوه أعلموا أصحابهم‬
‫َ‬
‫امل َ ْسلح َمسالح‪ .‬وانظر النهاية في غريب احلديث واألثر ‪( -‬ج ‪ / 2‬ص ‪)692‬‬
‫‪ )97‬رواه النسائي والترمذي وقال حديث حسن ال نعرفه إال من حديث ليث بن سعد وال نعرف لعمارة سماعا من النبي‬
‫[‪ ،‬وحسنه األلباني ‪.‬‬
‫‪ )98‬رواه أبو داود وصححه األلباني ‪.‬‬
‫‪ )99‬رواه أبو داود‪ ،‬وصححه األلباني ‪.‬‬
‫الحسنات الماحيات‬ ‫‪38‬‬

‫ •حمد الله على الطعام يطعمه املرء واللباس يلبسه‪ :‬فعن سهل بن معاذ بن أنس‬
‫عن أبيه ]‪ :‬أن رسول الله [ قال‪" :‬من أكل طعاما ثم قال‪ :‬احلمد لله الذي‬
‫أطعمني هذا الطعام ورزقنيه من غير حول مني وال قوة ـ غفر له ما تقدم من‬
‫ذنبه وما تأخر‪ .‬قال‪ :‬ومن لبس ثوبا‪ ،‬فقال ‪ :‬احلمد لله الذي كساني هذا الثوب‬
‫ورزقنيه من غير حول مني وال قوة ـ غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر"‪. 100‬‬

‫ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم‬

‫‪ )100‬رواه أبو داود‪ ،‬وحسنه األلباني‪ ،‬دون زيادة (وما تأخر) ‪.‬‬
‫‪39‬‬ ‫الحسنات الماحيات‬

‫االبتــــــالء‬

‫االبتالء هو اختبار من الله ـ تعالى ـ لعبيده‪ ،‬مييز به املؤمنني الصابرين من غيرهم قال‬
‫تعالى‪{ :‬أم حسبتم أن تدخلوا اجلنة وملا يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين}‬
‫الصابِرِ ي َن َونَبْل ُ َو أَخْ َبا َر ُك ْم} (‪)13‬‬ ‫وقال تعالى‪َ { :‬ولَنَبْل ُ َو َّن ُك ْم َحتَّى نَ ْعل َ َم الْ ُم َج ِ‬
‫اهدِ ي َن مِ ن ُك ْم َو َّ‬
‫سورة محمد‪ .‬فصار بذلك معنى االبتالء شام ً‬
‫ال جلميع أحوال الناس‪ ،‬سواء كان ذلك في‬
‫أمور اخلير التي يحبونها‪ ،‬أو في أمور الشر التي يكرهونها‪ ،‬فاخلير والنعمة ابتالء‪ ،‬والشر‬
‫واملصيبة ابتالء أيضاً‪ ،‬سواء بسواء‪ ،‬كما قال تعالى‪َ { :‬ونَبْلُو ُكم ب َّ‬
‫ِالش ِّر َوالْ َخيْرِ فِ تْنَ ًة َو ِإلَيْنَا‬
‫تُ ْر َج ُعونَ} (‪ )53‬سورة األنبياء‪ ،‬واملعنى أن الله يبتلي العباد بأمور الشر واخلير الختبارهم‬
‫وامتحانهم‪ ،‬واملرجع واملعاد إلى الله تعالى‪ ،‬فيجازي العباد بعدله أو رحمته وعفوه‪ .‬واالبتالء‬
‫في حق الصابرين احملتسبني نعمة عظيمة من ورائها فوائد جليلة من بينها محو الذنوب‬
‫وتكفير السيئات‪ ،‬ف َعنِ الْ َحارِ ِث بْنِ ُس َويْ ٍد َع ْن َعبْدِ اللَّهِ َقا َل‪َ :‬د َخل ْ ُت َعلَى َر ُسولِ اللَّهِ [ َو ْه َو‬
‫وع ُك َك َما يُ َ‬
‫وع ُك‬ ‫ُوع ُك َو ْع ًكا َشدِ ي ًدا ‪َ .‬قا َل‪ « :‬أَ َج ْل ِإ ِّنى أ ُ َ‬‫وع ُك ‪َ .‬ف ُقل ْ ُت‪ :‬يَا َر ُسو َل اللَّهِ ! ِإ َّن َك ت َ‬‫يُ َ‬
‫ِك ‪َ ،‬ما مِ ْن ُم ْسل ٍِم يُ ِصيبُ ُه أَ ًذى‬ ‫ِك أَ َّن لَ َك أَ ْج َريْنِ َقا َل‪ « :‬أَ َج ْل َذل َ‬
‫ِك َك َذل َ‬ ‫َر ُج َ‬
‫النِ مِ نْ ُك ْم » ‪ُ .‬قل ْ ُت‪َ :‬ذل َ‬
‫َش ْو َك ٌة َف َما َف ْو َق َها ‪ِ ،‬إ َّال َك َّف َر اللَّ ُه ِب َها َس ِّيئَاتِهِ ‪َ ،‬ك َما ت َُح ُّط َّ‬
‫الش َج َرةُ َو َر َق َها »‪ .101‬وعن عائشة ـ‬
‫رضي الله عنها ـ قالت‪ :‬قال رسول الله [ ‪« :‬ال يصيب املؤمن شوكة فما فوقها إال رفعه‬
‫وع ْن أَبِى ُه َريْ َرةَ] َقا َل‪َ :‬قا َل َر ُسو ُل اللَّهِ [ ‪ « :‬الَ‬
‫الله بها درجة وحط عنه بها خطيئة»‪َ ،102‬‬
‫الءُ بِالْ ُمؤْمِ نِ ‪ ،‬أَوِ الْ ُمؤْمِ نَةِ فِ ى َج َسدِ ِه َوفِ ى َمالِهِ َوفِ ى َولَدِ ِه َحتَّى يَلْقَى اللَّ َه َو َما َعلَيْهِ مِ ْن‬
‫يَزَا ُل الْ َب َ‬
‫َخ ِطيئَ ٍة »‪ . 103‬وعن أبي سعيد اخلدري ] قال رجل ‪ :‬يا رسول الله! أرأيت هذه األمراض‬
‫التي تصيبنا ماذا لنا بها ؟ قال ‪ :‬كفارات ‪ .‬فقال أبي بن كعب ‪ :‬يا رسول الله و إن قلَّت ؟ قال‬
‫‪ :‬شوكة فما فوقها قال ‪ :‬فدعا أُبي على نفسه أن ال يفارقه الوعك حتى ميوت بعد أن ال‬

‫‪ )101‬متفق عليه ‪.‬‬


‫‪ )102‬رواه الترمذي وصححه ‪.‬‬
‫‪ )103‬رواه أحمد وغيره‪ ،‬وقال الترمذي‪ :‬هذا حديث حسن صحيح ‪.‬‬
‫الحسنات الماحيات‬ ‫‪40‬‬

‫يشغله عن حج و ال عمرة و ال جهاد في سبيل الله ـ عز و جل ـ و ال صالة مكتوبة في جماعة‬


‫‪104‬‬
‫قال ‪ :‬فما مس رجل جلده بعدها إال وجد حرها حتى مات»‬

‫وعن األسود قال ‪ :‬دخل شباب من قريش على عائشة وهي مبنى وهم يضحكون فقالت‪:‬‬
‫ما يضحككم ؟ قالوا‪ :‬فالن خر على طنب فسطاط فكادت عنقه‪ ،‬أو عينه أن تذهب‬
‫‪ .‬فقالت‪ :‬ال تضحكوا ‪ .‬فإني سمعت رسول الله [ قال ‪« :‬ما من مسلم يشاك شوكة‬
‫وعن أنس بن مالك ]‬ ‫‪105‬‬
‫فما فوقها إال كتبت له بها درجة ومحيت عنه خطيئة»‬
‫قال‪ :‬قال رسول الله [‪" :‬إذا ابتلي الله العبد املسلم ببالء في جسده قال الله‪ :‬اكتب‬
‫له صالح عمله الذي كان يعمله‪ ،‬فان شفاه غسله وطهره‪ ،‬وان قبضه غفر له ورحمه"‬
‫‪106‬‬

‫وروى النسائي وأحمد وابن حبان من حديث أبي ذر ] قال‪ :‬قال رسول اللَّه [‪:‬‬
‫«ما من مسلمني ميوت بينهما ثالثة من أوالدهما لم يبلغوا احلنث إال غفر لهما»‪.‬‬
‫يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ‪ :‬لوال أنه ـ سبحانه ـ يداوي عباده بأدوية احملن واالبتالء لطغوا‬
‫وبغوا وعتوا ‪ ،‬والله ـ سبحانه ـ إذا أراد بعبد خيراً سقاه دواء من االبتالء واالمتحان على‬
‫أهله ألشرف‬
‫قدر حاله ‪ ،‬يستفرغ به من األدواء املهلكة ‪ ،‬حتى إذا هذبه ونقاه وصفاه ‪َّ :‬‬
‫مراتب الدنيا ‪ ،‬وهي عبوديته ‪ ،‬وأرفع ثواب اآلخرة وهو رؤيته وقربه « انتهى ‪ 107.‬قال‬
‫وع َونَق ٍْص ِّم َن األَ َم َوالِ َواألنف ُِس َوال َّث َم َر ِ‬
‫ات َوبَ ِّشرِ‬ ‫تعالى ‪َ {:‬ولَنَبْل ُ َو َّن ُك ْم ب َ‬
‫ِش ْيءٍ ِّم َن الْ َخ ْ‬
‫وف َوالْ ُج ِ‬
‫الصابِرِ ي َن } (‪ )551‬سورة البقرة‬
‫َّ‬
‫ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم‬

‫‪ )104‬رواه احلاكم في املستدرك‪ ،‬ورواه غيره أيضا ‪ .‬قال احلاكم ‪ :‬هذا حديث صحيح على شرط الشيخني ولم‬
‫يخرجاه‪ ،‬ووافقه الذهبي ‪.‬‬
‫‪ )105‬رواه مسلم‪ ،‬و(طنب) هو احلبل الذي يشد به الفسطاط‪ ،‬وهو اخلباء ونحوه ‪.‬‬
‫‪ )106‬رواه أحمد وصححه لغيره شعيب األرنؤوط ‪.‬‬
‫‪ )107‬انظر زاد املعاد (‪. )591/4‬‬
‫‪41‬‬ ‫الحسنات الماحيات‬

‫مصافحة المسلم أخاه المسلم‬


‫قال احلافظ ابن حجر ‪ :‬املصافحة هي مفاعلة من الصفحة واملراد بها اإلفضاء بصفحة اليد إلى‬
‫صفحة اليد ا‪.‬هـ‪ ،‬ولقد رغب النبي [ في املصافحة‪ ،‬وعمل بها صحابته‪-‬رضوان الله عليهم‪-‬‬
‫قال قتادة‪ :‬قلت ألنس‪ :‬أكانت املصافحة في أصحاب النبي [؟ قال‪ :‬نعم )‪ .108‬وفي قصة توبة‬
‫إلي طلحة بن عبيد‬
‫الله على كعب بن مالك ] قال‪ ( :‬دخلت املسجد فإذا برسول الله [‪ ،‬فقام َّ‬
‫الله يهرول حتى صافحني وهنأني )‪ . 109‬ومن حديث أنس ] ملا جاء أهل اليمن‪ ،‬قال النبي [ ‪:‬‬
‫(قد أقبل أهل اليمن‪ ،‬وهم أرق قلوباً منكم ) وهم أول من جاء باملصافحة)‪ . 110‬وعن البراء بن‬
‫عازب ] قال‪ ( :‬من متام التحية أن تصافح أخاك )‪ . 111‬واملصافحة من احلسنات املاحيات‬
‫للذنوب‪ ،‬فعن البراء ] قال‪ :‬قال رسول الله [ "ما من مسلمني يلتقيان فيتصافحان إال غفر‬
‫لهما قبل أن يفترقا"‪. 112‬وعن حذيفة بن اليمان ] عن النبي [ قال‪ »:‬إن املؤمن إذا لقي املؤمن‬
‫فسلم عليه وأخذ بيده فصافحه‪ ،‬تناثرت خطاياهما كما يتناثر ورق الشجر»‪.113‬وبعد ذكر اآلثار‬
‫مبسلم أن يبخل على نفسه مبنعها من هذا‬
‫ٍ‬ ‫الدالة على جواز املصافحة‪ ،‬واملرغبة فيها‪ ،‬فال نظ ُن‬
‫اخلير الذي هو من أسباب مغفرة الذنوب وجلب احملبة‪ ،‬وإذهاب الغل واحلقد‪ ،‬وقد جاء في‬
‫منظومة ابن عبد القوي ـ رحمه الله ـ في موضوع املصافحة‪ ،‬قوله‪:‬‬
‫تناثر خطاياكم كما في املسند‬ ‫وصافح ملن تلقاه من كل مسلم‬
‫ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم‬

‫‪ )108‬صحيح البخاري ‪.‬‬


‫‪ )109‬رواه البخاري ‪.‬‬
‫‪ )110‬رواه أبو داود في السنن‪ ،‬والبخاري في األدب املفرد‪ ،‬واللفظ له ‪ .‬وقوله‪ « :‬وهم أول من جاء باملصافحة» مدرج من‬
‫كالم أنس‪ ،‬رضي الله عنه ‪.‬‬
‫‪ )111‬رواه البخاري في األدب املفرد‪ ،‬وصححه األلباني موقوفا ‪.‬‬
‫‪ )112‬رواه أبو داود والترمذي وغيرهما‪ ،‬وصححه األلباني ‪.‬‬
‫‪ )113‬قال األلباني ـ رحمه الله ـ ‪ :‬رواه الطبراني في األوسط ورواته ال أعلم فيهم مجروحا‪ ،‬وانظر صحيح الترغيب‬
‫والترهيب ‪.‬‬
‫الحسنات الماحيات‬ ‫‪42‬‬

‫الخشيــــة مــــــن اهلل‬


‫اخلشية من الله عبادة من العبادات العظيمة التي تثمر في قلب صاحبها محبة الله وطاعته‪،‬‬
‫وبغض ما يغضب الرب ويسخطه‪ ،‬وقد عرفها بعضهم بقوله‪ :‬هي تألم القلب بسبب توقع‬
‫مكروه في املستقبل يكون تارة بكثرة اجلناية من العبد‪ ،‬وتارة مبعرفة جالل الله وهيبته‪ ،114‬وقد‬
‫أمر الله تعالى عباده بخشيته فقال‪َ { :‬ومِ ْن َحيْثُ َخ َر ْج َت َف َو ِّل َو ْج َه َك َش ْط َر الْ َم ْس ِجدِ الْ َح َر ِام‬
‫َّاس َعلَيْ ُك ْم ُح َّج ٌة ِإ َّال ا َّلذِ ي َن َظل َ ُموا ْ مِ نْ ُه ْم َف َ‬
‫ال‬ ‫وه ُك ْم َش ْط َرهُ ِلئَ َّ‬
‫ال يَ ُكو َن لِلن ِ‬ ‫َو َحيْثُ َما ُكنتُ ْم َف َولُّوا ْ ُو ُج َ‬
‫تَخْ َش ْو ُه ْم َواخْ َش ْونِي َوألُ ِت َّم ِن ْع َمتِي َعلَيْ ُك ْم َولَ َعلَّ ُك ْم تَ ْهتَ ُدونَ} (‪ )051‬سورة البقرة‪ ،‬كما بني ـ سبحانه‬
‫ـ أنها مما خص به عباده العاملني به وفي هذا بيان ملكانتها ومنزلتها‪ ،‬قال سبحانه وتعالى ‪:‬‬
‫{ ِإ َّن َما يَخْ َشى اللَّ َه مِ ْن ِع َبادِ ِه الْ ُعل َ َماء إ َِّن اللَّ َه َعزِ ي ٌز َغفُو ٌر} (‪ )82‬سورة فاطر‪ ،‬ونظرا لهذه املنزلة‬
‫العظيمة لتلك العبادة اجلليلة فقد جعلها الله تعالى من احلسنات املاحيات للذنوب‪ ،‬فعن أبي‬
‫هريرة ]‪ :‬عن النبي [ قال‪" :‬كان رجل يسرف على نفسه فلما حضره املوت قال‪ :‬لبنيه إذا‬
‫أنا مت فاحرقوني‪ ،‬ثم اطحنوني‪ ،‬ثم ذروني في الريح ‪ .‬فوالله لئن قدر علي ربي ليعذبني عذابا‬
‫ما عذبه أحداً‪ ،‬فلما مات فعل به ذلك‪ ،‬فأمر الله األرض‪ ،‬فقال ‪ :‬اجمعي ما فيك منه‪ ،‬ففعلت‪،‬‬
‫فإذا هو قائم‪ ،‬فقال‪ :‬ما حملك على ما صنعت؟ قال‪ :‬يا رب خشيتك‪ ،‬فغفر له"‪ ،115‬وعن عقبة‬
‫بن عامر] قال‪ :‬سمعت رسول الله [ يقول ‪ :‬يعجب ربك من راعي غنم في رأس شظية‬
‫اجلبل يؤذن بالصالة ويصلي فيقول الله ـ عز و جل ـ‪" :‬انظروا إلى عبدي هذا يؤذن ويقيم‬
‫الصالة يخاف مني قد غفرت لعبدي وأدخلته اجلنة"‪ 116‬فازدد يا عبد الله من الله خشية تزدد‬
‫منه قربا وتلق يوم اخلوف األكبر سالمة وأمنا‪ ،‬يقول أبو أيوب األنصاري ] ‪« :‬إن الرجل‬
‫‪117‬‬
‫ليعمل السيئة فيفرق منها حتى يأتي الله آمنا»‬
‫ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم‬

‫‪ )114‬انظر التعريفات‪ ،‬للجرجاني ‪.‬‬


‫‪ )115‬متفق عليه ‪.‬‬
‫‪ )116‬رواه النسائي وغيره‪ ،‬وصححه األلباني ‪.‬‬
‫‪ )117‬انظر الزهد‪ ،‬البن املبارك ‪.‬‬
‫‪43‬‬ ‫الحسنات الماحيات‬

‫بـــــر الوالديــــن‬

‫لقد اهتم اإلسالم ببر الوالدين‪ ،‬واإلحسان إليهما‪ ،‬والعناية بهما إلى درجة تسترعي انتباه كل‬
‫مصلح ينشد اخلير ويسعى في ركابه‪ ،‬وذلك أنه جعل تلك القضية في عني اهتماماته‪ ،‬ورأس‬
‫أولوياته‪ ،‬وأنزلها منزلة خطيرة بقرنها بأهم قضاياه على اإلطالق وهي قضية التوحيد‪ ،‬قال‬
‫وع ْن أَبِى ُه َريْ َرةَ‬
‫اعبُ ُدوا ْ اللّ َه َوالَ ت ُْشرِ ُكوا ْ ِبهِ َشيْئاً َوبِالْ َوا ِل َديْنِ إ ِْح َساناً }(النساء‪َ .)63:‬‬
‫تعالى ‪َ { :‬و ْ‬
‫] َقا َل‪َ :‬قا َل َر ُسو ُل اللَّهِ [‪َ « :‬ر ِغ َم أَنْ ُفهُ‪ ،‬ثُ َّم َر ِغ َم أَنْ ُف ُهُ‪ ،‬ثُ َّم َر ِغ َم أَنْ ُفهُ»‪ .‬قِ ي َل‪َ :‬م ْن يَا َر ُسو َل‬
‫اللَّهِ ؟ َقا َل‪َ « :‬م ْن أَ ْد َر َك َوا ِل َديْهِ ِعنْ َد الْكِ َبرِ أَ َح َد ُه َما أَ ْو كِ لَيْهِ َما‪ ،‬ثُ َّم لَ ْم يَ ْدخُ لِ الْ َج َّن َة»‪ .118‬وفضال‬
‫عن أن هذه العبادة طاعة لله ـ تعالى ـ فإنها ـ أيضا ـ من األسباب القوية في تكفير الذنوب‬
‫ومحو السيئات‪ ،‬وقد جاء عن ابن ع ّباس ] أ ّنه جاءه رجل‪ ،‬فقال له ‪ :‬إ ّني خطبت امرأة‬
‫فأبت أن تنكحني وخطبها غيري فأح ّبت أن تنكحه فغِ ُ‬
‫رت عليها فقتلتها فهل لي من توبة ؟‬
‫قال ‪ :‬أ ّمك ح ّية ؟ قال ‪ :‬ال ‪ ،‬قال ‪ :‬تُب إلى الله ـ ع ّز وجل ـ وتق ّرب إليه ما استطعت ‪ ،‬قال عطاء‬
‫بن يسار ‪ :‬فسألت ابن ع ّباس ‪ :‬لم سألته عن حياة أ ّمه ؟ فقال ‪ :‬إ ّني ال أعلم عم ً‬
‫ال أقرب إلى‬
‫قتلت نفساً ‪ ،‬قال ‪ :‬أ ُّمك حية ؟‬ ‫ُ‬ ‫أن رج ً‬
‫ال قال له ‪:‬‬ ‫الله من ب ّر الوالدة ) (‪ .)119‬وروي عن عم َر َّ‬
‫قال ‪ :‬ال ‪ ،‬قال ‪ :‬فأبوك ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬قال ‪ :‬ف ِب َّره وأحسن إليه ‪ ،‬ثم قال عمر ‪ :‬لو كانت أ ُّمه ح َّي ًة‬
‫رجوت أ ْن ال تط َعمه النا ُر أبداً ‪ .‬وعن ابن عباس معناه أيضاً‪ .120‬وكذلك‬
‫ُ‬ ‫فب َّرها‪ ،‬وأحسن إليها‪،‬‬
‫املرأة التي َعمِ لَت بالسحر ب ُدو َمة اجلندلِ ‪ ،‬وقدمت املدين َة تسأ ُل عن توبتها ‪ ،‬فوجدت الن َّ‬
‫َّبي‬
‫[ قد توفي ‪ ،‬فقال لها أصحابُه ‪ :‬لو كان أبواك َح َّييْنِ أو أحدهما كانا يكفيانك ‪ .‬خ َّرجه‬
‫‪121‬‬
‫احلاكم وقال ‪ :‬فيه إجما ُع الصحابة ِح ْدثَان وفا ِة الرسول [ على َّ‬
‫أن ب َّر األبوين يكفيانها‪.‬‬
‫ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم‪.‬‬

‫‪ )118‬رواه مسلم ‪.‬‬


‫وصححه األلباني ـ رحمه الله تعالى ـ في صحيح األدب املفرد ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ )119‬أخرجه البخاري في األدب املفرد‬
‫‪ )120‬انظر جامع العلوم واحلكم ‪.‬‬
‫‪ )121‬رواه احلاكم وصححه ‪ ،‬ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫الحسنات الماحيات‬ ‫‪44‬‬

‫إماطة األذى عن الطريق‬

‫لقد اعتنى اإلسالم بدفع األذى والضرر بكافة أشكالهما عن اآلخرين؛ رغبة منه في‬
‫أن يعيش الناس حياة آمنة مطمئنة ال يكتنفها تنغيص وال يشوبها كدر‪ ،‬ومن ثم جاءت‬
‫آيات الكتاب العزيز آمرة بالبر والتقوى زاجرة عن اإلثم والعدوان‪ ،‬كما في قوله تعالى‪:‬‬
‫{ َوتَ َعا َونُوا ْ َعلَى الْب ِّر َوال َّت ْق َوى َوالَ تَ َعا َونُوا ْ َعلَى ا ِإلثْ ِم َوالْ ُع ْد َوانِ َوا َّتقُوا ْ اللّ َه إ َِّن اللّ َه َشدِ ي ُد‬
‫َاب} (‪ )2‬سورة املائدة‪ ،‬وقوله‪{ :‬إ َِّن اللّ َه يَ ْأ ُم ُر بِالْ َع ْدلِ َوا ِإل ْح َسانِ َوإِيتَاء ذِ ي الْ ُق ْربَى َويَنْ َهى‬
‫الْعِ ق ِ‬
‫َعنِ الْف َْح َشاء َوالْ ُمن َكرِ َوالْ َبغ ِْي يَعِ ُظ ُك ْم لَ َعلَّ ُك ْم تَ َذ َّك ُرو َن } (‪ )09‬سورة النحل‪ ،‬وغير ذلك من‬
‫اآليات الكرميات‪ ،‬كما جاءت السنة املطهرة ـ كذلك ـ باألمر بالكف عن إحلاق األذى‬
‫باآلخرين سواء كان أذى حسيا أو معنويا رابطة بني فعل األذى والعقوبة األخروية ليكون‬
‫ذلك أبلغ في الزجر‪ ،‬فمن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه َع ْن أَبِى ُه َريْ َرةَ ] أَ َّن َر ُسو َل‬
‫ِس فِ ينَا َم ْن الَ دِ ْر َه َم لَ ُه َوالَ َمتَا َع‪َ .‬فقَا َل «‬
‫ِس؟ »‪َ .‬قالُوا الْ ُم ْفل ُ‬ ‫اللَّهِ [ َقا َل‪ « :‬أَتَ ْد ُرو َن َما الْ ُم ْفل ُ‬
‫الةٍ َو ِص َي ٍام َو َز َكاةٍ َويَ ْأتِى َق ْد َشتَ َم َه َذا َو َق َذ َف َه َذا‬ ‫ِس مِ ْن أ ُ َّمتِى يَ ْأتِى يَ ْو َم الْقِ َيا َمةِ ب َ‬
‫ِص َ‬ ‫إ َِّن الْ ُم ْفل َ‬
‫ض َر َب َه َذا َفيُ ْع َطى َه َذا مِ ْن َح َسنَاتِهِ َو َه َذا مِ ْن َح َسنَاتِهِ َف ِإ ْن‬ ‫َوأَ َك َل َما َل َه َذا َو َسف َ‬
‫َك َد َم َه َذا َو َ‬
‫ْضى َما َعلَيْهِ أ ُ ِخ َذ مِ ْن َخ َطايَا ُه ْم َف ُطرِ َح ْت َعلَيْهِ ثُ َّم ُطرِ َح فِ ى النَّارِ‬ ‫َف ِن َي ْت َح َسنَاتُ ُه َقبْ َل أَ ْن يُق َ‬
‫»‪ .‬والنهي عن إحلاق األذى في الشريعة اإلسالمية ال يقف عند حدود البشر بل يتعداه‬
‫إلى احليوان أيضا حيث ال يحل إيذاء احليوان بغير حق‪ ،‬وفي هذا يطالعنا احلديث الذي‬
‫يرويه البخاري َعنِ ابْنِ ُع َم َر ‪ -‬رضى الله عنهما ‪َ -‬عنِ ال َّنب ِِّى [ َقا َل‪َ « :‬د َخل َ ِت ا ْم َرأَةٌ النَّا َر‬
‫ض »‪ ،‬ولئن كانت شريعتنا‬ ‫اش األَ ْر ِ‬
‫فِ ى ِه َّرةٍ َربَ َطتْ َها ‪َ ،‬فل َ ْم ت ُْطعِ ْم َها ‪َ ،‬ولَ ْم تَ َد ْع َها تَ ْأ ُك ُل مِ ْن ِخ َش ِ‬
‫الغراء قد ثربت أشد تثريب على من يتعمد إحلاق األذى باآلخرين فإنها في الوقت ذاته‬
‫كافأت احملسن إلى اآلخرين ـ بشرا كانوا أو بهائم عجماوات ـ مكافأة عظيمة أال وهي‬
‫‪45‬‬ ‫الحسنات الماحيات‬

‫محو ذنب ذلك احملسن‪ ،‬فعن أبي هريرة ] أن رسول الله [ قال‪" :‬بينما رجل ميشي‬
‫بطريق وجد غصن شوك على الطريق فأخره فشكر الله له فغفر له"‪ .122‬وعنه ]‬
‫قال‪ :‬قال النبي [‪" :‬بينما كلب يطيف بركية كاد يقتله العطش إذ رأته بغي من بغايا بني‬
‫إسرائيل‪ ،‬فنزعت موقها‪ ،‬فسقته فغفر لها به"‪. 123‬‬

‫ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم‬

‫‪ )122‬متفق عليه ‪.‬‬


‫‪ )123‬متفق عليه ‪.‬‬
‫الحسنات الماحيات‬ ‫‪46‬‬

‫العناية بموتى المسلمين‬

‫ليس هناك دين وال مذهب وال طريقة اعتنت باإلنسان عناية اإلسالم به‪ ،‬وال حفظت له‬
‫حقوقه وكرامته كما حفظها اإلسالم له ‪ .‬وكل من يحاول املزايدة على ذلك ما يفتأ أن يخزيه‬
‫الله ـ تعالى ـ ويشهد على نفسه ويشهد اآلخرون عليه بأن ما جاء به ال يعدو أن يكون محض‬
‫كذب وافتراء‪ ،‬ومن يطالع آيات الذكر احلكيم يجد أنها تعاملت مع ذلك الكائن معاملة تخلع‬
‫عليه احتراما وتوقيرا‪ ،‬وتكسوه مهابة وإجالال ‪ .‬اللهم إال من نكص منهم على عقبيه بالكفر‬
‫نسا َن‬ ‫ومزق هو ما ألبسه الله إياه من ثياب العزة والكرامة‪ ،‬قال جل شأنه ‪{ :‬لَ َق ْد َخل َ ْقنَا إْ ِ‬
‫ال َ‬
‫ات َفل َ ُه ْم أَ ْج ٌر َغيْ ُر‬‫ِح ِ‬‫الصال َ‬ ‫ني إ اَِّل ا َّلذِ ي َن آ َمنُوا َو َعمِ لُوا َّ‬‫فِ ي أَ ْح َسنِ تَ ْقوِ ٍمي ثُ َّم َر َد ْدنَاهُ أَ ْس َف َل َسافِ ِل َ‬
‫َم ْمن ٍُون} (‪ 4‬ـ ‪ )6‬سورة التني‪ ،‬وقال تعالى‪َ { :‬ولَ َق ْد َك َّر ْمنَا بَنِي آ َد َم َو َح َملْنَا ُه ْم فِ ي الْ َب ِّر َوالْ َب ْحرِ‬
‫ال} (‪ )07‬سورة اإلسراء‪ ،‬ولم‬ ‫ِير ِّم َّم ْن َخل َ ْقنَا تَف ِْضي ً‬ ‫ات َو َف َّضلْنَا ُه ْم َعلَى َكث ٍ‬ ‫َو َر َز ْقنَا ُهم ِّم َن َّ‬
‫الط ِّي َب ِ‬
‫يقف تكرمي اإلسالم لإلنسان عند حدود احلياة فقط بل وإلى ما بعد املمات ‪ ،‬فكما أن له‬
‫حقوقا حال حياته‪ ،‬فإن له حقوقا بعد وفاته يؤديها له من حوله من األحياء‪ ،‬وشحذا لهمم‬
‫هؤالء األحياء وتقوية لعزائمهم كي تتواصل عنايتهم بإخوانهم من األموات وال يتكاسلوا عن‬
‫النهوض بالواجبات املنوطة بهم حيال ذلك‪ ،‬فقد جاء في السنة املطهرة بيان األجر الذي‬
‫ينتظر من يقوم بواجبه من األحياء حيال األموات وهو محو ذنوبه‪ ،‬وهو أيضا لذلك املتوفى‪،‬‬
‫وذلك في مواضع منها ‪:‬‬
‫ـ األمانة في تغسيل املوتى‪ :‬فعن أبي رافع ] قال‪ :‬قال رسول الله [‪" :‬من غسل ميتاً‪،‬‬
‫فكتم عليه غفر له أربعني مرة‪ ،‬و من كفن ميتا كساه الله من السندس وإستبرق اجلنة‪ ،‬ومن‬
‫حفر مليت قبراً فأجنَّه فيه أجرى له من األجر كأجر مسكن أسكنه إلى يوم القيامة"‪.124‬‬
‫ـ صالة مائة على اجلنازة ‪ :‬فعن أبي هريرة ]‪ :‬أن النبي [ قال‪ ":‬من صلى عليه‬

‫‪ )124‬قال الشوكاني في الفوائد‪ :‬قال في الآللىء‪ :‬صححه احلاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي ‪.‬‬
‫‪47‬‬ ‫الحسنات الماحيات‬

‫مائة من املسلمني غفر له"‪. 125‬‬


‫ـ الدعاء للميت باملغفرة‪ :‬فعن أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ قالت‪ :‬قال رسول الله [‪ِ « :‬إ َذا‬
‫ات أَبُو َسل َ َم َة‬ ‫ض ْرتُ ُم الْ َم ِّي َت َفقُولُوا َخيْ ًرا َف ِإ َّن الْ َم َ‬
‫ال ِئ َك َة يُ َؤ ِّمنُو َن َعلَى َما تَقُولُو َن »‪َ .‬فل َ َّما َم َ‬ ‫َح َ‬
‫ِح ًة »‪َ .‬قالَ ْت‬ ‫اغفِ ْر لَ ُه َوأَ ْعقِ بْنَا ُع ْق َبى َ‬
‫صال َ‬ ‫ُقل ْ ُت‪ :‬يَا َر ُسو َل اللَّهِ ‪َ .‬ما أَ ُقو ُل؟ َقا َل‪ُ « :‬قولِي‪ :‬اللَّ ُه َّم ْ‬
‫َف َأ ْع َق َبنِى اللَّ ُه تَ َعالَى ِبهِ ُم َح َّم ًدا‪.126[ ،‬‬

‫ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم‬

‫‪ )125‬رواه ابن ماجه وغيره ‪ .‬قال في الزوائد ‪:‬إسناده صحيح ورجاله رجال الصحيحني‪ ،‬كذا صححه األلباني‪ ،‬رحمه‬
‫الله ‪.‬‬
‫‪ )126‬رواه أبوداود وغيره‪ ،‬وصححه األلباني ‪.‬‬
‫الحسنات الماحيات‬ ‫‪48‬‬

‫ما يتعلق بالمجالس واألماكن‬

‫لقد جبل الله ـ تعالى ـ اإلنسان على حب األنس بغيره من بني البشر والنفور من العزلة‬
‫واالنفراد‪ ،‬ولذلك ملا خلق الله آدم خلق حواء منه ليأنس كل منهما باآلخر ‪ .‬وفي هذا يقول‬
‫ابن كثير ـ رحمه الله ـ في تفسير قوله تعالى ‪َ { :‬و َخل َ َق مِ نْ َها َز ْو َج َها } (‪ )1‬سورة النساء‪،‬‬
‫يقول ‪ :‬خلقت من ِضلعه األيسر من خلفه وهو نائم‪ ،‬فاستيقظ فرآها فأعجبته‪ ،‬فأنس‬
‫إليها وأنست إليه‪ .‬ومن الطبيعي أن يسعى اإلنسان ـ ذكرا كان أو أنثى ـ إلى مجالسة‬
‫اآلخرين وفقا لهذه اجلبلة التي جبل عليها‪ ،‬واإلسالم ال مينعه من إشباع هذه الغريزة‬
‫ولكنه ينظمها له حتى تعود عليه بخير عائدة‪ ،‬لذا كانت الدعوة القرآنية إلى مجانبة‬
‫َاب أَ ْن‬
‫مجالس أهل الفساد والغي والضالل‪ ،‬كما قال تعالى‪َ { :‬و َق ْد نَ َّز َل َعلَيْ ُك ْم فِ ي الْكِ ت ِ‬
‫وضوا ْ فِ ي َحدِ ٍ‬
‫يث‬ ‫ال تَ ْق ُع ُدوا ْ َم َع ُه ْم َحتَّى يَخُ ُ‬ ‫ات اللّهِ يُ َك َف ُر ِب َها َويُ ْستَ ْه َزأ ُ ِب َها َف َ‬‫ِإ َذا َسمِ ْعتُ ْم آيَ ِ‬
‫جمِ ي ًعا} (‪ )041‬سورة‬ ‫ني َوالْ َكافِ رِ ي َن فِ ي َج َه َّن َم َ‬
‫َغيْرِ ِه ِإ َّن ُك ْم ِإ ًذا ِّمثْل ُ ُه ْم إ َِّن اللّ َه َجامِ ُع الْ ُمنَافِ قِ َ‬
‫وضوا ْ‬
‫ض َعنْ ُه ْم َحتَّى يَخُ ُ‬ ‫وضو َن فِ ي آيَا ِتنَا َف َأ ْعرِ ْ‬ ‫النساء‪ ،‬وقال أيضا ‪َ { :‬و ِإ َذا َرأَيْ َت ا َّلذِ ي َن يَخُ ُ‬
‫الذ ْك َرى َم َع الْ َق ْو ِم َّ‬
‫الظالِمِ نيَ}‬ ‫الشيْ َطا ُن َف َ‬
‫ال تَ ْق ُع ْد بَ ْع َد ِّ‬ ‫نس َين ََّك َّ‬
‫يث َغيْرِ ِه َو ِإ َّما يُ ِ‬
‫فِ ي َحدِ ٍ‬
‫(‪ )86‬سورة األنعام‪ ،‬وفي الوقت نفسه حث على مجالس من نوع آخر منزهة عن الباطل‬
‫والسيئ من األقوال واألفعال وفي مقدمتها مجالس ذكر الله تعالى‪ ،‬فعن أنس بن مالك‬
‫] ‪ :‬أن رسول الله [ قال‪« :‬إذا مررمت برياض اجلنة فارتعوا» قال‪ :‬وما رياض اجلنة‬
‫؟ قال‪ »:‬حلق الذكر»‪ ،127‬ومن واسع فضله ـ سبحانه ـ أن جعل اجللوس في هذه اجملالس‬
‫من احلسنات التي تكفر بها الذنوب ومتحى بها اخلطايا‪ ،‬فعن أبي هريرة ] عن‬
‫النبي [ قال‪" :‬إن لله ـ تبارك وتعالى ـ مالئكة سيارة فضال‪ 128‬يتبعون مجالس الذكر‪،‬‬

‫‪ )127‬رواه الترمذي وغيره‪ ،‬وحسنه األلباني ‪.‬‬


‫‪ )128‬أي زيادة عن املالئكة امل ُ َرتَّبني مع اخلالئق‪ .‬وانظر النهاية في غريب احلديث ‪.‬‬
‫‪49‬‬ ‫الحسنات الماحيات‬

‫فإذا وجدوا مجلسا فيه ذكر قعدوا معهم وحف بعضهم بعضا بأجنحتهم حتى ميلؤوا ما‬
‫بينهم وبني السماء الدنيا‪ ،‬فإذا تفرقوا عرجوا وصعدوا إلى السماء ‪ .‬قال‪ :‬فيسألهم الله‬
‫ـ عز وجل ـ وهو أعلم بهم من أين جئتم؟ فيقولون‪ :‬جئنا من عند عباد لك في األرض‬
‫يسبحونك ويكبرونك ويهللونك ويحمدونك ويسألونك ‪ .‬قال‪ :‬وماذا يسألوني؟ قالوا‪:‬‬
‫يسألونك جنتك ‪ .‬قال‪ :‬وهل رأوا جنتي؟ قالوا‪ :‬ال أي رب ‪ .‬قال‪ :‬فكيف لو رأوا جنتي ؟‬
‫قالوا‪ :‬ويستجيرونك ‪ .‬قال‪ :‬ومم يستجيرونني؟ قالوا‪ :‬من نارك يا رب ‪ .‬قال‪ :‬وهل رأوا‬
‫ناري؟ قالوا‪ :‬ال‪ .‬قال‪ :‬فكيف لو رأوا ناري؟ قالوا‪ :‬ويستغفرونك ‪ .‬قال‪ :‬فيقول‪ :‬قد غفرت‬
‫لهم فأعطيتهم ما سألوا وأجرتهم مما استجاروا ‪ .‬قال‪ :‬فيقولون‪ :‬رب فيهم فالن عبد‬
‫‪129‬‬
‫خطاء إمنا مر فجلس معهم ‪ .‬قال‪ :‬فيقول‪ :‬وله غفرت هم القوم ال يشقى بهم جليسهم»‬
‫‪ .‬ونظرا ألن اإلنسان رمبا غفل فتطرق في مجلسه هذا إلى ماال يرضي الله تعالى‪ ،‬فقد‬
‫علمنا الصادق املصدوق كلمات يسيرات ميحو الله تعالى بها ذنوبنا وخطايانا في تلك‬
‫اجملالس حتى ال تكون علينا حسرة وندامة يوم نلقى الله عز وجل‪ ،‬فعن أبي هريرة ]‬
‫قال‪ :‬قال رسول الله [‪" :‬من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من‬
‫مجلسه ذلك ‪ :‬سبحانك اللهم وبحمدك‪ ،‬أشهد أن ال إله إال أنت‪ ،‬استغفرك وأتوب إليك‬
‫ـ إال غفر له ما كان في مجلسه ذلك"‪ ،130‬وعن عمر بن اخلطاب ] أن رسول الله [‬
‫قال‪« :‬من دخل السوق‪ ،‬فقال‪ :‬ال إله إال الله وحده ال شريك له له امللك وله احلمد يحيي‬
‫ومييت وهو حي ال ميوت بيده اخلير وهو على كل شيء قدير‪ ،‬كتب الله له ألف ألف‬
‫‪ .‬وعلى ذلك فإن املسلم‬ ‫‪131‬‬
‫حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة ورفع له ألف ألف درجة»‬
‫مطالب بأن ينتقي من اجملالس ما ينفعه في دينه ودنياه‪ ،‬والبعد عما يضره في ذلك‬
‫عمال بالتوجيه الرباني الكرمي كما في اآليات السابقة‪ ،‬بل رمبا كان بُعده هذا وهجره‬

‫‪ )129‬رواه مسلم ‪.‬‬


‫‪ )130‬رواه الترمذي وصححه‪.‬‬
‫‪ )131‬رواه الترمذي وغيره‪ ،‬وحسنه األلباني مبجموع طرقه ‪.‬‬
‫الحسنات الماحيات‬ ‫‪50‬‬

‫ألماكن ومجالس ال يرضى عنها الله تعالى سببا في تكفير ذنوبه ومحو سيئاته إذا اقترن‬
‫بذلك الهجر توبة نصوح‪ ،‬ويستدل لذلك مبا رواه الشيخان من حديث أبي سعيد ]‪:‬‬
‫عن النبي [ قال‪" :‬كان في بني إسرائيل رجل قتل تسعة وتسعني إنساناً‪ ،‬ثم خرج يسأل‬
‫فأتى راهبا فسأله فقال له‪ :‬هل من توبة؟ قال‪ :‬ال‪ .‬فقتله فجعل يسأل فقال له رجل‪ :‬ائت‬
‫قرية كذا وكذا فأدركه املوت فناء بصدره نحوها فاختصمت فيه مالئكة الرحمة ومالئكة‬
‫العذاب فأوحى الله إلى هذه أن تقربي وأوحى الله إلى هذه أن تباعدي وقال قيسوا ما‬
‫بينهما فوجد إلى هذه أقرب بشبر فغفر له"‪.‬‬

‫ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم‬
‫‪51‬‬ ‫الحسنات الماحيات‬

‫تعلم ًا وتعليم ًا‬


‫االشتغال بالعلم ُّ‬
‫لقد عني اإلسالم بالعلم عناية فائقة‪ ،‬وأواله اهتماما منه بالغا‪ ،‬وال أدل على ذلك من أن أول‬
‫ما أوحي به إلى النبي [ كان أمرا من الله تعالى لنبيه الكرمي بالقراءة التي هي مفتاح العلم‬
‫وبوابته العظمى‪ ،‬وللعلماء منزلة عظيمة في اإلسالم يدلل على ذلك طريقة تناولهم باحلديث‬
‫في الكتاب والسنة‪ ،‬فهم أحق عباد الله باخلشية منه سبحانه‪ ،‬قال جل شأنه‪ِ { :‬إ َّن َما يَخْ َشى‬
‫اللَّ َه مِ ْن ِع َبادِ ِه الْ ُعل َ َماء إ َِّن اللَّ َه َعزِ ي ٌز َغفُو ٌر} (‪ )82‬سورة فاطر‪ ،‬وهم محل تشريف الله وتكرميه‬
‫{شهِ َد اللّ ُه أَ َّن ُه الَ ِإلَ َه ِإ َّال‬
‫حيث شهدوا مع صفوة الله من خلقه على وحدانيته‪ ،‬قال سبحانه ‪َ :‬‬
‫حكِ ي ُم} (‪ )81‬سورة آل عمران‪،‬‬ ‫ال ِئ َك ُة َوأ ُ ْولُوا ْ الْعِ ل ْ ِم َقآ ِئ َماً بِالْقِ ْس ِط الَ ِإلَ َه ِإ َّال ُه َو الْ َعزِ ي ُز الْ َ‬
‫ُه َو َوالْ َم َ‬
‫واملشتغلون بالعلم تعلما وتعليما مع املشتغلني بذكر الله وما قاربه من محاب الله تعالى ـ هم‬
‫املستثنون من غضب الله والطرد من رحمته‪ ،‬فعن أبي ُه َريْ َرةَ ] قال‪َ :‬سمِ ْع ُت َر ُسو َل اللَّهِ‬
‫[ يَقُو ُل‪ « :‬أَالَ إ َِّن ال ُّدنْ َيا َمل ْ ُعونَ ٌة َمل ْ ُعو ٌن َما فِ ي َها ِإ َّال ذِ ْك َر اللَّهِ َو َما َواالَهُ َو َعا ِل ًما أَ ْو ُمتَ َعلِّ ًما »‪.132‬‬
‫كما أن طلب العلم وسلوك السبل املوصلة إليه يعود على صاحبه بعائدة خير وبركة‪ ،‬إذ يبقى‬
‫من في السماوات ومن في األرض ممن خلق الله يستغفرون له ما دام على ذلك احلال‪ ،‬فعن‬
‫كثير بن قيس قال‪ :‬كنت جالسا مع أبي الدرداء ] في مسجد دمشق‪ ،‬فجاءه رجل فقال‪ :‬يا‬
‫أبا الدرداء إني جئتك من مدينة الرسول [ حلديث بلغني أنك حتدثه عن رسول الله [‬
‫ما جئت حلاجة‪ .‬قال‪ :‬فإني سمعت رسول الله [ يقول‪" :‬من سلك طريقا يطلب فيه علما‬
‫سلك الله به طريقاً من طرق اجلنة‪ ،‬وإن املالئكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم‪ ،‬وإن العالم‬
‫ليستغفر له من في السموات ومن في األرض واحليتان في جوف املاء وإن فضل العالم على‬
‫العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب وإن العلماء ورثة األنبياء وإن األنبياء لم‬
‫يورثوا دينارا وال درهما وإمناورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر"‪. 133‬‬

‫ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم‬

‫‪ )132‬رواه التزمذي وغيره‪ ،‬وقال أبو عيسى‪ :‬هذا حديث حسن غريب ‪.‬‬
‫‪ )133‬رواه أبو داود وغيره‪ ،‬وصححه األلباني‪.‬‬
‫الحسنات الماحيات‬ ‫‪52‬‬

‫إقامـــة الحــــدود‬
‫لقد شرع الله ـ َّ‬
‫جل وعال ـ احلدود ملكافحة اجلرمية والرذيلة‪ ،‬وصيانة اجملتمع‬
‫من الفساد واملعاصي‪ ،‬وحماية مصالح أساسية أجمعت الشرائع السماوية على‬
‫احملافظة عليها وهي‪ :‬حفظ الدين‪ ،‬وحفظ النسل‪ ،‬وحفظ النفس‪ ،‬وحفظ العقل‪،‬‬
‫وحفظ املال‪ ،‬وهي املعروفة بالضروريات اخلمس‪ ،‬وسميت بذلك ألنه ال قيام‬
‫حلياة الناس وصالحهم إال بتوافرها ووجودها‪ ،‬كما أنه حفظها من االعتداء‬
‫عليها ووضع العقاب الرادع ملن حاول التعدي عليها‪ .‬وقد أحكم الله َّ‬
‫جل وعال‬
‫وجوه الزجر الرادعة عن هذه اجلنايات غاية اإلحكام وشرعها على أكمل الوجوه‪،‬‬
‫فشرع حد الزنا صيانة لألنساب من التعرض للضياع‪ ،‬وحد السرقة‪ ،‬وقطع‬
‫الطريق لصيانة األموال واألنفس‪ ،‬وحد القذف لصيانة األعراض‪ ،‬وحد الشرب‬
‫لصيانة العقول‪ .‬ومهما عكفت عقول بني البشر بغية وضع تشريعات حلماية‬
‫هذه الضروريات اخلمس فلن تبلغ معشار ما جادت به الشريعة اإلسالمية الغراء‬
‫من ذلك‪ ،‬بشهادة أساطني القضاء وشيوخه وصدق الله تعالى إذ قال‪{ :‬أَ َف ُح ْك َم‬
‫اه ِل َّيةِ يَبْغُو َن َو َم ْن أَ ْح َس ُن مِ َن اللّهِ ُح ْك ًما ِّل َق ْو ٍم يُوقِ نُونَ} (‪ )05‬سورة املائدة‪ ،‬بيد‬
‫الْ َج ِ‬
‫أن ما يدهش له املتأمل غاية الدهشة أن املنطلق الذي تنطلق منه احلدود في‬
‫اإلسالم ليس للتشفي من خلق الله وجلب العنت واملشقة لهم‪ ،‬بل لإلصالح‬
‫وإشاعة أجواء مفعمة باألمن مترعة باألمان‪ ،‬بحيث يتنسم جميع أفراد اجملتمع‬
‫عبير الراحة واالستقرار فيستفيدون جميعا‪ ،‬مبا في ذلك اجلاني الذي تنفذ‬
‫فيه العقوبة أواحلد‪ ،‬ومن أعظم ما يستفيده اجلاني الذي أقيم عليه حد الله‬
‫تعالى تكفير ذنبه ذلك ومحوه من صحيفته‪ ،‬فعن عبادة بن الصامت ] وكان‬
‫شهد بدرا وهو أحد النقباء ليلة العقبة أن رسول الله [ قال وحوله عصابة من‬
‫أصحابه ‪« :‬بايعوني على أن ال تشركوا بالله شيئا وال تسرقوا وال تزنوا وال تقتلوا‬
‫‪53‬‬ ‫الحسنات الماحيات‬

‫أوالدكم وال تأتوا ببهتان تفترونه بني أيديكم وأرجلكم وال تعصوا في معروف فمن‬
‫وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدنيا فهو كفارة‬
‫له‪ ،‬ومن أصاب من ذلك شيئا‪ ،‬ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء‬
‫عاقبه ) ‪ .‬فبايعناه على ذلك‪ .134‬وعن ابن خزمية بن ثابت عن أبيه ] قال ‪ :‬قال‬
‫رسول الله [‪« :‬من أقيم عليه حد غفر له ذلك الذنب»‪.135‬‬

‫ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم‬

‫‪ )134‬متفق عليه ‪.‬‬


‫‪ )135‬رواه الدارمي‪ ،‬وسنده حسن ‪.‬‬
‫الحسنات الماحيات‬ ‫‪54‬‬

‫السماحة في البيع والشراء واالقتضاء‬

‫اإلسالم كما هو دين عقيدة وعبادة فهو أيضا دين معاملة‪ ،‬ومن يطالع كتب الفقه اإلسالمي‬
‫يجد أن احلديث في جانب املعامالت من بيوع وشركات و نكاح وطالق وعدد ورضاع ونفقات‬
‫وجنايات وديات وحدود وقضاء وشهادات وإقرار الخ يشغل حيزا كبيرا جدا من تلك الكتب‪،‬‬
‫وهذا دليل ظاهر على شمولية هذا الدين وجدارته بقيادة احلياة في دقيقها وجليلها وليس‬
‫كما يدعي ـ زورا وبهتانا ـ بعض اجلاهلني بحقيقة اإلسالم أن اإلسالم مكانه املسجد وعلى‬
‫الناس أن يقيموا حياتهم بعيدا عنه في ضوء ما متليه عليهم عقولهم القاصرة وأهواؤهم‬
‫الزائغة‪ ،‬ولسنا هنا بصدد مناقشة هؤالء وتفنيد شبههم‪ ،‬ولكننا نريد أن نقرر حقيقة كبرى‬
‫ها هنا وهي أن اإلسالم سلك مسلكا مبهرا في تشريعاته إذ ربط بني إقامة هذه التشريعات‬
‫وبني اجلزاء األخروي األمر الذي يجد فيه اخمللصون بغيتهم وطلبتهم‪ ،‬فيتعاظم جهدهم‬
‫ويزداد سعيهم‪ ،‬وفي إطار ما نحن بصدده جند رسولنا الكرمي ـ صلوات الله وتسليماته عليه‬
‫ـ يقدم حافزا جزيال ودعما كبيرا ‪ ،‬ترى ملن ؟!! إنه ملن تعامل في بيعه وشرائه وفق شرع الله‬
‫وحكمه وزاد على ذلك حسن خلق أثناء تعامله مع اآلخرين ـ بيعا وشراء وقضاء ـ واجلزاء‬
‫واحلافز محو ذنبه‪ ،‬فعن جابر ] قال‪ :‬قال رسول اللَّه [‪« :‬غفر الله لرجل ممن كان‬
‫ال إذا اشترى‪ ،‬سه ً‬
‫ال إذا اقتضى»‪.136‬‬ ‫ال إذا باع‪ ،‬سه ً‬
‫قبلكم كان سه ً‬

‫ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم‬

‫ص ِحي ٌح َح َس ٌن َغرِ ٌ‬
‫يب مِ ْن هَ َذا الْ َو ْجهِ ‪.‬‬ ‫‪ 136‬رواه الترمذي وقال ‪ :‬هَ َذا َحدِ يثٌ َ‬
‫‪55‬‬ ‫الحسنات الماحيات‬

‫الصـــالة علــى النبــي [‬

‫إن الله تعالى بعث نبينا محمد [ بالهدى ودين احلق‪ ،‬وجعله خامت النبيني وإمام املرسلني‪،‬‬
‫وش ّرفه بتبليغ رسالته إلى الناس كافة‪ ،‬ليخرجهم به من ظلمات الشرك إلى نور التوحيد‪،‬‬
‫فكان رحم ًة للعاملني وإماماً للمتقني‪ ،‬فلزم على العباد طاعته وتوقيره والقيام بحقوقه‬
‫ومن حقوقه أن الله اختصه بالصالة عليه‪ ،‬وأمرنا بذلك في كتابه احلكيم وسنة نبيه‬
‫الكرمي حيث كتب مضاعفة األجر ملن صلّى عليه‪ ،‬فما أسعد من وفق لفعل ذلك وهدي‬
‫صلُّو َن َعلَى ال َّنب ِِّي يَا أَ ُّي َها ا َّلذِ ي َن آ َمنُوا َ‬
‫صلُّوا‬ ‫إليه ‪.‬قال الله تعالى‪{ :‬إ َِّن اللَّ َه َو َم اَل ِئ َكتَ ُه يُ َ‬
‫َعلَيْهِ َو َسلِّ ُموا ت َْسلِي ًما} (‪ )65‬سورة األحزاب ‪ .‬قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ‪ ( :‬املقصود من هذه‬
‫اآلية أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ أخبر عباده مبنزلة عبده ونبيه عنده في املأل األعلى بأنه‬
‫تصلي عليه املالئكة‪ ،‬ثم أمر الله تعالى العالم السفلي بالصالة والسالم عليه‪ ،‬ليجتمع‬
‫الثناء عليه من أهل العاملني العلوي والسفلي جميعاً ) أ‪.‬هـ‪ .‬ويقول ابن القيم ‪ -‬رحمه‬
‫الله تعالى ‪ -‬في جالء األفهام‪ ( :‬واملعنى أنه إذا كان الله ومالئكته يصلون على رسوله‬
‫فصلوا عليه أنتم أيضاً صلوا عليه وسلموا تسليماً ملا نالكم ببركة رسالته ومين سفارته‬
‫من خير شرف الدنيا واآلخرة ) أ‪.‬هـ‪ .‬ومع كون هذه الصالة التي نصليها على النبي [‬
‫حقا علينا وواجبا إال أن الله تعالى جعل فيها لنا منافع عظيمة وفوائد جليلة‪ ،‬ومن بني‬
‫تلك املنافع والفوائد تكفير الذنوب ومحوها‪ ،‬فعن أبي بن كعب ]ـ قال ‪ُ :‬قل ْ ُت يَا َر ُسو َل‬
‫التِى‪137‬؟ َفقَا َل‪َ « :‬ما ِشئْ َت »‪َ .‬قا َل‪:‬‬ ‫ص َ‬ ‫الةَ َعلَيْ َك ‪َ .‬ف َك ْم أَ ْج َع ُل لَ َك مِ ْن َ‬ ‫اللَّهِ ‪ِ :‬إ ِّنى أ ُ ْك ِث ُر َّ‬
‫الص َ‬
‫ُقل ْ ُت‪ :‬ال ُّربُ َع‪َ .‬قا َل‪َ « :‬ما ِشئْ َت َف ِإ ْن زِ ْد َت َف ُه َو َخيْ ٌر لَ َك »‪ُ .‬قل ْ ُت‪ :‬الن ْ‬
‫ِّص َف‪َ .‬قا َل‪َ « :‬ما ِشئْ َت َف ِإ ْن‬
‫زِ ْد َت َف ُه َو َخيْ ٌر لَ َك »‪َ .‬قا َل‪ُ :‬قل ْ ُت‪َ :‬فالثُّلُثَيْنِ ‪َ .‬قا َل‪َ « :‬ما ِشئْ َت َف ِإ ْن زِ ْد َت َف ُه َو َخيْ ٌر لَ َك »‪ُ .‬قل ْ ُت‪:‬‬

‫‪ )137‬أي بدل دعائي الذي أدعو به لنفسي‪ ،‬قاله القاري ‪ .‬وقال املنذري في الترغيب ‪ :‬معناه أكثر الدعاء‪ ،‬فكم أجعل لك‬
‫من دعائي صالة عليك؟ ‪.‬‬
‫الحسنات الماحيات‬ ‫‪56‬‬

‫ص َ‬
‫التِى ُكلَّ َها‪َ .‬قا َل‪ِ « :‬إ ًذا تُ ْكفَى َه َّم َك َويُ ْغ َف ُر لَ َك َذنْبُ َك »‪ .138‬عن أنس بن مالك‬ ‫أَ ْج َع ُل لَ َك َ‬
‫]‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول الله [‪ « :‬من صلى علي صالة صلى الله عليه عشر صلوات ‪،‬‬
‫وحط عنه عشر خطيئات »‪. 139‬‬

‫ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم‬

‫**********‬

‫‪ )138‬رواه أحمد وغيره بسند حسن ‪.‬‬


‫‪ )139‬رواه احلاكم‪ ،‬وقال‪ :‬هذا حديث صحيح اإلسناد ولم يخرجاه ‪.‬‬
‫‪57‬‬ ‫الحسنات الماحيات‬

‫الـــخاتمـــــة‬
‫ •قاعدة ‪:‬األحاديث املطلقة في تكفير الذنوب مقيدة بترك الكبائر‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫{إِن ت َْجتَ ِنبُوا ْ َك َبآ ِئ َر َما تُنْ َه ْو َن َعنْ ُه نُ َك ِّف ْر َعن ُك ْم َس ِّيئَا ِت ُك ْم َونُ ْد ِخل ْ ُكم ُّم ْد َخ ً‬
‫ال َكرِ ميًا}‬
‫ات‬ ‫وع ْن أَبِى ُه َريْ َرةَ ] أَ َّن َر ُسو َل اللَّهِ [ َكا َن يَقُو ُل‪َّ « :‬‬
‫الصل َ َو ُ‬ ‫(‪ )13‬سورة النساء‪َ ،‬‬
‫ضا َن ُم َك ِّف َر ٌ‬
‫ات َما بَيْنَ ُه َّن ِإ َذا ْ‬
‫اجتَن ََب‬ ‫ضا ُن ِإلَى َر َم َ‬
‫س َوالْ ُج ُم َع ُة ِإلَى الْ ُج ُم َعةِ َو َر َم َ‬
‫الْ َخ ْم ُ‬
‫الْ َك َبا ِئ َر »‪ ،140‬وأما الكبائر فتكفرها التوبة النصوح‪ ،‬قال تعالى ـ بعد ذكره ملصير‬
‫َاب َوآ َم َن َو َعمِ َل َع َم اًل َ‬
‫صال ًِحا‬ ‫مرتكبي كبائر الشرك والقتل والزنا ـ ‪{ :‬إ اَِّل َمن ت َ‬
‫َات َو َكا َن اللَّ ُه َغفُو ًرا َّر ِحي ًما} (‪ )07‬سورة الفرقان‪.‬‬ ‫َفأُ ْولَئ َ‬
‫ِك يُ َبدِّ ُل اللَّ ُه َس ِّيئَاتِهِ ْم َح َسن ٍ‬

‫الص اَلة‬‫ضوء‪َ ،‬ف َما َذا تُ َك ِّفر َّ‬ ‫ •فائدة ‪ :‬قال النووي ـ رحمه الله ـ ‪َ :‬ق ْد يُقَال ‪ِ :‬إ َذا َك َّف َر الْ ُو ُ‬
‫ص ْوم يَ ْوم َع َر َفة‬‫ِك َ‬ ‫ضان؟‪َ ،‬و َك َذل َ‬ ‫الص اَلة‪َ ،‬ف َما َذا تُ َك ِّفر الْ ُج ُم َعات َو َر َم َ‬
‫؟ َو ِإ َذا َك َّف َر ْت َّ‬
‫اشو َراء َكفَّا َرة َسنَة‪َ ،‬و ِإ َذا َوا َف َق تَ ْأمِ ينه تَ ْأمِ ني الْ َم اَل ِئ َكة ُغفِ َر‬ ‫َكفَّا َرة َسنَتَيْنِ ‪َ ،‬ويَ ْوم َع ُ‬
‫احد مِ ْن َهذِ ِه الْ َم ْذ ُكو َرات‬ ‫لَ ُه َما تَق ََّد َم مِ ْن َذنْبه ‪َ .‬والْ َج َواب َما أَ َجابَ ُه الْ ُعل َ َماء أَ َّن ُك ّل َو ِ‬
‫صغِ ي َرة‬
‫صادِ ف َ‬ ‫الصغَائِر َك َّف َرهُ َو ِإ ْن لَ ْم يُ َ‬‫صالِح لِل َّت ْكفِ يرِ َف ِإ ْن َو َج َد َما يُ َك ِّفرهُ مِ ْن َّ‬ ‫َ‬
‫صا َد َف ْت َكبِي َرة أَ ْو َك َبائِر َولَ ْم‬
‫َو اَل َكبِي َرة ُك ِت َب ْت ِبهِ َح َسنَات َو ُرفِ َع ْت ِبهِ َد َر َجات ‪َ ،‬و ِإ ْن َ‬
‫صغِ ي َرة َر َج ْونَا أَ ْن يُ َخ ِّف َف مِ ْن الْ َك َبائِر ‪َ .‬واَللَّه أَ ْعلَم‪. 141‬‬
‫صادِ ف َ‬
‫يُ َ‬

‫أخي الكرمي‪ :‬هذه بعض األعمال السهلة امليسورة ومع سهولتها ويسرها إال أن الله تعالى‬
‫جعل لها قوة عجيبة وأثرا أكيدا في محو ما ميكن أن يقع منا من ذنوب وما يعترينا من‬
‫غفالت وخطايا ‪ .‬فاجتهد ـ رعاك الله ـ في طلبها‪ ،‬واحفظها وحافظ عليها‪ ،‬عسى أن تكون‬
‫من السعداء املفلحني الذي يلقون الله وما على أحدهم من خطيئة‪ ،‬وصلى الله على نبينا‬
‫محمد وعلى آله وصحبه أجمعني‪.‬‬

‫‪ )140‬رواه مسلم ‪.‬‬


‫‪ )141‬شرح مسلم للنووي ‪.‬‬
‫الحسنات الماحيات‬ ‫‪58‬‬

‫الفهـــــــرس‬

‫‪3‬‬ ‫إهداء‬

‫‪4‬‬ ‫املقدمة‬

‫‪5‬‬ ‫توحيد الله تعالى وإسالم الوجه له سبحانه‬

‫‪8‬‬ ‫التوبة‬

‫‪10‬‬ ‫االستغفار‬

‫‪13‬‬ ‫عمل احلسنة بعد السيئة‬

‫‪15‬‬ ‫الوضوء‬

‫‪18‬‬ ‫األذان‬

‫‪20‬‬ ‫الصالة‬

‫‪25‬‬ ‫اإلنفاق في سبيل الله‬

‫‪27‬‬ ‫الصيام‬

‫‪29‬‬ ‫احلج والعمرة‬

‫‪31‬‬ ‫الشهادة في سبيل الله‬


‫‪59‬‬ ‫الحسنات الماحيات‬

‫‪33‬‬ ‫ذكر الله‬

‫‪39‬‬ ‫االبتالء‬

‫‪41‬‬ ‫مصافحة املسلم أخاه املسلم‬

‫‪42‬‬ ‫اخلشية من الله‬

‫‪43‬‬ ‫بر الوالدين‬

‫‪44‬‬ ‫إزالة األذى من الطريق‬

‫‪46‬‬ ‫العناية مبوتى املسلمني‬

‫‪48‬‬ ‫ما يتعلق باجملالس واألماكن‬

‫‪51‬‬ ‫االشتغال بالعلم تعلُّماً وتعليماً‬

‫‪52‬‬ ‫إقامة احلدود‬

‫‪54‬‬ ‫السماحة في البيع والشراء واالقتضاء‬

‫‪55‬‬ ‫الصالة على النبي [‬

‫‪57‬‬ ‫اخلامتة‬
‫للطلب واالستفسار ‪ :‬االتصال على مؤسسة الشيخ عيد الخيرية‬
‫هاتف ‪4355555 :‬‬

You might also like