Professional Documents
Culture Documents
مقدمة
مقدمة
ي َأنَز َ
ل و ال ّ ِ
ذ َ ه َ
به القرآن نفسه في الية السابعة من سورة آل عمرانُ } :
ت{ ]آل ها ٌ مت َ َ
شاب ِ َ وأ ُ َ
خُر ُ م ال ْك َِتا ِ
ب َ
ُ
نأ ّه ّ
ت ُ حك َ َ
ما ٌ م ْ
ت ّ
ه آَيا ٌ
من ْ ُ ك ال ْك َِتا َ
ب ِ عل َي ْ َ
َ
عمران.[7:
هذا ،مع أن في آية أخرى أثبت القرآن أن آياته كلها محكمة ،كما قال
ُ
نمن ل ّدُ ْ صل َ ْ
ت ِ م ُ
ف ّ ه ثُ ّ
ت آَيات ُ ُ
م ْ
حك ِ َ
بأ ْتعالى في مطلع سورة هود} :اَلر ك َِتا ٌ
ر{ ]هود.[1:
خِبي ٍ
كيم ٍ َ
ح ِ
َ
ومعنى )إحكامها( :إتقانها وإحسانها بحيث ل يتطرق إليها أي لون من
ألوان الختلل في اللفظ أو المعنى ،في المفردات أو الجمل ،في
ً
عدْل{و َ صدْ ً
قا َ ت َرب ّ َ
ك ِ ت ك َل ِ َ
م ُ م ْ
وت َ ّ
الخبار أو الحكام .كما قال تعالىَ } :
]النعام ،[115:صدقا في الخبار ،عدل في الحكام.
كما وصف القرآن في آية أخرى بأنه كله متشابه ،كما قال تعالى:
}الل ّه ن َز َ َ
مَثان ِ َ
ي{ ]الزمر .[23 ها ّ مت َ َ
شاب ِ ً ث ك َِتاًبا ّ
دي ِ ن ال ْ َ
ح ِ س َ
ح َ
لأ ْ ُ ّ
ومعنى تشابهه :أنه يشبه بعضه في بلغته وإعجازه ،وروعة تأثيره،
ت َرب ّ َ
ك ت ك َل ِ َ
م ُ م ْ وت َ ّ
وفي صدق أخباره ،وعدالة أحكامه ،كما قال تعالىَ } :
ل{ ]النعام ،[115:وكذلك في تناسقه وتناغمه بحيث يصدق عدْ ًو َقا َ صدْ ًِ
ه ّ
ر الل ِِ ْ ي َ
غ د
ِ عنِ ن
ْ م
ِ ن
َ َ
كا و َ
َ ْ ل و } :بعض مع بعضه يتناقض ول بعضا، بعضه
فا ك َِثيًرا{ ]النساء.[82:
خت ِل َ ً
ها ْفي ِدوا ْ ِ
ج ُ لَ َ
و َ
فآية سورة آل عمران قد بينت أن في القرآن آيات محكمات وأخر
متشابهات ،فما معنى الحكام والتشابه ،وبالتالي :ما معنى المحكم
والمتشابه في القرآن؟
نقل الشيخ مرعي في كتابه )أقاويل الثقات( جملة أقوال للعلماء في
بيان ذلك:
فقيل :المحكم :ما وضح معناه ،والمتشابه :نقيضه.
وقيل :المحكم :ما ل يحتمل من التأويل إل وجها واحدا ،والمتشابه:
ما احتمل أوجها.
وقيل :المحكم :ما تأويله تنزيله ،والمتشابه :ما ل يدرى إل بالتأويل.
وقيل :المحكم :ما لم تتكرر ألفاظه ،والمتشابه :القصص والمثال.
وقيل :المحكم :ما يعرفه الراسخون في العلم ،والمتشابه :ما ينفرد
الله بعلمه.
وقيل :المتشابه :الحروف المقطعة في أوائل السور ،وما سوى ذلك
محكم .وقيل غير ذلك.
وقال جماعة من الصوليين :المحكم :ما عرف المراد منه ،قيل :ولو
بالتأويل ،والمتشابه :ما استأثر الله بعلمه ،كالحروف المقطعة ،وهو
معنى قول بعضهم :إن المحكم :هو المكشوف المعنى الذي ل يتطرق
إليه إشكال واحتمال ،والمتشابه :ما يتعارض فيه الحتمال ،ويجوز أن
يعبر به عن السماء المشتركة :كال َ
قْرء ،[1]1وكاللمس [2]2المتردد بين
1
2
المس والوطء ،وقد يطلق على ما ورد في صفات الله تعالى مما يوهم
ظاهره الجهة والتشبيه ،ويحتاج إلى تأويله.
أ -تعريف المحكم والمتشابه:
-1تعريف المحكم
حكام لغة :التقان البالغ ،ومنه البناء المحكم الذي أتقن ،فل يتطرق إليه الخلل أو الفساد.
أ -ال ْ
أما اصطلحًا فقد اختلف الصوليون في تعريفه على أقوال منها:
-1أن المحكم ما عرف المراد منه ،إما بالظهور أو بالتأويل.
-2تعريف المتشابه:
شَبه ،وهو التماثل بين شيئين أو أشياء .ولما كان التماثل بين الشياء يؤدي
أ -لغة :مأخوذ من ال ّ
إلى الشك والحيرة ،وُيوقع في اللتباس ،توسعوا في اللفظ ،وأطلقوا عليه اسم " المتشابه ".
ب -القرآن من حيث الحكام والتشابه يمكن اعتبار القرآن محكمًا كله أو متشابهًا كله
أو اعتبار بعضه محكمًا وبعضه متشابهًا وتفصيله التالي:
نقرأ اليات الكريمات ،قوله تعالى } :هخخو الخخذي أنخخزل عليخخك الكتخخاب منخخه آيخخات محكمخخات هخخن أم الكتخخاب وأخخخر
صلت من لدن حكيم خبير { )هود. (1:
متشابهات { )آل عمران (7:وقوله أيضًا } :كتاب أحكمت آياته ثم ُف ّ
و) المحكم ( و) المتشابه ( لفظان متقابلن ،إذا ُذِكَر أحدهما استدعى الخر ضرورة .وهما بحثان رئيسخخان مخخن
أبحاث علوم القرآن ،أفاض العلمخخاء القخخول فيهمخخا ،وتفخخاوتت أنظخخارهم فخخي تعريفهمخخا وحقيقتهمخخا ،وهمخخا كخخذلك
بحثان مهمان من أبحاث أصول الفقه .
ت الدابة وأحكمتها ،بمعنخخى أحكمخخت وثاقهخخا ،ومنعتهخخا مخخن التفّلخخت
حَكْم ُ
و) المحكم ( من حيث اللغة ،مأخوذ من َ
والهرب .وإحكام الكلم :إتقانه وتمييز الصدق فيه من الكذب .
ف المراد منه؛ وقال
عِر َ
حا ،فقد اختلفت أنظار أهل العلم في تعريفه ،فقال بعضهم :هو ما ُ
أما ) المحكم ( اصطل ً
آخرون :هو ما ل يحتمل إل وجهًا واحدًا؛ وعّرفه قوم بخخأنه :مخخا اسخختقّل بنفسخخه ،ولخخم يحتخخج إلخخى بيخخان .ويمكخخن
إرجاع هذه التعريفات إلى معنى واحد ،هو معنى البيان والوضوح .
و) المتشابه ( لغة ،مأخوذ مخن الشخبه والتشخابه ،تقخول :فلن يشخبه فلًنخا ،أي :يمخاثله ،ولخه مخن الصخفات مخا
ضا .
للخر .وعلى هذا ،فتشابه الكلم تماثله وتناسبه ،بحيث يصّدق بعضه بع ً
حا ،فعرفه بعضهم بأنه :ما استأثر ال بعلمه ،وعرفه آخخخرون بخخأنه :مخخا احتمخخل
أما تعريف ) المتشابه ( اصطل ً
أكثر من وجه ،وقال قوم :ما احتاج إلى بيان ،برّده إلى غيره .
وبنخخاًء علخخى التعريخخف اللغخخوي لكخخٍل مخخن ) المحكخخم ( و) المتشخخابه ( يتضخخح أنخخه ل تنخخافي بيخخن ) المحكخخم (
و) المتشابه ( من جهة المعنى اللغوي؛ فالقرآن كله محكم ،بمعنى أنه متقن غاية التقخخان ،وهخخو كخخذلك متماثخخل
ضا .
ومتشابه ،بمعنى أنه يصّدق بعضه بع ً
ثم إن المتشابه أنواع ،فهناك متشابه من جهة اللفظ ،وهناك متشابه من جهة المعنى ،وهناك متشابه من جهخخة
اللفظ والمعنى مًعا .وتفصيل هذه النواع باختصار وفق التي:
-أن المتشابه من جهة اللفظ هو الذي أصابه الغموض بسبب اللفظ ،وهو نوعان:
ب ( فخخي قخوله تعخخالى } :وفاكهخخة وأّبخخا {
أحدهما :يرجع إلى اللفاظ المفردة؛ إما لغرابخخة ذلخخك اللفخخظ ،كلفخخظ ) ال ّ
ب ( في
)عبس (31:ولفظ ) الكللة ( في قوله سبحانه } :وإن كان رجل يورث كللة { )النساء (12 :فلفظ ) ال ّ
الية الولى ،ولفظ ) الكللة ( في الية الثانية مخخن اللفخخاظ المتشخخابهة الختي تحتخخاج إلخخى بيخخان وتوضخخيح .وإمخخا
لشخختراك ذلخخك اللفخخظ فخخي عخخدة معخخان ،كلفخخظ ) اليميخخن ( فخخي قخخوله سخخبحانه } :فخخراغ عليهخخم ضخخربا بخخاليمين {
)الصافات (93:أي :فأقبل إبراهيم على أصنام قومه ضخارًبا لهخا بخاليمين مخن يخخديه ل بالشخخمال ،أو ضخخارًبا لهخخا
ضرًبا شديًدا بالقوة؛ لن اليمين أقوى الجارحتين ،أو ضارًبا لها بسبب اليمين التي حلفها ،ونوه بها القرآن ،إذ
قال } :وتال لكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين { )النبياء (57:كخخل ذلخخك جخخائز ،ولفخخظ ) اليميخخن ( مشخخترك
بينها .ومثل ذلك يقال في اللفاظ المشتركة مثل ) العين ( و) القرء ( فلفظ ) العين ( يطلق على العين الباصرة،
ويطلق على العين الجارية ،ويطلق على الجاسوس؛ وكذلك لفظ ) القخخرء ( يطلخخق علخى الحيخض ،ويطلخخق علخى
طهر ،وكل هذه اللفاظ وما شاكلها من المتشابه ،الذي ل ُيعرف معناها إل من خلل السياق الذي وردت فيخخه،
ال ّ
حفت بها.
أو عن طريق القرائن التي ُ
والثاني :يرجع إلى جملة الكلم وتركيبه ،من بسط واختصار ونظم؛ نحو قوله تعالى } :وإن خفتخخم أل تقسخخطوا
في اليتامى فأنكحوا ما طاب لكم { )النساء (3:وقوله سبحانه } :الحمد ل الخخذي أنخخزل علخخى عبخخده الكتخخاب ولخخم
يجعل له عوجا { )الكهف (1:ففي الية الولى خفاء في المخخراد ،جخخاء مخخن ناحيخخة إيجخخاز اللفخخظ ،والصخخل :وإن
خفتم أل تقسطوا في اليتامى لو تزوجتموهن ،فانكحوا من غيرهن ما طخخاب لكخخم مخخن النسخخاء .ومعنخخاه :أنكخخم إذا
تحرجتم من زواج اليتامى؛ مخافة أن تظلموهن ،فأمامكم غيرهخخن ،فخختزوجوا منهخخن مخخا طخخاب لكخخم؛ وفخخي اليخخة
الثانية وقع التشابه في ترتيب الية ونظمها؛ فإن الخفاء هنا جاء من جهة الترتيب بين لفظ } قيًما { وما قبله،
جا .
ومعنى الية :أنزل على عبده الكتاب قيًما ،ولم يجعل له عو ً
-والمتشابه من جهة المعنى ُيمّثل له بأوصاف القيامة وأحوالها مما ل نستطيع تصخخوره؛ لن فيهخخا مخخا ل عيخخن
رأت ،ول أذن سمعت ،ول خطر على قلب بشر ،فإن العقل البشخخري ل يمكخخن أن يحيخخط بحقخخائق أحخخوال وأهخخوال
القيامة ،ول بنعيم أهل الجنة وعذاب أهل النار ،وكيف السبيل إلى أن يحصل في نفوسنا صخخورة مخخا لخخم نحسخخه،
وما لم يكن فينا مثله ول جنسه.
-والمتشابه من جهة اللفظ والمعنى مًعا على أنواع ،لن نقف على تفصيلها هنا ،وحسبنا أن نمثل لهخخذا النخخوع
من المتشابه بقوله تعالى } :إنما النسيء زيادة في الكفخر { )التوبخة (37:فخإن مخن ل يعخرف عخادة العخرب فخي
جاهليتهم وما كانوا عليه ،فإنه يتعذر عليه تفسير هذه الية ومعرفة المراد منها .
ول بد من الوقوف في هذا المقام عند مسألة طالما بحثها العلماء ،تتعلق بقوله تعالى } :وما يعلم تأويله إل ال
والراسخون في العلم { )آل عمران (7:ومنشأ النظر في هذه الية منصب على قوله تعالى } :والراسخون فخخي
العلم { هل هو كلم مبتدأ ومستأَنف ،أم هو معطوف على قوله تعالى } :وما يعلخخم تخخأويله إل الخ { ومعلخخوم أن
الوقف والبتداء في القرآن ،له دور مهم وأساس في تحديد معنى الية ،وبيان وجهتها ومقصدها .
وحسبنا في هذا المقام أن نعلم أن المفسرين قد ذهبوا في تفسخخير اليخخة مخخذهبين :الول يخخرى أن الوقخخف يكخخون
على قوله تعالى } :وما يعلم تأويله إل ال { ،وبالتالي فإن قوله تعخخالى } :والراسخخخون فخخي العلخخم { كلم مبتخخدأ
ومستأنف ،والمعنى على هذا :أن المتشابه ل يعلم تأويله إل ال ،والراسخون في العلم يؤمنخخون بخخه كمخخا جخخاء،
ويِكُلون علمه إلى ال سبحانه .
وقد أّيد أصحاب هذا المذهب ما ذهبوا إليه ،بما رواه البخاري من حخخديث عائشخخة رضخخي الخ عنهخخا ،قخخالت :تل
رسول صلى ال عليه وسلم هذه الية } :فأمخخا الخخذين فخخي قلخخوبهم زيخخغ فيتبعخخون مخخا تشخخابه منخخه ابتغخخاء الفتنخخة
وابتغاء تأويله { )آل عمران (7:قالت :قال رسول ال صخخلى الخ عليخه وسخخلم ) :فخخإذا رأيخخت الخخذين يتبعخخون مخخا
تشابه منه ،فأولئك الذين سّمى ال ،فاحذرهم ( .
أما المذهب الثاني ،فيرى أن قوله تعالى } :والراسخون في العلم { معطوف على قوله } :ومخخا يعلخخم تخخأويله إل
ال { وعلى هذا يكون تفسير الية :أن الراسخين في العلم يعلمون تفسير المتشابه مخخن القخخرآن .وقخخد قخخال ابخخن
عباس رضي ال عنهما :أنا من الراسخين في العلم ،الذين يعلمون تأويله .ولقخخد صخخدق رضخخي الخ عنخخه ،فخخإن
النبي صلى ال عليه وسلم دعا له ،فقال ) :اللهم فقهه في الدين ،وعلمه التأويخخل ( رواه أحمخخد .قخخال مجاهخخد :
عرضت المصحف على ابن عباس من أوله إلى آخره ،أقفه عند كل آية ،وأسأله عنها .وقد تواترت النقول عن
ابن عباس رضي ال عنهما أنه تكلم في جميع معاني القرآن ،ولم يقل عن آية إنها من المتشخخابه الخخذي ل يعلخخم
أحد تأويله إل ال .وقد صحح المام النووي هذا القخخول ،مسخختدًل علخخى صخخحته ،بخخأنه يبعخخد أن يخخخاطب سخخبحانه
عباده بما ل سبيل لحد من الخلق إلى معرفته .
والحق ،فإنه ل يوجد تعخخارض بيخن هخخذين المخخذهبين ،والتوفيخخق بينهمخخا أمخخر ممكخخن ومتيسخر ،وذلخخك إذا علمنخخا
المقصود من لفظ ) التأويل ( الوارد في قوله تعالى } :وما يعلم تأويله إل ال { .وبالرجوع إلى معنى ) التأويل
( يتبين لنا أن هذا اللفظ ُيطلق على معنيين:
الول ) :التأويخخل ( بمعنخخى التفسخخير ،فتأويخخل الكلم تفسخخيره ،وتوضخخيح معنخخاه .والتأويخخل فخخي كلم كخخثير مخخن
المفسرين ،وخاصة المتقدمين منهم كخ ابن جرير الطبري وغيرهُ ،يطلق بهذا المعنى ،وهم يريخخدون بخخه تفسخخير
الكلم ،وبيان معناه؛ فهو إذن اصطلح معروف ومشهور عند أهل التفسير .
و) التأويل ( في كلم المتأخرين من الفقهاء والمتكلمين :هو صرف اللفظ عن الحتمخخال الراجخخح إلخخى الحتمخخال
المرجوح ،لدللة توجب ذلك .وهذا هو التأويل الذي تنازع الناس فيه .فالتأويل الصحيح منه ما وافق نصخخوص
الكتاب والسنة ولم يخالفها .والتأويل الفاسد منه ما خالف ذلك .
والمعنى الثاني من معاني ) التأويل ( يأتي بمعنى :الحقيقة ،فتأويل الكلم ،الحقيقة التي يؤول إليها .وعلى هذا
المعنى جاء قول عائشة رضي ال عنها ) :كان رسول ال صلى ال عليه وسخخلم يقخخول فخخي ركخخوعه وسخخجوده:
سبحانك اللهم ربنا وبحمدك ،اللهم اغفر لي ،يتأّول القرآن ( تعني قوله تعالى } :فسبح بحمد ربك واستغفره {
)النصر (3:رواه البخاري و مسلم .
ق ال خ تعخخالى ،إنمخخا يقصخخدون
وبناًء على ذلك ،نستطيع أن نقول :إن الذين ذهبوا إلى حصر علم التأويل فخخي حخ ّ
بذلك التأويل بالمعنى الثاني ،أي :الحقيقة التي يؤول إليها الغيب ،وهذا أمر ل يختلخف عليخه اثنخان؛ لن حقيقخة
الغيب ل يعلمها إل ال .
أما الذين ذهبوا إلى أنه يمكن للعلماء العلم بالتأويل ،فخخإنهم يقصخخدون بخخذلك التأويخخل بخخالمعنى الول ،أي :معنخى
التفسير ،وهذا أيضًا ل يختلف فيه اثنان .
ف ال بها نفسه ،وكذلك
ص َ
ويمكن أن نمّثل لهذا بمثال يزيد المر وضوحًا وجلًء ،فنقول :إن صفة العلم التي َو َ
باقي الصفات ،يمكن للعلماء تأويلها ،بمعنى تفسيرها ،أما تأويلها بمعنى معرفة حقيقة هذه الصخخفة ،أو معرفخخة
حقيقة باقي صفاته سبحانه ،فهذا ما ل سبيل لحٍد إليه ،كما سنبين ذلك لحًقا .
إذا تبين ما تقدم ،نضيف إليه أمًرا آخر ،وهو أن وجود المتشابه في القرآن له فوائد عدة ،ذكرها العلمخخاء ،مخخن
تلك الفوائد :الحث على النظر والبحث والتأمل في آيات ال سبحانه.
ومنها :إثبات التفاضل والتفاوت في العلم بين العباد؛ إذ لو كان القرآن الكريم كله محكًما لستوت منازل الخلق
في فهمه ،ولم يظهر فضل العالم على الجاهل ،ولم يتبين فضل الذي يعلم حقيقة القول على الذي يعلخخم ظخخاهره،
ل للرجخوع إليخخه ،وجعخل بعضخخه متشخخابًها يحتخاج إلخى السختنباط
وقد جعل ال بعض القرآن محكًما؛ ليكخخون أصخ ً
وإعمال العقل ،ورده إلى المحكم .
ضا :ابتلء العباد بالوقوف عند المتشابه من اليات دون الخوض في تأويلها ،بما ل تحتمله من وجوه
ومنها أي ً
التأويل ،وتسليم المر فيها إلى ال تعالى .وقد ذكر الشيخ الزرقاني فوائد أخر ،يمكن تتبعها في كتخخابه ) مناهخخل
العرفان ( .
ثم إن الثمرة العلمية والعملية لهذا البحث ،تتجلى في بيان موقف المسلم من موضوع ) المتشابه ( الذي كان -
ول يزال -مزلة أقدام كثيرة ،وموضع أخذ ورد .وكان من أهم المسائل التي دار الخلف حولهخخا مسخخألة صخخفات
الخالق سبحانه ،الواردة في العديد من اليات والحاديث؛ كقوله تعالى } :وتوكل علخخى الحخخي الخخذي ل يمخخوت {
)الفرقان (58:وقوله سبحانه } :وهو بكل شيء عليم { )البقرة (29:وقخخوله سخبحانه } :وهخخو علخى كخل شخيء
قدير { )المائدة (120:وقوله تعالى } :وهو السميع البصير { )الشورى (11:وقوله سخخبحانه } :فسخخوف يخخأتي
ال بقوم يحبهم ويحبونه { )المائدة (54:وقخخوله تعخخالى } :رضخخي الخ عنهخخم ورضخخوا عنهخخم { )المخخائدة(119:
وقوله سبحانه } :ولكن كره ال انبعاثهم { )التوبة (46:وقوله تعالى } :وغضب الخ عليخخه ولعنخخه { )النسخخاء:
(93وقخخوله سخخبحانه } :ويبقخخى وجخخه ربخخك ذو الجلل والكخخرام { )الرحمخخن (27:وقخخوله تعخخالى } :بخخل يخخداه
مبسوطتان { )المائدة (64:ونحو ذلك من اليات؛ ومخن الحخاديث قخوله صخلى الخ عليخه وسخلم ) :ينخخزل ربنخا
عخخا،
تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا ( متفق عليه ،وقوله ) :إذا تقرب العبد إلخي شخبًرا تقربخت إليخه ذرا ً
حخخا
عا ،وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة ( متفخخق عليخخه ،وقخخوله ) :ل خ أشخخد فر ً
عا تقربت منه با ً
وإذا تقرب إلي ذرا ً
بتوبة أحدكم من أحدكم بضالته إذا وجدها ( رواه مسلم ونحو ذلك من الحاديث .
فالواجب في مثل هذه اليات والحاديث الداخلة في باب ) الصفات ( إثبات ما أثبته ال ورسوله ،ونفي ما نفخخاه
ال ورسوله ،واللفاظ التي ورد بها النص ُيعتصم بها في إثبات الصفات ونفيها؛ فنثبت ما أثبتخخه ال خ ورسخخوله
من اللفاظ والمعاني ،وننفي ما نفته نصوصهما منهما .وأما اللفخخاظ الخختي لخخم يخرد نفيهخخا ول إثباتهخخا فل تطلخخق
حا ُقِبخَل ،لكخخن ينبغخخي التعخخبير عنخخه بألفخخاظ النصخخوص ،دون
حتى ُينظر في مقصود قائلها؛ فإن كان معنخخى صخخحي ً
اللفاظ المجملة.
وقد أطبقت كلمة الئمة المتقدمين على أن ما ورد في ) بخخاب الصخخفات ( مخخن اليخخات والحخخاديث ،ينبغخخي حملخخه
على ظاهره ،من غير تأويل أو تحريف أو تعطيل أو تمثيل؛ وأن ظاهرهخخا ل يقتضخخي تمثيخخل الخخخالق بخخالمخلوق.
فقد ثبت عن المام مالك أنه سئل عن الستواء ،فقال :الستواء معلوم ،والكيف مجهول ،واليمخخان بخه واجخب،
والسؤال عنه بدعة.
ضا ،فقال :أفهم من قوله } :الرحمن على العرش استوى { ما أفهم من قخخوله:
وسئل سفيان الثوري عن ذلك أي ً
} ثم استوى إلى السماء { )فصلت. (11:
ففي كل هذه القوال ما يفيد أن ) الستواء ( معلوم من حيث اللغخة؛ والكيخف مجهخول ،أي :حقيقخة تلخك الصخفة
مجهولة لنا ،ل دليل عندنا عليه ،ول سلطان لنا به؛ والسؤال عنه بدعخخة ،أي :الستفسخخار عخخن الكيفيخخة بدعخخة؛
لنه ليس من هدي السلف ،ولنه أمر ل يمكن إدراكه أو الوصول إليه ،وما جخخزاء المبتخخدع إل أن يطخخرد ويبعخخد
عن الناس خوف أن يفتنهم؛ لنه رجل سوء ،وداعية فتنة .
وقد ُروي عن بعض أهل العلم ،أنه سئل عن اليات والخبار التي فيها من صفات ال تعالى ،فقال :نمرهخخا كمخخا
جاءت ،ونؤمن بها ،ول نقول :كيف وكيف .
قال ابن الصلح :وعلى هذه الطريقة مضى صدر المة وسادتها ،وإياها اختار أئمخخة الفقهخخاء وقادتهخخا ،وإليهخخا
دعا أئمة الحديث وأعلمه ،ول أحد من المتكلمين من أصحابنا يصدف عنها ويأباها .
وقد أفصح المام الغزالي عن موقف السلف من هذه المسألة في كتابه ) إلجخخام العخخوام عخخن علخخم الكلم ( وهخخو
آخر تصانيفه -رحمه ال -في أصول الدين ،وحث فيه على التزام مذهب السلف ،ومن تبعهم في هذه المسخخألة
.
فالعمدة فيما جاء في ) باب الصفات ( الدلة القطعية التي توافرت على أنه تعالى } :ليخخس كمثلخخه شخخيء { وقخخد
ُأكدت هذه الحقيقة في كثير من اليات القرآنية ،كقوله سبحانه } :قل هو ال أحد * ال الصمد * لم يلخخد * ولخخم
يولد * ولم يكن له كفوا أحد { وقوله تعالى } :يا أيها النخخاس أنتخم الفقخراء إلخى الخ والخ هخخو الغنخخي الحميخخد {
)فاطر (15:والنصوص في الكتاب والسنة كثيرة ومستفيضة ،تؤيد هذه الحقيقة وتؤكدها .
هذا قول مجمل في موضوع آيات الصفات وما شاكلها من أحاديث ،ويمكن التوسع في هذا الباب بالرجوع إلخخى
ضا مخخا كتبخخه الشخخيخ ابخخن عخخثيمين فخخي كتخخابه ) تقريخخب
ما كتبه الشيخ الزرقاني في كتابه ) مناهل العرفان ( وأي ً
التدمرية ( .
وحاصل القول في موضوع المحكم والمتشابه الوارد في القرآن ،أنه من جهة اللغة ل تنافي بينهمخا؛ إذ القخرآن
ضخخا؛ أمخخا مخخن جهخخة
ضا متشخخابه ،بمعنخخى أنخخه يصخخدق بعضخخه بع ً
كله محكم بمعنى أنه متقن غاية التقان ،وهو أي ً
ضخخا الموقخخف
غُمخخض المقصخخود منخخه .وظهخخر لنخخا أي ً
عرف المقصود منه ،والمتشخخابه مخخا َ
الصطلح ،فالمحكم ما ُ
السليم من النصوص الواردة في باب الصفات ،وأن القول الصواب فيها ما ذهخب إليخه السخلف مخن إجخراء تلخك
النصوص على ظاهرها ،دون أن يقتضي ظاهر تلك النصوص تمثيل الخالق بالمخلوق .
المصدر :موقع القرضاوي