You are on page 1of 221

‫دكتور عبد العظيم المطعني‬

‫الجائز والممنوع فى الصيام‬


‫اتبع‬ ‫لكتب اخرى ممتعة من‬
‫الرابط التالي‪.‬‬

‫‪http://www.shorouk.com/ebooks‬‬
‫دكتور َعبد العظيم املطعنى‬

‫اجلائز واملمنوع ىف‬


‫الصيام‬
‫ّ‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫تقديم‬

‫الحمد لله القائل‪« :‬فلوال نفر من كل‬


‫فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين»‬
‫والصالة والسالم على رسوله األمين‬
‫خيرا يفقهه فى‬
‫القائل‪« :‬من يرد الله به ً‬
‫الدين» ورضى الله عن آله وصحابته‬
‫وتابعيهم أجمعين‪.‬‬

‫‬
‫وبعد‪:‬‬
‫فيا عزيزى القارئ‪:‬‬
‫إن الصوم عبادة‪ ،‬وكل عبادة شرع الله‬
‫لها قانونها الخاص بها‪ .‬فلكل عبادة شروط‬
‫وأركان وسنن ومندوبات إذا روعيت‬
‫فيها صحت تلك العبادة وكملت‪ ،‬ولكل‬
‫عبادة محظورات ومكروهات ال بد من‬
‫معرفتها لتجنبها‪ .‬فإذا وقع فيها محظور‬
‫بطلت‪ .‬وإذا وقع فيها مكروه جنح بها عن‬
‫الكمال‪ .‬وفى كل عبادة أمور مباحة تركها‬
‫وفعلها سواء فى عدم الضرر والتأثير‪.‬‬
‫وهذه األمور تجب معرفتها على‬
‫‬
‫كل مكلف بقدر طاقته‪ ،‬وإلى هذا يشير‬
‫الحديث الشريف‪« :‬طلب العلم فريضة‬
‫على كل مسلم ومسلمة»‪ ،‬والمكلف‬
‫الذى يجهل فقه كل العبادة التى يؤديها‬
‫يعرض عمله للخطأ والبطالن‪ ،‬ويعرض‬
‫نفسه للمساءلة بين يدى الديان‪.‬‬
‫ال ـ الذى لم يدرب على‬ ‫فالسائق ـ مث ً‬
‫إصالح عطل أصيبت به سيارته‪ ،‬فإنه‬
‫يتوقف عن السير فى حيرة وقلق‪ ،‬وكذلك‬
‫المكلف الذى لم يدر كيف يصحح‬
‫عبادته‪ ،‬يتوقف عن النجاح فى أدائها‪،‬‬
‫معا خير كثير بسبب جهلهما‬ ‫ويفوتهما ً‬
‫‬
‫بما كان ينبغى فهمه وحذقه‪.‬‬
‫وفى شهر الصوم تعرض للصائم كثير‬
‫من المشكالت التى تمس تلك العبادة‪.‬‬
‫وهو ال يدرى حكم الشرع فيها‪ .‬فقد‬
‫تكون مبطلة لصومه‪ ،‬أو تكون مكروهة‬
‫مجرد كراهة وليست مبطلة للصوم‪،‬‬
‫وقد تكون محرمة حرمة تنقص من أجر‬
‫الصائم‪ ،‬وقد تكون مباحة ال تأثير لها فى‬
‫العبادة‪ .‬وما أكثر ما يعرض لنا من مشاكل‬
‫فى أثناء صومنا رجا ً‬
‫ال ونسا ًء‪ ،‬شبا ًنا‬
‫وصغارا‪ .‬وقد ال نجد من‬‫ً‬ ‫كبارا‬
‫وشابات‪ً ،‬‬
‫يفتينا فى هذه األمور فتوى نستريح إليها‪،‬‬
‫‬
‫أو نجد‪ ،‬ولكن بعد فوات األوان‪.‬‬
‫ولكى يسهل على كل مسلم أداء هذه‬
‫الفريضة المقدسة بمعرفة كل أحكامها‬
‫وآدابها‪ ،‬ومعرفة الحلول الشرعية لكل‬
‫ما يعرض فيها للمكلف من مشاكل‬
‫وأحداث‪ .‬من أجل هذا فكرت ـ مستمدً ا‬
‫العون والتوفيق من الله ـ فى وضع هذا‬
‫الكتيب ليكون عو ًنا لك على تصحيح‬
‫عبادتك‪ .‬فمتى عرضت لك مسألة‬
‫وجدت حلها قري ًبا منك فى ليل أو نهار‪.‬‬
‫وقد توخيت فيها اإليجاز والوضوح‬
‫نوعا من االستقالل الذاتى‬ ‫ألحقق لك ً‬
‫فى توجيه نفسك وتوجيه أسرتك فيما‬
‫افترض الله علينا من عبادات ونسك‪.‬‬
‫ولم أقتصر على الحديث عن الصوم‪.‬‬
‫بل تناولت ـ فى إيجاز ووضوح كذلك‬
‫ـ مسائل أخرى لها بصوم رمضان نسب‬
‫وصلة‪ ،‬مثل‪ :‬صالة التراويح ـ زكاة الفطر‬
‫ـ ليلة القدر ـ صالة العيدين‪.‬‬
‫وإنى ألقدر حاجتك الماسة لكل هذه‬
‫الفروع‪ ،‬ومن أجلك كان هذا الكتيب‪.‬‬
‫على أنى لم أبخل عليك بذكر الخالف‬
‫بين األئمة األربعة فى كثير من المسائل‬
‫ليكون حكمك على األمور معتمدً ا على‬
‫كل المصادر الفقهية المشهورة‪ .‬وتذكر‬
‫دائما قول الرسول عليه السالم‪:‬‬
‫ً‬
‫خيرا يفقهه فى الدين»‪.‬‬
‫«من يرد الله به ً‬
‫وشكرا للقائمين على أمر «دار الشروق»‬
‫ً‬
‫الذين هيأوا السبيل لهذا الكتيب ليكون‬
‫جميعا‬
‫ً‬ ‫فى يد القارئ الكريم‪ .‬وفقنا الله ـ‬
‫ـ لما فيه رضاه‪ .‬وبارك صوابنا‪ .‬وعفا عن‬
‫أخطائنا‪ .‬إنه سميع مجيب‪.‬‬

‫د‪ .‬عبد العظيم المطعنى‬


‫جامعة األزهر‬
‫‬

‫الفصل األول‬
‫رمضان فى اإلسالم‬

‫الصوم ركن من أركان اإلسالم الخمسة‬


‫لقوله عليه السالم ‪« :‬بنى اإلسالم على‬
‫خمس‪ :‬شهادة أن ال إله اَّإل الله‪ .‬وأن‬
‫محمد رسول الله‪ .‬وإقام الصالة وإيتاء‬
‫الزكاة‪ ،‬والحج‪ .‬وصوم رمضان» رواه‬
‫البخارى‪.‬‬
‫وقد فرض صوم رمضان فى شعبان‬
‫‪10‬‬
‫من السنة الثانية للهجرة واألصل فيه قوله‬
‫تعالى‪« :‬يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم‬
‫الصيام كما كتب على الذين من قبلكم»‬
‫وقد وردت هذه اآلية فى سورة البقرة‬
‫وهى مدنية استغرق نزولها تسع سنوات‪.‬‬
‫وشهر رمضان له شأن عظيم فى‬
‫اإلسالم من ذلك‪:‬‬
‫‪ -‬أنه الشهر الفريد الذى ورد ذكره‬
‫صريحا فى القرآن الكريم فى قوله‬
‫ً‬ ‫باسمه‬
‫تعالى‪ « :‬شهر رمضان الذى أنزل فيه‬
‫القرآن هدى للناس وبينات من الهدى‬
‫والفرقان»‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫‪ -‬أنه الشهر الذى اختاره الله مبدأ‬
‫لنزول القرآن الكريم ولتشريف النبى‬
‫عليه السالم بأمر الرسالة فى أول سورة‬
‫نزلت وهى قوله تعالى‪« :‬اقرأ باسم ربك‬
‫الذى خلق»‪.‬‬
‫‪ -‬أنه الشهر الذى وقعت فيه فتوحات‬
‫عظيمة كان لها أثر كبير فى مستقبل‬
‫الدعوة‪ ،‬منها غزوة بدر الكبرى التى‬
‫غيرت مجرى التاريخ وال تزال ـ ولن‬
‫تزال ـ مضرب األمثال فى البطولة المؤمنة‬
‫المؤيدة بنصر الله «ولقد نصركم الله ببدر‬
‫وأنتم أذلة» ومن تلك الفتوحات فتح مكة‬
‫وهو حدث تاريخى إسالمى هام ويكفى‬
‫أن يقول الله تعالى فيه‪:‬‬
‫«إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس‬
‫أفواجا فسبح بحمد‬ ‫ً‬ ‫يدخلون فى دين الله‬
‫ربك واستغفره إنه كان توا ًبا»‪.‬‬
‫والمراد بالفتح ـ هنا ـ هو فتح مكة‬
‫وقد وقع لعشر خلون من شهر رمضان‬
‫سنة ثمان من الهجرة‪ .‬وبعده أخذ الناس‬
‫أفواجا قبيلة قبيلة‬
‫ً‬ ‫يدخلون فى اإلسالم‬
‫بعد أن كانوا يدخلون فيه واحدً ا واحدً ا‪،‬‬
‫واثنين اثنين‪ ،‬وأمن المسلمون فى حلهم‬
‫وترحالهم بعد أن قضوا على حصون‬
‫الوثنية والشرك‪.‬‬
‫وفى عصرنا الحديث َم َّن الله علينا‬
‫بنصره فى معركة العاشر من رمضان وأيد‬
‫قوات «بدر» بروح منه فربط حاضر األمة‬
‫بماضيها وأعاد الذكرى عم ً‬
‫ال خالدً ا ال‬
‫ال «وما النصر اَّإل من عند الله»‪.‬‬ ‫قو ً‬
‫ال زائ ً‬
‫‪ -‬أنه الشهر الذى جعل الله من لياليه‬
‫ليلة كريمة مباركة‪ ،‬ضاعف فيها الفضل‬
‫أضعا ًفا كثيرة‪ ،‬ليلة القدر التى هى خير‬
‫من ألف شهر (ثالث وثمانون سنة) ألنها‬
‫الليلة التى كانت ميقا ًتا لنزول القرآن‬
‫الكريم «إنا أنزلناه فى ليلة القدر»‪.‬‬
‫‪ -‬من أجل ذلك كله‪ ،‬فرض الله صوم‬
‫تعظيما لحرمة‬
‫ً‬ ‫رمضان فى شهر رمضان‬
‫وتذكيرا عمل ًيا للناس‬
‫ً‬ ‫هذا الشهر العظيم‪،‬‬
‫بجالئل نعم الله التى منحت لهم فيه‬
‫«فمن شهد منكم الشهر فليصمه»‪.‬‬
‫اآلثار الواردة فى فضله‪:‬‬
‫تقدمت النصوص القرآنية التى تتحدث‬
‫ـ فى إيجاز بليغ ـ عن فضل الصوم‪ .‬أما‬
‫السنة الطاهرة فقد ورد فيها كثير من‬
‫النصوص فى هذا المجال‪ .‬فقد روى‬
‫البخارى عن أبى ُه َر ْي َرة رضى الله عنهما‬
‫أن رسول الله عليه السالم قال‪:‬‬
‫«الصيام جنة‪ :‬فال يرفث وال يجهل‪،‬‬
‫وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل‪ :‬إنى صائم‬
‫(مرتين) والذى نفسى بيده لخلوف فم‬
‫الصائم أطيب عند الله من ريح المسك‪.‬‬
‫يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلى‪.‬‬
‫الصيام لى وأنا أجزى به‪ ،‬والحسنة بعشر‬
‫أمثالها»‪.‬‬
‫الجنة‪ :‬الوقاية‪ .‬يعنى أن الصيام يقى‬
‫الصائم من النار أو يقيه من الشهوات‪ ،‬أو‬
‫معا من الشهوات‬
‫هو يقيه ويحفظه منهما ً‬
‫ومن النار‪ .‬ألن من وقى من الشهوات‬
‫ُبوعد بينه وبين النار‪.‬‬
‫‪16‬‬
‫والرفث المنهى عنه فى الحديث‬
‫هو الجماع ومقدماته‪ ،‬وكل فاحش من‬
‫القول‪ .‬فليس من خلق الصائم أن يقع‬
‫فى مثل هذه األعمال‪ ،‬وعليه أن يتجنب‬
‫كل ما يفعله الجهلة كالصياح لغير حاجة‬
‫والسخرية والسفه‪ ،‬وعليه أن يسمو‬
‫بأقواله وأفعاله وأن يطهر قلبه ويصون‬
‫جوارحه عن ممارسة المحظورات قو ً‬
‫ال‬
‫وسماعا‪.‬‬
‫ً‬ ‫وفع ً‬
‫ال رؤي ًة‬
‫ثم يقسم الرسول بربه‪ ،‬وهو الصادق‬
‫المصدوق‪ ،‬أن ما ينبعث من جوف‬
‫الصائم آخر النهار من رائحة كريهة هى‬
‫‪17‬‬
‫عند الله أطيب وأزكى من ريح المسك‪،‬‬
‫ألنها مسببة عن طاعة الله وامتثال أمره‬
‫وهذا تمثيل رائع يسوقه سيد البلغاء لبيان‬
‫فضل الصيام واآلثار المترتبة عليه‪.‬‬
‫ثم يستشهد عليه السالم بقول الله فى‬
‫حديث قدسى‪« :‬يترك طعامه وشرابه‬
‫وشهوته من أجلى‪ .‬الصيام لى‪ ،‬وأنا‬
‫أجزى به» يترك طعامه‪ ..‬يعنى الصائم‪ .‬من‬
‫أجلى‪ ..‬يعنى من أجل الله امتثاال ألمره‪.‬‬
‫فالصيام طاعة محضة فى حقيقته ال يعلم‬
‫سره إال الله عالم الغيوب‪ .‬ولذلك قال‬
‫عز وجل‪« :‬الصيام لى» ألن كل العبادات‬
‫يمكن مشاهدتها‪ .‬فأنت تصلى والناس‬
‫يرون صالتك‪ ،‬وتزكى فيرونك‪ ،‬وتحج‬
‫فيرونك أو يسمعون بك‪ .‬أما الصوم من‬
‫حيث هو إمساك يقول الرسول عليه‬
‫السالم ‪« :‬الصيام ال رياء فيه»‬
‫ويقول اإلمام القرطبى‪:‬‬
‫«لما كانت األعمال يدخلها الرياء‪،‬‬
‫والصوم ال يطلع عليه بمجرد فعله إال‬
‫الله أضافه إلى نفسه» وقيل معنى نسبة‬
‫الصيام إلى الله إنه لم يتعبد به أحد غير‬
‫الله‪ :‬ولهذا نسب الله جزاء الصيام إليه‬
‫وإن كان هو المجازى عن كل عمل‬
‫صالح‪ .‬إشارة إلى مضاعفة أجر الصوم‬
‫وأنه غير محدود‪ .‬الحسنة بعشر أمثالها‬
‫إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة‪.‬‬
‫ويؤيد هذا قوله تعالى‪:‬‬
‫«إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير‬
‫حساب» والصابرون هم الصائمون فى‬
‫أكثر األقوال‪ .‬إذ ال صوم بال صبر‪.‬‬
‫وقد اتفق العلماء على أن الصيام الذى‬
‫يستحق هذا الجزاء هو الصيام الخالص‬
‫لله‪ ،‬الذى سلم من المعاصى قو ً‬
‫ال وفع ً‬
‫ال‪.‬‬
‫وعلى هذا فأجر الصائمين متفاوت وليس‬
‫على درجة واحدة‪ ،‬وهذا التفاوت راجع‬
‫‪20‬‬
‫أجرا‬
‫إلى تفاوتهم فى الطاعة فأكثرهم ً‬
‫واستشعارا لمعنى‬
‫ً‬ ‫أكثرهم طاعة وامتثا ً‬
‫ال‬
‫أجرا أقلهم‬
‫العبادة التى يؤديها‪ ،‬وأقلهم ً‬
‫طاعة ممن يظنون أن الصيام يتحقق‬
‫باإلمساك عن الطعام والشراب والشهوة‪،‬‬
‫وال يبالون بما وراء ذلك‪.‬‬
‫وفى هذا يقول الرسول عليه السالم‪:‬‬
‫« من لم يدع قول الزور والعمل به‪،‬‬
‫فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه»‬
‫يعنى أن صومه بعيد عن الكمال‪.‬‬
‫فالصيام عبادة شاملة ومنهج أخالقى‬
‫عظيم يبدأ المسلم فيه بترك ما أحله‬
‫‪21‬‬
‫الله له من مأكل ومشرب وملذات‬
‫مباحة‪ ،‬فكيف يستقيم ـ إذن ـ أن يمارس‬
‫الصائم المحرمات من الكذب فى القول‬
‫والخداع والركون إلى الباطل والزور‪ ،‬إذا‬
‫كان تركه للحالل فى هذه العبادة واج ًبا‬
‫فإن تركه للحرام أكثر وجو ًبا وإن لم يفعل‬
‫فال خير له من صيامه كما يقول الرسول‬
‫عليه السالم «كم من صائم ليس له من‬
‫صيامه اَّإل الجوع والعطش» وما أكثر من‬
‫يسلك هذا المسلك حال الصيام وليتهم‬
‫يتدبرون نصح الرسول لهم‪.‬‬
‫ويقول الرسول الكريم‪« :‬إذا دخل‬
‫‪22‬‬
‫رمضان فتحت أبواب السماء‪ ،‬وغلقت‬
‫أبواب جهنم‪ ،‬وسلسلت الشياطين» فى‬
‫هذا الحديث ثالثة أمور‪:‬‬
‫‪ -1‬تفتح أبواب السماء‪.‬‬
‫‪ -2‬إغالق أبواب جهنم‪.‬‬
‫‪ -3‬تقييد الشياطين بالسالسل‪.‬‬
‫رطبى حمل هذه‬ ‫الق ُ‬
‫رجح اإلمام ُ‬ ‫و ُي ِّ‬
‫األمور على ظاهرها فالسماء ـ عنده ـ‬
‫تتشقق لنزول المالئكة بالرحمة إلى أهل‬
‫األرض‪ ،‬وشهادتهم ألعمالهم‪ .‬وجاء‬
‫فى رواية أخرى‪ :‬فتحت أبواب الجنة‬

‫‪23‬‬
‫والحكمة من تفتح أبواب الجنة‪ .‬وإغالق‬
‫أبواب جهنم إشعار المالئكة بدخول هذا‬
‫الشهر العظيم‪ .‬وتقييد الشياطين حقيقة‬
‫عنده كذلك حتى ال يضلوا وال يفسدوا‪.‬‬
‫والذى أراه أليق بالمقام أن الحديث تمثيل‬
‫لكثرة الطاعات التى تحصل فى هذا‬
‫الشهر المبارك‪ ،‬فالجنة تفتح أبوابها ألن‬
‫كثيرا من الصائمين قد استحق دخولها لما‬
‫ً‬
‫عمل من طاعات‪ ،‬وجهنم توصد أبوابها‬
‫كثيرا من الصائمين وقوا أنفسهم منها‬
‫ألن ً‬
‫بصيامهم وطاعتهم‪ ،‬والشياطين يقيدون‬
‫ألن إغواءهم لم يعد ذا أثر‪ ،‬فهم يدعون‬
‫الناس إلى الشهوات وهى التى هجروها‬
‫وسموا فوقها بفضل الصوم وقوة العزيمة‬
‫وصرامة اإلرادة‪.‬‬
‫هو ـ إذن ـ تمثيل لما يقع فى هذا‬
‫الشهر من كثرة الخيرات والطاعات وقلة‬
‫الشرور والموبقات فيكثر من يستحق‬
‫الجنة ويقل من يستحق النار‪ ،‬وتنعدم ـ‬
‫أو تكاد ـ إغراءات الشياطين‪ .‬سواء كان‬
‫المراد من الحديث مردة الشياطين أو‬
‫جميعهم‪ ،‬ويعزى ما يقع فى رمضان من‬
‫شرور إلى النفوس َ‬
‫األ َّمارة بالسوء‪ ،‬وإلى‬
‫شياطين اإلنس الذين يوحى بعضهم إلى‬
‫غرورا‪.‬‬
‫ً‬ ‫بعض زخرف القول‬
‫ويقول الصادق المصدوق‪« :‬إن الله‬
‫فرض عليكم صوم رمضان وسننت لكم‬
‫قيامه‪ .‬فمن صام رمضان إيما ًنا واحتسا ًبا‬
‫غفر له ما تقدم من ذنبه» وفى هذا الحديث‬
‫الشريف يبين الرسول عليه السالم ثالثة‬
‫أمور‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب صيام رمضان‪ .‬وذلك‬
‫منسوب إلى الله تعالى‪.‬‬
‫‪ -2‬استنان قيامه‪ .‬يعنى صالة التراويح‪.‬‬
‫وهذا من إرشادات الرسول وسننه‪ .‬يعنى‬
‫أنه ثابت عن طريق السنة الشريفة‪.‬‬
‫‪26‬‬
‫‪ -3‬أن من أدى الصيام مؤمنًا بفرضيته‬
‫من قبل الله محتس ًبا أجره عنده هو‬
‫فحسب‪ ،‬فخال عمله من التقليد والرياء‬
‫والتظاهر‪ ،‬كان جزاؤه غفران ما تقدم من‬
‫ذنبه وهذا جزاء عظيم‪ .‬يؤيد هذا ويقويه‬
‫كثير من النصوص كقوله تعالى‪« :‬إن‬
‫الحسنات يذهبن السيئات» وكقوله عليه‬
‫السالم‪« :‬وأتبع السيئة الحسنة تمحها»‬
‫فالحسنات تذهب السيئات تلك قاعدة‬
‫شرعية مسلمة‪ ،‬وكم من الحسنات‬
‫يكتسبها الصائم القائم الممتثل ألوامر‬
‫الله وهل عزيز على الله ـ إذن ـ أن يغفر‬
‫‪27‬‬
‫له ما تقدم من ذنبه والله ذو الفضل‬
‫العظيم؟‬
‫إن شهر رمضان ميدان فسيح تتبارى‬
‫فيه القلوب الطاهرة سع ًيا وراء رضوان‬
‫الله‪ ،‬وتتنافس فيه الهمم العالية ابتغاء‬
‫لفضل الله‪ .‬نهاره عبادة‪ ،‬وليله عبادة‪.‬‬
‫من لم يحقق لنفسه فيه ما يصونها من‬
‫العقاب‪ ،‬ويقربها من الثواب فهو خاسر‪.‬‬
‫ولذلك ورد‪ :‬لو تعلم أمتى ما فى رمضان‬
‫من الخير لتمنت أن يكون حو ً‬
‫ال‪.‬‬
‫إنه شهر ينادى فيه مناد كل ليلة‪ :‬يا‬
‫باغى الخير هلم ــ يعنى أقبل ــ ويا‬
‫‪28‬‬
‫باغى الشر أقصر ــ يعنى كف ــ يغيث‬
‫الله فيه عباده فينزل الرحمة‪ ،‬ويحط‬
‫الخطايا‪ ،‬ويستجيب الدعاء‪ .‬ويضاعف‬
‫األجر‪ .‬فتعس عبد أدرك رمضان ولم‬
‫يدخل به الجنة‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫الفصل الثانى‬
‫حكمة مشروعية الصيام‬

‫كل عبادة شرعها الله ال تخلو من حكم‬


‫جليلة المنافع طيبة األثر‪ .‬فإذا تطلبنا ذلك‬
‫فى فريضة الصيام طالعتنا من ورائه عدة‬
‫أمور‪ ،‬كل أمر منها على حدة‪ ،‬صالح ــ‬
‫وحده ــ لفهم مشروعية هذه العبادة‪.‬‬
‫ويمكن إيجازها فى اآلتى‪:‬‬
‫ال‪ :‬فى ممارسة الصوم تقوية‬ ‫أو ً‬
‫لإلرادة‪ .‬وتربية للعزيمة وسمو بالروح‪.‬‬
‫بالصوم يملك اإلنسان أمره ويسيطر على‬
‫هوى نفسه‪ .‬يوجهها إلى ما فيه صالحها‬
‫وخيرها‪ ،‬ويصدها إذا دعته إلى محرم‪،‬‬
‫محظورا‪ .‬وبالصوم يضيق‬
‫ً‬ ‫أو زينت له‬
‫اإلنسان مجارى الشيطان فى نفسه‪.‬‬
‫ويسد منافذه التى يأتى منها‪ ،‬ومحاربة‬
‫النفس والشيطان هى رأس األمر كله‪،‬‬
‫خطرا‬
‫ً‬ ‫وهى عملية صعبة المراس أشد‬
‫من مصاولة العدو الظاهرى الذى يحمل‬
‫السالح لقتالك‪ .‬ألن ع��داوة النفس‬
‫والشيطان وإغراءهما للمرء قد يأتيان‬
‫فى أسلوب نصيحة‪ ،‬وألنهما يوسوسان‬
‫له بما يريدان من حيث ال يدرى وقد‬
‫يصعب على اإلنسان تحديد الخطورة‬
‫ممتزجا‬
‫ً‬ ‫فيما يدعوان إليه ألنه يرى ذلك‬
‫بذاته وحسبك من عدو ال تدرى مداخله‬
‫وال تأمن مكائده‪.‬‬
‫واالنغماس فى شهوات النفس سبب‬
‫كل بلية فى حياة الفرد وحياة الجماعات‪.‬‬
‫ألنها تذهب الجد والعزيمة من النفوس‪،‬‬
‫وتحل محل كل فضيلة جادة بناءة‪ .‬وقد‬
‫ذم الله قو ًما ركنوا إلى شهوات النفس‪،‬‬
‫‪32‬‬
‫وقعدوا عن كل عمل نافع فعال فقال‪:‬‬
‫«فخلف من بعدهم خلف أضاعوا‬
‫الصالة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون‬
‫غ ًيا»‪.‬‬
‫وامتدح آخرين فقال‪« :‬وأما من خاف‬
‫مقام ربه ونهى النفس عن الهوى‪ .‬فإن‬
‫الجنة هى المأوى» وقال ً‬
‫أيضا‪« :‬ولمن‬
‫خاف مقام ربه جنتان»‪.‬‬
‫ويبين الرسول الكريم مشاق هذه‬
‫المنزلة فيقول إثر عودته من غزو‪« :‬رجعنا‬
‫من الجهاد األصغر إلى الجهاد األكبر‪:‬‬
‫جهاد النفس» ألن المرء مطالب بجهاد‬
‫‪33‬‬
‫نفسه دائما أما جهاد األعداء فله مناسبات‬
‫كثيرا واإلنسان عندما‬
‫قد تنعدم دواعيها ً‬
‫يملك السيطرة على نفسه يستقيم أمره‪،‬‬
‫وتقوى إرادته‪ ،‬فينأى بنفسه عن الدنايا‬
‫عزيزا شري ًفا‬
‫ً‬ ‫ومحقرات األمور ويحيا‬
‫طاهر السيرة طيب الذكر‪ .‬وكم قتلت‬
‫ً‬
‫عروشا كان لها‬ ‫أمما وحطمت‬
‫الشهوات ً‬
‫سطوة ونفوذ!‬
‫ول��ن تجد وسيلة عملية تربى فى‬
‫النفوس قوة اإلرادة‪ ،‬وعلو الهمة‪ ،‬مثل‬
‫الصوم الذى شرعه الله‪ ،‬فهو رياضة شاقة‬
‫منتصرا على هوى‬‫ً‬ ‫يخرج منها الصائم‬
‫النفس‪ ،‬ومغريات الشيطان‪ ،‬وإلى هذا‬
‫المعنى يشير الحكيم فى قوله تعالى‪:‬‬
‫«يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام‬
‫كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم‬
‫تتقون» فجعل التقوى مسببة عن الصوم‬
‫والتقوى هى مراقبة الخالق عند كل‬
‫ال واستحضار عظمته‬ ‫ال وعم ً‬‫سلوك قو ً‬
‫وهيبته حتى تعبد الله كأنك تراه‪ ،‬فإن لم‬
‫تكن تراه فإنه يراك‪ .‬وهذه حقيقة ال مرية‬
‫فيها‪.‬‬
‫وعندما يبلغ المرء هذه المنزلة لن‬
‫يقصر عن عمل خير هو قادر عليه‪ ،‬ولن‬
‫يجرؤ على عمل شر استحياء من الله‬
‫وخو ًفا من عقابه ألنه يراه وهو يعمل‪.‬‬
‫وهنا يبلغ الوازع الدينى عند المرء غاية‬
‫السمو‪.‬‬
‫ولما كان الصوم بهذه المنزلة فإن‬
‫عالجا‬
‫ً‬ ‫الرسول عليه السالم يجعله‬
‫للشباب الذى لم يستطع الزواج فيقول‪:‬‬
‫«يا معشر الشباب من استطاع منكم‬
‫الباءة فليتزوج‪ .‬ومن لم يستطع فعليه‬
‫بالصوم‪ .‬فإنه أغض للبصر‪ ،‬وأحصن‬
‫للفرج» ويخطئ كثيرون عندما يفهمون‬
‫أن الصوم يكسر حدة الشهوة لما فيه من‬
‫إضعاف الجسم‪ .‬هذا فهم خاطئ ألن‬
‫هدف الرسول أسمى ـ فيما أرى ـ من هذا‬
‫التوجيه‪ .‬فهو لم ينصح الشباب بالصوم‬
‫ال ألن الصوم ُيع ِّلم الشباب الهيمنة على‬
‫إ َّ‬
‫أمر نفسه ويبعث فيه روح الخشية ومراقبة‬
‫الله فى السلوك‪ .‬فإذا قدر على حرمان‬
‫نفسه من الحالل الطيب ـ طعا ًما وشرا ًبا ـ‬
‫مع شدة حاجة نفسه إليه‪ .‬فهو ـ إذن ـ أقدر‬
‫على كفها عن الحرام الخبيث‪ .‬والدليل‬
‫على ذلك قوله عليه السالم‪« :‬فإنه أغض‬
‫للبصر‪ ،‬وأحصن للفرج»‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬فى معاناة الجوع والعطش‬
‫والحرمان من كل المالذ تجربة عملية‬
‫لكل قادر على إسعاف نفسه بما أرادت‬
‫فيدرك عن طريق الحس والشعور ما‬
‫يعانيه اآلخرون من فقراء ومساكين من‬
‫آالم وحرمان طوال العام‪ ،‬وما يتعرضون‬
‫له من ذل الحاجة‪ ،‬وخلو اليد‪ ،‬فيسخو‬
‫لهم بما استطاع‪ ،‬ويمسح دموع الشقاء‬
‫والبؤس من وجوههم‪ ،‬خاصة أن الصوم‬
‫يطبعه بطابع النبل والكرم‪ ،‬ويدعوه إلى‬
‫البذل والعطاء فتقوى الروابط بين أعضاء‬
‫المجتمع‪ ،‬وتزول من حياتهم أسباب حقد‬
‫الفقراء على األغنياء ويشترك الجميع فى‬
‫التمتع بنعم الله‪ ،‬مقتد ًيا بالرسول الكريم‬
‫الذى كان يكون فى رمضان أجود بالخير‬
‫من الريح المرسلة كما يقول ابن عباس‬
‫رضى الله عنه‪.‬‬
‫ثال ًثا‪ :‬إن الصوم يعمل على توحيد‬
‫مشاعر األمة طيلة النهار ويغرس فيهم‬
‫حب النظام فيمسكون عن المفطرات فى‬
‫وقت واحد‪ ،‬ويتناولون الطعام فى وقت‬
‫واحد فى نظام بديع يجمع الماليين من‬
‫أبناء المسلمين شاكرين الله على ما‬
‫وفقهم من طاعة‪ ،‬وعلى ما رزقهم من‬
‫طيبات وتوحيد مشاعر األمة على هذا‬
‫النسق الساحر خطوة لها حسابها فى‬
‫توحيد العمل والسلوك والكلمة‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬فى معنى الصوم وممارسته‬ ‫ً‬
‫دعوة إلى محاربة اإلسراف فى اإلنفاق‪،‬‬
‫وترغيب فى االعتدال‪ ،‬والرسول عليه‬
‫السالم يقول‪« :‬االقتصاد فى النفقة نصف‬
‫المعيشة» فاألسرة المسلمة تستطيع أن‬
‫تخرج بثمرات مفيدة من شهر الصوم‬
‫فتتحكم فى برامج إنفاقها‪ ،‬وتستغنى عن‬
‫كثير من الكماليات ما دامت قد تعلمت فى‬
‫شهر الصوم كيف تتغلب على متطلبات‬
‫النفس طيلة النهار‪ ،‬ولذلك فليس من‬
‫آداب الصوم اإلكثار من ألوان الطعام عند‬
‫اإلفطار والتفنن فى إعدادها واللجوء إلى‬
‫ً‬
‫تعويضا‬ ‫االستدانة وإرهاق ميزانية األسرة‬
‫ـ كما يقال ـ عن الحرمان الذى تعانيه‬
‫نهارا‪ .‬ولتجعل كل أسرة نصيحة الرسول‬ ‫ً‬
‫أمام ناظريها «حسب ابن آدم من الطعام‬
‫لقيمات يقمن أوده» وقوله عليه السالم‪:‬‬
‫شرا من بطنه»‪.‬‬
‫«ما مأل ابن آدم وعاء ً‬
‫وقد يكون اإلكثار من الطعام عند‬
‫اإلفطار سب ًبا فى كثير من األمراض‬
‫كتلبك المعدة وإرهاقها وإضعافها وهذا‬
‫ينافى المقصود من الصوم‪ ،‬الذى يحمل‬
‫النفس على قوة االحتمال والتقشف‬
‫فليكن إنفاقها هو ما تحتاج إليه فع ً‬
‫ال‪ ،‬ال ما‬
‫تقدر عليه بدون ضوابط أو حدود‪ .‬وكفى‬
‫المسرفين ذ ًما أنهم إخوان الشياطين كما‬
‫يقول الحق تعالى‪« :‬إن المبذرين كانوا‬
‫إخوان الشياطين‪ ،‬وكان الشيطان لربه‬
‫كفورا»‪.‬‬
‫ً‬
‫هو دعوة إلى أن يكون طابع اإلنفاق‬
‫االعتدال فى غير ما سرف وال تقتير‪.‬‬
‫ذلك الطابع المنشود هو الذى يقول فيه‬
‫الجليل سبحانه‪« :‬وكلوا واشربوا وال‬
‫تسرفوا‪ .‬إنه ال يحب المسرفين» ويقول‬
‫ممتدحا االعتدال‪:‬‬
‫ً‬

‫«والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم‬


‫يقتروا‪ .‬وكان بين ذلك قوا ًما»‪ .‬واإلسراف‬
‫هو اإلكثار أما التقتير فهو المبالغة فى‬
‫الحرمان وكالهما مذموم‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬فى الصوم إراح��ة للجهاز‬ ‫ً‬
‫الهضمى الذى يعمل طوال العام‪ ،‬وقد‬
‫يصاب باإلرهاق والضعف واألمراض‬
‫من تراكم فضالت الطعام‪ .‬وإذا لم تمنح‬
‫فترات من الراحة ربما تسببت فى كثير من‬
‫األمراض المهلكة‪ .‬فكأن الصوم ليمنحها‬
‫تلك الراحة الضرورية فترات متتابعة‬
‫ال وصدق الرسول إذ‬ ‫شهرا كام ً‬
‫ومنتظمة ً‬
‫يقول‪« :‬جوعوا تصحوا» والمراد بالجوع‬
‫هنا‪ :‬اإلقالل من الطعام وليس العدول‬
‫عنه كلية‪.‬‬
‫وقد علل النبى عليه السالم قلة انتشار‬
‫األم��راض فى عهده فى شبه الجزيرة‬
‫بقوله‪« :‬نحن قوم ال نأكل حتى نجوع‪،‬‬
‫وإذا أكلنا ال نشبع» كما أن األكل الكثير‬
‫مقعد لصاحبه عن كثير من المنافع‪ .‬وفى‬
‫ذلك يقول الرسول الكريم‪:‬‬
‫كثيرا‬
‫كثيرا‪ ،‬ومن نام ً‬
‫كثيرا نام ً‬
‫«من أكل ً‬
‫فاته خير كثير»‪.‬‬
‫س��ادس��ا‪ :‬ف��ى شهر ال��ص��وم مجال‬
‫ً‬
‫للتنافس فى العبادات والعمل الصالح‬
‫والذكر ومدارسة العلم وتسابق فى البذل‬
‫والعطاء وقد رفع الله من شأن العبادة فيه‬
‫وأجزل العطاء للعاملين‪ ،‬وال بأس أن‬
‫خاصا يتقرب‬ ‫ً‬ ‫منهجا‬
‫ً‬ ‫يضع المسلم فيه‬
‫به إلى الله‪ ،‬وقد كان السلف يكثرون‬
‫فيه من تالوة القرآن‪ ،‬ويقومون ليله‪.‬‬
‫وصاحب الرسالة محمد عليه السالم‬
‫كان يحث المسلمين على اإلكثار من‬
‫الطاعات إذا أقبل رمضان‪ ،‬وخاصة فى‬
‫العشر األواخر منه‪ .‬وإذا أحسن المسلم‬
‫أداء فريضة الصيام كما أرادها الله خرج‬
‫غانما محمود المسعى‪ ،‬واستحق‬ ‫ً‬ ‫منه‬
‫ثواب العاملين المخلصين يقول الرسول‬
‫الكريم‪« :‬إن فى الجنة با ًبا يقال له الريان‬
‫ال يدخل منه إال الصائمون»‪.‬‬
‫ويقول‪« :‬للصائم فرحتان؛ فرحة عند‬
‫فطره‪ ،‬وفرحة عند لقاء ربه»‪.‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫الصىام‪ ..‬حقىقته وشروطه وأقسامه‬

‫الصوم لغة هو اإلمساك مطل ًقا‪ .‬فقوله‬


‫تعالى‪« :‬إنى نذرت للرحمن صو ًما» ىعنى‪:‬‬
‫ً‬
‫وإمساكا عن الكالم‪ .‬أما الصوم‬ ‫صم ًتا‬
‫شرعا‪ :‬فهو اإلمساك عن المفطرات‪،‬‬ ‫ً‬
‫ومنها شهوتا البطن والفرج‪ ،‬ىو ًما كام ً‬
‫ال‬
‫من طلوع الفجر إلى غروب الشمس‪،‬‬
‫لقوله تعالى‪:‬‬
‫«وكلوا واشربوا حتى ىتبىن لكم الخىط‬
‫األبىض من الخىط األسود من الفجر ثم‬
‫أتموا الصىام إلى اللىل»‪.‬‬
‫فتبىن الخىط األبىض من األسود‪ ،‬ىعنى‬
‫ظهور الفجر بعد اللىل‪ ،‬هو بداىة الصوم‬
‫شرعا وىجوز اإلمساك قبله‪ .‬ونهاىته هو‬ ‫ً‬
‫ال بغروب‬ ‫انقضاء النهار وإقبال اللىل فع ً‬
‫قرص الشمس كله وراء األفق‪ .‬والبد من‬
‫تحرى الدقة فى حدَّ ى الصوم‪.‬‬
‫وصوم رمضان واجب على كل مكلف‪.‬‬
‫ووجوبه ثابت بالكتاب والسنة واإلجماع‪،‬‬
‫فمنكره كافر‪ ،‬ألن الصوم معلوم من الدىن‬
‫بالضرورة‪ .‬دلىله من الكتاب قوله تعالى‪:‬‬
‫«ىا أىها الذىن آمنوا كتب علىكم‬
‫الصىام‪ »...‬ودلىله من السنة قوله علىه‬
‫السالم‪« :‬بنى اإلسالم على خمس‪...‬‬
‫وذكر منها صوم رمضان وتقدم نص‬
‫الحدىث‪ .‬وأجمعت األمة على وجوبه‬
‫فلم ىشذ أحد‪ ،‬وال ىنبغى لوجود هذه‬
‫النصوص القطعىة المتواترة‪.‬‬
‫متى ىجب الصوم؟‬
‫ىجب صوم رمضان بأحد أمرىن‪:‬‬
‫‪ 1‬ــ ثبوت رؤىة هالل رمضان على‬
‫أن ىخبر بتلك الرؤىة عدالن‪ ،‬والعدل هو‬
‫الحر البالغ العاقل الخالى من ارتكاب‬
‫كبىرة أو اإلصرار على صغىرة‪ ،‬أو فعل ما‬
‫ىخل بالمروءة‪ ،‬أو ىراه جماعة مستفىضة‬
‫ىستحىل تواطؤهم على الكذب ولو كانوا‬
‫خلىطا من الرجال والنساء والصبىان وال‬ ‫ً‬
‫ىشترط حىنئذ أن ىكونوا كلهم عدو ً‬
‫ال‪.‬‬
‫بل عدالة بعضهم تكفى‪ .‬أو ىراه واحد‬
‫وىجب علىه الصوم فى نفسه وال ىجب‬
‫على غىره ما دام الرائى واحدً ا‪ ،‬إال إذا كان‬
‫غىره مصد ًقا له فىجب علىه الصوم‪.‬‬
‫وش��رط الجماعة عند رؤى��ة الهالل‬
‫ضرورى عند األحناف‪ ،‬فال تثبت الرؤىة‬
‫باالثنىن وال بالواحد ما دامت السماء‬
‫خالىة من موانع الرؤىة‪ .‬فإذا كانت السماء‬
‫غىر خالىة من موانع الرؤىة بأن كان بها‬
‫بعض السحب فخبر الواحد كاف عندهم‬
‫فى إثبات الرؤىة ووجوب الصوم‪ .‬أما‬
‫الشافعىة والحنابلة فىكتفون بشهادة‬
‫العدل الواحد مع اختالفهم فىما ىجب أن‬
‫ىكون فىه من صفات وإن كانت العدالة‬
‫شرطا فىه عندهما‪ .‬فال تثبت الرؤىا إن‬‫ً‬
‫كان الرائى غىر موثوق فىه‪ .‬واألصل‬
‫فى هذا كله قوله علىه السالم‪« :‬صوموا‬
‫لرؤىته ــ ىعنى الهالل ــ وأفطروا لرؤىته‪،‬‬
‫فإن غم علىكم فاقدروا له»‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ إكمال عدة شعبان ثالثىن ىو ًما‪.‬‬
‫وهذا الطرىق ىثبت به الصوم إذا تعذرت‬
‫رؤىة الهالل بسبب ما فى السماء من غىوم‬
‫أو دخان‪ .‬وهذا معنى قوله علىه السالم‪:‬‬
‫«فإن غم علىكم فاقدروا له‪ .‬هذا هو‬
‫مذهب الجمهور‪ .‬وىرى بعض العلماء‬
‫ومنهم ابن عمر‪ ،‬أن معنى فاقدروا‪ :‬ىعنى‬
‫صائما فإن تبىن أن الىوم من‬
‫ً‬ ‫ىصبح المرء‬
‫رمضان أجزأه وإال فإنه نفل ىثاب علىه‪.‬‬
‫لكن رأى الجمهور أقوى لرواىة ابن‬
‫عباس علىه رضوان الله «فأكملوا العدة‬
‫ثالثىن» فالنص األول مجمل‪ .‬ورواىة‬
‫ابن عباس مفسرة له‪.‬‬
‫وإذا ثبتت الرؤىة فى قطر من األقطار‬
‫اإلسالمىة وجب على بقية األقطار الصوم‬
‫إذا بلغتهم الرؤىة من طرىق موجب‬
‫الصوم‪ ،‬وال عبرة باختالف المطالع‪ ،‬إال‬
‫الشافعىة فإنهم ىعتبرون اختالف المطالع‬
‫وال ىوجبون الصوم على أهل األقطار‬
‫التى تختلف مطالعها مع مطلع القطر‬
‫الذى ثبتت به الرؤىة‪.‬‬
‫أركان الصوم‬
‫للصوم عند المالكىة واألحناف‬
‫والحنابلة ركن واحد هو اإلمساك عن‬
‫جميعا على الوجه الذى سبق‬
‫ً‬ ‫المفطرات‬
‫شرحه‪ .‬وخالف الشافعىة فقالوا‪ :‬أركان‬
‫الصوم ثالثة‪:‬‬
‫النىة‪ ،‬واإلم��س��اك عن المفطرات‪،‬‬
‫والشخص المكلف بالصوم‪ ..‬لكن ما‬
‫ذهب إلىه األئمة الثالثة أقوى‪ ،‬ألنهم‬
‫لم ىعدوا النىة ركنًا فى الصوم وإنما هى‬
‫عندهم شرط صحة‪ .‬فال ىصح صوم‬
‫بدون نىة‪.‬‬
‫ولكى تعرف الفرق بىن الركن والشرط‬
‫لك ما قالوه فىهما‪:‬‬
‫الركن ما كان داخ ً‬
‫ال فى حقىقة العبادة‬
‫خارجا عنها‪ .‬فلو نظرت‬
‫ً‬ ‫والشرط ما كان‬
‫إلى الوضوء ــ مثال ــ بالنسبة للصالة‬
‫وجدته غىر داخل فى حقىقة الصالة‬
‫ألنه لىس جزءا من أجزائها بل هو متقدم‬
‫علىها وجو ًدا‪ ،‬فكل صالة البد أن ىسبقها‬
‫وضوء‪ .‬فالوضوء ــ إذن ــ شرط ولىس‬
‫ركنًا‪.‬‬
‫أما إذا نظرت إلى السجود فإنك تجده‬
‫ال فى حقىقة الصالة فهو جزء من‬ ‫داخ ً‬
‫أجزائها‪ .‬وعلى هذا فالسجود ركن من‬
‫شرطا‪ .‬وكل من‬ ‫ً‬ ‫أركان الصالة ولىس‬
‫الشرط والركن الزم فى العبادات ألن‬
‫العبادة تتوقف على الشرط من حىث‬
‫وجوبها أو صحتها أو وجوبها وصحتها‬
‫معا‪ .‬واإلخالل بأركان العبادة مبطل لها‪.‬‬
‫ً‬
‫والنىة سابقة على الصوم فهى شرط‬
‫ولىست بركن كما ىقول الشافعىة وال‬
‫خالف بىنهم فى أن النىة ضرورىة فى‬
‫ً‬
‫شرطا أو ركنًا وفى‬ ‫العمل سواء كانت‬
‫صوم رمضان فإن النىة تجب بعد ثبوت‬
‫الرؤىة أو إكمال العدة ثالثىن وىستمر‬
‫وقتها إلى طلوع الفجر‪ ،‬فإذا طلع الفجر‬
‫ولم ىنو المكلف الصىام فال صوم له عند‬
‫كثىر من األئمة‪ .‬وتكفى النىة أول لىلة من‬
‫رمضان أما تجدىدها كل لىلة فهو من‬
‫األمور المستحبة التى ال ىضر تركها‪.‬‬
‫وىشترط بعض األئمة تجدىد النىة كل‬
‫لىلة فإن لم تجدد بطل الصوم‪.‬‬
‫فإذا أفطر الصائم لعذر ــ مرض أو‬
‫ال ــ وجب علىه تجدىد النىة عند‬‫سفر مث ً‬
‫استئناف الصوم بعد زوال العذر‪ ،‬وال‬
‫ىجوز االعتماد على النىة السابقة ألنها‬
‫بطلت النقطاع التتابع الذى هو شرط فى‬
‫بقاء أثرها‪.‬‬
‫هذا وال ىلزم التلفظ بالنىة‪ ،‬بل إن‬
‫استشعارها فى القلب ك��اف لصحة‬
‫الصىام‪ .‬وىقوم الفعل مقام اللفظ كالتسحر‬
‫لى ً‬
‫ال فإنه بمثابة التلفظ بالنىة إال أن ىنوى‬
‫اإلفطار فإن التسحر ال عبرة له‪.‬‬
‫وقد رخص األحناف فقالوا‪ :‬إن الصوم‬
‫صحىح إذا لم ىنو قبل الفجر ونوى بعده‪،‬‬
‫لكن بشرط أن ىنوى قبل انتهاء النصف‬
‫األول من النهار فإذا أوقع النىة فى النصف‬
‫الثانى من النهار بطل صومه‪ ،‬ومع هذا فإن‬
‫ال أفضل عندهم من إىقاعها‬ ‫إىقاع النىة لى ً‬
‫نهارا‪.‬‬
‫ً‬
‫شرطا فى صحة كل‬ ‫ً‬ ‫والبد من النىة‬
‫عبادة لقوله علىه السالم‪« :‬إنما األعمال‬
‫بالنىات‪ ،‬وإنما لكل امرئ ما نوى» وىقول‬
‫أىضا‪« :‬نىة المؤمن خىر من عمله‪ ،‬وعمل‬ ‫ً‬
‫المنافق خىر من نىته» ألن المؤمن قد ىنوى‬
‫الخىر وال ىفعله لعذر حل به‪ ،‬فىكتب له‬
‫أجر ما نوى‪ ،‬وألن المنافق قد ىتظاهر‬
‫بعمل الخىر وال ىنوىه‪.‬‬
‫وكل عمل خال من النىة فهو لغو أو‬
‫دائما تفرق بىن العبادة‬
‫عادة وتقلىد‪ .‬فالنىة ً‬
‫والعادة‪ ،‬أو النسك المقصود به وجه الله‪،‬‬
‫والتقلىد الموروث وىشترط استمرار‬
‫نهارا بطل‬
‫النىة‪ ،‬فإذا عزم على اإلفطار ً‬
‫صومه عند المالكىة ولو لم ىتناول شىئًا‪.‬‬
‫والنىة هى القصد فى وعى وإدراك‬
‫لمغزى العبادة التى ىؤدىها المكلف فى‬
‫همة ونشاط‪.‬‬
‫ومن شروط الصوم‪ :‬البلوغ‪ .‬وهو شرط‬
‫وجود‪ .‬فاألطفال الذىن هم دون البلوغ‪،‬‬
‫ولو كانوا على مقربة منه ــ مراهقىن ــ‬
‫ال ىجب علىهم الصوم وإذا فعلوه صح‬
‫منهم‪.‬‬
‫وللفقهاء مذهبان فى صىام غىر‬
‫البالغىن‪ .‬بعضهم ىقول إنهم ىؤمرون به‬
‫إذا بلغ الواحد منهم من العمر سبع سنىن‬
‫وكان مطى ًقا للصوم و ُىضرب علىه إذا بلغ‬
‫عشرا‪.‬‬
‫ً‬
‫هذا المذهب أفتى به كل من األئمة‪:‬‬
‫أبى حنىفة والشافعى وأحمد‪ .‬ولعلهم‬
‫قاسوا الصىام على الصالة التى ىقول فىها‬
‫الرسول علىه السالم‪« :‬مروهم بالصالة‬
‫لسبع ــ ىعنى األطفال ــ واضربوهم علىها‬
‫لعشر وفرقوا بىنهم فى المضاجع»‪.‬‬
‫وذهب اإلمام مالك إلى القول بكراهة‬
‫صىام األطفال الذىن هم دون البلوغ ولو‬
‫كانوا مراهقىن‪ .‬وال ىجب على ولى أمر‬
‫الطفل أمره بالصوم‪ ،‬بل وال ىستحب‬
‫ذلك األمر‪.‬‬
‫ولعل الباعث لإلمام مالك على هذا‬
‫القول أن األب إذا أمر أطفاله ــ الذىن‬
‫ىلجئوا‬
‫هم دون البلوغ ــ بالصوم أن َ‬
‫سرا إلى تناول المفطرات‪ ،‬ثم ىتظاهروا‬‫ً‬
‫بالصوم‪ ،‬فتكبر معهم هذه الخىانة‪ ،‬ألن‬
‫األطفال عادة ال ىقدرون معنى األمانة‪،‬‬
‫وال ىحترمون مسئولىة‪.‬‬
‫وكل من المذهبىن وجىه فىما استند‬
‫إلىه‪ .‬ولنا أن ننتفع بهما فى مجال التطبىق‬
‫كلما أمكن ذلك‪.‬‬
‫فإذا حل رمضان شتا ًء ــ وفىه ىقصر‬
‫النهار عن اللىل ــ فإن أمر األطفال‬
‫بالصىام ىكون أفضل لندربهم على هذه‬
‫العبادة فى وقت ىسهل علىهم أداؤها‬
‫فىه‪ .‬وال خشىة حىنئذ مما ىقدره المالكىة‬
‫وىمنعون صىامهم من أجله‪.‬‬
‫وإذا حل رمضان صى ًفا فإن الصوم‬
‫ىكون شا ًقا على األطفال فاألولى عدم‬
‫أمرهم به عمال بمذهب اإلمام مالك ــ‬
‫رضى الله عنهم أجمعىن‪.‬‬
‫وإذا بلغ الصبى بعد انقضاء جزء من‬
‫رمضان طولب بصىام ما بقى منه‪ .‬فإذا‬
‫ال نوى وصام من الغد‪،‬‬ ‫حدث البلوغ لى ً‬
‫نهارا وجب علىه إمساك بقىة‬‫وإذا حدث ً‬
‫الىوم الذى حدث البلوغ فىه وال ىطالب‬
‫حىنئذ بقضائه‪ ،‬ثم ىبدأ الصوم الواجب‬
‫علىه من الىوم التالى لىوم البلوغ‪.‬‬
‫ومن شروط الصوم‪ :‬اإلسالم‪ ،‬وهو‬
‫شرط صحة ووجوب عند من ىقول‪ :‬إن‬
‫الكفار لىسوا مخاطبىن بفروع الشرىعة ــ‬
‫ىعنى بالصوم والصالة والحج ــ فالصوم‬
‫لىس واج ًبا علىهم وال ىصح منهم لو‬
‫صاموه‪ .‬وهو شرط صحة فقط عند من‬
‫ىقول‪ :‬إن الكفار مخاطبون بفروع الشرىعة‬
‫ــ ىعنى أنهم مطالبون بالصوم ــ ولكن ال‬
‫ىصح منهم إال باإلسالم‪.‬‬
‫وعلى كل فإن الكفار معاقبون على‬
‫كفرهم بما شرع الله‪.‬‬
‫فإذا أسلم شخص فى أول لىلة من لىالى‬
‫رمضان وجب علىه االغتسال والصوم من‬
‫الىوم األول‪ .‬أما إذا أسلم بعد انقضاء جزء‬
‫منه وجب علىه صىام ما بقى من الشهر‬
‫الكرىم وال ىطا َلب بما مضى من فروض‬
‫ىجب ما قبله كما‬
‫وعبادات ألن اإلسالم ُّ‬
‫ىقول الرسول الكرىم‪ ،‬ومعنى ىجب ما‬
‫قبله‪ :‬ىصبح غىر مطا َلب به‪ ،‬بل هو معفو‬
‫عنه‪ .‬وفى هذا ىقول أحكم الحاكمىن‪:‬‬
‫صالحا‬
‫ً‬ ‫«إال من تاب وآمن وعمل عم ً‬
‫ال‬
‫فأولئك ىبدل الله سىئاتهم حسنات»‪.‬‬
‫ومن شروط الصوم‪ :‬القدرة علىه فال‬
‫ىجب ــ حاال ــ على مرىض أو مسافر‬
‫وإنما ىجب على كل مقىم صحىح وسىأتى‬
‫بىان ذلك مفص ً‬
‫ال‪.‬‬
‫والقدرة على الصوم شرط وجوب‬
‫فقط‪ ،‬فلو صام غىر القادر صح صومه‬
‫على الصحىح‪.‬‬
‫ومن شروط الصوم كذلك‪ :‬النقاء من‬
‫دم الحىض والنفاس‪ .‬فال ىجب على‬
‫حائض وال نفساء وال ىصح منهما لو‬
‫صامتا‪ .‬فصومهما باطل وسىأتى تفصىل‬
‫ذلك قرى ًبا‪.‬‬
‫ومن شروط الصوم‪ :‬العقل‪ .‬فال ىجب‬
‫على مجنون‪ .‬فمن حل علىه رمضان‬
‫وهو مصاب بالجنوب ولم ىبرأ منه حتى‬
‫انقضى الشهر الكرىم سقط عنه الصوم‬
‫ولم ىطا َلب به بعد الشفاء‪.‬‬
‫ً‬
‫مدركا حىن ثبوت‬ ‫أما إذا كان عاق ً‬
‫ال‬
‫الرؤىة ونوى الصوم ثم اعتراه الجنون بعد‬
‫ذلك ففى هذه المسألة صورتان‪ ،‬األولى‪:‬‬
‫إذا جن نصف الىوم أو أقل منه ثم أفاق‬
‫بقىة النهار صح صومه‪.‬‬
‫الثانىة‪ :‬إذا جن أكثر من نصف النهار‬
‫بطل صومه ووجب علىه قضاء الىوم بعد‬
‫عىد الفطر‪.‬‬
‫أما إذا لم ىكن مفىقا عند الفجر ــ وهو‬
‫وقت النىة ــ فإن صومه باطل وىجب‬
‫علىه القضاء عند أكثر األئمة‪.‬‬
‫واإلم��ام أحمد ىسقط الصوم عن‬
‫المجنون الذى دام جنونه أكثر النهار أو‬
‫كله فال ىطالب بالقضاء‪ .‬وهذا وجىه‪.‬‬
‫واإلمام الشافعى ىلزمه بالقضاء إذا‬
‫تسبب هو فى جنون نفسه كأن ىوقع على‬
‫نفسه فع ً‬
‫ال باختىاره ىؤدى إلى جنونه‪.‬‬
‫مثل المجنون عندهم‪ :‬السكران‬
‫والمغمى علىه والمستغرق فى النوم إال‬
‫إذا سكر الشخص متعمدً ا فعلىه القضاء‬
‫فى كل حال‪.‬‬
‫وشرط صحة صىام هؤالء جمىعا أن‬
‫ىكونوا أصحاء مدركىن عند الفجر وإال‬
‫فإن صومهم باطل وعلىهم القضاء‪.‬‬
‫أقسام الصوم‬
‫الصوم أربعة أقسام‪:‬‬
‫‪ 1‬الصوم الواجب‪ :‬ىعنى الفرض‪،‬‬
‫الذى ىثاب على فعله وىعاقب على تركه‪،‬‬
‫والصوم الواجب هو‪ :‬صوم شهر رمضان‪،‬‬
‫وصوم الكفارات‪ ،‬مثل كفارة الظهار‪،‬‬
‫وكفارة القتل‪ ،‬وكفارة الىمىن‪ ،‬والصوم‬
‫المنذور‪ .‬أعنى أن من نذر صوم ىوم لزمه‬
‫ذلك‪ .‬فالصوم الواجب أنواع ثالثة‪ .‬هى‬
‫ما تقدم‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ الصوم المحرم‪ :‬وهو الذى ىعاقب‬
‫على فعله وىبرأ بتركه وهذا ىكاد ىنحصر‬
‫فى صوم ىومى العىدىن‪ .‬فىحرم على‬
‫المسلم صىام ىوم عىد الفطر‪ ،‬وصىام ىوم‬
‫عىد األضحى‪ ،‬كما ىحرم صىام ىومىن بعد‬
‫يوم عىد األضحى‪ .‬وأكثر األئمة ىحرمون‬
‫صىام الىوم الرابع لعىد األضحى ما عدا‬
‫ً‬
‫مالكا فقال بالكراهة فحسب‪.‬‬
‫ومن الصوم المحرم صىام المرأة‬
‫تطوعا بغىر إذن زوجها‪ .‬بخالف الفرض‬
‫ً‬
‫فال ىشترط إذنه فىه ما لم تعلم برضاه‪.‬‬
‫فإن علمت برضاه فى مثل هذه الفضائل‬
‫صامت وال حرج علىها‪ .‬فإذا لم ىكن‬
‫حاضرا بل فى سفر فلها مطلق‬
‫ً‬ ‫زوجها‬
‫التصرف‪ .‬وكذلك إذا قام به مانع من‬
‫ال��وطء‪ .‬هذا رأى المالكىة والشافعىة‬
‫والحنابلة‪ .‬أما األحناف فىقولون بكراهة‬
‫صومها إذا لم تستأذن ولىس حراما‪.‬‬
‫‪ 3‬ــ الصوم المندوب‪ :‬وهو الذى ىثاب‬
‫على فعله وال ىعاقب على تركه وهو كثىر‪،‬‬
‫منه‪:‬‬
‫صوم المحرم‪ ،‬وأفضله التاسع والعاشر‬
‫منه‪ ،‬وصىام ثالثة أىام من كل شهر قمرى‬
‫وأفضلها الثالث عشر إلى الخامس عشر‪،‬‬
‫وصوم التاسع من ذى الحجة (ىوم عرفة)‬
‫والثمانىة السابقة علىه‪ .‬وصوم ىومى‬
‫االثنىن والخمىس من كل أسبوع‪ .‬وكان‬
‫الرسول علىه السالم ىصومها فلما ُسئل‬
‫عن السر أجاب‪« :‬إنهما ىومان ىرفع فىهما‬
‫العمل إلى الله وأحب أن ىرفع عملى وأنا‬
‫صائم‪ .‬ومنه صوم ىوم وترك آخر‪ .‬وهو‬
‫صىام داود علىه السالم‪ .‬وصوم رجب‬
‫وشعبان وبقىة األشهر الحرم‪ .‬وصىام ستة‬
‫أىام من شوال بعد عىد الفطر واألفضل‬
‫تتابعها‪ ،‬وبالجملة فإنه ىندب الصوم‬
‫تطوعا لكل قادر فى أى ىوم أراد إال ما‬
‫ً‬
‫ورد النهى عن صومه نهى تحرىم‪ ،‬أو نهى‬
‫كراهة‪.‬‬
‫وخالف المالكىة فى صىام ستة أىام من‬
‫شوال فقالوا بكراهتها إذا توافرت فىها‬
‫أربعة شروط‪:‬‬
‫‪ 1‬ــ إذا كان الصائم ممن ُىقتدى به‬
‫خشىة أن ىعتقد الناس وجوبها‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ إذا صامها متصلة بعىد الفطر‪.‬‬
‫‪ 3‬ــ إذا صامها متتابعة‪.‬‬
‫‪ 4‬ــ إذا أظهر صومها لئال ىكون اإلظهار‬
‫مظنة الرىاء فإذا انتفت هذه الشروط فال‬
‫ىكره صومها‪.‬‬
‫‪ 4‬ــ الصوم المكروه‪ :‬وهو الذى ىقع‬
‫مخال ًفا لألولى‪ .‬ومنه‪ :‬إفراد ىوم الجمعة‬
‫تطوعا ألنه شبىه بأىام األعىاد‬
‫ً‬ ‫بالصوم‬
‫أما إذا صام قبله أو بعده معه فال كراهة‪.‬‬
‫ىجوز إفراد الجمعة‬‫ومالك رضى الله عنه ِّ‬
‫بالصوم بال كراهة‪ .‬ومنه‪ :‬إفراد السبت‬
‫بالصوم وصىام ىوم الشك وهو ىوم لم‬
‫ىتضح هل هو من شعبان أو من رمضان‬
‫على خالف بىن العلماء‪.‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫األعذار المبىحة لإلفطار‬

‫الدىن ىسر‪ ،‬ىقول الحق تعالى‪« :‬ىرىد‬


‫الله بكم الىسر وال ىرىد بكم العسر»‬
‫وىقول الرسول الكرىم‪« :‬إنما هذا الدىن‬
‫ىسر» وعلى هذا المبدأ جرى اإلسالم فى‬
‫تشرىعاته عبادات ومعامالت‪ .‬وكل عبادة‬
‫أمرنا الله بها تتصف بثالث صفات‪،‬‬
‫هى‪:‬‬
‫‪ 1‬ــ التحدىد‪ :‬حتى ىكون المكلف‬
‫عار ًفا لواجباته ملتز ًما بأدائها‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ اإلمكان‪ :‬لكىال تشق علىه عبادة‬
‫ضررا أو ىعجز عنها فلم‬‫ً‬ ‫مشقة تلحق به‬
‫ىكلفنا الله بالمستحىل‪.‬‬
‫‪ 3‬ــ الىسر‪ :‬لىكون ما طولب به من‬
‫ال فى حدود‬ ‫عبادات سهل األداء داخ ً‬
‫طاقته‪.‬‬
‫ولكل عبادة بعد ذلك حد أعلى تنتهى‬
‫وتنطعا‪ .‬وهذا‬
‫ً‬ ‫غلوا‬
‫عنده وتكون مجاوزته ً‬
‫الحد األعلى مشروط بشروط إذا توافرت‬
‫فى المكلف فالبد من االلتزام به وإال‬
‫اعتبرت عبادته ناقصة وصار مطلو ًبا منه‬
‫اإلتىان بها على الحد المطلوب وذلك‬
‫معروف بالعزائم‪.‬‬
‫ولها حد أدنى تتحقق به إذا اختل‬
‫شرط من شروط الحد األعلى‪ ،‬ومسلك‬
‫اإلسالم في ذلك أن يعين المكلف على‬
‫أداء أصل العبادة بواحد من عدة طرق‪:‬‬
‫‪ 1‬ــ تأجىل العبادة إلى الظرف المالئم‬
‫ألدائها‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ تبدىل تلك العبادة التى لم‬
‫ىستطع أداءها بأخرى تدخل فى إمكان‬
‫المكلف‪.‬‬
‫تقدىرا‬
‫ً‬ ‫‪ 3‬ــ إلغاء العبادة إلغا ًء تا ًما‬
‫لظروف المكلف الذى عجز عنها‪.‬‬
‫‪ 4‬ــ تخفىف العبادة بإسقاط جزء منها‬
‫مع وفاء األجزاء األخرى بالمطلوب‪.‬‬
‫وهذه التسهىالت والتىسىرات التى‬
‫منحها اإلسالم للمكلفىن فى الظروف‬
‫غىر العادىة تسمى بــ «الرخص» فى‬
‫مقابلة «العزائم» التى سبقت‪،‬وفىهما‬
‫ىقول الرسول الكرىم‪:‬‬
‫«إن الله ىحب أن تؤتى رخصه كما‬
‫ىحب أن تؤتى عزائمه»‪ .‬وفحوى هذا‬
‫الحدىث أن كال من الرخص والعزائم‬
‫شرع الله‪ .‬إحداهما أصل‪ :‬العزائم والثانىة‬
‫فرع‪ :‬الرخص‪ ،‬وكل منهما محمود فى‬
‫موضعه‪.‬‬
‫والصوم الذى أمرنا الله به فى رمضان‬
‫شرعا‬
‫ً‬ ‫واجب األداء فى زمانه المحدد‬
‫مادامت الظروف مالئمة‪ ،‬واإلخالل به‬
‫لغىر عذر إثم كبىر وىوجب الشرع على‬
‫منتهك حرمة الصوم تأدى ًبا ىتمثل فى قضاء‬
‫كل ىوم أفطره‪ ،‬مع كفارة قد تكون صىام‬
‫شهرىن متتابعىن عن كل ىوم‪ .‬وفى ذلك‬
‫زجر بالغ للمتهاونىن بفرىضة الصوم‪.‬‬
‫أما إذا لم تكن الظروف مالئمة ألداء‬
‫فرىضة الصوم فإن الشرع الحكىم ىىسر‬
‫األمر على المكلف بواحد من ثالثة‬
‫من الطرق األربعة المتقدمة التى هى‪:‬‬
‫التأجىل‪ ،‬والتبدىل‪ ،‬واإللغاء‪ ،‬والتخفىف‪..‬‬
‫وذلك على الوجه اآلتى‪:‬‬
‫‪ 1‬ــ التأجىل‪ :‬تأجىل الصوم من‬
‫رمضان إلى وقت آخر تعود فىه األحوال‬
‫إلى طبىعتها‪ .‬وهذا التأجىل ىكون فى أربع‬
‫حاالت‪:‬‬
‫الحالة األول��ى‪ :‬ط��روء السفر على‬
‫الصائم‪:‬‬
‫وىشترط فى السفر الذى ىبىح الفطر‬
‫شروط‪:‬‬
‫‪ 1‬ــ أن ىكون مسىرة ىوم ولىلة بالسىر‬
‫مترا‪،‬‬
‫العادى أو ما ىزىد على ثمانىن كىلو ً‬
‫فإذا كان السفر إلى أقل من هذه المسافة‬
‫امتنع الفطر‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ وأن ىشرع فىه قبل طلوع الفجر‪.‬‬
‫فإذا تأخر عنه لم ىجز له الفطر‪ ،‬وأجاز‬
‫الحنابلة فطر المسافر الذى ىبدأ سفره‬
‫نهارا ولو بعد ال��زوال ولكن األفضل‬ ‫ً‬
‫عندهم أن ىكمل صوم الىوم الذى بدأ‬
‫السفر فىه‪.‬‬
‫مباحا كأن ىسافر‬
‫‪ 3‬ــ أن ىكون السفر ً‬
‫فى طلب العلم أو الرزق أو ما أشبه ذلك‬
‫من األمور المباحة‪ .‬أما إذا كان السفر فى‬
‫معصىة فال ىجوز الفطر‪.‬‬
‫‪ 4‬ــ أن ىكون الصائم الذى ىرىد السفر‬
‫غىر مدىم للسفر ــ وهذا الشرط انفرد به‬
‫الشافعىة ــ ومعنى مدىم للسفر‪ :‬أنه ىسافر‬
‫دائما ولىس سفره من الطوارئ‪ ،‬مثل‬ ‫ً‬
‫سائقى القطارات والسىارات والطائرات‪.‬‬
‫ولكنهم ترخصوا فقالوا‪ :‬إن مدىم السفر‬
‫إذا لحقه من الصوم مشقة ضارة جاز له‬
‫الفطر‪ .‬وعلى من أراد السفر الذى ىبىح‬
‫الفطر أن ىنوى الفطر قبل طلوع الفجر‪.‬‬
‫فإذا بىَّ ت نىة الصوم ثم أفطر فى أثناء سفره‬
‫فالمالكىة ىوجبون علىه القضاء والكفارة‪،‬‬
‫واألحناف ىوجبون علىه القضاء فقط‪.‬‬
‫وذهب اإلمام الشافعى إلى مثل رأى‬
‫اإلمام مالك‪.‬‬
‫واألصل فى إباحة الفطر فى السفر‬
‫ً‬
‫مرىضا أو على‬ ‫قوله تعالى‪« :‬فمن كان‬
‫سفر فعدة من أىام أخر»‪.‬‬
‫وقوله صلى الله علىه وسلم‪« :‬لىس من‬
‫البر الصىام فى السفر»‪.‬‬

‫حكم اإلفطار فى السفر المرىح‪:‬‬


‫ال شك أن المستهدف للشرع الحكىم‬
‫من جواز اإلفطار للمسافر حال السفر هو‬
‫دفع الحرج والمشقة عنه لقوله تعالى‪:‬‬
‫«ما جعل علىكم فى الدىن من حرج»‪.‬‬
‫سىرا على‬
‫ً‬ ‫قدىما كانت إما‬
‫ً‬ ‫واألسفار‬
‫األق��دام‪ ،‬وإما على ظهور اإلبل‪ ،‬وهى‬
‫أسفار تصاحبها كثىر من المشقات وال‬
‫خالف فى هذه الحالة فى جواز إفطار‬
‫المسافر‪.‬‬
‫أما اآلن فإننا نقطع المسافات الشاسعة‬
‫على متون الطائرات السرىعة التى ال‬
‫نشعر بالمشقة أو اإلجهاد حىن السفر بها‪.‬‬
‫كما ىسافر الكثىرون عن طرىق البواخر‬
‫البحرىة فال ىشعر أحد بأنه ابتعد عن‬
‫منزله وما كان ىلقاه فىه من خدمة وراحة‪،‬‬
‫ونسافر عن طرىق القطارات السرىعة‬
‫المكىفة المرىحة ونقطع فى ساعات‬
‫قصىرة أضعاف المسافة التى أباح فىها‬
‫الشرع اإلفطار‪ .‬فهل ىجوز لنا ــ إذن ــ‬
‫أن نفطر ونحن فى واحة من الراحة‪ ،‬أم‬
‫نصوم ألن المشقة المبىحة للفطر لىست‬
‫محسوسة فى هذه األسفار؟‬
‫والجواب‪:‬‬
‫رأىان فى المسألة‪ ،‬فالذىن ىتمسكون‬
‫بظاهر النصوص ىفتون ىجواز اإلفطار‬
‫اعتما ًدا على ظاهر النص‪ ،‬ولما ثبت من‬
‫حدىث أنس قال‪« :‬سافرنا مع رسول الله‬
‫صلى الله علىه وسلم فى رمضان فلم‬
‫ىعب الصائم على المفطر‪ ،‬وال المفطر‬
‫على الصائم»‪.‬‬
‫وثبت عنه أىضا أنه قال‪« :‬كان أصحاب‬
‫رسول الله صلى الله علىه وسلم ىسافرون‬
‫فىصوم بعضهم وىفطر بعضهم»‪.‬‬
‫وفرىق آخر من العلماء ىجىزون اإلفطار‬
‫فى السفر إذا وجدت فىه مشقة ظاهرة‪.‬‬
‫مرىحا منعوا اإلفطار‬‫ً‬ ‫فإذا كان السفر‬
‫النتفاء علته ــ المشقة ــ وىبدو أن هذا‬
‫الرأى أحوط وأشد حز ًما وألنه الموافق‬
‫لقوله تعالى‪« :‬وأن تصوموا خىر لكم»‪.‬‬
‫فالصوم فى كل حال أفضل‪.‬‬
‫والخالصة أن السفر رخصة يجوز‬
‫معها اإلفطار بشروطه‪ ،‬كما يجوز الصيام‪.‬‬
‫قالت عائشة رضى الله عنها‪ :‬سأل حمزة‬
‫بن عمر األسلمى رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم عن الصيام فى السفر فقال‬
‫عليه السالم «إن شئت فصم‪ ،‬وإن شئت‬
‫فأفطر» رواه مسلم‪.‬‬
‫وفى رواية أخرى أن حمزة هذا قال‪:‬‬
‫فى قوة على الصيام‬
‫«يا رسول الله أجد َّ‬
‫على من جناح؟ ــ يعنى‬
‫فى السفر‪ ،‬فهل ّ‬
‫لو أفطر ــ فقال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪« :‬هى رخصة من الله‪ ،‬فمن‬
‫أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فال‬
‫جناح عليه» أخرجه مسلم‪.‬‬
‫أما قوله عليه السالم‪« :‬ليس من البر‬
‫الصيام فى السفر» فقد ورد فى حالة‬
‫خاصة لرجل أجهده الصوم كما جاء فى‬
‫البخارى فيحسن حملها عليه وعلى أمثاله‬
‫ممن يجهدهم السفر ويصيبهم بالضرر‪.‬‬

‫الحالة الثانية ـ ط��روء المرض على‬


‫الصائم‪:‬‬
‫ً‬
‫ملحوظا‬ ‫ً‬
‫مرضا‬ ‫إذا مرض الصائم‬
‫وخشى من الصوم زيادة هذا المرض أو‬
‫تأخر الشفاء‪ ،‬فإنه يجوز له الفطر حتى‬
‫يزول السبب المانع‪..‬والمعول عليه فى‬
‫ذلك إفتاء طبيب مسلم يقدر المسئولية‬
‫أما إذا خشى من الصوم إتالف حاسة من‬
‫حواسه‪ ،‬أو إحداث ضرر مستديم وأفتاه‬
‫بذلك الطبيب المسلم فإنه يجب عليه‬
‫اإلفطار فى هذه الحالة‪.‬‬
‫وإن خالف المريض وص��ام أجزأه‬
‫صومه خال ًفا أله��ل الظاهر الذين‬
‫يقولون‪ :‬إن المريض والمسافر إن صاما‬
‫فى رمضان حالى السفر والمرض لم‬
‫يجزئهما صومهما ووجب عليهما قضاء‬
‫ما أفطراه بعد رمضان‪.‬‬
‫والرأى األول هو رأى الجمهور‪ ،‬وهو‬
‫الصحيح وعليه العمل لقوله تعالى‪« :‬وأن‬
‫تصوموا خير لكم»‪.‬‬
‫ومعلوم أن الوعكات الخفيفة التى ال‬
‫يتأثر صاحبها بها بسبب الصوم ال تجيز‬
‫الفطر‪ ،‬ألنها ليست من األعذار المعتبرة‬
‫عند الفقهاء‪.‬‬
‫الحالة الثالثة ـ طروء حيض أو نفاس‪:‬‬
‫إذا طرأ الحيض على الصائمة‪ ،‬أو‬
‫وضعت بطل صومها الذى هى فيه يوم‬
‫الطروء‪ ،‬ووجب عليها اإلفطار ما دام‬
‫ال وما دامت مدة النفاس‬ ‫الحيض ناز ً‬
‫لم تنته‪ ،‬ألن من شروط وجوب الصوم‬
‫وصحته الخلو من دم الحيض والنفاس‪.‬‬
‫فإذا صامت الحائض أو النفساء بطل‬
‫صومها وال يصح منها إال بعد زوال‬
‫المانع‪.‬‬
‫فإذا انقطع دم الحيض أو النفاس لي ً‬
‫ال‬
‫تطهرتا ونوتا الصيام من الغد‪ .‬وإذا انقطع‬
‫نهارا امسكتا عن المفطرات بقية اليوم‬ ‫ً‬
‫لحرمة الشهر ثم استأنفتا الصيام من اليوم‬
‫التالى ليوم االنقطاع‪.‬‬
‫وطروء أحدهما ولو قبل الغروب بجزء‬
‫يسير من الزمن مبطل لصيام يوم الطروء‪.‬‬
‫كما أن انقطاعه قبيل الفجر بجزء يسير‬
‫ملزم لهما بنية الصيام لزوال المانع من‬
‫الصوم‪.‬‬
‫وذهب بعض أصحاب مالك إلى أن‬
‫الحائض إذا طهرت قبل الفجر فأخرت‬
‫الغسل إلى ما بعد الفجر فصومها باطل‪.‬‬
‫وقد رد ابن رشد هذا الرأى فقال‪:‬‬
‫«وأقاويل هؤالء شاذة ومردودة بالسنن‬
‫المشهورة الثابتة» وهذا صحيح‪.‬‬
‫وال يجوز اإلف��ط��ار للحائض إال‬
‫ال‪ .‬فمن كانت عادتها‬ ‫بطروء الحيض فع ً‬
‫الشهرية تأتى فى اليوم العاشر من الشهر‬
‫ال ــ فنوت المرأة اإلفطار‬‫العربى ــ مث ً‬
‫ال وأصبحت مفطرة‪ ،‬فعليها القضاء‬ ‫لي ً‬
‫والكفارة الستنادها إلى شىء غير محقق‬
‫وقت نية اإلفطار‪ .‬ويلزمها هذا الحكم‬
‫حتى لو حدث أنها حاضت بالفعل بعد‬
‫جزء من النهار الذى نوت الفطر فيه‪.‬‬
‫الحالة الرابعة ـ الحمل والرضاع‪:‬‬
‫كل من الحامل والمرضع إذا خافتا‬
‫معا‪ ،‬أو على‬ ‫على أنفسهما وولدهما ً‬
‫أنفسهما فقط‪ ،‬أو على ولدهما فقط‪ .‬فإن‬
‫مالكا رضى الله عنه يجيز لهما الفطر فى‬ ‫ً‬
‫الحاالت الثالث‪ ،‬وتخرج المرضع فدية‬
‫طعام مسكين عن كل يوم تقضيه‪ .‬وال فدية‬
‫عنده على الحامل بل تكتفى بالقضاء عند‬
‫زوال السبب وانقضاء رمضان‪.‬‬
‫ً‬
‫هالكا على‬ ‫ضررا شديدً ا أو‬
‫ً‬ ‫وإذا خافتا‬
‫النفس والولد‪ ،‬أو النفس فقط‪ ،‬أو الولد‬
‫فقط وجب عليهما اإلفطار‪.‬الحامل‬
‫مطل ًقا‪ .‬أما المرضع فال تتمتع بهذه‬
‫الرخصة إال إذا تعين عليها الرضاع بأن لم‬
‫تجد مرضعة غيرها‪ .‬أو وجدت ولم تجد‬
‫أجرتها أو لم يقبلها الولد‪ .‬فإذا وجدت‬
‫وقبلها الولد وتيسر أجر الرضاع وجب‬
‫عليها الصوم وال يجوز لها الفطر بحال‬
‫وفى المسألة رأيان آخران‪:‬‬
‫٭ أن األحناف يوجبون القضاء بدون‬
‫فدية فى جميع الحاالت وقد عرفنا أن‬
‫مالكا يوجب الفدية مع القضاء على‬ ‫ً‬
‫المرضع دون الحامل‪.‬‬
‫٭ والحنابلة والشافعية يوجبون الفدية‬
‫معا إذا كان خوفهما‬‫مع القضاء عليهما ً‬
‫على ولدهما فقط‪ .‬ويسقطونها إذا كان‬
‫الخوف على النفس فقط‪ .‬أو على النفس‬
‫مع الولد‪.‬‬
‫وحكم المستأجرة للرضاع كحكم األم‬
‫عند األحناف والشافعية والحنابلة‪ .‬هؤالء‬
‫جميعا قدر الشرع ظروفهم الطارئة‪،‬‬ ‫ً‬
‫وأحوالهم المتغيرة فأجاز لهم أن يفطروا‬
‫وفى بعض الحاالت أوجب عليهم أن‬
‫يفطروا وسمح لهم بتأجيل الفريضة‬
‫المحدد زمنها المعذرون فيه‪ ،‬إلى زمن‬
‫آخر يصبحون فيه قادرين على أداء‬
‫ورفعا للضرر‬
‫ً‬ ‫تيسيرا عليهم‪،‬‬
‫ً‬ ‫الفريضة‪.‬‬
‫عنهم‪ ،‬وعو ًنا لهم على أداء واجباتهم‬
‫نحو أنفسهم ونحو ربهم فى غير عناء‪.‬‬
‫على أن القضاء المطالبين به عند زوال‬
‫األعذار األفضل تعجيله متى زال العذر‬
‫لقوله عليه السالم‪« :‬بادروا باألعمال»‬
‫سبع مرات وألنه دين فى أعناقهم الحرم‬
‫أن يعجلوا أداءه قبل أن تحول دونه موانع‬
‫أخرى كالمرض والموت‪.‬‬
‫فإذا أخروا األداء حتى دخل رمضان‬
‫مالكا يوجب على كل منهم‬ ‫التالى فإن ً‬
‫فدية مع القضاء بعد انقضاء رمضان‬
‫الثانى‪ .‬والشافعى يوافق ً‬
‫مالكا فى رأيه‪.‬‬
‫أما األحناف والحنابلة فيقولون‪ :‬إن‬
‫موسعا فال‬
‫ً‬ ‫قضاء رمضان يجب وجو ًبا‬
‫فدية وال إثم مع التأخير‪.‬‬
‫والقضاء يكون بالعدد ال بالهالل‪.‬‬
‫فمن أفطر رمضان كله لعذر وكان تسعة‬
‫وعشرين يو ًما فإنه يصوم ثالثين يو ًما‬
‫كاملة وال يعتد بالهالل إذا بدأ صومه أول‬
‫شهر قمرى‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ التبديل‪ :‬تبديل الصوم المتعذر‬
‫بعبادة أخرى ميسرة أو الغاؤه‪.‬‬
‫وهذا النهج الرحيم سلكه اإلسالم‬
‫مع كل من يجهده الصوم إجها ًدا ً‬
‫بالغا‪،‬‬
‫ويذيقه مشقة‪ ،‬شديدة ال يحتملها اإلنسان‬
‫إال بالعناء واإلرهاق المضنى‪.‬‬
‫ومن هؤالء الشيخ الطاعن فى السن‪،‬‬
‫والمرأة الطاعنة كذلك إذا أهزلتهما‬
‫الشيخوخة وأنهكت قواهما السنون‪.‬‬
‫والمريض ً‬
‫مرضا مزمنًا غير مرجو برؤه‪،‬‬
‫وقد ضعفت صحته وخارت قواه من‬
‫أزمان المرض‪.‬‬
‫هؤالء أسقط عنهم اإلسالم فريضة‬
‫الصوم لما يصيبهم منه من مشقة غير‬
‫محتملة فوق ما هم فيه بطبيعة حالتهم‪.‬‬
‫وطلب منهم بدل الصوم غير المقدور‬
‫مقدورا عليها‪ ،‬طعام مسكين‬
‫ً‬ ‫عليه فدية‬
‫كحد أدنى عن كل يوم يفطره أحدهم‪.‬‬
‫ومن زاد فله أجره‪ .‬فإن كانوا فقراء غير‬
‫واجدين للفدية‪ ،‬أو احتاجوا لها فى خاصة‬
‫نفسا إال وسعها‪.‬‬
‫أنفسهم فال يكلف الله ً‬
‫فال صوم وال فدية وتلغى الفريضة عنهم‬
‫إلغا ًء تا ًما‪ .‬واألصل فى هذا الحكم قوله‬
‫تعالى‪« :‬وعلى الذين يطيقونه فدية طعام‬
‫مسكين‪ .‬فمن تطوع خيرا فهو خير له»‪.‬‬
‫ومعنى (يطيقونه)‪ :‬يتجشمونه يعنى‬
‫يتحملونه بالمشقة البالغة ومغالبة النفس‬
‫ومعاناتها‪ .‬فما أيسر هذا الدين‪ ،‬وما أجمله‬
‫وأحسنه‪« .‬إن ربكم لرءوف رحيم»‪.‬‬
‫وأنت‪ ،‬بعد خبير بأن هؤالء معاملون‪:‬‬
‫إما بالغاء الصوم مع التبديل وإما باإللغاء‬
‫المطلق‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ اإللغاء‪ :‬إذا جن المكلف قبل‬
‫دخول رمضان واستمر جنونه حتى فرغ‬
‫شهر الصوم‪ ،‬فإن اإلسالم يلغى تلك‬
‫الفريضة إلغا ًء تا ًما بالنسبة له‪ ،‬فال يطالبه‬
‫ال بفدية وال بقضاء لرفع التكليف عنه فى‬
‫زمن األداء‪.‬‬
‫تلك هى األعذار المبيحة لإلفطار‪،‬‬
‫المسقطة لإلثم‪ ،‬أذن الشرع ألصحابها‬
‫باإلفطار فى زمن أوجب فيه الصوم على‬
‫كل قادر صحيح‪.‬‬
‫«ذلك تخفيف من ربكم ورحمة»‪.‬‬
‫الفصل الخامس‬
‫مبطالت الصيام‬

‫يبطل الصوم أمور تختلف فيما يترتب‬


‫عليها من رد فعل الشرع‪ .‬فمنها ما يوجب‬
‫القضاء فقط‪ ،‬ومنها ما يوجب القضاء‬
‫مع الكفارة‪ .‬ولكل من الحالتين شروط‪.‬‬
‫وإليك بيان تلك األمور‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ال ـ الجماع ومقدماته‪:‬‬
‫فقد أفتى جمهور الفقهاء على أن من‬
‫جامع متعمدً ا فى نهار رمضان فعليه‬
‫القضاء والكفارة لما ثبت من حديث أبى‬
‫هريرة أنه قال‪:‬‬
‫«جاء رجل إلى رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم فقال‪« :‬هلكت يا رسول الله‪.‬‬
‫قال‪ :‬وما أهلكك؟ قال‪ :‬وقعت على‬
‫امرأتى فى رمضان‪ .‬قال‪ :‬هل تجد ما‬
‫تعتق به رقبة؟ قال‪ :‬ال‪ .‬قال‪ :‬فهل تستطيع‬
‫أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال‪ :‬ال‪ .‬ال‪.‬‬
‫ثم جلس فأتى النبى بفرق ـ وعاء ـ فيه تمر‬
‫قال‪ :‬فهل تجد ما تطعم به ستين مسكينًا؟‬
‫قال‪ :‬فقال تصدق بهذا‪ .‬قال‪ :‬على أفقر‬
‫منى؟ فما بين ال بتيها أهل بيت أحوج إليه‬
‫منا‪ .‬قال‪ :‬فضحك النبى صلى الله عليه‬
‫وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال‪ :‬اذهب‬
‫فأطعمه أهلك»‪.‬‬
‫فهذا الحديث صريح فى وجوب‬
‫القضاء مع الكفارة إذا جامع متعمدً ا‪.‬‬
‫والجماع يبطل صوم الواطئ والموطوء‬
‫فإذا أجبر الرجل زوجته الصائمة على‬
‫الوطء فعليه هو القضاء والكفارة‪ .‬أما هى‬
‫فعليها القضاء فقط دون الكفارة ‪ ،‬ألنها‬
‫مكرهة وليست مختارة‪ .‬وإذا طاوعته ولم‬
‫معا القضاء والكفارة‪.‬‬
‫تمانع فعليهما ً‬
‫ بع�ض العلامء يوجب كفارة املجربة عىل املجبر‪ .‬فيكفر عنها بغري‬
‫الصوم‪.‬‬
‫أما إذا أكره المجامع على الوطء فإن‬
‫القضاء وحده يلزمه دون الكفارة‪.‬‬
‫وكون الجماع المتعمد موج ًبا للقضاء‬
‫والكفارة هو محل اتفاق بين األئمة‬
‫األربعة‪ .‬بل إن اإلمام الشافعى واإلمام‬
‫أحمد ـ ومعهما أهل الظاهر ـ حصرا‬
‫وجوب الكفارة فى الجماع فقط‪.‬‬
‫وإذا جامع ناس ًيا أنه صائم فاإلمام‬
‫أحمد وأهل الظاهر يقولون إن الكفارة‬
‫تلزمه مع القضاء‪ .‬واإلمام الشافعى وأبو‬
‫حنيفة يقوالن ال قضاء وال كفارة عليه‪.‬‬
‫وذهب اإلم��ام مالك مذه ًبا معتد ً‬
‫ال‬
‫فأفتى بوجوب القضاء عليه دون الكفارة‪.‬‬
‫وهذا رأى أراه من القبول بمكان لبعده عن‬
‫التطرف‪ .‬فإن القول بوجوب الكفارة مع‬
‫القضاء فيه قسوة على الصائم المجامع‬
‫معا فيه تسامح‬‫ناس ًيا‪ .‬كما أن إعفاءه منهما ً‬
‫قد يدعو إلى التحايل‪ .‬فاألحوط ما ذهب‬
‫جميعا‪.‬‬
‫ً‬ ‫إليه مالك رضوان الله عليهم‬
‫وإذا جامع الصائم زوجته الصغيرة غير‬
‫المطيقة فال يفسد صومه إال إذا أنزل فعليه‬
‫القضاء‪ .‬ومن جامع ظا ًنا بقاء الليل ثم تبين‬
‫خطأه فعليه القضاء ومن طلع عليه الفجر‬
‫فورا وال شىء‬‫وهو يجامع فعليه أن ينزع ً‬
‫عليه‪ .‬فإن تباطأ فعليه القضاء والكفارة‪،‬‬
‫لتعمده التباطؤ‪ .‬ويرى الحنابلة وجوب‬
‫القضاء الكفارة عليه سواء نزع أو لم‬
‫ينزع‪ ،‬ألن النزع عندهم جماع‪.‬‬
‫هل تكرر الكفارة بتكرار الجماع؟‬
‫إذا وقع الجماع أكثرمن مرة فى اليوم‬
‫الواحد فليس على المجامع إال كفارة‬
‫واحدة مع القضاء‪ .‬أما إذا تكرر الجماع‬
‫فى أيام متعددة فإن الكفارة تتعدد بتعدد‬
‫األيام التى أفسد صومه فيها بالجماع‪.‬‬
‫وهذا محل اتفاق بين الفقهاء‪.‬‬
‫ويفسد الصوم بإخراج المنى أو‬
‫المذى مع لذة معتادة بنظر أو تفكر أو‬
‫غيرهما كالقبلة المباشرة‪ .‬أما خروجهما‬
‫لمرض أو بغير لذة فغير مضر‪ .‬وكذلك‬
‫ال يضر خروجهما بمجرد نظر أو فكر‬
‫غير مستديمين‪ .‬وي��رى األحناف أن‬
‫نزول المنى أو المذى غير مضر مطل ًقا‬
‫ولو تعمد الصائم أسباب اإلنزال كالنظر‬
‫والفكر وغيرهما‪.‬‬
‫حكم القبلة والمباشرة‪:‬‬
‫تختلف نظرة الفقهاء إلى مقدمات‬
‫الجماع كالقبلة والمباشرة‪ .‬فمالك يقول‬
‫ املن�ى‪ :‬م�ا نزل مصاح ًب�ا للذة‪ ،‬وامل�ذى‪ :‬ما نزل قبله ع�ن تفكر أو‬
‫نظر‪.‬‬
‫بكراهتها للصائم إذا أمن السالمة من‬
‫اإلنزال أو الجماع‪ .‬أما إذا لم يأمن السالمة‬
‫منهما فهى حرام‪ .‬ثم إذا لم يحصل شىء‬
‫فى الحالتين فالصوم صحيح‪ .‬فإن أنزل‬
‫فسد صومه وعليه القضاء فقط إذا كان‬
‫آمنا للسالمة‪ .‬وعليه القضاء مع الكفارة‬
‫إذا لم يكن آمنا السالمة‪.‬‬
‫واإلمام أبو حنيفة يجعلها من األمور‬
‫الجائزة بال كراهة إن أم��ن اإلنزال‬
‫والجماع‪ .‬فإذا لم يأمنهما فمكروه‪ .‬وقد‬
‫مالكا يفتى بالكراهة مع‬ ‫ً‬ ‫رأينا اإلم��ام‬
‫األمن‪ ،‬وبالحرمة من عدمه‪.‬‬
‫واإلمام أحمد يتفق مع اإلمام أبى حنيفة‬
‫فى جواز المقدمات بال كراهة إذا أمن‬
‫اإلنزال والجماع‪ ،‬ويتفق مع اإلمام مالك‬
‫فى القول بحرمتها إذا لم يأمنهما‪ .‬واإلمام‬
‫الشافعى يجوزها كذلك إذا لم تحرك‬
‫شهوة‪ .‬وإن حركت الشهوة فحرام‪.‬‬
‫وأفتى بعض الفقهاء بجواز القبلة حال‬
‫الصوم للشيخ القادر على ضبط نفسه‪،‬‬
‫ومنعها بالنسبة للشباب ألنها قد تجره‬
‫إلى المحظور‪ .‬ويجوز بال كراهة التقبيل‬
‫لوداع مسافر‪ ،‬أو شفقة على مريض‪.‬‬
‫ثان ًيا ـ ما وصل إلى الجوف من غذاء‬
‫ونحوه‬
‫إذا تناول الصائم طعا ًما أو شرا ًبا متعمدً ا‬
‫فى نهار رمضان بال عذر وال تأول مقبول‬
‫مالكا وأصحابه‪ ،‬واإلمام أبا‬ ‫فإن اإلمام ً‬
‫حنيفة وأصحابه‪ ،‬واإلمام الثورى وآخرين‬
‫أفتوا بوجوب القضاء والكفارة عليه‪ ،‬ألنه‬
‫متعمد بغير عذر وال شبهة تأول‪ .‬وذهب‬
‫اإلم��ام الشافعى واإلم��ام أحمد وأهل‬
‫الظاهر إلى إلزامه بالقضاء دون الكفارة‪،‬‬
‫ألن الكفارة ال تجب عندهم إال بالجماع‬
‫المتعمد كما سبق‪.‬‬
‫ريا فيعتقد جواز الفطر فيفطر‪،‬‬
‫سفرا قص ً‬
‫ التأول املقبول كأن يسافر ً‬
‫فعليه القضاء دون الكفارة‪.‬‬
‫واألحوط الذى ينبغى العمل به هو ما‬
‫ذهب إليه مالك وأبو حنيفة ألن المفطر‬
‫عمدً ا بغير الجماع كالمفطر به فى انتهاك‬
‫حرمة الشهر فهما سواء‪ .‬ومن أكل أو‬
‫شرب ناس ًيا فمالك يلزمه بالقضاء مع‬
‫اإلمساك بقية اليوم‪ ،‬وغيره يتسامح فى‬
‫ذلك ويفتى بصحة صوم من تناول طعا ًما‬
‫أو شرا ًبا أو نحوهما ناس ًيا لقوله عليه‬
‫السالم‪« :‬رفع عن أمتى الخطأ والنسيان‬
‫وما استكرهوا عليه»‪.‬‬
‫ومن أكل أو شرب ظا ًنا دخول المغرب‬
‫أو ظا ًنا بقاء الليل‪ ،‬فظهر أنه أكل ً‬
‫نهارا وبعد‬
‫طلوع الفجر فعليه القضاء واإلمساك بقية‬
‫اليوم‪ .‬أما إذا لم يتبين األمر فى الحالتين فال‬
‫شىء عليه‪ .‬والحقنة المغذية إذا تعاطاها‬
‫نهارا بطل صومه وعليه القضاء‪ ،‬أما غيرها‬ ‫ً‬
‫فجائز إذا لم يصل شىء منها إلى المعدة‬
‫أو الدماغ‪ .‬ومن بالغ فى المضمضة حتى‬
‫غلبه الماء فوصل إلى حلقه أو بطنه فعليه‬
‫قضاء اليوم‪ .‬واإلمام أحمد يحكم بكراهة‬
‫هذا الفعل مع صحة صومه‪.‬‬
‫ويبطل الصوم ـ كذلك ـ بتعاطى األدخنة‬
‫بأنواعها والنشوق ألنهما من الشهوات‪،‬‬
‫وكذلك إذا وجد طعم علك (لبان) إذا‬
‫نهارا‬
‫نهارا‪ .‬وكذلك إذا اكتحل ً‬ ‫مضغه ً‬
‫فوجد طعم الكحل فى حلقه فالقضاء‪.‬‬
‫ثال ًثا ـ القىء‬
‫إذا خرج من جوف الصائم قىء غلبه‬
‫فال شىء عليه‪ ،‬إال إذا ابتلع منه شيئًا بعد‬
‫وصوله إلى فمه فعليه قضاء اليوم لبطالن‬
‫صومه‪ .‬أما إذا استقاء هو فصومه باطل‬
‫ولو لم يرجع منه شىء‪ .‬وهذا هو مذهب‬
‫الجمهور لما ورد من حديث أبى هريرة‬
‫أن النبى صلى الله عليه وسلم قال‪« :‬من‬
‫ذرعه القىء ـ يعنى غلبه ـ وهو صائم‬
‫ اإلمام أبو حنيفة يتسامح ىف مثل هذا‪ ،‬فال قضاء عليه عنده‪..‬‬
‫فليس عليه قضاء» أخرجه الترمذى وأبو‬
‫داود‪.‬‬
‫وشذ آخرون فقال بعضهم‪ :‬غلبة القىء‬
‫مفطرة‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬إذا استقاء فقاء‬
‫فال قضاء عليه‪ .‬واألرجح ما ذهب إليه‬
‫الجمهور‪.‬‬
‫رابعا ـ الحجامة‬
‫اختلف الفقهاء فى الحجامة فقال قوم‬
‫إنها تفطر وإن اإلمساك عنها واجب‪ ،‬وهو‬
‫رأى اإلمام أحمد وآخرين‪.‬‬
‫وق��ال ق��وم‪ :‬إنها مكروهة للصائم‬
‫وليست مفطرة‪ ،‬وهو رأى مالك والشافعى‬
‫وغيرهما‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬إنها ليست مكروهة وال‬
‫مفطرة‪ ،‬وهو رأى أبى حنيفة وأصحابه‪.‬‬
‫وسبب هذا الخالف ما ورد أنه عليه‬
‫السالم قال‪« :‬أفطر الحاجم والمحجوم‪.‬‬
‫وما روى عن ابن عباس أن النبى عليه‬
‫الصالة والسالم احتجم وهو صائم‪.‬‬
‫فاألثران متعارضان وللعلماء فيها كالم‬
‫كثير‪.‬‬
‫لكن المشهور والغالب عند الفقهاء‬
‫أنها غير مفطرة بل هى مكروهة أو ليست‬
‫مكروهة‪.‬‬
‫وللخروج من هذا الخالف ينبغى على‬
‫الصائم اجتنابها ضما ًنا للسالمة‪.‬‬

‫الفصل السادس‬
‫المندوب‪ ..‬والجائز‪ ..‬والمكروه‬

‫للفقهاء مواقف من بعض األعمال التى‬


‫يفعلها الصائم حال صومه‪ .‬منها ما اتفقوا‬
‫على ندبه واستحبابه‪ ،‬ومنها ما اتفقوا‬
‫على جوازه‪ ،‬ومنها ما اتفقوا على كراهته‪،‬‬
‫ومنها ما اختلفوا فيه فقال بعضهم بالجواز‬
‫وتعميما للفائدة نذكر‬
‫ً‬ ‫وبعضهم بالكراهة‪.‬‬
‫المشهور الشائع من تلك األعمال لنحدد‬
‫لنا منها موق ًفا عند العمل‪ .‬ونكتفى فى‬
‫بعضها بما نراه أرجح وأقرب إلى مقاصد‬
‫الشرع الحكيم خشية اإلطالة‪.‬‬

‫أوال ـ ما يندب ويستحب فعله‬


‫الندب واالستحباب بمعنى واحد‪،‬‬
‫المراد منهما ما يكون فعله أولى من‬
‫تركه‪ .‬أو هما األمور التى رغب الشرع‬
‫فى فعلها‪.‬‬
‫ومن ذلك فى رمضان التقرب إلى‬
‫الله بالطاعات كصالة ركعات فى البيت‬
‫بعد التراويح وقبل الوتر‪ ،‬وينبغى أال‬
‫يبالغ المكلف ويجهد نفسه فى ذلك‬
‫فخير العبادة عند الله أدومها وإن قل‪.‬‬
‫كما تستحب قراءة القرآن ومدارسته‪،‬‬
‫ويستحب كذلك تعجيل الفطر وتأخير‬
‫السحور‪ .‬والحكمة فيهما أن تأخير‬
‫السحور يعين الصائم على أداء الصوم‬
‫فى غير عناء بالغ‪ ،‬وأن المكلف إذا أخر‬
‫السحور أدرك صالة الفجر فى وقتها‬
‫والله يقول‪« :‬وقرآن الفجر إن قرآن الفجر‬
‫كان مشهو ًدا» يعنى‪ :‬تشهده مالئكة الليل‬
‫ومالئكة النهار المكلفون بإحصاء عمل‬
‫العبد‪ .‬فمالئكة النهار يجدونه فى عبادة‪،‬‬
‫ومالئكة الليل يتركونه فى عبادة‪ ،‬فيكثر‬
‫من يشهد بالخير لمصلى الفجر فى‬
‫وقته‪.‬‬
‫أما إذا لم يؤخر السحور فأكل ونام فقد‬
‫فاته ذلك الخير ولقى فى نهاره عناء من‬
‫فرط الجوع والعطش‪.‬‬
‫وحكمة تعجيل الفطر دفع المشقة عن‬
‫الصائم حتى ال يحرم نفسه جز ًءا من ليل‬
‫أحل فيه كل ممنوع‪ .‬وألن ذلك افتيات‬
‫على الشرع غير مأذون فيه‪.‬‬
‫ويستحب أن يؤدى الصائم صيامه‬
‫برغبة وحب لهذه العبادة محتس ًبا أجره‬
‫على الله‪ .‬وأال يؤديها بالسآمة والضجر‬
‫وتمنى زوال الشهر‪ .‬فإن من كان كذلك‬
‫كان صومه إلى التقليد أقرب منه إلى‬
‫العبادة‪ ،‬إال أن يكون الحرص على ذلك‬
‫سرورا بهذا العمل الذى وفقه إليه الله‪،‬‬
‫ً‬
‫ورغبة فى التوفيق فيما بقى‪.‬‬
‫كما يستحب اإلكثار من اإلحسان إلى‬
‫الفقراء والمساكين ومد يد العون لهم‪.‬‬
‫فرمضان شهر بذل وعطاء‪ ،‬والرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم يقول‪« :‬من َّ‬
‫فطر‬
‫صائما ـ يعنى وقت الغروب ـ فله أجر‬ ‫ً‬
‫صائم دون أن ينقص من أجره شىء»‪.‬‬
‫ويستحب االعتكاف فى رمضان وهو‬
‫اإلقامة فى المساجد للقادرين للعبادة‬
‫والذكر وأقله يوم وليلة‪ .‬ويفضل أن يكون‬
‫فى العشر األواخر من رمضان‪ .‬وصفوة‬
‫القول أن كل عمل خير تستطيعه فهو‬
‫مرغوب فيه ومطلوب‪.‬‬

‫ثان ًيا ـ ما يجوز فعله‬


‫يجوز للصائم المضمضة ولو لعطش‬
‫وينبغى أال يبالغ فيها لكيال يتسرب شىء‬
‫إلى جوفه‪ ،‬ويجوز السواك مطل ًقا عند‬
‫قوم‪ ،‬وفى نصف النهار األول عند آخرين‪.‬‬
‫ويجوز للطهاة ورب��ات البيوت ذوق‬
‫الطعام الذى يطهونه إذا لم يمكن إجادته‬
‫إال باالختبار‪ ،‬وكان من يطهى له الطعام‬
‫ال يتسامح إذا وجد فيه بعض العيوب‪.‬‬
‫وينبغى أن يكون الذوق بطرف اللسان‪،‬‬
‫ثم ىمج وىطرح‪ .‬فإذا غلبه منه شىء فعلىه‬
‫القضاء فى األح��وط‪ .‬كما ىجوز لمن‬
‫ىشترى فاكهة وخشى أن ىغشه البائع أن‬
‫ىتذوقها بنفس الطرىقة‪ .‬وكذلك ال ىضر‬
‫وصول غبار طرىق إلى حلقه أو غبار‬
‫دقىق‪ ،‬وكذلك ال ىضر بلع الرىق المجتمع‬
‫فى الفم أو ما بىن أسنانه من بقاىا الطعام‬
‫كثىرا عرفا وابتلعه ولو غلبه‬
‫إال إذا كان ً‬
‫بطل صومه عند مالك‪ .‬وىجوز للصائم‬
‫التمتع بالمشمومات والمنظورات ما لم‬
‫تكن محرمة فىمتنع‪ ،‬كما ىجوز له الفصد‬
‫ولو خرج دم ما لم ىضعفه عن الصوم‪.‬‬
‫وىتسامح بعضهم فيما وصل إلى الجوف‬
‫نسىا ًنا كما تقدم‪ .‬وىجوز تأخىر الغسل‬
‫من جنابة وغىرها ولو ظل طوال النهار‬
‫فال تأثىر له على صحة الصوم‪ ،‬وإنما‬
‫ىحرم علىه ذلك من أجل تعطىل الصالة‪.‬‬
‫وىجوز لألم مضغ الطعام البنها الصغىر‬
‫مع التحرز واالحتىاط‪ ،‬كذلك فإن الصوم‬
‫نهارا ثم احتلم‪،‬‬
‫ال ىفسد لو نام الصائم ً‬
‫وبعضهم ىشترط أال ىكون ذلك بسبب‬
‫تفكىر أو نظر مستدىم قبل النوم‪ ،‬وال عبرة‬
‫بهما عند األحناف فاالحتالم عندهم ـ‬
‫مطل ًقا ـ ال ىفسد الصوم‪.‬‬
‫ثال ًثا ــ ما ىكره فعله‪:‬‬
‫ىكره للصائم مضغ شىء ىتحلل وإذا‬
‫وصل إلى الحلق فسد صومه‪ .‬كما ىكره‬
‫نهارا إال‬
‫للصائم معالجة حفر األسنان ً‬
‫إذا خاف الضرر فىجوز‪ ،‬وتكره مقدمات‬
‫الجماع مع أمن السالمة‪ ،‬وتحرم مع‬
‫عدم األمن كما تقدم‪ .‬وتكره المبالغة فى‬
‫المضمضة واالستنشاق خشىة وصول‬
‫شىء إلى الحلق‪ ،‬كما ىكره االكتحال‬
‫نهارا‪ .‬أو شم روائح الطعام لغير طاه وربة‬‫ً‬
‫منزل‪ .‬وىكره للصائم مزاولة األلعاب‬
‫غىر المفىدة كاللعب بالنرد والكوتشىنة‬
‫وضىاع الوقت بالجلوس فى الطرقات‬
‫والنظر إل��ى الغادىات والرائحات‬
‫والخوض فى أعراض الناس واالغتىاب‬
‫والكذب والنمىمة وإن كانت هذه األمور‬
‫أساسا إال أنها ال تفسد الصوم‪.‬‬
‫ً‬ ‫محرمة‬
‫أما مزاولة األلعاب الرىاضىة المفىدة‬
‫فال تكره ما لم تضعفه عن أداء الصوم أو‬
‫تصىبه باإلعىاء الشدىد‪ ،‬وال ىجوز للمرأة‬
‫المبالغة فى التزىن والخروج سافرة إلى‬
‫مصدرا لإلثارة وهذا وإن‬
‫ً‬ ‫عملها فتكون‬
‫كان محر ًما مطل ًقا فإنه ال ىفسد الصوم‬
‫فاألولى الخروج فى حشمة ووقار كما‬
‫ىكره كل ما ىشغل الصائم وىلهىه من‬
‫محقرات األم��ور كالصخب والعبث‬
‫والقراءات الضارة ومشاهدة العروض‬
‫الجنسىة واالستماع إلى األغانى الماجنة‬
‫والتلفظ بالساقط من القول‪ .‬وىكره‬
‫الجماع حال الشك فى طلوع الفجر عند‬
‫الحنابلة‪ .‬أما السحور حال الشك فجائز‬
‫بال كراهة‪.‬‬
‫وىنبغى على المفطرىن لعذر‪ ،‬أو لغىر‬
‫عذر‪ ،‬أن ىجتنبوا ما ىؤذى الصائم من‬
‫التدخىن فى حضورهم وفى وسائل‬
‫المواصالت أو مقار العمل‪ ،‬فإن الصائم‬
‫ىكون شدىد الحساسىة نحو هذه األعمال‪،‬‬
‫مفطرا‬
‫ً‬ ‫وقد ىتأثر بروائحها‪ .‬فمن كان‬
‫فلىتناول ما شاء بعىدً ا عن أعىن الناس‪،‬‬
‫ولىتنا نستصدر قانو ًنا ىضع حدً ا لهؤالء‬
‫اإلباحىىن والمستهترىن الذىن خلت‬
‫نفوسهم من كل حىاء وأدب وذوق‪ ،‬وإال‬
‫فعلى الجمهور مؤاخذة كل من ىخرج‬
‫عن الذوق العام بنصحه وإرش��اده‪ .‬أو‬
‫زجره وذمه‪.‬‬
‫ولو أن هؤالء المارقىن أحسوا بذلك‬
‫الموقف من الجمهور المؤمن الملتزم‬
‫لما جرؤ واحد منهم على ارتكاب ما‬
‫ىؤذى أو ىخرج عن القواعد العامة سواء‬
‫فى رمضان‪ ،‬أو فى غىر رمضان‪ .‬والرسول‬
‫علىه السالم ىعطىنا سلطة فى مزاولة هذا‬
‫منكرا‬
‫ً‬ ‫الحق فىقول‪« :‬من رأى منكم‬
‫فلىغىره بىده‪ ،‬فإن لم ىستطع فبلسانه‪ ،‬فإن‬
‫لم ىستطع فبقلبه وذلك أضعف اإلىمان»‬
‫وىقول‪« :‬لتأمرن بالمعروف‪ ،‬ولتنهن عن‬
‫المنكر‪ ،‬أو لىوشكن الله أن ىعمكم بعذاب‬
‫فىدعو خىاركم فال ىستجاب لهم»‪.‬‬
‫ظالما أو‬
‫ً‬ ‫وى��ق��ول‪« :‬ان��ص��ر أخ��اك‬
‫مظلو ًما»‪.‬‬
‫وفى بعض الطرق ىذكر النبى علىه‬
‫السالم‪ :‬األمر بالمعروف والنهى عن‬
‫المنكر‪ ،‬والجهاد من أركان اإلسالم‪.‬‬
‫وقبل هذا كله ىعلمنا القرآن الكرىم أن‬
‫«خىرىة» هذه األمة مستقاة من اإلىمان‬
‫بالله‪ ،‬واألمر بالمعروف‪ ،‬والنهى عن‬
‫المنكر‪ ،‬فإذا اختل ركن من هذه األركان‬
‫ذهبت تلك «الخىرىة» وتعرت األمة من‬
‫أخص خصائصها‪.‬‬
‫وىحارب القرآن الكرىم سلبىة الجمهور‬
‫ووقوفه موقف المحاىد المتفرج أمام‬
‫وقوع المنكرات واالعتداء على اآلخرىن‬
‫فىقول‪:‬‬
‫«واتقوا فتنة ال تصىبن الذىن ظلموا‬
‫منكم خاصة» ولو أننا مارسنا سلطتنا ــ‬
‫كشعب له مبدأ ورأى وإرادة ــ فى هذا‬
‫المجال لتطهر المجتمع من كثىر من‬
‫الشرور واآلثام‪ ،‬وألمن الخائف‪ ،‬وانتصر‬
‫المظلوم‪ ،‬واطمأن الحىران‪.‬‬
‫فلنحارب هؤالء المارقىن‪ .‬ففى ىدنا‬
‫سلطة‪ .‬وعلىنا واج��ب ولنضع نصب‬
‫دائما قول الرسول الكرىم‪« :‬لعن‬‫أعىننا ً‬
‫الله قو ًما ضاع الحق بىنهم»‪.‬‬
‫الفصل السابع‬
‫القضاء والكفارة‬

‫كثىرا‪ ،‬ومن الخىر‬


‫تردد هذان اللفظان ً‬
‫أن نعرف مدلولهما فإنهما من األمور‬
‫الهامة فى هذا المجال‪.‬‬
‫‪1‬ــ القضاء‪ :‬القضاء اصطالح فقهى‬
‫ىراد به اإلتىان بالعبادة من صالة وصىام‬
‫فى غىر الوقت الشرعى المحدد لها إذا‬
‫لم ىؤدها فىه المكلف لعذر أو لغير عذر‪.‬‬
‫ويؤتى بالعبادة ــ حينئذ ــ على الوجه‬
‫الذى كان يلزم المكلف اإلتىان بها علىه‬
‫لو أداها فى الوقت المخصص لها‪.‬‬
‫وقضاء الصوم هو صىام أى��ام فى‬
‫غىر رمضان مماثلة لألىام التى أفطرها‬
‫الصائم فىه من حىث العدد‪ .‬فمن أفطر‬
‫ىو ًما لعذر وجب علىه قضاؤه‪ ،‬ومن أفطر‬
‫ال فالقضاء الواجب علىه‬ ‫عشرة أىام مث ً‬
‫صىام عشرة أىام فى أى وقت أمكنه بعد‬
‫رمضان‪ ،‬وىستحب تعجىل القضاء إلبراء‬
‫ً‬
‫مرىضا أو‬ ‫الذمة‪ .‬لقوله تعالى‪«:‬فمن كان‬
‫على سفر فعدة من أىام أخر» وإذا أفطر‬
‫فى أثناء صوم القضاء ولو عمدً ا فإنما‬
‫ىلزمه صىام نفس الىوم وال كفارة علىه‪.‬‬
‫ألن الكفارة تغلىظ فى رد الفعل الشرعى‬
‫خاص بانتهاك حرمة رمضان‪ ،‬فال ىتعداه‬
‫إلى غىره وىلتزم المكلف فى صوم القضاء‬
‫نفس السلوك الذى ىتحلى به الصائم فى‬
‫رمضان‪.‬‬
‫مر فى‬
‫وقد ىجب مع القضاء فدىة كما َّ‬
‫جواز اإلفطار للحامل والمرضع على‬
‫مر هناك‪ .‬والفدىة كما جاء‬ ‫التفصىل الذى َّ‬
‫فى صرىح القرآن هى‪ :‬طعام مسكىن‪ .‬عن‬
‫كل ىوم تقضىه الحامل أو المرضع‪ .‬وال‬
‫بد أن تكفىه تلك الفدىة ىو ًما كام ً‬
‫ال‪.‬‬
‫‪2‬ــ الكفارة‪ :‬كفارة الصىام اصطالح‬
‫شرعى ىلزم من أفطر فى نهار رمضان‬
‫عالما بالحرمة غىر مستند‬
‫مختارا ً‬
‫ً‬ ‫متعمدً ا‬
‫لعذر شرعى وال تأول مقبول‪ ،‬بأن تناول‬
‫مطعو ًما أو مشرو ًبا‪ ،‬أو جامع وهو صائم‪.‬‬
‫وهدف الشرع الحكىم من إلزام المفطر‬
‫المتعمد بالكفارة هو التغلىظ علىه حتى‬
‫ال ىستمرئ اإلفطار ملب ًىا لشهوات بطنه‬
‫وإشعارا له بأن لهذا الشهر العظىم‬
‫ً‬ ‫وفرجه‪.‬‬
‫حرمة ىجب أن تحترم وتصان‪.‬‬
‫وكل كفارة صوم ىلزم المكلف بها معها‬
‫قضاء‪ .‬أما القضاء فال ىستلزم الكفارة‪.‬‬
‫مفطرا لعذر معتبر‬
‫ً‬ ‫ألن القاضى قد ىكون‬
‫دائما‪.‬‬
‫شرعا‪ .‬أما المكفر فهو المتعمد ً‬‫ً‬
‫والكفارة ثالثة أنواع‪:‬‬
‫‪1‬ــ إما عتق عبد إن وجد هو فى ملك‬
‫المكفر‪ ،‬أو وجد ثمنه لدىه فىشترىه‬
‫وىعتقه‪ .‬وهذا النوع ال وجود له اآلن‪.‬‬
‫‪2‬ــ وإما إطعام ستىن مسكىنًا بما‬
‫ىكفىهم ىو ًما كام ً‬
‫ال‪:‬‬
‫«وجبتىن رئىسىتىن» لكل مسكىن‪.‬‬
‫‪3‬ــ وإما صىام شهرىن متتابعىن إن بدأ‬
‫بالهالل أو صىام ستىن ىو ًما‪.‬‬
‫وذهب ثالثة من األئمة‪ :‬الشافعى وأبو‬
‫حنىفة وأحمد بن حنبل إلى أن الكفارة‬
‫واجبة على الترتىب المذكور‪:‬‬
‫عتق رقبة إن وجدت‪ ،‬فإن لم توجد‬
‫فإطعام ستىن مسكىنًا فإن لم ىجد فصىام‬
‫شهرىن متتابعىن‪.‬‬
‫ودلىل الكفارة مع الترتىب هو حدىث‬
‫الصحىحىن الذى سبق ذكره من أن رج ً‬
‫ال‬
‫جاء إلى رسول الله فقال‪ :‬هلكت‪...‬‬
‫فأخذ الرسول علىه السالم ىذكر له أنواع‬
‫الكفارة باد ًئا بالعتق ومنته ًىا بالصىام‪.‬‬
‫فمن صام الشهرىن مع القدرة على‬
‫اإلطعام‪ ،‬أو أطعم مع القدرة على العتق‬
‫لم تجزه كفارته عند هؤالء األئمة الثالثة‪.‬‬
‫بل ال بد من احترام الترتىب وال ىجوز له‬
‫االنتقال إلى نوع إال بعد العجز عن النوع‬
‫الذى سبقه ضرورة‪.‬‬
‫وخالف اإلمام مالك فقال‪ :‬إن الكفارة‬
‫واجبة على التخىىر بىن األنواع الثالثة‬
‫ولىس الترتىب واج ًبا عند العمل‪.‬‬
‫فله أن ىصوم الشهرىن ولو قدر على‬
‫العتق واإلطعام‪ ،‬أو ىطعم ولو أمكنه‬
‫العتق‪.‬‬
‫واألفضل عند اإلمام مالك اإلطعام‬
‫فالعتق فالصىام‪ .‬وإنما فضل اإلطعام ألن‬
‫نفعا لكثىر من الناس (ستىن مسكىنًا)‬
‫فىه ً‬
‫وفضل العتق على الصىام لما فىه من‬
‫منح الحرىة إلنسان مسلوب التصرف‬
‫واإلرادة‪ .‬وكان الصىام أقل األنواع فض ً‬
‫ال‬
‫ألنه ال نفع فىه ألحد من المساكىن وال‬
‫األرقاء‪.‬‬
‫ومذهب مالك فى ع��دم اشتراط‬
‫الترتىب فىه توسعة على الناس‪ ،‬فعلى أى‬
‫وجه كفر المكلف فكفارته صحىحة على‬
‫مذهب اإلمام مالك وإن لم تصح على‬
‫مذهب غىره من األئمة المجتهدىن‪.‬‬
‫وىرى ثالثة من األئمة أن المكفر لو‬
‫صنع لهم طعا ًما وأطعمهم وجبتىن لم‬
‫تجزه كفارته‪ .‬بل ال بد أن ىعطىهم ما‬
‫ىجب لكل واحد غىر مصنوع حبو ًبا أو‬
‫شعىرا وهكذا من‬
‫ً‬ ‫دقى ًقا أو ً‬
‫تمرا أو زبى ًبا أو‬
‫غالب ما ىطعمه أهل بلده‪ ..‬وىجب أن‬
‫مصنوع�ا وجبتين‬
‫ً‬ ‫  ال مان�ع عن�د األحن�اف م�ن إطعامه�م خب�زً ا‬
‫مشبعتني‪..‬‬
‫ىكون من النوع الجىد غىر المعىب‪.‬‬
‫ولم ىنص واح��د منهم على جواز‬
‫إعطائهم القىمة الواجبة نقو ًدا‪ ،‬ومع هذا‬
‫فلو أخرجها نقو ًدا فال بأس خاصة فى‬
‫أساسا لكل‬‫ً‬ ‫المدن التى تعتبر النقود فىها‬
‫تعامل‪ .‬على أن ىتحرى المكفر الدقة‬
‫فى تقدىر القىمة عند إخراجها نقو ًدا فال‬
‫ىحىف على مستحقىها ولىفعل ما تبرأ به‬
‫ذمته وىطمئن إلىه قلبه‪.‬‬
‫وىشترط األئمة األربعة أال ىكون بىن‬
‫الفقراء والمساكىن الذىن ىعطى لهم‬
‫كفارته قرىب للمكفر ابن أو أب أو أم‬
‫تجب علىه نفقته‪ .‬وشدد الحنابلة فمنعوا‬
‫إعطاء القرىب منها إن كان أص ً‬
‫ال (أ ًبا أو‬
‫فرعا (ابنًا‪ ،‬أو ابن ابن) ولو لم تكن‬
‫أ ًما) أو ً‬
‫نفقتهم واجبة علىه‪.‬‬
‫وجوز الشافعى أن ىكون عىال الجانى‬
‫فى الصوم فى عداد المساكىن الذىن‬
‫ىعطون الكفارة إذا لم ىكن الحانى هو‬
‫المكفر عن نفسه‪ ،‬بل تطوع أحد بإخراج‬
‫الكفارة عنه‪.‬‬
‫وإذا عجز الجانى فى الصوم عن جمىع‬
‫أنواع الكفارة (العتق واإلطعام والصىام)‬
‫ً‬
‫ومالكا‬ ‫فإن ثالثة من األئمة‪( :‬الشافعى‬
‫وأبا حنىفة) ىقولون تصبح دىنًا فى ذمته‬
‫إلى المىسرة‪ .‬ىعنى الوقت الذى ىستطىع‬
‫فىه اإلتىان بها‪.‬‬
‫وخالف الحنابلة فقالوا‪ :‬إذا عجز‬
‫المكلف فى وقت وجوبها عن جمىع‬
‫أنواعها سقطت عنه فال ىطالب بها ولو‬
‫أىسر بعد ذلك‪.‬‬
‫والمقدار الواجب إخراجه لكل مسكىن‬
‫هو مد بمد النبى علىه السالم وهو ملء‬
‫الىدىن المتوسطتىن‪ ،‬ال مقبوضتىن وال‬
‫مبسوطتىن‪ .‬وهذا عند الشافعى ومالك‬
‫وأحمد وأصحابهم‪.‬‬
‫وخالف اإلمام أبو حنىفة فأفتى بأن ما‬
‫ىجب لكل مسكىن مدان بمد النبى علىه‬
‫السالم‪ .‬أى ضعف ما قال به األئمة الثالثة‬
‫المتقدمون‪.‬‬
‫وال بد من الستىن مسكىنًا فال ىجوز أن‬
‫ىعطى مسكىنًا واحدً ا ما ىكفىه ستىن ىو ًما‬
‫وهكذا‪.‬‬
‫وتتعدد الكفارة بتعدد األى��ام التى‬
‫انتهكت حرمتها عمدً ا‪ .‬وال تتعدد بتعدد‬
‫الموجب‪.‬فمن وطئ فى الىوم عدة مرات‬
‫عمدً ا لزمته كفارة واح��دة‪ .‬سواء وقع‬
‫الوطء الثانى بعد التكفىر عن األول أو‬
‫قبله‪ .‬وذهب الحنابلة إلى القول بتعدد‬
‫الكفارة بتعدد الموجب فى الىوم الواحد‬
‫إذا وقع الوطء الثانى بعد التكفىر عن‬
‫األول‪ .‬أما إذا وقع قبله فتجزئ الكفارة‬
‫الواحدة مهما تعدد موجبها‪.‬‬
‫وقفة وتأمل‪:‬‬
‫سل نفسك أخى المسلم‪ .‬رجل أفطر‬
‫رمضان كله عامدً ا متعمدً ا ما الذى ىلزمه‬
‫لىكفر عن ذنبه؟‬
‫إنه ىلزمه عمل كثىر وشاق‪ .‬فهو ــ أوال‬
‫ــ مطالب بقضاء ما أفطره وهو صىام‬
‫ثالثىن ىو ًما فى مقابل عدد أىام الشهر‪.‬‬
‫وهو ـ ثان ًىاـ مطالب بالكفارة‪ ،‬فال بد‬
‫أن‪:‬‬
‫(أ) ىعتق ثالثىن عبدً ا إن وجدوا‬
‫مملوكىن له‪ ،‬أو ىشترى هذا العدد وىعتقه‪.‬‬
‫جمىعا؟‬
‫ً‬ ‫وكم ىا ترى ثمن هؤالء‬
‫(ب) أو ىطعم ستىن مسكىنًا عن كل‬
‫ىوم‪ ،‬فىكون عدد من ىطعمهم عن أىام‬
‫الشهر أل ًفا وثمانمائة مسكىن‪ .‬وكم ىكلفه‬
‫إطعامهم ىا ترى؟‬
‫(ج) أو ىصوم شهرىن متتابعىن ــ ستون‬
‫ىو ًما فى الغالب ــ عن كل ىوم ىفطره وال‬
‫متتابعا فلو قطع ذلك‬
‫ً‬ ‫بد أن ىكون الصىام‬
‫التتابع بغىر عذر شرعى معتبر بطل ما‬
‫صامه ووجب استئناف الصوم من جدىد‬
‫ولو وقع قطع التتابع قبل إكمال العدد بىوم‬
‫أو ىومىن! وبعض الفقهاء ىلزمه باستئناف‬
‫الصوم من جدىد ولو أفطر لعذر شرعى‪.‬‬
‫مكفرا عن‬
‫ً‬ ‫فىكون عدد األىام التى ىصومها‬
‫أىام الشهر الثالثىن ــ فى كل األحوال ــ‬
‫شهرا‪،‬‬
‫ً‬ ‫أل ًفا وثمانمائة ىوم ىعنى‪ :‬ستىن‬
‫ىعنى ىصوم خمس سنىن كاملة فى مقابل‬
‫الشهر الذى أفطره‪.‬؟!‬
‫وإن لم ىفعل مات مثق ً‬
‫ال بالدىن‪ ،‬وال‬
‫بد من الوفاء‪ ..‬وال سبىل! هذا إذا كانت‬
‫المخالفة وقعت فى رمضان واحد‪ .‬ولكن‬
‫كىف ىكون حال رجل لم ىصم رمضان‬
‫كله فى عمره أبدً ا وقد عاش ً‬
‫عمرا معتا ًدا‬
‫ال ــ حرمة خمسىن رمضان‪.‬‬ ‫فانتهك ــ مث ً‬
‫كم تبلغ دىونه ــ ىا ترى ــ بالنسبة للصوم‬
‫فقط حىن ىموت؟‬
‫ذلك كشف حسابه‪:‬‬
‫(أ) مطالبته بصىام (‪ )0051‬ىوم قضاء‬
‫مضا ًفا إلىه إما‪:‬‬
‫(ب) مطالبته بعتق (‪ )0051‬عبد‪.‬‬
‫أو‬
‫(ج) مطالبته بإطعام (‪ )00009‬تسعىن‬
‫ألف مسكىن؟‬
‫أو‬
‫مطالبته بصىام (‪ )00009‬تسعىن ألف‬
‫ىوم ـ ىعنى ثالثة آالف شهر ـ ىعنى صىام‬
‫مائتىن وخمسىن سنة؟! ىا للهول!!‬
‫قل لى بربك ــ أىها المسلم ــ رجل‬
‫هذا كشف حسابه المطالب به عند ربه‬
‫من حىث الصىام وحده بم ىلقى وجه ربه؟‬
‫وهل ىطمع أن ىغفر الله له؟ ــ ال جدال‬
‫أن الله غفور رحىم ــ ولكن‪ :‬رحمة الله‬
‫قرىب من المحسنىن‪ .‬فهل هذا الرجل ــ‬
‫وأمثاله ــ محسن حتى ىستحق أن ىغفر‬
‫الله له؟ ما أسوأ مصىره؟ وىا لسوء منقلبه‬
‫إال أن ىدركه الله برحمة منه إن شاء‪.‬‬
‫حرىصا على أداء‬
‫ً‬ ‫فكن ــ أخى المسلم ــ‬
‫واجبك‪ ،‬مؤد ًىا حق الله علىك فإن اإلىمان‬
‫ما وقر فى القلب وصدقه العمل‪.‬‬
‫ولم نر اإلسالم ىشدد فى قضاء عبادة‬
‫مثلما شدد فى الصوم‪..‬فتارك فرىضة‬
‫ً‬
‫فرضا‬ ‫الصالة ىطالب بها فى القضاء‬
‫نقصا‬
‫بفرض‪ ،‬وركعة بركعة‪ ،‬ال زىادة وال ً‬
‫ــ أما شأن الصوم فكما علمت‪ :‬الىوم‬
‫بستىن ىو ًما‪ ،‬وذلك ألن الله ىقول‪:‬‬
‫«شهر رمضان الذى أنزل فىه القرآن‬
‫هدى للناس‪ ،‬وبىنات من الهدى والفرقان‪،‬‬
‫فمن شهد منكم الشهر فلىصمه‪.»...‬‬
‫والذى ال ىبصر فى النور كىف ىبصر‬
‫فى الظلمات؟ وكذلك الذى ىضل فى‬
‫شهر الهدى كىف ىهتدى إذن‪.‬‬
‫ولعلك ـ اآلن ـ تفهم السر فى قوله‬
‫علىه السالم‪:‬‬
‫«من أفطر ىو ًما فى رمضان ـ ىعنى‬
‫متعمدً ا ـ ال ىجزىه صوم الدهر‪ ،‬وإن‬
‫صامه»‪.‬‬
‫حكم من مات وعلىه صوم‪:‬‬
‫إذا مات إنسان وعلىه صوم مفروض‬
‫من رمضان‪ ،‬أو نذر صوم أىام ومات‬
‫قبل أن ىفى بنذره فللفقهاء فى ذلك آراء‬
‫مختلفة إىضاحها‪:‬‬
‫فرىق ىقول ال ىصوم أحد عن أحد‪.‬‬
‫وفرىق قال ىصوم عنه ولىه والذىن قالوا‬
‫ال ىصوم أحد عن أحد قالوا ىطعم عنه‬
‫ولىه وهو قول الشافعى رضى الله عنه‪.‬‬
‫وذهب قوم إلى أنه ال ىصوم عنه ولىه‬
‫وال ىطعم إال أن ىوصى المىت باإلطعام‬
‫فىطعم عنه الولى‪ .‬وهذا قول مالك رضى‬
‫الله عنه وقال أبو حنىفة ىصوم وإن لم‬
‫ىستطع أطعم عنه‪ .‬ذلك أظهر ما فى هذه‬
‫المسألة من آراء‪.‬‬
‫الفصل الثامن‬
‫صالة التراوىح‬
‫صالة التراوىح مشروعة بالسنة النبوىة‬
‫الطاهرة كما سبق قوله علىه السالم‪« :‬إن‬
‫الله فرض علىكم صوم رمضان‪ ،‬وسننت‬
‫لكم قىامه‪ .‬فمن صام رمضان إىما ًنا‬
‫واحتسا ًبا غفر له ما تقدم من ذنبه‪.‬‬
‫وحكمها أنها سنة عىن مؤكدة للرجال‬
‫والنساء عند ثالثة من األئمة‪ .‬وخالف‬
‫اإلمام مالك فقال‪ :‬إنها مندوبة ند ًبا أكىدً ا‬
‫ٍّ‬
‫مصل من الرجال والنساء‪.‬‬ ‫لكل‬
‫وتسن فىها الجماعة عىنًا‪ .‬ومعنى السنة‬
‫العىنىة أن كل شخص مطالب بها وتقابلها‬
‫سنة الكفاىة وهى التى إذا قام بها البعض‬
‫سقط الحرج عن الباقىن‪.‬‬
‫وكون الجماعة فىها مسنونة سنة عىن‬
‫هو رأى اثنىن من األئمة الشافعى وأحمد‬
‫رضى الله عنهما‪.‬‬
‫وخالف اإلمام مالك رضى الله عنه‬
‫فقال‪ :‬إن الجماعة فىها مندوبة ند ًبا‬
‫دائما أخف فى‬‫ولىست بسنة‪ .‬والمندوب ً‬
‫الطلب من المسنون‪ ،‬كما أن المسنون‬
‫أخف فى الطلب من المفروض‪ .‬فأقوى‬
‫العبادات الفروض‪ ،‬وأوسطها السنن‪،‬‬
‫وأخفها المندوبات والمباحات‪ ،‬والمباح‬
‫دون المندوب‪.‬‬
‫وذهب اإلمام أبو حنىفة إلى القول بأن‬
‫الجماعة فىها سنة كفاىة ولىست سنة عىن‬
‫فإذا صالها فرىق فى جماعة سقط الحرج‬
‫عن اآلخرىن‪.‬‬
‫عدد ركعاتها‪:‬‬
‫روى الترمذى وأبو داود والنسائى أن‬
‫النبى علىه السالم صلى بالصحابة صالة‬
‫التراوىح ثالث لىال من رمضان هى لىالى‬
‫الثالث والخامس والسابع والعشرىن‪،‬‬
‫صلى بهم فى المسجد‪ ،‬وكان ىصلى بهم‬
‫فى كل مرة ثمانى ركعات‪ ،‬وىكملون‬
‫صالتهم فى بىوتهم‪ .‬وعلى هذا فلم ىثبت‬
‫أن النبى علىه السالم صلى بهم أكثر من‬
‫الثمانى ركعات‪ ،‬ولم ىخرج لىصلى بهم‬
‫كل لىلة‪.‬‬
‫وفى عهد عمر بن الخطاب رضى الله‬
‫أخىرا فصلوها عشرىن‬
‫ً‬ ‫عنه جمع الناس‬
‫ركعة ومضى العمل بهذا المنهج فى عهد‬
‫الخلفاء الراشدىن ولم ىخالفه أحد منهم‬
‫إجماعا‪.‬‬
‫ً‬ ‫فصار‬
‫وفى عهد عمر بن عبد العزىز صلىت‬
‫س ًتا وثالثىن ركعة‪ .‬وكان القصد من‬
‫هذه الزىادة مساواة أهل مكة فى الفضل‬
‫ألنهم كانوا ىطوفون بالبىت بعد كل أربع‬
‫ركعات‪ .‬فرأى رضى الله عنه أن ىصلى‬
‫بدل كل طواف أربع ركعات‪.‬‬
‫والذى اعتمده األئمة أن عدد ركعاتها‬
‫عشرون سوى الوتر‪ ،‬وذهب المالكىة‬
‫إلى أن عدد ركعاتها عشرون سوى الشفع‬
‫والوتر‪ ،‬فىكون الجمىع ثال ًثا وعشرىن‬
‫ركعة على مذهبهم‪ ،‬وإحدى وعشرىن‬
‫عند غىرهم وىنبغى تأخىر الوتر عن صالة‬
‫التراوىح وال ىجوز فعله قبلها لقوله علىه‬
‫السالم‪ :‬اجعلوا آخر صالتكم من اللىل‬
‫وترا‪.‬‬
‫ً‬
‫كىفىة أدائها‪:‬‬
‫تندب صالتها ركعتىن كل ركعتىن‬
‫بتشهد وسالم‪ ،‬فلو صالها بسالم واحد‬
‫فإن تشهد بعد كل ركعتىن صحت مع‬
‫الكراهة وإذا لم ىتشهد إال مرة واحدة‬
‫قبل السالم فالمالكىة والحنابلة ىقولون‬
‫بصحتها مع الكراهة األشد‪ .‬أما األحناف‬
‫فاختلف ال��رأى لدىهم بىن الصحة‬
‫والفساد‪.‬‬
‫وذهب الشافعىة إلى وجوب السالم‬
‫بعد كل ركعتىن فإذا لم ىسلم فصالته‬
‫باطلة سواء تشهد بعد كل ركعتىن أو لم‬
‫ىتشهد فالبطالن فىها ال خالف فىه‪.‬‬
‫ال بعد كل أربع‬‫وىندب الجلوس قلى ً‬
‫ركعات لالستراحة وأن ىكون الجلوس‬
‫بمقدار األربع الركعات عند األحناف‬
‫وله أن ىشغل نفسه بما شاء من الذكر‬
‫خالله أو ىسكت‪.‬‬
‫وىشترط المالكىة لندب هذا الجلوس‬
‫أن ىكون قد أطال فى صالته فإن أوجز‬
‫فال ىجوز له أن ىجلس‪.‬‬
‫وىندب كذلك ختم القرآن كله فى صالة‬
‫موزعا على صالة الشهر كله‪.‬‬ ‫ً‬ ‫التراوىح‬
‫فإذا كان الخاتم إما ًما فىنبغى التخفىف فى‬
‫القرآن ما لم ىعلم من أحوال المأمومىن‬
‫أنهم راغبون فى إطالة القراءة فىها‪.‬‬
‫واألفضل أن تصلى من قىام فإن صالها‬
‫قادرا على القىام صحت‬ ‫ً‬ ‫جالسا وكان‬
‫ً‬
‫صالته وخالف األولى‪.‬‬
‫واألفضل صالتها فى المسجد‪ ،‬ألن‬
‫كل ما الجماعة مطلوبة فىه ففعله فى‬
‫المسجد أفضل‪.‬‬
‫وخالف المالكىة فقالوا ىندب صالتها‬
‫فى البىت ألنه أبعد عن الرؤىة والتظاهر‪.‬‬
‫واشترطوا لصالتها فى البىت ثالثة‬
‫شروط‪:‬‬
‫‪1‬ــ أن ىنشط لفعلها فى البىت‪ ،‬فإذا‬
‫كان ذلك ىدعوه إلى الكسل عن فعلها‬
‫ولو أحىانا‪ ،‬صالها مع الجماعة فى‬
‫المسجد‪.‬‬
‫‪2‬ــ أال ىكون بأحد الحرمىن المكى‬
‫والمدنى‪ ،‬وهو نازح‪ ،‬فإن صالتها فى‬
‫المسجد وقتئذ تكون أفضل‪.‬‬
‫‪3‬ــ أال ىترتب على صالتها فى البىت‬
‫تعطىل المساجد‪ ،‬فإذا حدث فالصالة فى‬
‫المسجد أفضل‪.‬‬
‫وقت أدائها‪:‬‬
‫وقت أداء صالة التراوىح ىبدأ من‬
‫أول لىلة من رمضان سابقة على الصوم‬
‫وتؤدى بعد صالة العشاء إلى الفجر وإذا‬
‫أخرها بعد الوتر صحت مع الكراهة لقوله‬
‫علىه السالم‪« :‬اجعلوا آخر صالتكم من‬
‫وترا» وىجوز عند بعضهم صالتها‬ ‫اللىل ً‬
‫بعد العشاء لو جمعت جمع تقدىم مع‬
‫المغرب‪ ..‬وال ىنتهى وقت أدائها عند‬
‫الشافعىة بطلوع الفجر بل تؤدى مطل ًقا‪،‬‬
‫دائما‪.‬‬
‫والقراءة فىها جهر ً‬
‫التـاسع‬
‫الفصـل َّ‬
‫ليلة القدر‬

‫قال الحافظ ابن حجر‪ :‬اختلف فى‬


‫المراد بالقدر الذى أضيفت إليه «ليلة» فى‬
‫قوله تعالى‪« :‬إنا أنزلناه فى ليلة القدر»‪.‬‬
‫فقال بعض العلماء‪ :‬هو بمعنى‬
‫التعظيم‪ ،‬كقوله تعالى‪« :‬وما قدروا الله‬
‫حق قدره»‪ :‬يعنى ما عظموه حق تعظيمه‪.‬‬
‫والمعنى‪ :‬أن هذه الليلة ذات قدر وتعظيم‬
‫لنزول القرآن فيها والمالئكة ورحمة الله‬
‫بعباده‪ ،‬وكل عمل صالح فيها عظيم عند‬
‫الله‪.‬‬
‫وقال آخ��رون‪ :‬القدر بمعنى تقدير‬
‫كثيرا مع‬
‫ً‬ ‫األم��ور وإبرامها ال��ذى يرد‬
‫القضاء‪ ،‬فيقال‪ :‬القضاء والقدر‪ .‬والمعنى‪:‬‬
‫أنها ليلة يفصل فيها ما جرى به القضاء‬
‫ويكشف للمالئكة‪.‬‬
‫وأيا كان المعنى فإن ليلة القدر هى التى‬
‫أنزل الله فيها القرآن الكريم من بيت العزة‬
‫إلى السماء األولى دفعة واحدة ثم نزل ــ‬
‫منجما حسب الحوادث والوقائع‪.‬‬ ‫ً‬ ‫بعد ــ‬
‫وهذا الرأى يعزى البن عباس رضى الله‬
‫عنه وأرضاه‪.‬‬
‫واختلفت الناس فى الليلة المباركة‬
‫التى أنزل فيها القرآن هل هى فى رمضان‬
‫أم هى فى شعبان ليلة النصف منه‪.‬‬
‫صريحا فى القرآن الكريم أن‬
‫ً‬ ‫فقد ورد‬
‫الله أنزله فى ليلة القدر فى قوله تعالى«‬
‫إنا أنزلناه فى ليلة القدر‪ ،‬وما أدراك ما ليلة‬
‫القدر‪ .‬ليلة القدر خير من ألف شهر»‪.‬‬
‫لكنه لم يبين متى تكون ليلة القدر وفى‬
‫أى شهور العام‪ ،‬فهى غير محددة يقينًا‪.‬‬
‫وجاء فى سورة الدخان‪« :‬إنا أنزلناه‬
‫فى ليلة مباركة إنا كنا منذرين‪ .‬فيها يفرق‬
‫أمرا من عندنا إنا كنا‬‫كل أمر حكيم‪ً .‬‬
‫مرسلين»‪.‬‬
‫فهل هذه إحالة إلى تلك الليلة المسماة‬
‫«ليلة القدر» فتكون موصوفة بما صرح‬
‫به القرآن الكريم فى الموضعين‪ :‬القدر‬
‫والدخان‪ ،‬أم أن الليلة المباركة هى ليلة‬
‫أخرى غير ليلة القدر‪ .‬رأيان للعلماء‪.‬‬
‫نصا آخر فى القرآن الكريم‬ ‫لكن هناك ً‬
‫يحسم كل خالف هو قوله تعالى‪« :‬شهر‬
‫رمضان الذى أنزل فيه القرآن هدى للناس‬
‫وبينات من الهدى والفرقان‪.»..‬‬
‫وه��ذا النص نخرج منه بحقيقتين‬
‫هامتين‪:‬‬
‫أوالهما‪ :‬أن الليلة التى أنزل فيها القرآن‬
‫هى من ليالى رمضان‪ ،‬سواء سميت ليلة‬
‫القدر أو ليلة مباركة‪.‬‬
‫ال من ليلة القدر والليلة‬‫ثانيتهما‪ :‬أن ك ً‬
‫المباركة وصفان لموصوف واحد هو‬
‫ليلة من ليالى رمضان شرفها الله بجعلها‬
‫مبدأ لنزول القرآن العظيم‪.‬‬
‫ومع هذا الوضوح فال ينبغى خالف‬
‫يشتت أذهاننا حول ليلة القدر متى تكون‪،‬‬
‫وهل هى الليلة المباركة أم هما ليلتان‪.‬‬
‫ويقوى هذا الفهم السنة العملية الطاهرة‪.‬‬
‫كيف كان النبى عليه الصالة والسالم‬
‫يحيى العشر األواخر من رمضان؟‬
‫عن عائشة رضى الله عنها قالت‪ :‬كان‬
‫النبى صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر‬
‫شد مئزره‪ ،‬وأحيا ليله‪ ،‬وأيقظ أهله‪.‬‬
‫كان الرسول عليه الصالة السالم يكثر‬
‫من قيام الليل طوال العام لقوله تعالى‪:‬‬
‫«ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن‬
‫يبعثك ربك مقا ًما محمو ًدا» وقوله تعالى‪:‬‬
‫«قم الليل إال قليال» لكنه كان يسلك فى‬
‫خاصا فإذا أقبلت العشر‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مسلكا‬ ‫رمضان‬
‫األواخر منه جد فى عبادة الله وأشرك‬
‫معه أهله فى تلك العبادة كما ورد فى‬
‫حديث عائشة المذكور رضى الله عنها‪.‬‬
‫ومعنى «شد مئزره» جد واجتهد ما وسعه‬
‫الجهد فى القرب إلى الله تعالى بالذكر‬
‫والصالة‪.‬‬
‫وفى رواية الطبرانى‪ :‬كان رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر‬
‫األواخر من رمضان طوى فراشه واعتزل‬
‫النساء‪ .‬ومعنى «أحيا ليلة» يعنى عبد الله‬
‫فيه‪ .‬والمراد بالليل بعضه ال كله لقول‬
‫عائشة رضى الله عنهما‪ :‬ما علمته قام‬
‫ليله حتى الصباح‪.‬‬
‫وإنما كانت العشر األواخ��ر بهذه‬
‫المنزلة ألن ليلة القدر تقع فيها لحديث‪:‬‬
‫التمسوها فى العشر األواخر فى رمضان‪.‬‬
‫ويكاد يجمع العلماء على أنها ليلة السابع‬
‫والعشرين‪ .‬وإنما أبهمت ليلة القدر ولم‬
‫تحدد ليكثر ترقبها بالعبادة وفى ذلك‬
‫مغنم للصائم‪ .‬ومن األدعية الواردة فيها‬
‫أن يقول‪« :‬اللهم إنك عفو غفور تحب‬
‫العفو فاعف عنا‪.»..‬‬

‫أوصاف لها معنى‬


‫لقد وص��ف ال��ق��رآن الحكيم ليلة‬
‫القدر هذه بأوصاف هى أحق بها‪ ،‬وإذا‬
‫استحضرت تلك األوص��اف امتألت‬
‫وتقديرا‪ ،‬وأيقنت أنها ليلة‬
‫ً‬ ‫نفسك إجال ً‬
‫ال‬
‫فريدة ليس لها مثيل من ليالى الدهر‪.‬‬
‫فقد وصفت فى السورة المسماة باسمها‬
‫بأنها‪ :‬خير من ألف شهر‪ ،‬وأن المالئكة‬
‫والروح تنزل فيها‪ ،‬وأن ذلك حاصل بإذن‬
‫ربهم‪ ،‬وأنها سالم حتى مطلع الفجر‪.‬‬
‫وقد سبق هذه األوص��اف استفهام‬
‫مثير‪« :‬وما أدراك ما ليلة القدر» يعنى أنها‬
‫لرفعه شأنها وجالل قدرها ال تقع تحت‬
‫حسبان أحد‪ ،‬أنها تجل عن الوصف كما‬
‫يقولون‪.‬‬
‫ومن خصائص التعبير القرآنى أنه إذا‬
‫أراد تعظيم أمر‪ ،‬جعل ذلك االستفهام‬
‫ال على ذلك‪.‬‬‫دلي ً‬
‫وفى سورة الدخان وصفها بأنها‪ :‬ليلة‬
‫مباركة‪ ،‬وفيها يفرق كل أمر حكيم‪.‬‬
‫ولماذا كانت تلك الليلة موصوفة بهذه‬
‫الصفات الجليلة؟‬
‫أجاب القرآن على هذا فذكر فى كال‬
‫الموضعين سبب ذلك التعظيم‪ :‬إنه إنزال‬
‫القرآن الكريم فيها‪ ..‬وليلة إنزال القرآن‬
‫أخصب ليلة فى التاريخ اإلنسانى كله‪.‬‬
‫بل هى مركز تجمع ألشعة الهداية كلها‪.‬‬
‫طاقة هائلة من النور الباهر احتوت كل‬
‫هدايات السماء‪ ،‬فكان وليدها ــ القرآن ــ‬
‫رائد اإلنسانية كلها عبر مستقبلها الطويل‪،‬‬
‫فيه لكل معضلة حل‪ ،‬ولكل داء دواء‪.‬‬
‫وقد جاء فى كتب التفسير أن النبى عليه‬
‫الصالة السالم قص على أصحابه قصة‬
‫رجل من األمم السابقة حمل السالح فى‬
‫سبيل الله ألف شهر‪ .‬فتعجب الصحابة‬
‫من شأنه وودوا لو كانوا مثله‪ .‬فأعلمهم‬
‫الله أن ليلة واحدة لو أحسنوا العمل فيها‬
‫تعدل عمل ذلك الرجل‪ .‬وأن تلك الليلة‬
‫هى ليلة القدر «خير من ألف شهر» يعنى‪:‬‬
‫ثال ًثا وثمانين سنة وأربعة أشهر‪ .‬فما‬
‫أعظم فضل الله على هذه األمة‪ .‬وما أكثر‬
‫من الله به علينا من نفحات «وفى ذلك‬ ‫ما َّ‬
‫فليتنافس المتنافسون»‪.‬‬
‫كيف نحيى ليلة القدر‬
‫ال تظن أيها المسلم أن إحياء ليلة‬
‫القدر هو ذلك التقليد المتبع من إقامة‬
‫السرادقات واالحتفال بها فى دور‬
‫العبادة‪ ،‬فيتحدث المتحدثون عن فضلها‬
‫ثم ينصرف كل واحد وكأنه أدى فوق ما‬
‫هو الئق بفضل هذه المناسبة‪.‬‬
‫وإنما إحياء ليلة القدر أن تنشط لذكر‬
‫شاكرا له على‬
‫ً‬ ‫ال فى ملكوته‪،‬‬ ‫الله متأم ً‬
‫نعمائه‪ ،‬تائ ًبا إليه من عصيانه‪ ،‬راغ ًبا فى‬
‫رضوانه‪ ،‬خال ًيا بنفسك إليه وقد صفت‬
‫روح��ك وطهر قلبك وص��ح عزمك‪،‬‬
‫تناجيه فيسمعك وتدعوه فيستجيب لك‪.‬‬
‫فإذا فعلت وامتألت روحك إجال ً‬
‫ال‬
‫لربك‪ ،‬وذقت حالوة المناجاة‪ ،‬وأشرقت‬
‫نفسك بنور ربها‪ .‬فأبشر فقد أحييتها‬
‫وأجرت‪.‬‬
‫وإال فقد أخطأت الطريق‪ ،‬فحاول أن‬
‫تصلح من شأنك وتعدل من منهجك‬
‫تجد حالوة اإليمان‪ .‬وما عبد الله رجل‬
‫بطريق أفضل من الطريق الذى وضعه هو‬
‫لعبادته «وعلى الله قصد السبيل»‪.‬‬
‫العـاشـر‬
‫الفـصـل َ‬
‫زكـاة الفـطـر‬

‫للحياة ض��رورات أرب��ع ال تستقيم‬


‫بدونها حياة‪ .‬وهى‪ :‬المأكل والمشرب‪،‬‬
‫والمسكن والملبس‪ .‬وإليها أشار القرآن‬
‫الكريم فى معرض االمتنان على آدم فى‬
‫قوله تعالى‪« :‬إن لك أال تجوع فيها وال‬
‫تعرى‪ .‬وأنك التظمأ فيها وال تضحى»‬
‫وهذه الضرورات ليست طوع كل الناس‪،‬‬
‫بل منهم المحروم منها والعاجز عن‬
‫الكسب‪ .‬ومن هؤالء الفقراء والمساكين‬
‫الذين ال يخلو منهم مجتمع‪ .‬ومن عدالة‬
‫جميعا‬
‫ً‬ ‫التشريع اإلسالمى أن كفل لهؤالء‬
‫حق الحياة الكريمة اآلمنة‪ ،‬فى ما شرع لهم‬
‫من زكاة‪ ،‬وفى ما أوجب من إنفاق‪ .‬فجعل‬
‫الزكاة العامة مور ًدا لسد احتياجاتهم على‬
‫مدار السنة‪ ،‬ولم ينسهم فى المناسبات‬
‫الهامة‪ ،‬فجعل لهم ثلث األضاحى فى‬
‫عيد األضحى‪ ،‬وخصهم بزكاة الفطر فى‬
‫عيد الفطر‪ .‬وبهذا أصبح لكل عباد الله‬
‫نصيب فى نعم الله‪.‬‬
‫حكمة مشروعية زكاة الفطر‬
‫يرى فريق من العلماء أن المقصود‬
‫منها هو التوسعة على الفقراء والمساكين‬
‫فى يوم العيد‪ ،‬حتى يشعروا هم وأسرهم‬
‫بالبهجة والسرور فيه‪ ،‬وفى هذا جبر‬
‫لخاطرهم يجعلهم فى رباط وثيق مع‬
‫المجتمع الذى يعيشون فيه‪ ،‬وينعمون‬
‫بخيراته‪.‬‬
‫ويرى فريق آخر أنها طهرة للصائم من‬
‫أمورا‬
‫ً‬ ‫اللغو والعبث‪ ،‬أى أنها تجبر عنه‬
‫كان ينبغى اجتنابها حال الصوم‪.‬‬
‫ويغلو آخ��رون فيقولون‪ :‬إن صوم‬
‫رمضان ال يقبل إال بعد أداء زكاة الفطر‪.‬‬
‫والرأى األول هو األقرب إلى الصواب‪،‬‬
‫يقويه قوله عليه الصالة والسالم‪« :‬أغنوهم‬
‫عن السؤال فى هذا اليوم»‪.‬‬
‫ويليه فى القبول الرأى الثانى‪ .‬وليس‬
‫بعيدً ا أن يكون مقصود الشرع الحكيم‬
‫معا‪.‬‬
‫الرأيين ً‬
‫أما القول الثالث فتبدو عليه سمة‬
‫الضعف‪ ،‬ألن الصوم ركن من أركان‬
‫اإلسالم الخمسة‪ ،‬وليست زكاة الفطر‬
‫مثله‪ ،‬فال يتوقف قبوله على عمل ليس‬
‫هو من حقيقته‪.‬‬

‫وقت وجوب زكاة الفطر‬


‫يرى األحناف أن وقت وجوبها هو‬
‫طلوع فجر يوم العيد‪ .‬أما الحنابلة فيقولون‬
‫إن وقت وجوبها هو غروب الشمس ليلة‬
‫العيد‪ .‬كما يقول بذلك الشافعية حيث‬
‫إنها تجب عندهم بآخر جزء من رمضان‬
‫وأول جزء من شوال‪ ،‬وهذا معناه غروب‬
‫شمس ليلة العيد‪.‬‬
‫أما المالكية فلهم فيها رأيان‪:‬‬
‫أحدهما أنها تجب بغروب شمس ليلة‬
‫العيد‪ .‬وثانيهما أنها تجب بطلوع فجر‬
‫يوم العيد‪ .‬وهم بذلك يلتقون مع جميع‬
‫اآلراء السابقة‪.‬‬
‫وتظهر ثمرة الخالف فى أن من مات‬
‫قبل فجر يوم العيد فال تجب فى حقه‬
‫زكاة الفطر عند األحناف وال عند المالكية‬
‫على أحد رأييهم‪ .‬وتجب عليه عند‬
‫الحنابلة والشافعية‪ ،‬وعند المالكية على‬
‫أحد رأييهم‪ .‬كذلك فإن من يولد قبيل‬
‫طلوع فجر العيد ال تجب عليه الزكاة عند‬
‫الحنابلة والشافعية‪ ،‬والمالكية على أحد‬
‫رأييهم كذلك ألنه ساعة وجوب الزكاة‬
‫لم يكن موجو ًدا‪.‬‬

‫على من تجب زكاة الفطر‬


‫اتفق أئمة المذاهب األربعة على أن‬
‫الزكاة تجب على كل حر مسلم قادر‬
‫على إخراجها وقت وجوبها‪ .‬وفسروا‬
‫القدرة بأن يكون ً‬
‫مالكا ألكثر من نفقات‬
‫العيد حسب ما جرت به العادة‪ ،‬ألن‬
‫الزكاة تجب فى القدر الزائد على النفقة‬
‫المطلوبة ال فيها نفسها‪ .‬ويخرجها‬
‫الشخص عن نفسه‪ ،‬وعمن تجب عليه‬
‫شرعا‪ ،‬وهم هنا‪ :‬الزوجة واألوالد‬‫نفقته ً‬
‫الصغار‪ ،‬وكذلك الكبار إذا كانوا عاجزين‬
‫عن الكسب ولو لتفرغهم لطلب العلم‪،‬‬
‫أو كانوا غير راشدين‪.‬‬
‫ثم الوالدان الفقيران‪ ،‬ثم من يعمل على‬
‫خدمته‪ ،‬إال إذا كان له أجر ثابت فزكاته‬
‫على نفسه‪.‬‬
‫وخالف األحناف فقالوا بعدم وجوبها‬
‫على الرجل بالنسبة لزوجته‪ ،‬إال أن يتطوع‬
‫بها فإنها تجزى عنها ولو بغير إذنها‪.‬‬
‫والزوجة غير المدخول بها ال تجب‬
‫زكاتها على زوجها‪ ،‬وكذلك المرأة الناشز‬
‫التى ال تؤدى واجباتها نحو زوجها‪.‬‬
‫وجوز الحنابلة إخراج زكاة الفطر عن‬
‫الجنين الذى فى البطن‪.‬‬
‫مقدارا من المال‬
‫ً‬ ‫وإذا لم يجد العائل‬
‫يكفى زكاة أفراد أسرته‪ ،‬فإنه يخرجها عن‬
‫البعض باد ًئا بنفسه‪ ،‬ثم زوجته فأمه فأبيه‬
‫ف��أوالده‪ .‬ثم األق��رب فاألقرب حسب‬
‫ترتيبهم فى الميراث‪.‬‬
‫وبعض العلماء يقدم األوالد على‬
‫الوالدين‪ ،‬وال يجب عليه االقتراض من‬
‫أجل الزكاة‪ .‬بل يجوز إذا وثق فى السداد‪.‬‬
‫واألصل سقوط الزكاة عنه لعدم القدرة‪.‬‬

‫وقت إخراج زكاة الفطر‬


‫اتفق الفقهاء على أن أفضل وقت‬
‫إلخراجها هو ما بين طلوع فجر يوم‬
‫العيد وصالته‪ .‬وكرهوا تأخيرها عنه‪،‬‬
‫لكنها ال تسقط بالتأخير بل هى حق ثابت‬
‫يجب عليه إخراجه وعليه إثم التأخير‪.‬‬
‫وكذلك منعوا إخراجها قبل هذا الوقت‪.‬‬
‫وهذا المنهج يجب النظر فيه وتعديله‬
‫ألنه كان يليق بعصور كانت الحياة فيها‬
‫سهلة يسيرة‪ .‬ونحن نعيش فى عصر‬
‫مخالف لما كان يصلح له ذلك الوضع‪،‬‬
‫أمور الحياة فيه معقدة‪ ،‬ولذلك يجب أن‬
‫نعطى مستحقى زكاة الفطر فرصة كافية‬
‫لالستعداد للعيد‪.‬‬
‫وهذا يقتضى أن نقدم وقت إخراجها‬
‫عما هو منصوص عليه عند الفقهاء‪.‬‬
‫قديما‬
‫وقد فطن بعض علماء المالكية ً‬
‫إلى هذا المغزى فجوزوا إخراجها قبل‬
‫العيد بنحو اليومين والثالثة‪ .‬وآخرون‬
‫يجعلون رمضان كله وق ًتا إلخراجها‪.‬‬
‫والحكمة أن ينتفع بها مستحقوها فى‬
‫العيد‪ .‬فلنعطها لهم قبله بزمن مناسب‪،‬‬
‫حتى ال يستهلكوها قبل حلوله ثم يضطروا‬
‫للسؤال الذى حذر الرسول عليه الصالة‬
‫والسالم منه فيقع المحظور‪ .‬ومن أجله‬
‫شرعت زكاة الفطر‪.‬‬
‫والفقه اإلسالمى مرن يقوم على تلبية‬
‫مصالح الناس من غير ضرر وال ضرار‪،‬‬
‫فال يضيق بمثل هذا التعديل الهادف‬
‫الذى لم يخرج عن أصوله‪.‬‬

‫إلى من تعطى زكاة الفطر؟‬


‫ذهب الجمهور إلى أن زكاة الفطر‬
‫يجوز إعطاؤها إلى أى نوع من األنواع‬
‫الثمانية المذكورين فى قوله تعالى‪« :‬إنما‬
‫الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين‬
‫عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب‬
‫والغارمين وفى سبيل الله وابن السبيل»‪.‬‬
‫وخالف المالكية فحصروا إعطاءها فى‬
‫الفقراء والمساكين فقط لكثرتهم وألنهم‬
‫يوجدون غال ًبا‪.‬‬
‫وال يجوز للمزكى أن يعطى زكاته‬
‫لقريب له تجب عليه نفقته‪ ،‬ألن نفعها‬
‫سيعود عليه‪ .‬ويجب توزيع الزكاة فى‬
‫موضع وجوبها‪ ،‬فال يجوز نقلها إلى بلد‬
‫آخر إال إذا لم يوجد من يستحقها فتنقل‬
‫إلى أقرب موضع من موضع الوجوب‪.‬‬

‫نوعها ومقدارها‬
‫للعلماء تفاصيل مسهبة فى بيان النوع‬
‫والمقدار ال داعى لذكرها ما داموا قد‬
‫جوزوا إخراج البدل النقدى عنها‪ .‬وصالح‬
‫الفقراء يقتضى تحرى الدقة عند إخراجها‬
‫نقو ًدا بأن يكون النقد متساو ًيا مع األصل‬
‫الواجب إخراجه وإن تطوع المزكى إذا‬
‫دائما نصب‬
‫خيرا‪ .‬ولنجعل ً‬ ‫استطاع كان ً‬
‫أعيننا قوله تعالى‪« :‬وما تنفقوا من خير‬
‫فألنفسكم‪ ،‬وما تنفقون إال ابتغاء وجه‬
‫الله وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم‬
‫ال تظلمون»‪.‬‬
‫الفـصـل الحـادى عـشر‬
‫صــالة الـعــيدين‬

‫حكمها‪ :‬صالة العيدين من الصلوات‬


‫غير المكتوبة ــ يعنى ليست ً‬
‫فرضا ــ وقد‬
‫شرعت فى السنة األولى من الهجرة‪،‬‬
‫فحين قدم الرسول عليه الصالة والسالم‬
‫المدينة وجد ألهلها يومين يلعبون فيهما‪،‬‬
‫فقال‪« :‬ما هذان اليومان؟ قالوا‪ :‬كنا نلعب‬
‫فيهما فى الجاهلية»‪ .‬فقال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪« :‬إن الله أبدلكم‬
‫خيرا منهما‪ :‬يوم األضحى‪ ،‬ويوم الفطر»‪.‬‬‫ً‬
‫وقد اختلف الفقهاء فى حكمها‪:‬‬
‫فذهب اإلمامان الشافعى ومالك إلى‬
‫أنها سنة عين ــ يعنى يطالب بها كل‬
‫شخص ــ مؤكدة‪ ،‬ثم اختلفا حول من‬
‫يطالب بها‪.‬‬
‫فقال الشافعى‪ :‬كل من يؤمر بالصالة‬
‫من الرجال والنساء واألرقاء‪.‬‬
‫وقال مالك‪ :‬يطالب بها كل من تجب‬
‫عليه صالة الجمعة‪ ..‬وعلى هذا فال‬
‫تطالب المرأة بصالة العيد وال الرقيق؛‬
‫ألنهما ال تجب عليهما صالة الجمعة‬
‫عند مالك ــ رضى الله عنه ــ بل هى‬
‫مندوبة فى حقهما‪ ،‬وكذلك الصبيان‪.‬‬
‫ويقول األحناف إنها واجب ـ والواجب‬
‫عندهم فوق السنة ودون الفرض ــ‬
‫والمطالب بها عندهم‪ ،‬هو من تجب‬
‫عليه صالة الجمعة‪ .‬فهم يلتقون مع‬
‫اإلمام مالك فى هذا الحكم‪.‬‬
‫ويعدها الحنابلة من فروض الكفاية ـ‬
‫يعنى إذا فعلها البعض سقطت عن الباقين‬
‫ــ والمطالب بها عندهم‪ ،‬من تجب عليه‬
‫صالة الجمعة‪ .‬فهم مع اإلمام مالك‬
‫واألحناف فى هذا الشرط‪.‬‬
‫وقد اتفقوا على أن الجماعة شرط فيها‬
‫فال تصلى فرادى‪ ..‬ومن لم يدرك صالة‬
‫العيد فى جماعة مع اإلمام‪ ،‬فإن ً‬
‫مالكا‬
‫سرا ‪.‬‬
‫يجوز له فعلها منفر ًدا ويقرأ فيها ً‬
‫وإلى مثل هذا ذهب الحنابلة‪ ..‬ووقت‬
‫قضائها عند مالك‪ ،‬نصف اليوم األول‬
‫إلى وقت الظهر وعند الحنابلة فى أى‬
‫وقت شاء‪.‬‬
‫وقت أدائها‪:‬‬
‫اتفق ثالثة من األئمة على أن وقت صالة‬
‫العيدين يبدأ من حل النافلة‪ ،‬يعنى طلوع‬
‫الشمس بمقدار ثلث ساعة ويستمر األداء‬
‫إلى الزوال (منتصف النهار) عند المالكية‬
‫والحنفية‪ .‬وال تقضى بعد الزوال عندهما‪.‬‬
‫ومن فاتته صالة العيد مع الجماعة فله‬
‫صالتها منفر ًدا إال أن األحناف يقولون‪:‬‬
‫إذا صالها منفر ًدا أتى بأربع ركعات ال‬
‫ركعتين قياسا على الجمعة‪.‬‬
‫وينتهى وقت أدائها إلى قبيل الزوال‬
‫عند الحنابلة‪ ،‬أما قضاؤها ففى أى وقت‬
‫شاء سواء فاتته لعذر‪ ،‬أم لغير عذر‪.‬‬
‫وخالف الشافعية‪ ،‬فقالوا وقت أدائها‬
‫من طلوع الشمس وإن لم ترتفع وينتهى‬
‫عند ال��زوال‪ .‬فهم متفقون مع األئمـة‬
‫الـثالثة فى االنتهاء ومختلفون معهم فى‬
‫االبتداء‪.‬‬
‫مكان أدائها‪:‬‬
‫األصل فى صالة العيدين أن تؤدى‬
‫بالصحراء (الفضاء) وال تصلى فى‬
‫ال بالسنة‪ ،‬ألن الرسول عليه‬‫المساجد عم ً‬
‫الصالة والسالم كان يصليها بالصحراء‬
‫ولم يصلها بالمسجد إال لعذر كنزول‬
‫مطر وغيره‪ .‬ولكن الفقهاء ناقشوا هذا‬
‫العمل على الوجه اآلتى‪:‬‬
‫المالكية قالوا‪ :‬يندب فعلها بالصحراء‬
‫وال يسن فإذا أديت بالمسجد صحت مع‬
‫خالف المندوب‪.‬‬
‫والحنفية حكموا بكراهة أدائها فى‬
‫المسجد مطل ًقا‪ .‬أما الشافعية فقد فضلوا‬
‫أداءها فى المسجد لشرفه ال لعذر‪ .‬واتفق‬
‫مالك والشافعى وأحمد على أفضلية‬
‫أدائها بالمسجد الحرام وخالف األحناف‬
‫فقالوا‪ :‬مكروهة‪.‬‬
‫حكم التكبير فيها‬
‫جهرا على خالف‬‫تصلى صالة العيدين ً‬
‫ما هو معروف فى الصالة النهارية‪،‬‬
‫إذ المطلوب فيها السر ما عدا صالة‬
‫الجمعة‪.‬‬
‫ولعل السر فى هذه التفرقة يرجع إلى‬
‫أن الجماعة شرط فى صحتهما‪ .‬الجمعة‬
‫باتفاق‪ .‬والعيدان كذلك عند ثالثة من‬
‫األئمة‪ .‬وخالف مالك فقال الجماعة‬
‫فى صالة العيدين شرط فى وقوعها سنة‬
‫وتصح إذا صليت فرادى‪ ..‬ولكى يتمتع‬
‫المقتدون بسماع القرآن كانت الصالة‬
‫جهرا‪.‬‬
‫فيهما ــ الجمعة والعيدين ـ ً‬
‫واختصت صالة العيد بالتكبير الزائد‬
‫فيها لقوله تعالى‪ :‬ولتكملوا العدة‬
‫ولتكبروا الله على ما هداكم»‪.‬‬
‫ولهم فى ذلك عدة آراء‪:‬‬
‫فقال مالك‪ :‬يكبر فى الركعة األولى‬
‫بعد تكبيرة اإلحرام وقبل القراءة ست‬
‫تكبيرات‪ ،‬وفى الركعة الثانية يكبر بعد‬
‫الرفع من السجود والقيام معتد ً‬
‫ال مطمئنًا‬
‫خمس تكبيرات بعد تكبيرة القيام‪ .‬وفى‬
‫كل مرة يكبر بصوت مسموع‪.‬‬
‫وقال الشافعى فى األولى يكبر ثمانى‬
‫وفى الثانية س ًتا مع تكبيرة القيام من‬
‫السجود‪ .‬وقال أبو حنيفة يكبر ثال ًثا‬
‫فى األولى مع تكبيرة اإلح��رام وثال ًثا‬
‫فى الثانية‪ .‬وذه��ب قوم إلى أن عدد‬
‫التكبيرات تسع فى كل ركعة‪ .‬ولكل‬
‫منهم دليل وسند‪ .‬ووقت التكبير فى‬
‫الركعة الثانية عند األحناف بعد الفراغ‬
‫من قراءة الفاتحة والسورة وإذا قدم أجزأ‬
‫مع خالف األولى‪.‬‬
‫فإذا صليت مع الجماعة فاقتد بإمامك‬
‫فيه‪ ،‬وإذا صليت منفر ًدا ــ لعذر ــ فإن أى‬
‫رأى من هذه اآلراء تأخذ به فى صالتك‬
‫فهى صحيحة‪.‬‬
‫واختلف الفقهاء إذ لم يكبر المصلى‬
‫التكبيرات الزوائد‪ ،‬هل يأتى بها إن أمكن‬
‫أو تلغى فال يطالب بها‪ ،‬أو يسجد من‬
‫أجلها سجود سهو‪.‬‬
‫ونكتفى هنا برأيى المالكية والحنابلة‪.‬‬
‫فالمالكية يقولون إن التكبير سنة مؤكدة‬
‫فإذا نسى المصلى شيئًا منه ولو واحدة‪،‬‬
‫فإذا تذكره قبل الركوع أتى به وال يفعله‬
‫إن ركع فإن فعل بطلت صالته‪ .‬وإنما‬
‫يسجد له قبل السالم سجود سهو‪.‬‬
‫أما الحنابلة فإن التكبير الزائد عندهم‬
‫يلغى إذا لم يأت فى الصالة فى محله ألنه‬
‫عندهم سنة فات موضعها‪.‬‬
‫ويقرأ المصلى وحده أو اإلمام سورة‬
‫بعد الفاتحة فى كل من الركعتين ‪ .‬ويقرأ‬
‫ما شاء من سور القرآن‪ .‬لكنهم نصوا على‬
‫بعض السور ند ًبا ال لزو ًما مثل سورتى‪:‬‬
‫سبح اسم ربك األعلى فى الركعة األولى‪.‬‬
‫والغاشية فى الثانية‪.‬‬
‫هل يجوز التنفل قبلها؟‬
‫اتفق المالكية والحنابلة على كراهة‬
‫التنفل قبل صالة العيد وبعدها لكن‬
‫ً‬
‫مالكا قيد الكراهة بتأدية صالة العيد فى‬
‫الصحراء فإذا أديت فى المسجد فال‬
‫كراهة عندهم‪ .‬وذهب أحمد إلى القول‬
‫بالكراهة مطل ًقا سواء أديت بالصحراء أو‬
‫المسجد‪.‬‬
‫وقال الشافعى بكراهة التنفل قبلها‬
‫وبعدها بالنسبة لإلمام فقط أما غيره‬
‫فيجوز له ذلك‪.‬‬
‫كما حكم األحناف بكراهة التنفل قبلها‬
‫وبعدها‪.‬‬
‫من هو المطالب بصالة العيدين؟‬
‫بعض الفقهاء‪ ،‬ومنهم اإلمام مالك‪،‬‬
‫يقيس صالة العيدين على صالة الجمعة‪.‬‬
‫وهؤالء يقولون عليه صالة الجمعة وعلى‬
‫ذلك ال تجب صالة العيد على‪:‬‬
‫(أ) المسافر‪.‬‬
‫(ب) النساء‪.‬‬
‫(جـ) األرقاء إن وجدوا‪.‬‬
‫(د) المرضى ً‬
‫مرضا يبيح لهم التخلف‬
‫عن الجمعة ــ األطفال المميزين‪.‬‬
‫وبعضهم لم يقس صالة العيدين على‬
‫صالة الجمعة‪ .‬وهؤالء يقولون‪ :‬إن صالة‬
‫العيدين يطالب بها كل مكلف مأمور‬
‫بأداء الصالة‪ .‬وعلى هذا فتجب صالة‬
‫العيدين على المسافر والنساء واألرقاء‬
‫إن وج��دوا ومن هم دون البلوغ من‬
‫األطفال المميزين ويجب على المرأة إذا‬
‫خرجت للصالة أال تبالغ فى الزينة بما‬
‫يجعلها مثار فتنة‪ .‬والواجب عليها حينئذ‬
‫أداؤها فى بيتها وهؤالء يستندون إلى أن‬
‫النبى عليه السالم أمر النساء بالخروج‬
‫لصالة العيد‪.‬‬
‫وتصلى المرأة إذا خرجت للصالة‬
‫خلف صفوف الرجال أو فى المقاصير‬
‫الخاصة بهن وال ترفع صوتها بقراءة أو‬
‫تكبير‪.‬‬
‫وآخرون يقولون‪ :‬إن أهل البوادى ــ‬
‫سكان الصحارى ــ غير مطالبين بصالة‬
‫ً‬
‫ملحوظا‪.‬‬ ‫العيدين إذا بعدوا عن المدن بعدً ا‬
‫هذا رأى‪ .‬ولكن ما المانع إذا صلى أهل‬
‫البوادى بباديتهم صالة مستقلة‪ .‬ال أعلم‬
‫مانعا من ذلك‪.‬‬
‫أن هناك ً‬
‫إذا اجتمع عيد وجمعة‬
‫كثيرا اجتماع العيد مع الجمعة‬
‫يصادف ً‬
‫فهل تجزئ صالة العيد‪ ،‬وهى سابقة‪ ،‬عن‬
‫صالة الجمعة الالحقة؟‬
‫تطرف بعضهم فقال تجزئ وليس على‬
‫من صلى العيد جماعة جمعة‪ ،‬وخفف‬
‫آخرون من هذا التطرف فقالوا‪ :‬إن إجزاء‬
‫العيد عن الجمعة ألهل البوادى الذين‬
‫يردون األمصار والمدن لصالة العيد‬
‫والجمعة خاصة‪.‬‬
‫واستند هؤالء إلى ما روى عن عثمان‬
‫رضى الله عنه أنه خطب فى يوم عيد‬
‫وجمعة فقال‪« :‬من أحب من أهل البوادى‬
‫أن ينتظر الجمعة فلينتظر‪ ،‬ومن أحب أن‬
‫يرجع فليرجع» وروى مثله عن عمر بن‬
‫عبد العزيز وبه قال اإلمام الشافعى‪.‬‬
‫لكن هذا مخالف لألصول‪ .‬ألن صالة‬
‫العيد سنة وصالة الجمعة فرض فال‬
‫تجزئ سنة عنها‪.‬‬
‫ولذلك ذهب اإلمامان مالك وأبو حنيفة‬
‫إلى أن المكلف مطالب بهما جميعا‪:‬‬
‫العيد والجمعة‪ .‬وال ينوب أحدهما عن‬
‫اآلخر‪ .‬وهذا هو األصل‪.‬‬
‫أما ما روى عن عثمان وعمر بن عبد‬
‫العزيز رضى الله عنهما فهما لم يقوال‬
‫بإسقاط الجمعة وإنما خففا عن أهل‬
‫البوادى فأجازا لهم التخلف عن صالة‬
‫الجمعة فى المدن‪ ،‬على أن يصلى كل‬
‫منهم صالة الظهر فى باديته وهذا اجتهاد‬
‫منهما رضى الله عنهما‪ .‬وليس مخالفة‬
‫خارجة عن األصول‪.‬‬
‫آداب صالة العيدين‬
‫يندب االغتسال لصالة العيدين‪ ،‬وأن‬
‫يلبس أحسن ما عنده من الثياب جديدً ا‬
‫ال لقوله تعالى‪« :‬خذوا رينتكم‬ ‫أو مغسو ً‬
‫عند كل مسجد» ويندب أن يأكل قبل‬
‫خروجه للصالة فى عيد الفطر‪ ،‬وأما فى‬
‫عيد األضحى فيندب الصيام حتى يفرغ‬
‫وترا‬
‫تمرا ً‬
‫من الصالة‪ ،‬وأن يكون المأكول ً‬
‫خمسا)‪ ،‬ويندب االستماع إلى‬‫ً‬ ‫(ثال ًثا أو‬
‫الخطبة وموعظة العيد‪ .‬كما يندب أن‬
‫مبكرا إلى المصلى‪ ،‬ويندب ــ‬ ‫ً‬ ‫يخرج‬
‫كذلك ــ تحسين الهيئة بتقليم األظافر‬
‫وإزالة الشعر واألدران‪ ،‬وأن يخرج إلى‬
‫جهرا‬
‫ً‬ ‫المصلى وأن يكبر حال خروجه‬
‫وأن يستمر على التكبير حتى تحين‬
‫الصالة‪ .‬وأن يرجع من غير الطريق التى‬
‫جاء منها ويندب كثرة التصدق على‬
‫الفقراء والمحتاجين‪ ،‬وإظهار البشاشة‬
‫والسرور فى وجه من يلقاه‪.‬‬
‫والحمد لله فى األولى واآلخـرة‬

You might also like