Professional Documents
Culture Documents
تفسير القران الكريم
تفسير القران الكريم
التفسير الميسر
تم بحمد الله ومنته في شهر صفر من عام 1425نقل
هذا التفسير المهم من موقع مجمع الملك فهد لطباعة
المصحف نقله أحد محبي القرآن الكريم
فل تنسوه من دعائكم ول تنسوا من كان سببا في ذلك
جعلني الله وإياكم من أهل القرآن حقا
من وجد خطأ فليرسله على العنوان التالي
bnm678@gawab,com
ونحن له من الشاكرين
ومن كان لديه اقتراح فليتفضل به على العنوان
السابق
1
-1سورة الفاتحة
(بسم الله الرحمن الرحيم )(1
سورة الفاتحة سميت هذه السورة بالفاتحة; لنه يفتتح بها القرآن
العظيم ,وتسمى المثاني; لنها تقرأ في كل ركعة ,ولها أسماء أخر.
ه( علم على الرب أبتدئ قراءة القرآن باسم الله مستعينا به) ,الل ِ
-تبارك وتعالى -المعبود بحق دون سواه ,وهو أخص أسماء الله
ن( ذي الرحمة العامة م ِح َ
تعالى ,ول يسمى به غيره سبحانه) .الّر ْ
م( بالمؤمنين ,وهما حي ِ الذي وسعت رحمته جميع الخلق) ,الّر ِ
اسمان من أسمائه تعالى ،يتضمنان إثبات صفة الرحمة لله تعالى
كما يليق بجلله.
ن )(2 ب ال َْعال َ ِ
مي َ مد ُ ل ِل ّهِ َر ّ ال ْ َ
ح ْ
ن( الثناء على الله بصفاته التي كّلها أوصاف ب الَعال َ ِ
مي َ مد ُ للهِ َر ّ
ح ْ
)ال َ
مٌر َ
كمال ,وبنعمه الظاهرة والباطنة ،الدينية والدنيوية ،وفي ضمنه أ ْ
لعباده أن يحمدوه ,فهو المستحق له وحده ,وهو سبحانه المنشئ
للخلق ,القائم بأمورهم ,المربي لجميع خلقه بنعمه ,ولوليائه
باليمان والعمل الصالح.
حيم ِ )(3
ن الّر ِ
م ِ
ح َ
الّر ْ
م( ,بالمؤمنين,
حي ِ
ن( الذي وسعت رحمته جميع الخلق) ,الّر ِ م ِ
ح َ
)الّر ْ
وهما اسمان من أسماء الله تعالى.
ن )(4
دي ِ
ك ي َوْم ِ ال ّمال ِ ِ
َ
وهو سبحانه وحده مالك يوم القيامة ,وهو يوم الجزاء على
العمال .وفي قراءة المسلم لهذه الية في كل ركعة من صلواته
ث له على الستعداد بالعمل الصالح, تذكير له باليوم الخر ,وح ّ
والكف عن المعاصي والسيئات.
2
ن )(5
ست َِعي ُ ك ن َعْب ُد ُ وَإ ِّيا َ
ك نَ ْ إ ِّيا َ
م )(6
ست َِقي َ ط ال ْ ُ
م ْ صَرا َ
اهْدَِنا ال ّ
د ُّلنا ,وأرشدنا ,ووفقنا إلى الطريق المستقيم ,وثبتنا عليه حتى
نلقاك ,وهو السلم ،الذي هو الطريق الواضح الموصل إلى رضوان
الله وإلى جنته ,الذي د ّ
ل عليه خاتم رسله وأنبيائه محمد صلى الله
عليه وسلم ,فل سبيل إلى سعادة العبد إل بالستقامة عليه.
ط ال ّذي َ
ضاّلي َ
ن )(7 ب عَل َي ْهِ ْ
م َول ال ّ ضو ِ م غَي ْرِ ال ْ َ
مغ ْ ُ ت عَل َي ْهِ ْ
م َ
ن أن ْعَ ْ
ِ َ صَرا َ
ِ
ديقين والشهداءطريق الذين أنعمت عليهم من النبيين والص ّ
والصالحين ,فهم أهل الهداية والستقامة ,ول تجعلنا ممن سلك
طريق المغضوب عليهم ,الذين عرفوا الحق ولم يعملوا به ,وهم
اليهود ,ومن كان على شاكلتهم ,والضالين ,وهم الذين لم يهتدوا,
فضلوا الطريق ,وهم النصارى ,ومن اتبع سنتهم .وفي هذا الدعاء
شفاء لقلب المسلم من مرض الجحود والجهل والضلل ,ودللة
على أن أعظم نعمة على الطلق هي نعمة السلم ,فمن كان
أعرف للحق وأتبع له ,كان أولى بالصراط المستقيم ,ول ريب أن
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم أولى الناس بذلك
بعد النبياء عليهم السلم ,فدلت الية على فضلهم ,وعظيم
منزلتهم ,رضي الله عنهم .ويستحب للقارئ أن يقول في الصلة
بعد قراءة الفاتحة) :آمين( ,ومعناها :اللهم استجب ,وليست آية من
سورة الفاتحة باتفاق العلماء; ولهذا أجمعوا على عدم كتابتها في
المصاحف.
3
-2سورة البقرة
الم )(1
طعة في أوائل السههور فيهههاهذه الحروف وغيرها من الحروف المق ّ
إشارة إلى إعجاز القرآن; فقد وقع بههه تحههدي المشههركين ,فعجههزوا
كب من هذه الحروف التي تتكههون منههها لغههة عن معارضته ,وهو مر ّ
ل عجز العرب عن التيان بمثله -مع أنهم أفصههح النههاس- العرب .فد َ ّ
على أن القرآن وحي من الله.
ن )(2 دى ل ِل ْ ُ
مت ِّقي َ ب ِفيهِ هُ ً ك ال ْك َِتا ُ
ب ل َري ْ َ ذ َل ِ َ
ش ّ
ك أنههه مههن عنههد اللههه ,فل ذلك القرآن هو الكتاب العظيم الذي ل َ
يصح أن يرتاب فيه أحد لوضوحه ,ينتفههع بههه المتقههون بههالعلم النههافع
والعمل الصالح وهم الذين يخافون الله ,ويتبعون أحكامه.
4
البواعث على فعل الطاعات ,واجتناب المحرمات ,ومحاسبة
النفس.
ن )(5حو َ م ال ْ ُ
مْفل ِ ُ م وَأ ُوْل َئ ِ َ
ك هُ ْ ن َرب ّهِ ْ
م ْ
دى ِ أ ُوْل َئ ِ َ
ك عََلى هُ ً
مههن
أصحاب هذه الصفات يسههيرون علههى نههور مههن ربهههم وبتوفيههق ِ
جههوا مههن
خالقهم وهاديهم ,وهم الفائزون الذين أدركوا ما طلبههوا ,ون َ َ
شّر ما منه هربوا.
إن ال ّذين ك ََفروا سواٌء عَل َيهم ءَأنذ َرته َ
ن )(6 م ل ي ُؤْ ِ
مُنو َ م لَ ْ
م ُتنذِْرهُ ْ مأ ْْ َُ ْ ِْ ْ َ َ ُ ِ َ ِ ّ
ُ
إن الذين جحدوا ما أنزل إليك من ربك اسههتكباًرا وطغيان ًهها ,لههن يقههع
وفتهم وحذرتهم مههن عههذاب اللههه ,أم تركههت منهم اليمان ,سواء أخ ّ
ذلك؛ لصرارهم على باطلهم.
َ
شاوَةٌ وَل َُههه ْ
م م ِغ َ م وَعََلى أب ْ َ
صارِهِ ْ معِهِ ْ
س ْم وَعََلى َ
ه عََلى قُُلوب ِهِ ْم الل ّ ُ
خت َ ََ
م )(7ظي ٌب عَ ِ ذا ٌ عَ َ
طبع الله على قلوب هؤلء وعلههى سههمعهم ,وجعههل علههى أبصههارهم
مههن بعههد مهها تههبّين لهههم الحههق ,فلههم غطاء; بسبب كفرهم وعنادهم ِ
يوفقهم للهدى ,ولهم عذاب شديد في نار جهنم.
ن )(8 مؤ ْ ِ
مِني َ م بِ ُ
ما هُ ْ مّنا ِبالل ّهِ وَِبال ْي َوْم ِ ال ِ
خرِ وَ َ ن ي َُقو ُ
لآ َ م ْ
س َ
ن الّنا ِ
م ْ
وَ ِ
ومن النهاس فريهق يهتردد متحّيهًرا بيهن المهؤمنين والكهافرين ,وههم
المنافقون الذين يقولون بألسنتهم :صد ّقَْنا بالله وباليوم الخر ,وهههم
في باطنهم كاذبون لم يؤمنوا.
َ
ن) ما ي َ ْ
شعُُرو َ م وَ َ ن إ ِل ّ أنُف َ
سه ُ ْ عو َخد َ ُما ي َ ْ
مُنوا وَ َ
نآ َ ه َوال ّ ِ
ذي َ ن الل ّ َ
عو َ
خادِ ُ
يُ َ
(9
يعتقدون بجهلهم أنهم يخادعون الله والذين آمنوا بإظهارهم اليمههان
وإضمارهم الكفههر ,ومهها يخههدعون إل أنفسهههم; لن عاقبههة خههداعهم
سون بذلك; لفساد قلوبهم. ح ّ من فرط جهلهم ل ي ُ ِ تعود عليهم .و ِ
َ
مها َ
كهاُنوا م بِ َ
ب أِليه ٌ عه َ
ذا ٌ مَرضا ً وَل َُهه ْ
م َ م الل ّ ُ
ه َ ض فََزاد َهُ ْمَر ٌ ِفي قُُلوب ِهِ ْ
م َ
ن )(10 ي َك ْذُِبو َ
ك وفسههاد فههاب ُْتلوا بالمعاصههي الموجبههة لعقههوبتهم, فههي قلههوبهم ش ه ّ
5
فزادهم الله ش ً
كا ,ولهم عقوبة موجعة بسبب كذبهم ونفاقهم.
َ
ن )(11 حو َ
صل ِ ُ
م ْ
ن ُ
ح ُ ض َقاُلوا إ ِن ّ َ
ما ن َ ْ دوا ِفي الْر ِ
س ُ ل ل َهُ ْ
م ل ت ُْف ِ ذا ِقي َ
وَإ ِ َ
وإذا ُنصههحوا ليكّفههوا عههن الفسههاد فههي الرض بههالكفر والمعاصههي,
وإفشاء أسرار المؤمنين ,وموالة الكافرين ,قالوا كهذًبا وجهدال إنمها
نحن أهل الصلح.
َ
ن )(12 ن وَل َك ِ ْ
ن ل يَ ْ
شعُُرو َ دو َ
س ُ م ال ْ ُ
مْف ِ م هُ ْ
أل إ ِن ّهُ ْ
ن هذا الذي يفعلونه ويزعمون أنه إصلح ههو عيهن الفسهاد ,لكنههم إ ّ
سون.ح ّ بسبب جهلهم وعنادهم ل ي ُ ِ
َ
س هَفَهاءُ
ن ال ّ
مه َ ن كَ َ
مهها آ َ س َقاُلوا أن ُؤْ ِ
م ُ ن الّنا ُ م َما آ َ مُنوا ك َ َ
مآ ِل ل َهُ ْ
ذا ِقي َ وَإ ِ َ
َ
ن )(13 ن ل ي َعْل َ ُ
مو َ سَفَهاُء وَل َك ِ ْ م ال ّم هُ ْ أل إ ِن ّهُ ْ
مُنوا -مثل إيمان الصحابة ،وهو اليمان بالقلب وإذا قيل للمنافقين :آ ِ
دق مثههل تصههديق ضههعاف َ
صه ّ دلوا وقههالوا :أن ُ َ واللسان والجوارح ,-جهها َ
سَفهِ سواء؟ فرد ّ الله عليهههم العقل والرأي ,فنكون نحن وهم في ال ّ
ه مقصور عليهم ,وهم ل يعلمون أن ما هم فيه هو الضلل سَف َبأن ال ّ
والخسران.
ن )(15
مُهو َ م ِفي ط ُغَْيان ِهِ ْ
م ي َعْ َ مد ّهُ ْ ست َهْزِئُ ب ِهِ ْ
م وَي َ ُ الل ّ ُ
ه يَ ْ
دا ,ويجههازيهم
حْيرة وترد ً
الله يستهزئ بهم وُيمهلهم; ليزدادوا ضلل و َ
على استهزائهم بالمؤمنين.
مهها ك َههاُنوا
م وَ َ
جههاَرت ُهُ ْ
ت تِ َ
ح ْ
ما َرب ِ َ ة ِبال ْهُ َ
دى فَ َ ضلل َ َ نا ْ
شت ََرْوا ال ّ ك ال ّ ِ
ذي َ أ ُوْل َئ ِ َ
ن )(16 دي َمهْت َ ِ ُ
6
أولئك المنافقون باعوا أنفسهم في صفقة خاسرة ,فأخذوا الكفر,
سروا الهداية .وهذا هو وتركوا اليمان ,فما كسبوا شيًئا ,بل َ
خ ِ
الخسران المبين.
َ
ب الل ّه ُ
ه حهوْل َ ُ
ه ذ َهَه َ مهها َ
ت َ
ضههاَء ْ ست َوْقَد َ ن َههارا ً فَل َ ّ
مهها أ َ ل ال ّ ِ
ذي ا ْ م كَ َ
مث َ ِ مث َل ُهُ ْ
َ
ن )(17 صُرو َ ت ل ي ُب ْ ِ ما ٍ ُ ُ
م ِفي ظل َ َ
م وَت ََركهُ ْ ب ُِنورِهِ ْ
حال المنافقين الذين آمنوا -ظاهًرا ل باطًنا -برسالة محمد صلى
ت ضللهم الله عليه وسلم ,ثم كفروا ,فصاروا يتخبطون في ظلما ِ
ل جماعةشبه حا َوهم ل يشعرون ,ول أمل لهم في الخروج منها ,ت ُ ْ
في ليلة مظلمة ,وأوقد أحدهم ناًرا عظيمة للدفء والضاءة ,فلما
سطعت النار وأنارت ما حوله ,انطفأت وأعتمت ,فصار أصحابها
في ظلمات ل يرون شيًئا ,ول يهتدون إلى طريق ول مخرج.
ن )(18
جُعو َ ي فَهُ ْ
م ل ي َْر ِ م ٌ م ب ُك ْ ٌ
م عُ ْ ص ّ
ُ
مي عن م عن سماع الحق سماع تدبر ,ب ُ ْ
كم عن النطق به ,عُ ْ ص ّ
هم ُ
إبصار نور الهداية; لذلك ل يستطيعون الرجوع إلى اليمان الذي
تركوه ,واستعاضوا عنه بالضلل.
َ
م ل َعَل ّك ُه ْ
م ن قَب ْل ِك ُه ْ
مه ْ
ن ِ م َوال ّه ِ
ذي َ خل ََقك ُ ْ م ال ّ ِ
ذي َ دوا َرب ّك ُ ْ
س اعْب ُ ُ
َيا أي َّها الّنا ُ
ن )(21 ت َت ُّقو َ
نداء من الله للبشر جميًعا :أن اعبدوا الله الذي رّباكم بنعمه,
وخافوه ول تخالفوا دينه; فقد أوجدكم من العدم ,وأوجد الذين من
قبلكم; لتكونوا من المتقين الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه.
مهاءً
ماءِ َ سه َن ال ّ م ْ ل ِ ماَء ب َِناًء وَأ َن َْز َ ض فَِراشا ً َوال ّ
س َ
َ
م الْر َ ل ل َك ُ ْ
جع َ َ
ذي َ ال ّ ِ
َ َ َ
ن
مو َم ت َعْل َ ُ
دادا ً وَأن ْت ُ ْجعَُلوا ل ِل ّهِ أن َ ت رِْزقا ً ل َك ُ ْ
م َفل ت َ ْ مَرا ِن الث ّ َ م ْج ب ِهِ ِ
خَر َفَأ ْ
)(22
طا; لتسهل حياتكم عليها ,والسماء ربكم الذي جعل لكم الرض بسا ً
محكمة البناء ,وأنزل المطر من السحاب فأخرج لكم به من ألوان
الثمرات وأنواع النبات رزًقا لكم ,فل تجعلوا لله نظراء في العبادة,
وأنتم تعلمون تفّرده بالخلق والرزق ,واستحقاِقه العبودية.
.
ْ
مث ْل ِه ِ
ه ن ِ
مه ْ ما ن َّزل ْن َهها عَل َههى عَب ْهدَِنا فَهأُتوا ب ِ ُ
سههوَرةٍ ِ م ّ
ب ِ م ِفي َري ْ ٍ ن ُ
كنت ُ ْ وَإ ِ ْ
ن )(23 صادِِقي َ
م َ كنت ُ ْ ن الل ّهِ إ ِ ْ
ن ُ دو ِ ن ُ م ْ
م ِ داَءك ُ ْ
شه َ َعوا ُ َواد ْ ُ
ك مههن القههرآن الههذي شه ّ وإن كنتم -أيها الكههافرون المعانههدون -فههي َ
ن َّزلناه على عبدنا محمد صلى الله عليه وسلم ,وتزعمون أنههه ليههس
من عند الله ,فهاتوا سورة تماثل سورة من القرآن ,واستعينوا بمن
من أعوانكم ,إن كنتم صادقين في دعواكم تقدرون عليه ِ
ن ت َْفعَل ُههوا فَههات ُّقوا الن ّههاَر ال ّت ِههي وَُقود ُهَهها الن ّهها ُ
س م ت َْفعَل ُههوا وَل َه ْ
ن ل َه ْ
ف َ هإ ِ ْ
8
ن )(24 ري َ ت ل ِل ْ َ
كافِ ِ جاَرةُ أ ُ ِ
عد ّ ْ َوال ْ ِ
ح َ
جزتههم الن -وسههتعجزون مسههتقبل ل محالههة -فههاتقوا النههار فههإن ع َ
باليمان بالنبي صلى الله عليه وسلم وطاعة الله تعالى .هههذه النههار
ت للكافرين بالله ورسله حط َُبها الناس والحجارة ,أ ُ ِ
عد ّ ْ التي َ
َ
حت َِههها
ن تَ ْم ْ
ري ِ ج ِت تَ ْ جّنا ٍم َ ن ل َهُ ْ
تأ ّ حا ِ مُلوا ال ّ
صال ِ َ مُنوا وَعَ ِ نآ َذي َ شْر ال ّ ِوَب َ ّ
ذا ال ّ ِ
مَرةٍ رِْزقا ً َقاُلوا هَ َ َ
ن قَب ْ ُ
ل م ْذي ُرزِقَْنا ِ ن ثَ َ
م ْ ما ُرزُِقوا ِ
من َْها ِ الن َْهاُر ك ُل ّ َ
َ ُ
ن )(25 دو َخال ِ ُم ِفيَها َ مط َهَّرةٌ وَهُ ْج ُم ِفيَها أْزَوا ٌ شاِبها ً وَل َهُ ْ
مت َ َوَأُتوا ب ِهِ ُ
وأخبر -أيها الرسول -أهل اليمان والعمل الصالح خبًرا يملؤهم
سروًرا ,بأن لهم في الخرة حدائق عجيبة ,تجري النهار تحت
قصورها العالية وأشجارها الظليلة .كّلما رزقهم الله فيها نو ً
عا من
الفاكهة اللذيذة قالوا :قد َرَزَقنا الله هذا النوع من قبل ,فإذا ذاقوه
دا في طعمه ولذته ,وإن تشابه مع سابقه في وجدوه شيًئا جدي ً
اللون والمنظر والسم .ولهم في الجّنات زوجات مطّهرات من كل
ي كالبول والحيض ,والمعنوي كالكذب وسوء ألوان الدنس الحس ّ
خُلق .وهم في الجنة ونعيمها دائمون ,ل يموتون فيها ول يخرجون ال ُ
منها.
َ َ
نذي َ ما ال ّه ِما فَوْقََها فَأ ّ ة فَ َ ض ًما ب َُعو َ مث َل ً َ
ب َ ضرِ َ
ن يَ ْ حِيي أ ْ ست َ ْه ل يَ ْ ن الل ّ َإِ ّ
َ َ
مهها َ
ذا ن َ ن ك ََفهُروا فَي َُقول ُههو َ ذي َما ال ّ ِ
م وَأ ّ ن َرب ّهِ ْم ْحق ّ ِ ه ال ْ َ
ن أن ّ ُ مو َ مُنوا فَي َعْل َ ُ آ َ
َ
ل ِبههِ إ ِل ّضه ّ دي ِبههِ ك َِثيهرا ً وَ َ
مهها ي ُ ِ ل ب ِهِ ك َِثيرا ً وَي َهْه ِ
ض ّمث َل ً ي ُ ِ ذا َه ب ِهَ َأَراد َ الل ّ ُ
ن )(26 سِقي َ ال َْفا ِ
إن الله تعالى ل يستحيي من الحق أن يذكر شيًئا ما ,ق ّ
ل أو كثر,
ولو كان تمثيل بأصغر شيء ,كالبعوضة والذباب ونحو ذلك ,مما
جز كل ما ي ُعَْبد من دون الله .فأما المؤمنون ضربه الله مثل ل ِعَ ْ
فيعلمون حكمة الله في التمثيل بالصغير والكبير من خلقه ,وأما
ضْرب المثل بهذه من َ سخرون ويقولون :ما مراد الله ِ الكفار فَي َ ْ
الحشرات الحقيرة؟ ويجيبهم الله بأن المراد هو الختبار ,وتمييز
سا كثيرين عن المؤمن من الكافر; لذلك يصرف الله بهذا المثل نا ً
الحق لسخريتهم منه ,ويوفق به غيرهم إلى مزيد من اليمان
رف عن الحق إل ص ِ
دا; لنه ل ي َ ْ
والهداية .والله تعالى ل يظلم أح ً
الخارجين عن طاعته.
9
َ
ه مهَر الل ّه ُ
ه ب ِه ِ مهها أ َ ميَثاقِهِ وَي َْقط َُعو َ
ن َ ن ب َعْدِ ِ
م ْ ن عَهْد َ الل ّهِ ِ ضو َ ن َينُق ُذي َال ّ ِ
ن )(27 سُرو َ
خا ِ م ال ْ َ
ك هُ ْض أ ُوْل َئ ِ َ
ِ رْ
ن ِفي ال َ َ دوُ س
ِ ف
ْ ُ يَ و َ
ل ص
َ يو
ُ نْ
أَ
الذين ينكثون عهد الله الذي أخذه عليهم بالتوحيد والطاعة ,وقد
كده بإرسال الرسل ,وإنزال الكتب ,ويخالفون دين الله كقطع أ ّ
الرحام ونشر الفساد في الرض ,أولئك هم الخاسرون في الدنيا
والخرة.
َ كنت َ
حِييك ُه ْ
م ث ُه ّ
م ميت ُك ُ ْ
م ث ُه ّ
م يُ ْ م ثُ ّ
م يُ ِ واتا ً فَأ ْ
حَياك ُ ْ م َ
مأ ْن ِبالل ّهِ وَ ُ ُ ْ
ف ت َك ُْفُرو َ
ك َي ْ َ
ن )(28 جُعو َإ ِل َي ْهِ ت ُْر َ
كيف تنكرون -أّيها المشركون -وحدانية الله تعالى ,وتشركون به
غيره في العبادة مع البرهان القاطع عليها في أنفسكم؟ فلقد كنتم
أمواًتا فأوجدكم ونفخ فيكم الحياة ,ثم يميتكم بعد انقضاء آجالكم
التي حددها لكم ,ثم يعيدكم أحياء يوم البعث ,ثم إليه ترجعون
للحساب والجزاء.
َ
ماِء وى إ ِل َههى ال ّ
سه َ سهت َ َ
ما ْميعها ً ث ُه ّ
ج ِض َمهها فِههي الْر ِ م َ خل َقَ ل َك ُ ْ
ذي َ هُوَ ال ّ ِ
م )(29 يٍء عَِلي ٌ ش ْل َت وَهُوَ ب ِك ُ ّ ماَوا ٍ
س َ سب ْعَ َ ن َواهُ ّ س ّفَ َ
خَلق لجلكههم كههل مهها فههي الرض مههن الّنعههم الههتي ه وحده الذي َ الل ُ
ن سههبع سههموات, واه ّ تنتفعون بها ,ثم قصد إلى خلق السموات ,فس ّ
مه -سبحانه -محيط بجميع ما خلق وهو بكل شيء عليم .فعِل ْ ُ
َ َ
ل ِفيَها ة َقاُلوا أت َ ْ
جع َ ُ خِليَف ً
ض َ ل ِفي الْر ِ ع ٌجا ِملئ ِك َةِ إ ِّني َ ك ل ِل ْ َ
ل َرب ّ َ وَإ ِذ ْ َقا َ
ك قَهها َ
ل س لَ َ ك وَن َُقد ّ ُمدِ َح ْ
ح بِ َسب ّ ُ ن نُ َ
ح ُ
ماَء وَن َ ْ سِف ُ
ك الد ّ َ سد ُ ِفيَها وَي َ ْ ن ي ُْف ِ م ْ َ
ن )(30 َ َ َ
مو َما ل ت َعْل ُ م َ إ ِّني أعْل ُ
واذكر -أيها الرسول -للناس حين قال ربك للملئكة :إني جاعل فههي
ضهها لعمارتههها .قههالت :يهها رّبنهها عل ّ ْ
منهها ما يخلههف بعضهههم بع ً الرض قو ً
ن من شأنهم الفسههاد فههي َ
دنا ما الحكمة في خلق هؤلء ,مع أ ّ ش ْ وأْر ِ
الرض واراقههة الههدماء ظلمهها وعههدواًنا ونحههن طههوع أمههرك ,ننّزهههك
جههدك بكههل صههفات الكمههال التنزيههه اللئق بحمههدك وجللههك ،ونم ّ
والجلل؟ قال الله لهم :إني أعلم ما ل تعلمون من الحكمههة البالغههة
في خلقهم
10
ل أ َن ْب ُِئون ِههي م عَل َههى ال ْ َ
ملئ ِك َهةِ فََقهها َ ض هه ُ ْ
م عََر َماَء ك ُل ّهَهها ث ُه ّس َ
َ
م ال ْ وَعَل ّ َ
م آد َ َ
ن )(31 ن ُ ماِء هَ ُ َ
صادِِقي َ م َ كنت ُ ْ ؤلء إ ِ ْ س َب ِأ ْ
وبياًنا لفضل آدم عليه السلم عّلمههه اللههه أسههماء الشههياء كلههها ,ثههم
عرض مسمياتها على الملئكة قههائل لهههم :أخههبروني بأسههماء هههؤلء
الموجههودات ,إن كنتههم صههادقين فههي أنكههم أ َْولههى بالسههتخلف فههي
الرض منهم
عل ْم ل َنا إل ّ ما عَل ّمتنا إن َ َ
م )(32كي ُ م ال ْ َ
ح ِ ت ال ْعَِلي ُ
ك أن ْ َ ْ ََ ِّ كل ِ َ َ ِ َ حان َ َ َقاُلوا ُ
سب ْ َ
قالت الملئكة :ننّزهك يا رّبنا ,ليس لنا علم إل ما عّلمتنا إياه .إنك
أنت وحدك العليم بشئون خلقك ,الحكيم في تدبيرك.
م أ َقُه ْ ل يا آدم أ َنبئ ْهم بأ َسمائ ِهم فَل َمهها أ َنبهأ َهُم بأ َسهمائ ِهم قَهها َ َ
ل ل أل َه ْ ْ ِ ْ َ ِ ْ َْ ّ َقا َ َ َ ُ ْ ِ ُ ْ ِ ْ َ ِ ْ
َ َ َ
م مهها ُ
كنت ُه ْ ن وَ َدو َمهها ت ُب ْه ُ ض وَأعْل َه ُ
م َ ت َوالْر ِ وا ِم َ
س َ
ب ال ّ م إ ِّني أعْل َ ُ
م غَي ْ َ ل َك ُ ْ
ن )(33 مو َ ت َك ْت ُ ُ
جزوا عنقال الله :يا آدم أخبرهم بأسماء هذه الشياء التي ع َ
معرفتها .فلما أخبرهم آدم بها ,قال الله للملئكة :لقد أخبرتكم أني
أعلم ما خفي عنكم في السموات والرض ,وأعلم ما تظهرونه وما
تخفونه.
َ
سهت َك ْب ََر دوا إ ِل ّ إ ِب ِْليه َ
س أب َههى َوا ْ ج ُ م فَ َ
سه َ دوا لد َ َ
ج ُ ملئ ِك َهةِ ا ْ
سه ُ وَإ ِذ ْ قُل َْنا ل ِل ْ َ
ن )(34 ري َكافِ ِن ال ْ َ م ْ ن ِ كا َ وَ َ
واذكر -أيها الرسول -للناس تكريم الله لدم حين قال سبحانه
ما له وإظهاًرا لفضله ,فأطاعوا جميًعا إل
للملئكة :اسجدوا لدم إكرا ً
دا ,فصار من الجاحدين بالله, إبليس امتنع عن السجود تكبًرا وحس ً
العاصين لمره.
11
وقال الله :يا آدم اسكن أنت وزوجك حواء الجنة ,وتمتعا بثمارها
تمتًعا هنيًئا واسًعا في أي مكان تشاءان فيها ,ول تقربا هذه الشجرة
حتى ل تقعا في المعصية ,فتصيرا من المتجاوزين أمر الله.
كان َهها ِفي ههِ وَقُل ْن َهها اهْب ِط ُههوا َ ش هي ْ َ َ
مهها َ
م ّ
مهها ِجه ُ َ ن عَن ْهَهها فَأ ْ
خَر َ طا ُ مهها ال ّ فَأَزل ّهُ َ
مَتاعٌ إ َِلى ِ َ
ن )(36 حي ٍ ست ََقّر وَ َ
م ْض ُم ِفي الْر ِ ض عَد ُوّ وَل َك ُ ْ م ل ِب َعْ ٍضك ُ ْب َعْ ُ
ن وسوس لهما حتى أكل من فأوقعهما الشيطان في الخطيئة :بأ ْ
الشجرة ,فتسبب في إخراجهما من الجنة ونعيمها .وقال الله لهم:
ضا -أي آدم وحواء والشيطان- اهبطوا إلى الرض ,يعادي بعضكم بع ً
ولكم في الرض استقرار وإقامة ,وانتفاع بما فيها إلى وقت انتهاء
آجالكم.
َ َ
دي ت عَل َي ْك ُه ْ
م وَأوْفُههوا ب ِعَهْه ِ مِتي ال ّت ِههي أن ْعَ ْ
مه ُ ل اذ ْك ُُروا ن ِعْ َ
سَراِئي َ
َيا ب َِني إ ِ ْ
12
ُ
ن )(40 ف ب ِعَهْدِك ُ ْ
م وَإ ِّيايَ َفاْرهَُبو ِ أو ِ
يا ذرية يعقوب اذكروا نعمي الكثيرة عليكههم ,واشههكروا لههي ,وأتمههوا
وصيتي لكم :بأن تؤمنوا بكتبي ورسلي جميعًهها ,وتعملههوا بشههرائعي.
فإن فعلتم ذلك ُأتمم لكم ما وعههدتكم بههه مههن الرحمههة فههي الههدنيا,
والنجاة في الخرة .وإّيايَ -وحههدي -فخههافوني ,واحههذروا نقمههتي إن
نقضتم العهد ,وكفرتم بي
َ
ن )(42 م ت َعْل َ ُ
مو َ موا ال ْ َ
حقّ وَأن ْت ُ ْ حقّ ِبال َْباط ِ ِ
ل وَت َك ْت ُ ُ سوا ال ْ َ
َول ت َل ْب ِ ُ
ول تخِلطوا الحق الذي بّينته لكم بالباطل الذي افتريتموه ,واحههذروا
كتمان الحق الصريح من صفة نبي الله ورسههوله محمههد صههلى اللههه
عليه وسلم التي في كتبكههم ,وأنتههم تجههدونها مكتوبههة عنههدكم ،فيمهها
تعلمون من الكتب التي بأيديكم.
َ
ن )(43 كاةَ َواْرك َُعوا َ
معَ الّراك ِِعي َ صلةَ َوآُتوا الّز َ
موا ال ّ
وَأِقي ُ
وادخلوا في دين السلم :بأن تقيموا الصلة على الوجه الصحيح,
كما جاء بها نبي الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ,وتؤدوا
الزكاة المفروضة على الوجه المشروع ,وتكونوا مع الراكعين من
أمته صلى الله عليه وسلم.
ن )(45
شهِعي َ صههلةِ وَإ ِن ّهَهها ل َك َِبيهَرةٌ إ ِل ّ عَل َههى ال ْ َ
خا ِ صب ْرِ َوال ّ
ست َِعيُنوا ِبال ّ
َوا ْ
َ ال ّذين يظ ُنو َ
ن )(46 جُعو َ م إ ِل َي ْهِ َرا ِ
م وَأن ّهُ ْ ملُقو َرب ّهِ ْم ُن أن ّهُ ْ
ِ َ َ ّ َ
واستعينوا في كل أموركم بالصبر بجميع أنواعه ,وكذلك الصلة.
وإنها لشاقة إل على الخاشعين الذين يخشون الله ويرجون ما
ل وعل بعد الموت ,وأنهم إليهعنده ,ويوقنون أنهم ملقو رّبهم ج ّ
راجعون يوم القيامة للحساب والجزاء.
َ َ
ضهل ْت ُك ُ ْ
م م وَأن ّههي فَ ّ ت عَل َي ْ ُ
كه ْ مِتي ال ّت ِههي أن ْعَ ْ
مه ُ ل اذ ْك ُُروا ن ِعْ َ
سَراِئي ََيا ب َِني إ ِ ْ
ن )(47 مي َعََلى ال َْعال َ ِ
كروا نعمي الكههثيرة عليكههم ,واشههكروا لههي عليههها, يا ذرية يعقوب تذ ّ
ضْلتكم على عاَلمي زمههانكم بكههثرة النبيههاء ,والكتههب وتذكروا أني فَ ّ
المنّزلة كالتوراة والنجيل
ن
حو َب ي ُهذ َب ّ ُذا ِسههوَء ال ْعَ ه َ م ُ مون َك ُ ْسههو ُ ن يَ ُ
ل فِْرعَ هوْ َنآ ِ مه ْ
م ِ جي ْن َههاك ُ ْ
وَإ ِذ ْ ن َ ّ
َ
م )(49 ظي ٌم عَ ِ ن َرب ّك ُ ْ
م ْم َبلٌء ِ م وَِفي ذ َل ِك ُ ْ ساَءك ُ ْ
ن نِ َ
حُيو َ
ست َ ْ
م وَي َ ْ أب َْناَءك ُ ْ
واذكروا نعمتنا عليكم حيههن أنقههذناكم مههن بطههش فرعههون وأتبههاعه,
من ذ َْبح أبنائكم ,وترك بنههاتكم وهم ُيذيقونكم أشد ّ العذاب ,فُيكِثرون ِ
للخدمة والمتهان .وفي ذلك اختبار لكم مههن ربكههم ,وفههي إنجههائكم
منه نعمة عظيمة ,تسههتوجب شههكر اللههه تعههالى فههي كههل عصههوركم
وأجيالكم
َ م وَأ َغَْرقَْنا آ َ َ
م َتنظ ُُرو َ
ن) ن وَأن ْت ُ ْ
ل فِْرعَوْ َ جي َْناك ُ ْ م ال ْب َ ْ
حَر فَأن ْ َ وَإ ِذ ْ فََرقَْنا ب ِك ُ ْ
(50
14
صْلنا بسببكم البحر ,وجعلنا فيه طرًقهها
واذكروا نعمتنا عليكم ,حين فَ َ
ة ,فعبرتم ,وأنقههذناكم مههن فرعههون وجنههوده ,ومههن الهلك فههييابس ً
الماء .فلما دخل فرعون وجنوده طرقكم أهلكناهم في المههاء أمههام
أعينكم
َ َ
م
ن ب َعْهدِهِ وَأن ْت ُه ْ
مه ْ
ل ِ م ال ْعِ ْ
جه َ خ هذ ْت ُ ْ
م ات ّ َ ن ل َي ْل َ ً
ة ثُ ّ سى أْرب َِعي َ وَإ ِذ ْ َواعَد َْنا ُ
مو َ
ن )(51 مو َظال ِ َُ
ن )(53دو َ ن ل َعَل ّك ُ ْ
م ت َهْت َ ُ ب َوال ُْفْرَقا َ
سى ال ْك َِتا َ وَإ ِذ ْ آت َي َْنا ُ
مو َ
واذكروا نعمتنا عليكم حين أعطينا موسى الكتاب الفارق بين الحههق
والباطل -وهو التوراة ;-لكي تهتدوا من الضللة
ل موسههى ل َِقهومه يهها قَهوم إنك ُهم ظ َل َمته َ
م خههاذِك ُ ْ سهك ُ ْ
م ِبات ّ َ م أنُف َ ْ ُ ْ ْ ِ ِّ ْ ْ ِ ِ َ وَإ ِذ ْ َقا َ ُ َ
َ
عن ْهد َم ِ خي ْهٌر ل َك ُه ْ
م َم ذ َل ِك ُه ْ
سهك ُ ْم فَههاقْت ُُلوا أنُف َل فَُتوب ُههوا إ ِل َههى ب َههارِئ ِك ُ ْ ج َ ال ْعِ ْ
م )(54 حي ُب الّر ِ
وا ُ ه هُوَ الت ّ ّ ب عَل َي ْك ُ ْ
م إ ِن ّ ُ َبارِئ ِك ُ ْ
م فََتا َ
واذكروا نعمتنا عليكم حين قال موسى لقومه :إنكم ظلمتم
أنفسكم باتخاذكم العجل إلًها ,فتوبوا إلى خالقكم :بأن ي َْقتل بعضكم
ضا ,وهذا خير لكم عند خالقكم من الخلود البدي في النار, بع ً
ن الله عليكم بَقبول توبتكم .إنه تعالى هو التوابفامتثلتم ذلك ,فم ّ
من عباده ,الرحيم بهم.لمن تاب ِ
15
َ
خ هذ َت ْك ُ ْ
م جهْ هَرةً فَأ َ حت ّههى ن َهَرى الل ّه َ
ه َ ن ل َه َ
ك َ سى ل َ ْ
ن ن ُؤْ ِ
م َ مو َ م َيا ُ وَإ ِذ ْ قُل ْت ُ ْ
عَق ُ َ
ن )(55 م َتنظ ُُرو َ
ة وَأن ْت ُ ْ صا ِال ّ
واذكروا إذ قلتم :يا موسى لن نصدقك في أن الكلم الذي نسمعه
عَياًنا ,فنزلت نار من السماء
منك هو كلم الله ,حتى نرى الله ِ
رأيتموها بأعينكم ,فَقت َل َْتكم بسبب ذنوبكم ,و ُ
جْرأتكم على الله
تعالى.
خل ُههوا
م َرغَههدا ً َواد ْ ُ شهئ ْت ُ ْث ِ حي ْه ُ ة فَك ُُلوا ِ
من ْهَهها َ خُلوا هَذِهِ ال َْقْري َ َ
وَإ ِذ ْ قُل َْنا اد ْ ُ
ن)س هِني َ ح ِ م ْزيد ُ ال ْ ُس هن َ ِم وَ َ خ َ
طاَياك ُ ْ م َ ة ن َغِْفْر ل َك ُ ْحط ّ ٌ جدا ً وَُقوُلوا ِ س ّ
ب ُ ال َْبا َ
(58
واذكروا نعمتنا عليكم حين قلنا :ادخلوا مدينة "بيت المقدس" فكلوا
مههن طيباتههها فههي أي مكههان منههها أكل هنيًئا ,وكونههوا فههي دخههولكم
ضعْ عن ّهها ذنوبنهها ,نسههتجب لكههم خاضعين لله ,ذليلين له ,وقولوا :رّبنا َ
ونعف ونسترها عليكم ,وسنزيد المحسنين بأعمالهم خيًرا وثواًبا
َ
ن م فَأنَزل َْنها عََلهى اّله ِ
ذي َ ل ل َُهه ْذي ِقيه َ موا َقهوْل ً غَْيهَر اّله ِ
ن ظ َل َ ُ ذي َل ال ّ ِ
فَب َد ّ َ
ن )(59 سُقو َ كاُنوا ي َْف ُما َ ماِء ب ِ َ
س َ
ن ال ّ م ْجزا ً ِموا رِ ْ ظ َل َ ُ
16
دل الجائرون الضالون من بني إسرائيل قول الله ,وحّرفوا القول فب ّ
والفعل جميًعا ,إذ دخلوا يزحفون على أستاههم وقالوا :حبة في
شعرة ,واستهزءوا بدين الله .فأنزل الله عليهم عذاًبا من السماء;
بسبب تمردهم وخروجهم عن طاعة الله.
جخهرِ ْ ك يُ ْ حدٍ َفاد ْعُ ل َن َهها َرب ّه َ صب َِر عََلى ط ََعام ٍ َوا ِ ن نَ ْ سى ل َ ْ مو َ م َيا ُ وَإ ِذ ْ قُل ْت ُ ْ
ن ب َْقل ِهَهها وَقِّثائ ِهَهها َ ج ل َن َهها ِ َ ل ََنا ِ
مه ْ ض ِ ت الْر ُ مهها ت ُن ْب ِه ُ
م ّ خرِ ْ ض يُ ْ ت الْر ُ ما ت ُن ْب ِ ُ م ّ
َ وُفومها وعَدسها وبصل ِها َقا َ َ
و
ذي هُه َ ذي هُهوَ أد ْن َههى ِبال ّه ِ ن ال ّه ِ ست َب ْدُِلو َ ل أت َ ْ ِ َ َ َ ِ َ ََ َ َ َ
ّ َ ْ َ َ ً ُ
م الذ ّل ه ُ
ة ت عَلي ْهِ ه ْ ض هرِب َ ْم وَ ُ س هألت ُ ْ مهها َ م َ ن لك ُه ْ صههرا فَ هإ ِ ّ م ْ خي ْهٌر اهْب ِطههوا ِ َ
َ ن الل ّهِ ذ َل ِه َ
ت ن ِبآي َهها ِ م ك َههاُنوا ي َك ُْف هُرو َ ك ب ِهأن ّهُ ْ م ْ ب ِ ض ٍ ة وََباُءوا ب ِغَ َ سك َن َ ُ م ْ َوال ْ َ
ن )(61 دو َ كاُنوا ي َعْت َ ُ وا وَ َص ْ ما عَ َ ك بِ َ حقّ ذ َل ِ َ ن ب ِغَي ْرِ ال ْ َ ن الن ّب ِّيي َالل ّهِ وَي َْقت ُُلو َ
طرتههم واذكروا حين أنزلنا عليكم الطعام الحلو ,والطيههر الشهههي ,فب ِ
النعمة كعادتكم ,وأصههابكم الضههيق والملههل ,فقلتههم :يهها موسههى لههن
نصبر على طعام ثابت ل يتغير مع اليام ,فادع لنا ربك يخرج لنا من
ضههر ,والقثههاء والحبههوب الههتي خ َ مهها مههن البقههول وال ُ نبات الرض طعا ً
تؤكل ,والعدس ,والبصل .قال موسى -مسههتنكًرا عليهههم :-أتطلبههون
هذه الطعمة التي هي أقل قدًرا ,وتتركون هذا الههرزق النههافع الههذي
اختاره الله لكم؟ اهبطوا من هذه البادية إلهى أي مدينهة ,تجهدوا مهها
اشتهيتم كثيًرا في الحقول والسواق .ولمهها هبطههوا تههبّين لهههم أنهههم
دمون اختيههارهم -فههي كههل مههوطن -علههى اختيههار اللههه ,وي ُهؤِْثرون ي َُق ّ
ة الههذل وفقههر صهَف ُ شهواتهم على ما اختاره الله لهم; لذلك لزمتهههم ِ
النفوس ,وانصرفوا ورجعوا بغضب مههن اللههه; لعراضهههم عههن ديههن
ما وعدواًنا; الله ,ولنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين ظل ً
17
وذلك بسبب عصيانهم وتجاوزهم حدود ربهم.
ن ب ِههالل ّ ِ
ه مه َ نآ َ مه ْ
ن َ صههاب ِِئي َ
صههاَرى َوال ّدوا َوالن ّ َ ها ُ
ن َ مُنوا َوال ّ ِ
ذي َ نآ َ ذي َ ن ال ّ ِ
إِ ّ
ل صاِلحا ً فَل َه َ
م َول عن ْد َ َرب ِّههه ْ
م ِجُرهُ ْمأ ْ ُ ْ م َ َ صاِلحا ً وَعَ ِل َ م َ خرِ وَعَ َِوال ْي َوْم ِ ال ِ
ن )(62 حَزُنو َم يَ ْم َول هُ ْ ف عَل َي ْهِ ْ خو ْ ٌ
َ
دقوا بههالله ورسههله ,وعملههوا إن المؤمنين من هذه المههة ,الههذين صه ّ
بشرعه ,والذين كانوا قبل بعثة محمد صههلى اللههه عليههه وسههلم مههن
المم السالفة من اليهود ,والنصارى ,والصابئين -وهههم قههوم بههاقون
دقوا على فطرتهم ,ول دين مقرر لهم يتبعونه -هههؤلء جميعًهها إذا ص ه ّ
صهها ,وبيههوم البعههث والجههزاء ,وعملههوا عمل حا خال ً بالله تصديًقا صههحي ً
مرضًيا عند الله ,فثوابهم ثابت لهم عند ربهم ,ول خوف عليهم فيمهها
يستقبلونه من أمر الخرة ،ول هم يحزنون على ما فاتهم مههن أمههور
مهها للنههبيين الدنيا .وأما بعد بعثة محمههد صههلى اللههه عليههه وسههلم خات ً
والمرسلين إلى الناس كافة ,فل يقبل الله من أحد ديًنا غير ما جههاء
به ,وهو السلم.
مهها آت َي ْن َههاك ُ ْ
م ب ُِقهوّةٍ م الط ّههوَر ُ
خه ُ
ذوا َ م وََرفَعْن َهها فَهوْقَك ُ ْ ميث َههاقَك ُ ْ وَإ ِذ ْ أ َ َ
خذ َْنا ِ
ن )(63 م ت َت ُّقو َما ِفيهِ ل َعَل ّك ُ ْ
َواذ ْك ُُروا َ
ذنا العهههد المؤك ّههد منكههم باليمههان خ ْواذكروا -يا بني إسرائيل -حين أ َ َ
بالله وإفراده بالعبادة ,ورفعنا جبل الطور فوقكم ,وقلنا لكم :خههذوا
الكتاب الذي أعطيناكم بجدٍ واجتهههاد واحفظههوه ,وإل أطبقنهها عليكههم
الجبل ،ول تنسوا التوراة قول وعمل كي تتقوني وتخافوا عقابي.
ن
مه ْ
م ِ ه لَ ُ
كنت ُه ْ مت ُه ُ
ح َ ل الل ّهِ عَل َي ْك ُه ْ
م وََر ْ ك فَل َ ْ
ول فَ ْ
ض ُ ن ب َعْدِ ذ َل ِ َ
م ْم ِم ت َوَل ّي ْت ُ ْثُ ّ
ن )(64 ري َ ِ س
خا ِ ال ْ َ
خهذِ الميثههاق وَرفْههع الجبههل ثههم خههالفتم وعصههيتم مههرة أخههرى ,بعههد أ َ ْ
ل الله عليكم ورحمته بالتوبة ,والتجاوز عن ض ُ ما .فلول فَ ْ كشأنكم دائ ً
خطاياكم ,لصرتم من الخاسرين في الدنيا والخرة.
ن )(66 ة ل ِل ْ ُ
مت ِّقي َ عظ َ ً خل َْفَها وَ َ
مو ْ ِ ما َ
ن ي َد َي َْها وَ َ
ما ب َي ْ َ جعَل َْنا َ
ها ن َ َ
كال ً ل ِ َ فَ َ
فجعلنا هذه القرية عبرة لمن بحضرتها من القرى ,يبلغهم خبرها
ذنوب ,وجعلناها وما ح ّ
ل بها ,وعبرة لمن يعمل بعدها مثل تلك ال ّ
تذكرة للصالحين; ليعلموا أنهم على الحق ,فيثبتوا عليه.
صههْفَراءُ ه ي َُقو ُ
ل إ ِن َّها ب ََقههَرةٌ َ ما ل َوْن َُها َقا َ
ل إ ِن ّ ُ ن ل ََنا َ َقاُلوا اد ْعُ ل ََنا َرب ّ َ
ك ي ُب َي ّ ْ
ن )(69 ري َ سّر الّناظ ِ ِ َفاقِعٌ ل َوْن َُها ت َ ُ
فعادوا إلى جدالهم قائلين :ادع لنا ربك يوضههح لنهها لونههها .قههال :إنههه
من ينظر إليها. سّر َصْفرة ,ت َ ُ يقول :إنها بقرة صفراء شديدة ال ّ
19
قال بنو إسرائيل لموسى :ادع لنا ربك يوضح لنا صفات أخرى غير
ه علينا ماذا نختار؟ ما سبق; لن البقر -بهذه الصفات -كثير فا ْ
شت َب َ َ
وإننا -إن شاء الله -لمهتدون إلى البقرة المأمور بذبحها.
ثح هْر َ س هِقي ال ْ َ َ ل إ ِن ّهَهها ب ََق هَرةٌ ل ذ َل ُههو ٌ ه ي َُقههو ُ َقا َ
ض َول ت َ ْ ل ت ُِثي هُر الْر َ ل إ ِن ّ ُ
دوا مهها ك َهها ُ ها وَ َ
حو َ ت ب ِههال ْ َ
حقّ فَ هذ َب َ ُ جئ ْ َ
ن ِة ِفيهَهها قَههاُلوا ال َ شهي َ َ
ةل ِ م ٌس هل ّ َ
م َُ
ن )(71 ي َْفعَُلو َ
قال لهم موسى :إن الله يقول :إنههها بقههرة غيههر مذللههة للعمههل فههي
حراثة الرض للزراعة ,وغير معدة للسقي من الساقية ,وخالية مههن
العيوب جميعها ,وليس فيها علمة من لون غير لههون جلههدها .قههالوا:
الن جئت بحقيقة وصف البقههرة ,فاضههطروا إلههى ذبحههها بعههد طههول
ددالمراوغة ,وقد قاربوا أل يفعلوا ذلك لعنادهم .وهكذا شههددوا فش ه ّ
الله عليهم
ْ
ن )(72 م ت َك ْت ُ ُ
مو َ ما ُ
كنت ُ ْ ج َ
خرِ ٌ
م ْ م ِفيَها َوالل ّ ُ
ه ُ م ن َْفسا ً َفا ّ
داَرأت ُ ْ وَإ ِذ ْ قَت َل ْت ُ ْ
ل يدفع عن نفسه تهمةسا فتنازعتم بشأنها ,ك ّ
واذكروا إذ قتلتم نف ً
من قَْتل القتيل.
القتل ,والله مخرج ما كنتم تخفون ِ
20
ولكنكم لم تنتفعوا بذلك; إذ بعد كل هذه المعجزات الخارقة اشتدت
ن أمام اليات الباهرة
قلوبكم وغلظت ,فلم ي َن ُْفذ إليها خير ,ولم ت َل ِ ْ
ماء ,بل هيالتي أريتكموها ,حتى صارت قلوبكم مثل الحجارة الص ّ
ب منه
أشد منها غلظة; لن من الحجارة ما يتسع وينفرج حتى تنص ّ
ة ,ومن الحجارة ما يتصدع فينشق, المياه صًبا ,فتصير أنهاًرا جاري ً
فتخرج منه العيون والينابيع ,ومن الحجارة ما يسقط من أعالي
من خشية الله تعالى وتعظيمه .وما الله بغافل عما تعملون. الجبال ِ
أ َفَتط ْمعو َ
م الل ّه ِ
ه ن َ
كل َ مُعو َ
س َ
م يَ ْ
من ْهُ ْ
ريقٌ ِن فَ ِ كا َم وَقَد ْ َمُنوا ل َك ُ ْن ي ُؤْ ِ
نأ ْ َ َ ُ َ
ن )(75 مو َ َ
م ي َعْل ُ ُ
ما عََقلوهُ وَهُ ْ ن ب َعْدِ َ م ْه ِحّرُفون َ ُ ثُ ّ
م يُ َ
أيها المسلمون أنسيتم أفعال بني إسههرائيل ,فطمعههت نفوسههكم أن
دق اليهود ُ بدينكم؟ وقد كههان علمههاؤهم يسههمعون كلم اللههه مههن يص ّ
صْرِفه إلى غير معناه الصههحيح بعههد مهها عقلههوا التوراة ,ثم يحرفونه ب ِ َ
حقيقته ,أو بتحريف ألفاظه ,وهههم يعلمههون أنهههم يحرفههون كلم رب
دا وكذًبا العالمين عم ً
ض َقهاُلوا ضههُ ْ َ
م إ ِلهى َ ب َْعه ٍ خل ب َعْ ُذا َ مّنها وَإ ِ َ مُنوا َقهاُلوا آ َ نآ َ ذا ل َُقوا ال ّ ِ
ذي َ وَإ ِ َ
َ
ن) م أَفل ت َعِْقُلو َ
عن ْد َ َرب ّك ُ ْ جوك ُ ْ
م ب ِهِ ِ حا ّ م ل ِي ُ َه عَل َي ْك ُ ْ
ح الل ّ ُما فَت َ َم بِ َحد ُّثون َهُ ْ أت ُ َ
(76
هؤلء اليهود إذا لقوا الذين آمنوا قالوا بلسانهم :آمّنا بدينكم
شر به في التوراة ,وإذا خل بعض هؤلء المنافقين ورسولكم المب ّ
دثون المؤمنين بما بّين الله من اليهود إلى بعض قالوا في إنكار :أتح ّ
لكم في التوراة من أمر محمد; لتكون لهم الحجة عليكم عند ربكم
يوم القيامة؟ أفل تفقهون فتحذروا؟
َ ومنه ُ
م إ ِل ّ ي َظ ُّنو َ
ن )(78 ن هُ ْ
ي وَإ ِ ْ
مان ِ ّ ن ال ْك َِتا َ
ب إ ِل ّ أ َ ن ل ي َعْل َ ُ
مو َ مّيو َ
مأ َّ ِ ُْ ْ
21
ومن اليهود جماعة يجهلون القراءة والكتابة ,ول يعلمون التوراة
وما فيها من صفات نبي الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم,
ب وظنون فاسدة. وما عندهم من ذلك إل أكاذي ُ
َ
عن ْهدِ الل ّه ِ
ه ن ِ مه ْذا ِ م ي َُقول ُههو َ
ن هَ ه َ م ثُ ّ
ديهِ ْ
ب ب ِأي ْ ِن ال ْك َِتا َ
ن ي َك ْت ُُبو َ ذي َل ل ِل ّ ِ
فَوَي ْ ٌ
َ
مهها
م ّ
م ِ ل ل َهُه ْ
م وَوَي ْه ٌديهِ ْ مهها ك َت َب َه ْ
ت أي ْه ِ م ّ
م ِ ل ل َهُ ْ
منا ً قَِليل ً فَوَي ْ ٌ شت َُروا ب ِهِ ث َ َ ل ِي َ ْ
ن )(79 سُبو َ ي َك ْ ِ
فهلك ووعيد شديد لحبار السوء من اليهود الذين يكتبون الكتاب
بأيديهم ,ثم يقولون :هذا من عند الله وهو مخالف لما أنزل الله
على نبّيه موسى عليه الصلة والسلم; ليأخذوا في مقابل هذا
عرض الدنيا .فلهم عقوبة مهلكة بسبب كتابتهم هذا الباطل بأيديهم,
ولهم عقوبة مهلكة بسبب ما يأخذونه في المقابل من المال
الحرام ,كالرشوة وغيرها.
خرجههو َ وَإ ِذ ْ أ َ َ
ن
مه ْ س هك ُ ْ
م ِ ن أنُف َ
َ مههاَءك ُ ْ
م َول ت ُ ْ ِ ُ ن دِ َ
كو َ س هِف ُ
ل تَ ْ ميَثاقَك ُ ْ
م خذ َْنا ِ
َ ديارك ُم ث ُ َ
ن )(84 دو َشه َ ُم تَ ْوَأن ْت ُ ْ مم أقَْرْرت ُ َِْ ِ ْ ّ
دا في
دا مؤك ً
ذنا عليكم عه ً واذكروا -يا بني إسرائيل -حين أ َ َ
خ ْ
ضا من
التوراة :يحرم سفك بعضكم دم بعض ,وإخراج بعضكم بع ً
دياركم ,ثم اعترفتم بذلك ,وأنتم تشهدون على صحته.
23
ذل وفضيحة في الدنيا .ويوم القيامةمن يفعل ذلك منكم إل ُ جزاء َ
دهم الله إلى أفظع العذاب في النار .وما الله بغافل عما
ير ّ
تعملون.
ب م ال ْعَه َ
ذا ُ ف عَن ْهُه ْ خَرةِ َفل ي ُ َ
خّفه ُ شت ََرْوا ال ْ َ
حَياةَ الد ّن َْيا ِبال ِ نا ْ ك ال ّ ِ
ذي َ أ ُوْل َئ ِ َ
ن )(86 صُرو َ
م ُين َ َول هُ ْ
أولئك هم الذين آثروا الحياة الدنيا على الخرة ,فل يخفف عنهم
من عذاب الله.
العذاب ,وليس لهم ناصر ينصرهم ِ
ن
سى اب ْ َ عي َل َوآت َي َْنا ِ س ِن ب َعْدِهِ ِبالّر ُ م ْ ب وَقَّفي َْنا ِ سى ال ْك َِتا َ مو َ وَل ََقد ْ آت َي َْنا ُ
َ َ
مهها ل ل بِ َسههو ٌ
م َر ُ جههاَءك ُ ْمهها َ س أفَك ُل ّ َ ح الُق هد ُ ِ
ْ
ت وَأي ّهد َْناهُ ب ِهُرو ِ م ال ْب َي َّنا ِ
مْري َ ََ
َ
ن )(87 ريقا ً ت َْقت ُُلو َم وَفَ ِ ريقا ً ك َذ ّب ْت ُ ْم فََف ِست َك ْب َْرت ُ ْ
ما ْ سك ُ ْ وى أنُف ُ ت َهْ َ
ولقد أعطينا موسى التوراة ,وأتبعناه برسل من بني إسرائيل,
ويناه بجبريل
وأعطينا عيسى ابن مريم المعجزات الواضحات ,وق ّ
عليه السلم .أفكلما جاءكم رسول بوحي من عند الله ل يوافق
أهواءكم ,استعليتم عليه ,فك ّ
ذبتم فريًقا وتقتلون فريًقا؟
ن )(88 م فََقِليل ً َ
ما ي ُؤْ ِ
مُنو َ م الل ّ ُ
ه ب ِك ُْفرِهِ ْ ل ل َعَن َهُ ْ وََقاُلوا قُُلوب َُنا غُل ْ ٌ
ف بَ ْ
وقال بنو إسرائيل لنبي الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم:
وا ,بلقلوبنا مغطاة ,ل ي َن ُْفذ إليها قولك .وليس المر كما اد ّعَ ْ
قلوبهم ملعونة ,مطبوع عليها ,وهم مطرودون من رحمة الله
بسبب جحودهم ,فل يؤمنون إل إيماًنا قليل ل ينفعهم.
مهها ُأنهزِ َ
ل عَل َي ْن َهها ن بِ َ
م ُه قَههاُلوا ن ُهؤْ ِ ل الل ّه ُمهها َأنهَز َ من ُههوا ب ِ َ
مآ ِ ل ل َهُه ْ
ذا ِقيه َ وَإ ِ َ
م ت َْقت ُل ُههو َ
ن ل فَل ِه َ
م قُ ه ْمعَهُه ْ مهها َدقا ً ل ِ َص ّ م َ حقّ ُ ما وََراَءهُ وَهُوَ ال ْ َ ن بِ َوَي َك ُْفُرو َ
َ
ن )(91 مِني َمؤ ْ ِ
م ُ كنت ُ ْن ُ ل إِ ْ ن قَب ْ ُ
م ْ أن ْب َِياَء الل ّهِ ِ
دقوا بما أنزل الله من القرآن,
وإذا قال بعض المسلمين لليهود :ص ّ
دق بما أنزل الله على أنبيائنا ,ويجحدون ما أنزل الله قالوا :نحن نص ّ
بعد ذلك ,وهو الحق مصدًقا لما معهم .فلو كانوا يؤمنون بكتبهم حًقا
دقها .قل لهم -يا محمد :-إن كنتم مؤمنين لمنوا بالقرآن الذي ص ّ
من قبل؟ بما أنزل الله عليكم ,فلماذا قتلتم أنبياء الله ِ
َ
م
ن ب َعْهدِهِ وَأن ْت ُه ْ
مه ْ
ل ِ م ال ْعِ ْ
جه َ خهذ ْت ُ ْ
م ات ّ َ سى ِبال ْب َي ّن َهها ِ
ت ث ُه ّ مو َ جاَءك ُ ْ
م ُ وَل ََقد ْ َ
ن )(92 مو َ َ
ظال ِ ُ
ولقد جاءكم نبي الله موسى بالمعجزات الواضحات الدالة على
مل والضفادع ,وغير ذلك مما ذكره صدقه ,كالطوفان والجراد والُق ّ
دا ,بعد ذهاب
الله في القرآن العظيم ,ومع ذلك اتخذتم العجل معبو ً
موسى إلى ميقات ربه ,وأنتم متجاوزون حدود الله.
25
م ب ُِقهوّةٍمهها آت َي ْن َههاك ُ ْذوا َ خه ُ م الط ّههوَر ُ م وََرفَعْن َهها فَهوْقَك ُ ْ ميث َههاقَك ُ ْ خذ َْنا ِوَإ ِذ ْ أ َ َ
مل ب ِك ُْفرِهِ ه ْ
جه َ م ال ْعِ ْ
شرُِبوا ِفي قُُلوب ِهِ ْ صي َْنا وَأ ُ ْ
معَْنا وَعَ َ س ِ مُعوا َقاُلوا َ س َ َوا ْ
ن ُ ْ
ن )(93 مؤ ْ ِ
مِني َ م ُ
كنت ُ ْ م إِ ْمان ُك ُ ْ
م ب ِهِ ِإي َ مُرك ُ ْما ي َأ ُ
س َ ل ب ِئ ْ َ قُ ْ
دا بَقبول ما جاءكم به موسىدا مؤك ً
ذنا عليكم عه ً واذكروا حين أ َ َ
خ ْ
من التوراة ,فنقضتم العهد ,فرفعنا جبل الطور فوق رؤوسكم,
د ,واسمعوا وأطيعوا ,وإل أسقطنا وقلنا لكم :خذوا ما آتيناكم بج ّ
الجبل عليكم ,فقلتم :سمعنا قولك وعصينا أمرك; لن عبادة العجل
قد امتزجت بقلوبكم بسبب تماديكم في الكفر .قل لهم -أيها
ح ما يأمركم به إيمانكم من الكفر والضلل ,إن كنتم الرسول :-قَب ُ َ
دقين بما أنزل الله عليكم. مص ّ
س
ن الن ّهها ِ
دو ِ
ن ُ
مه ْ
ة ِ
صه ً عن ْهد َ الل ّههِ َ
خال ِ َ خهَرةُ ِداُر ال ِ
م ال ّ ت ل َك ُ ْ ن َ
كان َ ْ ل إِ ْ قُ ْ
ن )(94 صادِِقي َ
م َ ن ُ
كنت ُ ْ ت إِ ْ مو ْ َوا ال ْ َمن ّ ْفَت َ َ
دعون أن الجنة خاصة بهم; قل -أيها الرسول -لليهود الذين ي ّ
لزعمهم أنهم أولياء الله من دون الناس ,وأنهم أبناؤه وأحباؤه :إن
عوا على الكاذبين منكم أو من غيركم بالموت, كان المر كذلك فاد ْ ُ
إن كنتم صادقين في دعواكم هذه.
26
الحياة على رغبات المشركين .يتمنى اليهودي أن يعيش ألف سههنة,
ول ي ُْبعده هذا العمر الطويل إن حصل من عذاب الله .واللههه تعههالى
ل يخفى عليه شيء من أعمالهم وسههيجازيهم عليههها بمهها يسهتحقون
من العذاب.
دقا ً
صه ّ ن الل ّههِ ُ
م َ ه عََلى قَل ْب ِ َ
ك ب ِهإ ِذ ْ ِ ه ن َّزل َ ُ
ل فَإ ِن ّ ُ
ري َ ن عَد ُوّا ً ل ِ ِ
جب ْ ِ كا َ ن َ م ْل َ قُ ْ
ن )(97 مِني َ مؤ ْ ِشَرى ل ِل ْ ُ دى وَب ُ ْ ن ي َد َي ْهِ وَهُ ً
ما ب َي ْ َ
لِ َ
قل-أيها الرسول -لليهود حين قالوا :إن جبريل هو عدونا من
الملئكة :من كان عدًوا لجبريل فإنه نّزل القرآن على قلبك بإذن
الله تعالى مصد ًّقا لما سبقه من كتب الله ,وهادًيا إلى الحق,
دقين به بكل خير في الدنيا والخرة. ومبشًرا للمص ّ
ن الل ّه َ
ه عَهد ُّو ل ف َ هإ ِ ّ مي َ
كا َ ري َ
ل وَ ِ جب ْ ِ
سل ِهِ وَ ِ ن عَد ُوّا ً ل ِل ّهِ وَ َ
ملئ ِك َت ِهِ وَُر ُ ن َ
كا َ م َْ
ن )(98 ري َ ل ِل ْ َ
كافِ ِ
من عادى الله وملئكته ،ورسله من الملئكة أو البشر ،وبخاصة
ل؛ لن اليهود زعموا أن جبريل عدوهم، ل وميكا ُمَلكان جبري ُ
ال َ
دا منهما فقد عادى
وميكال ولّيهم ،فأعلمهم الله أنه من عادى واح ً
ضا ،فإن الله عدو للجاحدين ما أنزل علىالخر ،وعادى الله أي ً
رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
ن ما ُ س هل َي ْ َ
مهها ك ََفهَر ُ ن وَ َ ما َ سهل َي ْ َ
ك ُ مل ْه ِ ن عَل َههى ُ طي ُ شهَيا ِ ما ت َت ُْلو ال ّ َوات ّب َُعوا َ
ل عَل َههى ُ
مهها أن هزِ َ حَر وَ َ سه ْ س ال ّ ن الن ّهها َ مههو َ ن ك ََف هُروا ي ُعَل ّ ُ طي َ ش هَيا ِ ن ال ّ وَل َك ِه ّ
هاروت وماروت وما يعل ّمان م َ ال ْ َ َ
مهها حّتى ي َُقههول إ ِن ّ َ حدٍ َ نأ َ ل َ ُ َ َ َ ُ َ َ َ َُ َ ِ ِ ْ ن ب َِباب ِ َ ملك َي ْ ِ
ه
ج ِ مْرءِ وََزوْ ِ ن ال ْ َن ب ِهِ ب َي ْ َ ما ي َُفّرُقو َ ما َ من ْهُ َ ن ِ مو َ ة َفل ت َك ُْفْر فَي َت َعَل ّ ُ ن فِت ْن َ ٌ ح ُ نَ ْ
وما هُم بضارين به م َ
م َول ض هّرهُ ْمهها ي َ ُ ن َ مههو َ ن الل ّههِ وَي َت َعَل ّ ُ حدٍ إ ِل ّ ب ِإ ِذ ْ ِ نأ َ ْ ِ َ ّ َ ِ ِ ِ ْ َ َ
سق وَل َب ِئ ْ َ خل ٍ ن َ مهه ْ خَرةِ ِ ه ِفي ال ِ ما ل َ ُ شت ََراهُ َ نا ْ م ْ موا ل َ َ م وَل ََقد ْ عَل ِ ُ َينَفعُهُ ْ
َ
ن )(102 مو َ كاُنوا ي َعْل َ ُ م ل َوْ َ سه ُ ْ شَرْوا ب ِهِ أنُف َ ما َ َ
ن به السحرةَ على عهد ملك سليمان دث الشياطي ُ ح ّ واتبع اليهود ما ت ُ َ
ن الشههياطين هههم سههحر ,ولك ه ّ بن داود .وما كفر سليمان وما ت َعَّلم ال ّ
دا لدينهم .وكذلك الذين كفروا بالله حين عّلموا الناس السحر; إفسا ً
كين هاروت وماروت ,بههأرض سحر الذي ُأنزل على المل َ َ اتبع اليهود ال ّ
"بابل" فههي "العههراق"; امتحان ًهها وابتلء مههن اللههه لعبههاده ,ومهها يعل ّههم
ذراه من تعلم السحر ,ويقول لههه: الملكان من أحد حتى ينصحاه ويح ّ
سحر وطاعة الشياطين .فيتعلم الناس من الملكيههن ل تكفر بتعلم ال ّ
دثون بههه الكراهيههة بيههن الزوجيههن حههتى يتفرقهها .ول يسههتطيع حه ِ ما ي ُ ْ
دا إل بإذن الله وقضائه .وما يتعلم السحرة السحرة أن يضروا به أح ً
إل شًرا يضرهم ول ينفعهم ,وقد نقلته الشياطين إلى اليهود ,فشههاع
ضلوه على كتاب الله .ولقد علههم اليهههود أن مههن اختههار فيهم حتى ف ّ
سحر وترك الحق ما له في الخرة من نصيب في الخيههر .ولههبئس ال ّ
ضا عههن اليمههان ومتابعههة ما باعوا به أنفسهم من السحر والكفر عو ً
عظوا. م يثمر العمل بما وُ ِ عل ْ ٌ الرسول ,لو كان لهم ِ
َ
ن) خي ْهٌر ل َهوْ ك َههاُنوا ي َعْل َ ُ
مههو َ عن ْدِ الل ّهِ َ
ن ِ
م ْ
ة ِ وا ل َ َ
مُثوب َ ٌ مُنوا َوات َّق ْ وَل َوْ أن ّهُ ْ
مآ َ
(103
28
ولو أن اليهود آمنوا وخافوا الله ليقنوا أن ثواب الله خير لهم من
سحر ومما اكتسبوه به ,لو كانوا يعلمون ما يحصل باليمان ال ّ
والتقوى من الثواب والجزاء علما حقيقيا لمنوا.
َ
مُعوا عَنهها وَُقوُلههوا انظ ُْرَنهها َوا ْ
سهه َ مُنههوا ل ت َُقوُلههوا َرا ِ
نآ َ َيهها أي َّههها اّلهه ِ
ذي َ
م )(104 َ ن عَ َ وَل ِل ْ َ
ب أِلي ٌ
ذا ٌ ري َكافِ ِ
يا أيها الذين آمنوا ل تقولوا للرسول محمد صلى الله عليه وسلم:
راعنا ,أي :راعنا سمعك ،فافهم عنا وأفهمنا; لن اليهود كانوا
يقولونها للنبي صلى الله عليه وسلم يلوون ألسنتهم بها ,يقصدون
سّبه ونسبته إلى الرعونة ,وقولوا -أيها المؤمنون -بدل منها :انظرنا,
دنا ,وهي تؤدي المعنى المطلوب نفسه واسمعوا أي انظر إلينا وتعهّ ْ
ما يتلى عليكم من كتاب ربكم وافهموه .وللجاحدين عذاب موجع.
َ أ َل َم تعل َ َ
ن الّلهه ِ
ه دو ِ
ن ُ
م ْ ما ل َك ُ ْ
م ِ ض وَ َ
ت َوالْر ِ
وا ِ
م َ
س َ مل ْ ُ
ك ال ّ ه لَ ُ
ه ُ ن الل ّ َمأ ّ ْ َْ ْ
صيرٍ )(107 ي َول ن َ ِن وَل ِ ّ
م ْ
ِ
29
ت -أيها النبي -أنت وأمتك أن الله تعالى هو المالك
أما علم َ
المتصرف في السموات والرض؟ يفعل ما يشاء ,ويحكم ما يريد,
ويأمر عباده وينهاهم كيفما شاء ,وعليهم الطاعة والَقبول .وليعلم
ي يتولهم ,ول نصير من عصى أن ليس لحد من دون الله من ول ّ
يمنعهم من عذاب الله.
أ َم تريدون أ َن ت َ
ن
مه ْ ن قَب ْه ُ
ل وَ َ مه ْ
سههى ِ
مو َ
ل ُ س هئ ِ َ
مهها ُ سول َك ُ ْ
م كَ َ سأُلوا َر ُ
ْ ُ ِ ُ َ ْ َ ْ
ل )(108 سِبي ِ واَء ال ّ
س َ
ل َ ض ّ ن فََقد ْ َ
ما ِ ل ال ْك ُْفَر ِبا ِ
لي َ ي َت َب َد ّ ْ
بل أتريدون -أيها الناس -أن تطلبوا من رسولكم محمد صلى الله
عليه وسلم أشياء بقصد العناد والمكابرة ,كما ط ُل ِ َ
ب مثل ذلك من
موسى .علموا أن من يختر الكفر ويترك اليمان فقد خرج عن
ضلل.صراط الله المستقيم إلى الجهل وال ّ
30
هودا ً أ َو نصارى ت ِل ْ َ َ
م ُقهه ْ
ل مان ِي ّهُ ْ
كأ َ ْ َ َ َ ن ُ ن َ
كا َ م ْة إ ِل ّ َ
جن ّ َل ال ْ َخ َن ي َد ْ ُوََقاُلوا ل َ ْ
ن )(111 صادِِقي َم َ ن ُ
كنت ُ ْ م إِ ْهان َك ُ ْهاُتوا ب ُْر َ
َ
اّدعى ك ّ
ل من اليهود والنصارى أن الجنة خاصة بطائفته ل يدخلها
غيرهم ,تلك أوهامهم الفاسدة .قل لهم -أيها الرسول :-أحضروا
دعون إن كنتم صادقين في دعواكم. دليلكم على صحة ما ت ّ
ف
خهوْ ٌ
عْنهد َ َرّبههِ َول َ
جُرهُ ِ بَلى من أ َسل َم وجهه ل ِل ّه وهُو محسن فَل َ َ
هأ ُْ ِ َ َ ُ ْ ِ ٌ َ ْ ْ َ َ ْ َ ُ َ
ن )(112 حَزُنو َم يَ ْ عَل َي ْهِ ْ
م َول هُ ْ
ن الجنة تختص بطائفة دون غيرها ,وإنما
ليس المر كما زعموا أ ّ
من أخلص لله وحده ل شريك له ,وهو متبع للرسول يدخل الجّنة َ
محمد صلى الله عليه وسلم في كل أقواله وأعماله .فمن فعل
ذلك فله ثواب عمله عند ربه في الخرة ,وهو دخول الجنة ,وهم ل
يخافون فيما يستقبلونه من أمر الخرة ,ول هم يحزنون على ما
فاتهم من حظوظ الدنيا.
َ وم َ
س هَعى فِههي ه وَ َ
م ُ
سه ُ جد َ الل ّهِ أ ْ
ن ي ُذ ْك ََر ِفيَها ا ْ سا ِم َمن َعَ َ ن َم ْ
م ّم ِ ن أظ ْل َ َُ َ ْ
ي َ ها إ ِل ّ َ ُ َ َ ما َ َ ُ
خَراب َِها أوْلئ ِ َ
خْز ٌم ِفي الد ّن َْيا ِ ن له ُ ْ
خائ ِِفي َ خلو َ ن ي َد ْ ُ
مأ ْ ن له ُ ْكا َ ك َ َ
م )(114 ظي ٌب عَ ِ ذا ٌخَرةِ عَ َ م ِفي ال ِ وَل َهُ ْ
31
ل أحد أظلم من الذين منعوا ذِك َْر الله في المساجد من إقام
دوا في تخريبها بالهدم أو
الصلة ,وتلوة القرآن ,ونحو ذلك ,وج ّ
الغلق ,أو بمنع المؤمنين منها .أولئك الظالمون ما كان ينبغي لهم
أن يدخلوا المساجد إل على خوف ووجل من العقوبة ,لهم بذلك
صغار وفضيحة في الدنيا ,ولهم في الخرة عذاب شديد. َ
َ
ع
سه ٌ ن الل ّه َ
ه َوا ِ ه الل ّههِ إ ِ ّ
جه ُ ما ت ُوَّلوا فَث َ ّ
م وَ ْ ب فَأي ْن َ َ شرِقُ َوال ْ َ
مغْرِ ُ وَل ِل ّهِ ال ْ َ
م ْ
م )(115 عَِلي ٌ
ولله جهتا شروق الشمس وغروبههها ومهها بينهمهها ,فهههو مالههك الرض
كلها .فأي جهة توجهتم إليها في الصلة بأمر الله لكم فإنكم مبتغون
وجهه ,لم تخرجوا عن ملكه وطاعته .إن الله واسع الرحمة بعبههاده,
عليم بأفعالهم ,ل يغيب عنه منها شيء
ْ
ن ل ال ّ ه ِ
ذي َ ه أ َوْ ت َأِتيَنا آي َ ٌ
ة ك َذ َل ِ َ
ك َقا َ مَنا الل ّ ُ
ول ي ُك َل ّ ُن لَ ْ
مو َ ن ل ي َعْل َ ُ ذي َل ال ّ ِ وََقا َ
ن)ت ل َِقوْم ٍ ُيوقُِنو َ م قَد ْ ب َي ّّنا الَيا ِ ت قُُلوب ُهُ ْ شاب َهَ ْم تَ َل قَوْل ِهِ ْ مث ْ َ ن قَب ْل ِهِ ْ
م ِ م ِْ
(118
وقال الجهلة من أهل الكتاب وغيرهم لنبي الله ورسوله محمد
صلى الله عليه وسلم على سبيل العناد :هل يكلمنا الله مباشرة
ليخبرنا أنك رسوله ,أو تأتينا معجزة من الله تدل على صدقك.
ومثل هذا القول قالته المم من قب ُ
ل لرسلها عناًدا ومكابرة; بسبب
32
ضلل ,قد أوضحنا تشابه قلوب السابقين واللحقين في الكفر وال ّ
ما؛ لكونهم مؤمنين بالله تعالى،
دقون تصديًقا جاز ًاليات للذين يص ّ
مّتبعين ما شرعه لهم.
حي هم ِ ) ب ال ْ َ
ج ِ حا ِ
صه َ
نأ ْْ سأ َ ُ
ل عَ ه َ
ذيرا ً َول ت ُ ْ
شيرا ً وَن َ ِ ك ِبال ْ َ
حقّ ب َ ِ سل َْنا َ َ
إ ِّنا أْر َ
(119
إنا أرسلناك -أيها الرسول -بالدين الحق المؤيد بالحجج والمعجزات,
فبّلغه للناس مع تبشير المؤمنين بخيري الدنيا والخرة ,وتخويف
المعاندين بما ينتظرهم من عذاب الله ,ولست -بعد البلغ -مسئول
من كفر بك; فإنهم يدخلون النار يوم القيامة ،ول يخرجون
عن كفر َ
منها.
دى ن هُ ه َ
ل إِ ّ مل ّت َهُه ْ
م قُ ه ْ حّتى ت َت ّب ِعَ ِ صاَرى َ ك ال ْي َُهود ُ َول الن ّ َ ضى عَن ْ َ ن ت َْر َ وَل َ ْ
َ
ن ال ْعِل ْهم ِ َ
مهها مه ْك ِجههاَء َ ذي َ م ب َعْد َ ال ّ ِ
واَءهُ ْت أه ْ َ ن ات ّب َعْ َدى وَل َئ ِ ْ الل ّهِ هُوَ ال ْهُ َ
صيرٍ )(120 ي َول ن َ ِ ن وَل ِ ّ م ْن الل ّهِ ِ م ْك ِ لَ َ
ن ي َك ُْف هْر
م ْ
ن ب ِهِ وَ َ
مُنو َ حقّ ِتلوَت ِهِ أ ُوْل َئ ِ َ
ك ي ُؤْ ِ ب ي َت ُْلون َ ُ
ه َ م ال ْك َِتا َن آت َي َْناهُ ْ ال ّ ِ
ذي ُ َ
ن )(121 سُرو َ خا ِ م ال ْ َك هُ ْب ِهِ فَأوْل َئ ِ َ
الذين أعطينههاهم الكتههاب مههن اليهههود والنصههارى ,يقرؤونههه القههراءة
الصحيحة ,ويتبعونه حق التباع ,ويؤمنون بما جههاء فيههه مههن اليمههان
برسل الله ,ومنهم خههاتمهم نبينهها ورسههولنا محمههد صههلى اللههه عليههه
دلون ما جاء فيه .هؤلء هم الذين يؤمنههون وسلم ,ول يحرفون ول يب ّ
بالنبي محمد صلى الله عليههه وسههلم وبمهها أنههزل عليههه ,وأمهها الههذين
دلوا بعض الكتاب وكتموا بعضه ,فهؤلء كفار بنبي الله محمد صلى ب ّ
الله عليه وسلم وبما أنزل عليههه ,ومههن يكفههر بههه فههأولئك هههم أشههد
الناس خسراًنا عند الله
33
َ َ
ضهل ْت ُك ُ ْ
م م وَأن ّههي فَ ّ ت عَل َي ْ ُ
كه ْ مِتي ال ّت ِههي أن ْعَ ْ
مه ُ ل اذ ْك ُُروا ن ِعْ َ
سَراِئي ََيا ب َِني إ ِ ْ
ن )(122 مي َ عََلى ال َْعال َ ِ
يا ذرية يعقوب اذكروا نعمي الكثيرة عليكم ,وأني فَ ّ
ضلتكم على
عاَلمي زمانكم بكثرة أنبيائكم ,وما ُأنزل عليهم من الكتب.
ماما ً َ عل ُ َ َ وإذ ْ ابتَلى إبراهيم ربه بك َلمات فَأ َ
س إِ َ
ِ نا
ّ لل
ِ ك ِ جا
َ ني
ّ ِ إ ل قا ن
ّ ُ ه م
ّ َ ت َِْ ِ َ َ ّ ُ ِ ِ َ ٍ َِ َْ
ن )(124 مي َ دي ال ّ
ظال ِ ِ ل عَهْ ِ ن ذ ُّري ِّتي َقا َ
ل ل ي ََنا ُ م ْ َقا َ
ل وَ ِ
واذكر-أيها النبي -حين اختبر الله إبراهيم بما شرع له من تكاليف,
داها وقام بها خير قيام .قال الله له :إني جاعلك قدوة للناس.فأ ّ
ب اجعل بعض نسلي أئمة فضل منك ,فأجابه الله قال إبراهيم :ر ّ
ة في الدين.
سبحانه أنه ل تحصل للظالمين المام ُ
34
َ
تمهَرا ِ ن الث ّ َمه ْ ه ِ منا ً َواْرُزقْ أهْل َه ُ
ذا ب ََلدا ً آ ِ
ل هَ َ جع َ ْبا ْ م َر ّ هي ُ وَإ ِذ ْ َقا َ
ل إ ِب َْرا ِ
ُ
ه قَِليل ً ث ُه ّ
م مت ّعُ ُن ك ََف هَر فَ هأ َ
مه ْ ل وَ َخ هرِ قَهها َ م ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ ال ِمن ْهُ ْن ِ م َ
نآ َ م ْ َ
َ
صيُر )(126 م ِ س ال ْ َ ب الّنارِ وَب ِئ ْ َ ذا ِضط َّرهُ إ َِلى عَ َ أ ْ
دا
ب اجعل "مكة" بل ًواذكر -أيها النبي -حين قال إبراهيم داعًيا :ر ّ
ص بهذا الرزقخ ّ
آمًنا من الخوف ,وارزق أهله من أنواع الثمرات ,و ُ
من آمن منهم بالله واليوم الخر .قال الله :ومن كفر منهم فأرزقه َ
ُ ُ
ما إلى عذاب النار .وبئسعا قليل ثم ألجُئه مرغ ً
في الدنيا وأمتعه متا ً
المرجع والمقام هذا المصير.
من ّهها إ ِن ّه َ
ك ل َرب َّنا ت ََقب ّه ْ
ل ِ عي ُ
ما ِ
س َ ن ال ْب َي ْ ِ
ت وَإ ِ ْ م ْ
عد َ ِ م ال َْق َ
وا ِ هي ُوَإ ِذ ْ ي َْرفَعُ إ ِب َْرا ِ
َ
م )(127 ميعُ ال ْعَِلي ُ س ِت ال ّ أن ْ َ
واذكر -أيها النبي -حين رفع إبراهيم وإسماعيل أسس الكعبة ,وهما
يدعوان الله في خشوع :ربنا تقبل مّنا صالح أعمالنا ودعاءنا ,إنك
أنت السميع لقوال عبادك ,العليم بأحوالهم.
ة لَ َ َ ُ ن لَ َ
س هك ََنا
مَنا ِ
ك وَأرَِنا َ م ً
سل ِ َ
م ْ
ة ُ ن ذ ُّري ّت َِنا أ ّ
م ً م ْ
ك وَ ِ مي ْ ِ
سل ِ َ
م ْجعَل َْنا ُ
َرب َّنا َوا ْ
م )(128 وتب عَل َينا إن َ َ
حي ُ ب الّر ِوا ُ
ت الت ّ ّ ك أن ْ َ َْ ِّ َُ ْ
ربنا واجعلنا ثابت َْين على السلم ,منقاد َْين لحكامك ,واجعل من
صْرنا بمعالم عبادتنا لك ,وتجاوز
ذريتنا أمة منقادة لك ,باليمان ,وب ّ
عن ذنوبنا .إنك أنت كثير التوبة والرحمة لعبادك.
م ال ْك ِت َهها َ
ب ك وَي ُعَل ّ ُ
مه ُ ه ْ م ي َت ْل ُههو عَل َي ْهِ ه ْ
م آَيات ِه َ من ْهُ ْسول ً ِم َر ُ ث ِفيهِ ْ َرب َّنا َواب ْعَ ْ
َ
م )(129 كي ُ ح ِ زيُز ال ْ َ ت ال ْعَ ِ م إ ِن ّ َ
ك أن ْ َ ة وَي َُز ّ
كيهِ ْ م َ َوال ْ ِ
حك ْ َ
ربنا وابعث في هذه المة رسول من ذرية إسماعيل يتلو عليهم
آياتك ويعلمهم القرآن والسنة ,ويطهرهم من الشرك وسوء
الخلق .إنك أنت العزيز الذي ل يمتنع عليه شيء ,الحكيم الذي
يضع الشياء في مواضعها.
35
صهط ََفي َْناهُ
ه وَل ََقهد ْ ا ْ
سه ُ
ه ن َْف َ
سهِف َن َ م إ ِل ّ َ
مه ْ هي َ مل ّةِ إ ِب َْرا ِ
ن ِ
ب عَ ْ ن ي َْرغَ ُ م ْ
وَ َ
ن )(130 حي َصال ِ ِ
ن ال ّ م ْخَرةِ ل َ ِ ه ِفي ال ِ ِفي الد ّن َْيا وَإ ِن ّ ُ
ول أحد ُيعرض عن دين إبراهيم -وهو السلم -إل سفيه جاهل ,ولقد
اخترنا إبراهيم في الدنيا نبّيا ورسول وإنه في الخرة لمن الصالحين
الذين لهم أعلى الدرجات.
ن
دي َ صط ََفى ل َك ُ ْ
م ال ه ّ ن الل ّ َ
ها ْ ي إِ ّ
ب َيا ب َن ِ ّ
م ب َِنيهِ وَي َعُْقو ُ
هي ُ صى ب َِها إ ِب َْرا ِ وَوَ ّ
َ
ن )(132 مو َ سل ِ ُ
م ْ م ُن إ ِل ّ وَأن ْت ُ ْ َفل ت َ ُ
موت ُ ّ
ب أبناءهما على الثبات على السلم قائل َْين :يا
م ويعقو ُث إبراهي ُ
وح ّ
أبناءنا إن الله اختار لكم هذا الدين -وهو دين السلم الذي جاء به
محمد صلى الله عليه وسلم -فل تفارقوه أيام حياتكم ,ول يأتكم
الموت إل وأنتم عليه.
َ
ن مهه ْن ِ دو َما ت َعْب ُ ُ ت إ ِذ ْ َقا َ
ل ل ِب َِنيهِ َ مو ْ ُب ال ْ َ ضَر ي َعُْقو َ ح َ داَء إ ِذ ْ َ شهَ َ م ُ م ُ
كنت ُ ْ أ ْ
حقَ إ َِله ها ًسه َ ل وَإ ِ ْعي َ
ما ِ سه َم وَإ ِ ْهي ه َ
ك إ ِب َْرا ِ ك وَإ ِل َ َ
ه آَبائ ِ َ دي َقاُلوا ن َعْب ُد ُ إ ِل َهَ َ ب َعْ ِ
ن )(133 مو َ سل ِ ُ
م ْ ه ُ ن لَ ُ حدا ً وَن َ ْ
ح ُ َوا ِ
ب ,إذ جمع أبناءه
ت يعقو َ
أكنتم أيها اليهود حاضرين حين جاء المو ُ
وسألهم ما تعبدون من بعد موتي؟ قالوا :نعبد إلهك وإله آبائك
دا ,ونحن له منقادون
إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلًها واح ً
خاضعون.
َ ت ِل ْ َ ُ
مهها سهأُلو َ
ن عَ ّ م َول ت ُ ْ مهها ك َ َ
سهب ْت ُ ْ ت وَل َك ُ ْ
م َ سب َ ْ ت ل ََها َ
ما ك َ َ خل َ ْ
ة قَد ْ َم ٌ
كأ ّ
ن )(134 مُلو َكاُنوا ي َعْ َ َ
36
مالكم ,ول ُ
ت ,لهم أعمالهم ,ولكم أع َ ض ْ مة من أسلفكم قد م َتلك أ ّ
ل سيجازى سألون عن أعمالكم ,وك ّ سألون عن أعمالهم ,وهم ل ي ُ ْتُ ْ
دا إل إيماُنه وتقواه.
بما فعله ,ل يؤاخذ أحد بذنب أحد ,ول ينفعُ أح ً
َ
حِنيف ها ً وَ َ
مهها م َ
هي ه َ مل ّ َ
ة إ ِب َْرا ِ ل ِ دوا قُ ْ
ل بَ ْ هودا ً أوْ ن َ َ
صاَرى ت َهْت َ ُ كوُنوا ُ وََقاُلوا ُ
ن )(135 كي َشرِ ِ ن ال ْ ُ
م ْ م ْ
ن ِ
كا ََ
مة محمد صلى الله عليه وسلم :ادخلوا في دين وقالت اليهود ل ّ
اليهودية تجدوا الهداية ,وقالت النصارى لهم مثل ذلك .قل لهم -أيها
الرسول :-بل الهداية أن نتبع -جميًعا -ملة إبراهيم ,الذي مال عن
كل دين باطل إلى دين الحق ,وما كان من المشركين بالله تعالى.
لعي َ
ما ِ سه َ
م وَإ ِ ْ
هيه َ ل إ َِلهى إ ِب َْرا ِ مها ُأنهزِ َ ما ُأنزِ َ
ل إ ِل َي َْنها وَ َ مّنا ِبالل ّهِ وَ َُقوُلوا آ َ
ي ُ ُ َ
مهها أوت ِه َسههى وَ َ عي َ سههى وَ ِ مو َ ي ُ مهها أوت ِه َ ط وَ َ سَبا ِ
ب َوال ْ حقَ وَي َعُْقو َ س َ
وَإ ِ ْ
َ
ن )(136 مو َ سل ِ ُم ْ ه ُ ن لَ ُ
ح ُم وَن َ ْمن ْهُ ْ
حدٍ ِنأ َ م ل ن َُفّرقُ ب َي ْ َ ن َرب ّهِ ْم ْن ِ الن ّب ِّيو َ
دقنا بالله الواحد
قولوا -أيها المؤمنون -لهؤلء اليهود والّنصارى :ص ّ
المعبود بحق ,وبما أنزل إلينا من القرآن الذي أوحاه الله إلى نبيه
ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ,وما أنزل من الصحف إلى
إبراهيم وابنيه إسماعيل وإسحاق ,وإلى يعقوب والسباط -وهم
من ولد يعقوب الذين كانوا في قبائل بني إسرائيل الثنتي النبياء ِ
ُ
عشرة -وما أعطي موسى من التوراة ,وعيسى من النجيل ,وما
ُأعطي النبياء جميًعا من وحي ربهم ,ل نفرق بين أحد منهم في
اليمان ,ونحن خاضعون لله بالطاعة والعبادة.
م فِههي
مهها هُه ْ ن ت َوَل ّه ْ
وا فَإ ِن ّ َ دوا وَإ ِ ْ م ب ِهِ فََقهد ْ اهْت َه َ
منت ُ ْ ما آ َ
ل َ مث ْ ِ
مُنوا ب ِ ِ
نآ َفَإ ِ ْ
م )(137 ميعُ ال ْعَِلي ُس ِ ه وَهُوَ ال ّ م الل ّ ُ
سي َك ِْفيك َهُ ْق فَ َشَقا ٍ ِ
ن آمن الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم بمثل الذي آمنتم به,فإ ْ
مما جاء به الرسول ,فقد اهتدوا إلى الحق ,وإن أعرضوا فإنما هم
في خلف شديد ,فسيكفيك الله -أيها الرسول -شّرهم وينصرك
عليهم ,وهو السميع لقوالكم ,العليم بأحوالكم.
37
ة الل ّه وم َ
ن )(138
دو َ
عاب ِ ُ ن لَ ُ
ه َ ح ُ
ة وَن َ ْ ن الل ّهِ ِ
صب ْغَ ً م ْ
ن ِ
س ُ
ح َ
نأ ِْ َ َ ْ صب ْغَ َ
ِ
من فطرة
ن ِ
الزموا دين الله الذي فطركم عليه ,فليس هناك أحس ُ
الله التي فطر الناس عليها ,فالزموها وقولوا نحن خاضعون
مطيعون لربنا في اتباعنا مّلة إبراهيم.
َ ت ِل ْ َ ُ
مهها سهأُلو َ
ن عَ ّ م َول ت ُ ْ مهها ك َ َ
سهب ْت ُ ْ ت وَل َك ُ ْ
م َ سب َ ْ ت ل ََها َ
ما ك َ َ خل َ ْ
ة قَد ْ َم ٌ
كأ ّ
ن )(141 مُلو َكاُنوا ي َعْ َ َ
39
الجزء الثاني:
40
ويبطل صلتكم إلى القبلة السابقة .إنه سبحانه وتعالى بالناس
لرءوف رحيم.
41
المذكورة في كتبهم ,مثل معرفتهم بأبنائهم .وإن فريًقا منهم
دقه ,وثبوت أوصافه. ص ْ
ليكتمون الحق وهم يعلمون ِ
ن )(147
ري َ
مت َ ِ ن ال ْ ُ
م ْ م ْ
ن ِ ك َفل ت َ ُ
كون َ ّ ن َرب ّ َ
م ْ ال ْ َ
حق ّ ِ
الذي أنزل إليك -أيها النبي -هو الحق من ربك ,فل تكونن من
الشاكين فيه .وهذ وإن كان خطابا للرسول صلى الله عليه وسلم
فهو موجه للمة.
ْ َ
م ت بِ ُ
كه ْ مها ت َ ُ
كوُنهوا َيهأ ِ ن َت أي ْ َ
خي َْرا ِست َب ُِقوا ال ْ َ
موَّليَها َفا ْة هُوَ ُ جه َ ٌ ل وِ ْوَل ِك ُ ّ
ديٌر )(148 يٍء قَ ِ ش ْ ل َ ه عََلى ك ُ ّن الل ّ َ
ميعا ً إ ِ ّ ج ِه َالل ّ ُ
جه إليها كل واحد منها في صلته,ولكل أمة من المم قبلة يتو ّ
فبادروا -أيها المؤمنون -متسابقين إلى فِْعل العمال الصالحة التي
شرعها الله لكم في دين السلم .وسيجمعكم الله جميعا يوم
القيامة من أي موضع كنتم فيه .إن الله على كل شيء قدير.
ق ه ل َل ْ َ
حه ّ جدِ ال ْ َ
حهَرام ِ وَإ ِن ّه ُ سه ِ شط َْر ال ْ َ
م ْ ك َ جه َ َل وَ ْت فَوَ ّ ج َ خَر ْث َ حي ْ ُن َ م ْ
وَ ِ
ن )(149 مُلو َ
ما ت َعْ َل عَ ّ ما الل ّ ُ
ه ب َِغافِ ٍ ك وَ َ ن َرب ّ َم ِْ
جه
ت -أيها النبي -مسافًرا ,وأردت الصلة ,فو ّ
ج َخَر ْ
ومن أي مكان َ
جهك إليه لهو الحق الثابت من
ن تو ّ
وجهك نحو المسجد الحرام .وإ ّ
ربك .وما الله بغافل عما تعملونه ,وسيجازيكم على ذلك.
مهها
ث َ حي ْه ُ ح هَرام ِ وَ َ جدِ ال ْ َ سه ِ م ْش هط َْر ال ْ َ
ك َ جه َ َ ل وَ ْت فَوَ ّ ج َخَر ْ ث َ حي ْ ُن َم ْ وَ ِ
ن
ذي َ ة إ ِل ّ ال ّه ِجه ٌ ح ّ م ُس عَل َي ْك ُ ْ ن ِلل ُّنا ِ شط َْرهُ ل ِئ َل ّ ي َ ُ
كو َ م َ جوهَك ُ ْ م فَوَّلوا وُ ُ كنت ُ ُْ
مم وَل َعَل ّك ُه ْ مت ِههي عَل َي ْك ُه ْ م ن ِعْ َشهوِْني وَلت ِه ّ خ َ م َوا ْ شوْهُ ْخ َ م َفل ت َ ْ من ْهُ ْ
موا ِظ َل َ ُ
ن )(150 دو َ ت َهْت َ ُ
جه إلى المسجد الحرام, ومن أى مكان خرجت -أيها النبي -فتو ّ
وحيثما كنتم -أيها المسلمون ,-بأي قطر من أقطار الرض فوّلوا
وجوهكم نحو المسجد الحرام; لكي ل يكون للناس المخالفين لكم
احتجاج عليكم بالمخاصمة والمجادلة ,بعد هذا التوجه إليه ,إل أهل
42
الظلم والعناد منهم ,فسيظّلون على جدالهم ,فل تخافوهم
وخافوني بامتثال أمري ,واجتناب نهيي; ولكي أتم نعمتي عليكم
باختيار أكمل الشرائع لكم ,ولعلكم تهتدون إلى الحق والصواب.
كَ َ
م م وَي ُعَل ّ ُ
مك ُه ْ كيك ُه ْ
م آَيات ِن َهها وَي َُز ّ م ي َت ُْلو عَل َي ْك ُ ْ من ْك ُ ْ
سول ً ِ م َر ُ سل َْنا ِفيك ُ ْما أْر ََ
ن )(151 مو َ كوُنوا ت َعْل َ ُ م تَ ُ ما ل َ ْ م َ ة وَي ُعَل ّ ُ
مك ُ ْ م َ ب َوال ْ ِ
حك ْ َ ال ْك َِتا َ
كما أنعمنا عليكم باستقبال الكعبة أرسلنا فيكم رسول منكم يتلو
عليكم اليات المبينة للحق من الباطل ,ويطهركم من دنس الشرك
وسوء الخلق ,ويعلمكم الكتاب والسنة وأحكام الشريعة ,ويعلمكم
من أخبار النبياء ,وقصص المم السابقة ما كنتم تجهلونه.
َ
شك ُُروا ِلي َول ت َك ُْفُرو ِ
ن )(152 َفاذ ْك ُُروِني أذ ْك ُْرك ُ ْ
م َوا ْ
أمر تعالى المؤمنين بذكره ،ووعد عليه أفضل الجزاء ،وهو الثناء
ن ذكره ,وخصوني -أيها المؤمنون -بالشكر م ْ
في المل العلى على َ
قول وعمل ول تجحدوا نعمي عليكم.
َ
ن)
ري َ
صههاب ِ ِ
معَ ال ّ ن الل ّ َ
ه َ صلةِ إ ِ ّ
صب ْرِ َوال ّ
ست َِعيُنوا ِبال ّ
مُنوا ا ْ
نآ َ َيا أي َّها ال ّ ِ
ذي َ
(153
يا أيها المؤمنون اطلبوا العون من الله في كل أموركم :بالصبر
على النوائب والمصائب ,وترك المعاصي والذنوب ,والصبر على
الطاعات والقربات ,والصلة التي تطمئن بها النفس ,وتنهى عن
الفحشاء والمنكر .إن الله مع الصابرين بعونه وتوفيقه وتسديده.
وفي الية :إثبات معّية الله الخاصة بالمؤمنين ,المقتضية لما سلف
ذكره; أما المعية العامة ,المقتضية للعلم والحاطة فهي لجميع
الخلق.
43
ول تقولوا -أيها المؤمنون -فيمن ُيقتلون مجاهدين في سبيل الله:
هم أموات ,بل هم أحياء حياة خاصة بهم في قبورهم ,ل يعلم
سون بها .وفي هذا دليل على
كيفيتها إل الله -تعالى ,-ولكنكم ل ُتح ّ
نعيم القبر.
ال ّذين إ َ َ
ن )(156 ة َقاُلوا إ ِّنا ل ِل ّهِ وَإ ِّنا إ ِل َي ْهِ َرا ِ
جُعو َ صيب َ ٌ
م ِ
م ُ
صاب َت ْهُ ْ
ذا أ َِ َ ِ
من صفة هؤلء الصابرين أنهم إذا أصابهم شيء يكرهونه قالوا :إّنا
عبيد مملوكون لله ,مدّبرون بأمره وتصريفه ,يفعل بنا ما يشاء ,وإنا
إليه راجعون بالموت ,ثم بالبعث للحساب والجزاء.
ن)
دو َ م ال ْ ُ
مهْت َه ُ ة وَأ ُوْل َئ ِ َ
ك هُ ه ْ مه ٌ
ح َ
م وََر ْ
ن َرب ّهِ ه ْ
مه ْ
ت ِ ص هل َ َ
وا ٌ م َ أ ُوْل َئ ِ َ
ك عَل َي ْهِه ْ
(157
أولئك الصابرون لهم ثناء من ربهم ورحمة عظيمة منه سبحانه,
وأولئك هم المهتدون إلى الرشاد.
َ
مهَر َفل ت أوْ اعْت َ َج ال ْب َي ْه َحه ّ ن َ مه ْشهَعائ ِرِ الل ّههِ فَ َن َ م ْ مْروَةَ ِ صَفا َوال ْ َ ن ال ّإِ ّ
َ
م) شههاك ٌِر عَِليهه ٌ ه َن الل ّ َ خْيرا ً فَإ ِ ّ
ن ت َط َوّعَ َ م ْ ما وَ َف ب ِهِ َن ي َط ّوّ َ ح عَل َي ْهِ أ ْ
جَنا َ
ُ
(158
إن الصفا والمروة -وهما جبلن صغيران قرب الكعبة من جهة
الشرق -من معالم دين الله الظاهرة التي تعّبد الله عباده بالسعي
44
جا أو معتمًرا ,فل إثم عليه ول حرج في
من قصد الكعبة حا ّ بينهما .ف َ
أن يسعى بينهما ,بل يجب عليه ذلك ,ومن فعل الطاعات طواعية
صا بها لله تعالى ,فإن الله تعالى شاكر يثيب علىمن نفسه مخل ً
دا
القليل بالكثير ,عليم بأعمال عباده فل بضيعها ,ول يبخس أح ً
مثقال ذرة.
َ
مهها ب َي ّن ّههاهُ
ن ب َعْهدِ َمه ْ
دى ِ ت َوال ْهُه َ ن ال ْب َي ّن َهها ِ
م ْ ما أنَزل َْنا ِ ن َمو َ ن ي َك ْت ُ ُ ن ال ّ ِ
ذي َ إِ ّ
ُ
ن )(159 ه وَي َل ْعَن ُهُ ْ
م الل ّ ِ
عُنو َ م الل ّ ُ ك ي َل ْعَن ُهُ ْ
ب أوْل َئ ِ َ س ِفي ال ْك َِتا ِ ِللّنا ِ
خفون ما أنزلنا من اليات الواضحات الدالة على نبوة إن الذين ي ُ ْ
محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به ,وهم أحبار اليهود وعلماء
النصارى وغيرهم ممن يكتم ما أنزل الله من بعد ما أظهرناه للناس
في التوراة والنجيل ,أولئك يطردهم الله من رحمته ,ويدعو عليهم
باللعنة جميع الخليقة.
م ُينظ َُرو َ
ن )(162 ب َول هُ ْ م ال ْعَ َ
ذا ُ ف عَن ْهُ ْ
خّف ُ
ن ِفيَها ل ي ُ َ
دي َ
خال ِ ِ
َ
45
دائمين في اللعنة والنار ,ل يخفف عنهم العذاب ,ول هم يمهلون
بمعذرة يعتذرون بها.
م )(163
حي ُ
ن الّر ِ
م ُ
ح َ حد ٌ ل إ ِل َ َ
ه إ ِل ّ هُوَ الّر ْ م إ ِل َ ٌ
ه َوا ِ وَإ ِل َهُك ُ ْ
وإلهكم -أيها الناس -إله واحد متفرد في ذاته وأسمائه وصفاته
وأفعاله وعبودية خلقه له ,ل معبود بحق إل هو ,الرحمن المتصف
بالرحمة في ذاته وأفعاله لجميع الخلق ,الرحيم بالمؤمنين.
َ
ب الل ّههِ
حه ّ م كَ ُحب ّههون َهُ ْدادا ً ي ُ ِ ن الل ّههِ أنه َ دو ِ ن ُمه ْخهذ ُ ِ ن ي َت ّ ِمه ْس َ ن الن ّهها ِ م ْ وَ ِ
َ ن ال ْعَ َ َ
ن
بأ ّ ذا َ موا إ ِذ ْ ي ََروْ َ ن ظ َل َ ُ حب ّا ً ل ِل ّهِ وَل َوْ ي ََرى ال ّ ِ
ذي َ شد ّ ُ مُنوا أ َ
نآ َ ذي ََوال ّ ِ
ديد ُ ال ْعَ َ َ
ب )(165 ذا ِ ش ِه َ ن الل ّ َ ميعا ً وَأ ّ ال ُْقوّةَ ل ِل ّهِ َ
ج ِ
ومع هذه البراهين القاطعة يتخذ فريق من الناس من دون الله
ما وأوثاًنا وأولياء يجعلونهم نظراء لله تعالى ,ويعطونهم من
أصنا ً
المحبة والتعظيم والطاعة ,ما ل يليق إل بالله وحده .والمؤمنون
46
أعظم حبا لله من حب هؤلء الكفار لله وللهتهم; لن المؤمنين
أخلصوا المحبة كلها لله ,وأولئك أشركوا في المحبة .ولو يعلم
الذين ظلموا أنفسهم بالشرك في الحياة الدنيا ,حين يشاهدون
عذاب الخرة ,أن الله هو المتفرد بالقوة جميًعا ,وأن الله شديد
العذاب ,لما اتخذوا من دون الله آلهة يعبدونهم من دونه ,ويتقربون
بهم إليه.
َ َ
مّنهها َ
كههذ َل ِ َ
ك ما ت َب َّرُءوا ِم كَ َ ن ل ََنا ك َّرةً فَن َت َب َّرأ ِ
من ْهُ ْ ن ات ّب َُعوا ل َوْ أ ّذي َل ال ّ ِ
وََقا َ
يريهم الل ّ َ
ن الن ّههارِ )
مه ْ ن ِ
جي َ
خههارِ ِ م بِ َ
مهها هُه ْ م وَ َ ت عَل َي ْهِه ْ
سَرا ٍ ح َم َ مال َهُ ْه أعْ َُ ُ ِ ِ ْ
(167
وقال التابعون :يا ليت لنا عودة إلى الدنيا ,فنعلن براءتنا من هؤلء
مّنا .وكما أراهم الله شدة عذابه يوم
الرؤساء ,كما أعلنوا براءتهم ِ
القيامة يريهم أعمالهم الباطلة ندامات عليهم ,وليسوا بخارجين من
دا.
النار أب ً
47
ما أ َل َْفي َْنا عَل َي ْههِ آَباَءن َهها
ل ن َت ّب ِعُ َه َقاُلوا ب َ ْ ل الل ّ ُما َأنَز َ
م ات ّب ُِعوا َل ل َهُ ْ
ذا ِقي َوَإ ِ َ
ن )(170 دو َ شْيئا ً َول ي َهْت َ ُن َ م ل ي َعِْقُلو َ ن آَباؤُهُ ْ كا َأ َوَل َوْ َ
وإذا قال المؤمنون ناصحين أهل الضلل :اتبعوا ما أنزل الله من
القرآن والهدى ,أصّروا على تقليد أسلفهم المشركين قائلين :ل
نتبع دينكم ,بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا .أيتبعون آباءهم ولو كانوا ل
يعقلون عن الله شيًئا ,ول يدركون رش ً
دا؟
ما أ ُهِ ّ
ل ب ِههِ ل ِغَي ْهرِ الل ّههِ زيرِ وَ َ
خن ِ م ال ْ ِ ح َ م وَل َ ْ
ة َوالد ّ َ م ال ْ َ
مي ْت َ َ م عَل َي ْك ُ ْ
حّر َ
ما َ
إ ِن ّ َ
م )(173 حي ٌ ه غَُفوٌر َر ِ ن الل ّ َ
م عَل َي ْهِ إ ِ ّعادٍ َفل إ ِث ْ َضط ُّر غَي َْر َباٍغ َول َ نا ْم ْفَ َ
إنما حرم الله عليكم ما يضركم كالميتة التي لم تذبح بطريقة
شرعية ,والدم المسفوح ,ولحم الخنزير ,والذبائح التي ذبحت لغير
ل الله عليكم وتيسيره أنه أباح لكم أكل هذه ن فَ ْ
ض ِ م ْ
الله .و ِ
48
المحرمات عند الضرورة .فمن ألجأته الضرورة إلى أكل شيء
منها ,غير ظالم في أكله فوق حاجته ,ول متجاوز حدود الله فيما
ُأبيح له ,فل ذنب عليه في ذلك .إن الله غفور لعباده ,رحيم بهم.
من ها ً قَِليل ً
ن ب ِههِ ث َ َش هت َُرو َ ب وَي َ ْ ن ال ْك َِتا ِ
م ْ
ه ِل الل ّ ُ ما َأنَز َن َمو َ ن ي َك ْت ُ َُ ن ال ّ ِ
ذي إِ ّ
ْ أ ُوْل َئ ِ َ
ة
مه ِ م ال ِْقَيا َه َيههوْ َم الل ّه ُمه ُ ْم إ ِل ّ الّناَر َول ي ُك َل ّ ُ طون ِهِ ْ ن ِفي ب ُ ُ ما ي َأك ُُلو َ ك َ
َ
م )(174 ب أِلي ٌ ذا ٌم عَ َم وَل َهُ ْ كيهِ َْول ي َُز ّ
خفون ما أنزل الله في كتبه من صفة محمد صلى الله إن الذين ي ُ ْ
عليه وسلم وغير ذلك من الحق ,ويحرصون على أخذ عوض قليل
من عرض الحياة الدنيا مقابل هذا الخفاء ,هؤلء ما يأكلون في
مقابلة كتمان الحق إل نار جهنم تتأجج في بطونهم ,ول يكلمهم الله
يوم القيامة لغضبه وسخطه عليهم ,ول يطهرهم من دنس ذنوبهم
وكفرهم ,ولهم عذاب موجع.
ب ِبههال ْ َ
مغِْفَرةِ فَ َ
مهها دى َوال َْعهه َ
ذا َ ة ِبال ُْههه َ
ضههلل َ َ نا ْ
شههت ََرْوا ال ّ ك اّلهه ِ
ذي َ أ ُوْل َئ ِ َ
م عََلى الّنارِ )(175 َ
صب ََرهُ ْ أ ْ
أولئك المتصفون بهذه الصفات استبدلوا الضللة بالهدى وعذاب
الله بمغفرته ,فما أشد جراءتهم على النار بعملهم أعمال أهل
النار!! يعجب الله من إقدامهم على ذلك ,فاعجبوا -أيها الناس -من
جراءتهم ,ومن صبرهم على النار ومكثهم فيها .وهذا على وجه
الستهانة بهم ,والستخفاف بأمرهم.
ذ َل َ َ
خت َل َُفههوا فِههي ال ْك ِت َهها ِ
ب نا ْ ن ال ّه ِ
ذي َ ب ب ِههال ْ َ
حقّ وَإ ِ ّ ل ال ْك ِت َهها َ ن الل ّ َ
ه ن َّز َ ك ب ِأ ِّ
ق ب َِعيدٍ )(176 شَقا ٍل َِفي ِ
ذلك العذاب الذي استحقوه بسبب أن الله تعالى نّزل كتبه على
رسله مشتملة على الحق المبين ,فكفروا به .وإن الذين اختلفوا
في الكتاب فأمنوا ببعضه وكفروا ببعضه ,لفي منازعة ومفارقة
بعيدة عن الرشد والصواب.
َ
ن ن ال ْب ِّر َ
مه ْ ب وَل َك ِ ّ ق َوال ْ َ
مغْرِ ِ ل ال ْ َ
م ْ
شرِ ِ ن ت ُوَّلوا وُ ُ
جوهَك ُ ْ
م قِب َ َ س ال ْب ِّر أ ْ
ل َي ْ َ
49
ل عََلههى ما َ ن َوآَتى ال ْ َ ب َوالن ّب ِّيي َ ملئ ِك َةِ َوال ْك َِتا ِ خرِ َوال ْ َ ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ ال ِ م َ آ َ
ن وَِفي سائ ِِلي َ ل َوال ّ سِبي ِ ن ال ّ ن َواب ْ َ كي َ سا ِ م َ مى َوال ْ َ حب ّهِ ذ َِوي ال ُْقْرَبى َوال ْي ََتا َ ُ
ْ صهلةَ َوآَتهى الّز َ َ
دوا
هه ُ عا َذا َ م إِ َن ب ِعَْههدِهِ ْ موُفهو َ كهاةَ َوال ُ م ال ّ ب وَأَقا َ الّرَقا ِ
س أ ُوْل َئ ِ َ ْ ْ
صهد َُقوان َ ذي َ ك ال ّه ِ ن الَبهأ ِ
حيه َ ْ ضّراِء وَ ِ ساِء َوال ّ ن ِفي ال ْب َأ َ ري َ
صاب ِ ِ
َوال ّ
ن )(177 مت ُّقو َ م ال ْ ُ
ك هُ ْ وَأ ُوْل َئ ِ َ
ليس الخير عند الله -تعالى -في التوجه في الصلة إلى جهة
المشرق والمغرب إن لم يكن عن أمر الله وشرعه ,وإنما الخير
ده ل شريك دا وح َ
دق به معبو ً
كل الخير هو إيمان من آمن بالله وص ّ
له ,وآمن بيوم البعث والجزاء ,وبالملئكة جميًعا ,وبالكتب المنزلة
عا -مع
كافة ,وبجميع النبيين من غير تفريق ,وأعطى المال تطوّ ً
شدة حبه -ذوي القربى ,واليتامى المحتاجين الذين مات آباؤهم
وهم دون سن البلوغ ,والمساكين الذين أرهقهم الفقر,
والمسافرين المحتاجين الذين ب َُعدوا عن أهلهم ومالهم ,والسائلين
الذين اضطروا إلى السؤال لشدة حاجتهم ,وأنفق في تحرير
الرقيق والسرى ,وأقام الصلة ,وأدى الزكاة المفروضة ,والذين
يوفون بالعهود ,ومن صبر في حال فقره ومرضه ,وفي شدة
القتال .أولئك المتصفون بهذه الصفات هم الذين صدقوا في
إيمانهم ,وأولئك هم الذين اتَقوا عقاب الله فتجنبوا معاصيه.
َ
حّرحهّر ب ِههال ْ ُص فِههي ال َْقت ْل َههى ال ْ ُصهها ُ م ال ِْق َ ب عَل َي ْك ُه ْ مُنوا ك ُت ِ َ نآ َ ذي َ َيا أي َّها ال ّ ِ
يءٌ َفات ّب َههاعٌشه ْ خي ههِ َ ن أَ ِمه ْ
ه ِي ل َه ُ
ن عُِف َ م ْ
ُ ُ
َوال ْعَب ْد ُ ِبال ْعَب ْدِ َوالنَثى ِبالنَثى فَ َ
َ
نمه ْة فَ َ مه ٌ
ح َ ن َرب ّك ُه ْ
م وََر ْ مه ْ
ف ِ خِفي ٌ ن ذ َل ِ َ
ك تَ ْ سا ٍ ح َ داٌء إ ِل َي ْهِ ب ِإ ِ ْ
ف وَأ َ معُْرو ِ ِبال ْ َ
َ
م )(178 ب أِلي ٌ ذا ٌ ه عَ َ ك فَل َ ُ دى ب َعْد َ ذ َل ِ َ اعْت َ َ
يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه فرض الله عليكم
أن تقتصوا من القاتل عمدا بقتله ,بشرط المساواة والمماثلةُ :يقتل
الحر بمثله ,والعبد بمثله ,والنثى بمثلها .فمن سامحه ولي المقتول
بالعفو عن القتصاص منه والكتفاء بأخذ الدية -وهي قدر مالي
محدد يدفعه الجاني مقابل العفو عنه -فليلتزم الطرفان بحسن
الخلق ,فيطالب الولي بالدية من غير عنف ,ويدفع القاتل إليه حقه
من غير تأخير ول نقص .ذلك العفو مع أخذ الدية تخفيف بإحسانِ ,
من قتل من ربكم ورحمة بكم; لما فيه من التسهيل والنتفاع .ف َ
50
صا في القاتل بعد العفو عنه وأ َ ْ
خذ ِ الدية فله عذاب أليم بقتله قصا ً
الدنيا ,أو بالنار في الخرة.
َ ُ
ن )(179 ب ل َعَل ّك ُ ْ
م ت َت ُّقو َ حَياةٌ َيا أوِْلي الل َْبا ِ
ص َ م ِفي ال ِْق َ
صا ِ وَل َك ُ ْ
ولكم في تشريع القصاص وتنفيذه حياة آمنة -يا أصحاب العقول
ما.
السليمة ;-رجاء تقوى الله وخشيته بطاعته دائ ً
َ
ن ة ل ِل ْ َ
وال ِهد َي ْ ِ خْيرا ً ال ْوَ ِ
صي ّ ُ ن ت ََر َ
ك َ ت إِ ْمو ْ ُم ال ْ َ
حد َك ُ ْ
ضَر أ َ
ح َذا َم إِ َ ب عَل َي ْك ُ ْ
ك ُت ِ َ
َ
ن )(180 حّقا ً عََلى ال ْ ُ
مت ِّقي َ ف َمعُْرو ِ ن ِبال ْ َ َوالقَْرِبي َ
فرض الله عليكم إذا حضر أحدكم علمات الموت ومقدماته -إن
ترك مال -الوصية بجزء من ماله للوالدين والقربين مع مراعاة
العدل; فل يدع الفقير ويوصي للغني ,ول يتجاوز الثلث ,وذلك حق
ثابت يعمل به أهل التقوى الذين يخافون الله .وكان هذا قبل نزول
دد الله فيها نصيب كل وارث.
آيات المواريث التي ح ّ
ن الل ّه َ
ه ن ي ُب َهد ُّلون َ ُ
ه إِ ّ ه عَل َههى ال ّه ِ
ذي َ مه ُ ه فَإ ِن ّ َ
مهها إ ِث ْ ُ مع َ ُ
سه ِ
ما َ
ه ب َعْهد َ َن ب َد ّل َ ُ
م ْفَ َ
م )(181 ميعٌ عَِلي ٌ س ِ َ
من غَّير وصية الميت بعدما سمعها منه قبل موته ,فإنما الذنبف َ
دل .إن الله سميع لوصيتكم وأقوالكم ,عليم بمامن غّير وب ّ
على َ
تخفيه صدوركم من الميل إلى الحق والعدل أو الجور والحيف,
وسيجازيكم على ذلك.
َ َ
م عَل َي ْههِ إ ِ ّ
ن م َفل إ ِث ْه َ ص هل َ َ
ح ب َي ْن َهُ ه ْ جَنفا ً أوْ إ ِْثم ها ً فَأ ْ
ص َ
مو ٍ
ن ُم ْ
ف ِ خا َن َم ْفَ َ
م )(182
حي ٌ الل ّ َ
ه غَُفوٌر َر ِ
ص ميل عن الحق في وصيته على سبيل الخطأ أو من مو ٍمن علم ِف َ
ي وقت الوصية بما هو العدل ،فإن لم يحصل العمد ,فنصح الموص َ
له ذلك فأصلح بين الطراف بتغيير الوصية; لتوافق الشريعة ,فل
ذنب عليه في هذا الصلح .إن الله غفور لعباده ,رحيم بهم.
51
َ
ن
مه ْ
ن ِ ب عَل َههى ال ّه ِ
ذي َ مهها ك ُِته َ
م كَ َ
صهَيا ُ ب عَل َي ْك ُ ْ
م ال ّ مُنوا ك ُت ِ َ
نآ َ ذي َ َيا أي َّها ال ّ ِ
ن )(183 م ت َت ُّقو َم ل َعَل ّك ُ ْ
قَب ْل ِك ُ ْ
دقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه ,فرض الله عليكم
يا أيها الذين ص ّ
الصيام كما فرضه على المم قبلكم; لعلكم تتقون ربكم ,فتجعلون
بينكم وبين المعاصي وقاية بطاعته وعبادته وحده.
م ها ه يكان منك ُم مريضا ً أ َو عََلى سَفر فَعِدةٌ من أ َ َ ن م َ ف ت دا دو ع م ً ا يام أَ
ٍ ّ ْ ِ ّ ٍ َ ْ ِ َ ْ ْ ِ َ ْ َ ٍ َ ُ ْ َ ّ
و َ
خْيرا فهُ َ ً َ
ن ت َطوّعَ َم ْ َ
نف َ كي ٍ
س ِ م ْ م ِ ة ط ََعا ُ ه فِد ْي َ ٌ طيُقون َ ُ ن يُ ِ ذي َ خَر وَعََلى ال ّ ِ أُ َ
َ
ن )(184 مو َم ت َعْل َ ُكنت ُ ْن ُم إِ ْ خي ٌْر ل َك ُ ْ
موا َ صو ُ ن تَ ُ ه وَأ ْ خي ٌْر ل َ ُ َ
فرض الله عليكم صيام أيام معلومة العدد وهي أيام شهر رمضان.
ضا يشق عليه الصوم ,أو مسافًرا فله أن يفطر, فمن كان منكم مري ً
خر بقدر التي أفطر فيها .وعلى الذين ُ
وعليه صيام عدد من أيام أ َ
يتكلفون الصيام ويشقّ عليهم مشقة غير محتملة كالشيخ الكبير,
جى شفاؤه ,فدية عن كل يوم يفطره ,وهي والمريض الذي ل ي ُْر َ
عا منه فهو خير له,
طعام مسكين ,فمن زاد في قدر الفدية تبر ً
مل المشقة -من إعطاء الفدية ,إن كنتم وصيامكم خير لكم -مع تح ّ
تعلمون الفضل العظيم للصوم عند الله تعالى.
52
لكم ,ولكي تشكروا له على ما أنعم به عليكم من الهداية والتوفيق
والتيسير.
عي إ ِ َ
ذا د َعَههاِني دا ِ
ب د َعْوَةَ اله ّجي ُ
ُ
بأ ِ ري ٌعَباِدي عَّني فَإ ِّني قَ ِ ك ِسأ َل َ َذا َ وَإ ِ َ
ن )(186 دو َش ُ مُنوا ِبي ل َعَل ّهُ ْ
م ي َْر ُ جيُبوا ِلي وَل ْي ُؤْ ِ فَل ْي َ ْ
ست َ ِ
وإذا سألك -أيها النبي -عبادي عني فقل لهم :إني قريب منهم,
ُأجيب دعوة الداعي إذا دعاني ,فليطيعوني فيما أمرتهم به ونهيتهم
عنه ,وليؤمنوا بي ,لعلهم يهتدون إلى مصالح دينهم ودنياهم .وفي
هذه الية إخبار منه سبحانه عن قربه من عباده ,القرب اللئق
بجلله.
َ أُ ِ
م
م وَأن ْت ُه ْ س ل َك ُه ْن ل ِب َهها ٌ م هُ ه ّ سههائ ِك ُ ْث إ ِل َههى ن ِ َ صَيام ِ الّرفَ ُ ة ال ّ م ل َي ْل َ َل ل َك ُ ْ ح ّ
ختانو َ ل ِباس ل َهن عَل ِم الل ّ َ
م وَعََفهها ب عَل َي ْك ُه ْ م فََتا َ سك ُ ْ ن أنُف َ م تَ ْ َ ُ َ كنت ُ ْم ُ ه أن ّك ُ ْ ُ َ َ ٌ ُ ّ
حت ّههى شَرُبوا َ ُ
م وَك ُلوا َوا ْ َ
ه لك ُ ْ ّ
ب الل ُ ما ك َت َ َ ن َواب ْت َُغوا َ شُروهُ ّ ن َبا ِ م َفال َ عَن ْك ُ ْ
خيهط ال َسهود مهن ال َْفجهر ُثه َ خي ْ ُ َ
مههوا م أت ِ ّْ ِ ّ ْ َ ِ ِ ْ ن ال ْ َ ْ ِ مه ْ ض ِ ط الب ْي َ ُ م ال ْ َ ن ل َك ُ ْ ي َت َب َي ّ َ
جدِ ت ِل ْه َ َ
ك سهها ِ م َ ن فِههي ال ْ َ م عَههاك ُِفو َ ن وَأن ْت ُ ْشُروهُ ّ ل َول ت َُبا ِ م إ َِلى الل ّي ْ ِ صَيا َ ال ّ
ن) م ي َت ُّقههو َ س ل َعَل ّهُ ه ْ
ه آي َههات ِهِ ِللن ّهها ِ ن الل ّ ُ ك ي ُب َي ّ ُ ها ك َذ َل ِ َ دود ُ الل ّهِ َفل ت َْقَرُبو َ ح ُ ُ
(187
ن ستر أباح الله لكم في ليالي شهر رمضان جماعَ نسائكم ,ه ّ
وحفظ لكم ,وأنتم ستر وحفظ لهن .علم الله أنكم كنتم تخونون
أنفسكم; بمخالفة ما حّرمه الله عليكم من مجامعة النساء بعد
العشاء في ليالي الصيام -وكان ذلك في أول السلم ,-فتاب الله
دره الله سع لكم في المر ,فالن جامعوهن ,واطلبوا ما ق ّ عليكم وو ّ
لكم من الولد ,وكلوا واشربوا حتى يتب َّين ضياء الصباح من سواد
الليل ،بظهور الفجر الصادق ,ثم أتموا الصيام بالمساك عن
المفطرات إلى دخول الليل بغروب الشمس .ول تجامعوا نساءكم
أو تتعاطوا ما يفضي إلى جماعهن إذا كنتم معتكفين في المساجد;
لن هذا يفسد العتكاف )وهو القامة في المسجد مدة معلومة بنّية
التقرب إلى الله تعالى( .تلك الحكام التي شرعها الله لكم هي
حدوده الفاصلة بين الحلل والحرام ,فل تقربوها حتى ل تقعوا في
الحرام .بمثل هذا البيان الواضح يبين الله آياته وأحكامه للناس; كي
وه. يتقوه ويخ َ
ش ْ
53
حك ّههام ِ ل ِت َهأ ْك ُُلوا
ل وَت ُهد ُْلوا ب ِهَهها إ ِل َههى ال ْ ُم ِبال َْباط ِه ِ م ب َي ْن َك ُ ْوال َك ُ ْ
م َ
َ ْ
َول ت َأك ُُلوا أ ْ
َ فَريقا ً من أ َ
ن )(188 مو َم ت َعْل َ ُ
س ِبال ِث ْم ِ وَأن ْت ُ ْ ِ نا
ّ ال ل
ِ واَ م
ْ ِ ْ ِ
ول يأكل بعضكم مال بعض بسبب باطل كاليمين الكاذبة ,والغصب,
والسرقة ,والرشوة ,والربا ونحو ذلك ,ول تلقوا بالحجج الباطلة إلى
الحكام; لتأكلوا عن طريق التخاصم أموال طائفة من الناس
بالباطل ,وأنتم تعلمون تحريم ذلك عليكم.
ب
حه ّ ن الل ّه َ
ه ل يُ ِ دوا إ ِ ّ ن ي َُقات ُِلون َك ُ ْ
م َول ت َعْت َه ُ ل الل ّهِ ال ّ ِ
ذي َ وََقات ُِلوا ِفي َ
سِبي ِ
ن )(190 دي َ ال ْ ُ
معْت َ ِ
وقاتلوا -أيها المؤمنون -لنصرة دين الله الذين يقاتلونكم ,ول
ل من ل يحل قتله من مْثلة ،والُغلول ،وقَت ْ ِ
ترتكبوا المناهي من ال ُ
النساء والصبيان والشيوخ ،ومن في حكمهم .إن الله ل يحب الذين
يجاوزون حدوده ,فيستحلون ما حّرم الله ورسوله.
54
واقتلوا الذين يقاتلونكم من المشركين حيث وجدتموهم,
وأخرجوهم من المكان الذي أخرجوكم منه وهو "مكة" .والفتنة
-وهي الكفر والشرك والصد عن السلم -أشد من قتلكم إياهم .ول
ما لحرماته حتى يبدؤوكمتبدؤوهم بالقتال عند المسجد الحرام تعظي ً
بالقتال فيه ,فإن قاتلوكم في المسجد الحرام فاقتلوهم فيه .مثل
ذلك الجزاء الرادع يكون جزاء الكافرين.
م )(192
حي ٌ ن الل ّ َ
ه غَُفوٌر َر ِ وا فَإ ِ ّ فَإ ِ ْ
ن انت َهَ ْ
فإن تركوا ما هم فيه من الكفر وقتالكم عند المسجد الحرام,
ودخلوا في اليمان ,فإن الله غفور لعباده ,رحيم بهم.
دى ن اعْت َه َ ص فَ َ
مه ْ صهها ٌ ت قِ َ مهها ُ
حُر َ حهَرام ِ َوال ْ ُ شههْرِ ال ْ َ م ِبال ّ حهَرا ُ شههُْر ال ْ َ ال ّ
َ
ن
مههوا أ ّ ه َواعْل َ ُ
م َوات ُّقوا الّلهه َدى عَل َي ْك ُ ْ ما اعْت َ َل َ دوا عَل َي ْهِ ب ِ ِ
مث ْ ِ م َفاعْت َ ُ عَل َي ْك ُ ْ
ن )(194 مت ِّقي َمع َ ال ْ ُه َ الل ّ َ
قتالكم -أيها المؤمنون -للمشركين في الشهر الذي حّرم الله
القتال فيه هو جزاء لقتالهم لكم في الشهر الحرام .والذي يعتدي
حّرم الله من المكان والزمان ,يعاقب بمثل فعله ,ومن على ما َ
جنس عمله .فمن اعتدى عليكم بالقتال أو غيره فأنزلوا به عقوبة
مماثلة لجنايته ,ول حرج عليكم في ذلك; لنهم هم البادئون
بالعدوان ,وخافوا الله فل تتجاوزوا المماثلة في العقوبة ,واعلموا
أن الله مع الذين يتقونه ويطيعونه بأداء فرائضه وتجنب محارمه.
55
َ َ َ
ن
س هُنوا إ ِ ّ م إ ِل َههى الت ّهْل ُك َهةِ وَأ ْ
ح ِ ل الل ّهِ َول ت ُل ُْقوا ب ِأي ْ ِ
ديك ُ ْ سِبي ِ
فُقوا ِفي َ وَأن ِ
ن )(195 سِني َ
ح ِ ب ال ْ ُ
م ْ ح ّ
ه يُ ِالل ّ َ
واستمروا -أيها المؤمنون -في إنفاق الموال لنصرة دين الله
تعالى ,والجهاد في سبيله ,ول توقعوا أنفسكم في المهالك بترك
الجهاد في سبيل الله ,وعدم النفاق فيه ,وأحسنوا في النفاق
صا لوجه الله تعالى .إن الله يحب
والطاعة ,واجعلوا عملكم كله خال ً
أهل الخلص والحسان.
56
عليه من الصيام لمن لم يكن أهله من ساكني أرض الحرم ,وخافوا
الله تعالى وحافظوا على امتثال أوامره واجتناب نواهيه ,واعلموا
أن الله شديد العقاب لمن خالف أمره ,وارتكب ما عنه زجر.
سههوقَ ث َول فُ ُ ج َفل َرفَه َ حه ّن ال ْ َ ض ِفيهِ ّ ن فََر َ م ْ ت فَ َما ٌمعُْلو َ شهٌُر َ ج أَ ْ ح ّال ْ َ
خْيههَر
ن َدوا فَإ ِ ّ ه الل ّ ُ
ه وَت ََزوّ ُ م ُخي ْرٍ ي َعْل َ ْن َ م ْ ما ت َْفعَُلوا ِج وَ َ ل ِفي ال ْ َ
ح ّ دا َج ََول ِ
َ ُ
ب )(197 وى َوات ُّقوِني َيا أوِْلي الل َْبا ِ الّزادِ الت ّْق َ
وقت الحج أشهر معلومات ,وهي :شوال ,وذو القعههدة ,وعشههر مههن
ذي الحجة .فمن أوجب الحههج علههى نفسهه فيهههن بههالحرام ,فيحهرم
عليه الجماع ومقدماته القولية والفعلية ,ويحرم عليههه الخههروج عههن
طاعة الله تعالى بفعل المعاصي ,والجههدال فههي الحههج الههذي يههؤدي
إلى الغضب والكراهية .وما تفعلوا من خير يعلمه اللههه ,فيجههازي كل
دا من الطعام والشراب لسفر الحج, على عمله .وخذوا لنفسكم زا ً
دا من صالح العمال للدار الخرة ,فههإن خيههر الههزاد تقههوى اللههه, وزا ً
وخافوني يا أصحاب العقول السليمة
ل َيس عَل َيك ُم جناح أ َن تبتُغوا فَضل ً من ربك ُم فَإ َ َ
تن عََرَفا ٍ م ْ
م ِ ذا أفَ ْ
ضت ُ ْ ْ ِ ْ َ ّ ْ ِ ْ ْ ُ َ ٌ ْ ََْ ْ َ
ن
مه ْم ِ ن ُ
كنت ُ ْ م وَإ ِ ْ داك ُ ْ
ما هَ َ شعَرِ ال ْ َ
حَرام ِ َواذ ْك ُُروهُ ك َ َ عن ْد َ ال ْ َ
م ْ ه َِفاذ ْك ُُروا الل ّ َ
ن )(198 ضاّلي َ ن ال ّ م ْقَب ْل ِهِ ل َ ِ
ليس عليكم حرج في أن تطلبوا رزًقا من ربكم بالربح من التجارة
في أيام الحج .فإذا دفعتم بعد غروب الشمس راجعين من
"عرفات" -وهي المكان الذي يقف فيه الحجاج يوم التاسع من ذي
الحجة -فاذكروا الله بالتسبيح والتلبية والدعاء عند المشعر الحرام
"-المزدلفة" ,-واذكروا الله على الوجه الصحيح الذي هداكم إليه,
ولقد كنتم من قبل هذا الهدى في ضلل ل تعرفون معه الحق.
ث ُم أ َفيضوا من حي ُ َ
ن الل ّه َ
ه غَُفههوٌر سهت َغِْفُروا الل ّه َ
ه إِ ّ س َوا ْ ث أَفا َ
ض الن ّهها ُ ِ ْ َ ْ ّ ِ ُ
م )(199
حي ٌ
َر ِ
وليكن اندفاعكم من "عرفات" التي أفاض منها إبراهيم عليه
السلم مخالفين بذلك من ل يقف بها من أهل الجاهلية ,واسألوا
الله أن يغفر لكم ذنوبكم .إن الله غفور لعباده المستغفرين
التائبين ,رحيم بهم.
57
ش هد ّ ذِك ْههرا ًم أ َوْ أ َ َ
م آب َههاَءك ُ ْه ك َهذِك ْرِك ُ ْم َفاذ ْك ُُروا الل ّ َ سك َك ُ ْ
مَنا ِ
م َ ذا قَ َ
ضي ْت ُ ْ فَإ ِ َ
ن مه ْخ هَرةِ ِ ه فِههي ال ِ مهها ل َه ُل َرب َّنا آت َِنا فِههي الهد ّن َْيا وَ َ ن ي َُقو ُ
م ْس َن الّنا ِ م ْ فَ ِ
ق )(200 خل ٍ َ
فإذا أتممتم عبادتكم ,وفرغتم من أعمال الحج ,فأكثروا من ذكر
الله والثناء عليه ,مثل ذكركم مفاخر آبائكم وأعظم من ذلك .فمن
الناس فريق يجعل همه الدنيا فقط ,فيدعو قائل ربنا آتنا في الدنيا
دا ,وهؤلء ليس لهم في الخرة حظ ول نصيب; صحة ,ومال وأول ً
مهم على الدنيا. لرغبتهم عنها وقَ ْ
صرِ هَ ّ
ة وَقِن َهها
س هن َ ً
ح َ
خَرةِ َ
ة وَِفي ال ِ
سن َ ً
ح َ ن ي َُقو ُ
ل َرب َّنا آت َِنا ِفي الد ّن َْيا َ م ْ
م َ
من ْهُ ْ
وَ ِ
ب الّنارِ )(201 ذا َ عَ َ
ومن الناس فريق مؤمن يقول في دعائه :ربنا آتنا في الدنيا عافية
حا ,وغير ذلك من أمور الدين والدنيا, ورزًقا وعل ً
ما نافًعا ,وعمل صال ً
وفي الخرة الجنة ,واصرف عّنا عذاب النار .وهذا الدعاء من أجمع
الدعية ,ولهذا كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ,كما ثبت
في الصحيحين.
ب )(202
سا ِ ريعُ ال ْ ِ
ح َ س ِ سُبوا َوالل ّ ُ
ه َ ما ك َ َ
م ّ
ب ِ
صي ٌ
م نَ ِ أ ُوْل َئ ِ َ
ك ل َهُ ْ
أولئك الداعون بهذا الدعاء لهم ثواب عظيم بسبب ما كسبوه من
ص أعمال عباده,
ح ٍ
م ْ
العمال الصالحة .والله سريع الحسابُ ,
ومجازيهم بها.
َ
م عَل َي ْهِ ن َفل إ ِث ْ َ
ِ مي ْ
ل ِفي ي َوْ َ ج َ
ن ت َعَ ّم ْ ت فَ َ
دا ٍدو َمع ْ ُه ِفي أّيام ٍ َ َواذ ْك ُُروا الل ّ َ
َ َ
م إ ِل َي ْه ِ
ه مهوا أن ّك ُه ْ ه َواعْل َ ُن ات َّقههى َوات ُّقههوا الّله َمه ْم عَل َي ْهِ ل ِ َ
خَر َفل إ ِث ْ َ ن ت َأ ّ
م ْوَ َ
ن )(203 شُرو َ ح َتُ ْ
حا وتكبيًرا في أيام قلئل ,وهي أيام التشريق:
واذكروا الله تسبي ً
الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من شهر ذي الحجة .فمن
منى" قبل غروب شمس اليوم الثاني عشر أراد التعجل وخرج من " ِ
منى" حتىبعد رمي الجمار فل ذنب عليه ,ومن تأخر بأن بات به " ِ
58
يرمي الجمار في اليوم الثالث عشر فل ذنب عليه ,لمن اتقى الله
في حجه .والتأخر أفضل; لنه تزّود في العبادة واقتداء بفعل النبي
صلى الله عليه وسلم .وخافوا الله -أيها المسلمون -وراقبوه في
شرون بعد موتكم ح َ
كل أعمالكم ,واعلموا أنكم إليه وحده ت ُ ْ
للحساب والجزاء.
ه عَل َههى َ
مهها شهِد ُ الل ّه َ ه ِفي ال ْ َ
حَياةِ الد ّن َْيا وَي ُ ْ ك قَوْل ُ ُجب ُ َ
ن ي ُعْ ِ م ْس َن الّنا ِ م ْ
وَ ِ
صام ِ )(204 َ
ِفي قَل ْب ِهِ وَهُوَ أل َد ّ ال ْ ِ
خ َ
وبعض الناس من المنافقين يعجبك -أيها الرسول -كلمه الفصيح
دا
ظا من حظوظ الدنيا ل الخرة ,ويحلف مستشه ً الذي يريد به ح ّ
بالله على ما في قلبه من محبة السلم ,وفي هذا غاية الجرأة
على الله ,وهو شديد العداوة والخصومة للسلم والمسلمين.
ك ال ْ َ َ
سه َ
ل ث َوالن ّ ْ
ح هْر َ س هد َ ِفيهَهها وَي ُهْل ِه َ
ض ل ِي ُْف ِ
سَعى فِههي الْر ِ ذا ت َوَّلى َوَإ ِ َ
ب ال َْف َ
ساد َ )(205 ح ّ
ه ل يُ َِوالل ّ ُ
شط في الرض ليفسد جد ّ ون َ ِ
وإذا خرج من عندك أيها الرسولَ ,
فيها ,ويتلف زروع الناس ,ويقتل ماشيتهم .والله ل يحب الفساد.
م وَل َب ِئ ْ َ
س جهَن ّه ُ
ه َ
سهب ُ ُ ه ال ْعِهّزةُ ب ِههال ِث ْم ِ فَ َ
ح ْ ه أَ َ
خهذ َت ْ ُ ق الل ّه َ ل ل َه ُ
ه ات ّه ِ ذا ِقي َ
وَإ ِ َ
مَهاد ُ )(206 ال ْ ِ
صح ذلك المنافق المفسد ,وقيل له :اتق الله واحذر عقابه, وإذا ن ُ ِ
ف عن الفساد في الرض ,لم يقبل النصيحة ,بل يحمله الكبر وك ُ ّ
سُبه جهنم وكافيته عذاًبا, وحمّية الجاهلية على مزيد من الثام ,فَ َ
ح ْ
ولبئس الفراش هي.
59
وبعض الناس يبيع نفسه طلًبا لرضا الله عنه ,بالجهاد في سبيله,
والتزام طاعته .والله رءوف بالعباد ,يرحم عباده المؤمنين رحمة
واسعة في عاجلهم وآجلهم ,فيجازبهم أحسن الجزاء.
َ
ت خط ُه َ
وا ِ ة َول ت َت ّب ِعُههوا ُ سهل ْم ِ َ
كافّه ً خل ُههوا فِههي ال ّ
من ُههوا اد ْ ُنآ َ ذي ََيا أي ّهَهها ال ّه ِ
ن )(208 مِبي ٌ م عَد ُوّ ُ ه ل َك ُ ْ
ن إ ِن ّ ُ شي ْ َ
طا ِ ال ّ
يا أيها الذين آمنوا بالله رًبا وبمحمد نبًيا ورسول وبالسلم ديًنا,
ادخلوا في جميع شرائع السلم ,عاملين بجميع أحكامه ,ول تتركوا
منها شيًئا ,ول تتبعوا طرق الشيطان فيما يدعوكم إليه من
المعاصي .إنه لكم عدو ظاهر العداوة فاحذروه.
َ
م
كي ه ٌ
ح ِ
زي هٌز َ ن الل ّ َ
ه عَ ِ ت َفاعْل َ ُ
موا أ ّ م ال ْب َي َّنا ُ
جاَءت ْك ُ ْ
ما َ
ن ب َعْدِ َ
م ْ ن َزل َل ْت ُ ْ
م ِ فَإ ِ ْ
)(209
فإن انحرفتم عن طريق الحق ,من بعد ما جاءتكم الحجج الواضحة
من القرآن والسنة ,فاعلموا أن الله عزيز في ملكه ل يفوته شيء,
حكيم في أمره ونهيه ,يضع كل شيء في موضعه المناسب له.
ْ َ
ة مههام ِ َوال ْ َ
ملئ ِك َه ُ ن ال ْغَ َ
مه ْ ه فِههي ظ ُل َه ٍ
ل ِ م الل ّه ُ ل َينظ ُهُرو َ
ن إ ِل ّ أ ْ
ن ي َهأت ِي َهُ ْ هَ ه ْ
موُر )(210 ُ مُر وَإ َِلى الل ّهِ ت ُْر َ َ وَقُ ِ
جع ُ ا ل ُ ي ال ْض َ
ما ينتظر هؤلء المعاندون الكافرون بعد قيام الدلة البينة إل أن
يأتيهم الله عز وجل على الوجه اللئق به سبحانه في ظ َُلل من
السحاب يوم القيامة; ليفصل بينهم بالقضاء العادل ,وأن تأتي
الملئكة ,وحينئذ يقضي الله تعالى فيهم قضاءه .وإليه وحده ترجع
أمور الخلئق جميعها.
60
حّرفوها عن مواضعها .ومن يبدل نعمة الله -وهي وأعرضوا عنها ,و َ
دينه -ويكفر بها من بعد معرفتها ,وقيام الحجة عليه بها ,فإن الله
تعالى شديد العقاب له.
61
ما يصبكم من البتلء بل أظننتم -أيها المؤمنون -أن تدخلوا الجنة ,ول ّ
مثل ما أصاب المؤمنين الذين مضوا من قبلكم :من الفقر
والمراض والخوف والرعب ,وُزلزلوا بأنواع المخاوف ,حتى قال
رسولهم والمؤمنون معه -على سبيل الستعجال للنصر من الله
تعالى :-متى نصر الله؟ أل إن نصر الله قريب من المؤمنين.
ن َ
ن َوالقَْرِبيهه َ خي ْرٍ فَل ِل ْ َ
واِلههد َي ْ ِ ن َ
م ْ م ِ
َ
ما أنَفْقت ُ ْل َن قُ ْ فُقو َ ما َ
ذا ُين ِ ك َ سأ َُلون َ َيَ ْ
ه ن الل ّه َ
ه ب ِه ِ خي ْرٍ فَهإ ِ ّ ن َ م ْ ما ت َْفعَُلوا ِ
ل وَ َ سِبي ِن ال ّن َواب ْ ِكي ِ
سا ِ م َمى َوال ْ َ َوال ْي ََتا َ
م )(215 عَِلي ٌ
يسلك أصحابك -أيها النبي -أي شيء ينفقون من أصناف أموالهم
من ينفقون؟ قل لهم :أنفقوا أيّ خيرتقرًبا إلى الله تعالى ,وعلى َ
يتيسر لكم من أصناف المال الحلل الطيب ,واجعلوا نفقتكم
للوالدين ,والقربين من أهلكم وذوي أرحامكم ,واليتامى ,والفقراء,
والمسافر المحتاج الذي ب َعُد َ عن أهله وماله .وما تفعلوا من خير
فإن الله تعالى به عليم.
نص هد ّ عَه ْ ل ِفيهِ ك َِبيٌر وَ َ ل قَِتا ٌ ل ِفيهِ قُ ْ حَرام ِ قَِتا ٍ شهْرِ ال ْ َ ن ال ّ ك عَ ْ سأ َُلون َ َ يَ ْ
َ َ
عن ْد َ الل ّ ِ
ه ه أك ْب َُر ِ من ْ ُ
ج أهْل ِهِ ِ خَرا ُ حَرام ِ وَإ ِ ْ جدِ ال ْ َ س ِ
م ْ ل الل ّهِ وَك ُْفٌر ب ِهِ َوال ْ َ سِبي ِ َ
َ
م ن ِدين ِك ُ ْ ْ م عَ دوك ُ ْحّتى ي َُر ّ م َ ن ي َُقات ُِلون َك ُ ْل َول ي ََزاُلو َ ِ ن ال َْقت ْ ْ ة أك ْب َُر ِ
م َوال ِْفت ْن َ ُ
ك ت وَهُ هوَ ك َههافٌِر فَ هأ ُوْل َئ ِ َ مه ْ ن ِدين ِهِ فَي َ ُ م عَ ْ من ْك ُ ْ
ن ي َْرت َدِد ْ ِ م ْ عوا وَ َ طا ُست َ َ نا ْ إِ ْ
َ ُ
خهَرةِ وَأوْل َئ ِ َ َ
م ِفيهَهها ب الن ّههارِ هُه ْ حا ُصه َ كأ ْ م ِفي الد ّن َْيا َوال ِ مال ُهُ ْت أعْ َ حب ِط َ ْ َ
ن )(217 دو َ خال ِ ُ َ
62
يسألك المشركون -أيها الرسول -عن الشهر الحرام :هل يحل فيه
القتال؟ قل لهم :القتال في الشهر الحرام عظيم عند الله
مْنعكم الناس من دخول السلم استحلله وسفك الدماء فيه ,و َ
مْنع
بالتعذيب والتخويف ,وجحودكم بالله وبرسوله وبدينه ,و َ
المسلمين من دخول المسجد الحرام ,وإخراج النبي والمهاجرين
ما عند الله منمنه وهم أهله وأولياؤه ,ذلك أكبر ذنًبا ,وأعظم جر ً
القتال في الشهر الحرام .والشرك الذي أنتم فيه أكبر وأشد من
القتل في الشهر الحرام .وهؤلء الكفار لم يرتدعوا عن جرائمهم,
بل هم مستمرون عليها ,ول يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن
السلم إلى الكفر إن استطاعوا تحقيق ذلك .ومن أطاعهم منكم
-أيها المسلمون -وارتد ّ عن دينه فمات على الكفر ,فقد ذهب عمله
في الدنيا والخرة ,وصار من الملزمين لنار جهنم ل يخرج منها
دا.
أب ً
َ
شهرِك َ ٍ
ة م ْن ُ مه ْ خْيهٌر ِ ة َ مَنه ٌمؤ ْ ِة ُ مه ٌن وَل َ م ّحّتى ي ُؤْ ِ ت َ كا ِ شرِ َ م ْحوا ال ْ ُ َول َتنك ِ ُ
َ
خي ْهٌر
ن َ م ٌ من ُههوا وَل َعَب ْهد ٌ ُ
م هؤ ْ ِ حّتى ي ُؤْ ِ ن َ كي َشرِ ِ م ْ حوا ال ْ ُ م َول ُتنك ِ ُ جب َت ْك ُ ْوَل َوْ أعْ َ
عو إ ِل َههى ن إ ِل َههى الن ّههارِ َوالل ّه ُ
ه ي َهد ْ ُ عو َ ك ي َهد ْ ُم أ ُوْل َئ ِ َ جب َك ُ ْ
َ
ك وَل َوْ أعْ َ شرِ ٍ م ْن ُ م ْ ِ
ن )(221 م ي َت َذ َك ُّرو َس ل َعَل ّهُ ْن آَيات ِهِ ِللّنا ِ مغِْفَرةِ ب ِإ ِذ ْن ِهِ وَي ُب َي ّ ُ جن ّةِ َوال ْ َ ال ْ َ
ول تتزوجوا -أيها المسلمون -المشركات عابدات الوثان ,حتى
يدخلن في السلم .واعلموا أن امرأة مملوكة ل مال لها ول
ة بالله ,خير من امرأة مشركة ,وإن أعجبتكم حسب ,مؤمن ً
المشركة الحرة .ول ت َُزّوجوا نساءكم المؤمنات -إماء أو حرائر-
دا مؤمًنا معللمشركين حتى يؤمنوا بالله ورسوله .واعلموا أن عب ً
فقره ,خير من مشرك ,وإن أعجبكم المشرك .أولئك المتصفون
من يعاشرهم إلى ما يؤدي به إلى بالشرك رجال ونساًء يدعون كل َ
النار ,والله سبحانه يدعو عباده إلى دينه الحق المؤدي بهم إلى
الجنة ومغفرة ذنوبهم بإذنه ,ويبين آياته وأحكامه للناس; لكي
يتذكروا ,فيعتبروا.
ة ل َيمان ِك ُ َ
س
ن الّنا ِ
حوا ب َي ْ َ
صل ِ ُ
ن ت َب َّروا وَت َت ُّقوا وَت ُ ْ
مأ ْْ ض ً ْ َ جعَُلوا الل ّ َ
ه عُْر َ َول ت َ ْ
م )(224 ميعٌ عَِلي ٌس ِه َ َوالل ّ ُ
ول تجعلوا -أيها المسلمون -حلفكم بالله مانًعا لكم من البر وصلة
عوا إلى فعل شيء الرحم والتقوى والصلح بين الناس :بأن ت ُد ْ َ
منها ,فتحتجوا بأنكم أقسمتم بالله أل تفعلوه ,بل على الحالف أن
يعدل عن حلفه ,ويفعل أعمال البر ,ويكفر عن يمينه ,ول يعتاد ذلك.
والله سميع لقوالكم ,عليم بجميع أحوالكم.
َ
ت مهها ك َ َ
سهب َ ْ خهذ ُك ُ ْ
م بِ َ م وَل َك ِه ْ
ن يُ َ
ؤا ِ ه ب ِههالل ّغْوِ فِههي أي ْ َ
مههان ِك ُ ْ م الل ّه ُ خذ ُك ُ ْ
ؤا ِ ل يُ َ
م )(225 حِلي ٌ ه غَُفوٌر َ م َوالل ّ ُ قُُلوب ُك ُ ْ
ل يعاقبكم اللههه بسههبب أيمههانكم الههتي تحلفونههها بغيههر قصههد ,ولكههن
يعاقبكم بما قصد َْته قلوبكم .والله غفور لمن تاب إليههه ,حليههم بمههن
65
عصاه حيث لم يعاجله بالعقوبة.
ن الل ّه َ
ه ن فَههاُءوا فَهإ ِ ّ ص أ َْرب َعَةِ أ َ ْ
شههُرٍ فَهإ ِ ْ م ت ََرب ّ ُ
سائ ِهِ ْ
ن نِ َ
م ْ ن ي ُؤُْلو َ
ن ِ ل ِل ّ ِ
ذي َ
م )(226 حي ٌ غَُفوٌر َر ِ
للذين يحلفون بالله أن ل يجامعوا نساءهم ,انتظار أربعة أشهر ,فإن
رجعوا قبل فوات الشهر الربعة ,فإن الله غفور لما وقع منهم مههن
الحلف بسبب رجوعهم ,رحيم بهم.
م )(227
ميعٌ عَِلي ٌ
س ِ ن الل ّ َ
ه َ موا ال ّ
طلقَ فَإ ِ ّ ن عََز ُ
وَإ ِ ْ
وإن عقدوا عزمهم علههى الطلق ,باسههتمرارهم فههي اليميههن ,وتههرك
الجماع ,فإن اللهه سههميع لقههوالهم ,عليههم بمقاصههدهم ,وسههيجازيهم
على ذلك.
ل ل َه ه َ َ
ن
مه َ ن ي َك ْت ُ ْ
نأ ْ حه ّ ُ ّ ة قُُروٍء َول ي َ ِ ن َثلث َ َ سه ِ ّن ب ِأنُف ِ ص َ ت ي َت ََرب ّ ْ مط َل َّقا َُوال ْ ُ
َ
ن خرِ وَب ُُعول َت ُهُ ّ ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ ال ِ م ّ ن ي ُؤْ ِن كُ ّ ن إِ ْ مه ِ ّ حا ِه ِفي أْر َ خل َقَ الل ّ ُما َ َ
َ َ
نذي عَل َي ْهِه ّ ل ال ّه ِ
مث ْه ُن ِ صههلحا ً وَل َهُه ّ دوا إ ِ ْ ن أَرا ُ ك إِ ْ ن فِههي ذ َل ِه َ حقّ ب َِرد ّهِه ّ أ َ
م )(228 كي ٌح ِ زيٌز َ ه عَ ِ ة َوالل ّ ُ ج ٌ ن د ََر َ ل عَل َي ْهِ ّ جا ِ ف وَِللّر َ معُْرو ِ ِبال ْ َ
والمطلقات ذوات الحيض ,يجب أن ينتظرن دون نكههاح بعههد الطلق
مدة ثلثة أطهار أو ثلث حيضات علههى سههبيل العههدة; ليتأكههدن مههن
فراغ الرحم من الحمل .ول يجوز لهن تزوج رجل آخر في أثناء هذه
العههدة حههتى تنتهههي .ول يحههل لهههن أن يخفيههن مهها خلههق اللههه فههي
أرحامهن من الحمل أو الحيض ,إن كانت المطلقههات مؤمنههات حًقهها
بالله واليوم الخر .وأزواج المطلقات أحق بمراجعتهههن فههي العههدة.
وينبغي أن يكون ذلك بقصد الصلح والخير ,وليههس بقصههد الضههرار
تعذيًبا لهن بتطويل العدة .وللنساء حقههوق علهى الزواج ,مثهل الههتي
عليهن ,على الوجه المعروف ,وللرجههال علههى النسههاء منزلههة زائدة
من حسن الصحبة والعشرة بالمعروف والِقوامة على الههبيت وملههك
الطلق .والله عزيز له العزة القهاهرة ,حكيههم يضهع كهل شههيء فهي
موضعه المناسب.
66
ل لَ ُ َ سا ٌ ال ّ
م كهه ْ حهه ّن َول ي َ ِ سا ٍح َ ح ب ِإ ِ ْ
ري ٌ ِ س
ف أو ْ ت َ ْ معُْرو ٍ ك بِ َ م َ ن َفإ ْ مّرَتا ِ طلقُ َ
َ َ ْ َ
ن دود َ الل ّههِ فَ هإ ِ ْ حه ُ ما ُ خاَفا أل ّ ي ُِقي َ ن يَ َ شْيئا ً إ ِل ّ أ ْ ن َ موهُ ّ ما آت َي ْت ُ ُم ّ ذوا ِ خ ُن ت َأ ُأ ْ
ت ب ِهِ ت ِل ْ َ خْفت َ
دود ُ حهه ُك ُ ما افْت َد َ ْ ما ِفي َ ح عَل َي ْهِ َ دود َ الل ّهِ َفل ُ
جَنا َ ح ُ ما ُ م أل ّ ي ُِقي َ ِ ُ ْ
م ال ّ ُ
دود َ الل ّهِ فَأوْل َئ ِ َ
ن )(229 مو َ ظال ِ ُ ك هُ ْ ح ُن ي َت َعَد ّ ُم ْ ها وَ َ دو َ الل ّهِ َفل ت َعْت َ ُ
الطلق الذي تحصل به الرجعة مرتان ,واحههدة بعههد الخههرى ,فحكههم
الله بعد كل طلقة هو إمساك المههرأة بههالمعروف ,وحسههن العشههرة
بعد مراجعتها ,أو تخلية سبيلها مع حسن معاملتها بأداء حقوقها ,وأل
يذكرها مطلقها بسوء .ول يحل لكههم -أيههها الزواج -أن تأخههذوا شههيًئا
مما أعطيتموهن من المهر ونحوه ,إل أن يخاف الزوجههان أل يقومهها
بالحقوق الزوجية ,فحينئذ يعرضان أمرهما على الولياء ,فههإن خههاف
الولياء عدم إقامة الزوجين حدود الله ,فل حرج على الزوجين فيما
تدفعه المرأة للزوج مقابههل طلقههها .تلههك الحكههام هههي حههدود اللههه
الفاصلة بين الحلل والحرام ,فل تتجاوزوها ,ومن يتجاوز حدود اللههه
تعالى فأولئك هم الظالمون أنفسهم بتعريضها لعذاب الله.
ن ط َل َّقهَهها
ح َزْوج ها ً غَي ْهَرهُ فَهإ ِ ْحّتى َتنك ِ َ ن ب َعْد ُ َ
م ْه ِ ل لَ ُ ح ّ ن ط َل َّقَها َفل ت َ ِ فَإ ِ ْ
دود َ الل ّهِ وَت ِل ْه َ َ َ
دود ُحه ُ ك ُ ح ُ
ما ُ ن ي ُِقي َن ظ َّنا أ ْجَعا إ ِ ْن ي َت ََرا َ ما أ ْ ح عَل َي ْهِ َ
جَنا َ َفل ُ
ن )(230 مو َ الل ّهِ ي ُب َي ّن َُها ل َِقوْم ٍ ي َعْل َ ُ
ل لههه إل إذا تزوجههت فإن طّلق الرجل زوجته الطلقة الثالثة ,فل تح ه ّ
حا وجامعها فيه ويكههون الههزواج عههن رغبههة ,ل جا صحي ًرجل غيره زوا ً
بنية تحليل المرأة لزوجها الول ,فههإن طلقههها الههزوج الخههر أو مههات
عنها وانقضت عدتها ,فل إثم على المههرأة وزوجههها الول أن يتزوجهها
بعقد جديد ,ومهر جديد ,إن غلب على ظنهما أن يقيمهها أحكههام اللههه
الههتي شههرعها للزوجيههن .وتلههك أحكههام اللههه المحههددة يبينههها لقههوم
يعلمون أحكامه وحدوده; لنهم المنتفعون بها.
67
وإذا ط َّلقتم النساء فقاربن انتهاء عدتهن ,فراجعوهن ,ونيتكم القيام
عا وعرًفا ,أو اتركوهن حتى بحقوقهن على الوجه المستحسن شر ً
تنقضي عدتهن .واحذروا أن تكون مراجعتهن بقصد الضرار بهن
لجل العتداء على حقوقهن .ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه
وا.
باستحقاقه العقوبة ,ول تتخذوا آيات الله وأحكامه لعًبا وله ً
واذكروا نعمة الله عليكم بالسلم وتفصيل الحكام .واذكروا ما
أنزل الله عليكم من القرآن والسنة ,واشكروا له سبحانه على هذه
كركم الله بهذا ,ويخوفكم من المخالفة ,فخافوا النعم الجليلةُ ,يذ ّ
الله وراقبوه ,واعلموا أن الله عليم بكل شيء ,ل يخفى عليه
شيء ,وسيجازي كل بما يستحق.
ن ذا ط َل ّْقتم النساَء فَبل َغْن أ َجل َهن َفل تعضُلوهُن أ َن ينكح َ وَإ ِ َ
جُههه ّ ن أْزَوا َ ّ ْ َ ِ ْ َ َْ ُ َ َ َ ُ ّ ُ ْ ّ َ
ن ِبالل ّ ِ
ه م ُ م ي ُؤْ ِمن ْك ُ ْ
ن ِ ن َ
كا َ م ْ ظ ب ِهِ َ ك ُيوعَ ُ ف ذ َل ِ َ معُْرو ِم ِبال ْ َوا ب َي ْن َهُ ْ
ض ْ
ذا ت ََرا َ إِ َ
َ َ َ
ن) مههو َ م ل ت َعْل َ ُ م وَأن ْت ُه ْ ه ي َعْل َه ُ
م وَأط ْهَُر َوالل ّ ُ كى ل َك ُ ْ
م أْز َ خرِ ذ َل ِك ُ ْ َوال ْي َوْم ِ ال ِ
(232
واذا طّلقتم نساءكم دون الثلث وانتهت عدتهن من غير مراجعة
لهن ,فل تضيقوا -أيها الولياء -على المطلقات بمنعهن من العودة
عا
إلى أزواجهن بعقد جديد إذا أردن ذلك ,وحدث التراضي شر ً
وعرًفا .ذلك يوعظ به من كان منكم صادق اليمان بالله واليوم
ك العضل وتمكين الزواج من نكاح زوجاتهم أكثر نماء الخر .إن ت َْر َ
وطهارة لعراضكم ,وأعظم منفعة وثواًبا لكم .والله يعلم ما فيه
صلحكم وأنتم ل تعلمون ذلك.
ة أَ ْ َ
ر
شه ُ ٍ ن أ َْرب َعَ َ
سه ِ ّن ب ِأنُف ِص َ
وال ّذين يتوفّون منك ُم ويذ َرو َ
ن أْزَواجا ً ي َت ََرب ّ ْ َ ِ َ َُ َ ْ َ ِ ْ ْ ََ ُ َ
َ ذا بل َغْ َ
نس هه ِ ّ
ن فِههي أنُف ِ مهها فَعَل ْه َ
م ِفي َ ح عَل َي ْك ُ ْ
جَنا َن َفل ُ جل َهُ ّنأ َ شرا ً فَإ ِ َ َ َ وَعَ ْ
خِبيٌر )(234 ن َ مُلو َما ت َعْ َ ف َوالل ّ ُ
ه بِ َ معُْرو ِِبال ْ َ
والذين يموتون منكم ,ويتركون زوجات بعدهم ,يجب عليهن
النتظار بأنفسهن مدة أربعة أشهر وعشرة أيام ,ل يخرجن من
ن ,ول يتزوجن ,فإذا انتهت المدة المذكورة
منزل الزوجية ,ول يتزي ّ ّ
فل إثم عليكم يا أولياء النساء فيما يفعلن في أنفسهن من الخروج,
عا .والله سبحانه وتعالى
والتزين ,والزواج على الوجه المقرر شر ً
خبير بأعمالكم ظاهرها وباطنها ,وسيجازيكم عليها.
َ َ
م فِههي سههاِء أوْ أك َْننت ُه ْ خط ْب َهةِ الن ّ َ ن ِ مه ْم ب ِهِ ِ ضت ُ ْما عَّر ْ م ِفي َ ح عَل َي ْك ُ ْ جَنا َ
َول ُ
َ َأنُفسك ُم عَل ِم الل ّ َ
ن س هّرا ً إ ِل ّ أ ْن ِ دوهُ ّ عه ُ وا ِ
ن ل تُ َ ن وَل َك ِ ْ ست َذ ْك ُُرون َهُ ّ
م َ ه أن ّك ُ ْ ُ َ ِ ْ
َ
هجل َه ُ
بأ َ حّتى ي َب ْل ُهغَ ال ْك ِت َهها ُ ح َ ِ موا عُْقد َةَ الن ّ َ
كا معُْروفا ً َول ت َعْزِ ُ ت َُقوُلوا قَوْل ً َ
َ َ َ
ن الل ّه َ
ه مههوا أ ّ ح هذ َُروهُ َواعْل َ ُ م َفا ْ س هك ُ ْ
مهها فِههي أنُف ِ م َ ه ي َعْل َ ُن الل ّ َ موا أ ّ َواعْل َ ُ
م )(235 حِلي ٌ غَُفوٌر َ
من طلب الزواج ول إثم عليكم -أيها الرجال -فيما ت ُل َ ّ
محون به ِ
ن أزواجهن ،أو المطلقات طلًقا بائًنا في أثناء بالنساء المتوّفى عنه ّ
ضا فيما أضمرتموه في أنفسكم من نية عدتهن ,ول ذنب عليكم أي ً
الزواج بهن بعد انتهاء عدتهن .علم الله أنكم ستذكرون النساء
دات ,ولن تصبروا على السكوت عنهن ,لضعفكم; لذلك أباح المعت ّ
حا أو إضماًرا في النفس ,واحذروا أن لكم أن تذكروهن تلمي ً
69
تواعدوهن على النكاح سًرا بالزنى أو التفاق على الزواج في أثناء
ب فيها الزواج ,ولالعدة ,إل أن تقولوا قول ي ُْفَهم منه أن مثلها ي ُْرغَ ُ
تعزموا على عقد النكاح في زمان العدة حتى تنقضي مدتها.
واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فخافوه ,واعلموا أن الله
غفور لمن تاب من ذنوبه ,حليم على عباده ل يعجل عليهم
بالعقوبة.
70
موا ل ِل ّهِ َقان ِِتي َ
ن )(238 س َ
طى وَُقو ُ صلةِ ال ْوُ ْ
ت َوال ّ صل َ َ
وا ِ ظوا عََلى ال ّ
حافِ ُ
َ
حافظوا -أيها المسلمون -على الصلوات الخمس المفروضة
بالمداومة على أدائها في أوقاتها بشروطها وأركانها وواجباتها,
وحافظوا على الصلة المتوسطة بينها وهي صلة العصر ,وقوموا
في صلتكم مطيعين لله ,خاشعين ذليلين.
َ
م )(244
ميعٌ عَِلي ٌ
س ِ ن الل ّ َ
ه َ ل الل ّهِ َواعْل َ ُ
موا أ ّ وََقات ُِلوا ِفي َ
سِبي ِ
وقاتلوا -أيها المسلمون -الكفار لنصرة دين الله ,واعلموا أن الله
سميع لقوالكم ,عليم بنّياتكم وأعمالكم.
72
َ
ي سههى إ ِذ ْ قَههاُلوا ل ِن َب ِه ّ مو َ ن ب َعْ هدِ ُ مه ْ ل ِ سَراِئي َ ن ب َِني إ ِ ْ م ْمل ٍ ِ م ت ََر إ َِلى ال ْ َ أل َ ْ
ب ن ك ُت ِه َم إِ ْس هي ْت ُ ْ
ل عَ َ ل هَ ه ْ ل الل ّهِ قَهها َ سِبي ِ ل ِفي َ مِلكا ً ن َُقات ِ ْ ث ل ََنا َ م اب ْعَ ْ ل َهُ ْ
ل الل ّههِ وَقَ هد ْ س هِبي ِ ل ِفي َ ما ل ََنا أ َل ّ ن َُقات ِ َ ل أل ّ ت َُقات ُِلوا َقاُلوا وَ َ
عَل َيك ُم ال ْقتا ُ َ
ْ ْ ِ َ
َ أُ ْ
م وا إ ِل ّ قَِليل ً ِ
من ْهُ ْ ل ت َوَل ّ ْم ال ِْقَتا ُب عَل َي ْهِ ْ ن دَِيارَِنا وَأب َْنائ َِنا فَل َ ّ
ما ك ُت ِ َ م ْ جَنا ِخرِ ْ
ن )(246 مي َ م ِبال ّ
ظال ِ ِ ه عَِلي ٌ َوالل ّ ُ
ألم تعلم -أيها الرسول -قصة الشراف والوجهاء من بني إسرائيل
من بعد زمان موسى; حين طلبوا من نبيهم أن يولي عليهم ملكا,
يجتمعون تحت قيادته ,ويقاتلون أعداءهم في سبيل الله .قال لهم
رض عليكم القتال في سبيل الله ن فُ ِ
نبيهم :هل المر كما أتوقعه إ ْ
أنكم ل تقاتلون; فإني أتوقع جبنكم وفراركم من القتال ,قالوا
مستنكرين توقع نبيهم :وأي مانع يمنعنا عن القتال في سبيل الله,
جَنا عدّونا من ديارنا ,وأبعدنا عن أولدنا بالقتل والسر؟ وقد أ َ ْ
خَر َ
جُبنوا وفّروا
فلما فرض الله عليهم القتال مع المِلك الذي عّينه لهم َ
عن القتال ,إل قليل منهم ثبتوا بفضل الله .والله عليم بالظالمين
الناكثين عهودهم.
ْ َ
ن
مه ْ
ة ِ
كين َ ٌ
سه ِ
ت ِفي ههِ َ
م الت ّههاُبو ُ مل ْك ِههِ أ ْ
ن ي َهأت ِي َك ُ ْ ة ُ
ن آي َ َ
م إِ ّ ل ل َهُ ْ
م ن َب ِي ّهُ ْ وََقا َ
73
ن ِفههي
ة إِ ّ ه ال ْ َ
ملئ ِك َ ُ مل ُ ُ
ح ِ
ن تَ ْ
هاُرو َ سى َوآ ُ
ل َ مو َ ل ُ كآ ُ ما ت ََر َ
م ّة ِ َرب ّك ُ ْ
م وَب َِقي ّ ٌ
ن )(248 مؤ ْ ِ
مِني َ م ُ ن ُ
كنت ُ ْ م إِ ْة ل َك ُ ْ ك لي َ ًذ َل ِ َ
وقال لهم نبيهم :إن علمة ملكه أن يأتيكم الصندوق الذي فيه
التوراة -وكان أعداؤهم قد انتزعوه منهم -فيه طمأنينة من ربكم
تثبت قلوب المخلصين ,وفيه بقية من بعض أشياء تركها آل موسى
وآل هارون ,مثل العصا وُفتات اللواح تحمله الملئكة .إن في ذلك
لعظم برهان لكم على اختيار طالوت مل ً
كا عليكم بأمر الله ,إن
كنتم مصدقين بالله ورسله.
َ
ص هْبرا ً وَث َب ّه ْ
ت جن ُههودِهِ قَههاُلوا َرب ّن َهها أفْ هرِغْ عَل َي ْن َهها َت وَ ُ جههاُلو َ
ما ب َهَرُزوا ل ِ َوَل َ ّ
صْرَنا عََلى ال َْقوْم ِ ال ْ َ َ
ن )(250 ري َكافِ ِ مَنا َوان ْ ُ
دا َأقْ َ
74
ولما ظهروا لجالوت وجنوده ,ورأوا الخطر رأي العين ,فزعوا إلى
ما,
الله بالدعاء والضراعة قائلين :ربنا أنزل على قلوبنا صبًرا عظي ً
من هول وثبت أقدامنا ,واجعلها راسخة في قتال العدو ,ل تفر ِ
الحرب ,وانصرنا بعونك وتأييدك على القوم الكافرين.
ة
مه َ حك ْ َك َوال ْ ِمل ْ ه َ
ه ال ْ ُت َوآَتاهُ الل ّ ُ جاُلو َ داُوود ُ َ
ل َن الل ّهِ وَقَت َ َ م ب ِإ ِذ ْ ِ
موهُ ْ فَهََز ُ
ت
س هد َ ْ ض ل ََف َ م ب ِب َعْه ٍ ض هه ُ ْ ول د َفْهعُ الل ّههِ الن ّهها َ
س ب َعْ َ شههاُء وَل َه ْ ما ي َ َ م ّ
ه ِم ُ وَعَل ّ َ
ل عََلى ال َْعال َ ِ َ
ن )(251 مي َ ض ٍذو فَ ْ ه ُن الل ّ َ ض وَل َك ِ ّالْر ُ
ت قائد َ الجبابرة,
فهزموهم بإذن الله ,وقتل داود -عليه السلم -جالو َ
وأعطى الله عز وجل داود بعد ذلك الملك والنبوة في بني
إسرائيل ,وعَّلمه مما يشاء من العلوم .ولول أن يدفع الله ببعض
ضا ,وهم أهل المعصية الناس -وهم أهل الطاعة له واليمان به -بع ً
كن الطغيان, لله والشرك به ,لفسدت الرض بغلبة الكفر ,وتم ّ
وأهل المعاصي ,ولكن الله ذو فضل على المخلوقين جميًعا.
ن )(252
سِلي َ ن ال ْ ُ
مْر َ ك لَ ِ
م ْ ك ِبال ْ َ
حقّ وَإ ِن ّ َ ها عَل َي ْ َ
ت الل ّهِ ن َت ُْلو َ ت ِل ْ َ
ك آَيا ُ
صها عليك -أيها النبي -بالصدق ,وإنك
تلك حجج الله وبراهينه ,نق ّ
لمن المرسلين الصادقين.
75
الجزء الثالث
ه وََرفَعَ م الل ّ ُ
ن ك َل ّ َ
م ْم َ من ْهُ ْ ض ِ ٍ م عََلى ب َعْ ضه ُ ْ ضل َْنا ب َعْ َ ل فَ ّ س ُك الّر ُ ت ِل ْ َ
س ُ دقُ ت وَأ َي ّد َْناهُ ب ُِروح ال ْ م ال ْب َي َّنا ِ مْري َ َ
ن َ سى اب ْ َ عي َ ت َوآت َي َْنا ِ جا ٍم د ََر َ ضه ُ ْب َعْ َ
ِ ِ
م ال ْب َي َّنا ُ
ت جاَءت ْهُ ْما َ ن ب َعْدِ َ
م ْ م ِ ن ب َعْدِهِ ْ م ْن ِ ذي َ ل ال ّ ِ ما اقْت َت َ َ ه َشاَء الل ّ ُ وَل َوْ َ
ما
ه َ شاَء الل ّ ُ ن ك ََفَر وَل َوْ َ م ْ م َ من ْهُ ْن وَ ِ م َ نآ َ م ْ م َمن ْهُ ْ خت َل َُفوا فَ ِ نا ْ وَل َك ِ ْ
ريد ُ )(253 ما ي ُ ِ ل َ ه ي َْفعَ ُ ن الل ّ َاقْت َت َُلوا وَل َك ِ ّ
ن
ضل الله بعضهم على بعض ,بحسب ما م ّ هؤلء الرسل الكرام ف ّ
من كلمه الله كموسى ومحمد عليهما الصلة الله به عليهم :فمنهم َ
والسلم ,وفي هذا إثبات صفة الكلم لله عز وجل على الوجه
ة كمحمد صلى الله ت عالي ًمن رفعه الله درجا ٍ اللئق بجلله ,ومنهم َ
عليه وسلم ,بعموم رسالته ,وختم النبوة به ,وتفضيل أمته على
جميع المم ,وغير ذلك .وآتى الله تعالى عيسى ابن مريم عليه
من ولد أعمى بإذن الله السلم البينات المعجزات الباهرات ,كإبراء َ
من به برص بإذن الله ,وكإحيائه الموتى بإذن الله ,وأيده تعالى ,و َ
من بعدبجبريل عليه السلم .ولو شاء الله أل يقتتل الذين جاؤوا ِ
من بعد ما جاءتهم البينات ما اقتتلوا ,ولكن وقع هؤلء الرسل ِ
من أصر على من ثبت على إيمانه ,ومنهم َ الختلف بينهم :فمنهم َ
كفره .ولو شاء الله بعد ما وقع الختلف بينهم ,الموجب للقتتال,
من يشاء لطاعته واليمان به ,ويخذل ما اقتتلوا ,ولكن الله يوفق َ
من يشاء ,فيعصيه ويكفر به ،فهو يفعل ما يشاء ويختار. َ
ع ْ يا أ َيها ال ّذين آمنوا َأنفُقوا مما رزقْناك ُم من قَب َ
م ل ب َي ْ ٌ
ي ي َوْ ٌن ي َأت ِ َ
لأ ْ ِ ّ َ َ َ ْ ِ ْ ْ ِ ِ ِ َ َ ُ َ َّ
ن )(254 مو َ ّ
م الظال ِ ُ
ن هُ ْ
كافُِرو َ ْ
ة َوال َ ة َول َ
شَفاعَ ٌ ّ
خل ٌِفيهِ َول ُ
دقتم رسوله وعملتم بهديه أخرجوا الزكاةيا من آمنتم بالله وص ّ
دقوا مما أعطاكم الله قبل مجيء يوم القيامة حينالمفروضة ,وتص ّ
من عذاب الله ,ول ل بيع فيكون ربح ,ول مال تفتدون به أنفسكم ِ
صداقة صديق ُتنقذكم ,ول شافع يملك تخفيف العذاب عنكم.
والكافرون هم الظالمون المتجاوزون حدود الله.
76
ْ
ما ِفي ه َ م لَ ُ ة َول ن َوْ ٌ خذ ُهُ ِ
سن َ ٌ م ل ت َأ ُ ي ال َْقّيو ُح ّ ه إ ِل ّ هُوَ ال ْ َه ل إ ِل َ َ الل ّ ُ
َ
ما
م َعن ْد َهُ إ ِل ّ ب ِإ ِذ ْن ِهِ ي َعْل َ ُشَفعُ ِ ذي ي َ ْ ذا ال ّ ِ
ن َ م ْ ض َ
ما ِفي الْر ِ ت وَ َ وا ِ م َ س َ ال ّ
َ
شاءَ ما َ مهِ إ ِل ّ ب ِ َ عل ْ ِن ِ م ْ
يٍء ِ ش ْ ن بِ َ طو َحي ُ م َول ي ُ ِ خل َْفهُ ْما َ م وَ َ ديهِ ْ ن أي ْ ِ ب َي ْ َ
َ
ما وَهُوَ ال ْعَل ِ ّ
ي حْفظ ُهُ َ ض َول ي َُئود ُهُ ِ ت َوالْر َ وا ِ م َس َه ال ّ سي ّ ُ سعَ ك ُْر ِ وَ ِ
م )(255 ظي ُ ال ْعَ ِ
ي الذي له جميعالله الذي ل يستحق اللوهية والعبودية إل هو ,الح ّ
معاني الحياة الكاملة كما يليق بجلله ,القائم على كل شيء ,ل
سَنة أي :نعاس ,ول نوم ,كل ما في السموات وما في تأخذه ِ
الرض ملك له ,ول يتجاسر أحد أن يشفع عنده إل بإذنه ,محيط
علمه بجميع الكائنات ماضيها وحاضرها ومستقبلها ,يعلم ما بين
أيدي الخلئق من المور المستقبلة ,وما خلفهم من المور الماضية,
طلعُ أحد من الخلق على شيء من علمه إل بما أعلمه الله ول ي َ ّ
وأطلعه عليه .وسع كرسيه السموات والرض ,والكرسي :هو
موضع قدمي الرب -جل جلله -ول يعلم كيفيته إل الله سبحانه ,ول
يثقله سبحانه حفظهما ,وهو العلي بذاته وصفاته على جميع
مخلوقاته ,الجامع لجميع صفات العظمة والكبرياء .وهذه الية
أعظم آية في القرآن ,وتسمى) :آية الكرسي(.
ت طا ُ
غو ِ ن ي َك ُْفْر ِبال ّ ي فَ َ
م ْ ن الغَ ّ
م ْ شد ُ ِن الّر ْ ن قَد ْ ت َب َي ّ َ ل إ ِك َْراهَ ِفي ال ّ
دي ِ
م ل ََها َوالل ّ ُ
ه صا َ ك ِبال ْعُْروَةِ ال ْوُث َْقى ل انِف َس َ م َ ن ِبالل ّهِ فََقد ْ ا ْ
ست َ ْ وَي ُؤْ ِ
م ْ
م )(256 ميعٌ عَِلي ٌس ِ َ
لكمال هذا الدين واتضاح آياته ل ُيحتاج إلى الكراه عليه لمن ُتقبل
منهم الجزية ,فالدلئل بينة يتضح بها الحق من الباطل ,والهدى من
من يكفر بكل ما عُِبد من دون الله ويؤمن بالله ,فقد ثبت الضلل .فَ َ
واستقام على الطريقة المثلى ,واستمسك من الدين بأقوى سبب
ل انقطاع له .والله سميع لقوال عباده ,عليم بأفعالهم ونياتهم,
وسيجازيهم على ذلك.
77
ن ت إ َِلى الّنورِ َوال ّ ِ
ذي َ ما ِن الظ ّل ُ َ م ْ م ِ جه ُ ْخرِ ُ مُنوا ي ُ ْنآ َ ذي َي ال ّ ِ الل ّ ُ
ه وَل ِ ّ
ت أ ُوْل َئ ِ َ
ك ما ِ ن الّنورِ إ َِلى الظ ّل ُ َم ْ م ِجون َهُ ْخرِ ُ ت يُ ْ غو ُ م ال ّ
طا ُ َ
ك ََفُروا أوْل َِياؤُهُ ْ
ن )(257 َ
دو َ خال ِ ُم ِفيَها َ ب الّنارِ هُ ْ حا ُص َأ ْ
الله يتولى المؤمنين بنصره وتوفيقه وحفظه ,يخرجهم من ظلمات
الكفر ,إلى نور اليمان .والذين كفروا أنصارهم وأولياؤهم النداد
والوثان الذين يعبدونهم من دون اللهُ ,يخرجونهم من نور اليمان
إلى ظلمات الكفر ,أولئك أصحاب النار الملزمون لها ,هم فيها
باقون بقاء أبدًيا ل يخرجون منها.
78
دمت أو هل رأيت -أيها الرسول -مثل الذي مّر على قرية قد ته ّ
ت على عروشها ,فقال :كيف يحيي الله هذه القرية بعد خو َ ْ
دورها ,و َ
موتها؟ فأماته الله مائة عام ,ثم رد ّ إليه روحه ,وقال له :كم قدر
ما أو بعض يوم ,فأخبره بأنه الزمان الذي لبثت ميًتا؟ قال :بقيت يو ً
بقي ميًتا مائة عام ,وأمره أن ينظر إلى طعامه وشرابه ,وكيف
حفظهما الله من التغّير هذه المدة الطويلة ,وأمره أن ينظر إلى
ما متفرقة؟ وقال له: حماره كيف أحياه الله بعد أن كان عظا ً
ولنجعلك آية للناس ,أي :دللة ظاهرة على قدرة الله على البعث
بعد الموت ,وأمره أن ينظر إلى العظام كيف يرفع الله بعضها على
ما ,ثم يعيد بعض ,ويصل بعضها ببعض ,ثم يكسوها بعد اللتئام لح ً
عياًنا اعترف بعظمة الله ,وأنه على فيها الحياة؟ فلما اتضح له ذلك ِ
كل شيء قدير ,وصار آية للناس.
79
في أرض طيبة ,فإذا بها قد أخرجت ساًقا تشعب منها سبع شعب,
لكل واحدة سنبلة ,في كل سنبلة مائة حبة .والله يضاعف الجر
لمن يشاء ,بحسب ما يقوم بقلب المنفق من اليمان والخلص
التام .وفضل الله واسع ,وهو سبحانه عليم بمن يستحقه ,مطلع
على نيات عباده.
م)
حِلي ٌ
ي َ صد َقَةٍ ي َت ْب َعَُها أ َ ً
ذى َوالل ّ ُ
ه غَن ِ ّ ن َ
م ْ
خي ٌْر ِ
مغِْفَرةٌ َ
ف وَ َ
معُْرو ٌ
ل َقَوْ ٌ
(263
ف في السؤال ,خير
من إلحا ٍ
من السائل ِكلم طيب وعفو عما بدر ِ
من صدقة يتبعها من المتصدق أذى وإساءة .والله غني عن صدقات
العباد ,حليم ل يعاجلهم بالعقوبة.
ن َوال َ َ َ
ق
ذي ُينِف ُ كال ّ ِ
ذى َ م ّم ِبال ْ َ مُنوا ل ت ُب ْط ُِلوا َ
صد ََقات ِك ُ ْ نآ َذي َ َيا أي َّها ال ّ ِ
نوا ٍصْف َ
ل َ مث َل ُ ُ
ه كَ َ
مث َ ِ خرِ فَ َن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ ال ِ م ُ س َول ي ُؤْ ِ ه رَِئاَء الّنا َ ِ مال َ َُ
ما
م ّيٍء ِ
ش ْ ن عََلى َ صْلدا ً ل ي َْقدُِرو َ ه َ ل فَت ََرك َ ُه َواب ِ ٌ صاب َ ُ ب فَأ َ عَل َي ْهِ ت َُرا ٌ
ن )(264 ري َكافِ ِ م ال ْ َ دي ال َْقوْ َ ه ل ي َهْ ِ سُبوا َوالل ّ ُ كَ َ
80
ل شيء عليه ,فكذلك هؤلء المراؤون تضمح ّ
ل أعمالهم عند الله,
ول يجدون شيًئا من الثواب على ما أنفقوه .والله ل يوفق الكافرين
لصابة الحق في نفقاتهم وغيرها.
م ل ال ّذين ينفُقون أ َموال َهم ابت َِغاَء مرضاة الل ّه وتث ْبيتا ً م َ مث َ ُ
سه ِ ْ
ن أن ُْف ِِ ْ ِ ََ ِ َ ْ َ ِ َ ْ َ ُ ْ ْ ِ َ ُ ِ وَ َ
ُ َ
صب َْها
م يُ ِ ن لَ ْ
ن فَإ ِ ْ ت أك ُل ََها ِ
ضعَْفي ْ ِ ل َفآت َ ْ
صاب ََها َواب ِ ٌجن ّةٍ ب َِرب ْوَةٍ أ َ
ل َ مث َ ِكَ َ
صيٌر )(265 ن بَ ِمُلو َ ما ت َعْ َ ل َوالل ّ ُ
ه بِ َ ل فَط َ ّ َواب ِ ٌ
خا بصدق دا راس ًومثل الذين ينفقون أموالهم طلًبا لرضا الله واعتقا ً
وعده ,كمثل بستان عظيم بأرض عالية طيبة هطلت عليه أمطار
غزيرة ,فتضاعفت ثمراته ,وإن لم تسقط عليه المطار الغزيرة
فيكفيه رذاذ المطر ليعطي الثمرة المضاعفة ,وكذلك نفقات
مط ِّلع
المخلصين ُتقبل عند الله وُتضاعف ,قّلت أم كُثرت ,فالله ال ُ
على السرائر ,البصير بالظواهر والبواطن ,يثيب كل بحسب
إخلصه.
81
جَنا ل َك ُ ْ
م خَر ْما أ َ ْم ّم وَ ِ ما ك َ َ
سب ْت ُ ْ ت َ ن ط َي َّبا ِم ْ فُقوا ِ
َ
مُنوا أن ِ نآ َ ذي َ
َ
َيا أي َّها ال ّ ِ
َ من ا ل َ
ذيهِ إ ِل ّ أ ْ
ن خ ِ
م ِبآ ِ ن وَل َ ْ
ست ُ ْ فُقو َ
ه ُتن ِ من ْ ُ
ث ِ خِبي َ موا ال ْ َ م ُض َول ت َي َ ِّ ر
ْ ِ ْ
َ
ميد ٌ )(267 ح ِي َ ه غَن ِ ّن الل ّ َ موا أ ّ ضوا ِفيهِ َواعْل َ ُ م ُ ت ُغْ ِ
يا من آمنتم بي واتبعتم رسلي أنفقوا من الحلل الطيب الذي
كسبتموه ومما أخرجنا لكم من الرض ,ول تقصدوا الرديء منه
طيتموه لم تأخذوه إل إذا تغاضيتم عما فيه ُ
لتعطوه الفقراء ,ولو أع ِ
من رداءة ونقص .فكيف ترضون لله ما ل ترضونه لنفسكم؟
واعلموا أن الله الذي رزقكم غني عن صدقاتكم ,مستحق للثناء,
محمود في كل حال.
ْ
ه
من ْ ُ
مغِْفَرةً ِ
م َ شاِء َوالل ّ ُ
ه ي َعِد ُك ُ ْ م ِبال َْف ْ
ح َ م ال َْفْقَر وَي َأ ُ
مُرك ُ ْ ن ي َعِد ُك ُ ْطا ُشي ْ َال ّ
م )(268 سعٌ عَِلي ٌ ه َوا ِ ضل ً َوالل ّ ُوَفَ ْ
هذا البخل واختيار الرديء للصدقة من الشيطان الذي يخوفكم
الفقر ,ويغريكم بالبخل ,ويأمركم بالمعاصي ومخالفة الله تعالى,
والله سبحانه وتعالى يعدكم على إنفاقكم غفراًنا لذنوبكم ورزقا
واسعا .والله واسع الفضل ,عليم بالعمال والنّيات.
ُ
خْيرا ً ك َِثيرا ً وَ َ
ما ة فََقد ْ أوت ِ َ
ي َ م َ ت ال ْ ِ
حك ْ َ ن ي ُؤْ َ
م ْ ن يَ َ
شاُء وَ َ م ْ ة َ
م َ ي ُؤِْتي ال ْ ِ
حك ْ َ
َ ُ
ب )(269 ي َذ ّك ُّر إ ِل ّ أوُْلوا الل َْبا ِ
من يشاء من عباده ,ومن أنعم يؤتي الله الصابة في القول والفعل َ
الله عليه بذلك فقد أعطاه خيًرا كثيًرا .وما يتذكر هذا وينتفع به إل
أصحاب العقول المستنيرة بنور الله وهدايته.
َ َ
ما
ه وَ َ ه ي َعْل َ ُ
م ُ ن الل ّ َ
ن ن َذ ْرٍ فَإ ِ ّ
م ْ ن ن ََفَقةٍ أوْ ن َذ َْرت ُ ْ
م ِ م ْم ِ ما أنَفْقت ُ ْ وَ َ
صارٍ )(270 َ ِلل ّ
ن أن َ م ْ
ن ِ مي َظال ِ ِ
وما أعطيتم من مال أو غيره كثير أو قليل تتصدقون به ابتغاء
مرضات الله أو أوجبتم على أنفسكم شيًئا من مال أو غيره ,فإن
مط ِّلع على نياتكم ,وسوف يثيبكم على ذلك .و َ
من الله يعلمه ,وهو ال ُ
82
منع حق الله فهو ظالم ,والظالمون ليس لهم أنصار يمنعونهم من
عذاب الله.
ر
خي ْ ٍ
ن َم ْ فُقوا ِ
ما ُتن ِ
شاُء وَ َ ن يَ َ م ْ
دي َ ن الل ّ َ
ه ي َهْ ِ م وَل َك ِ ّداهُ ْ ك هُ َ س عَل َي ْ َ ل َي ْ َ
فَ َ
ف
خي ْرٍ ي ُوَ ّن َ
م ْ
فُقوا ِ جهِ الل ّهِ وَ َ
ما ُتن ِ ن إ ِل ّ اب ْت َِغاَء وَ ْفُقو َ ما ُتن ِم وَ َ سك ُ ْ لنُف ِ
َ
ن )(272 مو َ م ل ت ُظ ْل َ ُ م وَأن ْت ُ ْإ ِل َي ْك ُ ْ
لست -أيها الرسول -مسئول عن توفيق الكافرين للهداية ,ولكن
من يشاء لدينه ,ويوفقه له .وما تبذلوا من مال الله يشرح صدور َ
ي َعُد ْ عليكم ن َْفُعه من الله ,والمؤمنون ل ينفقون إل طلًبا لمرضاة
صواالله .وما تنفقوا من مال -مخلصين لله -توفوا ثوابه ,ول ت ُن َْق ُ
شيئا من ذلك .وفي الية إثبات صفة الوجه لله تعالى على ما يليق
به سبحانه.
83
من مال في سبيل الله فل يخفى حوا في السؤال .وما تنفقوا ِ
لم ي ُل ِ ّ
مه يوم القيامة.
على الله شيء منه ,وسيجزي عليه أوفر الجزاء وأت ّ
ل ك َّفارٍ أ َِثيم ٍ )
ب كُ ّ
ح ّ ت َوالل ّ ُ
ه ل يُ ِ صد ََقا ِ حقُ الل ّ ُ
ه الّرَبا وَي ُْرِبي ال ّ م َ
يَ ْ
(276
84
يذهب الله الربا كله أو يحرم صاحبه بركة ماله ,فل ينتفع به ،وينمي
الصدقات ويكثرها ،ويضاعف الجر للمتصدقين ,ويبارك لهم في
ح ّ
ل أكل الربا, ست َ ِ
م ْ
صّر على كفرهُ ,
م ِ
أموالهم .والله ل يحب كل ُ
متمادٍ في الثم والحرام ومعاصي الله.
َ
كاةَ ل َهُ ْ
م وا الّز َ
صلةَ َوآت َ ْموا ال ّ ت وَأَقا ُ
حا ِ صال ِ َمُلوا ال ّ
مُنوا وَعَ ِ نآ َ ن ال ّ ِ
ذي َ إِ ّ
َ
ن )(277 حَزُنو َ
م يَ ْ
م َول هُ ْ ف عَل َي ْهِ ْخو ْ ٌ
م َول َ عن ْد َ َرب ّهِ ْ
م ِجُرهُ ْ أ ْ
دوا
إن الذين صدقوا الله ورسوله ,وعملوا العمال الطيبة ,وأ ّ
الصلة كما أمر الله ورسوله ,وأخرجوا زكاة أموالهم ,لهم ثواب
عظيم خاص بهم عند ربهم ورازقهم ,ول يلحقهم خوف في آخرتهم,
ول حزن على ما فاتهم من حظوظ دنياهم.
َ
م ن ُ
كنت ُ ْ ن الّرَبا إ ِ ْ
م ْ
ي ِ
ما ب َِق َ مُنوا ات ُّقوا الل ّ َ
ه وَذ َُروا َ نآ َ َيا أي َّها ال ّ ِ
ذي َ
ن )(278 مِني َ مؤ ْ ِ
ُ
يا من آمنتم بالله واتبعتم رسوله خافوا الله ,واتركوا طلب ما بقي
لكم من زيادة على رؤوس أموالكم التي كانت لكم قبل تحريم
الربا ,إن كنتم محققين إيمانكم قول وعمل.
ْ
م فَل َك ُ ْ
م ن ت ُب ْت ُ ْ ن الل ّهِ وََر ُ
سول ِهِ وَإ ِ ْ م ْ ب ِ م ت َْفعَُلوا فَأذ َُنوا ب ِ َ
حْر ٍ ن لَ ْ
فَإ ِ ْ
َ
ن )(279 مو َ ن َول ت ُظ ْل َ ُمو َم ل ت َظ ْل ِ ُ
وال ِك ُ ْ
م َ
سأ ْ ُرُءو ُ
فإن لم ترتدعوا عما نهاكم الله عنه فاستيقنوا بحرب من الله
ل الربا فلكم أ َ ْ
خذ ُ ما لكم ورسوله ,وإن رجعتم إلى ربكم وتركتم أ َك ْ َ
دا بأخذ ما زاد على رؤوس من ديون دون زيادة ,ل ت َ ْ
ظلمون أح ً
أموالكم ,ول يظلمكم أحد بنقص ما أقرضتم.
َ
ن خي ٌْر ل َك ُ ْ
م إِ ْ صد ُّقوا َ
ن تَ َ
سَرةٍ وَأ ْ سَرةٍ فَن َظ َِرةٌ إ َِلى َ
مي ْ َ ذو عُ ْن ُكا َ ن َ وَإ ِ ْ
ن )(280 مو َم ت َعْل َ ُ ُ
كنت ُ ْ
85
سر اللهوإن كان المدين غير قادر على السداد فأمهلوه إلى أن يي ّ
له رزًقا فيدفع إليكم مالكم ,وإن تتركوا رأس المال كله أو بعضه
ل ذلك,ض َوتضعوه عن المدين فهو أفضل لكم ,إن كنتم تعلمون فَ ْ
وأّنه خير لكم في الدنيا والخرة.
ت ما ك َ َ
سب َ ْ س َ
ل ن َْف ٍ ن ِفيهِ إ َِلى الل ّهِ ث ُ ّ
م ت ُوَّفى ك ُ ّ وما ً ت ُْر َ
جُعو َ َوات ُّقوا ي َ ْ
ن )(281 مو َ م ل ي ُظ ْل َ ُ وَهُ ْ
ما ترجعون فيه إلى الله ,وهو يوم القيامة,
واحذروا -أيها الناس -يو ً
حيث تعرضون على الله ليحاسبكم ,فيجازي كل واحد منكم بما
عمل من خير أو شر دون أن يناله ظلم .وفي الية إشارة إلى أن
اجتناب ما حرم الله من المكاسب الربوية ,تكميل لليمان وحقوقه
من إقام الصلة وإيتاء الزكاة وعمل الصالحات.
َ يا أ َ
مى َفاك ْت ُُبوهُ س ّ م َ ل ُ ج ٍ ن إ َِلى أ َ ْ ٍ ْ يَ د ِ ب م
ْ ُ ت ين
َ داَ َ ت َ
ذا ِ إ نوا ُ م
َ آ ن
َ ذيِ ّ ل ا ها َ ّ ي َ
َ
ه الل ّ ُ
ه م ُ ما عَل ّ َ ب كَ َ ن ي َك ْت ُ َ بأ ْ كات ِ ٌ ب َ ل َول ي َأ َ ب ِبال ْعَد ْ ِ كات ِ ٌ م َ ب ب َي ْن َك ُ ْ وَل ْي َك ْت ُ ْ
شْيئا ً ه َ من ْ ُ س ِ خ ْ ه َول ي َب ْ َ ه َرب ّ ُ ق الل ّ َ حقّ وَل ْي َت ّ ذي عَل َي ْهِ ال ْ َ ل ال ّ ِ مل ِ ْ ب وَل ْي ُ ْ فَل ْي َك ْت ُ ْ
َ َ ِ َ
و
ل هُ َ م ّ ن يُ ِ طيعُ أ ْ ست َ ِ ضِعيفا ً أوْ ل ي َ ْ سِفيها ً أوْ َ حقّ َ ذي عَل َي ْهِ ال ْ َ ن ال ّ ِ كا َ ن َ فَإ ِ ْ
كوَنا م يَ ُ ن لَ ْ م فَإ ِ ْ جال ِك ُ ْ ن رِ َ م ْ ن ِ ِ شِهيد َي ْ دوا َ شه ِ ُ ست َ ْ ل َوا ْ ه ِبال ْعَد ْ ِ ل وَل ِي ّ ُ مل ِ ْ فَل ْي ُ ْ
َ مَرأ ََتا
ماداهُ َ ح َ ل إِ ْ ض ّ ن تَ ِ داِء أ ْ شه َ َ ن ال ّ ْ م
ن ِ ضو ْ َ ن ت َْر َ ْ م
م ّ ن ِ ِ ل َوا ْ ج ٌ ن فََر ُ ِ جل َي َْر ُ
َ َ ْ ُ
ن
موا أ ْ سأ ُ عوا َول ت َ ْ ما د ُ ُ ذا َ داُء إ ِ َ شه َ َ ب ال ّ خَرى َول ي َأ َ ما ال ْ داهُ َ ح َ فَت ُذ َك َّر إ ِ ْ
َ تك ْتبوه صِغيرا ً أ َو ك َبيرا ً إَلى أ َجل ِه ذ َل ِك ُ َ
معن ْد َ الل ّهِ وَأقْوَ ُ ط ِ س ُ م أقْ َ ْ َ ِ ِ ْ ِ َ ُُ ُ َ
َ َ َ
ديُرون ََها ب َي ْن َك ُ ْ
م ضَرةً ت ُ ِ حا ِ جاَرةً َ ن تِ َ كو َ ن تَ ُ شَهاد َةِ وَأد َْنى أل ّ ت َْرَتاُبوا إ ِل ّ أ ْ ِلل ّ
ب كات ِ ٌ ضاّر َ م َول ي ُ َ ذا ت ََباي َعْت ُ ْ دوا إ ِ َ شه ِ ُ ها وَأ َ ْ ح أ َل ّ ت َك ْت ُُبو َ جَنا ٌ م ُ س عَل َي ْك ُ ْ فَل َي ْ َ
م الل ّ ُ
ه مك ُ ْ ه وَي ُعَل ّ ُ م َوات ُّقوا الل ّ َ سوقٌ ب ِك ُ ْ ه فُ ُ ن ت َْفعَُلوا فَإ ِن ّ ُ شِهيد ٌ وَإ ِ ْ َول َ
م )(282 يٍء عَِلي ٌ ش ْ ل َ ه ب ِك ُ ّ َوالل ّ ُ
دا صلى الله عليه وسلم إذا يا من آمنتم بالله واتبعتم رسوله محم ً
تعاملتم بد َْين إلى وقت معلوم فاكتبوه; حف ً
ظا للمال ودفًعا للنزاع.
من عّلمه الله الكتابة
وْليُقم بالكتابة رجل أمين ضابط ,ول يمتنع َ
عن ذلك ,وْليقم المدين بإملء ما عليه من الد ّْين ,وليراقب ربه ,ول
ينقص من دينه شيئا .فإن كان المدين محجوًرا عليه لتبذيره
86
وإسرافه ,أو كان صغيًرا أو مجنوًنا ,أو ل يستطيع النطق لخرس به
ل الملء عن المدين القائم أو عدم قدرة كاملة على الكلم ,فليتو ّ
مْين بال ِغَْين عاقل َْين من أهل
بأمره ,واطلبوا شهادة رجلين مسل َ
العدالة .فإن لم يوجد رجلن ,فاطلبوا شهادة رجل وامرأتين
كرتها الخرى ,وعلى ت إحداهما ذ ّ سي َ ْ
ترضون شهادتهم ,حتى إذا ن َ ِ
من دعاهم إلى الشهادة ,وعليهم أداؤها إذا ما الشهداء أن يجيبوا َ
دين قليل أو كثيًرا إلى وقته مّلوا من كتابة ال ّ دعوا إليها ,ول ت َ َ
المعلوم .ذلكم أعدل في شرع الله وهديه ,وأعظم عوًنا على إقامة
دين وقدره الشهادة وأدائها ,وأقرب إلى نفي الشك في جنس ال ّ
وأجله .لكن إن كانت المسألة مسألة بيع وشراء ،بأخذ سلعة ودفع
ثمنها في الحال ،فل حاجة إلى الكتابة ,ويستحب الشهاد على ذلك
منًعا للنزاع والشقاق ،ومن الواجب على الشاهد والكاتب أداء
الشهادة على وجهها والكتابة كما أمر الله .ول يجوز لصاحب الحق
من عليه الحق الضرار بالك ُّتاب والشهود ،وكذلك ل يجوز للك ُّتاب و َ
والشهود أن يضاّروا بمن احتاج إلى كتابتهم أو شهادتهم ،وإن تفعلوا
ما نهيتم عنه فإنه خروج عن طاعة الله ،وعاقبة ذلك حاّلة بكم.
وخافوا الله في جميع ما أمركم به ،ونهاكم عنه ،ويعلمكم الله جميع
ما يصلح دنياكم وأخراكم .والله بكل شيء عليم ،فل يخفى عليه
شيء من أموركم ،وسيجازيكم على ذلك.
87
م أ َْو سك ُ ْ
َ
ما ِفي أنُف ِدوا َ ن ت ُب ْ ُ
ض وَإ ِ ْ َ
ما ِفي الْر ِ ت وَ َ وا ِم َس َ ما ِفي ال ّ ل ِل ّهِ َ
شاءُ َوالل ّ ُ
ه ن يَ َ
م ْ
ب َشاءُ وَي ُعَذ ّ ُ ن يَ َ ه فَي َغِْفُر ل ِ َ
م ْ م ب ِهِ الل ّ ُسب ْك ُ ْ
حا ِخُفوهُ ي ُ َ تُ ْ
ديٌر )(284 يٍء قَ ِ ش ْ ل َ عََلى ك ُ ّ
لله ملك السموات والرض وما فيهما مل ً
كا وتدبيًرا وإحاطة ,ل
يخفى عليه شيء .وما تظهروه مما في أنفسكم أو تخفوه فإن الله
يعلمه ,وسيحاسبكم به ,فيعفو عمن يشاء ,ويؤاخذ من يشاء .والله
قادر على كل شيء ,وقد أكرم الله المسلمين بعد ذلك فعفا عن
حديث النفس وخطرات القلب ما لم يتبعها كلم أو عمل ,كما ثبت
ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ن ِبالل ّهِ
م َ
لآ َن كُ ّ مؤ ْ ِ
مُنو َ ن َرب ّهِ َوال ْ ُ ل إ ِل َي ْهِ ِ
م ْ ما ُأنزِ َ ل بِ َسو ُ ن الّر ُ م َ
آ َ
َ
معَْناس ِ سل ِهِ وََقاُلوا َ
ن ُر ُ م ْ حدٍ ِ نأ َ سل ِهِ ل ن َُفّرقُ ب َي ْ َ ملئ ِك َت ِهِ وَك ُت ُب ِهِ وَُر ُوَ َ
صيُر )(285 م ِ ك ال ْ َ
ك َرب َّنا وَإ ِل َي ْ َ وَأ َط َعَْنا غُْفَران َ َ
دق وأيقن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بما أوحي إليه ص ّ
حقّ له أن ُيوقن ,والمؤمنون كذلك صدقوا وعملوا بالقرآن من ربه و ُ
دق بالله ربا ً وإلًها متصًفا بصفات الجلل
العظيم ,كل منهم ص ّ
ما ,وأنه أنزل كتًبا ,وأرسل إلى خلقه والكمال ,وأن لله ملئكة كرا ً
رسل ل نؤمن -نحن المؤمنين -ببعضهم وننكر بعضهم ,بل نؤمن بهم
جميًعا .وقال الرسول والمؤمنون :سمعنا يا ربنا ما أوحيت به,
وأطعنا في كل ذلك ,نرجو أن تغفر -بفضلك -ذنوبنا ,فأنت الذي
رّبيتنا بما أنعمت به علينا ,وإليك -وحدك -مرجعنا ومصيرنا.
-3سورة آل عمران
الم )(1
سبق الكلم عليها في أول سورة البقرة.
ي ال َْقّيو ُ
م )(2 ه إ ِل ّ هُوَ ال ْ َ
ح ّ ه ل إ ِل َ َ
الل ّ ُ
هو الله ,ل معبود بحق إل هو ,المتصف بالحياة الكاملة كما يليق
بجلله ,القائم على كل شيء.
89
إن الله محيط علمه بالخلئق ,ل يخفى عليه شيء في الرض ول
في السماء ,ق ّ
ل أو كثر.
ه إ ِل ّ هُهوَ ال ْعَ ِ
زيهُز شههاُء ل إ ِل َه َ م فِههي ال َْر َ
حههام ِ ك َي ْه َ
ف يَ َ صهوُّرك ُ ْ هُوَ ال ّه ِ
ذي ي ُ َ
م )(6كي ُح ِال ْ َ
هو وحده الذي يخلقكم في أرحام أمهاتكم كما يشاء ,من ذكر
وأنثى ,وحسن وقبيح ,وشقي وسعيد ,ل معبود بحق سواه ,العزيز
الذي ل ُيغاَلب ,الحكيم في أمره وتدبيره.
ة إنه َ َ ن ل َهد ُن ْ َ
ت
ك أْنه َ مه ً ِ ّ
ح َ
ك َر ْ ب ل ََنا ِ
م ْ َرب َّنا ل ت ُزِغْ قُُلوب ََنا ب َعْد َ إ ِذ ْ هَد َي ْت ََنا وَهَ ْ
ب )(8 ال ْوَ ّ
ها ُ
رف قلوبنا عن اليمان بك بعد أن مننت علينا
ص ِ
ويقولون :يا ربنا ل ت َ ْ
بالهداية لدينك ,وامنحنا من فضلك رحمة واسعة ,إنك أنت الوهاب:
من تشاء بغير حساب. كثير الفضل والعطاء ,تعطي َ
90
ف ال ْ ِ
ميَعاد َ )(9 خل ِ ُ ن الل ّ َ
ه ل يُ ْ ب ِفيهِ إ ِ ّ
س ل ِي َوْم ٍ ل َري ْ َ
معُ الّنا ِ
جا ِ َرب َّنا إ ِن ّ َ
ك َ
ش ّ
ك فيه ,وهو يا ربنا إنا ن ُِقّر ونشهد بأنك ستجمع الناس في يوم ل َ
ت به عبادك.
يوم القيامة ,إّنك ل ُتخلف ما وعَد ْ َ
شههْيئا ً
ن الّلهههِ َ َ إن ال ّذين ك ََفروا ل َن تغْن ِي عَنه َ
م ْ
م ِ وال ُهُ ْ
م َول أْولد ُهُ ْ م َ
مأ ْْ ُ َ ُْ ْ ُ ِ َ ِ ّ
م وَُقود ُ الّنارِ )(10
ك هُ ْوَأ ُوْل َئ ِ َ
إن الذين جحدوا الدين الحق وأنكروه ,لن تنفعهم أموالهم ول
أولدهم من عذاب الله شيًئا إن وقع بهم في الدنيا ,ولن تدفعه
عنهم في الخرة ,وهؤلء هم حطب النار يوم القيامة.
َ ْ
م الل ّه ُ
ه م ك َهذ ُّبوا ِبآَيات ِن َهها فَأ َ
خ هذ َهُ ْ ن قَب ْل ِهِ ه ْ
مه ْ
ن ِ ن َوال ّه ِ
ذي َ ل فِْرعَهوْ َ بآ ِك َد َأ ِ
ب )(11 ديد ُ ال ْعَِقا ِ ه َ
ش ِ م َوالل ّ ُب ِذ ُُنوب ِهِ ْ
شأن الكافرين في تكذيبهم وما ينزل بهم ,شأن آل فرعون والذين
من قبلهم من الكافرين ,أنكروا آيات الله الواضحة ,فعاجلهم
بالعقوبة بسبب تكذيبهم وعنادهم .والله شديد العقاب لمن كفر به
ذب رسله.وك ّ
س ال ْ ِ
مَهاد ُ )(12 م وَب ِئ ْ َ ن إ َِلى َ
جهَن ّ َ ح َ
شُرو َ ست ُغْل َُبو َ
ن وَت ُ ْ ن ك ََفُروا َ ل ل ِل ّ ِ
ذي َ قُ ْ
قل -أيها الرسول ،-للذين كفروا من اليهود وغيرهم والذين استهانوا
در" :إنكههم سهت ُهَْزمون فههي الههدنيا وسههتموتون علههى بنصرك فههي "ب َه ْ
مهها لكههم ,وبئس شهها دائ ً الكفر ,وتحشرون إلى نار جهنههم; لتكههون فرا ً
الفراش
قد كان لكم -أيها اليهود المتكبرون المعاندون -دللة عظيمة في
در" :جماعة تقاتل من أجل دين الله,
جماعتين تقابلتا في معركة "ب َ ْ
وهم محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ,وجماعة أخرى كافرة
91
بالله ,تقاتل من أجل الباطل ,ترى المؤمنين في العدد مثليهم رأي
العين ,وقد جعل الله ذلك سبًبا لنصر المسلمين علبهم .والله يؤّيد
بنصره من يشاء من عباده .إن في هذا الذي حدث ل َِعظة عظيمة
لصحاب البصائر الذين يهتدون إلى حكم الله وأفعاله.
مَقن ْط َهَر ِ
ة طيرِ ال ْ ُن َوال َْقَنا ِساِء َوال ْب َِني َن الن ّ َ م ْ ت ِ وا ِ شه َ َ ب ال ّ ح ّس ُِ ن ِللّنا
ُزي ّ َ
مت َههاعُ ث ذ َل ِه َ
ك َ مةِ َوال َن ْعَههام ِ َوال ْ َ
ح هْر ِ سو ّ َ م َ ل ال ْ ُ ضةِ َوال ْ َ
خي ْ ِ ب َوال ِْف ّ ن الذ ّهَ ِ م ْ ِ
ب )(14 مآ ِ ن ال ْ َ س ُ ح ْ عن ْد َهُ ُ ه ِحَياةِ الد ّن َْيا َوالل ّ ُ ال ْ َ
ب الشهوات من النساء والبنين ,والموال الكثيرة سن للناس ح ّح ُّ
من الذهب والفضة ,والخيل الحسان ,والنعام من البل والبقر
خذة للغراس والزراعة .ذلك زهرة الحياة الدنياوالغنم ,والرض المت ّ َ
وزينتها الفانية .والله عنده حسن المرجع والثواب ,وهو الجّنة.
قُ ْ َ
ن
مه ْ ري ِجه ِت تَ ْ
جّنا ٌ
م َ عن ْد َ َرب ّهِ ْ
وا ِن ات َّق ْ
ذي َم ل ِل ّ ِ
ن ذ َل ِك ُ ْ
م ْخي ْرٍ ِم بِ َل أؤُن َب ّئ ُك ُ ْ
َ حت َِها ال َن َْهاُر َ
نمه ْ
ن ِوا ٌ
ضه َمط َهَّرةٌ وَرِ ْ ج ُ ن ِفيَها وَأْزَوا ٌ دي َ خال ِ ِن ِفيَها َ دي َخال ِ ِ تَ ْ
صيٌر ِبال ْعَِبادِ )(15 ه بَ ِ الل ّهِ َوالل ّ ُ
قل -أيها الرسول : -أأخبركم بخير مما ُزّين للّناس في هذه الحياة
الدنيا ,لمن راقب الله وخاف عقابه جنات تجري من تحت قصورها
وأشجارها النهار ,خالدين فيها ,ولهم فيها أزواج مطهرات من
الحيض والنفاس وسوء الخلق ,ولهم أعظم من ذلك :رضوان من
الله .والله مط ِّلع على سرائر خلقه ,عالم بأحوالهم ,وسيجازيهم
على ذلك.
َ
حاِر
سه َ
ن ِبال ْ
ري َ
سهت َغِْف ِ ن َوال ْ ُ
م ْ ن َوال ْ ُ
من ِْفِقي َ ن َوال َْقان ِِتي َ
صادِِقي َ
ن َوال ّ
ري َ
صاب ِ ِ
ال ّ
)(17
92
هم الذين اتصفوا بالصبر على الطاعات ,وعن المعاصي ,وعلى ما
يصيبهم من أقدار الله المؤلمة ,وبالصدق في القوال والفعال
وبالطاعة التامة ,وبالنفاق سرا وعلنية ,وبالستغفار في آخر الليل;
مظ ِّنة القبول وإجابة الدعاء.
لنه َ
َ أ ُوْل َئ ِ َ
ن
مه ْ مهها ل َهُ ه ْ
م ِ خهَرةِ وَ َ مههال ُهُ ْ
م فِههي الهد ّن َْيا َوال ِ حب ِط َه ْ
ت أعْ َ ن َ ك ال ّه ِ
ذي َ
ن )(22 ري َص ِ َنا ِ
أولئك الذين بطلت أعمالهم في الدنيا والخرة ,فل ُيقبل لهم عمل,
وما لهم من ناصرٍ ينصرهم من عذاب الله.
َ ك بأ َ
ت وَغَّرهُه ْ
م فِههي دا ٍ
دو َ سهَنا الن ّههاُر إ ِل ّ أّيامها ً َ
معْه ُ م ّ
ن تَ َ
ْ َ
له لوا ُ َ
قها م
ْ ُ هّ ن ذ َل ِ َ ِ
ن )(24 ما َ
كاُنوا ي َْفت َُرو َ م َ ِدين ِهِ ْ
ذلك النصراف عن الحق سببه اعتقاد فاسد لدى أهل الكتاب;
ما قليلة ,وهذا العتقاد أدى إلى جرأتهم على بأنهم لن يع ّ
ذبوا إل أيا ً
دعوا
خ َ
الله واستهانتهم بدينه ,واستمرارهم على دينهم الباطل الذي َ
به أنفسهم.
94
ت مهها ك َ َ
سهب َ ْ س َ ت ك ُه ّ
ل ن َْفه ٍ ب ِفيهِ وَوُفّي َ ْ
م ل ِي َوْم ٍ ل َري ْ َ
معَْناهُ ْ
ج َ
ذا َ فَك َي ْ َ
ف إِ َ
ن )(25 مو َ م ل ي ُظ ْل َ ُ وَهُ ْ
سبوا في يوم ل شك في فكيف يكون حالهم إذا جمعهم الله ليحا َ
وقوعه -وهو يوم القيامة ،-وأخذ كل واحد جزاَء ما اكتسب ,وهم ل
يظلمون شيئا؟
ن
مه ْم ّك ِمْله َ
شهاُء وَت َْنهزِعُ ال ْ ُ ن تَ َمه ْ ك َ مْله َ
ك ت ُؤِْتي ال ْ ُمل ْ ِ
ك ال ْ ُمال ِ َ
م َل الل ّهُ ّ
قُ ْ
يءٍش ْ ل َك عََلى ك ُ ّ ك ال ْ َ
خي ُْر إ ِن ّ َ شاُء ب ِي َدِ َن تَ َ م ْ شاُء وَت ُذِ ّ
ل َ ن تَ َم ْشاُء وَت ُعِّز َ تَ َ
ديٌر )(26 قَ ِ
من لك الملك كّله ,أنتقل -أيها النبي متوجها إلى ربك بالدعاء :-يا َ
من خلقك, من تشاء ِ
الذي تمنح الملك والمال والتمكين في الرض َ
منوتسلب الملك ممن تشاء ,وتهب العزة في الدنيا والخرة َ
تشاء ,وتجعل الذّلة على من تشاء ,بيدك الخير ,إنك -وحدك -على
كل شيء قدير .وفي الية إثبات لصفة اليد لله تعالى على ما يليق
به سبحانه.
ن
مه ْ
ي ِ
حه ّج ال ْ َخهرِ ُل وَت ُ ْ ج الن ّهَههاَر فِههي الل ّي ْه ِ
ل ِفي الن ّهَههارِ وَُتول ِه ُ ج الل ّي ْ َ
ُتول ِ ُ
ب )(27سا ٍ ح َ شاُء ب ِغَي ْرِ ِن تَ َ م ْ
ي وَت َْرُزقُ َ ح ّ ن ال ْ َ
م ْ
ت ِ مي ّ َج ال ْ َ
خرِ ُت وَت ُ ْمي ّ ِال ْ َ
ومن دلئل قدرتك أنك ُتدخل الليل في النهار ,وُتدخل النهار في
الليل ,فيطول هذا ويقصر ذاك ,وُتخرج الحي من الميت الذي ل
حياة فيه ,كإخراج الزرع من الحب ,والمؤمن من الكافر ,وُتخرج
من
الميت من الحي كإخراج البيض من الدجاج ,وترزق من تشاء َ
خلقك بغير حساب.
كافري َ
لن ي َْفعَه ْمه ْ ن وَ َ مِني َ ن ال ْ ُ
م هؤ ْ ِ دو ِ
ن ُمه ْ ن أوْل ِي َههاَء ِن ال ْ َ ِ ِ َ مُنو َ خذ ْ ال ْ ُ
مؤ ْ ِ ل ي َت ّ ِ
َ
م الّلهه ُ
ه حذ ُّرك ُ ْ
م ت َُقاةً وَي ُ َ من ْهُ ْ يٍء إ ِل ّ أ ْ
ن ت َت ُّقوا ِ ش ْ ن الل ّهِ ِفي َ م ْ س ِ ك فَل َي ْ َ ذ َل ِ َ
صيُر )(28 م ِ ه وَإ َِلى الل ّهِ ال ْ َ س ُ ن َْف َ
ينهى الله المؤمنين أن يتخذوا الكافرين أولياء بالمحبة والنصرة من
ريء منه ,إل
رئ من الله ,والله ب ِ
من يتولهم فقد ب ِ
دون المؤمنين ,و َ
95
أن تكونوا ضعاًفا خائفين فقد ر ّ
خص الله لكم في مهادنتهم اتقاء
لشرهم ,حتى تقوى شوكتكم ,ويحذركم الله نفسه ,فاتقوه وخافوه.
وإلى الله وحده رجوع الخلئق للحساب والجزاء.
خُفوا ما في صدورك ُ َ
مهها فِههي ه وَي َعْل َه ُ
م َ ه الل ّه ُ دوهُ ي َعْل َ ْ
مه ُ م أوْ ت ُب ْ ُُ ُ ِ ْ َ ِ ن تُ ْ قُ ْ
ل إِ ْ
ه عََلى ك ُ ّ َ
ديٌر )(29 يٍء قَ ِ
ش ْ ل َ ض َوالل ّ ُ
ما ِفي الْر ِ
ت وَ َوا ِم َ
س َال ّ
قل -أيها النبي -للمؤمنين :إن تكتموا ما استقر في قلوبكم من
ف على الله منه
خ َ
ممالة الكافرين ونصرتهم أم تظهروا ذلك ل ي َ ْ
ن علمه محيط بكل ما في السماوات وما في الرض ,وله شيء ,فإ ّ
القدرة التامة على كل شيء.
سههوءٍ
ن ُ م ْ ت ِ مل َ ْما عَ ِضرا ً وَ َ ح َم ْخي ْرٍ ُن َ م ْ ت ِ مل َ ْما عَ ِ س َ ٍ جد ُ ك ُ ّ
ل ن َْف م تَ ِ
ي َوْ َ
َ َ
ف
ه َرُءو ٌه َوالل ّه ُسه ُ م الل ّه ُ
ه ن َْف َ مدا ً ب َِعيههدا ً وَي ُ َ
حهذ ُّرك ُ ْ هأ َ ت َوَد ّ ل َوْ أ ّ
ن ب َي ْن ََها وَب َي ْن َ ُ
ِبال ْعَِبادِ )(30
وفي يوم القيامة بوم الجزاء تجد كل نفس ما عملت من خير
ينتظرها موفًرا لُتجَزى به ,وما عملت من عمل سّيئ تجده في
دا.
ضا ,فتتمنى لو أن بينها وبين هذا العمل زمًنا بعي ً
انتظارها أي ً
دة عقابه فاستعدوا لهذا اليوم ,وخافوا بطش الله الجبار .ومع ش ّ
فإنه سبحانه رءوف بالعباد.
قُ ْ َ
ن) ب ال ْك َههافِ ِ
ري َ حه ّ ن الل ّه َ
ه ل يُ ِ ن ت َوَل ّ ْ
وا فَإ ِ ّ ل فَإ ِ ْ
سو َ طيُعوا الل ّ َ
ه َوالّر ُ لأ ِ
96
(32
قل -أيها الرسول :-أطيعوا الله باتباع كتابه ,وأطيعوا الرسول باتباع
سنته في حياته وبعد مماته ,فإن هم أعرضوا عنك ,وأصروا على ما
من كفر وضلل ,فليسوا أهل لمحبة الله; فإن الله ل يحب هم عليه ِ
الكافرين.
م )(34
ميعٌ عَِلي ٌ
س ِ ض َوالل ّ ُ
ه َ ن ب َعْ ٍ
م ْ
ضَها ِ ذ ُّري ّ ً
ة ب َعْ ُ
هؤلء النبياء والرسل سلسلة ط ُْهر متواصلة في الخلص لله
وتوحيده والعمل بوحيه .والله سميع لقوال عباده ,عليم بأفعالهم,
وسيجازيهم على ذلك.
97
ب إني وضعتها أنثى ل م حملها ووضعت مولودها قالت :ر ّ فلما ت ّ
ت ,وسوف ضع َ ْ
تصلح للخدمة في "بيت المقدس" -والله أعلم بما و َ
يجعل الله لها شأًنا -وقالت :وليس الذكر الذي أردت للخدمة
وم بها ,وإنيكالنثى في ذلك; لن الذكر أقوى على الخدمة وأقْ َ
صنتها بك هي وذرّيتها من الشيطان المطرود ميتها مريم ,وإني ح ّس ّ
من رحمتك.
َ
خه َ
ل سنا ً وَك َّفل ََها َزك َرِّيا ك ُل ّ َ
ما د َ َ ح َ ن وَأن ْب َت ََها ن ََباتا ً َ ٍ س
ح َ ل َ فَت ََقب ّل ََها َرب َّها ب َِقُبو ٍ
ل يهها مري ه َ
ك هَ ه َ
ذا م أن ّههى ل َه ِ ها رِْزقا ً قَهها َ َ َ ْ َ ُ عن ْد َ َ جد َ ِ ب وَ َ حَرا َ م ْ عَل َي َْها َزك َرِّيا ال ْ ِ
ب )(37 سا ٍ ح َ شاُء ب ِغَي ْرِ ِ ن يَ َ
م ْه ي َْرُزقُ َ ن الل ّ َ عن ْدِ الل ّهِ إ ِ ّ
ن ِ م ْ
ت هُوَ ِ َقال َ ْ
ذرها أحسن َقبول ,وتوّلى ابنتهافاستجاب الله دعاءها وقبل منها ن َ ْ
سر الله لها زكريا عليه السلممريم بالرعاية فأنبتها نباًتا حسًنا ,وي ّ
كافل فأسكنها في مكان عبادته ,وكان كّلما دخل عليها هذا المكان
ك هذا الرزق وجد عندها رزًقا هنيًئا معد ّا ً قال :يا مريم من أين ل ِ
منالطيب؟ قالت :هو رزق من عند الله .إن الله -بفضله -يرزق َ
من خلقه بغير حساب. يشاء ِ
ك ة ط َي ّب َه ً
ة إ ِن ّه َ ن ل َهد ُن ْ َ
ك ذ ُّري ّه ً مه ْ
ب ِلي ِ
ب هَ ْ
ل َر ّ عا َزك َرِّيا َرب ّ ُ
ه َقا َ هَُنال ِ َ
ك دَ َ
عاِء )(38 ميعُ الد ّ َس ِ َ
من رزقه وفضله توجه إلى عندما رأى زكريا ما أكرم الله به مريم ِ
حا مبار ً
كا ,إنك سميع دا صال ً
ب أعطني من عندك ول ً ربه قائل يا ر ّ
الدعاء لمن دعاك.
َ
شهُر َ
ك ه ي ُب َ ّن الّله َبأ ّ حهَرا ِ م ْصهّلي ِفهي ال ْ ِ م يُ َ ههوَ َقهائ ِ ٌ
ة وَ ُ كه ُملئ ِ َه ال ْ َ
فََناد َت ْ ُ
ن)حي َ
صههال ِ ِ ن ال ّ مه ْ صورا ً وَن َب ِي ّا ً ِ سّيدا ً وَ َ
ح ُ ن الل ّهِ وَ َ م ْ مةٍ ِدقا ً ب ِك َل ِ َ
ص ّم َ حَيى ُ ب ِي َ ْ
(39
فنادته الملئكة وهو واقف بين يدي الله في مكان صلته يدعوه :أن
دقص ّ
الله يخبرك بخبر يسّرك ,وهو أنك سترزق بولد اسمه يحيى ,ي ُ َ
بكلمة من الله -وهو عيسى ابن مريم عليه السلم ،-ويكون يحيى
دا في قومه ,له المكانة والمنزلة العالية ,وحصوًرا ل يأتي
سي ً
98
الذنوب والشهوات الضارة ,ويكون نبي ّا ً من الصالحين الذين بلغوا
صلح ذروته.
في ال ّ
ل مَرأ َت ِههي عَههاقٌِر قَهها َ م وَقَد ْ ب َل َغَِني ال ْك ِب َهُر َوا ْغل ٌ ن ِلي ُ كو ُ ب أ َّنى ي َ ُ ل َر َّقا َ
َ
ك أل ّ ل آي َت ُه َ
ة قَهها َ ل ِلي آي َ ً جع َ ْ با ْ ل َر ّ شاُء )َ (40قا َ ما ي َ َ ل َ ك الل ّ ُ
ه ي َْفعَ ُ ك َذ َل ِ َ
تك َل ّم الناس َثلث َه َ َ
يشه ّ ح ِبال ْعَ ِ ك ك َِثيهرا ً وَ َ
سهب ّ ْ مههزا ً َواذ ْك ُهْر َرب ّه َ ة أي ّههام ٍ إ ِل ّ َر ْ ُ َ ّ َ
كارِ )(41 َوال ِب ْ َ
ص هط ََفا ِ
ك ك وَط َهّ هَر ِ
ك َوا ْ ص هط ََفا ِ ن الل ّه َ
ها ْ م إِ ّ
مْري َه ُ
ة َيا َملئ ِك َ ُ ت ال ْ َ
وَإ ِذ ْ َقال َ ْ
ن )(42 مي َ ساِء ال َْعال َ ِ
عََلى ن ِ َ
كواذكر -أيها الرسول -حين قالت الملئكة :يا مريم إن الله اختار ِ
ك على نساء العالمين ك من الخلق الرذيلة ,واختار ِ
لطاعته وطّهر ِ
في زمانك.
99
جَرْوا القرعة للقاء
أّيهم أحق بها وأولى ,ووقع بينهم الخصام ,فأ ْ
أقلمهم ,ففاز زكريا عليه السلم بكفالتها.
ح
سي ُ ه ال ْ َ
م ِ م ُ
س ُها ْ من ْ ُ
مة ٍ ِ ك ب ِك َل ِ َ
شُر ِ ن الل ّ َ
ه ي ُب َ ّ م إِ ّ
مْري َ ُ ملئ ِك َ ُ
ة َيا َ ت ال ْ َ إ ِذ ْ َقال َ ْ
ن )(45 مَقّرِبي َ ن ال ْ ُم ْ جيها ً ِفي الد ّن َْيا َوال ِ
خَرةِ وَ ِ م وَ ِمْري َ َ
ن َ سى اب ْ ُ عي َ ِ
وما كنت -يا نبي الله -هناك حين قالت الملئكة :يا مريم إن الله
ك بولد يكون وجوده بكلمة من الله ,أي يقول له" :كن", ي ُب َ ّ
شْر ِ
فيكون ,اسمه المسيح عيسى ابن مريم ,له الجاه العظيم في الدنيا
والخرة ,ومن المقربين عند الله يوم القيامة.
ن )(46
حي َ
صال ِ ِ
ن ال ّ
م ْ س ِفي ال ْ َ
مهْدِ وَك َهْل ً وَ ِ وَي ُك َل ّ ُ
م الّنا َ
ويكلم الناس في المهد بعد ولدته ,وكذلك يكلمهم في حال كهولته
وة والدعوة والرشاد ,وهو
بما أوحاه الله إليه .وهذا تكليم النب ّ
معدود من أهل الصلح والفضل في قوله وعمله.
ك الّله ُ
ه ل َ
كهذ َل ِ ِ شهٌر َقها َ سهِني ب َ َ س ْم َ م يَ ْ ن ِلي وَل َد ٌ وَل َ ْكو ُب أ َّنى ي َ ُ ت َر َّقال َ ْ
َ
ن )(47 كو ُن فَي َ ُ
ه كُ ْل لَ ُما ي َُقو ُمرا ً فَإ ِن ّ َ ضى أ ْذا قَ َشاُء إ ِ َ خل ُقُ َ
ما ي َ َ يَ ْ
قالت مريم متعجبة من هذا المر :أن ّههى يكههون لههي ولههد وأنهها لسههت
ك ليههس مل َههك :هههذا الههذي يحههدث له ِ ي؟ قههال لههها ال َ بذات زوج ول ب َغِ ّ
جد ما يشاء من العدم ,فههإذا أراد بمستبعد على الله القادر ,الذي يو ِ
كن" فيكون إيجاد شيء فإنما يقول لهُ " :
جي َ
ل )(48 لن ِ
ة َوالت ّوَْراةَ َوا ِ
م َ ب َوال ْ ِ
حك ْ َ ه ال ْك َِتا َ وَي ُعَل ّ ُ
م ُ
ويعلمه الكتابة ,والسداد في القول والفعل ,والتوراة التي أوحاها
الله إلى موسى عليه السلم ,والنجيل الذي أنزل الله عليه.
خل ُه ُ
ق م أ َن ّههي أ َ ْ ن َرب ّك ُه ْ م ْ م ِبآي َةٍ ِ جئ ْت ُك ُ ْل أّني قَد ْ ِ
ورسول ً إَلى بِني إسراِئي َ َ
ِ ْ َ َ ِ ََ ُ
ُ ّ ً َ َ ّ ّ
ن اللهِ وَأب ْرِ ُ
ئ ِ ن طْيرا ب ِإ ِذ ْ كو ُ خ ِفيهِ فَي َ ُ ن ك َهَي ْئ َةِ الطي ْرِ فَأنُف ُ ِ ن الطي ْ م
م ِ ل َك ُ ْ
ْ ُ ُ َ َ
مهها
ن وَ َ مهها ت َهأك ُُلو َ م بِ َن الل ّههِ وَأن َب ّئ ُك ُه ْ موَْتى ب ِهإ ِذ ْ ِ ي ال ْ َ ح ِ
ص وَأ ْ ه َوالب َْر َ م َالك ْ َ
ن )(49 مني َ مؤ ْ ِ م ُ ن ك ُن ْت ُ ْ م إِ ْة ل َك ُ ْ ك لي َ ً ن ِفي ذ َل ِ َ م إِ ّن ِفي ب ُُيوت ِك ُ ْ خُرو َ ت َد ّ ِ
100
ويجعله رسول إلى بني إسرائيل ,ويقول لهم :إني قد جئتكم بعلمة
ل على أني مرسل من الله ,وهي أني أصنع لكم من من ربكم تد ّ
الطين مثل شكل الطير ,فأنفخ فيه فيكون طيًرا حقيقيا بإذن الله,
من به برص ,وُأحيي من كان ميًتا بإذن من وُِلد أعمى ,و َ
وأشفي َ
َ
دخرون في بيوتكم من طعامكم .إن الله ,وأخبركم بما تأكلون وت ّ
في هذه المور العظيمة التي ليست في قدرة البشر لدليل على
دقين حجج الله وآياته ,مقّرينأني نبي الله ورسوله ,إن كنتم مص ّ
بتوحيده.
م
حهّر َ ض اّله ِ
ذي ُ م ب َْعه َ ل لَ ُ
كه ْ ن الّتهوَْراةِ وَل ُ ِ
حه ّ مه ْ ن َيهد َيّ ِ
ما ب َي ْ َ دقا ً ل ِ َ
ص ّم َ وَ ُ
َ
ن )(50 طيُعو ِ ه وَأ ِم َفات ُّقوا الل ّ َ
ن َرب ّك ُ ْم ْ
م ِبآي َةٍ ِ جئ ْت ُك ُ ْ
م وَ ِعَل َي ْك ُ ْ
ل لكم بوحي من الله بعض ما وجئتكم مصدًقا بما في التوراة ,ولح ّ
حّرمه الله عليكم تخفيًفا من الله ورحمة ,وجئتكم بحجة من ربكم
على صدق ما أقول لكم ,فاتقوا الله ول تخالفوا أمره ,وأطيعوني
فيما أبلغكم به عن الله.
م )(51
ست َِقي ٌ
م ْ صَرا ٌ
ط ُ ذا ِ ن الل ّ َ
ه َرّبي وََرب ّك ُ ْ
م َفاعْب ُ ُ
دوهُ هَ َ إِ ّ
إن الله الذي أدعوكم إليه هو وحده ربي وربكم فاعبدوه ,فأنا وأنتم
سواء في العبودية والخضوع له ,وهذا هو الطريق الذي ل اعوجاج
فيه.
َ
ن )(53
دي َ
شاهِ ِ ل َفاك ْت ُب َْنا َ
معَ ال ّ سو َ ما أن َْزل ْ َ
ت َوات ّب َعَْنا الّر ُ مّنا ب ِ َ
َرب َّنا آ َ
101
دقنا بما أنزلت من النجيل ,واتبعنا رسولك عيسى عليهربنا ص ّ
السلم ,فاجعلنا ممن شهدوا لك بالوحدانية ولنبيائك بالرسالة ,وهم
أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذين يشهدون للرسل بأنهم بّلغوا
أممهم.
ن )(54
ري َ خي ُْر ال ْ َ
ماك ِ ِ ه َوالل ّ ُ
ه َ مك ََر الل ّ ُ
مك َُروا وَ َ
وَ َ
ومكر الذين كفروا من بني إسرائيل بعيسى عليه السلم ,بأن و ّ
كلوا
شَبه عيسى على رجل دّلهم عليه به من يقتله ِغْيلة ,فألقى الله َ
فأمسكوا به ,وقتلوه وصلبوه ظنا ً منهم أنه عيسى عليه السلم,
والله خير الماكرين .وفي هذا إثبات صفة المكر لله -تعالى -على
ما يليق بجلله وكماله; لنه مكر بحق ,وفي مقابلة مكر الماكرين.
نذي َن ال ّ ِم ْك ِ مط َهُّر َ ي وَ ُك إ ِل َ ّ ك وََرافِعُ َ مت َوَّفي َ
سى إ ِّني ُ عي َ ه َيا ِ ل الل ّ ُإ ِذ ْ َقا َ
م هةِ ث ُه ّ
م ن ك ََفُروا إ َِلى ي َهوْم ِ ال ِْقَيا َ ذي َك فَوْقَ ال ّ ِ ن ات ّب َُعو َ ل ال ّ ِ
ذي َ ع ُ جا ِك ََفُروا وَ َ
َ
ن )(55 خت َل ُِفو َ م ِفيهِ ت َ ْ ما ك ُن ْت ُ ْ
م ِفي َم ب َي ْن َك ُ ْ
حك ُ ُم فَأ ْ جعُك ُ ْمْر ِي َ إ ِل َ ّ
ومكر الله بهم حين قال الله لعيسى :إني قابضك من الرض من
ي ببدنك وروحك ,ومخلصك من غير أن ينالك سوء ,ورافعك إل ّ
الذين كفروا بك ,وجاعل الذين اتبعوك أي على دينك وما جئت به
منوا
عن الله من الدين والبشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم وآ َ
بمحمد صلى الله عليه وسلم ,بعد بعثنه ,والتزموا شريعته ظاهرين
ي مصيركم جميًعا على الذين جحدوا نبوتك إلى يوم القيامة ,ثم إل ّ
صل بينكم فيما كنتم فيه تختلفون من أمر عيسى يوم الحساب ,فأف ِ
عليه السلم.
ُ َ
ما ل َهُ ه ْ
م ديدا ً ِفي الد ّن َْيا َوال ِ
خَرةِ وَ َ ذابا ً َ
ش ِ ن ك ََفُروا فَأعَذ ّب ُهُ ْ
م عَ َ ما ال ّ ِ
ذي َ فَأ ّ
ن )(56 ري َ
ص ِن َنا ِ م ِْ
ما الذين كفروا بالمسيح من اليهود أو غََلوا فيه من النصارى, فأ ّ
دا في الدنيا :بالقتل وسل ْ ِ
ب الموال وإزالة فأعذبهم عذاًبا شدي ً
من ناصر ينصرهم ويدفع عنهم الملك ,وفي الخرة بالنار ,وما لهم ِ
عذاب الله.
102
وأ َما ال ّذين آمنوا وعَمُلوا الصال ِحات فَيوّفيه ُ
ب
حهه ّ م َوالل ّ ُ
ه ل يُ ِ جوَرهُ ْ
مأ ُّ َ ِ ُ َ ِ ْ َ ِ ِ َ َ ُ َ ّ
ن )(57مي َ ال ّ
ظال ِ ِ
وأما الذين آمنوا بالله ورسله وعملوا العمال الصالحة ,فيعطيهم
الله ثواب أعمالهم كامل غير منقوص .والله ل يحب الظالمين
بالشرك والكفر.
صه عليك في شأن عيسى ,من الدلئل الواضحة على ذلك الذي نق ّ
صحة رسالتك ,وصحة القرآن الحكيم الذي يفصل بين الحق
والباطل ,فل شك فيه ول امتراء.
ن
كه ْ ل َله ُ
ه ُ م َقها َ
ب ثُ ّ
ن ت َُرا ٍ
م ْ خل ََق ُ
ه ِ م َ
ل آد َ َ عن ْد َ الل ّهِ ك َ َ
مث َ ِ سى ِ
عي َ مث َ َ
ل ِ ن َإِ ّ
ن )(59 كو ُفَي َ ُ
خل ْقَ الله لعيسى من غير أب مث َُله كمثل خلق الله لدم من غير
ن َ
إ ّ
أب ول أم ,إذ خلقه من تراب الرض ,ثم قال له" :كن بشًرا" فكان.
فدعوى إلهية عيسى لكونه خلق من غير أب دعوى باطلة; فآدم
عليه السلم خلق من غير أب ول أم ,واتفق الجميع على أنه عَْبد
من عباد الله.
ن )(60
ري َ
مت َ ِ ن ال ْ ُ
م ْ م ْ ك َفل ت َك ُ ْ
ن ِ ن َرب ّ َ
م ْ ال ْ َ
حق ّ ِ
الحق الذي ل شك فيه في أمر عيسى هو الذي جاءك -أيها
الرسول -من ربك ,فدم على يقينك ,وعلى ما أنت عليه من ترك
الفتراء ,ول تكن من الشا ّ
كين ,وفي هذا تثبيت وطمأنة لرسول الله
صلى الله عليه وسلم.
ن )(63 دي َ
س ِ م ِبال ْ ُ
مْف ِ ن الل ّ َ
ه عَِلي ٌ ن ت َوَل ّ ْ
وا فَإ ِ ّ فَإ ِ ْ
فإن أعرضوا عن تصههديقك واتباعههك فهههم المفسههدون ,واللههه عليههم
بهم ,وسيجازيهم على ذلك
104
يا أصحاب الكتب المنزلة من اليهود والنصارى ,كيف يجادل كل
منكم في أن إبراهيم عليه السلم كان على مّلته ,وما ُأنزلت
التوراة والنجيل إل من بعده؟ أفل تفقهون خطأ قولكم :إن إبراهيم
كان يهوديا ً أو نصرانيًا ,وقد علمتم أن اليهودية والنصرانية حدثت
بعد وفاته بحين؟
َ َ
س ل َك ُ ْ
م ما ل َي ْ َ
ن ِفي َ
جو َ
حا ّ
م تُ َ عل ْ ٌ
م فَل ِ َ ما ل َك ُ ْ
م ب ِهِ ِ م ِفي َ جت ُ ْ
ج ْحا َ ؤلِء َ م هَ ُهاأن ْت ُ ْ
َ
ن )(66 مو َ م ل ت َعْل َ ُ م وَأن ْت ُ ْه ي َعْل َ ُ
م َوالل ّ ُ
عل ْ ٌ ب ِهِ ِ
دا صلى الله عليه وسلم ها أنتم يا هؤلء جادلتم رسول الله محم ً
من أمر دينكم ,مما تعتقدون صحته في كتبكم, فيما لكم به علم ِ
م تجادلون فيما ليس لكم به علم من أمر إبراهيم؟ والله يعلم فل ِ َ
المور على خفائها ,وأنتم ل تعلمون.
ن سِلما ً وَ َ
ما ك َهها َ حِنيفا ً ُ
م ْ ن َ
كا َ صَران ِي ّا ً وَل َك ِ ْ
ن َ م ي َُهودِي ّا ً َول ن َ ْ
هي ُن إ ِب َْرا ِ
كا َ ما َ َ
ن )(67 كي َشرِ ِ م ْن ال ْ ُ
م ْ ِ
ما كان إبراهيم يهوديا ً ول نصرانيًا ,فلم تكن اليهودية ول النصرانية
ما لربه,
إل من بعده ,ولكن كان متبًعا لمر الله وطاعته ,مستسل ً
وما كان من المشركين.
من ُههوا
نآ َ ي َوال ّه ِ
ذي َ ن ات ّب َعُههوهُ وَهَه َ
ذا الن ّب ِه ّ م ل َل ّه ِ
ذي َ هي َ
س ب ِهإ ِب َْرا ِ إِ ّ َ َ
ن أوْلى الّنا ِ
ن )(68 مِني َ ي ال ْ ُ
مؤ ْ ِ َوالل ّ ُ
ه وَل ِ ّ
ن أحق الناس بإبراهيم وأخصهم به ,الذين آمنوا به وصدقوا إ ّ
برسالته واتبعوه على دينه ,وهذا النبي محمد صلى الله عليه وسلم
ي المؤمنين به المتبعين شرعه.
والذين آمنوا به .والله ول ّ
َ ةم َ
م
س هه ُ ْ ض هّلو َ
ن إ ِل ّ أن ُْف َ مهها ي ُ ِ ضّلون َك ُ ْ
م وَ َ ب ل َوْ ي ُ ِ
ل ال ْك َِتا ِ
ن أه ْ ِ ت َ
طائ َِف ٌ ِ ْ وَد ّ ْ
ن )(69 شعُُرو َ ما ي َ ْوَ َ
105
تمّنت جماعة من اليهود والنصارى لو يضلونكم -أيها المسلمون -
عن السلم ,وما يضلون إل أنفسهم وأتباعهم ,وما يدرون ذلك ول
يعلمونه.
من ُههوا
نآ َ
ذي َ ذي أ ُن ْزِ َ
ل عَل َههى ال ّه ِ مُنوا ِبال ّ ِ
بآ ِ ل ال ْك َِتا ِ
ةم َ
ن أه ْ ِ
طائ َِف ٌ ِ ْت َ وََقال َ ْ
ن )(72 جُعو َ خَرهُ ل َعَل ّهُ ْ
م ي َْر ِ ه الن َّهارِ َواك ُْفُروا آ ِ ج َ
وَ ْ
دقوا بالذي ُأنزل على
وقالت جماعة من أهل الكتاب من اليهود :ص ّ
الذين آمنوا أول النهار واكفروا آخره; لعلهم يتشككون في دينهم,
ويرجعون عنه.
َ َ
ن ي ُهؤَْتى أ َ
ح هد ٌ دى الل ّهِ أ ْ دى هُ َ ن ال ْهُ َل إِ ّ م قُ ْ ن ت َب ِعَ ِدين َك ُ ْ م ْ مُنوا إ ِل ّ ل ِ َ
َول ت ُؤْ ِ
ل ما ُأوِتيت َ
ل ب ِي َهدِ الل ّههِ ي ُهؤِْتيهِ ن ال َْف ْ
ض َ م قُ ْ
ل إِ ّ عن ْد َ َرب ّك ُ ْم ِ جوك ُ ْ حا ّ م أو ْ ي ُ َ ُ ْ مث ْ َ َِ
م )(73 سعٌ عَِلي ٌ ه َوا ِ شاُء َوالل ّ ُ ن يَ َم ْ َ
من تبع دينكم فكان يهوديًا ,قل لهم
حا إل ل َ
دقوا تصديًقا صحي ً
ول تص ّ
-أيها الرسول : -إن الهدى والتوفيق هدى الله وتوفيقه لليمان
الصحيح .وقالوا :ل تظهروا ما عندكم من العلم للمسلمين
فيتعلمون منكم فيساووكم في العلم به ,وتكون لهم الفضلية
106
عليكم ,أو أن يتخذوه حجة عند ربكم يغلبونكم بها .قل لهم -أيها
الرسول : -إن الفضل والعطاء والمور كلها بيد الله وتحت تصرفه,
ع
س ُ
يؤتيها من يشاء ممن آمن به وبرسوله .والله واسع عليم ,ي َ َ
بعلمه وعطائه جميع مخلوقاته ,ممن يستحق فضله ونعمه.
ل ال ْعَ ِ
ظيم ِ )(74 ذو ال َْف ْ
ض ِ شاُء َوالل ّ ُ
ه ُ ن يَ َ
م ْ
مت ِهِ َ
ح َ
ص ب َِر ْ
خت َ ّ
يَ ْ
من يشاء بالنبوة والهداية إلى أكملمن خلقه َ
إن الله يختص ِ
الشرائع ,والله ذو الفضل العظيم.
ْ
ن
ن إِ ْمه ْم َ من ْهُ ه ْك وَ ِ ه ب ِِقنط َههارٍ ي ُهؤَد ّهِ إ ِل َي ْه َمن ْ ُن ت َأ َن إِ ْْ م
ب َ ِ ل ال ْك َِتا
ِ ن أ َهْم ْ وَ ِ
م قَههاُلوا َ ت عَل َي ْههِ َقاِئمها ً ذ َل ِه َ ديَنارٍ ل ي ُؤَد ّهِ إ ِل َي ْ َ ْ
ك ب ِهأن ّهُ ْ مه َما د ُ ْ ك إ ِل ّ َ ه بِ ِ من ْ ُت َأ َ
ن عَل َههى الل ّههِ ال ْك َهذِ َ ل وَي َُقول ُههو َ ُ
مب وَهُه ْ سهِبي ٌ ن َ مّييه َ س عَل َي ْن َهها فِههي ال ّ ل َي ْه َ
ن )(75 مو َ ي َعْل َ ُ
ده
ن تأمنه على كثير من المال يؤ ّ من إ ْومن أهل الكتاب من اليهود َ
ده
ن تأمنه على دينار واحد ل يؤ ّمن إ ْإليك من غير خيانة ,ومنهم َ
اليك ,إل إذا بذلت غاية الجهد في مطالبته .وسبب ذلك عقيدة
فاسدة تجعلهم يستحّلون أموال العرب بالباطل ,ويقولون :ليس
علينا في أكل أموالهم إثم ول حرج; لن الله أحّلها لنا .وهذا كذب
على الله ,يقولونه بألسنتهم ,وهم يعلمون أنهم كاذبون.
بَلى م َ
ن )(76 ب ال ْ ُ
مت ِّقي َ ح ّ ن الل ّ َ
ه يُ ِ ن أوَْفى ب ِعَهْدِهِ َوات َّقى فَإ ِ ّ
َ ْ َ
ليس المر كما زعم هؤلء الكاذبون ,فإن المتقي حقا ً هو من أوفى
بما عاهد الله عليه من أداء المانة واليمان به وبرسله والتزم هديه
وشرعه ,وخاف الله عز وجل فامتثل أمره وانتهى عما نهى عنه.
والله يحب المتقين الذين يتقون الشرك والمعاصي.
خلقَ ل َهُ ه ْ
م كل َ من ها ً قَِليل ً أ ُوْل َئ ِ َ
م ثَ َ مان ِهِ ْ
َ
ن ب ِعَهْدِ الل ّهِ وَأي ْ َ شت َُرو َ ن يَ ْ
ذي َن ال ّ ِ
إِ ّ
مكيهِ ه ْ م ال ِْقَيا َ
م هةِ َول ي َُز ّ م ي َهوْ َه َول ي َن ْظ ُُر إ ِل َي ْهِ ْ م الل ّ ُ خَرةِ َول ي ُك َل ّ ُ
مه ُ ْ ِفي ال ِ
َ
م )(77 ب أِلي ٌ م عَ َ
ذا ٌ وَل َهُ ْ
107
إن الذين يستبدلون بعهد الله ووصيته التي أوصى بها في الكتب
سا من عرض الدنياضا وبدل خسي ً التي أنزلها على أنبيانهم ,عو ً
وحطامها ,أولئك ل نصيب لهم من الثواب في الخرة ,ول يكلمهم
الله بما يسرهم ,ول ينظر إليهم يوم القيامة بعين الرحمة ,ول
يطهرهم من دنس الذنوب والكفر ,ولهم عذاب موجع.
كان ل ِب َ َ
س
ل ِللّنهها ِ م ي َُقو َ م َوالن ّب ُوّةَ ث ُ ّ ب َوال ْ ُ
حك ْ َ ه ال ْك َِتا َ ه الل ّ ُن ي ُؤْت ِي َ ُشرٍ أ ْ ما َ َ َ َ
نمههو َ ّ
م ت ُعَل ُ ُ
مهها كن ْت ُه ْ ن بِ َن كوُنوا َرّبان ِّيي َ ُ َ ّ
ن اللهِ وَلك ِ ْ دو ِ ن ُ م ْ ً
عَبادا ِلي ِ كوُنوا ِ ُ
ن )(79 سو َ م ت َد ُْر ُ ما ُ
كنت ُ ْ ب وَب ِ َال ْك َِتا َ
ما بين
ما ينبغي لحد من البشر أن ُينّزل الله عليه كتابه ويجعله حك ً
خلقه ويختاره نبيًا ,ثم يقول للناس :اعبدوني من دون الله ,ولكن
يقول :كونوا حكماء فقهاء علماء بما كنتم ت ُعَّلمونه غيركم من وحي
ما وفقًها. الله تعالى ,وبما تدرسونه منه حف ً
ظا وعل ً
جههاءَك ُ ْ
م م َ حك ْ َ
مهةٍ ث ُه ّ ب وَ ِ
ن ك َِتا ٍ
م ْ
م ِ ن لَ َ
ما آت َي ْت ُك ُ ْ ميَثاقَ الن ّب ِّيي َ
ه ِ وَإ ِذ ْ أ َ َ
خذ َ الل ّ ُ
108
م وَأ َ َ
خ هذ ْت ُ ْ
م ل مصدقٌ ل ِما معك ُم ل َتؤْمنن به ول َتنصرنه َقا َ َ َ
ل أأقَْرْرت ُه ْ َ َ َ ْ ُ ِ ُ ّ ِ ِ َ َْ ُ ُ ّ ُ سو ٌ ُ َ ّ َر ُ
َ َ
ري قَههاُلوا أقَْرْرن َهها قَهها َ
نمه ْ م ِ معَك ُه ْدوا وَأن َهها َ ش هه َ ُل َفا ْ صه ِ
م إِ ْعَل َههى ذ َل ِك ُه ْ
ن )(81 دي َ ال ّ
شاهِ ِ
واذكر -أيها الرسول -إذ أخذ الله سبحانه العهد المؤكد على جميع
ن آتيتكم من كتاب وحكمة ,ثم جاءكم رسول من عندي, النبياء :ل َئ ِ ْ
مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرّنه .فهل أقررتم واعترفتم بذلك
وأخذتم على ذلك عهدي الموثق؟ قالوا :أقررنا بذلك ,قال :فليشهد ْ
بعضكم على بعض ,واشهدوا على أممكم بذلك ,وأنا معكم من
الشاهدين عليكم وعليهم .وفي هذا أن الله أخذ الميثاق على كل
نبي أن يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ,وأخذ الميثاق على أمم
النبياء بذلك.
ن )(82 م ال َْفا ِ
سُقو َ ك فَأ ُوْل َئ ِ َ
ك هُ ْ ن ت َوَّلى ب َعْد َ ذ َل ِ َ فَ َ
م ْ
فمن أعرض عن دعوة السلم بعد هذا البيان وهذا العهد الذي
أخذه الله على أنبيائه ,فأولئك هم الخارجون عن دين الله وطاعة
ربهم.
عي َ
ل ما ِ
سه َ
م وَإ ِ ْ ل عَل َههى إ ِب َْرا ِ
هيه َ مهها أ ُن ْهزِ َ ما أ ُن ْزِ َ
ل عَل َي ْن َهها وَ َ مّنا ِبالل ّهِ وَ َ
لآ َ قُ ْ
ن ُ َ
مه ْن ِسى َوالن ّب ِي ّههو َ عي َ سى وَ ِ مو َ ي ُ ما أوت ِ َ ط وَ َ سَبا ِ ب َوال ْ حقَ وَي َعُْقو َ س َوَإ ِ ْ
ربهم ل نَفرقُ بي َ
ن )(84 مو َسل ِ ُ
م ْه ُ ن لَ ُح ُ م وَن َ ْمن ْهُ ْحدٍ ِ نأ َ َْ َ ُ ّ َ ِّ ْ
109
دقنا بالله وأطعنا ,فل رب لنا غيره ,ولقل لهم -أيها الرسول : -ص ّ
معبود لنا سواه ,وآمّنا بالوحي الذي أنزله الله علينا ,والذي أنزله
على إبراهيم خليل الله ,وابنيه إسماعبل وإسحاق ,وابن ابنه يعقوب
بن إسحاق ,والذي أنزله على السباط -وهم النبياء الذين كانوا في
من ولد يعقوب -وما أوتي موسى قبائل بني إسرائيل الثنتي عشرة ِ
وعيسى من التوراة والنجيل ,وما أنزله الله على أنبيائه ,نؤمن
بذلك كله ,ول نفرق بين أحد منهم ,ونحن لله وحده منقادون
مِقّرون له بالربوبية واللوهية والعبادة.
بالطاعةُ ,
ن
مه ْ
خهَرةِ ِ
ه وَهُهوَ ِفهي ال ِ
من ْه ُ
ل ِ سهلم ِ ِدينها ً فََله ْ
ن ي ُْقَبه َ ن ي َب ْت َِغ غَي َْر ال ِ ْ
م ْ
وَ َ
ن )(85 ري َ س ِ خا ِال ْ َ
ومن يطلب ديًنا غير دين السلم الذي هو الستسلم لله بالتوحيد
والنقياد له بالطاعة ,والعبودية ,ولرسوله النبي الخاتم محمد صلى
الله عليه وسلم باليمان به وبمتابعته ومحبته ظاهًرا وباطًنا ,فلن
ُيقبل منه ذلك ,وهو في الخرة من الخاسرين الذين بخسوا
أنفسهم حظوظها.
َ
ق
حه ّ سههو َ
ل َ ن الّر ُ
دوا أ ّ م وَ َ
ش هه ِ ُ مان ِهِ ْوما ً ك ََفُروا ب َعْد َ ِإي َ دي الل ّ ُ
ه قَ ْ ك َي ْ َ
ف ي َهْ ِ
ن )(86 مي َ م ال ّ
ظال ِ ِ دي ال َْقوْ َ ه ل ي َهْ ِت َوالل ّ ُ م ال ْب َي َّنا ُ جاَءهُ ْوَ َ
ما جحدوا نبوة محمد صلى كيف بوفق الله لليمان به وبرسوله قو ً
دا صلى الله علبهالله عليه وسلم بعد إيمانهم به ,وشهدوا أن محم ً
وسلم حق وما جاء به هو الحق ,وجاءهم الحجج من عند الله
والدلئل بصحة ذلك؟ والله ل يوفق للحق والصواب الجماعة
الظلمة ,وهم الذين عدلوا عن الحق إلى الباطل ,فاختاروا الكفر
على اليمان.
ن )(87 َ َ ة الل ّهِ َوال ْ م لَ ن عَل َ ك جزاؤُهُم أ ََ أ ُوْل َ
مِعي َ
ج َ
سأ ِْ نا
ّ وال
َ ِ ة كِ ئمل
َ َ َ نْ ع ْ ِ هْ ي ّ ْ َ َ ِ ئ
س
ن عليهم لعنة الله والملئكة والنا ِ
أولئك الظالمون جزاؤهم أ ّ
أجمعين ,فهم مطرودون من رحمة الله.
110
م ي ُن ْظ َُرو َ
ن )(88 ب َول هُ ْ م ال ْعَ َ
ذا ُ ف عَن ْهُ ْ
خّف ُ
ن ِفيَها ل ي ُ َ
دي َ
خال ِ ِ
َ
ماكثين في النار ,ل ُيرفع عنهم العذاب قليل ليستريحوا ,ول ُيؤخر
عنهم لمعذرة يعتذرون بها.
م
ل ت َهوْب َت ُهُ ْ دوا ك ُْفههرا ً ل َه ْ
ن ت ُْقب َه َ دا ُ م ث ُه ّ
م اْز َ ن ك ََفهُروا ب َعْهد َ ِإي َ
مههان ِهِ ْ ن ال ّه ِ
ذي َ إِ ّ
ن )(90 ضاّلو َم ال ّ ك هُ ْوَأ ُوْل َئ ِ َ
إن الذين كفروا بعد إيمانهم واستمروا على الكفر إلى الممات لن
ُتقبل لهم توبة عند حضور الموت ,وأولئك هم الذين ضّلوا السبيل,
فأخط َ ُ
ؤوا منهجه.
لُء ال َ ل من أ َ
ض
ِ ر
ْ ْ م
ِ م
ْ ِ ه ِ دحَ م ك ُّفاٌر فَل َ ْ
ن ي ُْقب َ َ ِ ْ ماُتوا وَهُ ْ ن ك ََفُروا وَ َ ذي َن ال ّ ِ إِ ّ
َ دى ب ِهِ أ ُوْل َئ ِ َ
ن )(91 ري َ ص ِ ن َنا ِ م ْ م ِ ما ل َهُ ْ
م وَ َب أِلي ٌ م عَ َ
ذا ٌ ك ل َهُ ْ هبا ً وَل َوْ افْت َ َذَ َ
إن الذين جحدوا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ,وماتوا على
الكفر بالله ورسوله ,فلن ُيقبل من أحدهم يوم القيامة ملء الرض
ذهًبا; ليفتدي به نفسه من عذاب الله ,ولو افتدى به نفسه فِْعل.
أولئك لهم عذاب موجع ,وما لهم من أحد ينقذهم من عذاب الله.
111
الجزء الرابع :
ن الل ّه َ
ه يءٍ فَإ ِ ّ ن َ
ش ْ م ْ
فُقوا ِ
ما ت ُن ْ ِ
ن وَ َ
حّبو َ
ما ت ُ ِ
م ّ
فُقوا ِ ن ت ََناُلوا ال ْب ِّر َ
حّتى ت ُن ْ ِ لَ ْ
م )(92 ب ِهِ عَِلي ٌ
لن تدركوا الجنة حتى تتصدقوا مما تحبون ,وأي شيء تتصدقوا به
مهما كان قليل أو كثيًرا فإن الله به عليم ,وسيجازي كل منفق
بحسب عمله.
ل عََلى ن َْف ِ
سهههِ سَراِئي ُ م إِ ْحّر َما َ ل إ ِل ّ َ حل ّ ل ِب َِني إ ِ ْ
سَراِئي َ ن ِ ل الط َّعام ِ َ
كا َ كُ ّ
ل التوراة قُ ْ ْ من قَب َ
ن
صادِِقي َم َن ك ُن ْت ُ ْ ل فَأُتوا ِبالت ّوَْراةِ َفات ُْلو َ
ها إ ِ ْ ن ت ُن َّز َ ّ ْ َ ُ لأ ْ ِ ْ ْ ِ
)(93
كل الطعمة الطّيبة كانت حلل لبناء يعقوب عليه السلم إل ما
من قبل أن ت ُن َّزل
حّرم يعقوب على نفسه لمرض نزل به ,وذلك ِ
التوراة .فلما ن ُّزلت التوراة حّرم الله على بني إسرائيل بعض
الطعمة التي كانت حلل لهم; وذلك لظلمهم وبغيهم .قل لهم -أيها
الرسول : -هاتوا التوراة ,واقرؤوا ما فيها إن كنتم محقين في
دعواكم أن الله أنزل فيها تحريم ما حّرمه يعقوب على نفسه ,حتى
تعلموا صدق ما جاء في القرآن من أن الله لم يحرم على بني
إسرائيل شيًئا من قبل نزول التوراة ,إل ما حّرمه يعقوب على
نفسه.
ن)
كي َ
شههرِ ِ ن ال ْ ُ
م ْ م ْ
ن ِ
كا َ حِنيفا ً وَ َ
ما َ م َ
هي َ مل ّ َ
ة إ ِب َْرا ِ صد َقَ الل ّ ُ
ه َفات ّب ُِعوا ِ قُ ْ
ل َ
(95
112
دق الله فيما أخبر به وفيما شرعه .فإن ص َ
قل لهم -أيها الرسولَ -
كنتم صادقين في محبتكم وانتسابكم لخليل الله إبراهيم عليه
السلم فاتبعوا مّلته التي شرعها الله على لسان محمد صلى الله
عليه وسلم ,فإنها الحق الذي ل شك فيه .وما كان إبراهيم عليه
دا.
السلم من المشركين بالله في توحيده وعبادته أح ً
113
وجا ً
ع َ
ن ت َب ُْغون ََها ِ
م َ
نآ َ ل الل ّهِ َ
م ْ سِبي ِ
ن َ ن عَ ْ دو َص ّ
م تَ ُ ب لِ َ ل َيا أ َهْ َ
ل ال ْك َِتا ِ قُ ْ
َ
ن )(99 مُلو َ
ما ت َعْ َ
ل عَ ّه ب َِغافِ ٍما الل ّ ُ
داُء وَ َ م ُ
شه َ َ وَأن ْت ُ ْ
م تمنعون من السلم من قل -أيها الرسول -لليهود والنصارى :ل ِ َ
يريد الدخول فيه تطلبون له زيًغا وميل عن القصد والستقامة,
ت به هو الحق؟ وما الله بغافل عما تعملون, وأنتم تعلمون أن ما جئ ُ
وسوف يجازيكم على ذلك.
َ
ن
مه ْ سههول ُ ُ
ه وَ َ ت الّلههِ وَِفيك ُه ْ
م َر ُ م ت ُت َْلى عَل َي ْك ُه ْ
م آي َهها ُ ف ت َك ُْفُرو َ
ن وَأن ْت ُ ْ وَك َي ْ َ
ست َِقيم ٍ )(101م ْ ط ُصَرا ٍ م ِبالل ّهِ فََقد ْ هُدِيَ إ َِلى ِ ص ْي َعْت َ ِ
وكيف تكفرون بالله -أيها المؤمنون ،-وآيات القرآن تتلى عليكم,
منوفيكم رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم يبلغها لكم؟ و َ
يتوكل على الله ويستمسك بالقرآن والسنة فقد وُّفق لطريق
واضح ,ومنهاج مستقيم.
َ َ
ن
مو َ
سل ِ ُ
م ْ ن إ ِل ّ وَأن ْت ُ ْ
م ُ موت ُ ّ
حقّ ت َُقات ِهِ َول ت َ ُ مُنوا ات ُّقوا الل ّ َ
ه َ نآ َ َيا أي َّها ال ّ ِ
ذي َ
)(102
دقوا الله ورسوله ،وعملوا بشرعه ,خافوا الله حق يا أيها الذين ص ّ
كر فلكر فل يكفر ,وُيذ َ
خوفه :وذلك بأن يطاع فل ُيعصى ,وُيش َ
ينسى ,وداوموا على تمسككم بإسلمكم إلى آخر حياتكم; لتلقوا
الله وأنتم عليه.
114
م إ ِذ ْكهه ْة الل ّهِ عَل َي ْ ُ م َميعا ً َول ت ََفّرُقوا َواذ ْك ُُروا ن ِعْ َ ج ِ ل الل ّهِ َ حب ْ ِ موا ب ِ َص ُ
َواعْت َ ِ
م عَل َههى َ َ ك ُنت َ
وان ها ً وَك ُن ْت ُه ْخ َمت ِههِ إ ِ ْم ب ِن ِعْ َحت ُ ْ م فَأ ْ
صب َ ْ ن قُُلوب ِك ُ ْ َ داًء فَأل ّ َ
ف ب َي ْ م أعْ َ ُْ ْ
م آَيههات ِهِ ل َعَل ّ ُ َ
م كهه ْ ه ل َك ُ ْ
ن الل ّ ُ من َْها ك َذ َل ِ َ
ك ي ُب َي ّ ُ م ِن الّنارِ فَأن َْقذ َك ُ ْ م ْ حْفَرةٍ ِ شَفا ُ َ
ن )(103 دو َ ت َهْت َ ُ
سكوا جميًعا بكتاب ربكم وهدي نبيكم ,ول تفعلوا ما يؤدي إلى وتم ّ
فرقتكم .واذكروا نعمة جليلة أنعم الله بها عليكم :إذ كنتم -أيها
المؤمنون -قبل السلم أعداء ,فجمع الله قلوبكم على محبته
ومحبة رسوله ,وألقى في قلوبكم محبة بعضكم لبعض ,فأصبحتم
-بفضله -إخوانا متحابين ,وكنتم على حافة نار جهنم ,فهداكم الله
جاكم من النار .وكما بّين الله لكم معالم اليمان الصحيح بالسلم ون ّ
فكذلك يبّين لكم كل ما فيه صلحكم; لتهتدوا إلى سبيل الرشاد,
وتسلكوها ,فل تضلوا عنها.
م ال ْب َي ّن َهها ُ
ت جههاَءهُ ْ
مهها َ
ن ب َعْهدِ َ خت َل َُفههوا ِ
مه ْ ن ت ََفّرقُههوا َوا ْ كال ّه ِ
ذي َ كون ُههوا َ
َول ت َ ُ
م )(105 ظي ٌ
ب عَ ِ ذا ٌم عَ َك ل َهُ ْوَأ ُوْل َئ ِ َ
ول تكونوا -أيها المؤمنون -كأهل الكتاب الذين وقعت بينهم العداوة
والبغضاء فتفّرقوا شيًعا وأحزاًبا ,واختلفوا في أصول دينهم من بعد
ب عظيم موجع. أن اتضح لهم الحق ,وأولئك مستحقون لعذا ٍ
يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فَأ َما ال ّذين اسودت وجههوهُه َ
م أك ََفْرت ُه ْ
م ُ ْ ِ َ ْ َ ّ ْ ُ ُ ّ َ ْ َ ََْ ّ ُ ُ ٌ ََ ْ َ ّ ُ ُ ٌ
ن )(106 م ت َك ُْفُرو َ
ما ك ُن ْت ُ ْ
ب بِ َ ذوُقوا ال ْعَ َ
ذا َ مان ِك ُ ْ
م فَ ُ ب َعْد َ ِإي َ
ض وجوه أهل السعادة الذين آمنوا بالله ورسوله,يوم القيامة ت َب ْي َ ّ
سوَد ّ وجوه أهل الشقاوة ممن كذبوا رسوله,
وامتثلوا أمره ,وت َ ْ
خا:
دت وجوههم ,فيقال لهم توبي ً
وعصوا أمره .فأما الذين اسو ّ
115
أكفرتم بعد إيمانكم ,فاخترتم الكفر على اليمان؟ فذوقوا العذاب
بسبب كفركم.
َ
ن)
دو َ
خال ِه ُ مهةِ الل ّههِ هُ ه ْ
م ِفيهَهها َ م فَِفههي َر ْ
ح َ جوهُهُ ْ
ت وُ ُ
ض ْ
ن اب ْي َ ّ ما ال ّ ِ
ذي َ وَأ ّ
(107
شروا به من الخير,ت وجوهم بنضرة النعيم ,وما ب ُ ّ
ض ْ
وأما الذين ابي ّ
دا.
فهم في جنة الله ونعيمها ,وهم باقون فيها ,ل يخرجون منها أب ً
116
ن)
ص هُرو َ َ
م ي ُوَّلوك ُ ْ
م الد ْب َههاَر ث ُه ّ
م ل ي ُن ْ َ ن ي َُقات ُِلوك ُ ْ م إ ِل ّ أ َ ً
ذى وَإ ِ ْ ضّروك ُ ْ لَ ْ
ن يَ ُ
(111
لن يضركم هؤلء الفاسقون من أهل الكتاب إل ما يؤذي أسماعكم
من ألفاظ الشرك والكفر وغير ذلك ,فإن يقاتلوكم ي ُهَْزموا ,ويهربوا
موّلين الدبار ,ثم ل ينصرون عليكم بأي حال.
ْ
ن ال ْ ُ
من ْك َه ِ
ر ن ع َه ْ
ف وَي َن ْهَوْ َ
معُْرو ِ ن ِبال ْ َمُرو َخرِ وَي َأ ُن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ ال ِ
مُنو َي ُؤْ ِ
ن )(114 ُ
ت وَأوْل َئ ِ َ ن ِفي ال ْ َ
حي َ
صال ِ ِ
ن ال ّ م َك ِ خي َْرا ِ عو َ سارِ ُوَي ُ َ
يؤمنون بالله واليوم الخر ,ويأمرون بالخير كله ,وينهون عن الشر
كّله ,ويبادرون إلى فعل الخيرات ,وأولئك ِ
من عباد الله الصالحين.
117
ن )(115 م ِبال ْ ُ
مت ِّقي َ ن ي ُك َْفُروهُ َوالل ّ ُ
ه عَِلي ٌ خي ْرٍ فَل َ ْ
ن َ ما ي َْفعَُلوا ِ
م ْ وَ َ
ل أو ك َُثر من أعمال الخير تعمله هذه الطائفة المؤمنة
وأيّ عمل ق ّ
فلن يضيع عند الله ,بل ُيشكر لهم ,ويجازون عليه .والله عليم
بالمتقين الذين فعلوا الخيرات وابتعدوا عن المحرمات; ابتغاء
رضوان الله ,وطلًبا لثوابه.
شههْيئا ً
ن الّلهههِ َ َ إن ال ّذين ك ََفروا ل َن تغْن ِي عَنه َ
م ْ
م ِ وال ُهُ ْ
م َول أْولد ُهُ ْ م َمأ ْ ْ ُ َ ُْ ْ ُ ِ َ ِ ّ
ن )(116 َ وَأ ُوْل َئ ِ َ
دو َخال ِ ُ
م ِفيَها َ
ب الّنارِ هُ ْ
حا ُ
ص َ
كأ ْ
إن الذين كفروا بآيات الله ,وكذبوا رسله ,لن تدفع عنهم أموالهم
ول أولدهم شيًئا من عذاب الله في الدنيا ول في الخرة ,وأولئك
أصحاب النار الملزمون لها ,ل يخرجون منها.
َ
تصههاب َ ْ
صهّر أ َ ح ِفيهَهها ٍِ ل ِريه مث َ ِحَياةِ الد ّن َْيا ك َ َ ن ِفي هَذِهِ ال ْ َ فُقو َ ما ي ُن ْ ِل َ مث َ ُ
َ
َ َ ّ َ َ َ َ َ َ َ َ
م
س هه ُ ْن أن ُْف َ
ه وَلك ِه ْ
م الل ُمه ُ ْ
ما ظل َ ه وَ َ م فَأهْلكت ْ ُ سه ُ ْ
موا أن ُْف َث قَوْم ٍ ظل ُ حْر َ َ
ن )(117 مو َي َظ ْل ِ ُ
ل ما ينفق الكافرون في وجوه الخير في هذه الحياة الدنيا وما مث َ ُ
َ
ت على زرع قوم يؤملونه من ثواب ,كمثل ريح فيها برد شديد هَب ّ ْ
ق الريح منه شيًئا .وهؤلء كانوا يرجون خيره ,وبسبب ذنوبهم لم ت ُب ْ ِ
الكافرون ل يجدون في الخرة ثواًبا ,وما ظلمهم الله بذلك ,ولكنهم
ظلموا أنفسهم بكفرهم وعصيانهم.
ْ َ
دوا خب َههال ً وَ ّ
م َم ل ي َهأُلون َك ُ ْدون ِك ُ ْن ُم ْة ِ ذوا ب ِ َ
طان َ ً خ ُ
مُنوا ل ت َت ّ ِ نآ َ َيا أي َّها ال ّ ِ
ذي َ
خفي صدورهُ َ ما عَن ِتم قَد بدت ال ْبغْضاُء م َ
م أك ْب َُر َقههد ُْ ُ ُ ْ ما ت ُ ْ ِم وَ َواهِهِ ْ ن أفْ َِ ْ َ َ ّ ْ ْ َ َ ْ َ
ن )(118 ُ
م ت َعِْقلو َ ن ك ُن ْت ُ ْ
ت إِ ْم الَيا ِ َ
ب َي ّّنا لك ُ ْ
دقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه ،ل تتخذوا يا أيها الذين ص ّ
طلعونهم على أسراركم, الكافرين أولياء من دون المؤمنين ,ت ُ ْ
فهؤلء ل ي َْفُترون عن إفساد حالكم ,وهم يفرحون بما يصيبكم من
ضرر ومكروه ,وقد ظهرت شدة البغض في كلمهم ,وما تخفي
صدورهم من العداوة لكم أكبر وأعظم .قد بي ّّنا لكم البراهين
118
والحجج ,لتتعظوا وتحذروا ,إن كنتم تعقلون عن الله مواعظه وأمره
ونهيه.
ذا ل َُقههوك ُ ْ
م ب ك ُل ّهِ وَإ ِ َ
ن ِبال ْك َِتا ِمُنو َ م وَت ُؤْ ِ حّبون َك ُ ْ
م َول ي ُ ِ حّبون َهُ ْم أ ُْولِء ت ُ ِ َ َ
هاأن ْت ُ ْ
موُتهوا ل ُ ظ ُقه ْ ن الغَْيه ِ مه ْ ل ِ مه َم ال ََنا ِ ضهوا عَل َي ْ ُ
كه ْ وا عَ ّ خَله ْ
ذا َ مّنها وَإ ِ ََقاُلوا آ َ
دورِ )(119 ص ُت ال ّ ذا ِم بِ َ
ه عَِلي ٌ ن الل ّ َ ب ِغَي ْظ ِك ُ ْ
م إِ ّ
ها هوذا الدليل على خطئكم في محبتهم ,فأنتم تحبونهم وتحسنون
إليهم ,وهم ل يحبونكم ويحملون لكم العداوة والبغضاء ,وأنتم
تؤمنون بالكتب المنزلة كلها ومنها كتابهم ,وهم ل يؤمنون بكتابكم,
فكيف تحبونهم؟ وإذا لقوكم قالوا -نفاًقا : -آمّنا وصد ّْقنا ,وإذا خل
ضوا أطراف أصابعهم بعضهم إلى بعض بدا عليهم الغم والحزن ,فعَ ّ
من شدة الغضب ,لما يرون من ألفة المسلمين واجتماع كلمتهم,
وإعزاز السلم ,وإذللهم به .قل لهم -أيها الرسول : -موتوا بشدة
غضبكم .إن الله مط ِّلع على ما تخفي الصدور ,وسيجازي كل على
من خير أو شر. دم ِ
ما ق ّ
ن
حهوا ب َِهها وَإ ِ ْ
ة ي َْفَر ُ سهي ّئ َ ٌم َ صهب ْك ُ ْن تُ ِ م وَإ ِ ْسهؤْهُ ْ ة تَ ُسهن َ ٌح َ سهك ُ ْ
م َ س ْ م َن تَ ْإِ ْ
ط) حي ه ٌم ِ ن ُمل ُههو َ
مهها ي َعْ َ ن الل ّ َ
ه بِ َ شْيئا ً إ ِ ّم َ م ك َي ْد ُهُ ْ
ضّرك ُ ْ صب ُِروا وَت َت ُّقوا ل ي َ ُتَ ْ
(120
منومن عداوة هؤلء أنكم -أيها المؤمنون -إن نزل بكم أمٌر حسن ِ
نصر وغنيمة ظهرت عليهم الكآبة والحزن ,وإن وقع بكم مكروه من
هزيمة أو نقص في الموال والنفس والثمرات فرحوا بذلك ,وإن
تصبروا على ما أصابكم ,وتتقوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه ,ل
يضركم أذى مكرهم .والله بجميع ما يعمل هؤلء الكفار من الفساد
محيط ,وسيجازيهم على ذلك.
ع
مي ٌ
سه ِ ل َوالل ّه ُ
ه َ ع هد َ ل ِل ِْقت َهها ِ
مَقا ِ
ن َ
مِني َ ن أ َهْل ِ َ
ك ت ُب َهوّئُ ال ْ ُ
م هؤ ْ ِ م ْ
ت ِوَإ ِذ ْ غَد َوْ َ
م )(121 عَِلي ٌ
119
دة الحرب,
سا عُ ّ
ت من بيتك لب ً
ج َ
خَر ْواذكر -أيها الرسول -حين َ
زل كل واحد في منزله للقاء المشركين صفوف أصحابك ,وت ُن ْ ِ تنظم
حد" .والله سميع لقوالكم ,عليم بأفعالكم. ُ
في غزوة "أ ُ
ش هك ُُرو َ
ن) ه ل َعَل ّك ُه ْ
م تَ ْ م أ َذِل ّه ٌ
ة فَههات ُّقوا الل ّه َ
َ
م الل ّ ُ
ه ب ِب َد ْرٍ وَأن ْت ُه ْ وَل ََقد ْ ن َ َ
صَرك ُ ْ
(123
ولقد نصركم الله -أيها المؤمنون -به "بدر" على أعدائكم المشركين
ددكم ,فخافوا الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه;
ددكم وعُ َ
مع قلة عَ َ
لعلكم تشكرون له نعمه.
ْ
م َرب ّك ُه ْ
م مهدِد ْك ُ ْ ن فَهوْرِهِ ْ
م هَ ه َ
ذا ي ُ ْ مه ْ
م ِصهب ُِروا وَت َت ُّقههوا وَي َهأُتوك ُ ْ ب َل َههى إ ِ ْ
ن تَ ْ
ن )(125 مي َسو ّ ِ
م َملئ ِك َةِ ُ ن ال ْ َ
م ْف ِ سةِ آل ٍ م َ
خ ْ بِ َ
دد .وبشارة أخرى لكم :إن تصبروا على لقاء م َ
بلى يكفيكم هذا ال َ
العدو وتتقوا الله بِفْعل ما أمركم به واجتناب ما نهاكم عنه ,ويأت
كفار "مكة" على الفور مسرعين لقتالكم ,يظنون أنهم
120
ومين
يستأصلونكم ,فإن الله يمدكم بخمسة آلف من الملئكة مس ّ
أي :قد أعلموا أنفسهم وخيولهم بعلمات واضحات.
ن صُر إ ِل ّ ِ
م ْ ما الن ّ ْ ن قُُلوب ُك ُ ْ
م ب ِهِ وَ َ م وَل ِت َط ْ َ
مئ ِ ّ شَرى ل َك ُ ْ ه الل ّ ُ
ه إ ِل ّ ب ُ ْ جعَل َ ُ
ما َوَ َ
كيم ِ )(126 ح ِزيزِ ال ْ َ عن ْدِ الل ّهِ ال ْعَ ِ
ِ
وما جعل الله هذا المداد بالملئكة إل بشرى لكم يبشركم بها
ولتطمئن قلوبكم ,وتطيب بوعد الله لكم .وما النصر إل من عند
الله العزيز الذي ل يغاَلب ,الحكيم في تدبيره وفعله.
َ
ن )(127 خائ ِِبي َ ن ك ََفُروا أوْ ي َك ْب ِت َهُ ْ
م فَي َن َْقل ُِبوا َ ن ال ّ ِ
ذي َ ل ِي َْقط َعَ ط ََرفا ً ِ
م ْ
در" ليهلك فريًقا مههن الكفههار بالقتهل ,ومهن وكان نصر الله لكم به "ب ْ
نجا منهم من القتل رجع حزيًنا قد ضاقت عليه نفسههه ,ي َ ْ
ظهههر عليههه
الخزي والعار
َ
ن
مه ْ شاُء وَي ُعَ هذ ّ ُ
ب َ ن يَ َ
م ْ
ض ي َغِْفُر ل ِ َ
ما ِفي الْر ِ
ت وَ َوا ِ
م َس َ
ما ِفي ال ّ وَل ِل ّهِ َ
م )(129 حي ٌ شاُء َوالل ّ ُ
ه غَُفوٌر َر ِ يَ َ
ولله وحده ما في السموات وما في الرض ,يغفر لمن يشاء من
عباده برحمته ,ويعذب من يشاء بعدله .والله غفور لذنوب عباده,
رحيم بهم.
ن )(131
ري َ ت ل ِل ْ َ
كافِ ِ َوات ُّقوا الّناَر ال ِّتي أ ُ ِ
عد ّ ْ
اجعلوا لنفسكم وقاية بينكم وبين النار التي هُّيئت للكافرين.
َ
ن )(132
مو َ
ح ُ ل ل َعَل ّك ُ ْ
م ت ُْر َ سو َ طيُعوا الل ّ َ
ه َوالّر ُ وَأ ِ
وأطيعوا الله -أيها المؤمنون -فيما أمركم به من الطاعات وفيما
نهاكم عنه من أكل الربا وغيره من الشياء ,وأطيعوا الرسول;
لترحموا ,فل تعذبوا.
َ
ض
ت َوالْر ُ
وا ُ
م َ
سه َ
ضهَها ال ّ
جن ّهةٍ عَْر ُ ن َرب ّك ُه ْ
م وَ َ مه ْ عوا إ َِلى َ
مغِْفَرةٍ ِ سارِ ُوَ َ
ن )(133 ت ل ِل ْ ُ
مت ِّقي َ أُ ِ
عد ّ ْ
وبادروا بطاعتكم لله ورسوله لغتنام مغفرة عظيمة من ربكم وجنة
واسعة ,عرضها السموات والرض ,أعدها الله للمتقين.
َ ش ً َ
ه َفا ْ
س هت َغَْفُروا م ذ َك َُروا الّلهه َ
سه ُ ْ
موا أن ُْف َ ة أوْ ظ َل َ ُ ح َ ذا فَعَُلوا َفا ِن إِ َذي َ َوال ّ ِ
مهها فَعَل ُههوا وَهُه ْ
م صّروا عَل َههى َ م يُ ِه وَل َ ْ
ب إ ِل ّ الل ّ ُن ي َغِْفُر الذ ُّنو َ
م ْ
م وَ َ ل ِذ ُُنوب ِهِ ْ
ن )(135 مو َ ي َعْل َ ُ
122
والذين إذا ارتكبوا ذنًبا كبيًرا أو ظلموا أنفسهم بارتكاب ما دونه,
ذكروا وعد الله ووعيده فلجأوا إلى ربهم تائبين ,يطلبون منه أن
يغفر لهم ذنوبهم ,وهم موقنون أنه ل يغفر الذنرب إل الله ,فهم
لذلك ل يقيمون على معصية ,وهم يعلمون أنهم إن تابوا تاب الله
عليهم .
ن ف َ
كها َ سهيُروا ِفهي ال َْرض َفهان ْ ُ
ظروا ك َْيه َ ن فَ ِ
سهن َ ٌ ن قَب ْل ِك ُ ْ
م ُ م ْت ِ خل َ ْقَد ْ َ
ِ
ن )(137 ة ال ْ ُ
مك َذ ِّبي َ عاقِب َ ُ
َ
ما ُأصيبوا يوم "ُأحد" تعزية لهم بأنه قد
يخاطب الله المؤمنين له ّ
مضت من قبلكم أمم ,ابُتلي المؤمنون منهم بقتال الكافرين فكانت
العاقبة لهم ,فسيروا في الرض معتبرين بما آل إليه أمر أولئك
المكذبين بالله ورسله.
ن )(138 ة ل ِل ْ ُ
مت ِّقي َ عظ َ ٌ
مو ْ ِ
دى وَ َ
س وَهُ ً
ن ِللّنا ِ هَ َ
ذا ب ََيا ٌ
هذا القرآن بيان وإرشاد إلى طريق الحق ,وتذكير تخشع له قلوب
صوا بذلك; لنهم هم
خ ّ
المتقين ,وهم الذين يخشون الله ,و ُ
المنتفعون به دون غيرهم.
َ
ن )(139 مؤ ْ ِ
مِني َ ن ك ُن ْت ُ ْ
م ُ م ال َعْل َوْ َ
ن إِ ْ حَزُنوا وَأن ْت ُ ْ
َول ت َهُِنوا َول ت َ ْ
ضُعفوا -أيها المؤمنون -عن قتال عدوكم ,ول تحزنوا لما
ول ت ْ
ُ
أصابكم في "أحد" ,وأنتم الغالبون والعاقبة لكم ,إن كنتم مصدقين
بالله ورسوله مّتبعين شرعه.
123
داوِل َُها مث ُْلهه وت ِْله َ َ
م ُنه َك الّيها ُ ح ِ ُ َ م قَْر ٌ س ال َْقوْ َ
م ّ ح فََقد ْ َ م قَْر ٌ سك ُ ْ س ْم َن يَ ْ إِ ْ
بح ّ ه ل يُ ِ داَء َوالل ّ ُ م ُ
شه َ َ من ْك ُ ْ
خذ َ ِمُنوا وَي َت ّ ِ نآ َ ه ال ّ ِ
ذي َ م الل ّ ُس وَل ِي َعْل َ َن الّنا ِ ب َي ْ َ
ن )(140 مي َ ال ّ
ظال ِ ِ
إن أصابتكم -أيها المؤمنون -جراح أو قتل في غزوة "ُأحد" فحزنتم
لذلك ,فقد أصاب المشركين جراح وقتل مثل ذلك في غزوة "بدر".
صّرفها الله بين الناس ,نصر مرة وهزيمة أخرى ,لما وتلك اليام ي ُ َ
في ذلك من الحكمة ,حتى يظهر ما علمه الله في الزل ليميز الله
ما منكم بالشهادة .والله ل من غيره ,وي ُك ْرِ َ
م أقوا ً المؤمن الصادق ِ
يحب الذين ظلموا أنفسهم ,وقعدوا عن القتال في سبيله.
أ َم حسبت َ
من ْك ُه ْ
م دوا ِ
جاهَه ُ
ن َ ه ال ّه ِ
ذي َ م الل ّه ُ
مهها ي َعْل َه ْ
ة وَل َ ّ خُلوا ال ْ َ
جن ّه َ ن ت َد ْ ُ
مأ ْ ْ َ ِ ُْ ْ
ن )(142 ري َصاب ِ ِ وَي َعْل َ َ
م ال ّ
يا أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم -أظننتم أن تدخلوا الجنة,
ولم ت ُب َْتلوا بالقتال والشدائد؟ ل يحصل لكم دخولها حتى ت ُْبتلوا,
ويعلم الله -علما ظاهرا للخلق -المجاهدين منكم في سبيله,
والصابرين على مقاومة العداء.
124
ل ت أ َوْ قُِتهه َ مهها َ
خل َت من قَبل ِه الرس ُ َ
ل أفَإ ِْين َ ل قَد ْ َ ْ ِ ْ ْ ِ ّ ُ سو ٌ مد ٌ إ ِل ّ َر ُ ح ّ
م َما ُ وَ َ
شهْيئا ً َ
ه َ ضهّر الل ّه َ
ن يَ ُب عََلى عَِقب َي ْهِ فَل َه ْ
ن ي َن َْقل ِ ْ
م ْ
م وَ َ م عََلى أعَْقاب ِك ُ ْ ان َْقل َب ْت ُ ْ
ن )(144 ري َ
شاك ِ ِ ه ال ّ زي الل ّ ُ ج ِسي َ ْ وَ َ
وما محمد إل رسول من جنس الرسل الذين قبله يبلغ رسالة ربه.
أفإن مات بانقضاء أجله أو قُِتل كما أشاعه العداء رجعتم عن
جعُ منكم عن دينه فلن دينكم ,,تركتم ما جاءكم به نبيكم؟ ومن ير ِ
من ثبت على ما .أما َيضر الله شيًئا ,إنما يضر نفسه ضرًرا عظي ً
اليمان وشكر ربه على نعمة السلم ,فإن الله يجزيه أحسن
الجزاء.
َ
ب ن ي ُهرِد ْ ث َه َ
وا َ مه ْجل ً وَ َ ن الل ّهِ ك َِتابا ً ُ
م هؤ َ ّ ت إ ِل ّ ب ِإ ِذ ْ ِ مو َ ن تَ ُأ ْ س
ن ل ِن َْف ٍ كا َما َ وَ َ
ن
ري َ
شاك ِ ِ زي ال ّ ج ِ
سن َ ْ
من َْها وَ َخَرةِ ن ُؤْت ِهِ ِب ال ِ وا َ ن ي ُرِد ْ ث َ َم ْوَ َ الد ّن َْيا ن ُؤْت ِهِ ِ
من َْها
)(145
لن يموت أحد إل بإذن الله وقدره وحتى يستوفي المدة التي قدرها
جل .ومن يطلب بعمله عََرض الدنيا ,نعطه ما الله له كتاًبا مؤ ّ
ظ له في الخرة ,ومن يطلب بعمله قسمناه له من رزق ,ول ح ّ
الجزاء من الله في الخرة نمنحه ما طلبه ,ونؤته جزاءه وافًرا مع
ما َله في الدنيا من رزق مقسوم ,فهذا قد َ
شك ََرنا بطاعته وجهاده,
وسنجزي الشاكرين خيًرا.
َ َ
م فِههي
صههاب َهُ ْ
مهها أ َمهها وَهَن ُههوا ل ِ َن ك َِثيهٌر فَ َ ه رِب ّّيو َ
مع َ ُ ي َقات َ َ
ل َ ن ن َب ِ ّ
م ْ
ن ِوَك َأي ّ ْ
ن )(146 ري َ
صاب ِ ِب ال ّ ح ّه يُ ِكاُنوا َوالل ّ ُ
ست َ َ
ما ا ْ ضعُُفوا وَ َ ما َل الل ّهِ وَ َسِبي ِ َ
كثير من النبياء السابقين قاتل معهم جموع كثيرة من أصحابهم,
ما نزل بهم من جروح أو قتل; لن ذلك في سبيل فما ضعفوا ل ِ َ
جزوا ,ول خضعوا لعدوهم ,إنما صبروا على ما أصابهم.ربهم ,وما عَ َ
والله يحب الصابرين.
َ َ
ن َقاُلوا َرب َّنا اغِْفْر ل ََنا ذ ُُنوب ََنا وَإ ِ ْ
سهَرافََنا فِههي أ ْ
مرِن َهها م إ ِل ّ أ ْ ن قَوْل َهُ ْ كا َما َ وَ َ
صْرَنا عََلى ال َْقوْم ِ ال ْ َ َ
ن )(147 ري َ كافِ ِ مَنا َوان ْ ُ ت أقْ َ
دا َ وَث َب ّ ْ
125
وما كان قول هؤلء الصابرين إل أن قالوا :ربنا اغفر لنا ذنوبنا ,وما
من تجاوزٍ في أمر ديننا ,وثّبت أقدامنا حتى ل نفّر من قتال
وقع منا ِ
من جحد وحدانيتك ونبوة أنبيائك. عدونا ,وانصرنا على َ
ن
س هِني َ
ح ِ ب ال ْ ُ
م ْ حه ّ خَرةِ َوالل ّ ُ
ه يُ ِ ب ال ِ ن ثَ َ
وا ِ س َ
ح ْ
ب الد ّن َْيا وَ ُ
وا َ م الل ّ ُ
ه ثَ َ َفآَتاهُ ْ
)(148
فأعطى الله أولئك الصابرين جزاءهم في الدنيا بالنصر على
أعدائهم ,وبالتمكين لهم في الرض ,وبالجزاء الحسن العظيم في
من أحسن عبادته لربه الخرة ,وهو جنات النعيم .والله يحب ك ّ
ل َ
ومعاملته لخلقه.
َ َ
م عَل َههى أعَْقههاب ِك ُ ْ
م دوك ُه ْ
ن ك ََف هُروا ي َُر ّ طيُعوا ال ّ ِ
ذي َ ن تُ ِ
مُنوا إ ِ ْ
نآ َ َيا أي َّها ال ّ ِ
ذي َ
ن )(149 ري َس ِ
خا ِ فَت َن َْقل ُِبوا َ
دقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه ،إن تطيعوا الذين يا أيها الذين ص ّ
جحدوا ألوهيتي ,ولم يؤمنوا برسلي من اليهود والنصارى
والمنافقين والمشركين فيما يأمرونكم به وينهونكم عنه ,يضلوكم
دوا عن دينكم ,فتعودوا بالخسران المبينعن طريق الحق ,وترت ّ
والهلك المحقق.
ن )(150
ري َ
ص ِ
خي ُْر الّنا ِ ولك ُ ْ
م وَهُوَ َ م ْ ل الل ّ ُ
ه َ بَ ْ
إنهم لن ينصروكم ,بل الله ناصركم ,وهو خير ناصر ,فل يحتاج معه
إلى نصرة أحد.
ما ل َ ْ
م ي ُن َّز ْ
ل كوا ِبالل ّهِ َ
شَر ُما أ َ ْ ن ك ََفُروا الّرعْ َ
ب بِ َ ذي َب ال ّ ِسن ُل ِْقي ِفي قُ ُ ْلو ِ َ
ن )(151 مي َ وى ال ّ
ظال ِ ِ مث ْ َ م الّناُر وَب ِئ ْ َ
س َ مأَواهُ ْ طانا ً وَ َ
سل ْ َ
ب ِهِ ُ
سنقذف في قلوب الذين كفروا أشد ّ الفزع والخوف بسبب
إشراكهم بالله آلهة مزعومة ,ليس لهم دليل أو برهان على
استحقاقها للعبادة مع الله ,فحالتهم في الدنيا :رعب وهلع من
126
المؤمنين ,أما مكانهم في الخرة الذي يأوون إليه فهو النار; وذلك
ما لهم.
بسبب ظلمهم وعدوانهم ,وساء هذا المقام مقا ً
شههى َة ن َُعاسها ً ي َغْ َ ل عَل َيك ُهم مهن بعهد ال ْغَه َ م أ َن َْز َ
من ْك ُه ْ
م ة ِ طائ َِف ه ً من َه ً
مأ َّ ْ ْ ِ ْ َْ ِ ثُ ّ
َ َ
ة
جاهِل ِّيه ِن ال ْ َظه ّ حهقّ َن ِبهالل ّهِ غَْيهَر ال ْ َ م ي َظ ُّنو َ
سه ُ ْ
م أن ُْف ُ ة قَد ْ أهَ ّ
مت ْهُ ْ طائ َِف ٌوَ َ
127
ه ل ِل ّهِ ي ُ ْ لإ ّ َ َ
ن ِفي خُفو َ مَر ك ُل ّ ُ ن ال ْ يٍء قُ ْ ِ ش ْ ن َ م ْمرِ ِ ن ال ْ م ْ ل ل ََنا ِ ن هَ ْ ي َُقوُلو َ
مهها قُت ِل ْن َهها َ َ
ي ءٌ َ ش ْ مرِ َ ن ال ْ م ْ ن ل ََنا ِ كا َ ن ل َوْ َ ك ي َُقوُلو َ ن لَ َ دو َ ما ل ي ُب ْ ُ م َ سه ِ ْ أن ُْف ِ
ل إ ِل َههى م ال َْقت ْه ُب عَل َي ْهِه ْ ن ك ُت ِه َ ذي َم ل َب َهَرَز ال ّه ِ
م ِفي ب ُي ُههوت ِك ُ ْ ل ل َوْ ك ُن ْت ُ ْ هاهَُنا قُ ْ َ
مهها فِههي قُل ُههوب ِك ُ ْ
م ص َ حه َ م ّ م وَل ِي ُ َدورِك ُ ْ صه ُما ِفي ُ ه َ ي الل ّ ُم وَل ِي َب ْت َل ِ َ جعِهِ ْ ضا ِ م َ َ
دورِ )(154 ص ُت ال ّ ذا ِ م بِ َ ه عَِلي ٌ َوالل ّ ُ
ثم كان من رحمة الله بالمؤمنين المخلصين أن ألقى في قلوبهم
م اطمئناًنا وثقة في وعد الله ,وكان م وغ ّ
من بعد ما نزل بها من ه ّ
شي طائفة منهم ,وهم أهل الخلص واليقين, من أثره نعاس غَ ِ
ت عزيمتهم ُ
ضعَُف ْمهم خلص أنفسهم خاصة ,و َ وطائفة أخرى أه ّ
شِغلوا بأنفسهم ,وأساؤوا الظن بربهم وبدينه وبنبيه ,وظنوا أن و ُ
م أمر رسوله ,وأن السلم لن نقوم له قائمة ,ولذلك الله ل ي ُت ِ ّ
تراهم نادمين على خروجهم ,يقول بعضهم لبعض :هل كان لنا من
اختيار في الخروج للقتال؟ قل لهم -أيها الرسول : -إن المر كّله
خفون في در خروجكم وما حدث لكم ,وهم ي ُ ْ لله ,فهو الذي ق ّ
أنفسهم ما ل يظهرونه لك من الحسرة على خروجهم للقتال,
يقولون :لو كان لنا أدنى اختيار ما قُِتلنا هاهنا .قل لهم :إن الجال
در الله أنكم تموتون ,لخرج الذين بيد الله ,ولو كنتم في بيوتكم ,وق ّ
كتب الله عليهم الموت إلى حيث ي ُْقتلون ,وما جعل الله ذلك إل
ليختبر ما في صدوركم من الشك والنفاق ,وليميز الخبيث من
الطيب ,ويظهر أمر المؤمن من المنافق للناس في القوال
والفعال .والله عليم بما في صدور خلقه ,ل يخفى عليه شيء من
أمورهم.
ن ش هي ْ َ
طا ُ س هت ََزل ّهُ ْ
م ال ّ مهها ا ْ
ن إ ِن ّ َ
مَعا ِ م ال ْت ََقى ال ْ َ
ج ْ من ْك ُ ْ
م ي َوْ َ ن ت َوَل ّ ْ
وا ِ ن ال ّ ِ
ذي َ إِ ّ
م )(155 حِلي ٌ ه غَُفوٌر َ ن الل ّ َم إِ ّ سُبوا وَل ََقد ْ عََفا الل ّ ُ
ه عَن ْهُ ْ ما ك َ َض َ ب ِب َعْ ِ
إن الذين فّروا منكم -يا أصحاب -محمد عن القتال يوم التقى
المؤمنون والمشركون في غزوة "ُأحد" ,إنما أوقعهم الشيطان في
هذا الذنب ببعض ما عملوا من الذنوب ,ولقد تجاوز الله عنهم فلم
يعاقبهم .إن الله غفور للمذنبين التائبين ,حليم ل يعاجل من عصاه
بالعقوبة.
َ
ما
م ّ
خي ٌْر ِ
ة َ
م ٌ ن الل ّهِ وََر ْ
ح َ م ْ م لَ َ
مغِْفَرةٌ ِ ل الل ّهِ أوْ ُ
مت ّ ْ سِبي ِ ن قُت ِل ْت ُ ْ
م ِفي َ وَل َئ ِ ْ
ن )(157 مُعو َ ج َ يَ ْ
ولئن قُِتلتم -أيها المؤمنون -وأتم تجاهدون في سبيل الله أو متم
في أثناء القتال ,ليغفرن الله لكم ذنوبكم ,وليرحمنكم رحمة من
عنده ,فتفوزون بجنات النعيم ,وذلك خير من الدنيا وما يجمعه
أهلها.
ول َئ ِن مت َ
ن )(158
شُرو َ م ل ٍَلى الل ّهِ ت ُ ْ
ح َ م أوْ قُت ِل ْت ُ ْ
َ ْ ُ ّ ْ
ولئن انقضت آجالكم في هذه الحياة الدنيا ,فمتم على فُُرشكم ,أو
قتلتم في ساحة القتال ,للى الله وحده ُتحشرون ,فيجازيكم
بأعمالكم.
ضههوا ب لن َْف ّ ظ ال َْقل ْه ِت فَظ ّا ً غَِلي ه َ م وَل َوْ ك ُن ْ َ ت ل َهُ ْن الل ّهِ ل ِن ْ َ
م ْمة ٍ ِح َ ما َر ْ فَب ِ َ
َ
مهرِ فَهإ ِ َ
ذا م فِههي ال ْ شههاوِْرهُ ْ م وَ َ سهت َغِْفْر ل َهُه ْ م َوا ْ ف عَن ْهُه ْ ك فَههاعْ ُ حوْل ِ َن َ م ْ ِ
ن )(159 ب ال ْ ُ
مت َوَك ِّلي َ ح ّ ه يُ ِن الل ّ َل عََلى الل ّهِ إ ِ ّ ت فَت َوَك ّ ْ م َ عََز ْ
ن الله عليك فكنت فبرحمة من الله لك ولصحابك -أيها النبي -م ّ
ف أصحابك
صَر َ
خلق قاسي القلب ,لن ْ َ رفيًقا بهم ,ولو كنت سّيئ ال ُ
129
من حولك ,فل تؤاخذهم بما كان منهم في غزوة "ُأحد" ,واسأل الله
-أيها النبي -أن يغفر لهم ,وشاورهم في المور التي تحتاج إلى
ضه َ
م ِ
مشورة ,فإذا عزمت على أمر من المور -بعد الستشارة -فأ ْ
دا على الله وحده ,إن الله يحب المتوكلين عليه.
معتم ً
صهُرك ُ ْ
م ذا ال ّه ِ
ذي ي َن ْ ُ ن َ
م ْ خذ ُل ْك ُ ْ
م فَ َ ن يَ ْ
م وَإ ِ ْ ب ل َك ُ ْغال ِ َ ه َفل َ م الل ّ ُ
صْرك ُ ْ
ن ي َن ْ ُ
إِ ْ
ن )(160 مُنو َ مؤ ْ ِل ال ْ ُ ن ب َعْدِهِ وَعََلى الل ّهِ فَل ْي َت َوَك ّ ْ م ْ
ِ
إن يمددكم الله بنصره ومعونته فل أحد يستطيع أن يغلبكم ,وإن
يخذلكم فمن هذا الذي يستطيع أن ينصركم من بعد خذلنه لكم؟
وعلى الله وحده فليتوكل المؤمنون.
م أ َفَمن اتبع رضوان الل ّهه ك َمهن بههاءَ بسهخط مهن الل ّهه و ْ
جهَن ّه ُ
مهأَواهُ َ
ِ َ َ ِ َ َ ٍ ِ ْ ِ َ ْ َ َ ْ َّ َ ِ ْ َ َ
صيُر )(162 م ِس ال ْ َ
وَب ِئ ْ َ
ب علىمك ِ ٌ
ل يستوي من كان قصده رضوان الله ومن هو ُ
المعاصي ,مسخط لربه ,فاستحق بذلك سكن جهنم ,وبئس
المصير.
مُلو َ
ن )(163 ما ي َعْ َ
صيٌر ب ِ َ عن ْد َ الل ّهِ َوالل ّ ُ
ه بَ ِ ت ِ
جا ٌ
م د ََر َ
هُ ْ
أصحاب الجنة المتبعون لما يرضي الله متفاوتون في الدرجات,
وأصحاب النار المتبعون لما يسخط الله متفاوتون في الدركات ,ل
يستوون .والله بصير بأعمالهم ل يخفى عليه منها شيء.
130
م ي َت ْل ُههوا ث فيهم رسول ً م َ
س هه ِ ْ
ن أن ُْف ِ
ِ ْ ن إ ِذ ْ ب َعَ َ ِ ِ ْ َ ُ مِني َ مؤ ْ ِ ه عََلى ال ْ ُ ن الل ّ ُم ّل ََقد ْ َ
ن قَب ْه ُ
ل مه ْ ن ك َههاُنوا ِ
ة وَإ ِ ْ
م َ ب َوال ْ ِ
حك ْ َ م ال ْك َِتا َ م وَي ُعَل ّ ُ
مه ُ ْ م آَيات ِهِ وَي َُز ّ
كيهِ ْ عَل َي ْهِ ْ
ن )(164 مِبي ٍ ل ُ ضل ٍ ل َِفي َ
لقد أنعم الله على المؤمنين من العرب; إذ بعث فيهم رسول من
أنفسهم ,يتلو عليهم آيات القرآن ,ويطهرهم من الشرك والخلق
الفاسدة ,ويعلمهم القرآن والسنة ,وإن كانوا من قبل هذا الرسول
ي وجهل ظاهر. لفي غ ّ
ن
مه ْ
ل ه ُ هو َ ِ م أ َن ّههى هَه َ
ذا قُه ْ مث ْل َي َْها قُل ْت ُ ْم ِ
صب ْت ُ ْ
َ
ة قَد ْ أ َ
صيب َ ٌ م ِم ُ صاب َت ْك ُ ْ
َ
ما أ َ
َ
أوَل َ ّ
ه عََلى ك ُ ّ َ
ديٌر )(165 يٍء قَ ِ ش ْ ل َ ن الل ّ َم إِ ّ سك ُ ْ عن ْدِ أن ُْف ِ ِ
أولما أصابتكم -أيها المؤمنون -مصيبة ,وهي ما ُأصيب منكم يوم
در" ,قلتم ُ
"أحد" قد أصبتم مثليها من المشركين في يوم "ب ْ
متعجبين :كيف يكون هذا ونحن مسلمون ورسول الله صلى الله
عليه وسلم فينا وهؤلء مشركون؟ قل لهم -أيها النبي : -هذا الذي
مَر رسولكم أصابكم هو من عند أنفسكم بسبب مخالفتكم أ ْ
وإقبالكم على جمع الغنائم .إن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد,
ل معّقب لحكمه.
َ
ن)
مِني َ م ال ْ ُ
م هؤ ْ ِ ن الل ّههِ وَل ِي َعْل َه َ
ن فَب ِهإ ِذ ْ ِ
معَهها ِ م ال ْت ََقههى ال ْ َ
ج ْ صاب َك ُ ْ
م ي َهوْ َ ما أ َوَ َ
(166
ع ُ
م ُ
ج ْ
من جراح أو قتل في غزوة "أحد" يوم التقى َ وما وقع بكم ِ
المؤمنين وجمع المشركين فكان النصر للمؤمنين أول ثم
للمشركين ثانًيا ,فذلك كله بقضاء الله وقدره ,وليظهر ما علمه الله
في الزل؛ ليميز المؤمنين الصادقين منكم.
ل الّلههِ أ َْو سهِبي ِ وا َقهات ُِلوا ِفهي َ م ت ََعهال َ ْ ل ل َُهه ْ ن َنهافَُقوا وَِقيه َ ذي َم اّله ِوَل ِي َعْل َ َ
َ
ممن ْهُه ْ
ب ِ م ل ِل ْك ُْفهرِ ي َهوْ َ
مئ ِذٍ أقْهَر ُ م ه ُه ْ اد ْفَُعوا َقاُلوا ل َوْ ن َعْل َ ُ
م قَِتال ً لت ّب َعْن َههاك ُ ْ
ل ِليمههان يُقول ُههون بهأ َْفواههم مهها ل َيهس فههي قُل ُههوبهم والل ّه َ
مههام بِ َه أعْل َه ُُ ِِ ْ َ ْ َ ِ ِ ِ ْ َ َ ِ ِ َ ِ َ
ن )(167 مو َ ي َك ْت ُ ُ
131
وليعلم المنافقين الذين كشف الله ما في قلوبهم حين قال
المؤمنون لهم :تعالوا قاتلوا معنا في سبيل الله ,أو كونوا عوًنا لنا
دا لكنا معكم بتكثيركم سوادنا ,فقالوا :لو نعلم أنكم تقاتلون أح ً
عليهم ,هم للكفر في هذا اليوم أقرب منهم لليمان; لنهم يقولون
بأفواههم ما ليس في قلوبهم .والله أعلم بما ُيخفون في صدورهم.
م م ي َل ْ َ
حُقوا ب ِهِ ْ ن لَ ْ ن ِبال ّ ِ
ذي َ شُرو َست َب ْ ِ ن فَ ْ
ضل ِهِ وَي َ ْ م ْه ِ م الل ّ ُ
ما آَتاهُ ْن بِ َحي َ فَرِ ِ
ن )(170 حَزُنو َ م يَ ْم َول هُ ْف عَل َي ْهِ ْ م أ َل ّ َ
خو ْ ٌ خل ِْفهِ ْ
ن َ م ِْ
من عظيم ن الله عليهم ,فأعطاهم ِ م ّ
متهم السعادة حين َ لقد عَ ّ
جوده وواسع كرمه من النعيم والرضا ما ت ََقّر به أعينهم ,وهم
يفرحون بإخوانهم المجاهدين الذين فارقوهم وهم أحياء; ليفوزوا
مهم أنهم سينالون من الخير الذي نالوه ,إذا كما فازوا ,ل ِعِل ْ ِ
استشهدوا في سبيل الله مخلصين له ,وأن ل خوف عليهم فيما
132
يستقبلون من أمور الخرة ,ول هم يحزنون على ما فاتهم من
حظوظ الدنيا.
َ َ
ن)
مِني َ جَر ال ْ ُ
مؤ ْ ِ ضيعُ أ ْ ن الل ّ َ
ه ل يُ ِ ل وَأ ّ ن الل ّهِ وَفَ ْ
ض ٍ م ْ
مة ٍ ِ
ن ب ِن ِعْ َ
شُرو َ
ست َب ْ ِ
يَ ْ
(171
وإنهم في فرحة غامرة بما ُأعطوا من نعم الله وجزيل عطائه ,وأن
ميه ويزيده من فضله.الله ل يضيع أجر المؤمنين به ,بل ين ّ
َ
ن ح ل ِل ّه ِ
ذي َ م ال َْقهْر ُ
صهاب َهُ ْ
مهها أ َ
ن ب َْعهدِ َ
مه ْ
ل ِ
سههو ِجاُبوا ل ِّلههِ َوالّر ُست َ َ
نا ْذي َال ّ ِ
م )(172 َ َ
ظي ٌ
جٌر عَ ِ
وا أ ْم َوات َّق ْ
من ْهُ ْسُنوا ِ
ح َ أ ْ
الذين لّبوا نداء الله ورسوله وخرجوا في أعقاب المشركين إلى
"حمراء السد" بعد هزيمتهم في غزوة "ُأحد" مع ما كان بهم من
آلم وجراح ,وبذلوا غاية جهدهم ,والتزموا بهدي نبيهم ,للمحسنين
منهم والمتقين ثواب عظيم.
م م فََزاد َ ُ
ههه ْ شوْهُ ْ مُعوا ل َك ُ ْ
م َفا ْ
خ َ س قَد ْ َ
ج َ ن الّنا َ س إِ ّ م الّنا ُ ل ل َهُ ْ
ن َقا َ
ذي َال ّ ِ
ل )(173 كي ُم ال ْوَ ِ
ه وَن ِعْ َسب َُنا الل ّ ُ
ح ْ مانا ً وََقاُلوا َِإي َ
وهم الذين قال لهم بعض المشركين :إن أبا سفيان ومن معه قد
أجمعوا أمرهم على الرجوع إليكم لستئصالكم ,فاحذروهم واتقوا
لقاءهم ,فإنه ل طاقة لكم بهم ,فزادهم ذلك التخويف يقيًنا وتصديًقا
بوعد الله لهم ,ولم ي َث ِْنهم ذلك عن عزمهم ,فساروا إلى حيث شاء
وض إليه تدبير الله ,وقالوا :حسبنا الله أي :كافينا ,ون ِْعم الوكيل المف ّ
عباده.
ن
وا َ
ضه َ
سههوٌء َوات ّب َعُههوا رِ ْ
م ُ
سه ُ ْ
س ْ
م َ ل لَ ْ
م يَ ْ ن الل ّهِ وَفَ ْ
ض ٍ م ْ َفان َْقل َُبوا ب ِن ِعْ َ
مة ٍ ِ
ظيم ٍ )(174 ل عَ ِ ض ٍذو فَ ْه ُ الل ّهِ َوالل ّ ُ
فرجعوا من "حمراء السد" إلى "المدينة" بنعمة من الله بالثواب
الجزيل وبفضل منه بالمنزلة العالية ,وقد ازدادوا إيماًنا ويقيًنا,
وأذلوا أعداء الله ,وفازوا بالسلمة من القتل والقتال ,واتبعوا
133
رضوان الله بطاعتهم له ولرسوله .والله ذو فضل عظيم عليهم
وعلى غيرهم.
ن ك ُن ْت ُه ْ
م خههاُفوِني إ ِ ْ
م وَ َ ف أ َوْل َِياَءهُ َفل ت َ َ
خاُفوهُ ْ خو ّ ُ
ن يُ َ شي ْ َ
طا ُ ما ذ َل ِك ُ ْ
م ال ّ إ ِن ّ َ
ن )(175 مِني َ مؤ ْ ِ ُ
وفكم أنصاره ,فلإّنما المثّبط لكم في ذلك هو الشيطان جاءكم يخ ّ
تخافوا المشركين; لّنهم ضعاف ل ناصر لهم ,وخافوني بالقبال
دقين بي ,ومتبعين رسولي.على طاعتي إن كنتم مص ّ
ش هْيئا ًه َض هّروا الل ّه َ ن يَ ُم ل َه ْن ِفي ال ْك ُْفرِ إ ِن ّهُ ه ْعو َ سارِ ُن يُ َ ذي َ ك ال ّ ِحُزن ْ َ
َول ي َ ْ
يريد الل ّ َ
م )(176 ظيهه ٌ
ب عَ ِ عهه َ
ذا ٌ م َ خَرةِ وَل َهُ ْ حظ ّا ً ِفي ال ِ م َ ل ل َهُ ْ ه أل ّ ي َ ْ
جع َ َ ُ ُ ِ ُ
بذا ٌ م عَه َشهْيئا ً وَل َُهه ْ ه َ ضهّروا الّله َ ن يَ ُ ن لَ ْما ِ شت ََرْوا ال ْك ُْفَر ِبا ِ
لي َ نا ْ ذي َن ال ّ ِإِ ّ
م )(177 َ
أِلي ٌ
ن إلى قلبك -أيها الرسول -هؤلء الكفاُر بمسارعتهم خل الحز َ ل ي ُد ْ ِ
في الجحود والضلل ,إنهم بذلك لن يضروا الله ,إنما يضرون
أنفسهم بحرمانها حلوة اليمان وعظيم الثواب ,يريد الله أل يجعل
لهم ثواًبا في الخرة; لنهم انصرفوا عن دعوة الحق ,ولهم عذاب
شديد ،إن الذين استبدلوا الكفر باليمان لن يضروا الله شيًئا ,بل
ضرر فِعِْلهم يعود على أنفسهم ,ولهم في الخرة عذاب موجع.
َ
مل ِههي
مهها ن ُ ْ
م إ ِن ّ َ خي ْهٌر ل َن ُْف ِ
س هه ِ ْ مِلي ل َهُ ه ْ
م َ ن ك ََفُروا أن ّ َ
ما ن ُ ْ ذي َن ال ّ ِسب َ ّ
ح َ َول ي َ ْ
ن )(178 مِهي ٌ ب ُ ذا ٌ دوا إ ِْثما ً وَل َهُ ْ
م عَ َ دا ُ ل َهُ ْ
م ل ِي َْز َ
َ
ن الجاحدون أننا إذا أط َْلنا أعمارهم ,ومتعناهم ب ُ
متع الدنيا, ول يظن ّ
ولم تؤاخذهم بكفرهم وذنوبهم ,أنهم قد نالوا بذلك خيًرا لنفسهم,
ما وطغياًنا ,ولهم عذاب إنما نؤخر عذابهم وآجالهم; ليزدادوا ظل ً
يهينهم ويذّلهم.
ميَز ال ْ َ َ
ن
م ْ
ث ِ
خِبي َ م عَل َي ْهِ َ
حّتى ي َ ِ ن عََلى َ
ما أن ْت ُ ْ مِني َ ه ل ِي َذ ََر ال ْ ُ
مؤ ْ ِ ن الل ّ ُ ما َ
كا َ َ
134
نمه ْ
جت َب ِههي ِ ن الل ّه َ
ه يَ ْ ب وَل َك ِه ّ
م عَل َههى ال ْغَي ْه ِ
ه ل ِي ُط ْل ِعَك ُ ْ
ن الل ّ ُ ما َ
كا َ ب وَ َالط ّي ّ ِ
جهٌر شاُء َفآمنوا بالل ّه ورسهل ِه وإن تؤْمنههوا وتتُقههوا فَل َك ُه َ ن يَ َ
مأ ْْ ََّ ِ ُ ِ ِ َُ ُ ِ َِ ْ ُ ِ ُ م ْ
سل ِهِ َ ُر ُ
م )(179 ظي ٌعَ ِ
عكم أيها المصدقون بالله ورسوله العاملون بشرعه ما كان الله لي َد َ َ
ميَز
على ما أنتم عليه من التباس المؤمن منكم بالمنافق حتى ي َ ِ
الخبيث من الطيب ,فُيعرف المنافق من المؤمن الصادق .وما كان
من حكمة الله أن يطلعكم -أيها المؤمنون -على الغيب الذي يعلمه ِ
من عباده ,فتعرفوا المؤمن منهم من المنافق ,ولكنه يميزهم
من يشاء؛ بالمحن والبتلء ,غير أن الله تعالى يصطفي من رسله َ
ليطلعه على بعض علم الغيب بوحي منه ,فآمنوا بالله ورسوله ,وإن
تؤمنوا إيماًنا صادًقا وتتقوا ربكم بطاعته ,فلكم أجر عظيم عند الله.
خْيرا ً ل َهُ ْ
م ب َه ْ
ل ضل ِهِ هُوَ َن فَ ْ م ْه ِ م الل ّ ُما آَتاهُ ْ ن بِ َ خُلو َ ن ي َب ْ َ ن ال ّ ِ
ذي َ سب َ ّح َ َول ي َ ْ
ثميهَرا ُ مهةِ وَل ِل ّههِ ِ
م ال ِْقَيا َ
خل ُههوا ب ِههِ ي َهوْ َ
مهها ب َ ِن َ سهي ُط َوُّقو َ م َ شهّر ل َهُه ْ ه ُ هو َ َ
مُلو َ َ
خِبيٌر )(180 ن َ ما ت َعْ َ ض َوالل ّ ُ
ه بِ َ ت َوالْر ِ وا ِم َ س َال ّ
ول يظنن الذين يبخلون بما أنعم الله به عليهم تفضل منه أن هذا
البخل خير لهم ,بل هو شّر لهم; لن هذا المال الذي جمعوه
سيكون طوًقا من نار يوضع في أعناقهم يوم القيامة .والله سبحانه
وتعالى هو مالك الملك ,وهو الباقي بعد فناء جميع خلقه ,وهو خبير
بأعمالكم جميعها ,وسيجازي كل على قدر استحقاقه.
135
س ب ِظ َل ّم ٍ ل ِل ْعَِبيدِ )(182 َ َ
ه ل َي ْ َ
ن الل ّ َ ديك ُ ْ
م وَأ ّ ت أي ْ ِ ما قَد ّ َ
م ْ ذ َل ِ َ
ك بِ َ
دمتموه في حياتكم الدنيا من
ذلك العذاب الشديد بسبب ما ق ّ
المعاصي القولية والفعلية والعتقادية ,وأن الله ليس بظلم للعببد.
ْ َ
نحت ّههى ي َأت ِي َن َهها ب ُِقْرب َهها ٍ ل َ سههو ٍ ن ل َِر ُ
م َ ه عَهِد َ إ ِل َي َْنا أل ّ ن ُؤْ ِ ن الل ّ َ ن َقاُلوا إ ِ ّ
ذي َ ال ّ ِ
ْ
م فَل ِه َ
م ذي قُل ْت ُه ْ ت وَِبال ّ ِن قَب ِْلي ِبال ْب َي َّنا ِم ْ ل ِ س ٌ
م ُر ُ جاَءك ُ ْل قَد ْ َ ه الّناُر قُ ْ ت َأك ُل ُ ُ
ن )(183 صادِِقي َ م َ ن ك ُن ْت ُ ْ م إِ ْ
موهُ ْقَت َل ْت ُ ُ
عوا إلى السلم قالوا :إن الله أوصانا في هؤلء اليهود حين د ُ ُ
من جاءنا يقول :إنه رسول من الله ,حتى يأتينا دق َ
التوراة أل نص ّ
بصدقة يتقرب بها إلى الله ,فتنزل نار من السماء فتحرقها .قل لهم
ل-أيها الرسول : -أنتم كاذبون في قولكم; لنه قد جاء آباءكم رس ٌ
من ِقبلي بالمعجزات والدلئل على صدقهم ,وبالذي قلتم من
م قََتل آباؤكم هؤلء النبياء إنالتيان بالقربان الذي تأكله النار ,فَل ِ َ
كنتم صادقين في دعواكم؟
136
ل َتبل َون في أ َموال ِك ُم وأ َنُفسك ُم ول َتسهمعن مهن ال ّهذي ُ
بن أوت ُههوا ال ْك ِت َهها َ
ِ َ ْ َ ْ ِ ْ َ َ ْ َ ُ ّ ِ ْ ْ َ ُْ ُ ّ ِ
َ َ
صهب ُِروا وَت َت ُّقههوا فَهإ ِ ّ
ن ذى ك َِثيههرا ً وَإ ِ ْ
ن تَ ْ شهَر ُ
كوا أ ً نأ ْ ن ال ّ ِ
ذي َ م ْ ن قَب ْل ِك ُ ْ
م وَ ِ م ْ ِ
مورِ )(186 ُ ذ َل ِ َ
ن عَْزم ِ ال ُ م ْ ك ِ
ن -أيها المؤمنون -في أموالكم بإخراج النفقات الواجبة ل َت ُ ْ
خت َب َُر ّ
والمستحّبة ,وبالجوائح التي تصيبها ,وفي أنفسكم بما يجب عليكم
ل بكم من جراح أو قتل وفَْقد للحباب ,وذلك من الطاعات ,وما يح ّ
ن من اليهود حتى يتمّيز المؤمن الصادق من غيره .ولَتسمعُ ّ
والنصارى والمشركين ما يؤذي أسماعكم من ألفاظ الشرك
والطعن في دينكم .وإن تصبروا -أيها المؤمنون -على ذلك كله,
وتتقوا الله بلزوم طاعته واجتناب معصيته ,فإن ذلك من المور
التي ُيعزم عليها ,وينافس فيها.
137
ه عََلى ك ُ ّ ت وال َ
يءٍ قَ ِ
ديٌر )(189 ل َ
ش ْ ض َوالل ّ ُ
ِ ر
ْ وا ِ َ
م َ
س َ مل ْ ُ
ك ال ّ وَل ِل ّهِ ُ
ولله وحده ملك السموات والرض وما فيهما ,والله على كل شيء
قدير.
ت ُ َ
لوِلههي ف الل ّي ْ ِ
ل َوالن َّهارِ لَيا ٍ خِتل ِ
ض َوا ْ
ت َوالْر ِ
وا ِ
م َ
س َ
ق ال ّ ن ِفي َ ْ
خل ِ إِ ّ
َ
ب )(190 الل َْبا ِ
إن في خلق السموات والرض على غير مثال سابق ,وفي تعاُقب
صًرا لدلئل وبراهين عظيمة على
الليل والنهار ,واختلفهما طول وقِ َ
وحدانية الله لصحاب العقول السليمة.
ق ن ِفي َ ْ م وَي َت ََفك ُّرو َ ه قَِياما ً وَقُُعودا ً وَعََلى ُن الل ّ َ ن ي َذ ْك ُُرو َ ال ّ ِ
خلهه ِ جُنوب ِهِ ْ
َ
ذي َ
ب الّناِر حان َ َ
ك فَِقَنا عَ َ
ذا َ سب ْ َذا َباط ِل ً ُ
ت هَ َ خل َْق َ
ما َ
ض َرب َّنا َت َوالْر ِ وا ِ م َس َ
ال ّ
)(191
دا وعلى جنوبهم, ما وقعو ًالذين يذكرون الله في جميع أحوالهم :قيا ً
وهم يتدبرون في خلق السموات والرض ,قائلين :يا ربنا ما أوجدت
رف عنا عذاب النار. ص ِهذا الخلق عبًثا ,فأنت منّزه عن ذلك ,فا ْ
138
دقنا رسالته ,فاغفر لنا ذنوبنا ,واستر عيوبنا,
فأجبنا دعوته وص ّ
وألحقنا بالصالحين.
ف
خِلهه ُ
ك ل تُ ْ م ال ِْقَيا َ
مةِ إ ِّنهه َ خزَِنا ي َوْ َ
ك َول ت ُ ْ ما وَعَد ْت ََنا عََلى ُر ُ
سل ِ َ َرب َّنا َوآت َِنا َ
ميَعاد َ )(194 ال ْ ِ
يا ربنا أعطنا ما وعدتنا على ألسنة رسلك من نصر وتمكين وتوفيق
دا
خلف وع ً
وهداية ,ول تفضحنا بذنوبنا يوم القيامة ,فإنك كريم ل ت ُ ْ
ت به عبادك.
وَعَد ْ َ
ل تغتر -أيها الرسول -بما عليه أهل الكفر بالله من بسطة في
سَعة في الرزق ,وانتقالهم من مكان إلى مكان للتجاراتالعيش ,و َ
ما قليل يزول هذا كّله عنهم ,ويصبحون
وطلب الرباح والموال ,فع ّ
مرتهنين بأعمالهم السيئة.
ل ث ُم ْ
س ال ْ ِ
مَهاد ُ )(197 م وَب ِئ ْ َ
جهَن ّ ُ
م َ مَتاعٌ قَِلي ٌ ّ َ
مأَواهُ ْ َ
139
متاع قليل زائل ,ثم يكون مصيرهم يوم القيامة إلى النار ,وبئس
الفراش.
ن
دي َ حت ِهَهها ال َن ْهَههاُر َ
خال ِه ِ ن تَ ْ
مه ْ
ري ِ ج ِت تَ ْجّنا ٌم َ م ل َهُ ْ
وا َرب ّهُ ْ
ن ات َّق ْذي َن ال ّ ِ
ل َك ِ ْ
خي ٌْر ل ِل َب َْرارِ )(198عن ْد َ الل ّهِ َ
ما ِعن ْدِ الل ّهِ وَ َن ِ م ِْفيَها ن ُُزل ً ِ
لكن الذين خافوا ربهم ,وامتثلوا أوامره ,واجتنبوا نواهيه ,قد أعد ّ
الله لهم جنات تجري من تحت أشجارها النهار ,هي منزلهم الدائم
ل يخرجون منه .وما عد الله أعظم وأفضل لهل الطاعة مما يتقلب
فيه الذين كفروا من نعيم الدنيا.
مهها أ ُن ْهزِ َ
ل م وَ َ مهها أ ُن ْهزِ َ
ل إ ِل َي ْك ُه ْ ن ب ِههالل ّهِ وَ َم ُن ي ُؤْ ِم ْ ب لَ َل ال ْك َِتا ِ
وإن م َ
ن أهْ ِ َِ ّ ِ ْ
ُ
مك ل َهُ ه ْ
من ها ً قَِليل ً أوْل َئ ِ َ ت الل ّههِ ث َ َ ن ِبآي َهها ِش هت َُرو َ ن ل ِل ّههِ ل ي َ ْ ش هِعي َ خا ِ م َإ ِل َي ْهِ ه ْ
ريعُ ال ْ ِ َ
ب )(199 سا ِ ح َ س ِ ه َ ن الل ّ َ
م إِ ّ عن ْد َ َرب ّهِ ْ
م ِ جُرهُ ْ أ ْ
دا ,وبما
دا وإلًها معبو ً
دق بالله رّبا واح ً ضا من أهل الكتاب َليص ّ وإن بع ً
زل إليهم من التوراة والنجيل ُ ُ
زل إليكم من هذا القرآن ,وبما أن ِ أن ِ
متذللين لله ,خاضعين له ,ل يشترون بآيات الله ثمًنا قليل من حطام
الدنيا ,ول يكتمون ما أنزل الله ,ول يحرفونه كغيرهم من اهل
الكتاب .أولئك لهم ثواب عظيم عنده يوم يلقونه ,فيوفيهم إياه غير
ن الله سريع الحساب ,ل يعجزه إحصاء أعمالهم, منقوص .إ ّ
ومحاسبتهم عليها.
َ
ه ل َعَل ّك ُه ْ
م صههاب ُِروا وََراب ِط ُههوا َوات ُّقههوا الّله َ
صهب ُِروا وَ َ
من ُههوا ا ْ
نآ َ َيا أي َّها ال ّه ِ
ذي َ
ن )(200 حو َ ت ُْفل ِ ُ
دقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه اصبروا على يا أيها الذين ص ّ
طاعة ربكم ,وعلى ما ينزل بكم من ضر وبلء ,وصابروا أعداءكم
حتى ل يكونوا أشد صبًرا منكم ,وأقيموا على جهاد عدوي وعدوكم,
وخافوا الله في جميع أحوالكم; رجاء أن تفوزوا برضاه في الدنيا
والخرة.
140
-4سورة النساء
َ
خل َهقَ ِ
من ْهَهها حهد َةٍ وَ ََوا ِ سن ن َْف ٍم ْ م ِ خل ََقك ُ ْ
ذي َ م ال ّ ِ س ات ُّقوا َرب ّك ُ َْيا أي َّها الّنا ُ
ه
ن ب ِه ِ سههاَءُلو َ
ذي ت َت َ َال ّ ِ ساًء َوات ُّقوا الل ّ َ
ه جال ً ك َِثيرا ً وَن ِ َ ما رِ َمن ْهُ َ
ث ِ جَها وَب َ َّزوْ َ
م َرِقيبا ً )(1 ن عَل َي ْك ُ ْ كا َه َن الل ّ َ
م إِ ّ َوال َْر َ
حا َ
يا أيها الناس خافوا الله والتزموا أوامره ,واجتنبوا نواهيه; فهو الذي
خلقكم من نفس واحدة هي آدم عليه السلم ,وخلق منها زوجها
وهي حواء ,ونشر منهما في أنحاء الرض رجال كثيًرا ونساء
ضا ,واحذروا أن
سأل به بعضكم بع ً كثيرات ,وراقبوا الله الذي ي َ ْ
تقطعوا أرحامكم .إن الله مراقب لجميع أحوالكم.
خْفت َ
ن
مه َم ِ ب ل َك ُه ْ
مهها ط َهها َحوا َمى فَههانك ِ ُ طوا فِههي ال ْي َت َهها َ سه ُ م أل ّ ت ُْق ِن ِ ُ ْ وَإ ِ ْ
مل َ َ َ َ
تكهه ْ ما َ حد َةً أوْ َ م أل ّ ت َعْدُِلوا فَ َ
وا ِ خْفت ُ ْ ن ِ ث وَُرَباعَ فَإ ِ ْ مث َْنى وَُثل َ ساِء َ الن ّ َ
َ
ك أد َْنى أل ّ ت َُعوُلوا )(3 َ َ
م ذ َل ِ َمان ُك ُ ْ أي ْ َ
وإن خفتم أل تعدلوا في يتامى النساء اللتي تحت أيديكم بأن ل
تعطوهن مهورهن كغيرهن ,فاتركوهن وانكحوا ما طاب لكم من
النساء من غيرهن :اثنتين أو ثلًثا أو أربًعا ,فإن خشيتم أل تعدلوا
بينهن فاكتفوا بواحدة ,أو بما عندكم من الماء .ذلك الذي شرعته
لكم في اليتيمات والزواج من واحدة إلى أربع ,أو القتصار على
جوْرِ والتعدي.
واحدة أو ملك اليمين ,أقرب إلى عدم ال َ
141
ه ن َْفسها ً
من ْه ُ
يءٍ ِ ن َ
شه ْ ن ل َك ُه ْ
م عَه ْ ن ط ِب ْ َ حل َ ً
ة فَإ ِ ْ صد َُقات ِهِ ّ
ن نِ ْ ساَء َ َوآُتوا الن ّ َ
ريئا ً )(4 فَك ُُلوهُ هَِنيئا ً َ
م ِ
وأعطوا النساء مهورهن ,عطية واجبة وفريضة لزمة عن طيب
نفس منكم .فإن طابت أنفسهن لكم عن شيء من المهر فوهَْبنه
لكم فخذوه ,وتصّرفوا فيه ,فهو حلل طيب.
َ
م قَِياما ً َواْرُزُقوهُ ْ
م ِفيَها ه ل َك ُ ْ
ل الل ّ ُ م ال ِّتي َ
جع َ َ وال َك ُ ْ
م َسَفَهاَء أ َْول ت ُؤُْتوا ال ّ
معُْروفا ً )(5 م قَوْل ً َ م وَُقوُلوا ل َهُ ْ
سوهُ ْ َواك ْ ُ
ول تؤتوا -أيها الولياء -من ي ُب َ ّ
ذر من الرجال والنساء والصبيان
أموالهم التي تحت أيديكم فيضعوها في غير وجهها ,فهذه الموال
هي التي عليها قيام حياة الناس ,وأنفقوا عليهم منها واكسوهم,
وقولوا لهم قول معروًفا من الكلم الطيب والخلق الحسن.
مهها
م ّ
ب ِ
صههي ٌ
سههاِء ن َ ِ ن َوال َقَْرب ُههو َ
ن وَِللن ّ َ دا ِ ك ال ْ َ
وال ِه َ ما ت َهَر َ
م ّ
ب ِ
صي ٌ
ل نَ ِ
جا ِ
ِللّر َ
142
ل من َ
مْفُروضا ً )(7
صيبا ً َ
ه أوْ ك َث َُر ن َ ِ
ما قَ ّ ِ ْ ُ
م ّ ن َوال َقَْرُبو َ
ن ِ دا ِ ك ال ْ َ
وال ِ َ ت ََر َ
ف ما تر َ َ
نن ل َهُ ه ّ ن ك َهها َ ن وَل َهد ٌ فَ هإ ِ ْ ن ل َهُه ّ م ي َك ُ ْ ن لَ ْ م إِ ْ جك ُ ْ ك أْزَوا ُ ص ُ َ ََ م نِ ْ وَل َك ُ ْ
َ
ن ن وَل َهُ ه ّ ن ب ِهَهها أوْ د َي ْه ٍ صههي َ صي ّةٍ ُيو ِ ن ب َعْدِ وَ ِ م ْ ن ِ ما ت ََرك ْ َ م ّ م الّرب ُعُ ِ وَل َد ٌ فَل َك ُ ْ
ن مهه ُ ن الث ّ ُ م وَل َد ٌ فَل َهُ ّ ن ل َك ُ ْ كا َن َ م وَل َد ٌ فَإ ِ ْ ن ل َك ُ ْ م ي َك ُ ْ ن لَ ْ م إِ ْ ما ت ََرك ْت ُ ْ م ّ الّرب ُعُ ِ
َ
ث ل ي ُههوَر ُ جه ٌ ن َر ُ ن ك َهها َ ن وَإ ِ ْ ن ب َِها أوْ د َي ْه ٍ صو َ صي ّةٍ ُتو ُ ن ب َعْدِ وَ ِ م ْ م ِ ما ت ََرك ْت ُ ْ م ّ ِ
ُ َ َ َ َ
كههاُنوا ن َ س فَإ ِ ْ سد ُ ُ ما ال ّ من ْهُ َحدٍ ِ ل َوا ِ ت فَل ِك ُ ّ خ ٌ خ أو ْ أ ْ هأ ٌ مَرأةٌ وَل َ ُ ة أو ْ ا ْ كلل َ ً َ
صههى ب ِهَهها أ َْو ص هي ّةٍ ُيو َ ن ب َعْ هدِ وَ ِ مه ْ ث ِ كاُء ِفي الث ّل ُ ِ شَر َ م ُ ك فَهُ ْ ن ذ َل ِ َ م ْ أك ْث ََر ِ
َ
م )(12 حِلي ٌ م َ ه عَِلي ٌ ن الل ّهِ َوالل ّ ُ م ْ ة ِ صي ّ ًضاّر وَ ِ م َ ن غَي َْر ُ د َي ْ ٍ
ولكم -أيها الرجال -نصف ما ترك أزواجكم بعد وفاتهن إن لم يكن
لهن ولد ذكًرا كان أو أنثى ,فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن,
ترثونه من بعد إنفاذ وصيتهن الجائزة ,أو ما يكون عليهن من د َْين
لمستحقيه .ولزواجكم -أيها الرجال -الربع مما تركتم ,إن لم يكن
لكم ابن أو ابنة منهن أو من غيرهن ,فإن كان لكم ابن أو ابنة فلهن
الثمن مما تركتم ,يقسم الربع أو الثمن بينهن ,فإن كانت زوجة
واحدة كان هذا ميراًثا لها ,من بعد إنفاذ ما كنتم أوصيتم به من
الوصايا الجائزة ,أو قضاء ما يكون عليكم من د َْين .وإن مات رجل
أو امراة وليس له أو لها ولد ول والد ,وله أو لها أخ أو أخت من أم
144
فلكل واحد منهما السدس .فإن كان الخوة أو الخوات لم أكثر
من ذلك فهم شركاء في الثلث يقسم بينهم بالسوية ل فرق بين
الذكر والنثى ,وهذا الذي فرضه الله للخوة والخوات لم يأخذونه
ميراًثا لهم من بعد قضاء ديون الميت ,وإنفاذ وصيته إن كان قد
أوصى بشيء ل ضرر فيه على الورثة .بهذا أوصاكم ربكم وصية
نافعة لكم .والله عليم بما يصلح خلقه ,حليم ل يعاجلهم بالعقوبة.
ن
مه ْ
ري ِ
جه ِ
ت تَ ْ
جن ّهها ٍ
ه َخل ْ ُ سههول َ ُ
ه ي ُهد ْ ِ ه وََر ُ ن ي ُط ِهعْ الل ّه َم ْدود ُ الل ّهِ وَ َ ح ُ
ك ُ ت ِل ْ َ
م )(13 ظي ُك ال َْفوُْز ال ْعَ ِن ِفيَها وَذ َل ِ َدي َ حت َِها ال َن َْهاُر َ
خال ِ ِ تَ ْ
تلك الحكام اللهية التي شرعها الله في اليتامى والنساء
من عند الله العلبم الحكيم.
والمواريث ,شرائعه الدالة على أنها ِ
من يطع الله ورسوله فيما شرع لعباده من هذه الحكام وغيرها, و َ
يدخله جنات كثيرة الشجار والقصور ,تجري من تحتها النهار
بمياهها العذبة ,وهم باقون في هذا النعيم ,ل يخرجون منه ,وذلك
الثواب هو الفلح العظيم.
ْ
من ْك ُه ْ
م ة ِ ن أ َْرب َعَ ً
دوا عَل َي ْهِ ّشه ِ ُست َ ْم َفا ْسائ ِك ُ ْ
ن نِ َ
م ْة ِ ح َ
ش َ ن ال َْفا ِ
َوالل ِّتي ي َأِتي ََ
َ
لجَعهه َت أوْ ي َ ْ مههوْ ُن ال ْ َ حّتى ي َت َوَّفاهُ ّ ت َن ِفي ال ْب ُُيو ِكوهُ ّس ُ م ِ دوا فَأ ْ شهِ ُن َ فَإ ِ ْ
سِبيل ً )(15 ن َ ه ل َهُ ّالل ّ ُ
واللتي يزنين من نسائكم ,فاستشهدوا -أيها الولة والقضاة -عليهن
أربعة رجال عدول من المسلمين ,فإن شهدوا عليهن بذلك
فاحبسوهن في البيوت حتى تنتهي حياتهن بالموت ,أو يجعل الله
لهن طريًقا للخلص من ذلك.
145
َ َ ْ
ن
مهها إ ِ ّ
ضوا عَن ْهُ َ صل َ َ
حا فَأعْرِ ُ ما فَإ ِ ْ
ن َتاَبا وَأ ْ ذوهُ َ من ْك ُ ْ
م َفآ ُ ن ي َأت َِيان َِها ِذا َِوالل ّ َ
حيما ً )(16 وابا ً َر ِ ن تَ ّكا َه َ الل ّ َ
ذوهما بالضرب والهجر واللذان يقعان في فاحشة الزنى ,فآ ُ
دمان من العمال ما وقع منهما وأصلحا بما يق ّ والتوبيخ ,فإن تابا ع ّ
الصالحة فاصفحوا عن أذاهما .ويستفاد من هذه الية والتي قبلها
ن وُيؤذ َي ْ َ
ن, س َ أن الرجال إذا فعلوا الفاحشة ي ُؤْذ َْون ,والنساء ي ُ ْ
حب َ ْ
فالحبس غايتة الموت ,والذية نهايتها إلى التوبة والصلح .وكان هذا
في صدر السلم ,ثم ُنسخ بما شرع الله ورسوله ,وهو الرجم
للمحصن والمحصنة ,وهما الحران البالغان العاقلن ,اللذان جامعا
في نكاح صحيح ,والجلد ُ مائة جلدة ,وتغريب عام لغيرهما .إن الله
ما بهم.كان توابا على عباده التائبين ,رحي ً
ن
مه ْ
ن ِ جَهال َهةٍ ث ُه ّ
م ي َُتوب ُههو َ سوَء ب ِ َ ن ال ّمُلو َ
ن ي َعْ َ ة عََلى الل ّهِ ل ِل ّ ِ
ذي َ ما الت ّوْب َ ُ
إ ِن ّ َ
كيما ً )(17 ُ
ح ِه عَِليما ً َ ن الل ّ ُ ه عَل َي ْهِ ْ
م وَ َ
كا َ ب الل ّ ُ ب فَأوْل َئ ِ َ
ك ي َُتو ُ ري ٍقَ ِ
إّنما يقبل الله التوبة من الذين يرتكبون المعاصي والذنوب بجهل
منهم لعاقبتها ,وإيجابها لسخط الله -فكل عاص لله مخطًئا أو
ما بالتحريم -ثم
دا فهو جاهل بهذا العتبار ,وإن كان عال ً م ً
متع ّ
يرجعون إلى ربهم بالنابة والطاعة قبل معاينة الموت ,فأولئك يقبل
ما في تدبيره وتقديره. ما بخلقه ,حكي ً
الله توبتهم .وكان الله علي ً
َ
م
ح هد َهُ ْ ض هَر أ َ ح َ ذا َحت ّههى إ ِ َ
ت َس هي َّئا ِ
ن ال ّمل ُههو َ
ن ي َعْ َ ة ل ِل ّه ِ
ذي َ ت الت ّوْب َه ُسه ْ وَل َي ْ َ
ك أ َعَْتههد َْنا
م ك ُّفاٌر أ ُوْل َئ ِ َ
ن وَهُ ْ
موُتو َ ن يَ ُ ن َول ال ّ ِ
ذي َ ت ال َ ل إ ِّني ت ُب ْ ُ ت َقا َ مو ْ ُ ال ْ َ
ذابا ً أ َِليما ً )(18 م عَ َ ل َهُ ْ
صّرون على ارتكاب المعاصي ,ول وليس َقبول التوبة للذين ي ُ ِ
يرجعون إلى ربهم إلى أن تأتيهم سكرات الموت ,فيقول أحدهم:
إني تبت الن ,كما ل ُتقبل توبة الذين يموتون وهم جاحدون,
منكرون لوحدانية الله ورسالة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
أولئك المصّرون على المعاصي إلى أن ماتوا ,والجاحدون الذين
يموتون وهم كفار ,أعتدنا لهم عذاًبا موجًعا.
146
ل ل َك ُ َ َ
نض هُلوهُ ّسههاَء ك َْره ها ً َول ت َعْ ُ ن ت َرُِثوا الن ّ َ
ْ
مأ ْ ْ ح ّ
مُنوا ل ي َ ِ نآ َ َ َيا أي َّها ال ّ ِ
ذي
َ
ن ش هُروهُ ّ عا ِ
مب َي ّن َهةٍ وَ َ ح َ
ش هة ٍ ُ ن ب َِفا ِ ن ي َأِتي َن إ ِل ّ أ ْموهُ ّ ما آت َي ْت ُ ُ
ض َ ل ِت َذ ْهَُبوا ب ِب َعْ ِ
َ
ه
ه ِفيهه ِل الل ّ ُ شْيئا ً وَي َ ْ
جع َ َ هوا َ ن ت َك َْر ُسى أ ْ ن فَعَ َ موهُ ّ ن ك َرِهْت ُ ُ ف فَإ ِ ْ
معُْرو ِ ِبال ْ َ
خْيرا ً ك َِثيرا ً )(19 َ
يا أيها الذين آمنوا ل يجوز لكم أن تجعلوا نساء آبائكم من جملة
ركتهم ,تتصرفون فيهن بالزواج منهن ,أو المنع لهن ,أو تزويجهنتَ ِ
للخرين ,وهن كارهات لذلك كله ,ول يجوز لكم أن تصاّروا أزواجكم
وأنتم كارهون لهن; ليتنازلن عن بعض ما آتيتموهن من مهر ونحوه,
إل أن يرتكبن أمرا فاحشا كالزنى ,فلكم حيننذ إمساكهن حتى
تأخذوا ما أعطيتموهن .ولتكن مصاحبتكم لنسائكم مبنية على
التكريم والمحبة ,وأداء ما لهن من حقوق .فإن كرهتموهن لسبب
من السباب الدنيوية فاصبروا; فعسى أن تكرهوا أمًرا من المور
ويكون فيه خير كثير.
وك َيف تأ ْ
ميَثاق ها ً من ْك ُه ْ
م ِ ن ِ ض وَأ َ َ
خ هذ ْ َ ٍ ْ عَ ب م إِ َ
لى ْ ُ كضُ ْ عَ ب ضى
َ ْ فذونه وقَد أ َ
ْ َ ُ َ ُ خ
ُ َ ْ َ َ
غَِليظا ً )(21
ل لكم أن تأخذوا ما أعطيتموهن من مهر ,وقد استمتع كل وكيف يح ّ
ظا من إمساكهنن منكم ميثاًقا غلي ً
خذ ْ َ
منكما بالخر بالجماع ,وأ َ
بمعروف أو تسريحهن بإحسان؟
ه ك َهها َ
ن س هل َ َ
ف إ ِن ّه ُ سههاءِ إ ِل ّ َ
مهها قَهد ْ َ ن الن ّ َ
مه ْ ح آب َههاؤُك ُ ْ
م ِ ما ن َك َه َ
حوا ََول َتنك ِ ُ
سِبيل ً )(22ساَء َ مْقتا ً وَ َ
ة وَ َ ح َ
ش ً َفا ِ
من تزوجه آباؤكم من النساء إل ما قد سلف منكم ول تتزوجوا َ
ومضى في الجاهلية فل مؤاخذة فيه .إن زواج البناء من زوجات
147
آبائهم أمر قبيح يفحش ويعظم قبحه ,وبغيض يمقت الله فاعله,
جا ما كنتم تفعلونه في جاهليتكم.
وبئس طريًقا ومنه ً
148
الجزء الخامس :
َ
ب الل ّل ِ
ه م ك ِت َللا َ مللان ُك ُ ْ ت أي ْ َ مل َك َل ْ ما َ ء إ ِل ّ َ سا ِن الن ّ َ م ْ ت ِ صَنا ُ ح َ م ْ وال ْ ُ َ
ُ َ َ ُ ُ َ حلل ّ ُ ُ َ
م وال ِك ْ م َغللوا ِبللأ ْ ن ت َب ْت َ ُمأ ْ وَراءَ ذَل ِكلل ْ مللا َ م َ ل لكلل ْ وأ ِ م َ علي ْكلل ْ َ
ن ه ّ فللآُتو ُ ن َ ه ّمن ْ ُه ِ م بِ ِ عت ُ ْمت َ ْ ست َ ْما ا ْ ف َن َحي َ ف ِ سا ِ م َ غي َْر ُ ن َ صِني َ ح ِ م ْ ُ
َ أُ
دع ِ ن بَ ْم ْ ه ِ م بِ ِ
ضي ْت ُ ْ ما ت ََرا َ في َ م ِ علي ْك ُ ْ ح َ جَنا َ ول ُ ة َ ض ً ري َ ِ َ
ف ن
ّ ه
ُ ر َ جو ُ
كيما )(24 ً ح ِ ً
عِليما َ ن َ َ
ه كا َ ّ
ن الل َ ة إِ ّ ض ِ ري َ ف ِ ال ْ َ
سب َي ُْتمن َ م ْ
ويحرم عليكم نكاح المتزوجات من النساء ,إل َ
منهن في الجهاد ,فإنه يحل لكم نكاحهن ,بعد استبراء
أرحامهن بحيضة ,كتب الله عليكم تحريم نكاح هؤلء,
ما أحله الله لكم أن
من سواهن ,م ّ وأجاز لكم نكاح َ
تطلبوا بأموالكم العفة عن اقتراف الحرام .فما
استمتعتم به منهن بالنكاح الصحيح ,فأعطوهن مهورهن,
مالتي فرض الله لهن عليكم ,ول إثم عليكم فيما ت ّ
التراضي به بينكم ,من الزيادة أو النقصان في المهر,
ما بأموربعد ثبوت الفريضة .إن الله تعالى كان علي ً
عباده ,حكيما في أحكامه وتدبيره.
َ
ت صللَنا ِ ح َ م ْ ح ال ْ ُ كلل َ ن َين ِ ول ً أ ْ طلل ْ م َ كلل ْ من ْ ُ ع ِ سللت َطِ ْ م يَ ْ ن َللل ْ ملل ْ و َ َ
َ
ت مَنللا ِ ؤ ِ م ْ م ال ْ ُ فت ََيللات ِك ُ ْ ن َ م ْ م ِ مان ُك ُ ْت أي ْ َ مل َك َ ْ ما َ ن َ م ْ ف ِت َ مَنا ِ ؤ ِ م ْ ال ْ ُ
ن ن ب ِ لإ ِذْ ِ ه ّ حو ُ فللانك ِ ُ ض َ عل ٍ ن بَ ْ مل ْ م ِ ضك ُ ْ ع ُ م بَ ْ مان ِك ُ ْ م ب ِِإي َ عل َ ُ ه أَ ْ والل ّ ُ َ
غْيللَر ت َ ْ ُ
صللَنا ٍ ح َ م ْ ف ُ عُرو ِ م ْ ن ِبللال َ ه ّ جللوَر ُ نأ ُ ه ّ وآُتللو ُ ن َ هلل ّ هل ِ ِ أ ْ
ن َ ن َ ُ ف لإ ِ َ ن َ َ خل َ
ن أت َي ْ ل َ ف لإ ِ ْ صل ّ ح ِ ذا أ ْ دا ٍ خل َ تأ ْ ذا ِ مت ّ ِول ُ ت َ حا ٍ ف َ سللا ِ م َ ُ
ب عل َ
ذا ِ ن ال ْ َ مل ْ ت ِ ص لَنا ِ ح َ م ْ عل َللى ال ْ ُ ما َ ف َ ص ُ ن نِ ْ ه ّ ِ عل َي ْف َ ة َ ش ٍ ح َ فا ِ بِ َ
خشي ال ْعن َت من ْك ُم َ
والّللل ُ
ه م َ كلل ْ خي ٌْر ل َ ُ صب ُِروا َ ن تَ ْ وأ ْ ْ َ َ َ ِ ن َ ِ َ م ْ ك لِ َ ذَل ِ َ
م )(25 حي ٌ فوٌر َر ِ غ ُ َ
149
تراضيتم به عن طيب نفس منكم ,متعففات عن الحرام,
غير مجاهرات بالزنى ,ول مسرات به باتخاذ أخلء ,فإذا
تزوجن وأتين بفاحشة الزنى فعليهن من الحدّ نصف ما
من نكاح الماء بالصفة على الحرائر .ذلك الذي أبيح ِ
المتقدمة إنما أبيح لمن خاف على نفسه الوقوع في
الزنى ,وشق عليه الصبر عن الجماع ,والصبر عن نكاح
الماء مع العفة أولى وأفضل .والله تعالى غفور لكم,
رحيم بكم إذ أذن لكم في نكاحهن عند العجز عن نكاح
الحرائر.
قب ْل ِك ُل ْ
م ن َ
مل ْ
ن ِ ن ال ّل ِ
ذي َ سلن َ َ دي َك ُ ْ
م ُ هل ِوي َ ْ
م َ ن ل َك ُل ْ ريدُ الل ّ ُ
ه ل ِي ُب َي ّل َ يُ ِ
م )(26 كي ٌ ح ِ م َ عِلي ٌ
ه َ والل ّ ُ
م َ عل َي ْك ُ ْب َ وي َُتو َ
َ
يريد الله تعالى بهذه التشريعات ,أن يوضح لكم معالم
دينه القويم ,وشرعه الحكيم ,ويدلكم على طرق النبياء
والصالحين من قبلكم في الحلل والحرام ,ويتوب عليكم
بالرجوع بكم إلى الطاعات ,وهو سبحانه عليم بما يصلح
شأن عباده ,حكيم فيما شرعه لكم.
َ
ت
وا ِ
ه َ ن ال ّ
ش َ عو َ
ن ي َت ّب ِ ُ ريدُ ال ّ ِ
ذي َ وي ُ ِ عل َي ْك ُ ْ
م َ ب َن ي َُتو َ ريدُ أ ْ والل ّ ُ
ه يُ ِ َ
ظيما )(27 ً ً ُ َ
ع ِمي ْل َ ميلوا َ ن تَ ِأ ْ
والله يريد أن يتوب عليكم ,ويتجاوز عن خطاياكم ,ويريد
الذين ينقادون لشهواتهم وملذاتهم أن تنحرفوا عن
الدين انحرا ً
فا كبيًرا.
ن ه ن َللارا ً َ
وك َللا َ صِلي ِ
ف نُ ْ
و َ
س ْ وظُْلما ً َ
ف َ وانا ً َ
عد ْ َ
ك ُ ل ذَل ِ َع ْ ن يَ ْ
ف َ م ْو َ
َ
سيرا )(30ً ه يَ ِ ّ
على الل ِ َ ك َذَل ِ َ
سلي َّئات ِك ُ ْ
م عن ْك ُل ْ
م َ ه ن ُك َ ّ
فلْر َ عن ْل ُ
ن َ
و َ
هل ْ جت َن ُِبوا ك َب َللائ َِر َ
مللا ت ُن ْ َ ن تَ ْإِ ْ
ريما ً )(31 خل ً ك َ ِ مد ْ َ
م ُخل ْك ُ ْون ُدْ ِ
َ
إن تبتعدوا -أيها المؤمنون -عن كبائر الذنوب كالشراك
ل النفس بغير الحق وغير بالله وعقوق الوالدين و َ
قت ْ ِ
فر عنكم ما دونها من الصغائر ,وندخلكم مدخل ذلك ,نك ّ
ما ,وهو الجّنة.كري ً
ل
جللا ِض ِللّر ٍَ عل عل َللى ب َ ْ
م َ ض لك ُ ْ
ع َ ه بَ ْ ه ب ِل ِل الل ّ ُ ض َ
ف ّ ما َ وا َمن ّ ْول ت َت َ َ َ
ُ َ
سللألوا وا ْن َ سب ْ َما اك ْت َ َم ّب ِ صي ٌ ء نَ ِ سا ِ وِللن ّ َ سُبوا َ ما اك ْت َ َ م ّب ِ صي ٌ نَ ِ
عِليما ً )(32 ء َ ي ٍش ْ ل َ ن ب ِك ُ ّكا َ ه َ ن الل ّ َه إِ ّ
ضل ِ ِ ن َ
ف ْ م ْ ه ِ الل ّ َ
ضل الله به بعضكم على بعض ,في ول تتمنوا ما ف ّ
المواهب والرزاق وغير ذلك ,فقد جعل الله للرجال
نصيًبا مقدًّرا من الجزاء بحسب عملهم ,وجعل للنساء
طكم من ع ِنصيًبا مما عملن ,واسألوا الله الكريم الوهاب ي ُ ْ
ما,
فضله بدل من التمني .إن الله كان بكل شيء علي ً
وهو أعلم بما يصلح عباده فيما قسمه لهم من خير.
151
ن
ذي َ واّللل ِ
ن َ قَرُبو َ وال َ ْن َ دا ِ
وال ِ َك ال ْ َ ما ت ََر َ
م ّي ِ وال ِ َم َعل َْنا َج َ ل َ ول ِك ُ َّ
علللى ك ُل ّ َ ّ َ
ل ن َه ك َللا َ ن الل ل َ
م إِ ّ ه ْ صلليب َ ُ
م نَ ِ ه ْفآُتو ُ م َ مان ُك ُ ْ
ت أي ْ َ قد َ ْ ع َ َ
هيدا ً )(33 ش ِ ء َ ي ٍش ْ َ
ولكل واحد منكم جعلنا ورثة يرثون مما ترك الوالدان
والقربون ,والذين تحالفتم معهم باليمان المؤكدة على
در
ق ّالنصرة وإعطائهم شيًئا من الميراث فأعطوهم ما ُ
لهم .والميراث بالتحالف كان في أول السلم ,ثم ُرفع
عا على كل مطّل ِ ً
حكمه بنزول آيات المواريث .إن الله كان ُ
شيء من أعمالكم ,وسيجازيكم على ذلك.
عَلى م َ ه ْض ُ ع َ ه بَ ْ ل الل ّ ُ ض َ ف ّ ما َ ء بِ َ سا ِ عَلى الن ّ َ ن َ مو َ وا ُ ق ّ ل َ جا ُ الّر َ
ت ت َ م َ َ ف ُ مللا َأن َ
قان َِتللا ٌ حا ُ صللال ِ َ فال ّ ه ْ وال ِ ِ ملل َ نأ ْ ملل ْ قللوا ِ وب ِ َ ض َ علل ٍ بَ ْ
ن
ه ّ شللوَز ُ ن نُ ُ فو َ خا ُ والل ِّتي ت َ َ ه َ ظ الل ّ ُ ف َ ح ِ ما َ ب بِ َ غي ْ ِ ت ل ِل ْ َ ظا ٌ ف َ حا ِ َ
ن ن َ
ف لإ ِ ْ ه ّ رُبو ُ ضل ِ وا ْ ع َ ج ِ ضللا ِم َ فللي ال ْ َ ن ِ هل ّ جُرو ُ ه ُ وا ْ ن َ ه ّ عظُللو ُ ف ِ َ
عل ِي ّ لا ً ك َِبيللرا ً )ن َ كا َ ه َ ن الل ّ َ سِبيل ً إ ِ ّ ن َ ه ّ ْ يعل ََ غوا ُ ْ ب َ ت فل َ مْ ُ ك َ نعْ أ َطَ
ِ
(34
وامون على توجيه النساء ورعايتهن ,بما الرجال ق ّ
مة والتفضيل ,وبما قوا َ
خصهم الله به من خصائص ال ِ
أعطوهن من المهور والنفقات .فالصالحات
المستقيمات على شرع الله منهن ,مطيعات لله تعالى
ولزواجهن ,حافظات لكل ما غاب عن علم أزواجهن بما
ن عليه بحفظ الله وتوفيقه ,واللتي تخشون منهن اؤتم ّ
فعهن عن طاعتكم ,فانصحوهن بالكلمة الطيبة ,فإن تر ّ
لم تثمر معهن الكلمة الطيبة ,فاهجروهن في الفراش,
جران فيهن,ه ْ
ول تقربوهن ,فإن لم يؤثر فعل ال ِ
فاضربوهن ضرًبا ل ضرر فيه ,فإن أطعنكم فاحذروا
مني الكبير ولّيهن ,وهو منتقم م ّ ظلمهن ,فإن الله العل ّ
ن وبغى عليهن. ظلمه ّ
كمللا ً ح َ
و َه َهِللل ِن أَ ْ
م ْ كما ً ِ ح َ عُثوا َ
فاب ْ َ ما َه َ
قاقَ ب َي ْن ِ ِ ش َم ِ فت ُ ْخ ْن ِ وإ ِ ْ
َ
ن َ ّ ّ و ّ ً َ
ه كللا َ ن اللل َ ما إ ِ ّه َ
ه ب َي ْن َ ُق الل ُف ْ صلحا ي ُ َ دا إ ِ ْ ري َ
ن يُ ِ
ها إ ِ ْ هل ِ َ
نأ ْ م ْ ِ
152
خِبيرا ً )(35
عِليما ً َ
َ
قا بينهما يؤدي إلىوإن علمتم -يا أولياء الزوجين -شقا ً
ما عدل من أهل الزوج, الفراق ,فأرسلوا إليهما حك ً
ما عدل من أهل الزوجة; لينظرا ويحكما بما فيه وحك ً
المصلحة لهما ,وبسبب رغبة الحكمين في الصلح,
واستعمالهما السلوب الطيب يوفق الله بين الزوجين.
إن الله تعالى عليم ,ل يخفى عليه شيء من أمر عباده,
خبير بما تنطوي عليه نفوسهم.
َ
هب ِللالل ّ ِ ن
من ُللو َ
ؤ ِ ول ي ُ ْ س َ رَئاءَ الن ّللا ِ
ِ مه ْوال َ ُ
مل َنأ ْ قو َ ف ُ
ن ُين ِ ذي َ وال ّ ِ
َ
رينا ً َ
ق ِ ساءَ
ف َ ً
رينا َ ه َ
ق ِ َ
نل ُ َ
شي ْطا ُ ال ّ ن ي َك ُ ْ
ن م ْ
و َ ر َخ ِ
وم ِ ال ِ ْ
ول ِبالي َ ْ َ
)(38
153
وأعتدنا هذا العذاب كذلك للذين ينفقون أموالهم رياءً
دا وعمل ول بيوم
ة ,ول يصدقون بالله اعتقا ً
وسمع ً
القيامة .وهذه العمال السيئة مما يدعو إليها الشيطان.
ما فبئس الملزم والقرين. ومن يكن الشيطان له ملز ً
مللا
م ّ وَأن َ
ف ُ
قللوا ِ ر َ
خل ِ وال ْي َل ْ
وم ِ ال ِ ه َب ِللالل ّ ِ مُنواوآ َم لَ ْه ْ ذا َ َ
علي ْ ِ ما َو َ
َ
عِليما ً )(39 م َ ه ْ
بِ ِ ن الل ّ ُ
ه كا َو َه َم الل ّ ُ ه ْ َرَز َ
ق ُ
دا
دقوا بالله واليوم الخر اعتقا ً
ي ضرر يلحقهم لو ص ّ
وأ ّ
وعمل وأنفقوا مما أعطاهم الله باحتساب وإخلص,
والله تعالى عليم بهم وبما يعملون ,وسيحاسبهم على
ذلك.
ها ع ْ
ف َ ضللا ِ
ة يُ َ
س لن َ ً
ح َ ن ت َل ُ
ك َ وإ ِ ْ ل ذَّر ٍ
ة َ مث ْ َ
قللا َ ه ل ي َظْل ِل ُ
م ِ ن الل ّل َإِ ّ
ظيما ً )(40 جرا ً َ َ
ع ِ هأ ْ ن ل َدُن ْ ُ
م ْ ت ِ وي ُ ْ
ؤ ِ َ
دا من جزاء عمله مقدار ذرة,إن الله تعالى ل ينقص أح ً
وإن تكن زنة الذرة حسنة فإنه سبحانه يزيدها ويكثرها
لصاحبها ,ويتفضل عليه بالمزيد ,فيعطيه من عنده ثواًبا
كبيًرا هو الجنة.
عل َللى َ
هل ُ جئ َْنا ب ِ َ ة بِ َ ذا جئ َْنا من ك ُ ّ ُ فك َي ْ ََ
ء
ؤل ِ ك َ و ِ
د َ
هي ٍ
ش ِ م ٍ
لأ ّ ِ ْ ف إِ َ ِ
هيدا ً )(41 ش ِ َ
فكيف يكون حال الناس يوم القيامة ,إذا جاء الله من كل
أمة برسولها ليشهد عليها بما عملت ,وجاء بك -أيها
دا على أمتك أنك بلغتهم رسالة الرسول -لتكون شهي ً
رّبك.
م
هل ْ
وى ب ِ ِ
سل ّ ل ل َل ْ
و تُ َ سو َ
وا الّر ُ
ص ْ
ع َ
و َفُروا َ ن كَ َ
ذي َ ودّ ال ّ ِ
ذ يَ َمئ ِ ٍ
و َ
يَ ْ
ديثا ً )(42 َ
ح ِ ن الل ّ َ
ه َ مو َول ي َك ْت ُ ُ ض َالْر ُ
154
يوم يكون ذلك ,يتمنى الذين كفروا بالله تعالى وخالفوا
الرسول ولم يطيعوه ,لو يجعلهم الله والرض سواء,
فيصيرون تراًبا ,حتى ل يبعثوا وهم ل يستطيعون أن
ُيخفوا عن الله شيًئا مما في أنفسهم ,إذ ختم الله على
ت عليهم جوارحهم بما كانوا يعملون.هد َ ْ أفواههم ,و َ
ش ِ
ُ َ
ن
ش لت َُرو َ ن ال ْك ِت َللا ِ
ب يَ ْ صلليبا ً ِ
مل ْ ن أوت ُللوا ن َ ِذي َ م ت َلَر إ ِل َللى ال ّل ِأل َل ْ
َ
ل )(44 سِبي َ ضّلوا ال ّ ن تَ ِ
نأ ْ دو َ ري ُ
وي ُ ِة َضلل َ َ ال ّ
ألم تعلم -أيها الرسول -أمر اليهود الذين ُأعطوا ح ّ
ظا
من العلم مما جاءهم من التوراة ,يستبدلون الضللة
بالهدى ,ويتركون ما لديهم من الحجج والبراهين ,الدالة
على صدق رسالة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم,
ويتمنون لكم -أيها المؤمنون المهتدون -أن تنحرفوا عن
الطريق المستقيم; لتكونوا ضالين مثلهم.
155
صيرا ً فى ِبالل ّ ِ
ه نَ ِ ول ِي ّا ً َ
وك َ َ فى ِبالل ّ ِ
ه َ وك َ َ دائ ِك ُ ْ
م َ م ب ِأ َ ْ
ع َ ه أَ ْ
عل َ ُ والل ّ ُ
َ
)(45
والله سبحانه وتعالى أعلم منكم -أيها المؤمنون -بعداوة
هؤلء اليهود لكم ,وكفى بالله ولّيا يتولكم ,وكفى به
نصيًرا ينصركم على أعدائكم.
ما
من اليهود فريق دأبوا على تبديل كلم الله وتغييره ع ّ
هو عليه افتراء على الله ,ويقولون للرسول صلى الله
عليه وسلم :سمعنا قولك وعصينا أمرك واسمع مّنا ل
سمعت ,ويقولون :راعنا سمعك أي :افهم عنا وأفهمنا,
يلوون ألسنتهم بذلك ,وهم يريدون الدعاء عليه بالرعونة
حسب لغتهم ,والطعن في دين السلم .ولو أنهم قالوا:
سمعنا وأطعنا ,بدل و"عصينا" ,واسمع دون "غير
مسمع" ,وانظرنا بدل "راعنا" لكان ذلك خيًرا لهم عند
الله وأعدل قول ولكن الله طردهم من رحمته; بسبب
كفرهم وجحودهم نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ,فل
يصدقون بالحق إل تصدي ً
قا قليل ل ينفعهم.
ُ َ
مللا دقا ً ل ِ َ صل ّم َ مللا ن َّزل ْن َللا ُمن ُللوا ب ِ َبآ ِ ن أوُتوا ال ْك ِت َللا َ ذي َ ها ال ّ َِيا أي ّ َ
َ َ َ
و
هللا أ ْ ر َعَلى أدَْبا ِ ها َ فن َُردّ َ
َ
جوها ً َ و ُس ُ م َ ن ن َطْ ِ لأ ْ
َ
قب ْ ِ ن َ م ْم ِ عك ُ ْ م َ َ
عللول ً ) ف ُ م ْ
ه َ مُر الّللل ِ نأ ْ كا َ و َ
ت َ سب ْ ِ
ب ال ّ حا َ ص َ عّنا أ ْ ما ل َ َ م كَ َه ْ ن َل ْ َ
عن َ ُ
(47
دقوا واعملللوا بمللا نّزلنللا مللن القللرآن, يا أهل الكتاب ,ص ل ّ
قا لما معكم من الكتب مللن قبللل أن نأخللذكم بسللوء مصد ً
ل الظهللور ,أو نلعللن قب َ َ صنيعكم ,فنمحو الوجوه ونحولها ِ
هللؤلء المفسللدين بمسللخهم قللردة وخنللازير ,كمللا لعن ّللا
156
من أصحاب السبت ,الللذين ُنهللوا عللن الصلليد فيلله اليهود ِ
فلم ينتهوا ,فغضب الللله عليهللم ,وطردهللم مللن رحمتلله,
ذا في كل حال وكان أمر الله ناف ً
َ
ن
مل ْ ن ذَل ِل َ
ك لِ َ دو َمللا ُ
ف لُر َ غ ِ
وي َ ْ
ه َك ب ِل ِشَر َن يُ ْ فُر أ ْ غ ِه ل يَ ْن الل ّ َ
إِ ّ
ظيما ً )(48 ع ِفت ََرى إ ِْثما ً َ قد ْ ا ْف َ ك ِبالل ّ ِ
ه َ ر ْ
ش ِ ن يُ ْم ْ
و َشاءُ َ يَ َ
دا من
من أشرك به أح ً إن الله تعالى ل يغفر ول يتجاوز ع ّ
مخلوقاته ,أو كفر بأي نوع من أنواع الكفر الكبر,
ما دون الشرك من الذنوب ,لمن يشاء ويتجاوز ويعفو ع ّ
من عباده ,ومن يشرك بالله غيره فقد اختلق ذنًبا
ما.
عظي ً
ن
مل ْ
كلي َ ل الّلل ُ
ه ي َُز ّ م َبل ْ
ه ْ
سل ُ ن َأن ُ
ف َ ن ي َُز ّ
كلو َ م ت ََر إ َِلى اّلل ِ
ذي َ
َ
أل َ ْ
فِتيل ً )(49 ن َمو َول ي ُظْل َ ُ
شاءُ َ يَ َ
ألم تعلم -أيها الرسول -أمر أولئك الذين ُيثنون على
أنفسهم وأعمالهم ,ويصفونها بالطهر والبعد عن
منالسوء؟ بل الله تعالى وحده هو الذي يثني على َ
قصون من عباده ,لعلمه بحقيقة أعمالهم ,ول ُين َيشاء ِ
من أعمالهم شيًئا مقدار الخيط الذي يكون في شق َنواة
التمرة.
مِبينللا ً
ه إ ِْثما ً ُ وك َ َ
فى ب ِ ِ ب َ ه ال ْك َ ِ
ذ َ عَلى الل ّ ِ
ن َ انظُْر ك َي ْ َ
ف يَ ْ
فت َُرو َ
)(50
انظر إليهم -أيها الرسول -متعجًبا من أمرهم ,كيف
يختلقون على الله الكذب ,وهو المنّزه عن كل ما ل يليق
فا عن فسادبه؟ وكفى بهذا الختلق ذنًبا كبيًرا كاش ً
معتقدهم.
ُ َ
تجب ْ ِن ِبال ْ ِمُنو َ
ؤ ِب يُ ْن ال ْك َِتا ِ صيبا ً ِ
م ْ ن أوُتوا ن َ ِ م ت ََر إ َِلى ال ّ ِ
ذي َ أل َ ْ
ن
ذي َ ن ال ّل ِ م ْدى ِ ه َء أَ ْ
ؤل ِ ه ُفُروا َن كَ َذي َن ل ِل ّ ِ
قوُلو َ وي َ ُ
ت َ
غو ِ طا ُ وال ّ َ
157
سِبيل ً )(51
مُنوا َ
آ َ
ألم تعلم -أيها الرسول -أمر أولئك اليهود الذين ُأعطوا
ظا من العلم يصدقون بكل ما ُيعبد من دون الله من ح ّ
الصنام وشياطين النس والجن تصديقا يحملهم على
التحاكم إلى غير شرع الله ,ويقولون للذين كفروا بالله
تعالى وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم :هؤلء
قا من أولئك الذين آمنوا؟ل طري ًم ,وأعد ُ الكافرون أ ْ
قو ُ
ُ
جلدَ َلل ُ
ه فَلل ْ
ن تَ ِ ن الّلل ُ
ه َ ن ي َل ْ َ
عل ْ مل ْ
و َ م الّلل ُ
ه َ هل ْ ن لَ َ
عن َ ُ ك ال ّ ِ
ذي َ ول َئ ِ َأ ْ
صيرا ً )(52 نَ ِ
م ضللهم ,طردهم الله أولئك الذين ك َث َُر فسادهم وع ّ
من يطرده الله من رحمته فلن تجدنعالى من رحمته ,و َ
له من ينصره ,ويدفع عنه سوء العذاب.
َ
د
قل ْ ف َ
ه َض لل ِ ِ
ف ْ ن َمل ْه ِم الل ّل ُ ه ْما آَتا ُ عَلى َس َن الّنا َ دو َ س ُ ح ُم يَ ْ
أ ْ
ظيملا ً )ع ِ مْلكلا ً َم ُ
ه ْوآت َي َْنا ُ
ة َم َ وال ْ ِ
حك ْ َ م ال ْك َِتا َ
ب َ هي َ آت َي َْنا آ َ
ل إ ِب َْرا ِ
(54
دا صلى الله عليه وسلم على ما بل أيحسدون محم ً
أعطاه الله من نعمة النبوة والرسالة ,ويحسدون أصحابه
على نعمة التوفيق إلى اليمان ,والتصديق بالرسالة,
واتباع الرسول ,والتمكين في الرض ,ويتمنون زوال
هذا الفضل عنهم؟ فقد أعطينا ذرية إبراهيم عليه
السلم -من َ
قب ْ ُ
ل -الكتب ,التي أنزلها الله عليهم وما
أوحي إليهم مما لم يكن كتابا مقروءا ,وأعطيناهم مع
ذلك ملكا واسعا.
158
م
هن ّل َ
ج َ وك َ َ
فللى ب ِ َ ه َ
عن ْل ُ
ص لد ّ َ
ن َ
مل ْ
م َ
ه ْ
من ْ ُ
و ِ
ه َ
ن بِ ِ
م َ
نآ َم ْ
م َ
ه ْمن ْ ُ
ف َِ
عيرا ً )(55 س ِ َ
دق برسالة من ص ّ فمن هؤلء الذين أوتوا ح ّ
ظا من العلمَ ,
منمحمد صلى الله عليه وسلم ,وعمل بشرعه ,ومنهم َ
أعرض ولم يستجب لدعوته ,ومنع الناس من اتباعه.
عر بكم.
وحسبكم -أيها المكذبون -نار جهنم تس ّ
م حك َ ْ
مت ُ ْ ذا َوإ ِ َ
ها َ ت إ َِلى أ َ ْ
هل ِ َ ماَنا ِ َ
دوا ال َ ؤ ّن تُ َ َ
مأ ْ مُرك ُ ْ
ْ
ه ي َأ ُن الل ّ َ إِ ّ
َ
ن
ه إِ ّ عظُك ُل ْ
م ب ِل ِ ما ي َ ِ ع ّ ن الل ّ َ
ه نِ ِ ل إِ ّ موا ِبال ْ َ
عد ْ ِ حك ُ ُن تَ ْ سأ ْ ن الّنا ِ ب َي ْ َ
صيرا ً )(58 ميعا ً ب َ ِ س ِ ن َ كا َ ه َالل ّ َ
159
إن الللله تعللالى يللأمركم بللأداء مختلللف المانللات ,الللتي
اؤتمنتم عليها إلى أصحابها ,فل تفرطوا فيهللا ,ويللأمركم
بالقضاء بين الناس بالعدل والقسط ,إذا قضلليتم بينهللم,
م ما يعظكم الله به ويهديكم إليه .إن الله تعالى كللان ع َ
ون ِ ْ
عا على سائر أعمالكم ,بصيًرا بها. م ّ
طل ً عا لقوالكمُ , سمي ً
ل ُ يا أ َيها ال ّذين آمُنوا أ َطيعوا الل ّه َ
وِلللي وأ ْ سو َ َ عوا الّر ُ طي ُ وأ ِ َ َ ِ ُ ِ َ َ َ ّ َ
ه ّ َ
دوهُ إ ِللى اللل ِ ء َ
فلُر ّ ي ٍ فلي َ م َ من ْ ُ َ
شل ْ م ِ عت ُ ْ
ن ت َن َللاَز ْفلإ ِ ْ كل ْ ر ِ مل ِ
ال ْ
خي ْلٌر
ك َ ر ذَل ِل َ
خل ِوم ِ ال ِ وال ْي َل ْه َن ِبالل ّ ِمُنو َ م تُ ْ
ؤ ِ ن ُ
كنت ُ ْ ل إِ ْ سو ِ والّر ُ َ
ويل )(59 ً ْ َ
ن ت َأ ِ س ُ ح َوأ ْ َ
دقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه,يا أيها الذين ص ّ
استجيبوا لوامر الله تعالى ول تعصوه ,واستجيبوا
للرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من الحق,
وأطيعوا ولة أمركم في غير معصية الله ,فإن اختلفتم
في شيء بينكم ,فأرجعوا الحكم فيه إلى كتاب الله
تعالى وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ,إن
كنتم تؤمنون حق اليمان بالله تعالى وبيوم الحساب.
ذلك الردّ إلى الكتاب والسنة خير لكم من التنازع والقول
بالرأي ،وأحسن عاقبة ومآل.
160
مؤمن واختار حكم الطاغوت على حكم الله ,فهو كاذب
في زعمه.
م
هل ْ
عن ْ ُ
ض َ
ر ْ ف لأ َ ْ
ع ِ م َ
ه ْ
ِ ِ بلو
لقل ُُ ليل ف
ِ لا
ل م
َ ه
ُ لم الل ّ
ُ عل َْ َ ي ن
َ ذي
ِ ك ال ّ
َ ِ ئول َ
ْ
أُ
ول ً ب َِليغا ً )(63 ق ْ م َ
ه ْ
س ِ ف ِ في َأن ُ م ِ ه ْ ل لَ ُ ق ْو ُ م َ ه ْ عظْ ُ و َِ
أولئك هم الذين يعلم الللله حقيقللة مللا فللي قلللوبهم مللن
ذرهم ملن سللوء مللا هللم عليله, ل عنهللم ,وحل ّ النفاق ,فتو ّ
وقل لهم قول مؤثًرا فيهم زاجًرا لهم.
ع بإذْن الل ّ له ول َ ل َ ل إ ِل ّ ل ِي ُ َ َ
م إ ِذْهل ْو أن ّ ُ ِ َ ْ طا َ ِ ِ ِ سو ٍ ن َر ُ م ْ سل َْنا ِما أْر َ و َ َ
م َ َ ّ َ َ َ ُ َ َ َ
هل ْ غفَر ل ُ س لت َ ْ
وا ْ
ه َغفُروا الل ل َ س لت َ ْ
ءوك فا ْ جا ُ م َ ه ْس ُ موا أنف َ ظل ُ
حيما ً )(64 وابا ً َر ِ ه تَ ّدوا الل ّ َ ج ُ و َل لَ َ سو ُالّر ُ
عث َْنا من رسول من رسلنا ,إل ليستجاب له ,بأمر
وما ب َ
الله تعالى وقضائه .ولو أن هؤلء الذين ظلموا أنفسهم
باقتراف السيئات ,جاؤوك -أيها الرسول -في حياتك
161
تائبين سائلين الله أن يغفر لهم ذنوبهم ,واستغفرت
ما.
لهم ,لوجدوا الله تواًبا رحي ً
م م ثُل ّ
هل ْجَر ب َي ْن َ ُ ش َما َ في َك ِ مو َحك ّ ُحّتى ي ُ َ
ن َ مُنو َ
ؤ ِك ل يُ ْوَرب ّ َفل َ َ
س لِليما ً َ
موا ت َ ْ سل ّ ُوي ُ َ
ت َضي ْ َ
ق َ ما َم ّحَرجا ً ِم َه ْس ِ
ف ِفي أن ُ دوا ِ ج ُل يَ ِ
)(65
أقسم الله تعالى بنفسه الكريمة أن هؤلء ل يؤمنون
ما فيما وقع بينهم من نزاع فيحقيقة حتى يجعلوك حك ً
حياتك ,ويتحاكموا إلى سنتك بعد مماتك ,ثم ل يجدوا في
أنفسهم ضي ً
قا مما انتهى إليه حكمك ,وينقادوا مع ذلك
دا تامًا ,فالحكم بما جاء به رسول الله صلى الله
انقيا ً
عليه وسلم من الكتاب والسنة في كل شأن من شؤون
الحياة من صميم اليمان مع الرضا والتسليم.
َ ل َ ُ
م الل ّل ُ
ه عل َ
ن أن ْ َذي َع ال ّل ِمل َ
ك َ ول َئ ِ َ
ف لأ ْ سللو َ
والّر ُ ه َ ع الل ّ َ ن ي ُطِ ْم ْ و َ َ
نحي َ صللال ِ ِ
وال ّ ء َدا ِ
ه َ
شل َ وال ّ ن َ قي َ دي ِصل ّ
وال ّن َن الن ّب ِّيي ل َ مل ْ م ِ هل ْ ِ عل َي َْ
فيقا ً )(69 ك َر ِ ول َئ ِ َ ُ
نأ ْ س َح ُ و َ َ
162
ومن يستجب لوامر الله تعالى وهدي رسوله محمد
عظُ َ
م شأنهم صلى الله عليه وسلم فأولئك الذين َ
من أنعم الله تعالى عليهم وقدرهم ,فكانوا في صحبة َ
مل تصديقهم بما بالجنة من النبياء والصديقين الذين ك ُ
دا وقول وعمل والشهداء في جاءت به الرسل ،اعتقا ً
ن هؤلء رفقاء في س َ
ح ُ
سبيل الله وصالح المؤمنين ,و َ
الجنة.
َ َ
فللُروا
و ان ِ
تأ ْفُروا ث َُبا ٍ
فان ِ حذَْرك ُ ْ
م َ خ ُ
ذوا ِ مُنوا ُ
نآ َ ها ال ّ ِ
ذي َ َيا أي ّ َ
ميعا ً )(71 ج َِ
يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم بالستعداد لعدوكم,
فاخرجوا لملقاته جماعة بعد جماعة أو مجتمعين.
َ
د ل َ
قل ْ ة َ
قللا َ صلليب َ ٌ
م ِ صللاب َت ْك ُ ْ
م ُ نأ َ ف لإ ِ ْن َن ل َي ُب َطّئ َ ّ م لَ َ
مل ْ من ْك ُ ْن ِوإ ِ َّ
هيدا ً )(72 َ َ
ش ِم َ ه ْع ُم َن َم أك ُ ْي إ ِذْ ل َ ْ
عل َ ّ
ه َ م الل ّ ُع َأن ْ َ
ن منكم لنفًرا يتأخر عن الخروج لملقاة العداءوإ ّ
در عليكم متثاقل ويثبط غيره عن عمد وإصرار ,فإن ُ
ق ّ
صبتم بقتل وهزيمة ,قال مستبشًرا :قد حفظني الله, ُ
وأ ِ
حين لم أكن حاضًرا مع أولئك الذين وقع لهم ما أكرهه
لنفسي ,وسّره تخلفه عنكم.
َ َ
م ن ب َي ْن َ ُ
كلل ْ كلل ْ ن لَ ْ
م تَ ُ قول َ ّ
ن ك َأ ْ ه ل َي َ ُن الل ّ ِم َ
ل ِض ٌ
ف ْ م َ صاب َك ُ ْ
نأ َ ول َئ ِ ْ َ
ظيما ً )(73 وزا ً َ فوَز َ َ
فأ ُم َ ودّةٌ َيا ل َي ْت َِني ُ
ع ِ ف ْ ه ْ ع ُم َت َ كن ُ م َ ه َوب َي ْن َ َُ
163
دا
ولئن نالكم فضل من الله وغنيمة ,ليقولن -حاس ً
متحسًرا ,كأن لم تكن بينكم وبينه مودة في الظاهر : -يا
ليتني كنت معهم فأظفر بما ظَ ِ
فروا به من النجاة
والنصرة والغنيمة.
164
سبيل البغي والفساد في الرض ,فقاتلوا أيها المؤمنون
أهل الكفر والشرك الذين يتوّلون الشيطان ,ويطيعون
أمره ,إن تدبير الشيطان لوليائه كان ضعي ً
فا.
َ
ة
ش لي ّدَ ٍ م َ ج ُ فللي ب ُلُرو ٍ م ِ كنت ُل ْ و ُ ول َ ْت َ و ُ م ْم ال ْ َ رك ّ ْ كوُنوا ي ُدْ ِ ما ت َ ُ أي ْن َ َ
م ه ْ
صللب ْ ُن تُ ِ وإ ِ ْ
ه َ د الّللل ِعن ْ ِن ِ م ْ ه ِ ذ ِه ِ قوُلوا َ ة يَ ُ سن َ ٌ ح َ م َه ْ صب ْ ُ ن تُ ِ وإ ِ ْ َ
لمللا ِ ف َ ه َ ّ
د الللل ِ عْنلل ِن ِم ْ ل ِ لك ّ ُ ق ْ ك ُ د َ عن ْ ِن ِ م ْ ه ِ ذ ِه ِقولوا َُ ة يَ ُ سي ّئ َ ٌ َ
ديثا )(78 ً ح ِن َ هو َ ق ُ ف َ ن يَ ْ دو َ كا ُ وم ِ ل ي َ َ ق ْ ْ
ء ال َ ؤل ِ ه ُ َ
أينما تكونوا يلحقكم الموت في أي مكان كنتم فيه عند
حلول آجالكم ,ولو كنتم في حصون منيعة بعيدة عن
ساحة المعارك والقتال .وإن يحصل لهم ما يسّرهم من
متاع هذه الحياة ,ينسبوا حصوله إلى الله تعالى ,وإن
وقع عليهم ما يكرهونه ينسبوه إلى الرسول محمد صلى
165
ما ,وما علموا أن ذلك كله
الله عليه وسلم جهالة وتشاؤ ً
من عند الله وحده ,بقضائه وقدره ,فما بالهم ل يقاربون
ي حديث تحدثهم به.مأ ّ
ه َ َ
ف ْ
َ َ
سلي ّئ َ ٍ
ة ن َ
مل ْ ك ِصللاب َ َمللا أ َ و َ
ه َن الل ّل ِ
مل ْ
ف ِ ة َ سلن َ ٍ
ح َن َ م ْ
ك ِ صاب َ َ ما أ َ َ
ش لهيدا ً َ
ه َ ِفى ِبالل ّ ِ وك َ َسول ً َ س َر ُ ك ِللّنا ِ سل َْنا َوأْر َك َ س َ
ف ِ ن نَ ْ م ْ
ف ِ َ
)(79
من خير ونعمة فهو من الله ما أصابك -أيها النسانِ -
تعالى وحده ,فضل وإحساًنا ,وما أصابك من جهد وشدة
فبسبب عملك السيئ ,وما اقترفته يداك من الخطايا
والسيئات .وبعثناك -أيها الرسول -لعموم الناس رسول
دا على صدقتبلغهم رسالة ربك ,وكفى بالله شهي ً
رسالتك.
مللا وّلى َ
ف َ ن تَل َ
ملل ْ
و َ
ه َ ق لدْ أ َطَللا َ
ع الّللل َ ف َ
ل َ
سللو َع الّر ُ ن ي ُطِ ل ْ ملل ْ
َ
فيظا ً )(80 ح ِ ك َ َ سل َْنا َ َ
م َ ه ْ
علي ْ ِ أْر َ
من يستجب للرسول صلى الله عليه وسلم ,ويعمل
بهديه ,فقد استجاب لله تعالى وامتثل أمره ,ومن أعرض
عن طاعة الله ورسوله فما بعثناك -أيها الرسول -على
هؤلء المعترضين رقيًبا تحفظ أعمالهم وتحاسبهم
عليها ,فحسابهم علينا.
166
عنهم -أيها الرسول -ول تبال بهم ,فإنهم لن يضروك,
وتوكل على الله ,وحسبك به ولي ّا ً وناصًرا.
دوا
جل ُ ه لَ َ
و َ ر الل ّل ِ د َ
غي ْل ِ عن ْ ِ
ن ِ
م ْ
ن ِ
كا َ ول َ ْ
و َ ن َ ن ال ْ ُ
قْرآ َ فل ي َت َدَب ُّرو َ أَ َ
خِتلفا ً ك َِثيرا ً )(82 ها ْ في ِ ِ
أفل ينظر هؤلء في القرآن ,وما جاء به من الحق ,نظر
تأمل وتدبر ,حيث جاء على نسق محكم يقطع بأنه من
من عند غيره لوجدوا فيهعند الله وحده؟ ولو كان ِ
اختل ً
فا كثيًرا.
ضحللّر ْ و َ سلل َ
ك َ ف َ ه ل ت ُك َّللل ُ
ف إ ِل ّ ن َ ْ ل الّللل ِ سللِبي ِ فللي َ ل ِ قاِتلل ْف ََ
ْ عسى الل ّ َ
والل ّل ُ
ه ن كَ َ
ف لُروا َ ذي َ س ال ّل ِ
ف ب َلأ َ ن ي َك ُل ّ
هأ ْ ُ ن َ َ مِني َ م ْ
ؤ ِ ال ْ ُ
كيل ً )(84 وأ َ َ
شدّ َتن ِ
ْ
شدّ ب َأسا ً َ أَ َ
فجاهد -أيها النبي -في سبيل الله لعلء كلمته ,ل تلزم
ض المؤمنين على القتالح ّفعل غيرك ول تؤاخذ به ,و ُ
غبهم فيه ,لعل الله يمنع بك وبهم بأس والجهاد ,ور ّ
167
الكافرين وشدتهم .والله تعالى أشد قوة وأعظم عقوبة
للكافرين.
ع
ف ْش َ
ن يَ ْ
م ْ و َ
ها َ من ْ َ
ب ِ صي ٌه نَ ِن لَ ُة ي َك ُ ْ
سن َ ًح َة َ ع ًفا َش َ ع َ ف ْش َ
ن يَ ْم ْ َ
ء
ي ٍش ْ ل َعلى ك ُ َّ ه َ ّ
ن الل ُ و َ
كا َ ها َ من ْ َ
ل ِ ف ٌ ه كِ ْ َ
نل ُ ة ي َك ُ ْسي ّئ َ ًة َ ع ً
فا َش َ َ
قيتا ً )(85 م ِ ُ
ع لحصول غيره على الخير يكن له بشفاعته س َ
من ي َ ْ
ع ليصال الشر إلى غيرهس َ
نصيب من الثواب ,ومن ي َ ْ
يكن له نصيب من الوزر والثم .وكان الله على كل شيء
دا وحفي ً
ظا. شاه ً
َ َ
ن الّللل َ
ه هللا إ ِ ّ
دو َ
و ُر ّ
هللا أ ْ
من ْ َ
ن ِ
س َ
ح َ
حّيوا ب ِأ ْ ة َ
ف َ حي ّ ٍم ب ِت َ ِ حّييت ُ ْ وإ ِ َ
ذا ُ َ
ً
سيبا )(86 ح ِء َ ي ٍ
ش ْ ل َ ُ
على ك ّ َ ن َكا َ َ
ه
فيلل ِ
ب ِ
ة ل َري ْ َ
م ِ وم ِ ا ل ْ ِ
قَيا َ م إ َِلى ي َ ْ
عن ّك ُ ْ
م َ و ل َي َ ْ
ج َ ه َ ه ل إ ِل َ َ
ه إ ِل ّ ُ الل ّ ُ
ديثا ً )(87 َ
ح ِه َن الل ّ ِ م ْصدَقُ ِ نأ ْ م ْ و َ
َ
الله وحده المتفرد باللوهية لجميع الخلق ,ليجمعنكم
يوم القيامة ,الذي ل شك فيه ,للحساب والجزاء .ول أحد
أصدق من الله حديًثا فيما أخبر به.
168
أعمالهم .أتودون هداية من صرف الله تعالى قلبه عن
دينه؟ ومن خذله الله عن دينه ,واتباع ما أمره به ,فل
طريق له إلى الهدى.
َ ن إ َِلللى َ
ميَثللاقٌ أ ْ
و م ِهلل ْ وب َي ْن َ ُ م َ وم ٍ ب َي ْن َ ُ
كلل ْ قلل ْ صللُلو َ ن يَ ِ ذي َ إ ِل ّ اّللل ِ
قات ُِلوا َ َ َ
م ه ْ م ُو َق ْ و يُ َ مأ ْ قات ُِلوك ُ ْ ن يُ َ مأ ْ ه ْ
دوُر ُ ص ُ ت ُ صَر ْ ح ِم َ ءوك ُ ْ جا ُ َ
معت ََزل ُللوك ُ ْ نا ْ ف لإ ِ ْ م َ قات َُلوك ُ ْ فل َ َم َ عل َي ْك ُ ْم َ سل ّطَ ُ
ه ْ ه لَ َ شاءَ الل ّ ُ و َ ول َ ْ َ
م ُ َ ّ عل َ َ َ ُ َ َ ْ َ ُ ُ َ َ َ
ه لكل ْ ل اللل ُ ج َملا َ مف َ سلل َ م ال ّ وا إ ِلي ْكل ْ وألق ْ م َ م ي ُقات ِلوك ْ فل ْ
سِبيل ً )(90 م َ ه ْ َ َ
علي ْ ِ
لكن الذين يتصلون بقوم بينكم وبينهم عهد وميثاق فل
تقاتلوهم ,وكذلك الذين أَتوا إليكم وقد ضاقت صدورهم
وكرهوا أن يقاتلوكم ,كما كرهوا أن يقاتلوا قومهم ,فلم
يكونوا معكم ول مع قومهم ,فل تقاتلوهم ,ولو شاء الله
تعالى لسّلطهم عليكم ,فلقاتلوكم مع أعدائكم من
المشركين ,ولكن الله تعالى صرفهم عنكم بفضله
وقدرته ,فإن تركوكم فلم يقاتلوكم ,وانقادوا اليكم
مستسلمين ,فليس لكم عليهم من طريق لقتالهم.
170
فعليه صيام شهرين متتابعين; ليتوب الله تعالى عليه.
ما فيما
وكان الله تعالى عليما بحقيقة شأن عباده ,حكي ً
شرعه لهم.
َ
ول فت َب َي ُّنللوا َ ه َ ل الل ّ ِ سِبي ِ
في َ م ِ ضَرب ْت ُ ْذا َ مُنوا إ ِ َ نآ َ ذي َ ها ال ّ ِ َيا أي ّ َ
ن غللو َمنلا ً ت َب ْت َ ُ م ْ
ؤ ِ ت ُ سل َ م لَ ْ سللل َ م ال ّ قللى إ ِل َي ْك ُل ْ ن أ َل ْ َ مل ْ قول ُللوا ل ِ َ تَ ُ
ن
م ْ م ِ كنت ُ ْ ك ُ م ك َِثيَرةٌ ك َذَل ِ َ غان ِ ُم َه َ عن ْدَ الل ّ ِ ف ِ ة الدّن َْيا َ حَيا ِ ض ال ْ َ عَر َ َ
نمل ُللو َع َ مللا ت َ ْ ن بِ َ ه ك َللا َن الل ّل َ م َ
فت َب َي ّن ُللوا إ ِ ّ عل َي ْك ُ ْه َ ن الل ّ ُ م ّ ل َ
ف َ قب ْ ُ َ
خِبيرا ً )(94 َ
دقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه إذا يا أيها الذين ص ّ
خرجتم في الرض مجاهدين في سبيل الله فكونوا على
بينة مما تأتون وتتركون ,ول تنفوا اليمان عمن بدا منه
شيء من علمات السلم ولم يقاتلكم; لحتمال أن
يكون مؤمًنا يخفي إيمانه ,طالبين بذلك متاع الحياة
الدنيا ,والله تعالى عنده من الفضل والعطاء ما يغنيكم
به ,كذلك كنتم في بدء السلم تخفون إيمانكم عن
ن الله عليكم ,وأعّزكم باليمانم ّ
قومكم من المشركين ف َ
والقوة ,فكونوا على بّينة ومعرفة في أموركم .إن الله
طلع على دقائق أموركم, تعالى عليم بكل أعمالكم ,م ّ
وسيجازيكم عليها.
غيلر أ ُ
ر
ِ ر
َ ل ض
ّ ال لي
لِ ل و
ْ ن َ ْ ُ
مِني َ
ؤ ِ ن ال ْ ُ
مل ْ مل ْ
ن ِ
دو َ
عل ُ وي ال ْ َ
قا ِ سلت َ ِ
ل يَ ْ
171
لضل َ
ف ّ م َ ه ْ
سل ِ ف ِوَأن ُ م َه ْ وال ِ ِ
م َ
َ
ه ب ِلأ ْل الل ّل ِ
سِبي ِ في َ ن ِ دو َ ه ُ جا ِ م َوال ْ ُ َ
ة
جل ً ْ
على ال َ َ َ
وأن ُ َ ْ ّ
ن دََر َدي َ ع ِ
قا ِ م َ ه ْس ِ ف ِ م َ
ه ْوال ِ ِ
م َ ن ب ِأ ْدي َ ه ِ جا ِ م َ ه ال ُ الل ُ
عل َللى
ن َ دي َ هل ِجا ِ م َ ه ال ْ ُل الل ّل ُ ضل َ ف ّ و َس لَنى َ ح ْ ه ال ْ ُع لدَ الل ّل ُ و َ وك ُل ّ َ َ
ظيما ً )(95 جرا ً َ َ ال ْ َ
ع ِ نأ ْ دي َ ع ِ قا ِ
ل يتساوى المتخلفون عن الجهاد في سبيل الله -غير
أصحاب العذار منهم -والمجاهدون في سبيل الله,
ضل الله تعالى المجاهدين على بأموالهم وأنفسهم ,ف ّ
القاعدين ,ورفع منزلتهم درجة عالية في الجنة ,وقد
وعد الله كل من المجاهدين بأموالهم وأنفسهم
حوا في
والقاعدين من أهل العذار الجنة ِلما بذلوا وض ّ
ضل الله تعالى المجاهدين على سبيل الحق ,وف ّ
القاعدين ثواًبا جزيل.
حيم لا ً )
فللورا ً َر ِ ن الل ّل ُ
ه َ
غ ُ وك َللا َ
ة َ
م ً
ح َ
وَر ْ
فَرةً َ
غ ِ
م ْ
و َ
ه َ
من ْ ُ
ت ِ
جا ٍ
دََر َ
(96
هذا الثواب الجزيل منازل عالية في الجنات من الله
تعالى لخاصة عباده المجاهدين في سبيله ,ومغفرة
لذنوبهم ورحمة واسعة ينعمون فيها .وكان الله غفوًرا
ما بأهل طاعته ,المجاهدين في لمن تاب إليه وأناب ,رحي ً
سبيله.
مفيل َ قللاُلوا ِ م َ ه ْ
ِ سل
ف ِ مي َأن ُ ة ظَللال ِ ِملئ ِك َل ُ م ال ْ َه ْ فا ُو ّ
ن تَ َ ذي َ ن ال ّ ِ إِ ّ
َ َ
م ت َك ُل ْ
ن قللاُلوا أل َل ْ ض َ ِ فللي الْر ن ِفي َ ع ِضل َست َ ْ م ْ قاُلوا ك ُّنا ُ م َ كنت ُ ُْ
ْ ول َئ ِ َ فيها َ ُ َ
م هّنلل ُج َ
م َه ْ وا ُمللأ َ ك َ فللأ ْ جُروا ِ َ ها ِفت ُ َة َ ع ً
س َوا ِ ه َض الل ّ ِ أْر ُ
صيرا ً )(97 م ِت َ ساءَ ْ و َ َ
فاهم الملئكة وقد ظلموا أنفسهم بقعودهم إن الذين تو ّ
خا
في دار الكفر وترك الهجرة ,تقول لهم الملئكة توبي ً
لهم :في أي شيء كنتم من أمر دينكم؟ فيقولون :كنا
ضعفاء في أرضنا ,عاجزين عن دفع الظلم والقهر عنا,
فيقولون لهم توبيخا :ألم تكن أرض الله واسعة فتخرجوا
172
من أرضكم إلى أرض أخرى بحيث تأمنون على دينكم؟
فأولئك مثواهم النار ,وقبح هذا المرجع والمآب.
عل َللى
و َ عللودا ً َ
ق ُ قَيام لا ً َ
و ُ ه ِفللاذْك ُُروا الل ّل َصلةَ َ م ال ّ
ضي ْت ُ ْق َذا َ َ
فإ ِ َ
صلللةَ ك َللان َ ْ
ت ن ال ّ صلللةَ إ ِ ّ
موا ال ّ فأ َ ِ
قي ُ م َ ذا اطْ ْ
مأَننت ُ ْ
َ فإ ِ َ م َجُنوب ِك ُ ْ ُ
174
قوتا ً )(103
و ُ ن ك َِتابا ً َ
م ْ مِني َ عَلى ال ْ ُ
م ْ
ؤ ِ َ
ديتم الصلة ,فأديموا ذكر الله في جميع أحوالكم,
فإذا أ ّ
دوا الصلة كاملة ,ول تفّرطوا فيها
فإذا زال الخوف فأ ّ
فإنها واجبة في أوقات معلومة في الشرع.
ْ
مه ْ ن َ
فلإ ِن ّ ُ مو َكون ُللوا ت َلأل َ ُن تَ ُ
وم ِ إ ِ ْقل ْء ال ْ َ
غللا ِفللي اب ْت ِ َ هن ُللوا ِول ت َ ِ َ
ن َ ّ َ ْ َ َ ْ
وكللا َ ن َجللو َما ل ي َْر ُ ه َ
ن الل ِ م ْ ن ِ جو َ وت َْر ُ
ن َ مو َ ما ت َأل ُ نك َ مو َ ي َأل ُ
كيما ً )(104 ح ِعِليما ً َه َ الل ّ ُ
ول تضعفوا في طلب عدوكم وقتاله ,إن تكونوا تتألمون
من القتال وآثاره ,فأعداؤكم كذلك يتألمون منه أشد
اللم ,ومع ذلك ل يكفون عن قتالكم ,فأنتم أولى بذلك
منهم ,لما ترجونه من الثواب والنصر والتأييد ,وهم ل
ما فيما بكل أحوالكم ,حكي ًيرجون ذلك .وكان الله علي ً
أمره وتدبيره.
مللا أ ََرا َ
ك س بِ َ
ِ لا
لّ نال ن
َ ْ يَ ب م
َ ُ ك ح
ْ َ تِ ل ق
ّ ح
َ ب ِبال ْ
َ تا
َ ِ كك ال ْ َ ْ ي إ ِّنا َأنَزل َْنا إ ِل َ
صيما ً )(105 خ ِ ن َ خائ ِِني َ ن ل ِل ْ َ ول ت َك ُ ْ ه َ الل ّ ُ
إنا أنزلنا إليك -أيها الرسول -القرآن مشتمل على الحق;
صركعا بما أوحى الله إليك ,وب َ ّ
لتفصل بين الناس جمي ً
به ,فل تكن للذين يخونون أنفسهم -بكتمان الحق-
عا عنهم بما أيدوه لك من القول المخالف للحقيقة. مداف ً
حيما ً )(106
فورا ً َر ِ ن َ
غ ُ كا َ ن الل ّ َ
ه َ فْر الل ّ َ
ه إِ ّ غ ِ
ست َ ْ
وا ْ
َ
واطلب من الله تعالى المغفرة في جميع أحوالك ,إن
الله تعالى كان غفوًرا لمن يرجو فضله ونوال مغفرته,
ما به.
رحي ً
ب
حل ّ ن الل ّل َ
ه ل يُ ِ م إِ ّ
ه ْ
سل ُ ن َأن ُ
ف َ خت َللاُنو َ
ن يَ ْ
ذي َن ال ّ ِع ْل َ جاِد ْول ت ُ ََ
ً
وانا أِثيما )(107 َ ً ن َ
خ ّن َكا َ م ْ َ
175
ول تدافع عن الذين يخونون أنفسهم بمعصية الله .إن
ت خيانته ,وكثر ذنبه. عظُ َ
م ْ من َ
الله -سبحانه -ل يحب َ
مهلل ْ
ع ُم َو َ ه َ
و ُه َ ن الل ّ ِم ْ
ن ِ فو َ خ ُ ست َ ْول ي َ ْس َن الّنا ِ م ْ
ن ِفو َخ ُ
ست َ ْ يَ ْ
مل ُللو َ
ن ع َمللا ي َ ْه بِ َن الل ّل ُكا َو َ
ل َ و ِ ق ْن ال ْ َ
م ْضى ِما ل ي َْر َن َإ ِذْ ي ُب َي ُّتو َ
حيطا ً )(108 م ُِ
فا من اطلعهم على أعمالهم يستترون من الناس خو ً
السيئة ,ول يستترون من الله تعالى ول يستحيون منه,
وهو عّز شأنه معهم بعلمه ,مطلع عليهم حين يدّبرون
-ليل -ما ل يرضى من القول ,وكان الله -تعالى -محي ً
طا
بجميع أقوالهم وأفعالهم ,ل يخفى عليه منها شيء.
َ َ
جللاِد ُ
ل ن يُ َ
م ْ ة الدّن َْيا َ
ف َ حَيا ِ في ال ْ َ م ِ ه ْ
عن ْ ُم َ جادَل ْت ُ ْ
ء َ ؤل ِ ه ُم َ هاأن ْت ُ ْ
عل َ قيامة أ َ
كيل ً )(109 و ِ
م َ ه ِْ ْ ي َ ن
ُ كوُ َ ي ن
ْ م
َ مْ م ال ْ ِ َ َ ِ و َ م يَ ْه ْعن ْ ُه َ الل ّ َ
ها أنتم -أيها المؤمنون -قد حاججتم عن هؤلء الخائنين
لنفسهم في هذه الحياة الدنيا ,فمن يحاجج الله تعالى
عنهم يوم البعث والحساب؟ ومن ذا الذي يكون على
هؤلء الخائنين وكيل يوم القيامة؟
َ
د
جل ْ فْر الل ّ ل َ
ه يَ ِ غ ِ
س لت َ ْ ه ث ُل ّ
م يَ ْ س ُ
ف َ و ي َظْل ِ ْ
م نَ ْ سوءا ً أ ْل ُ م ْع َ
ن يَ ْم ْو َ َ
حيما )(110 ً ً
فورا َر ِ َ
هغ ُ ّ
الل َ
م على عمل سّيئ قبيح ,أو يظلم نفسه د ْ ومن ي ُ ْ
ق ِ
بارتكاب ما يخالف حكم الله وشرعه ,ثم يرجع إلى الله
ما على ما عمل ,راجًيا مغفرته وستر ذنبه ,يجد الله ناد ً
ما به.تعالى غفوًرا له ,رحي ً
ن الل ّل ُ
ه وك َللا َ
ه َ
سل ِ عل َللى ن َ ْ
ف ِ ه َ مللا ي َك ْ ِ
س لب ُ ُ ب إ ِْثما ً َ
فإ ِن ّ َ ن ي َك ْ ِ
س ْ م ْ
و َ
َ
كيما ً )(111 ح ِعِليما ً ََ
176
ومن يعمد إلى ارتكاب ذنب فإنما يضر بذلك نفسه
ما
ما بحقيقة أمر عباده ,حكي ً
وحدها ,وكان الله تعالى علي ً
فيما يقضي به بين خلقه.
ريئا ً َ خطيئ َ ً َ
ملل َ
ل حت َ َ ف َ
قللدْ ا ْ ه بَ ِ و إ ِْثما ً ث ُ ّ
م ي َْرم ِ ب ِ ِ ةأ ْ ب َ ِ س ْن ي َك ْ ِ م ْ
و ََ
مِبينا ً )(112 وإ ِْثما ً ُ
هَتانا ً َ
بُ ْ
دا ثمومن يعمل خطيئة بغير عمد ,أو يرتكب ذنًبا متعم ً
مل سا بريئة ل جناية لها ,فقد تح ّيقذف بما ارتكبه نف ً
كذًبا وذنًبا بّينا.
َ ت َ
نمأ ْ هل ْمن ْ ُة ِفل ٌ طائ ِ َ مل ْ ه ّه لَ َ مت ُل ُ ح َ وَر ْ ك َ عل َي ْ َ ه َل الل ّ ِ ض ُ ف ْ ول َ ول َ َْ
ء
ي ٍ ن َ َ ُ َ ّ ّ َ ّ
شل ْ مل ْض لّرون َك ِ ما ي َ ُ و َ
م َ ه ْ س ُ ن إ ِل أنف َ ضلو َ ما ي ُ ِو َ ضلوك َ يُ ِ
م عل َ ُ م ت َك ُ ْ
ن تَ ْ ما ل َ ْ ك َ عل ّ َ
م َ و َ ة َ حك ْ َ
م َ وال ْ ِ ب َ ك ال ْك َِتا َ عل َي ْ َه َل الل ّ ُ وَأنَز َ َ
ظيما )(113 ً ع ِ ك َ علي ْ ََ ه َ ّ
ل الل ِ ض ُ ف ْ ن َ كا َ و َ َ
ن عليك -أيها الرسول -ورحمك م ّ
ولول أن الله تعالى قد َ
بنعمة النبوة ,فعصمك بتوفيقه بما أوحى إليك ,لعزمت
ك عن طريق زّلو َ
جماعة من الذين يخونون أنفسهم أن ي ُ ِ
ن بذلك إل أنفسهم ,وما يقدرون على زّلو َ
الحق ,وما ي ُ ِ
إيذائك لعصمة الله لك ,وأنزل الله عليك القرآن والسنة
من قبل,المبينة له ,وهداك إلى علم ما لم تكن تعلمه ِ
ما.ل أمًرا عظي ً صك الله به من فض ٍ وكان ما خ ّ
ق َ َ
وةأ ْ ص لد َ َ ٍم لَر ب ِ َ
نأ َ مل ْ م إ ِل ّ َ
ه ْ وا ُ
جل َ ن نَ ْمل ْ ر ِ ف َللي ك َِثي ل ٍ خي ْ لَر ِل َ
غللاءَ ل ذَل ِل َ
ك اب ْت ِ َ عل ْ ف َن يَ ْمل ْو َس َ ن ال َن ّللا ِح ب َي ْل َ صللل ٍ و إِ ْفأ ْ ع لُرو ٍ م ْ
َ
ظيما ً )(114 ع ِ جرا ً َ هأ ْ ف نُ ْ
ؤِتي ِ و َ س ْ ف َ ه َة الل ّ ِ
ضا ِ مْر َ َ
ل نفع في كثير من كلم الناس سّرا ً فيما بينهم ,إل إذا
كان حديًثا داعًيا إلى بذل المعروف من الصدقة ,أو
الكلمة الطيبة ,أو التوفيق بين الناس ,ومن يفعل تلك
المور طلًبا لرضا الله تعالى راجًيا ثوابه ,فسوف نؤتيه
عا.
ثواًبا جزيل واس ً
177
ع
وي َت ّب ِل ْ
دى َ ه ال ْ ُ
هل َ ن ل َل ُ
ما ت َب َي ّل َ
د َ ع ِن بَ ْم ْل ِ سو َ ق الّر ُق ْشا ِن يُ َ
م ْ
و ََ
تسللاءَ ْ و َ
م َهن ّل َ
ج َ
ه َصل ِ ِون ُ ْ
ولى َ ّ ما ت َ َ ه َ ّ
ول ِ ن نُ َ
مِني َ م ْ
ؤ ِ ْ
ل ال ُسِبي ِغي َْر ََ
صيرا ً )(115 م ِ َ
ومن يخالف الرسول صلى الله عليه وسلم من بعد ما
قا غير طريق المؤمنين ,وما ظهر له الحق ,ويسلك طري ً
جه إليه ,فل نوفقه
هم عليه من الحق ,نتركه وما تو ّ
للخير ,وندخله نار جهنم يقاسي حّرها ,وبئس هذا
المرجع والمآل.
َ
ن
مل ْ ن ذَل ِل َ
ك لِ َ دو َ
مللا ُف لُر َ
غ ِ
وي َ ْه َك ب ِل ِشَر َن يُ ْ فُر أ ْ غ ِه ل يَ ْن الل ّ َ
إِ ّ
عيدا ً )(116 ضلل ً ب َ ِل َ ض ّقد ْ َ ف َ ك ِبالل ّ ِ
ه َ ر ْ
ش ِ ن يُ ْم ْ
و َشاءُ َ يَ َ
إن الله تعالى ل يغفر أن يشرك به ,ويغفر ما دون
الشرك من الذنوب لمن يشاء من عباده .ومن يجعل لله
عدَ عن الحق تعالى الواحد الحد شري ً
كا من خلقه ,فقد ب َ ُ
دا كبيًرا.
بع ً
ريدا ً طانا ً َ
م ِ شي ْ َ
ن إ ِل ّ َ
عو َ
ن ي َدْ ُ ه إ ِل ّ إ َِناثا ً َ
وإ ِ ْ دون ِ ِ
ن ُ
م ْ
ن ِ
عو َ
ن ي َدْ ُ
إِ ْ
)(117
ما يعبد المشركون من دون الله تعالى إل أوثاًنا ل تنفع
دا على الله ,بلغول تضر ,وما يعبدون إل شيطاًنا متمر ً
في الفساد والفساد حدّا ً كبيًرا.
ن ال َن ْ َ
عللام ِ ذا َنآ َفل َي ُب َت ّك ُل ّ
م َ هل ْمَرن ّ ُول ُم َ هل ْ من ّي َن ّ ُ
ول َ م َ ض لل ّن ّ ُ
ه ْ ول ِ َ
نم ْ ً
ول ِي ّا ِن َ َ
شي ْطا َخذْ ال ّ ن ي َت ّ ِم ْ
و َ ه َ ّ
ق الل ِخل َْ ن َ غي ُّر ّ َ
فلي ُ َم َ ه ْ مَرن ّ ُ
ول ُ َ
178
مِبينا ً )(119
سَرانا ً ُ
خ ْ
سَر ُ
خ ِ ف َ
قد ْ َ ن الل ّ ِ
ه َ دو ِ
ُ
عدَّنهم بالماني
من تبعني منهم عن الحق ,ول ِ ن َ ولصر َ
ف ّ
الكاذبة ,ولدعوّنهم إلى تقطيع آذان النعام وتشقيقها
لما أزينه لهم من الباطل ,ولدعوّنهم إلى تغيير خلق
الله في الفطرة ,وهيئة ما عليه الخلق .ومن يستجب
للشيطان ويتخذه ناصًرا له من دون الله القوي العزيز,
فقد هلك هل ً
كا بي ًّنا.
غُرورا ً )(120
ن إ ِل ّ ُ شي ْ َ
طا ُ م ال ّ
ه ْ
عد ُ ُ
ما ي َ ِ
و َ
م َ
ه ْ
مّني ِ
وي ُ َ
م َ
ه ْ
عد ُ ُ
يَ ِ
يعد الشيطان أتباعه بالوعود الكاذبة ,ويغريهم بالماني
عدهم إل خديعة ل صحة لها ,ول الباطلة الخادعة ,وما ي َ ِ
دليل عليها.
سللوءا ً
ل ُمل ْ
ع َ
ن يَ ْ
مل ْ ب َل ال ْك ِت َللا ِ هل ِي أَ ْ
مان ِ ّ
َ
ول أ َ م َ مان ِي ّك ُ ْ
َ
س ب ِأ َ ل َي ْ َ
صيرا ً )(123 ول ن َ ِول ِي ّا ً َه َن الل ّ ِدو ِن ُ م ْ جد ْ ل َ ُ
ه ِ ول ي َ ِ ه َ جَز ب ِ ِ
يُ ْ
179
ل ُينال هذا الفضل العظيم بالماني التي تتمنونها أيها
المسلمون ,ول بأماني أهل الكتاب من اليهود والنصارى,
وإنما ُينال باليمان الصادق بالله تعالى ,وإحسان العمل
الذي يرضيه .ومن يعمل عمل سيًئا يجز به ,ول يجد له
سوى الله تعالى ولي ّا ً يتولى أمره وشأنه ,ول نصيًرا
ينصره ,ويدفع عنه سوء العذاب.
َ َ
ع
وات َّبلل َ
ن َ
س ٌ
ح ِ
م ْ
و ُ ه َ
و ُ
ه َه ل ِل ّ ِه ُ
ج َ و ْم َ سل َ َ
نأ ْ م ْم ّ ن ِدينا ً ِس ُ
ح َ نأ ْ م ْ و ََ
ً
خِليل )(125 م َهي َ ه إ ِب َْرا ِ ّ
خذَ الل ُ وات ّ َ ً
حِنيفا َ م َ هي َة إ ِب َْرا ِ ّ
مل َ ِ
ل أحد أحسن ديًنا ممن انقاد بقلبه وسائر جوارحه لله
تعالى وحده ,وهو محسن ,واتبع دين إبراهيم وشرعه,
مائل عن العقائد الفاسدة والشرائع الباطلة .وقد
اصطفى الله إبراهيم -عليه الصلة والسلم -واتخذه
صفي ّا ً من بين سائر خلقه .وفي هذه الية ,إثبات صفة
خّلة لله -تعالى -وهي أعلى مقامات المحبة,ال ُ
والصطفاء.
َ
ل ن الل ّل ُ
ه ب ِك ُل ّ وك َللا َ
ض َ
فللي الْر ِ
مللا ِ
و َ
ت َ
وا ِ
م َ
س َ
في ال ّ
ما ِ ه َول ِل ّ ِ
َ
ً
حيطا )(126 م ِ
ء ُي ٍش ْ َ
ولله جميع ما في هذا الكون من المخلوقات ,فهي ملك
له تعالى وحده .وكان الله تعالى بكل شيء محي ً
طا ,ل
يخفى عليه شيء من أمور خلقه.
180
ما ي ُت َْلللى و َن َ ه ّ في ِ م ِ فِتيك ُ ْ ه يُ ْ ل الل ّ ُ ق ْ ء ُ سا ِ في الن ّ َ ك ِ فُتون َ َ ست َ ْ وي َ ْ َ
ن
ه ّ ء اللت ِللي ل ت ُ ْ
ؤُتللون َ ُ ّ سللا ِ مى الن ّ َ في ي ََتا َ ب ِ ْ
في الك َِتا ِ م ِ ُ
علي ْك ْ َ َ
َ
نمل ْ ن ِ في َ ع ِ ضل َ ست َ ْ
م ْ وال ْ ُن َ ه ّ حللو ُ ن َتنك ِ ُ نأ ْ غُبو َ وت َْر َ ن َ ه ّ ب لَ ُ ما ك ُت ِ َ َ
َ
ن مل ْ عل ُللوا ِ ف َمللا ت َ ْو َط َ سل ِ ق ْ مى ِبال ْ ِ موا ل ِل ْي َت َللا َ قو ُ ن تَ ُ وأ ْ ن َ دا ِ ول ْ َال ْ ِ
عِليما ً )(127 ه َ ن بِ ِ كا َه َ ن الل ّ َ فإ ِ ّ ر َ خي ْ ٍ َ
يطلب الناس منك -أيها النبي -أن تبين لهم ما أشكل
مه من قضايا النساء وأحكامهن ,قل الله ه ُ عليهم َ
ف ْ
تعالى يبّين لكم أمورهن ,وما يتلى عليكم في الكتاب
في يتامى النساء اللتي ل تعطونهن ما فرض الله تعالى
لهن من المهر والميراث وغير ذلك من الحقوق ,وتحبون
نكاحهن أو ترغبون عن نكاحهن ,ويبّين الله لكم أمر
الضعفاء من الصغار ,ووجوب القيام لليتامى بالعدل
وترك الجور عليهم في حقوقهم .وما تفعلوا من خير
ما ,ل يخفى عليه شيء منه فإن الله تعالى كان به علي ً
ول من غيره.
َ
فلم َ ص لت ُ ْحَر ْو َ ول َ ل ْ
ء َسللا ِن الن ّ َ دُلوا ب َي ْ ل َ
ع ِن تَ ْ
عوا أ ْ طي ُست َ ِن تَ ْول َ َْ
وت َت ّ ُ
قللوا حوا َ ص لل ِ ُن تُ ْ وإ ِ ْ
ة َق ِعل ّ َ
م َكال ْ ُ
ها َ فت َذَُرو َ ل َ ل ال ْ َ
مي ْ ِ ميُلوا ك ُ ّ تَ ِ
حيما ً )(129 فورا ً َر ِ غ ُن َ ه َ
كا َ ن الل ّ َ
فإ ِ ّ َ
181
ولن تقدروا -أيها الرجال -على تحقيق العدل التام بين
النساء في المحبة وميل القلب ,مهما بذلتم في ذلك من
الجهد ,فل تعرضوا عن المرغوب عنها كل العراض,
فتتركوها كالمرأة التي ليست بذات زوج ول هي مطلقة
سمكم بين فتأثموا .وإن تصلحوا أعمالكم فتعدلوا في َ
ق ْ
زوجاتكم ,وتراقبوا الله تعالى وتخشوه فيهن ,فإن الله
ما بهم.
تعالى كان غفوًرا لعباده ,رحي ً
سللعا ً
وا ِ ن الل ّل ُ
ه َ وك َللا َ
ه َ
عت ِ ِ
سل َ
ن َ
مل ْ ن الل ّل ُ
ه ك ُل ّ ِ فّر َ
ن ي َت َ َ
غ ِ
قا ي ُ ْ وإ ِ ْ
َ
كيما )(130 ً ح ِ َ
وإن وقعت الفرقة بين الرجل وامرأته ,فإن الله تعالى
يغني كل منهما من فضله وسعته; فإنه سبحانه وتعالى
واسع الفضل والمنة ,حكيم فيما يقضي به بين عباده.
كيل ً
و ِ فى ب ِللالل ّ ِ
وك َ َ َ ول ِل ّ ِ
ه َ ض َ
في الْر ِ
ما ِ
و َ
ت َ
وا ِ
م َ
س َ
في ال ّ
ما ِ
ه َ َ
)(132
182
ولله ملك ما في هذا الكون من الكائنات ,وكفى به
ما بشؤون خلقه حاف ً
ظا لها. سبحانه قائ ً
ة
خ لَر ِ
وال ِ
ب ال لدّن َْيا َ
وا ُ عن ْدَ الل ّ ِ
ه ثَ َ ب الدّن َْيا َ
ف ِ وا َ ريدُ ث َ َ
ن يُ ِ ن َ
كا َ م ْ َ
صيرا )(134 ً ً
ميعا ب َ ِ س ِ
ه َ ّ
ن الل ُ كا َو َ َ
من يرغب منكم -أيها الناس -في ثواب الدنيا ويعرض
عن الخرة ,فعند الله وحده ثواب الدنيا والخرة,
فليطلب من الله وحده خيري الدنيا والخرة ,فهو الذي
عا لقوال عباده ,بصيًرا
يملكهما .وكان الله سمي ً
بأعمالهم ونياتهم ,وسيجازيهم على ذلك.
َ
داءَ ل ِل ّ ل ِ
ه ه َ شل َ ط ُ سل ِ ق ْ ن ِبال ْ ِ مي َ وا ِ قل ّ كوُنوا َ مُنوا ُ نآ َ ذي َ ها ال ّ ِ َيا أي ّ َ
َ وال َ ْ فسك ُم أ َ عَلى َ
وغن ِّيللا ً أ ْ ن َ ن ي َك ُ ْ ن إِ ْقَرِبي َ ن َ ِ ْ ي َ دِ ل واَ و ال ْ ْ ْ ِ ُ أن و َ ول َ ْ َ
ن ُ َ ْ ما َ َ َ ّ ً
قيرا َ َ
وإ ِ ْ
دلوا َ عل ِن تَ ْ وى أ ْ هل َ عللوا ال َ فل ت َت ّب ِ ُ ه َ ولى ب ِ ِ هأ ْ فالل ُ ف ِ
خِبيرا ً )(135 َ
ن َ مُلو َ ع َ ما ت َ ْ ن بِ َ كا َ ه َ ن الل ّ َ فإ ِ ّ ضوا َ ر ُ ع ِ و تُ ْ ووا أ ْ ت َل ْ ُ
دقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه ,كونوا يا أيها الذين ص ّ
قائمين بالعدل ,مؤدين للشهادة لوجه الله تعالى ,ولو
كانت على أنفسكم ,أو على آبائكم وأمهاتكم ,أو على
أقاربكم ,مهما كان شأن المشهود عليه غنّيا أو فقيًرا;
فإن الله تعالى أولى بهما منكم ,وأعلم بما فيه
صلحهما ,فل يحملّنكم الهوى والتعصب على ترك العدل,
وإن تحرفوا الشهادة بألسنتكم فتأتوا بها على غير
حقيقتها ,أو تعرضوا عنها بترك أدائها أو بكتمانها ,فإن
ما بدقائق أعمالكم ,وسيجازيكم بها. الله تعالى كان علي ً
183
َ
ذي ب ال ّ ل ِ وال ْك ِت َللا ِه َ سللول ِ ِوَر ُه َ من ُللوا ب ِللالل ّ ِ مُنوا آ ِ نآ َ ذي َ ها ال ّ ِ َيا أي ّ َ
فللْر ن ي َك ْ ُم ْو َ
ل َ ن َ
قب ْ ُ م ْل ِذي َأنَز َ ب ال ّ ِ وال ْك َِتا ِ ه َ سول ِ ِ عَلى َر ُ ل َ ن َّز َ
ر
خل ِ وم ِ ال ِ وال َْيلل ْر َ خل ِ وم ِ ال ِ وال ْي َ ْه َ سل ِ ِ
وُر ُ ه َ وك ُت ُب ِ ِ ه َ ملئ ِك َت ِ ِ و َه َ ِبالل ّ ِ
عيدا ً )(136 ضلل ً ب َ ِ ل َ ض ّقد ْ َ ف َ
َ
دوا
دا ُ
م اْز َ م كَ َ
ف لُروا ث ُل ّ مُنوا ث ُ ّ مآ َفُروا ث ُ ّ م كَ َ مُنوا ث ُ ّنآ َ ذي َن ال ّ ِإِ ّ
سِبيل ً )(137 م َ ه ْ
دي َ ُه ِول ل ِي َ ْم َه ْ فَر ل َ ُ
غ ِه ل ِي َ ْن الل ّ ُ فرا ً ل َ ْ
م ي َك ُ ْ كُ ْ
َ
ن
مِني َ
ؤ ِ ن ال ْ ُ
ملل ْ دو ِ
ن ُ
ملل ْول َِيللاءَ ِ نأ ْ ري َف ِ ن ال ْ َ
كللا ِ ذو َخلل ُ ن ي َت ّ ِ اّللل ِ
ذي َ
ميعا ً )(139 ج ِ
ه َ عّزةَ ل ِل ّ ِ ن ال ْ ِفإ ِ ّعّزةَ َ م ال ْ ِ
ه ْ عن ْدَ ُن ِ غو َ أ َي َب ْت َ ُ
الذين يوالون الكافرين ,ويتخذونهم أعواًنا لهم ,ويتركون
ولية المؤمنين ,ول يرغبون في مودتهم .أيطلبون بذلك
184
النصرة والمنعة عند الكافرين؟ إنهم ل يملكون ذلك,
فالنصرة والعزة والقوة جميعها لله تعالى وحده.
َ
فُر ت الل ّ ِ
ه ي ُك ْ َ م آَيا ِ عت ُ ْ
م ْ س ِ ذا َ ن إِ َ
بأ ْ في ال ْك َِتا ِ م ِ عل َي ْك ُ ْل َ قدْ ن َّز َ و َ َ
فللي ضللوا ِ خو ُ حت ّللى ي َ ُ فل ت َ ْ هللا َ ُ
م َ هل ْ
ع ُ م َ
دوا َ عل ُ ق ُ هَزأ ب ِ َ ست َ ْوي ُ ْها َ بِ َ
نقي َ ف ِمن َللا ِع ال ْ ُم ُ جللا ِه َ ن الل ّل َم إِ ّ هل ْمث ْل ُ ُم ِإذا ً ِ ه إ ِن ّك ُل ْر ِ غي ْل ِث َ دي ٍ حل ِ َ
ميعا ً )(140 ج ِ م َ هن ّ َج َفي َ ن ِ ري َ ف ِ
كا ِوال ْ َ َ
وقد نزل عليكم -أيها المؤمنون -في كتاب ربكم أنه إذا
سمعتم الكفر بآيات الله والستهزاء بها فل تجلسوا مع
الكافرين والمستهزئين ,إل إذا أخذوا في حديث غير
حديث الكفر والستهزاء بآيات الله .إنكم إذا
جالستموهم ,وهم على ما هم عليه ,فأنتم مثلهم; لنكم
رضيتم بكفرهم واستهزائهم ,والراضي بالمعصية
كالفاعل لها .إن الله تعالى جامع المنافقين والكافرين
قون فيها سوء العذاب. عا ,يل ْ َ
في نار جهنم جمي ً
َ
مقاُلوا أل َ ْ ه َ ن الل ّ ِ م ْ ح ِ فت ْ ٌم َن ل َك ُ ْكا َ ن َ فإ ِ ْ م َ ن ب ِك ُ ْ صو َ ن ي َت ََرب ّ ُ ذي َ ال ّ ِ
َ
و ْ
ذ ح ِ س لت َ ْ
م نَ ْ قللاُلوا أل َ ل ْ ب َ صي ٌ ن نَ ِ ري َ ف ِ
كا ِ ن ل ِل ْ َكا َ ن َ وإ ِ ْم َ عك ُ ْم َ ن َ ن َك ُ ْ
م و َم َيل ْ م ب َي ْن َ ُ
كل ْ كل ُ ح ُ ه يَ ْفلالل ّ ُن َ مِني َ ؤ ِمل ْ ن ال ْ ُ مل ْ م ِ كل ْع ُ من َ ْون َ ْ
م َ عل َي ْك ُ َْ
سللِبيل ً ) ن َ مِني َ م ْ
ؤ ِ عَلى ال ْ ُ ن َ ري َف ِكا ِه ل ِل ْ َ ل الل ّ ُ ع َ ج َ ن يَ ْ ول َ ْة َ م ِ قَيا َ ال ْ ِ
(141
المنافقون هم الذين ينتظرون ما يح ّ
ل بكم -أيها
ن الله عليكم
المؤمنون -من الفتن والحرب ,فإن م ّ
بفضله ,ونصركم على عدوكم وغنمتم ,قالوا لكم :ألم
نكن معكم نؤازركم؟ وإن كان للجاحدين لهذا الدين َ
قدٌْر
دمناه من النصر والغنيمة ,قالوا لهم :ألم نساعدكم بما ق ّ
كم من المؤمنين؟ فالله تعالى يقضي بينكم م ُ
ح ِ
لكم ون َ ْ
قاوبينهم يوم القيامة ,ولن يجعل الله للكافرين طري ً
للغلبة على عباده الصالحين ,فالعاقبة للمتقين في
الدنيا والخرة.
185
موا قللا ُذا َ
وإ ِ َ
م َ ه ْ
ع ُخللاِد ُ
و َ
هل َ
و ُه َن الل ّل َ
عو َ
خللاِد ُ
ن يُ َقي َف ِ ن ال ْ ُ
مَنا ِ إِ ّ
ن الل ّ َ
ه ول ي َذْك ُُرو َ س َ ن الّنا َءو َساَلى ي َُرا ُموا ك ُ َ قا ُة َصل ِ إ َِلى ال ّ
قِليل ً )(142 إ ِل ّ َ
ضل ِ ْ
ل ن يُ ْ
م ْ
و َ
ء َ
ؤل ِ ول إ َِلى َ
ه ُ ء َ
ؤل ِ ك ل إ َِلى َ
ه ُ ن ذَل ِ َ مذَب ْذَِبي َ
ن ب َي ْ َ ُ
سِبيل ً )(143ه َ َ
جد َ ل ُ
ن تَ ِ َ
فل ْه َ ّ
الل ُ
حْيرة
من شأن هؤلء المنافقين التردد وال َ ن ِ
إ ّ
والضطراب ,ل يستقرون على حال ,فل هم مع
المؤمنين ول هم مع الكافرين .ومن يصرف الله قلبه
عن اليمان به والستمساك بهديه ,فلن تجد له طري ً
قا
إلى الهداية واليقين.
َ
م جد َ ل َ ُ
ه ْ ول َ ْ
ن تَ ِ ر َ
ن الّنا ِ
م ْ
ل ِ س َ
ف ِ ك ال ْ
في الدّْر ِ
ن ِ
قي َ
ف ِ ن ال ْ ُ
مَنا ِ إِ ّ
صيرا ً )(145 نَ ِ
186
إن المنافقين في أسفل منازل النار يوم القيامة ,ولن
تجد لهم -أيها الرسول -ناصًرا يدفع عنهم سوء هذا
المصير.
ن الل ّل ُ
ه وك َللا َ
م َ
من ْت ُل ْ
وآ َ شلك َْرت ُ ْ
م َ ن َ ذاب ِك ُ ْ
م إِ ْ عل َ ل الل ّل ُ
ه بِ َ عل ُ مللا ي َ ْ
ف َ َ
عِليما ً )(147 كرا ً َ شا ِ َ
ما يفعل الله بعذابكم إن أصلحتم العمل وآمنتم بالله
من سواه ,وإنما يعذبورسوله ,فإن الله سبحانه غني ع ّ
العباد بذنوبهم .وكان الله شاكًرا لعباده على طاعتهم له,
ما بكل شيء. علي ً
ميعا ً
سه ِ ن الل ّ ُ
ه َ كا َ ن ظ ُل ِ َ
م وَ َ م ْ ن ال َْقوْ ِ
ل إ ِل ّ َ م ْ
سوءِ ِ ه ال ْ َ
جهَْر ِبال ّ ب الل ّ ُ
ح ّ
ل يُ ِ
عَِليما ً )(148
ب الله أن َيجهر أحد ٌ بقول السوء ,لكن ُيباح للمظلوم أن َيذ ُ
كر ح ّ
ل يُ ِ
م ْ
ظلمته .وكان الله سميًعا لما ظالمه بما فيه من السوء; ليبّين َ
ما بما تخفون من ذلك. تجهرون به ,علي ً
187
ن عَُف هوّا ً َ خْيرا ً أ َوْ ت ُ ْ
ن الل ّه َ
ه ك َهها َ سههوءٍ فَهإ ِ ّ
ن ُ
خُفوهُ أوْ ت َعُْفههوا عَه ْ دوا َ
ن ت ُب ْ ُ
إِ ْ
ديرا ً )(149 قَ ِ
ما أن ُيظهر
ن المؤمن :إ ّ
دب الله تعالى إلى العفو ,ومّهد له بأ ّنَ َ
ما أن ُيخفيه ,وكذلك مع الساءة :إما أن يظهرها في حال الخير ,وإ ّ
النتصاف من المسيء ,وإما أن يعفو ويصفح ,والعفوُ أفض ُ
ل; فإن
من صفاته تعالى العفو عن عباده مع قدرته عليهم.
مِهينا ً )(151
ذابا ً ُ
ن عَ َ
ري َ حّقا ً وَأ َعْت َد َْنا ل ِل ْ َ
كافِ ِ ن َ م ال ْ َ
كافُِرو َ أ ُوْل َئ ِ َ
ك هُ ْ
أولئك هم أهل الكفر المحّقق الذي ل شك فيه ,وأعتدنا للكافرين
عذاًبا يخزيهم ويهينهم.
ف
س هو ْ َ م أ ُوْل َئ ِ َ
ك َ من ْهُه ْ
حهدٍ ِ
وال ّذين آمنوا بالل ّه ورسل ِه ول َم يَفرُقوا بي َ
نأ ََْ َ َ ِ َ َ ُ ِ ِ َُ ُ ِ َ ْ ُ ّ
حيما ً )(152
ه غَُفورا ً َر ِ يؤِْتيه ُ
ن الل ّ ُ م وَ َ
كا َ جوَرهُ ْ
مأ ُُ ِ ْ
وة رسله أجمعين ,ولم دقوا بوحدانية الله ,وأقّروا بنب ّ
ص ّ
والذين َ
يفرقوا بين أحد منهم ,وعملوا بشريعة الله ,أولئك سوف يعطيهم
ما.
جزاءهم وثوابهم على إيمانهم به وبرسله .وكان الله غفوًرا رحي ً
س هأ َُلوا
ماِء فََق هد ْ َ سه َن ال ّْ مهم ك َِتاب ها ً ِ
ل عَل َي ْهِ ْ
ن ت ُن َّز َ َ
بأ ْ ِ ك أ َهْ ُ
ل ال ْك َِتا سأ َل ُ َيَ ْ
َ َ َ
ة
عَق ُ صهها ِ
م ال ّ جهْ هَرةً فَأ َ
خ هذ َت ْهُ ْ ه َ ك فََقههاُلوا أرِن َهها الل ّه َ ن ذ َل ِه َ مه ْ سى أك ْب ََر ِ مو َ ُ
188
ن م ال ْب َي ّن َهها ُ
ت فَعََفوْن َهها عَه ْ جههاَءت ْهُ ْ
مهها َ
ن ب َعْدِ َ
م ْل ِ ج َذوا ال ْعِ ْ
خ ُ م ثُ ّ
م ات ّ َ مه ِ ْ ب ِظ ُل ْ ِ
مِبينا ً )(153 طانا ً ُ
سل ْ َ سى ُ مو َ ك َوآت َي َْنا ُ ذ َل ِ َ
يسألك اليهود -أيها الرسول -معجزة مثل معجزة موسى تشهد لك
ة ,مثل مجيء حًفا من الله مكتوب ً
ص ُ
بالصدق :بأن تنزل عليهم ُ
موسى باللواح من عند الله ,فل تعجب -أيها الرسول -فقد سأل
أسلفهم موسى -عليه السلم -ما هو أعظم :سألوه أن يريهم الله
صِعقوا بسبب ظلمهم أنفسهم حين سألوا أمًرا ليس من ة ,فَ ُ
علني ً
حّقهم .وبعد أن أحياهم الله بعد الصعق ,وشاهدوا اليات البينات
على يد موسى القاطعة بنفي الشرك ,عبدوا العجل من دون الله,
فَعفونا عن عبادتهم العجل بسبب توبتهم ,وآتينا موسى حجة
صدق ن ُب ُوِّته.
عظيمة تؤّيد ِ
ق
حه ّ م ال َن ْب ِي َههاَء ب ِغَي ْهرِ َ
ت الل ّهِ وَقَت ْل ِهِ ْ
م ِبآَيا ِ م وَك ُْفرِهِ ْميَثاقَهُ ْ
م ِ ضه ِ ْ
ما ن َْق ِفَب ِ َ
ن إ ِل ّ قَِليل ً م َفل ي ُؤْ ِ
من ُههو َ ه عَل َي َْها ب ِك ُْفرِهِ ْ
ل ط َب َعَ الل ّ ُ م قُُلوب َُنا غُل ْ ٌ
ف بَ ْ وَقَوْل ِهِ ْ
)(155
فلعّناهم بسبب نقضهم للعهود ,وكفرهم بآيات الله الدالة على
ما واعتداًء ,وقولهم :قلوبنا عليها
صدق رسله ,وقتلهم للنبياء ظل ً
أغطية فل تفقه ما تقول ,بل طمس الله عليها بسبب كفرهم ,فل
يؤمنون إل إيماًنا قليل ل ينفعهم.
ظيما ً )(156
م ب ُهَْتانا ً عَ ِ م عََلى َ
مْري َ َ وَب ِك ُْفرِهِ ْ
م وَقَوْل ِهِ ْ
189
وكذلك لعّناهم بسبب كفرهم وافترائهم على مريم بما نسبوه إليها
من الزنى ,وهي بريئة منه.
وإن م َ
ن م ال ِْقَيا َ
م هةِ ي َك ُههو ُ م هوْت ِهِ وَي َهوْ َ ن ب ِهِ قَب ْ َ
ل َ ب إ ِل ّ ل َي ُؤْ ِ
من َ ّ ل ال ْك َِتا ِ
ن أهْ ِ
َِ ْ ِ ْ
شِهيدا )(159 ً عَل َي ْهِ ْ
م َ
وإنه ل يبقى أحد ٌ من أهل الكتاب بعد نزول عيسى آخر الزمان إل
آمن به قبل موته عليه السلم ,ويوم القيامة يكون عيسى -عليه
دقه.
من ص ّ من ك ّ
ذبه ,وتصديق َ دا بتكذيب َ
السلم -شهي ً
م
صهد ّهِ ْ ت ل َهُه ْ
م وَب ِ َ ت أُ ِ
حل ّه ْ م ط َي ّب َهها ٍ
مَنا عَل َي ْهِ ْ
حّر ْ
دوا َ
ها ُ
ن َ
ذي َ ن ال ّ ِ
م ْفَب ِظ ُل ْم ٍ ِ
ل الل ّهِ ك َِثيرا ً )(160
سِبي ِن َ عَ ْ
حّرم الله
فبسبب ظلم اليهود بما ارتكبوه من الذنوب العظيمة َ
دهم أنفسهم عليهم طيبات من المأكل كانت حلل لهم ,وبسبب ص ّ
وغيرهم عن دين الله القويم.
190
ل وَأ َعْت َهد َْنا
س ِبال َْباط ِه ِ وا َ
ل الن ّهها ِ م َ
خذهم الربا وقَد نهوا عَنه وأ َك ْل ِه َ
مأ ِْ ْ ْ ُ َ وَأ ْ ِ ِ ْ ّ َ َ ْ ُ ُ
َ
ذابا ً أ َِليما ً )(161
م عَ َ
من ْهُ ْ
ن ِ
ري َ ل ِل ْ َ
كافِ ِ
وبسبب تناولهم الربا الذي نهوا عنه ,واستحللهم أموال الناس بغير
من هؤلء اليهود عذاًبا
استحقاق ,وأعتدنا للكافرين بالله ورسوله ِ
موجًعا في الخرة.
م عَل َي ْه َ
ك ص هه ُ ْ
ص ْ سهل ً ل َه ْ
م ن َْق ُ ن قَب ْه ُ
ل وَُر ُ مه ْ م عَل َي ْه َ
ك ِ صَناهُ ْ
ص ْسل ً قَد ْ قَ َ وَُر ُ
سى ت َك ِْليما ً )(164 مو َ ه ُ م الل ّ ُوَك َل ّ َ
وأرسلنا رسل قد قصصناهم عليك في القرآن من قبل هذه الية,
ما؛
ورسل لم نقصصهم عليك لحكمة أردناها .وكلم الله موسى تكلي ً
تشريًفا له بهذه الصفة .وفي هذه الية الكريمة ,إثبات صفة الكلم
191
لله -تعالى -كما يليق بجلله ,وأنه سبحانه كلم نبيه موسى -عليه
السلم -حقيقة بل وساطة.
ة ب َعْهد َ
جه ٌ س عَل َههى الل ّههِ ُ
ح ّ ن ِللن ّهها ِن ل َل ّ ي َك ُههو َمن هذِِري َ
ن وَ ُري َ شه ِ س هل ً ُ
مب َ ّ ُر ُ
كيما ً )(165 ح ِزيزا ً َ
ه عَ ِن الل ّ ُ ل وَ َ
كا َ س ِ
الّر ُ
شرين بثوابي ,ومنذرين بعقابي; لئل خْلقي ُ
مب ّ ت رسل إلى َ سل ْ ُ
أر َ
يكون للبشر حجة يعتذرون بها بعد إرسال الرسل .وكان الله عزيًزا
ما في تدبيره.
في ملكه ,حكي ً
ل إل َيه َ َ َ
ن
دو َ ة يَ ْ
ش هه َ ُ مههِ َوال ْ َ
ملئ ِك َه ُ ه ب ِعِل ْ ِ
ك أنَزل َه ُ مهها أنهَز َ ِ ْ ن الل ّ ُ
ه يَ ْ
شههَد ُ ب ِ َ ل َك ِ ْ
شِهيدا ً )(166 وَك ََفى ِبالل ّهِ َ
إن يكفر بك اليهود وغيرهم -أيها الرسول -فالله يشهد لك بأنك
رسوله الذي أ َن َْز َ
ل عليه القرآن العظيم ,أنزله بعلمه ,وكذلك
الملئكة يشهدون بصدق ما أوحي إليك ,وشهادة الله وحدها كافية.
ريق ها ً
م طَ ِ ه ل ِي َغِْفَر ل َهُ ْ
م َول ل ِي َهْدِي َهُ ْ ن الل ّ ُ موا ل َ ْ
م ي َك ُ ْ ن ك ََفُروا وَظ َل َ ُ ن ال ّ ِ
ذي َ إِ ّ
)(168
إن الذين كفروا بالله وبرسوله ,وظلموا باستمرارهم على الكفر,
لم يكن الله ليغفر ذنوبهم ,ول ليدلهم على طريق ينجيهم.
سيرا ً )(169
ك عََلى الل ّهِ ي َ ِ
ن ذ َل ِ َ ن ِفيَها أ ََبدا ً وَ َ
كا َ دي َ
خال ِ ِ
م َ
جهَن ّ َ إ ِل ّ ط َ ِ
ريقَ َ
دا ,وكان ذلك على الله يسيًرا ,فل
إل طريق جهنم ماكثين فيها أب ً
يعجزه شيء.
192
خْيرا ً ل َ ُ َ
م كهه ْ مُنوا َ م َفآ ِ ن َرب ّك ُ ْم ْ
حقّ ِل ِبال ْ َسو ُ
م الّر ُجاَءك ُ ْ
س قَد ْ َ َيا أي َّها الّنا ُ
ه عَِليمها ً َ
ن الل ّه ُ
ض وَك َهها َت َوالْر ِ وا ِم َسه َ ن ل ِل ّههِ َ
مهها فِههي ال ّ ن ت َك ُْفُروا فَإ ِ ّ وَإ ِ ْ
كيما ً )(170 ح ِ َ
يا أيها الناس قد جاءكم رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم
دقوه واتبعوه ,فإن اليمان به ص ّبالسلم دين الحق من ربكم ,فَ َ
خيرلكم ,وإن ُتصّروا على كفركم فإن الله غني عنكم وعن إيمانكم;
ما بأقوالكملنه مالك ما في السموات والرض .وكان الله علي ً
ما في تشريعه وأمره .فإذا كانت السموات والرض وأفعالكم ,حكي ً
قد خضعتا لله تعالى كوًنا وقدًرا خضوع سائر ملكه ,فأولى بكم أن
تؤمنوا بالله وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم ,وبالقرآن الذي
عا حتى يكون الكون كّله خاضًعا أنزله عليه ,وأن تنقادوا لذلك شر ً
عا .وفي الية دليل على عموم رسالة نبي الله لله قدًرا وشر ً
ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
مهها حقّ إ ِن ّ َ م َول ت َُقوُلوا عََلى الل ّهِ إ ِل ّ ال ْ َ ب ل ت َغُْلوا ِفي ِدين ِك ُ ْ ل ال ْك َِتا ِ َيا أ َهْ َ
ح م وَُرو ٌ مْري َ َ ها إ َِلى َ ه أ َل َْقا َ ل الل ّهِ وَك َل ِ َ
مت ُ ُ سو ُ م َر ُ مْري َ َن َ سى اب ْ ُ عي َ ح ِ سي ُم ِ ال ْ َ
ه إ ِل َ ٌ
ه ما الل ّ ُ خْيرا ً ل َك ُ ْ
م إ ِن ّ َ ة انت َُهوا َ سل ِهِ َول ت َُقوُلوا َثلث َ ٌ مُنوا ِبالل ّهِ وَُر ُ ه َفآ ِ من ْ ُِ
َ َ
ضمهها فِههي الْر ِ ت وَ َ وا ِم َ سه َما ِفي ال ّ ه َ ه وَل َد ٌ ل َ ُ
ن لَ ُ كو َ ن يَ ُ هأ ْ حان َ ُ
سب ْ َحد ٌ ُ َوا ِ
كيل ً )(171 وَك ََفى ِبالل ّهِ وَ ِ
يا أهل النجيل ل تتجاوزوا العتقاد الحق في دينكم ,ول تقولوا على
دا .إنما المسيح عيسى ة ول ول ً الله إل الحق ,فل تجعلوا له صاحب ً
خل ََقه بالكلمة التي أرسل
ابن مريم رسول الله أرسله الله بالحق ,و َ
بها جبريل إلى مريم ,وهي قوله" :كن" ,فكان ,وهي نفخة من الله
دقوا بأن الله واحد وأسلموا له, تعالى نفخها جبريل بأمر ربهَ ,فص ّ
دقوا رسله فيما جاؤوكم به من عند الله واعملوا به ,ول تجعلوا وص ّ
عيسى وأمه مع الله شريكين .انتهوا عن هذه المقالة خيًرا لكم مما
أنتم عليه ,إنما الله إله واحد سبحانه .ما في السموات والرض
كه ,فكيف يكون له منهم صاحبة أو ولد؟ وكفى بالله وكيل على مل ْ ُ
ُ
ّ
تدبير خلقه وتصريف معاشهم ,فتوكلوا عليه وحده فهو كافيكم.
ف ال ْمسي َ
ن
م ْ
ن وَ َ ة ال ْ ُ
مَقّرُبو َ ن عَْبدا ً ل ِل ّهِ َول ال ْ َ
ملئ ِك َ ُ ن يَ ُ
كو َ حأ َْ ِ ُ سَتنك ِ َ لَ ْ
ن يَ ْ
193
ميعا ً )(172 م إ ِل َي ْهِ َ
ج ِ ح ُ
شُرهُ ْ ست َك ْب ِْر فَ َ
سي َ ْ عَباد َت ِهِ وَي َ ْ
ن ِ
ف عَ ْ سَتنك ِ ْ
يَ ْ
ف ْ
دا لله ,وكذلك لن يأن َ َ لن ي َأنف ولن يمتنع المسيح أن يكون عب ً
مَقّربون من القرار بالعبودية لله تعالى .ومن يأنف عن الملئكة ال ُ
النقياد والخضوع ويستكبر فسيحشرهم كلهم إليه يوم القيامة,
ل بينهم بحكمه العادل ,ويجازي كل بما يستحق. ويفص ُ
َ
ه
من ْه ُ
م هة ٍ ِ
ح َ خل ُهُ ْ
م فِههي َر ْ موا ب ِههِ فَ َ
سهي ُد ْ ِ مُنوا ب ِههالل ّهِ َواعْت َ َ
صه ُ نآ َ ذي َ ما ال ّ ِ
فَأ ّ
ست َِقيما ً )(175 م ْصَراطا ً ُ م إ ِل َي ْهِ ِ
ديهِ ْ
ل وَي َهْ ِ وَفَ ْ
ض ٍ
دا وقول وعمل واستمسكوا بالنور
دقوا بالله اعتقا ً
ما الذين ص ّ
فأ ّ
ُ
الذي أنزل إليهم ,فسيدخلهم الجنة رحمة منه وفضل ويوفقهم إلى
سلوك الطريق المستقيم المفضي إلى روضات الجنات.
ه وَل َهد ٌ
س ل َه ُ
ك ل َي ْه َ
مهُرؤٌ هَل َه َ كلل َةِ إ ِ ْ
نا ْ م ِفي ال ْ َ ل الل ّ ُ
ه ي ُْفِتيك ُ ْ ست َْفُتون َ َ
ك قُ ْ يَ ْ
194
ن َ
كان َت َهها ن ل ََها وَل َد ٌ فَإ ِ ْم ي َك ُ ْ ن لَ ْ ك وَهُوَ ي َرِث َُها إ ِ ْ ما ت ََر َف َ ص ُ ت فَل ََها ن ِ ْ خ ٌه أُ ْ وَل َ ُ
سههاًء فَِللهذ ّك َ ِ
ر جههال ً وَن ِ َ خهوَةً رِ َ كاُنوا إ ِ ْ ن َ ك وَإ ِ ْ ما ت ََر َ م ّن ِ ما الث ّل َُثا ِ ن فَل َهُ َِ اث ْن َت َي ْ
َ ل َ ّ ُ
م) يءٍ عَِلي ه ٌ شه ْ ل َ ه ب ِك ُه ّ ضّلوا َوالل ّ ُ ن تَ ِ مأ ْ ه ل َك ُ ْ
ن الل ّ ُن ي ُب َي ّ ُحظ النث َي َي ْ ِ مث ْ ُ ِ
(176
يسألونك -أيها الرسول -عن حكههم ميههراث الكللههة ,وهههو مههن مههات
وليس له ولد ٌ ول والد ,قههل :اللههه ي ُههبّين لكههم الحكههم فيههها :إن مههات
امرؤ ليس له ولد ول والد ,وله أخت لبيه وأمه ,أو لبيه فقط ,فلههها
نصف تركته ,ويرث أخوها شقيًقا كان أو لب جميع مالههها إذا مههاتت
ة أختههان فلهمهها
وليس لها ولههد ول والههد .فههإن كههان لمههن مههات كلله ً
الثلثان مما ترك .وإذا اجتمع الذكور من الخوة لغيههر أم مههع النههاث
فللههذكر مثههل نصههيب النههثيين مههن أخههواته .ي ُههبّين اللههه لكههم قسههمة
المواريث وحكم الكللة ,لئل تضلوا عن الح هقّ فههي أمههر المههواريث.
والله عالم بعواقب المور ,وما فيها من الخير لعباده.
– 5سورة المائدة
َ
م َول ال َْهههد ْ َ
ي حَرا َ شهَْر ال ْ َشَعائ َِر الل ّهِ َول ال ّ حّلوا َ مُنوا ل ت ُ ِ نآ َ َيا أي َّها ال ّ ِ
ذي َ
وانا ً
ضه َ
م وَرِ ْن َرب ّهِه ْمه ْ ضهل ً ِن فَ ْم ي َب ْت َُغو َ
حَرا َت ال ْ َ
ن ال ْب َي ْ َ َول ال َْقلئ ِد َ َول آ ّ
مي َ
195
َ صه َ
ن
م عَ ه ْ دوك ُ ْصه ّ
ن َ ن قَ هوْم ٍ أ ْ م َ
ش هَنآ ُ من ّك ُه ْ
جرِ َ دوا َول ي َ ْ طا ُ م َفا ْ حل َل ْت ُه ْ وَإ ِ َ
ذا َ
َ
وى َول ت َعَههاوَُنوادوا وَت َعَههاوَُنوا عَل َههى ال ْب ِهّر َوالت ّْقه َ ن ت َعْت َ ُ حَرام ِ أ ْ جدِ ال ْ َ س ِ
م ْال ْ َ
ب )(2 ديد ُ ال ْعَِقا ِ ه َ
ش ِ ن الل ّ َ ه إِ ّ ن َوات ُّقوا الل ّ َ عََلى ال ِث ْم ِ َوال ْعُد َْوا ِ
دوا حههدوددقوا الله ورسههوله وعملههوا بشههرعه ل تتع ه ّ يا أيها الذين ص ّ
حّلوا القتهال فهي الشههر الحهرم ,وههي :ذو اللهه ومعهالمه ,ول تسهت ِ
القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب ,وكان ذلك فههي صههدر السههلم,
دي ,ول ما قُل ّد َ منه; إذ كههانوا يضههعون القلئد, حّلوا حرمة الهَ ْ
ول تست ِ
ة علهى أن البهيمهة وهي ضفائر من صوف أو وََبر في الرقههاب علمه ً
حّلوا قتال قاصدي البيت الحرام ست َ ِ
هَد ْيٌ وأن الرجل يريد الحج ,ول ت َ ْ
الذين يبتغون من فضل الله ما يصلح معايشهم ويرضههي ربهههم .وإذا
مل َّنكهم ب ُْغهض قهوم مهنل لكهم الصهيد ,ول يح ِ حللتم من إحرامكم ح ّ
أجل أن منعوكم من الوصول إلى المسجد الحرام -كما حههدث عههام
"الحديبية" -على ترك العدل فيهههم .وتعههاونوا -أيههها المؤمنههون فيمهها
بينكم -على فِْعل الخير ,وتقوى اللهه ,ول تعههاونوا علهى مها فيهه إثههم
ومعصية وتجاوز لحدود الله ,واحذروا مخالفة أمههر اللههه فههإنه شههديد
العقاب.
ل ل ِغَي ْهرِ الل ّههِ ب ِههِ مهها أ ُهِه ّ زيهرِ وَ َ ِ خنم ال ْ ِح ُ م وَل َ ْ ة َوالد ّ ُ م ال ْ َ
مي ْت َ ُ ت عَل َي ْك ُ ْ م ْ حّر َ ُ
َ
مههاسهب ُعُ إ ِل ّ َ ل ال ّ مهها أك َه َ ة وَ َ حه ُطي َ ة َوالن ّ ِ مت ََرد ّي َه ُ موُْقوذ َةُ َوال ْ ُ ة َوال ْ َ خن َِق ُ
من ْ ََوال ْ ُ
موا ب ِههال َْزلم ِ ذ َل ِ ُ َ
ق
سه ٌ م فِ ْ كه ْ سه ُ ست َْق ِ ن تَ ْ ب وَأ ْ صه ِ ح عََلهى الن ّ ُ ما ذ ُب ِ َ م وَ َ ذ َك ّي ْت ُ ْ
شهوِْني ال ْي َهوْ َ
م خ َ م َوا ْ شهوْهُ ْ خ َ م َفل ت َ ْ ن ِدين ِك ُه ْ مه ْ ن ك ََفُروا ِ ذي َ س ال ّ ِ م ي َئ ِ َ ال ْي َوْ َ
م ِدينهها ً َ َ
سل َ م ال ِ ْ ت ل َك ُ ْ ضي ُ مِتي وََر ِ م ن ِعْ َ ت عَل َي ْك ُ ْ م ُ م ْم وَأت ْ َ م ِدين َك ُ ْ ت ل َك ُ ْ مل ْ ُ أك ْ َ
م )(3 حي ٌه غَُفوٌر َر ِ ن الل ّ َ ف ل ِث ْم ٍ فَإ ِ ّ جان ِ ٍ مت َ َ صةٍ غَي َْر ُ م َ خ َ م ْ ضط ُّر ِفي َ نا ْ م ْ فَ َ
حّرم الله عليكم الميتة ,وهي الحيوان الذي تفارقه الحياة بدون
مراق ,ولحم الخنزير ,وما ذ ُ ِ
كر ذكاة ,وحّرم عليكم الدم السائل ال ُ
سها حتى حِبس ن ََف ُ عليه غير اسم الله عند الذبح ,والمنخنقة التي ُ
ضربت بعصا أو حجر حتى ماتت, ماتت ,والموقوذة وهي التي ُ
وت في بئر دية وهي التي سقطت من مكان عال أو هَ َ مت ََر ّ
وال ُ
ضَرب َْتها أخرى بقرنها فماتت ,وحّرم فماتت ,والنطيحة وهي التي َ
الله عليكم البهيمة التي أكلها السُبع ,كالسد والنمر والذئب ,ونحو
ذلك .واستثنى -سبحانه -مما حّرمه من المنخنقة وما بعدها ما
أدركتم ذكاته قبل أن يموت فهو حلل لكم ,وحّرم الله عليكم ما
196
ذ ُِبح لغير الله على ما ُينصب للعبادة من حجر أو غيره ,وحّرم الله
سم لكم أو لم يقسم بالزلم ,وهي عْلم ما قُ ِ
عليكم أن تطلبوا ِ
القداح التي كانوا يستقسمون بها إذا أرادوا أمًرا قبل أن يقدموا
عليه .ذلكم المذكور في الية من المحرمات -إذا ارُتكبت -خروج
عن أمر الله وطاعته إلى معصيته .الن انقطع طمع الكفار من
صْرُتكم عليهم ,فل
دينكم أن ترتدوا عنه إلى الشرك بعد أن ن َ
تخافوهم وخافوني .اليوم أكملت لكم دينكم دين السلم بتحقيق
النصر وإتمام الشريعة ,وأتممت عليكم نعمتي بإخراجكم من
ظلمات الجاهلية إلى نور اليمان ,ورضيت لكم السلم ديًنا
فالزموه ,ول تفارقوه .فمن اضطّر في مجاعة إلى أكل الميتة,
دا لثم ,فله تناوله ,فإن الله غفور له ,رحيم به. وكان غير مائل عم ً
ن
مه ْ م ِمت ُه ْ مهها عَل ّ ْت وَ َ م الط ّي ّب َهها ُ ل ل َك ُه ْ ل أُ ِ
حه ّ م قُ ه ْ ل ل َهُه ْح ّ ذا أ ُ ِ
ما َ ك َسأ َُلون َ َيَ ْ
َ
نسهك ْ َم َ مهها أ ْ ه فَك ُل ُههوا ِ
م ّ م الل ّه ُ مك ُه ْ مهها عَل ّ َ
م ّ
ن ِ ن ت ُعَل ّ ُ
مههون َهُ ّ مك َل ِّبيه َح ُوارِ ِ ج َال ْ َ
ب) سهها ِح َ ريعُ ال ْ ِ سه ِ ه َ ن الل ّ َ ه إِ ّم الل ّهِ عَل َي ْهِ َوات ُّقوا الل ّ َ س َ م َواذ ْك ُُروا ا ْ عَل َي ْك ُ ْ
(4
ل لهم أ َك ُْله؟ قل لهم :أ ُ ِ
ح ّ
ل يسألك أصحابك -أيها النبي : -ماذا أ ُ ِ
ح ّ
لكم الطيبات وصيد ُ ما د َّربتموه من ذوات المخالب والنياب من
الكلب والفهود والصقور ونحوها مما ي ُعَّلم ,تعلمونهن طلب الصيد
لكم ,مما علمكم الله ,فكلوا مما أمسكن لكم ,واذكروا اسم الله
عند إرسالها للصيد ,وخافوا الله فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه .إن
الله سريع الحساب.
َ َ
مم وَأْيههدِي َك ُ ْ جوهَك ُ ْ سُلوا وُ ُ صلةِ َفاغْ ِ م إ َِلى ال ّ مت ُ ْذا قُ ْ مُنوا إ ِ َ نآ َ ذي َ َيا أي َّها ال ّ ِ
ْ جل َك ُ ْ َ َ
م ن ك ُن ْت ُه ْ ن وَإ ِ ْ م إ ِله َهى الك َعْ َب َي ْه ِ م وَأْر ُ سك ُ ْ حوا ب ُِرُءو ِ س ُ م َ ق َوا ْ ِ مَرافِ إ َِلى ال ْ َ
َ
ن مه ْ م ِ من ْك ُه ْحد ٌ ِ جاَء أ َ سَفرٍ أوْ َ ضى أوْ عََلى َ مْر َ م َ ن ك ُن ْت ُ ْ جُنبا ً َفاط ّهُّروا وَإ ِ ْ ُ
صهِعيدا ً ط َّيبها ً َ
مههوا َ م ُ مههاًء فَت َي َ ّ دوا َ جه ُ م تَ ِ سههاَء فَل َه ْ م الن ّ َ سهت ُ ْ م ْ ط أو ْ ل َ ال ْغَههائ ِ ِ
َ
ن مه ْ م ِ ل عَل َي ْك ُه ْ جع َ ه َ ه ل ِي َ ْري هد ُ الل ّه ُ مهها ي ُِ ه َ من ْ ُم ِ ديك ُ ْ م وَأي ْ ِ جوهِك ُ ْ حوا ب ِوُ ُ س ُم َ َفا ْ
ن )(6 شك ُُرو َ م تَ ْ م ل َعَل ّك ُ ْ ه عَل َي ْك ُ ْ مت َ ُ م ن ِعْ َ م وَل ِي ُت ِ ّ ريد ُ ل ِي ُط َهَّرك ُ ْ ن يُ ِ ج وَل َك ِ ْ حَر ٍ َ
يا أيها الذين آمنوا إذا أردتم القيام إلى الصلة ,وأنتم على غير
صل مْرَفق :ال ِ
مْف َ طهارة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم مع المرافق )وال ِ
ضد( وامسحوا رؤوسكم ,واغسلوا أرجلكم مع الذي بين الذراع والعَ ُ
الكعبين )وهما :العظمان البارزان عند ملتقى الساق بالقدم( .وإن
أصابكم الحدث الكبر فتطهروا بالعتسال منه قبل الصلة .فإن
كنتم مرضى ,أو على سفر في حال الصحة ,أو قضى أحدكم
حاجته ,أو جامع زوجته فلم تجدوا ماء فاضربوا بأيديكم وجه الرض,
وامسحوا وجوهكم وأيديكم منه .ما يريد الله في أمر الطهارة أن
ة عليكم ,ورحمة بكم ,إذ جعله ضّيق عليكم ,بل أباح التيمم توسع ً
يُ َ
مم من تمام النعم التي بديل للماء في الطهارة ,فكانت رخصة التي ّ
تقتضي شكر المنعم; بطاعته فيما أمر وفيما نهى.
معَْنا
سه ِ م ب ِههِ إ ِذ ْ قُل ْت ُه ْ
م َ ه ال ّ ِ
ذي َواث ََقك ُ ْ ميَثاقَ ُ
م وَ ِة الل ّهِ عَل َي ْك ُ ْ َواذ ْك ُُروا ن ِعْ َ
م َ
َ
دورِ )(7 ص ُت ال ّذا ِ م بِ َه عَِلي ٌن الل ّ َ وَأط َعَْنا َوات ُّقوا الل ّ َ
ه إِ ّ
شَرعه لكم ,واذكروا عهده الذي واذكروا نعمة الله عليكم فيما َ
أخذه تعالى عليكم من اليمان بالله ورسوله محمد صلى الله عليه
وسلم ,والسمع والطاعة لهما ,واتقوا الله فيما أمركم به ونهاكم
سّرونه في نفوسكم. م بما ت ُ ِ
عنه .إن الله علي ٌ
َ
م من ّ ُ
كهه ْ جرِ َ
ط َول ي َ ْ داءَ ِبال ِْق ْ
سهه ِ ن ل ِل ّهِ ُ
شه َ َ مي َ
وا ِ مُنوا ُ
كوُنوا قَ ّ نآ َ َيا أي َّها ال ّ ِ
ذي َ
198
َ َ
ن وى َوات ُّقههوا الل ّه َ
ه إِ ّ ن قَوْم ٍ عََلى أل ّ ت َعْدُِلوا اعْدُِلوا هُوَ أقَْر ُ
ب ِللت ّْق ه َ شَنآ ُ َ
ن )(8 مُلو َ ما ت َعْ َ
خِبيٌر ب ِ َ
ه َالل ّ َ
منوا بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم كونوا يا أيها الذين آ َ
ض وامين بالحق ,ابتغاء وجه اللهُ ,
شهداء بالعدل ,ول يحملنكم ب ُغْ ُ ق ّ
دلوا بين العداء والحباب على درجة سواء, قوم على أل تعدلوا ,اع ِ
فذلك العدل أقرب لخشية الله ,واحذروا أن تجوروا .إن الله خبير
بما تعملون ,وسيجازيكم به.
َ
م)
ظي ه ٌ
ج هٌر عَ ِ
مغِْفَرةٌ وَأ ْ ت ل َهُ ْ
م َ حا ِ مُلوا ال ّ
صال ِ َ مُنوا وَعَ ِ
نآ َ ه ال ّ ِ
ذي َ وَعَد َ الل ّ ُ
(9
دقوا الله ورسوله وعملوا الصالحات أن يغفر لهم
وعد الله الذين ص ّ
ذنوبهم ,وأن يثيبهم على ذلك الجنة ,والله ل يخلف وعده.
من ال ْك َل ِه َ
حّرُفههو َ ة يُ َ م َقا ِ
سي َ ً جعَل َْنا قُُلوب َهُ ْ
م وَ َ م ل َعَّناهُ ْميَثاقَهُ ْ م ِضه ِ ْ
ما ن َْق ِفَب ِ َ
ة ل ت َط ّل ِهعُ عَل َههى َ
خائ ِن َه ٍ ما ذ ُك ُّروا ب ِهِ َول ت َهَزا ُ حظ ّا ً ِ
م ّ سوا َ ضعِهِ وَن َ ُ وا ِم َن َ عَ ْ
ن) س هِني َ ح ِ ب ال ْ ُ
م ْ حه ّ ه يُ ِن الل ّ َح إِ ّصَف ْ
م َوا ْ ف عَن ْهُ ْم َفاعْ ُ م إ ِل ّ قَِليل ً ِ
من ْهُ ْ من ْهُ ِْ
(13
كدة طردناهم من رحمتنا, فبسبب نقض هؤلء اليهود لعهودهم المؤ ّ
وجعلنا قلوبهم غليظة ل تلين لليمان ,يبدلون كلم الله الذي أنزله
كروا به ,فلم يعملواعلى موسى ,وهو التوراة ,وتركوا نصيًبا مما ذ ُ ّ
غدًرا ,فهم علىةو َبه .ول تزال -أيها الرسول -تجد من اليهود خيان ً
منهاج أسلفهم إل قليل منهم ,فاعف عن سوء معاملتهم لك,
من أحسن العفو والصفح إلى من واصفح عنهم ,فإن الله يحب َ
أساء إليه) .وهكذا يجد أهل الزيغ سبيل إلى مقاصدهم السيئة
جزوا عن التحريف بتحريف كلم الله وتأويله على غير وجهه ,فإن ع َ
من شرع الله الذي ل يثبت والتأويل تركوا ما ل يتفق مع أهوائهم ِ
عليه إل القليل ممن عصمه الله منهم(.
200
دعوا أنهم أتباع المسيح عيسى -وليسوا كذلك- وأخذنا على الذين ا ّ
العهد المؤكد الذي أخذناه على بني إسرائيل :بأن ُيتابعوا رسولهم
دلوا دينهم ,وتركوا نصيًبا مما ذكروا به ,فلم
وينصروه ويؤازروه ,فب ّ
يعملوا به ,كما صنع اليهود ,فألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم
القيامة ,وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون يوم الحساب,
وسيعاقبهم على صنيعهم.
ن
خُفههو َ مهها ك ُن ْت ُه ْ
م تُ ْ م ك َِثيرا ً ِ
م ّ ن ل َك ُ ْ
سول َُنا ي ُب َي ّ ُ جاَءك ُ ْ
م َر ُ ل ال ْك َِتا ِ
ب قَد ْ َ َيا أ َهْ َ
ن)مِبي ه ٌب ُ ن الل ّههِ ن ُههوٌر وَك ِت َهها ٌم ْ م ِ جاَءك ُ ْ ن ك َِثيرٍ قَد ْ َ
ب وَي َعُْفو عَ ْن ال ْك َِتا ِم ْ ِ
(15
يا أهل الكتاب من اليهود والنصارى ,قد جاءكم رسولنا محمد صلى
خفونه عن الناس مماالله عليه وسلم يبّين لكم كثيًرا مما كنتم ت ُ ْ
في التوراة والنجيل ,ويترك بيان ما ل تقتضيه الحكمة .قد جاءكم
من الله نور وكتاب مبين :وهو القرآن الكريم.
ت ن الظ ّل ُ َ
ما ِ م ْ
م ِ
جه ُ ْ
خرِ ُ
سلم ِ وَي ُ ْ سب ُ َ
ل ال ّ ه ُوان َ ُ
ض َ
ن ات ّب َعَ رِ ْ م ْه َ دي ب ِهِ الل ّ ُ ي َهْ ِ
ست َِقيم ٍ )(16 م ْ
ط ُصَرا ٍم إ َِلى ِ ديهِ ْ إ َِلى الّنورِ ب ِإ ِذ ْن ِهِ وَي َهْ ِ
يهدي الله بهذا الكتاب المبين من اتبع رضا الله تعالى ,طرق المن
والسلمة ,ويخرجهم بإذنه من ظلمات الكفر إلى نور اليمان,
ويوفقهم إلى دينه القويم.
مل ِه ُ
ك ن يَ ْمه ْ ل فَ َ م قُ ه ْ مْري َ َ ن َ ح اب ْ ُ
سي ُم ِه هُوَ ال ْ َ ن الل ّ َن َقاُلوا إ ِ ّ ذي َ ل ََقد ْ ك ََفَر ال ّ ِ
ُ َ شيئا ً إ َ
ن ِفهي مه ْ ه وَ َمه ُم وَأ ّ مْرَيه َ ن َ ح اْبه َ سهي َم ِ ك ال ْ َن ي ُهْل ِ َن أَراد َ أ ْ ن الل ّهِ َ ْ ِ ْ م ِْ
َ َ
ما ي َ َ
شاءُ خل ُقُ َ ما ي ْ ما ب َي ْن َهُ َض وَ َت َوالْر ِ وا ِ م َس َك ال ّ مل ْ ُ
ميعا ً وَل ِل ّهِ ُ ج ِ
ض َ الْر ِ
ديٌر )(17 يٍء قَ ِ ش ْ ل َ ه عََلى ك ُ ّ َوالل ّ ُ
لقد كفر النصارى القائلون بأن الله هو المسيح ابن مريم ,قل -أيها
الرسول -لهؤلء الجهلة من النصارى :لو كان المسيح إلًها كما
من ُ
مه و َدعون لَقدَر أن يدفع قضاء الله إذا جاءه بإهلكه وإهلك أ ّ
ي ّ
في الرض جميًعا ,وقد ماتت أم عيسى فلم يدفع عنها الموت,
كذلك ل يستطيع أن يدفع عن نفسه; لنهما عبدان من عباد الله ل
201
ل على أنه بشر كسائر بني يقدران على دفع الهلك عنهما ,فهذا دلي ٌ
آدم .وجميع الموجودات في السموات والرض ملك لله ,يخلق ما
يشاء ويوجده ,وهو على كل شيء قدير .فحقيقة التوحيد توجب
تفّرد الله تعالى بصفات الربوبية واللوهية ,فل يشاركه أحد من
خلقه في ذلك ,وكثيًرا ما يقع الناس في الشرك والضلل بغلوهم
في النبياء والصالحين ,كما غل النصارى في المسيح ,فالكون كله
ده إلى
مَر ّ
لله ,والخلق بيده وحده ,وما يظهر من خوارق وآيات َ
الله .يخلق سبحانه ما يشاء ,ويفعل ما يريد.
م ي ُعَ هذ ّب ُك ُ ْ
م ل فَل ِه َ
حب ّههاؤُهُ قُ ه ْ ن أ َب َْناُء الل ّههِ وَأ َ ِ ح ُصاَرى ن َ ْ ت ال ْي َُهود ُ َوالن ّ َ وََقال َ ْ
بذ ُنوبك ُم ب ْ َ
شههاءُ ن يَ َ مهه ْب َ شاُء وَي ُعَذ ّ ُ ن يَ َ م ْ خل َقَ ي َغِْفُر ل ِ َ ن َ م ْ م ّشٌر ِم بَ َ ل أن ْت ُ ْ ِ ُ ِ ْ َ
َ
صيُر )(18 م ِما وَإ ِل َي ْهِ ال ْ َ ما ب َي ْن َهُ َ
ض وَ َت َوالْر ِ وا ِ
م َ س َ ك ال ّ مل ْ ُ
وَل ِل ّهِ ُ
وزعم اليهود والنصارى أنهم أبناء الله وأحباؤه ,قل لهم -أيها
ذبكم بذنوبكم؟ فلو كنتم أحبابه ما عذبكم, الرسولَ : -فليّ شيء يع ّ
ل سائر بني فالله ل يحب إل من أطاعه ,وقل لهم :بل أنتم خلقٌ مث ُ
سأ ُْتم جوزيتم
آدم ,إن أحسنُتم جوزيتم بإحسانكم خيرا ,وإن أ َ
بإساءتكم شّرا ,فالله يغفر لمن يشاء ,ويعذب من يشاء ,وهو مالك
صّرفه كما يشاء ,وإليه المرجع ,فيحكم بين عباده ,ويجازي الملك ,ي ُ َ
كل بما يستحق.
جع َ ه َ
ل ة الل ّههِ عَل َي ْك ُه ْ
م إ ِذ ْ َ مهِ َيا قَ هوْم ِ اذ ْك ُهُروا ن ِعْ َ
مه َ سى ل َِقوْ ِ
مو َ وَإ ِذ ْ َقا َ
ل ُ
202
َ فيك ُ َ
ن) ن ال ْعَههال َ ِ
مي َ حههدا ً ِ
مه ْ تأ َ ما ل َ ْ
م ي ُهؤْ ِ مُلوكا ً َوآَتاك ُ ْ
م َ جعَل َك ُ ْ
م ُ م أن ْب َِياءَ وَ َ
ِ ْ
(20
واذكر -أيها الرسول -إذ قال موسى عليه السلم لقومه :يا بني
إسرائيل اذكروا نعمة الله عليكم ,إذ جعل فيكم أنبياء ,وجعلكم
كا تملكون أمركم بعد أن كنتم مملوكين لفرعون وقومه ,وقد ملو ً
دا من عاَلمي زمانكم.
منحكم من نعمه صنوًفا لم يمنحها أح ً
جههوا
خُر ُ خل ََها َ
حت ّههى ي َ ْ ن وَإ ِّنا ل َ ْ
ن ن َهد ْ ُ وما ً َ
جّباِري َ ن ِفيَها قَ ْ سى إ ِ ّمو َ َقاُلوا َيا ُ
ن )(22 خُلو َ من َْها فَإ ِّنا َ
دا ِ جوا ِ خُر ُ من َْها فَإ ِ ْ
ن يَ ْ ِ
ما أشداء أقوياء ,ل طاقة لنا بحربهم,قالوا :يا موسى ,إن فيها قو ً
وإّنا لن نستطيع دخولها وهم فيها ,فإن يخرجوا منها فإّنا داخلون.
خاُفو َ
م ال َْبا َ
ب خُلوا عَل َي ْهِ ْ ما اد ْ ُه عَل َي ْهِ َ م الل ّ ُ
ن أن ْعَ َ
َ ن يَ َ ن ال ّ ِ
ذي َ م ْن ِجل ِ ل َر ُ َقا َ
ن)مِني َ م هؤ ْ ِ
م ُ ن ُ
كنت ُه ْ ن وَعََلى الل ّهِ فَت َوَك ّل ُههوا إ ِ ْغال ُِبو َم َموهُ فَإ ِن ّك ُ ْخل ْت ُ ُ فَإ ِ َ
ذا د َ َ
(23
قال رجلن من الذين يخشون الله تعالى ,أنعم الله عليهما بطاعته
وطاعة نبّيه ,لبني إسرائيل :ادخلوا على هؤلء الجبارين باب
ذا بالسباب ,فإذا دخلتم الباب غلبتموهم ,وعلى الله خ ً
مدينتهم ,أ ْ
دقين رسوله فيما جاءكم به ,عاملين مص ّ
كلوا ,إن كنتم ُوحده فتو ّ
بشرعه.
َ َ
ت وََرّبهه َ
ك موا ِفيَها َفاذ ْهَ ْ
ب أْنهه َ دا ُ خل ََها أَبدا ً َ
ما َ ن ن َد ْ ُسى إ ِّنا ل َ ْ
مو َ َقاُلوا َيا ُ
ن )(24 دو َ هاهَُنا َقا ِ
ع ُ فََقاِتل إ ِّنا َ
203
دا ما دام الجبارون فيها,
قال قوم موسى له :إنا لن ندخل المدينة أب ً
فاذهب أنت وربك فقاتلهم ,أما نحن فقاعدون هاهنا ولن نقاتلهم.
وهذا إصراٌر منهم على مخالفة موسى عليه السلم.
ل مه َ َ
ما
حهدِهِ َنأ َ حقّ إ ِذ ْ قَّرب َهها قُْرَبانها ً فَت ُُقب ّه َ ِ ْ م ِبال ْ َي آد َ َ
م ن َب َأ اب ْن َ ْل عَل َي ْهِ ْ َوات ْ ُ
َ
ن) ن ال ْ ُ
مت ِّقيهه َ م ْ ل الل ّ ُ
ه ِ ما ي َت ََقب ّ ُ ك َقا َ
ل إ ِن ّ َ ل لقْت ُل َن ّ َ خرِ َقا َ ن ال َ م ْل ِ م ي ُت ََقب ّ ْ وَل َ ْ
(27
ي آدم قابيل خَبر ابن َ ْ
واقصص -أيها الرسول -على بني إسرائيل َ
ل منهما قرباًنا -وهو ما ي َُتقّرب به ق :حين قَ ّ
دم ك ّ وهابيل ,وهو خبٌر ح ٌ
إلى الله تعالى -فتقّبل الله ُقربان هابيل; لنه كان تقّيا ,ولم يتقّبل
ل أخاه ,وقال :لقتلّنك, ُقربان قابيل; لنه لم يكن تقّيا ,فحسد قابي ُ
َفرد ّ هابيل :إنما يتقبل الله ممن يخشونه.
ك ل َقْت ُل َه َ
دي إ ِل َي ْه َ َ
ك إ ِن ّههي ط يَ ِ
س ٍ ك ل ِت َْقت ُل َِني َ
ما أَنا ب َِبا ِ ي ي َد َ َ ت إ ِل َ ّ
سط َ ل َئ ِ ْ
ن بَ َ
ن )(28 ب ال َْعال َ ِ
مي َ ف الل ّ َ
ه َر ّ خا ُ أَ َ
جد ُ مني ي يد َ
ك لتقُتلني ل ت َ ِ ت إل ّ
مد َد ْ َ ظا أخاهَ :لئ ْ
ن َ ل واع ً
وقال هابي ُ
ب الخلئق أجمعين. مثل فْعلك ,وإني أخشى الله ر ّ
204
كون م َ َ ُ
جَزاءُ ب الّنارِ وَذ َل ِ َ
ك َ حا ِ
ص َ
نأ ْك فَت َ ُ َ ِ ْ
م َ
مي وَإ ِث ْ ِ
ن ت َُبوَء ب ِإ ِث ْ ِ
إ ِّني أِريد ُ أ ْ
ن )(29 مي َ ال ّ
ظال ِ ِ
إني أريد أن ترجع حامل إثم قَْتلي ,وإثمك الذي عليك قبل ذلك,
فتكون من أهل النار وملزميها ,وذلك جزاء المعتدين.
َ
ن )(30
ري َ
س ِ ن ال ْ َ
خا ِ م ْ
ح ِ ه فَأ ْ
صب َ َ ل أَ ِ
خيهِ فََقت َل َ ُ ه قَت ْ َ
س ُ ت لَ ُ
ه ن َْف ُ فَط َوّعَ ْ
سه أن يقتل أخاه ,فقتله ,فأصبح من الخاسرين فََزّينت لقابي َ
ل نف ُ
الذين باعوا آخرتهم بدنياهم.
سهوْأ َةَ أ َ ِ
خيههِ واِري َ ه ك َي ْه َ
ف ي ُه ُ َ ض ل ِي ُرِي َه ُ
ِ ر
ْ
ث ِفي ال َ ح ُ ه غَُرابا ً ي َب ْ َ ث الل ّ ُ فَب َعَ َ
َ َ َ َ َ
خههي س هوْأةَ أ ِ ب فَ هأَوارِيَ َ ذا ال ْغَُرا ِ ل هَ َ مث ْ َ ن ِ نأ ُ
كو َ تأ ْ جْز ُ ل َيا وَي ْل ََتا أعَ َ َقا َ
فَأ َ
ن )(31 َ ميِ ِ دنا
ّ ال ن
ْ م
ِ ح
َ َ بصْ
ل أخاه لم يعرف ما يصنع بجسده ,فأرسل الله غراًبا لما قتل قابي ُ
مي ًّتا; ليدل قابيل كيف
يحفر حفرةً في الرض ليدفن فيها غراًبا َ
ت أن أصنع مثلجب قابيل ,وقال :أعجز ُ جثمان أخيه؟ فتع ّيدفن ُ
ن قابيل أخاه ,فعاقبه اللهصنيع هذا الغراب فأست َُر عورة أخي؟ فد َفَ َ
بالندامة بعد أن رجع بالخسران.
عنا لبني اسرائيل أنه من قتل نفسا بسبب جناية القتل هذه َ
شَر ْ
بغير سبب من قصاص ,أو فساد في الرض بأي نوع من أنواع
الفساد ,الموجب للقتل كالشرك والمحاربة فكأنما قتل الناس
جميًعا فيما استوجب من عظيم العقوبة من الله ,وأنه من امتنع
عن قَْتل نفس حّرمها الله فكأنما أحيا الناس جميًعا; فالحفاظ على
حرمة إنسان واحد حفاظ على حرمات الناس كلهم .ولقد أتت بني
عوهم إليه منإسرائيل رسُلنا بالحجج والدلئل على صحة ما د َ
205
اليمان بربهم ,وأداء ما فُرِ َ
ض عليهم ,ثم إن كثيًرا منهم بعد مجيء
الرسل إليهم لمتجاوزون حدود الله بارتكاب محارم الله وترك
أوامره.
سههادا ً ن ِفي ال َ
ض فَ َ َ ِ ر
ْ سعَوْ َ سول َ ُ
ه وَي َ ْ ه وََر ُ ن الل ّ َ
حارُِبو َ
ن يُ َ
ذي َجَزاُء ال ّ ِ ما َ إ ِن ّ َ
َ َ َ َ َ
نم ْوا ِف أوْ ُينَف ْ خل ٍ ن ِ م ْم ِجل ُهُ ْ
م وَأْر ُ ديهِ ْصل ُّبوا أوْ ت َُقط ّعَ أي ْ ِن ي َُقت ُّلوا أوْ ي ُ َ أ ْ
َ
م) ظيه ٌ
ب عَ ِ ذا ٌ خهَرةِ عَه َم فِههي ال ِ دنَيا وَل َهُه ْ خْزيٌ ِفي ال ّ م ِك ل َهُ ْض ذ َل ِ َالْر ِ
(33
إنما جزاء الذين يحاربون الله ,ويبارزونه بالعداوة ,ويعتدون على
أحكامه ,وعلى أحكام رسوله ,ويفسدون في الرض بقتل النفس,
صّلبوا مع القتل )والصلب :أن ي ُ َ
شد ّ وسلب الموال ,أن ي َُقّتلوا ,أو ي ُ َ
طع يد ُ المحارب اليمنى ورجله اليسرى, الجاني على خشبة( أو ت ُْق َ
ده اليسرى ورجُله اليمنى ,أو ُينَفوا إلى بلد غير ب ُتقطعْ ي ُ
فإن لم ي َت ُ ْ
بلدهم ,وُيحبسوا في سجن ذلك البلد حتى َتظهر توبُتهم .وهذا
ل في الدنيا ,ولهم فيده الله للمحاربين هو ذ ّ الجزاء الذي أع ّ
الخرة عذاب شديد إن لم يتوبوا.
سههيل َ َ َ
دوا فِههي
جاهِه ُ
ة وَ َ ه َواب ْت َغُههوا إ ِل َي ْههِ ال ْوَ ِ
مُنوا ات ُّقههوا الل ّه َ نآ َ ذي َ َيا أي َّها ال ّ ِ
ن )(35 حو َ م ت ُْفل ِ ُسِبيل ِهِ ل َعَل ّك ُ ْ
َ
دقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه ,خافوا الله,
يا أيها الذين ص ّ
وت ََقّربوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه ,وجاهدوا في سبيله; كي
تفوزوا بجناته.
يريدو َ
ب عه َ
ذا ٌ من َْهها وَل َُهه ْ
م َ ن ِ
جي َ
خهارِ ِ
م بِ َ
هه ْ
مهها ُ
ن الّنارِ وَ َ
م ْ
جوا ِ
خُر ُ
ن يَ ْ
نأ ُْ ِ ُ َ
م )(37مِقي ٌ
ُ
يريد هؤلء الكافرون الخروج من النار لما يلقونه من أهوالها ,ول
سبيل لهم إلى ذلك ,ولهم عذاب دائم.
َ
ن الل ّه ِ
ه مه ْ سَبا ن َ َ
كال ً ِ ما ك َ َ
جَزاءً ب ِ َ ة َفاقْط َُعوا أي ْدِي َهُ َ
ما َ سارِقَ ُسارِقُ َوال َّوال ّ
م )(38 كي ٌ
ح ِ
زيٌز َ َوالل ّ ُ
ه عَ ِ
والسارق والسارقة فاقطعوا -يا ولة المر -أيديهما بمقتضى
ة
خذهما أموال الناس بغير حق ,وعقوب ًالشرع ,مجازاة لهما على أ َ ْ
يمنع الله بها غيرهما أن يصنع مثل صنيعهما .والله عزيز في ملكه,
حكيم في أمره ونهيه.
َ
ن الل ّه َ
ه غَُفههوٌر ب عَل َي ْهِ إ ِ ّ ن الل ّ َ
ه ي َُتو ُ صل َ َ
ح فَإ ِ ّ ن ب َعْدِ ظ ُل ْ ِ
مهِ وَأ ْ م ْ
ب ِ
ن َتا َ
م ْفَ َ
م )(39 حي ٌَر ِ
من بعد سرقته ,وأصلح في كل أعماله ,فإن الله يقبل فمن تاب ِ
توبته .إن الله غفور لعباده ,رحيم بهم.
207
َ
ن ذي َ ن ال ّه ِمه ْ ن ِفهي ال ْك ُْفهرِ ِ عو َ سهارِ ُ ن يُ َ ذي َك اّله ِ حُزْنه َ ل ل يَ ْ سو ُ َيا أي َّها الّر ُ
نعو َ ما ُ سه ّ دوا َ ن هَهها ُ ن ال ّه ِ
ذي َ مه ْ م وَ ِ ن قُُلوب ُهُ ْ ْ م ت ُؤْ ِ
م م وَل َ ْ واهِهِ ْ َ مّنا ب ِأ َفَْقاُلوا آ َ
َ ْ ُ َ لل ْك َذب سماعون لَقوم آخريهن ل َهم يهأ ْ
ن ب َعْهدِ ْ ه م
ِ مَ هِ ل ك ل ا نَ هو
ه ف ر
ّ حَ ُ ي ك توُ ْ َ ِ ِ ِ َ ّ ُ َ ِ ْ ٍ َ ِ َ
مواضعِه يُقوُلون إ ُ
ن مه ْ ح هذ َُروا وَ َ م ت ُؤْت َوْهُ َفا ْ ن لَ ْ ذوهُ وَإ ِ ْ خ ُ ذا فَ ُ م هَ َ ن أوِتيت ُ ْ َ ِ ْ َ َ ِ ِ َ
ُ
م ي ُهرِد ْ الل ّه ُ
ه ن ل َه ْ ذي َ ك ال ّ ِ شْيئا ً أوْل َئ ِ َ ن الل ّهِ َ م ْ ه ِك لَ ُ مل ِ َن تَ ْ ه فَل َ ْ ي ُرِد ْ الل ّ ُ
ه فِت ْن َت َ ُ
َ
م ظي ٌ
ب عَ ِ ذا ٌ خَرةِ عَ َ م ِفي ال ِ خْزيٌ وَل َهُ ْ م ِفي الد ّن َْيا ِ م ل َهُ ْن ي ُط َهَّر قُُلوب َهُ ْ أ ْ
)(41
يا أيها الرسول ل يحزنك الذين يسارعون في جحود نبوتك من
المنافقين الذين أظهروا السلم وقلوبهم خالية منه ,فإني ناصرك
عليهم .ول يحزنك تسّرع اليهود إلى إنكار نبوتك ,فإنهم قوم
يستمعون للكذب ,ويقبلون ما ي َْفَتريه أحباُرهم ,ويستجيبون لقوم
دلون كلم الله من آخرين ل يحضرون مجلسك ,وهؤلء الخرون ي ُب َ ّ
دلناه
بعد ما عََقلوه ,ويقولون :إن جاءكم من محمد ما يوافق الذي ب ّ
وحّرفناه من أحكام التوراة فاعملوا به ,وإن جاءكم منه ما يخالفه
فاحذروا قبوله ,والعمل به .ومن يشأ الله ضللته فلن تستطيع -أيها
ن هؤلء المنافقين الرسول -د َفْعَ ذلك عنه ,ول تقدر على هدايته .وإ ّ
لواليهود لم ي ُرِدِ الله أن يطّهر قلوبهم من دنس الكفر ,لهم الذ ّ
والفضيحة في الدنيا ,ولهم في الخرة عذاب عظيم.
م أ َْو
م ب َي ْن َهُ ه ْحك ُ ْك فَهها ْ جههاُءو َ
ن َت ف َ هإ ِ ْح ِ سه ْ ن ِلل ّ
َ
ب أك ّههاُلو َ ن ل ِل ْك َهذِ ِ عو َ ما ُ س َّ
َ
تمه َ حك َ ْ ن َ ش هْيئا ً وَإ ِ ْ
ك َ ض هّرو َ
ن يَ ُ م فَل َه ْ ض عَن ْهُ ه ْ ن ت ُعْهرِ ْ م وَإ ِ ْض عَن ْهُ ه ْ أعْهرِ ْ
ن )(42 طي َ
س ِمْق ِ ب ال ْ ُح ّ ه يُ ِن الل ّ َط إِ ّس ِ م ِبال ِْق ْ م ب َي ْن َهُ ْحك ُ َْفا ْ
هؤلء اليهود يجمعون بين استماع الكذب وأكل الحرام ,فإن جاؤوك
يتحاكمون إليك فاقض بينهم ,أو اتركهم ,فإن لم تحكم بينهم فلن
يقدروا على أن يضروك بشيء ,وإن حكمت فاحكم بينهم بالعدل.
إن الله يحب العادلين.
ن ب َْعههدِ
م ْ م ي َت َوَل ّوْ َ
ن ِ م الل ّهِ ث ُ ّ
حك ْ ُ
م الت ّوَْراةُ ِفيَها ُ
عن ْد َهُ ْك وَ ِ مون َ َ حك ّ ُ ف يُ َوَك َي ْ َ
ن )(43 مِني َمؤ ْ ِ ما أ ُوْل َئ ِ َ
ك ِبال ْ ُ ك وَ َذ َل ِ َ
208
ن صنيع هؤلء اليهود عجيب ,فهم يحتكمون إليك -أيها الرسول- إ ّ
وهم ل يؤمنون بك ,ول بكتابك ,مع أن التوراة التي يؤمنون بها
من بعد حكمك إذا لم ُيرضهم, عندهم ,فيها حكم الله ,ثم يتوّلون ِ
فجمعوا بين الكفر بشرعهم ,والعراض عن حكمك ,وليس أولئك
المتصفون بتلك الصفات ,بالمؤمنين بالله وبك وبما تحكم به.
إنا َأنزل ْنا التوراةَ فيها هُدى ونور يحك ُهم بههها النبيههون ال ّهذي َ
موا س هل َ ُ
نأ ْ ِ َ ِّّ َ ُ َِ َُ ٌ َ ْ ً ِ َ ّ َْ َ َ ِّ
كاُنواب الل ّهِ وَ َ حِف ُ َ ل ِل ّ ِ
ن ك َِتا ِ
م ْظوا ِ ست ُ ْما ا ْ حَباُر ب ِ َن َوال ْ دوا َوالّرّبان ِّيو َ ها ُن َ ذي َ
منها ً
شهت َُروا ِبآي َههاِتي ث َ َشهوِْني َول ت َ ْ خ َ س َوا ْ َ وا الن ّهها
ْ شه خ َ داَء َفل ت َ ْ شه َ َ عَل َي ْهِ ُ
ن )(44 كافُِرو َ م ال ْ َك هُ ْ ه فَأ ُوْل َئ ِ َ ل الل ّ ُما َأنَز َ م بِ َحك ُ ْ م يَ ْن لَ ْ م ْ قَِليل ً وَ َ
إنا أنزلنا التوراة فيها إرشاد من الضللة ,وبيان للحكام ,وقد حكم
بها النبّيون -الذين انقادوا لحكم الله ,وأقروا به -بين اليهود ,ولم
حّرفوها ,وحكم بها عُّباد اليهود وفقهاؤهم
يخرجوا عن حكمها ولم ي ُ َ
الذين يرّبون الناس بشرع الله; ذلك أن أنبياءهم قد استأمنوهم
على تبليغ التوراة ,وفِْقه كتاب الله والعمل به ,وكان الربانيون
والحبار شهداء على أن أنبياءهم قد قضوا في اليهود بكتاب الله.
ويقول تعالى لعلماء اليهود وأحبارهم :فل تخشوا الناس في تنفيذ
ضّركم ,ولكن اخشوني حكمي; فإنهم ل يقدرون على نفعكم ول َ
ضا
ت عو ًفإني أنا النافع الضار ,ول تأخذوا بترك الحكم بما أنزل ُ
حقيًرا .الحكم بغير ما أنزل الله من أعمال أهل الكفر ،فالذين
يبدلون حكم الله الذي أنزله في كتابه ,فيكتمونه ويجحدونه
ويحكمون بغيره معتقدين حله وجوازه فأولئك هم الكافرون.
منا ً
مهَي ْ ِ ن ال ْك َِتا ِ
ب وَ ُ م ْ ن ي َد َي ْهِ ِما ب َي ْ َ دقا ً ل ِ َص ّ م َ حقّ ُ ب ِبال ْ َ ك ال ْك َِتا َ وََأنَزل َْنا إ ِل َي ْ َ
َ ما َأنَز َ
ن مه ْ ك ِ جههاءَ َ مهها َ م عَ ّ واَءهُ ْ ه َول ت َت ّب ِهعْ أهْ ه َ ل الل ّ ُ م بِ َ م ب َي ْن َهُ ْ حك ُ ْ عَل َي ْهِ َفا ْ
شههاَء الل ّهه ل َجعل َك ُه ُ من َْهاجا ً وَل َهوْ َ
ةمه ً مأ ّ ْ ُ َ َ ة وَ ِ شْرعَ ً م ِ من ْك ُ ْ جعَل َْنا ِ ل َ حقّ ل ِك ُ ّ ال ْ َ
ت إ ِل َههى الل ّه ِ
ه خي ْهَرا ِ س هت َب ُِقوا ال ْ َ م َفا ْ مهها آت َههاك ُ ْ م فِههي َ ن ل ِي َب ْل ُهوَك ُ ْ حد َةً وَل َك ِ ْ َوا ِ
ن )(48 خت َل ُِفو َ م ِفيهِ ت َ ْ كنت ُ ْما ُ م بِ َ ميعا ً فَي ُن َب ّئ ُك ُ ْ ج ِ م َ جعُك ُ ْمْر ِ َ
وأنزلنا إليك -أيها الرسول -القرآن ,وكل ما فيه حقّ يشهد على
صدق الكتب قبله ,وأنها من عند الله ,مصدًقا لما فيها من صحة،
خا لبعض شرائعها ,فاحكم بين ومبي ًّنا لما فيها من تحريف ،ناس ً
المحتكمين إليك من اليهود بما أنزل الله إليك في هذا القرآن ,ول
تنصرف عن الحق الذي أمرك الله به إلى أهوائهم وما اعتادوه,
فقد جعلنا لكل أمة شريعة ,وطريقة واضحة يعملون بها .ولو شاء
الله لجعل شرائعكم واحدة ,ولكنه تعالى خالف بينها ليختبركم,
فيظهر المطيع من العاصي ,فسارعوا إلى ما هو خير لكم في
الدارين بالعمل بما في القرآن ,فإن مصيركم إلى الله ,فيخبركم
بما كنتم فيه تختلفون ,ويجزي كل بعمله.
210
ل الل ّهه ول تتب هع أ َهْ هواَءهُم واح هذ َرهُ َ مهها َأن هَز َ َ
نمأ ْ ْ َ ْ ْ ْ َ ُ َ َِّ ْ م بِ َ حك ُه ْ
م ب َي ْن َهُ ه ْ نا ْ وَأ ْ
ك فَإن تول ّوا َفاعْل َ َ ما َأنَز َ
ري هد ُ الل ّه ُ
ه ما ي ُ ِم أن ّ َ
ْ ه إ ِل َي ْ َ ِ ْ َ َ ْ
ل الل ّ ُ ض َ ن ب َعْ ِ ك عَ ْ ي َْفت ُِنو َ
َ
ن )(49 سُقو َ س ل ََفا ِ
ن الّنا ِ ن ك َِثيرا ً ِ
م ْ ض ذ ُُنوب ِهِ ْ
م وَإ ِ ّ م ب ِب َعْ ِ صيب َهُ ْن يُ ِ أ ْ
واحكم -أيها الرسول -بين اليهود بما أنزل الله إليك في القرآن ,ول
دوك عن بعض ما تتبع أهواء الذين يحتكمون إليك ,واحذرهم أن يص ّ
ما تحكم به
أنزل الله إليك فتترك العمل به ,فإن أعرض هؤلء ع ّ
ب اكتسبوها
فاعلم أن الله يريد أن يصرفهم عن الهدى بسبب ذنو ٍ
من قبل .وإن كثيًرا من الناس َلخارجون عن طاعة ربهم.
م أ َوْل ِي َههاءُ
ض هه ُ ْ
َ
صاَرى أوْل ِي َههاَء ب َعْ ُ ذوا ال ْي َُهود َ َوالن ّ َ خ ُ
مُنوا ل ت َت ّ ِ
نآ َ ذي َ
َ
َيا أي َّها ال ّ ِ
نمي َ ظههال ِ ِ م ال ّ دي ال َْقوْ َ ن الل ّ َ
ه ل ي َهْ ِ م إِ ّمن ْهُ ْ
ه ِ م فَإ ِن ّ ُمن ْك ُ ْ ن ي َت َوَل ّهُ ْ
م ِ م ْ ض وَ َب َعْ ٍ
)(51
يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى حلفاَء وأنصاًرا على
دون المؤمنين ,فاليهود يوالي بعضهم أهل اليمان; ذلك أنهم ل ُيوا ّ
ضا ,وكذلك النصارى ,وكل الفريقين يجتمع على عداوتكم .وأنتم بع ً
ضا .ومن يتولهم منكم ضكم بع ً
-أيها المؤمنون -أجدُر بأن ينصر بع ُ
فإنه يصير من جملتهم ,وحكمه حكمهم .إن الله ل يوفق الظالمين
الذين يتولون الكافرين.
َ
ن
شههى أ ْ خ َ ن ِفيِهم ي َُقول ُههو َ
ن نَ ْ عو َ
سارِ ُ
ض يُ َمَر ْ ٌم َ ن ِفي قُُلوب ِهِ ْ
ذي َفَت ََرى ال ّ ِ
تصيبنا دائ ِرةٌ فَعسى الل ّه أ َن يأت ِي بال َْفت َ َ
حوا عن ْهدِهِ فَي ُ ْ
صهب ِ ُ ن ِ مه ْ مرٍ ِ
ح أو ْ أ ْ
ُ ْ َ َ ِ ِْ َ َ ُ ِ ََ َ َ
َ َ
ن )(52 مي َ
م َنادِ ِ
سه ِ ْسّروا ِفي أنُف ِ ما أ َ عََلى َ
211
يخبر الله تعالى عن جماعة من المنافقين أنهم كانوا يبادرون في
موادة اليهود لما في قلوبهم من الش ّ
ك والنفاق ,ويقولون :إنما
دهم خشية أن يظفروا بالمسلمين فيصيبونا معهم ,قال الله نوا ّ
تعالى ذكره :فعسى الله أن يأتي بالفتح -أي فتح "مكة" -وينصر
ن َب ِّيه ,وي ُظ ِْهر السلم والمسلمين على الكفار ,أو ُيهّيئ من المور ما
تذهب به قوةُ اليهود والّنصارى ,فيخضعوا للمسلمين ,فحينئذٍ يندم
المنافقون على ما أضمروا في أنفسهم من موالتهم.
ْ َ
ف ي َأِتي الل ّه ُ
ه ب َِق هوْم ٍ سو ْ َن ِدين ِهِ فَ َ م عَ ْ من ْك ُ ْ ن ي َْرت َد ّ ِ
م ْمُنوا َ نآ َ ذي ََيا أي َّها ال ّ ِ
ندو َ
جاهِه ُ ن يُ َ عهّزةٍ عَل َههى ال ْك َههافِ ِ
ري َ ن أَ ِمِني َ مؤ ْ ِه أذِل ّةٍ عََلى ال ْ ُ
حبون َ
م وَي ُ ِ ّ َ ُحب ّهُ ْيُ ِ
ن يَ َ
شاُء م ْل الل ّهِ ي ُؤِْتيهِ َض ُك فَ ْ ة لئ ِم ٍ ذ َل ِ َ م َن ل َوْ َ خاُفو َ ل الل ّهِ َول ي َ َ سِبي ِ
ِفي َ
م )(54 سعٌ عَِلي ٌ ه َوا ِ َوالل ّ ُ
دقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه من يرجع منكم يا أيها الذين ص ّ
عن دينه ,ويستبدل به اليهودية أو النصرانية أو غير ذلك ,فلن يضّروا
حّبهم ويحبونه ,رحماء الله شيًئا ,وسوف يأتي الله بقوم خير منهم ي ُ ِ
داء على الكافرين ,يجاهدون أعداء الله ,ول يخافون بالمؤمنين أش ّ
من فضل الله يؤتيه من أراد ,والله دا .ذلك النعام ِ
في ذات الله أح ً
واسع الفضل ,عليم بمن يستحقه من عباده.
212
إنما ناصركم -أّيها المؤمنون -الله ورسوله ,والمؤمنون الذين
يحافظون على الصلة المفروضة ,ويؤدون الزكاة عن رضا نفس,
وهم خاضعون لله.
م ال ْغَههال ُِبو َ
ن) ب الل ّهِ هُ ْ
حْز َ مُنوا فَإ ِ ّ
ن ِ نآ َ ه َوال ّ ِ
ذي َ سول َ ُ ل الل ّ َ
ه وََر ُ ن ي َت َوَ ّ
م ْوَ َ
(56
ومن وثق بالله وتوّلى الله ورسوله والمؤمنين ,فهو من حزب الله,
وحزب الله هم الغالبون المنتصرون.
َ
ن
مه ْ م هُ هُزوا ً وَل َِعب ها ً ِذوا ِدين َك ُه ْ خه ُن ات ّ َ
ذي َ ذوا ال ّه ِ خ ُ مُنوا ل ت َت ّ ِ
نآ َ َيا أي َّها ال ّ ِ
ذي َ
َ ال ّذي ُ
م ن ُ
كنت ُه ْ ه إِ ْ م َوال ْك ُّفههاَر أوْل ِي َههاَء َوات ُّقههوا الل ّه َ ن قَب ْل ِك ُ ْ م ْ ن أوُتوا ال ْك َِتا َ
ب ِ ِ َ
ن )(57 مِني َ مؤ ْ ِ
ُ
دقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه ،ل تتخذوا الذين يا أيها الذين ص ّ
يستهزئون ويتلعبون بدينكم من أهل الكتاب والكفاَر أولياَء ,وخافوا
الله إن كنتم مؤمنين به وبشرعه.
مهها ُأنهزِ َ
ل إ ِل َي ْن َهها مّنا ب ِههالل ّهِ وَ َ
َ
مّنا إ ِل ّ أ ْ
نآ َ ن ِمو َ ل َتنِق ُ ل ال ْك َِتا ِ
ب هَ ْ ل َيا أ َهْ َقُ ْ
ل وأ َ َ ما أ ُن ْزِ َ
ن )(59 سُقو َ م َفا ِ ن أك ْث ََرك ُ ْن قَب ْ ُ َ ّ م ْ
ل ِ وَ َ
دونهج ُ
قل -أيها الرسول -لهؤلء المستهزئين من أهل الكاب :ما ت َ ِ
مطعًنا أو عيًبا هو محمدة لنا :من إيماننا بالله وكتبه المنزلة علينا,
وعلى من كان قبلنا ,وإيماننا بأن أكثركم خارجون عن الطريق
المستقيم!
213
ل هَ ْ ُ
ب ضهه َ ه الّلهه ُ
ه وَغَ ِ ن ل َعَن َ ُ
م ْعن ْد َ الل ّهِ َ مُثوب َ ً
ة ِ ك َ ن ذ َل ِ َم ْ
شّر ِ م بِ َل أن َب ّئ ُك ُ ْ قُ ْ
كان ها ً ُ
ت أوْل َئ ِ َ خَناِزيَر وَعَب َد َ ال ّ م ال ِْقَرد َةَ َوال ْ َ
م َ ك َ
شّر َ غو َطا ُ من ْهُ ْ
ل ِ جع َ َعَل َي ْهِ وَ َ
ل )(60 ض ّ َ
سِبي ِ
واِء ال ّ س َن َ ل عَ ْ وَأ َ
قل -أيها النبي -للمؤمنين :هل أخبركم بمن ُيجاَزى يوم القيامة
من جزاء هؤلء الفاسقين؟ إنهم أسلفهم الذين طردهم جزاًء أشد ّ ِ
خْلقهم ,فجعل منهم القردة س َ
خ َ م َ
ضب عليهم ,و َالله من رحمته وغَ ِ
والخنازير ,بعصيانهم وافترائهم وتكبرهم ,كما كان منهم عُّباد
ض( ,لقد ساء الطاغوت )وهو كل ما عُِبد من دون الله وهو را ٍ
سعُْيهم في الدنيا عن الطريق الصحيح. ل َمكانهم في الخرة ,وض ّ
َ
ت
ح َ
سه ْ
م ال ّ ن فِههي ال ِث ْهم ِ َوال ْعُ هد َْوا ِ
ن وَأك ْل ِهِ ه ْ عو َ
سارِ ُم يُ َ وَت ََرى ك َِثيرا ً ِ
من ْهُ ْ
ن )(62 مُلو َكاُنوا ي َعْ َما َ ل َب ِئ ْ َ
س َ
وترى -أيها الرسول -كثيًرا من اليهود يبادرون إلى المعاصي من
قول الكذب والزور ,والعتداء على أحكام الله ,وأ ْ
كل أموال الناس
بالباطل ,لقد ساء عملهم واعتداؤهم.
َ
ت
ح َ
سه ْ م وَأك ْل ِهِ ه ْ
م ال ّ ن قَ هوْل ِهِ ْ
م ال ِث ْه َ ن َوال َ ْ
حب َههاُر عَه ْ م الّرّبان ِّيو َ لَ ْ
ول ي َن َْهاهُ ْ
ن )(63 صن َُعو َ ما َ
كاُنوا ي َ ْ س َ ل َب ِئ ْ َ
هل ينهى هؤلء الذين يسارعون في الثم والعدوان أئمُتهم
وعلماؤهم ,عن قول الكذب والزور ,وأكل أموال الناس بالباطل,
لقد ساء صنيعهم حين تركوا النهي عن المنكر.
214
ما َقاُلوا ب َه ْ َ
داهُ
ل ي َه َ م وَل ُعُِنوا ب ِ َ ديهِ ْ
ت أي ْ ِ ة غُل ّ ْ مغُْلول َ ٌ ت ال ْي َُهود ُ ي َد ُ الل ّهِ َ وََقال َ ْ
ن مه ْك ِ ما ُأنزِ َ
ل إ ِل َي ْه َ م َ ن ك َِثيرا ً ِ
من ْهُ ْ زيد َ ّ شاُء وَل َي َ ِ ف يَ َ ن ُينِفقُ ك َي ْ َ سوط ََتا ِ مب ْ ُ َ
َ
ة
مه ِضاَء إ ِل َههى ي َهوْم ِ ال ِْقَيا َداوَةَ َوال ْب َغْ َ م ال ْعَ َ ك ط ُغَْيانا ً وَك ُْفرا ً وَأل َْقي َْنا ب َي ْن َهُ ْ َرب ّ َ
سههادا ً َ َ َ َ
ض فَ َ ن فِههي الْر ِ س هعَوْ َ ه وَي َ ْب أط َْفأهَهها الل ّه ُ حْر ِ دوا َنارا ً ل ِل ْ َ ما أوْقَ ُ ك ُل ّ َ
ن )(64 دي َ س ِ مْف ِ ب ال ْ ُ ح ّه ل يُ ِ َوالل ّ ُ
ُيطلع الله ن َب ِّيه على شيء من مآثم اليهود -وكان مما ُيسّرونه فيما
ل عليناخ َ
بينهم -أنهم قالوا :يد الله محبوسة عن فعل الخيرات ,ب َ ِ
ت أيديهم, دب وقحط .غُل ّ ْ
ج ْبالرزق والتوسعة ,وذلك حين لحقهم َ
ل الخيرات ,وطردهم الله من رحمته أي :حبست أيديهم هم عن فِعْ ِ
بسبب قولهم .وليس المر كما يفترونه على ربهم ,بل يداه
جَر عليه ,ول مانع يمنعه من النفاق ,فإنه الجواد ح ْ
مبسوطتان ل َ
الكريم ,ينفق على مقتضى الحكمة وما فيه مصلحة العباد .وفي
الية إثبات لصفة اليدين لله سبحانه وتعالى كما يليق به من غير
تشبيه ول تكييف .لكنهم سوف يزدادون طغياًنا وكفًرا بسبب
حقدهم وحسدهم; لن الله قد اصطفاك بالرسالة .ويخبر تعالى أن
ضا ,وينفر
طوائف اليهود سيظلون إلى يوم القيامة يعادي بعضهم بع ً
بعضهم من بعض ,كلما تآمروا على الكيد للمسلمين بإثارة الفتن
وإشعال نار الحرب رد ّ الله كيدهم ,وفّرق شملهم ,ول يزال اليهود
يعملون بمعاصي الله مما ينشأ عنها الفساد والضطراب في
الرض .والله تعالى ل يحب المفسدين.
م م وَل َد ْ َ
خل َْنههاهُ ْ سههي َّئات ِهِ ْ وا ل َك َّفْرَنا عَن ْهُ ْ
م َ مُنوا َوات َّق ْ
بآ َ ن أ َهْ َ
ل ال ْك َِتا ِ
َ
وَل َوْ أ ّ
ت الن ِّعيم ِ )(65 جّنا َِ
دقوا الله ورسوله ,وامتثلوا أوامر الله
ولو أن اليهود والنصارى ص ّ
واجتنبوا نواهيه ,لكّفرنا عنهم ذنوبهم ,ولدخلناهم جنات النعيم في
الدار الخرة.
215
زل عليك أيها ُ
ولو أّنهم عملوا بما في التوراة والنجيل ,وبما أن ْ ِ
ل ,فأنزلنال سبي ٍ الرسول -وهو القرآن الكريم -لُرِزقوا من ك ّ
من أهل ن ِ
عليهم المطر ,وأنبتنا لهم الثمر ,وهذا جزاء الدنيا .وإ ّ
الكتاب فريًقا معتدل ثابًتا على الحق ,وكثير منهم ساء عمُله ,وضل
عن سواء السبيل.
مهها ب َل ّْغهه َ
ت ل فَ َ ن لَ ْ
م ت َْفعَ ْ ن َرب ّ َ
ك وَإ ِ ْ م ْك ِ ما ُأنزِ َ
ل إ ِل َي ْ َ ل ب َل ّغْ َ
سو ُ َ
َيا أي َّها الّر ُ
ن)ري َم ال ْك َههافِ ِ
دي ال َْقهوْ َ ه ل ي َهْ ِن الل ّ َس إِ ّن الّنا ِ م ْ ك ِم َ
ص ُ ه َوالل ّ ُ
ه ي َعْ ِ سال َت َ ُرِ َ
(67
صرتزل إليك من ربك ,وإن ق ّ يا أيها الرسول بّلغ وحي الله الذي أن ِ
ت منه شيًئا ,فإنك لم ت ُب َّلغ رسالة رّبك ,وقد بّلغ
م َفي البلغ فَك َت َ ْ
صلى الله عليه وسلم رسالة ربه كاملة ,فمن زعم أنه كتم شيًئا
زل عليه ,فقد أعظم على الله ورسوله الفرية .والله تعالى مما أن ِ
حافظك وناصرك على أعدائك ,فليس عليك إل البلغ .إن الله ل
من حاد عن سبيل الحق ,وجحد ما جئت به من عند يوفق للرشد َ
الله.
جيه َ
ل لن ِ
مههوا ُ الت ّهوَْراةَ َوا ِحّتى ت ُِقي ُ يٍء َ ش ْ م عََلى َ ب لَ ْ
ست ُ ْ ل ال ْك َِتا ِ ل َيا أ َهْ َ
قُ ْ
كن َرب ّ َم ْك ِ ل إ ِل َي ْ َ
ما أنزِ َ
م َ ن ك َِثيرا ً ِ
من ْهُ ْ م وَل َي َ ِ
زيد َ ّ ن َرب ّك ُ ْ
م ْْم ِ ما ُأنزِ َ
ل إ ِل َي ْك ُ ْ وَ َ
ن )(68 ري َ س عََلى ال َْقوْم ِ ال ْ َ
كافِ ِ ط ُغَْيانا ً وَك ُْفرا ً َفل ت َأ َ
ظ من قل -أيها الرسول -لليهود والنصارى :إنكم لستم على ح ّ
الدين ما دمتم لم تعملوا بما في التوراة والنجيل ,وما جاءكم به
محمد من القرآن ,وإن كثيًرا من أهل الكتاب ل يزيدهم إنزا ُ
ل
القرآن إليك إل تجب ًّرا وجحوًدا ,فهم يحسدونك; لن الله بعثك بهذه
الرسالة الخاتمة ,التي ب َّين فيها معايبهم ,فل تحزن -أيها الرسول-
على تكذيبهم لك.
ن ب ِههالل ّهِ
مه َ
نآ َمه ْصههاَرى َ ن َوالن ّ َ صاب ُِئو َ
دوا َوال ّ
ها ُ
ن َ مُنوا َوال ّ ِ
ذي َ نآ َ ن ال ّ ِ
ذي َ إِ ّ
ن )(69 حَزُنو َم يَ ْ
م َول هُ ْ ف عَل َي ْهِ ْ صاِلحا ً َفل َ
خو ْ ٌ ل َ م َ َوال ْي َوْم ِ ال ِ
خرِ وَعَ ِ
216
إن الذين آمنوا )وهم المسلمون( واليهود ,والصابئين )وهم قوم
باقون على فطرتهم ,ول دين مقرر لهم يتبعونه( والنصارى )وهم
أتباع المسيح( من آمن منهم بالله اليمان الكامل ,وهو توحيد الله
والتصديق بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به ,وآمن باليوم
الخر ,وعمل العمل الصالح ,فل خوف عليهم من أهوال يوم
القيامة ,ول هم يحزنون على ما تركوه وراءهم في الدنيا.
مههوا
م عَ ُ ه عَل َي ْهِ ه ْ
م ث ُه ّ ب الل ّ ُ
م َتا َ موا ث ُ ّ ص ّموا وَ َ ة فَعَ ُن فِت ْن َ ٌ
كو َ سُبوا أ َل ّ ت َ ُ
ح ِوَ َ
ن )(71 مُلو َ ما ي َعْ َ
صيٌر ب ِ َ م َوالل ّ ُ
ه بَ ِ من ْهُ ْموا ك َِثيٌر ِ ص ّوَ َ
ن هؤلء الُعصاة أن الله لن يأخذهم بالعذاب جزاء عصيانهم وظ ّ
موا عن الهدى فلم يبصروه, وهم ,فمضوا في شهواتهم ,وع ُ وعُت ُ ّ
موا عن سماع الحقّ فلم ينتفعوا به ,فأنزل الله بهم بأسه, ص ّو َ
موا ,بعدما تبين
مي كثيٌر منهم ,وص ّ فتابوا فتاب الله عليهم ,ثم عَ ِ
ق ,والله بصير بأعمالهم خيرها وشرها وسيجازيهم عليها. لهم الح ّ
ح ي َهها
سههي ُ
م ِل ال ْ َ
م وََقا َمْري َ َن َ ح اب ْ ُسي ُ م ِ ه هُوَ ال ْ َ ن الل ّ َن َقاُلوا إ ِ ّ ذي َ ل ََقد ْ ك ََفَر ال ّ ِ
م
حهّر َ ك ِبالل ّهِ فََقهد ْ َ
شرِ ْ ن يُ ْم ْ ه َم إ ِن ّ ُه َرّبي وََرب ّك ُ ْ دوا الل ّ َ ل اعْب ُ ُ سَراِئي َ ب َِني إ ِ ْ
َ ما ِلل ّ ْ
صارٍ )(72 ن أن َ م ْ
ن ِ مي َظال ِ ِ مأَواهُ الّناُر وَ َ ة وَ َ ه عَل َي ْهِ ال ْ َ
جن ّ َ الل ّ ُ
يقسم الله تعالى بأن الذين قالوا :إن الله هو المسيح ابن مريم ,قد
كفروا بمقالتهم هذه ,وأخبر تعالى أن المسيح قال لبني إسرائيل:
اعبدوا الله وحده ل شريك له ,فأنا وأنتم في العبودية سواء .إنه من
217
مست ََقّره,
يعبد مع الله غيره فقد حّرم الله عليه الجنة ,وجعل النار ُ
وليس له ناصٌر ُينق ُ
ذه منها.
ح هد ٌ
ه َوا ِ ن إ ِل َههٍ إ ِل ّ إ ِل َه ٌ
مه ْ ث َثلث َةٍ وَ َ
مهها ِ ه َثال ِ ُن الل ّ َن َقاُلوا إ ِ ّ ل ََقد ْ ك ََفَر ال ّ ِ
ذي َ
َ
م) ب أِليهه ٌ ذا ٌ عهه َ م َ من ْهُ ْ ن ك ََفُروا ِ
ذي َ ن ال ّ ِ
س ّ م ّ ن ل َي َ َ
ما ي َُقوُلو َ م َينت َُهوا عَ ّن لَ ْ وَإ ِ ْ
(73
ن الله مجموع ثلثة أشياء :هي لقد كفر من النصارى من قال :إ ّ
م هؤلء النصارى أنه ليس الب ,والبن ,وروح القدس .أما عَل ِ َ
للناس سوى معبود واحد ,لم يلد ولم يولد ,وإن لم ينته أصحاب
صيب َّنهم عذاب مؤلم موجع
هذه المقالة عن افترائهم وكذبهم لي ُ ِ
بسبب كفرهم بالله.
َ
م )(74
حي ٌ ه َوالل ّ ُ
ه غَُفوٌر َر ِ ن إ َِلى الل ّهِ وَي َ ْ
ست َغِْفُرون َ ُ أَفل ي َُتوُبو َ
ما قالوا,
أفل يرجع هؤلء النصارى إلى الله تعالى ,ويتولون ع ّ
ويسألون الله تعالى المغفرة؟ والله تعالى متجاوز عن ذنوب
م بهمالتائبين ,رحي ٌ
ل كمن تقدمه من ما المسيح ابن مريم عليه السلم إل رسو ٌ
ما وعمل وهما كغيرهما ُ
ما عل ً
دقت تصديًقا جاز ً ص ّمه قد َ الرسل ,وأ ّ
من يحتاج الى من البشر يحتاجان إلى الطعام ,ول يكون إلًها َ
مل -أيها الرسول -حال هؤلء الكفار .لقد وضحنا الطعام ليعيش .فتأ ّ
دعونه في أنبياء الله .ثمة على وحدانيتنا ,وُبطلن ما ي َ ّ ت الدال َ العلما ِ
ضّلون عن الحق الذي َنهديهم إليه ,ثم انظر كيف هم مع ذلك ي َ ِ
ُيصرفون عن الحق بعد هذا البيان؟
قُ ْ َ
و ض هّرا ً َول ن َْفع ها ً َوالل ّه ُ
ه هُ ه َ ك ل َك ُ ْ
م َ مل ِ ُ ن الل ّهِ َ
ما ل ي َ ْ دو ِ
ن ُ
م ْ
ن ِدو َ ل أت َعْب ُ ُ
م )(76ميعُ ال ْعَِلي ُ س ِ
ال ّ
218
قل -أيها الرسول -لهؤلء الكفرة :كيف تشركون مع الله من ل
جل ْ ِ
ب نفع لكم؟ والله هو السميع لقوال ضّركم ,ول على َ
ي َْقدُِر على َ
عباده ,العليم بأحوالهم.
ن
سههى اب ْه ِ
عي َ
داُوود َ وَ ِ
ن َ ل عََلى ل ِ َ
سا ِ سَراِئي َ ن ب َِني إ ِ ْ ن ك ََفُروا ِ
م ْ ذي َن ال ّ ِل ُعِ َ
ن )(78 دو َ وا وَ َ
كاُنوا ي َعْت َ ُ ص ْ
ما عَ َك بِ َم ذ َل ِ َ
مْري َ َ
َ
يخبر تعالى أنه طرد من رحمته الكافرين من بني إسرائيل في
الكتاب الذي أنزله على داود -عليه السلم -وهو الّزبور ,وفي
الكتاب الذي أنزله على عيسى -عليه السلم -وهو النجيل; بسبب
عصيانهم واعتدائهم على حرمات الله.
كاُنوا ي َْفعَُلو َ
ن )(79 ما َ منك َرٍ فَعَُلوهُ ل َب ِئ ْ َ
س َ ن ُ
ن عَ ْ َ
كاُنوا ل ي َت ََناهَوْ َ
ضهم
كان هؤلء اليهود ُيجاهرون بالمعاصي ويرضونها ,ول ي َْنهى بع ُ
ضا عن أيّ منكر فعلوه ,وهذا من أفعالهم السيئة ,وبه استحقوا بع ً
دوا من رحمة الله تعالى. أن ي ُط َْر ُ
م ترى ك َِثيرا ً منهم يتول ّون ال ّذين ك ََفروا ل َبئ ْس ما قَدمت ل َهه َ
س هه ُ ْ
م أنُف ُ
ّ َ ْ ُ ْ ِ َ َ ُ ِ َ ِ ُْ ْ ََ َ ْ َ ََ
م وَِفي ال ْعَ َ َ
ن )(80دو َخال ِ ُ
م َ
ب هُ ْذا ِ ه عَل َي ْهِ ْ
ط الل ّ ُ
خ َ
س ِ
ن َ
أ ْ
ت ََرى -أيها الرسول -كثيًرا من هؤلء اليهود يتخذون المشركين أولياء
لهم ,ساء ما عملوه من الموالة الني كانت سبًبا في غضب الله
عليهم ,وخلودهم في عذاب الله يوم القيامة.
219
م أ َوْل ِي َههاَء خه ُ
ذوهُ ْ مهها ات ّ َ مهها ُأن هزِ َ
ل إ ِل َي ْههِ َ ن ِبالل ّهِ َوالن ّب ِ ّ
ي وَ َ مُنو َ كاُنوا ي ُؤْ ِوَل َوْ َ
ن )(81 سُقو َ م َفا ِ من ْهُ ْن ك َِثيرا ً ِوَل َك ِ ّ
ولو أن هؤلء اليهود الذين يناصرون المشركين كانوا قد آمنوا بالله
تعالى والنبي محمد صلى الله عليه وسلم ,وأقّروا بما أنزل إليه
-وهو القرآن الكريم -ما اتخذوا الكفار أصحاًبا وأنصاًرا ,ولكن كثيًرا
منهم خارجون عن طاعة الله ورسوله.
كوا ن أَ ْ
ش هَر ُ َ من ُههوا ال ْي َهُههود َ َوال ّه ِ
ذي نآ َ َ داوَةً ل ِل ّه ِ
ذي س ع َه َ ِ ن أَ َ
ش هد ّ الن ّهها ل َت َ ِ
ج هد َ ّ
ن ول َتجدن أ َقْربهم مودة لل ّذين آمنوا ال ّذين َقاُلوا إنهها نصههارى ذ َله َ َ
ك ب ِهأ ّ ِ ِّ َ َ َ ِ َ َ َُ ْ َ َ ّ ً ِ ِ َ َ ُ َ َ ِ َ ّ
َ
ن )(82 ست َك ْب ُِرو َ
م ل يَ ْ ن وَُرهَْبانا ً وَأن ّهُ ْ سي َسي ِ م قِ ّ من ْهُ ْ ِ
دقوك وآمنوا بك ن -أيها الرسول -أشد ّ الناس عداوة للذين ص ّ لتجد ّ
د; لعنادهم ,وجحودهم ,وغمطهم الحق ,والذين واتبعوك ,اليهو َ
ن أقربهم مودةأشركوا مع الله غيره ,كعبدة الوثان وغيرهم ,ولتجد ّ
للمسلمين الذين قالوا :إنا نصارى ,ذلك بأن منهم علماء بدينهم
دا في الصوامع متنسكين ,وأنهم متواضعون ل متزهدين وعّبا ً
يستكبرون عن َقبول الحق ,وهؤلء هم الذين قبلوا رسالة محمد
صلى الله عليه وسلم ,وآمنوا بها.
220
الجزء السابع :
َ ما ُأنزِ َ
مهها
م ّ
مِع ِ
ن الد ّ ْ
م ْ
ض ِم ت َِفي ُ
ل ت ََرى أعْي ُن َهُ ْ سو ِ ل إ َِلى الّر ُ مُعوا َ س ِ وَإ ِ َ
ذا َ
ن )(83 دي َ معَ ال ّ
شاهِ ِ مّنا َفاك ْت ُب َْنا َ حقّ ي َُقوُلو َ
ن َرب َّنا آ َ ن ال ْ َ عََرُفوا ِ
م ْ
ومما يدل على قرب مودتهم للمسلمين أن فريًقا منهم )وهم وفد
الحبشة لما سمعوا القرآن( فاضت أعينهم من الدمع فأيقنوا أنه
دقوا بالله واتبعوا رسوله,
حقّ منزل من عند الله تعالى ,وص ّ
مة محمد عليه وتضرعوا إلى الله أن يكرمهم بشرف الشهادة مع أ ّ
السلم على المم يوم القيامة.
َ
ع خل ََنا َرب َّنا َ
مهه َ ن ي ُد ْ ِ حقّ وَن َط ْ َ
مع ُ أ ْ ن ال ْ َ
م ْ
جاَءَنا ِ ن ِبالل ّهِ وَ َ
ما َ ما ل ََنا ل ن ُؤْ ِ
م ُ وَ َ
ن )(84 حي َ ال َْقوْم ِ ال ّ
صال ِ ِ
وقالوا :وأيّ لوم علينا في إيماننا بالله ,وتصديقنا بالحق الذي جاءنا
به محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله ,واتباعنا له ,ونرجو أن
يدخلنا ربنا مع أهل طاعته في جنته يوم القيامة؟
َ
ن ِفيهَهها
دي َ حت ِهَهها ال َن ْهَههاُر َ
خال ِه ِ ن تَ ْ
مه ْ
ري ِ
ج ِ
ت تَ ْ ما َقاُلوا َ
جّنا ٍ ه بِ َ م الل ّ ُ
فَأَثاب َهُ ْ
ن )(85 سِني َ
ح ِم ْ جَزاُء ال ْ ُ ك َ وَذ َل ِ َ
221
َ َ
ن
دوا إ ِ ّ ه ل َك ُ ْ
م َول ت َعَْتهه ُ ل الل ّ ُ
ح ّ
ما أ َ موا ط َي َّبا ِ
ت َ حّر ُ
مُنوا ل ت ُ َ نآ َ َيا أي َّها ال ّ ِ
ذي َ
ن )(87 دي َ
معْت َ ِب ال ْ ُح ّه ل يُ ِ الل ّ َ
يا أيها الذين آمنوا ل تحّرموا طيبات أحّلها الله لكم من المطاعم
سع الله عليكم ,ول تتجاوزوا
والمشارب ونكاح النساء ,فتضيقوا ما و ّ
حدود ما حّرم الله .إن الله ل يحب المعتدين.
َ
ن مؤ ْ ِ
من ُههو َ م ب ِههِ ُ ه ال ّ ِ
ذي أن ْت ُ ْ حلل ً ط َّيبا ً َوات ُّقوا الل ّ َ م الل ّ ُ
ه َ ما َرَزقَك ُ ْ وَك ُُلوا ِ
م ّ
)(88
وتمتعوا -أيها المؤمنون -بالحلل الطيب مما أعطاكم الله ومنحكم
إياه ,واتقوا الله بامتثال أوامره ,واجتناب نواهيه; فإن إيمانكم بالله
يوجب عليكم تقواه ومراقبته.
َ
م مهها عَّق هد ْت ُ ْ م بِ َ خهذ ُك ُ ْ ؤا ِن يُ َ م وَل َك ِه ْ مههان ِك ُ ْه ب ِههالل ّغْوِ فِههي أي ْ َ م الل ّه ُ خذ ُك ُ ْؤا ِ ل يُ َ
َ َ
ن مههو َ مهها ت ُط ْعِ ُ ط َ سه ِ ن أو ْ َ مه ْ ن ِ كي َ
سهها ِ م َ شهَرةِ َ م عَ َ ه إ ِط َْعا ُ ن فَك َّفاَرت ُ ُ ما َ الي ْ َ
م هاه يأ َهِْليك ُم أ َو كسوتهم أ َو تحرير رقَبة فَمن ل َهم يجهد فَصهيام َثلث َهة أ َ
ٍ ّ ِ ِ َ ُ ْ َ ِ ْ ْ ْ ِ ْ َُُ ْ ْ َ ْ ِ ُ َ َ ٍ َ ْ
َ َ
م ه ل َك ُ ْ ن الل ّ ُ
ك ي ُب َي ّ ُ م ك َذ َل ِ َ مان َك ُ ْظوا أي ْ َ حَف ُ م َوا ْ حل َْفت ُ ْ
ذا َ مان ِك ُ ْ
م إِ َ ك ك َّفاَرةُ أي ْ َ ذ َل ِ َ
ن )(89 شك ُُرو َ م تَ ْ آَيات ِهِ ل َعَل ّك ُ ْ
ده من اليمان, ل يعاقبكم الله -أيها المسلمون -فيما ل تقصدون عَْق َ
مثل قول بعضكم :ل والله ,وبلى والله ,ولكن يعاقبكم فيما قصدتم
عقده بقلوبكم ,فإذا لم ت َُفوا باليمين فإثم ذلك يمحوه الله بما
دمونه مما شرعه الله لكم كفارة من إطعام عشرة مساكين, تق ّ
لكل سكين نصف صاع من أوسط طعام أهل البلد ,أو كسوتهم,
عرًفا ,أو إعتاق مملوك من لكل مسكين ما يكفي في الكسوة ُ
الرق ,فالحالف الذي لم يف بيمينه مخير بين هنا المور الثلثة,
فمن لم يجد شيًئا من ذلك فعليه صيام ثلثة أيام .تلك مكفرات
عدم الوفاء بأيمانكم ,واحفظوا -أيها المسلمون -أيمانكم :باجتناب
الحلف ,أو الوفاء إن حلفتم ,أو الكفارة إذا لم تفوا بها .وكما بّين
الله لكم حكم اليمان والتحلل منها ُيبّين لكم أحكام دينه; لتشكروا
له على هدايته إياكم إلى الطريق المستقيم.
222
َ َ َ
س
جه ٌ
م رِ ْ
ب َوالْزل ُ
صهها ُ
س هُر َوالن َ مي ْ ِم هُر َوال ْ َ ما ال ْ َ
خ ْ مُنوا إ ِن ّ َنآ َ َيا أي َّها ال ّ ِ
ذي َ
ن )(90 حو َ م ت ُْفل ِ ُجت َن ُِبوهُ ل َعَل ّك ُ ْ
ن َفا ْ شي ْ َ
طا ِ ل ال ّ م ِ
ن عَ َ م ِْ
دقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه ،إنما الخمر :وهي يا أيها الذين ص ّ
كل مسكر يغطي العقل ,والميسر :وهو القمار ,وذلك يشمل
المراهنات ونحوها ,مما فيه عوض من الجانبين ,وصد ّ عن ذكر الله,
والنصاب :وهي الحجارة التي كان المشركون يذبحون عندها
ما لها ,وما ينصب للعبادة تقرًبا إليه ,والزلم :وهي الِقداح تعظي ً
التي يستقسم بها الكفار قبل القدام على الشيء ,أو الحجام عنه,
من تزيين الشيطان ,فابتعدوا عن هذه الثام, م ِ إن ذلك كله إث ٌ
لعلكم تفوزون بالجنة.
223
ليس على المؤمنين الذين شربوا الخمر قبل تحريمها إثم في ذلك,
دموا العمال الصالحة إذا تركوها واتقوا سخط الله وآمنوا به ,وق ّ
التي تدل على إيمانهم ورغبتهم في رضوان الله تعالى عنهم ,ثم
من
ازدادوا بذلك مراقبة لله عز وجل وإيمانا به ,حتى أصبحوا ِ
يقينهم يعبدونه ,وكأنهم يرونه .وإن الله تعالى يحب الذين بلغوا
درجة الحسان حتى أصبح إيمانهم بالغيب كالمشاهدة.
َ َ
م كه ْمن ْ ُ
ه ِ ن قَت ََله ُ مه ْ م وَ َ حهُر ٌ م ُ صهي ْد َ وَأن ُْته ْ مُنهوا ل ت َْقت ُُلهوا ال ّ نآ َ ذي َ َيا أي َّها اّله ِ
ديا ً م هَ ه ْ من ْك ُه ْ ل ِ م ب ِهِ ذ ََوا عَد ْ ٍ حك ُ ُ ن الن ّعَم ِ ي َ ْم ْ ل ِ ما قَت َ َ مث ْ ُ
ل َ جَزاٌء ِ مدا ً فَ َمت َعَ ُّ
صَياما ً ل ِي َ ُ َ َ
لذوقَ وََبا َ ك ِ ل ذ َل ِ َ
ن أوْ عَد ْ ُ كي َ سا ِم َ م َ َبال ِغَ ال ْك َعْب َةِ أوْ ك َّفاَرةٌ ط ََعا ُ
َ
ذو زيهٌز ُ ه عَ ِ ه َوالّله ُ مْنه ُه ِ م الّله ُ عاد َ فََينت َِق ُ ن َ م ْ ف وَ َ سل َ َ
ما َ ه عَ ّ مرِهِ عََفا الل ّ ُ أ ْ
انت َِقام ٍ )(95
دقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه ل تقتلوا صيد البر, يا أيها الذين ص ّ
ي
من قتل أ ّ وأنتم محرمون بحج أو عمرة ,أو كنتم داخل الحرم و َ
دا فجزاء ذلك أن يذبح مثل ذلك الصيد من نوٍع من صيد البّر متعم ً
دره اثنان عدلن, بهيمة النعام :البل أو البقر أو الغنم ,بعد أن ي َُق ّ
ما يهديه
وأن يهديه لفقراء الحرم ,أو أن يشتري بقيمة مثله طعا ً
لفقراء الحرم لكل مسكين نصف صاع ,أو يصوم بدل من ذلك يوما
ض الله عليه هذا الجزاء; عن كل نصف صاع من ذلك الطعام ,فََر َ
ليلقى بإيجاب الجزاء المذكور عاقبة فِْعله .والذين وقعوا في شيء
من عاد إلى من ذلك قبل التحريم فإن الله تعالى قد عفا عنهم ,و َ
معَّرض لنتقام الله منه .والله دا بعد التحريم ,فإنه ُ
المخالفة متعم ً
224
من عزته أنه ينتقم ممن
تعالى عزيز قويّ منيع في سلطانه ,و ِ
عصاه إذا أراد ,ل يمنعه من ذلك مانع.
م عَل َي ْك ُه ْ
م حهّر َ
سهّياَرةِ وَ ُ
م وَِلل ّ مَتاعها ً ل َك ُه ْ ه َ حرِ وَط ََعا ُ
م ُ صي ْد ُ ال ْب َ ْ
م َ ل ل َك ُ ْ
ح ّ أُ ِ
ن )(96 شُرو َ ح َ ذي إ ِل َي ْهِ ت ُ ْ ه ال ّ ِحُرما ً َوات ُّقوا الل ّ َ
م ُ مت ُ ْ صي ْد ُ ال ْب َّر َ
ما د ُ ْ َ
أحل الله لكم -أيها المسلمون -في حال إحرامكم صيد البحر ,وهو
ما يصاد منه حّيا ,وطعامه :وهو الميت منه; من أجل انتفاعكم به
مقيمين أو مسافرين ,وحرم عليكم صيد الب َّر ما دمتم محرمين بحج
مره ,واجتنبوا جميع نواهيه;أو عمرة .واخشوا الله ونفذوا جميع أوا ِ
سلموا من أليم عقابه عندما تحشرون حتى تظَفروا بعظيم ثوابه ,وت َ ْ
للحساب والجزاء.
م َوال ْهَد ْ َ
ي شهَْر ال ْ َ
حَرا َ س َوال ّ ِ م قَِياما ً ِللّناحَرا َ ت ال ْ َة ال ْب َي ْ َه ال ْك َعْب َ َل الل ّ ُ جع َ َ َ
ض َ َ ّ َ َ ْ
َوالَقلئ ِد َ ذ َل ِ َ
ما ِفههي الْر ِ ت وَ َوا ِم َ
س َما ِفي ال ّ م َ ه ي َعْل ُ
ن الل َ موا أ ّ ك ل ِت َعْل ُ
َ
م )(97 يٍء عَِلي ٌ ش ْ ل َ ه ب ِك ُ ّ ن الل ّ َ وَأ ّ
حا لدينهم,
ن الله على عباده بأن جعل الكعبة البيت الحرام صل ً امت ّ
وأمًنا لحياتهم; وذلك حيث آمنوا بالله ورسوله وأقاموا فرائضه,
وحّرم العدوان والقتال في الشهر الحرم )وهي ذو القعدة وذو
الحجة والمحرم ورجب( فل يعتدي فيها أحد على أحد ,وحّرم تعالى
دى إلى الحرم من بهيمة النعام ,وحّرم كذلك العتداء على ما ُيه َ
العتداء على القلئد ,وهي ما قُّلد إشعاًرا بأنه بقصد به النسك; ذلك
لتعلموا أن الله يعلم جميع ما في السموات وما في الرض ,ومن
ذلك ما شرعه لحماية خلقه بعضهم من بعض ,وأن الله بكل شيء
عليم ,فل تخفى عليه خافية.
َ َ
م )(98
حي ٌ ن الل ّ َ
ه غَُفوٌر َر ِ ديد ُ ال ْعَِقا ِ
ب وَأ ّ ن الل ّ َ
ه َ
ش ِ اعْل َ ُ
موا أ ّ
اعلموا -أيها الناس -أن الله جل وعل شديد العقاب لمن عصاه,
وأن الله غفور رحيم لمن تاب وأناب.
ن )(99 ما ت َك ْت ُ ُ
مو َ ن وَ َ
دو َ
ما ت ُب ْ ُ ه ي َعْل َ ُ
م َ ل إ ِل ّ ال َْبلغُ َوالل ّ ُ ما عََلى الّر ُ
سو ِ َ
225
يبّين الله تعالى أن مهمة رسوله صلى الله عليه وسلم هداية
الدللة والتبليغ ,وبيد الله -وحده -هداية التوفيق ,وأن ما تنطوي
عليه نفوس الناس مما ُيسرون أو يعلنون من الهداية أو الضلل
يعلمه الله.
َ
ث َفات ُّقوا الل ّ َ
ه ك ك َث َْرةُ ال ْ َ
خِبي ِ ب وَل َوْ أعْ َ
جب َ َ ث َوالط ّي ّ ُ خِبي ُ وي ال ْ َست َ ِ قُ ْ
ل ل يَ ْ
َ ُ
ن )(100 حو َ م ت ُْفل ِ ُب ل َعَل ّك ُ ْ
َيا أوِلي الل َْبا ِ
قل -أيها الرسول :-ل يستوي الخبيث والطيب من كل شيء,
فالكافر ل يساوي المؤمن ,والعاصي ل يساوي المطيع ,والجاهل ل
يساوي العالم ,والمبتدع ل يساوي المتبع ,والمال الحرام ل يساوي
الحلل ,ولو أعجبك -أيها النسان -كثرة الخبيث وعدد أهله .فاتقوا
الله يا أصحاب العقول الراجحة باجتناب الخبائث ,وفعل الطيبات;
لتفلحوا بنيل المقصود العظم ,وهو رضا الله تعالى والفوز بالجنة.
ن ن اّله ِ
ذي َ حهام ٍ وَل َ ِ
كه ّ صهيل َةٍ َول َ
سائ ِب َةٍ َول وَ ِ
حيَرةٍ َول َ
ن بَ ِ
م ْ ل الل ّ ُ
ه ِ جع َ َ
ما َ
َ
226
َ
م ل ي َعِْقُلو َ
ن )(103 ن عََلى الل ّهِ ال ْك َذِ َ
ب وَأك ْث َُرهُ ْ ك ََفُروا ي َْفت َُرو َ
من ت َْرك
ما شرع الله للمشركين ما ابتدعوه في بهيمة النعام ِ
النتفاع ببعضها وجعلها للصنام ,وهي :الَبحيرة التي ُتقطع أذنها إذا
دا من البطون ,والسائبة وهي التي ُتترك للصنام,ولدت عد ً
والوصيلة وهي التي تتصل ولدتها بأنثى بعد أنثى ,والحامي وهو
الذكر من البل إذا ُولد من صلبه عدد من البل ,ولكن الكفار نسبوا
ذلك إلى الله تعالى افتراء عليه ,وأكثر الكافرين ل يميزون الحق
من الباطل.
ما
سب َُنا َ
ح ْ ل َقاُلوا َ سو ِه وَإ َِلى الّر ُ ما َأنَز َ
ل الل ّ ُ وا إ َِلى َ م ت ََعال َ ْ
ل ل َهُ ْ
ذا ِقي َ وَإ ِ َ
َ
ن) دو َ شهْيئا ً َول ي َهْت َه ُن َ م ل ي َعْل َ ُ
مههو َ جد َْنا عَل َي ْهِ آَباَءن َهها أوَل َهوْ ك َهها َ
ن آب َههاؤُهُ ْ وَ َ
(104
وإذا قيل لهؤلء الكفار المحّرمين ما أحل الله :تعالوا إلى تنزيل الله
وإلى رسوله ليتبين لكم الحلل والحرام ,قالوا :يكفينا ما ورثناه عن
آبائنا من قول وعمل ,أيقولون ذلك ولو كان آباؤهم ل يعلمون شيًئا
أي :ل يفهمون حّقا ول يعرفونه ,ول يهتدون إليه؟ فكيف يتبعونهم,
والحالة هذه؟ فإنه ل يتبعهم إل من هو أجهل منهم وأضل سبيل.
َ َ
نحيه َ ت ِ م ال ْ َ
م هو ْ ُ حهد َك ُ ْ
ضهَر أ َ ح َ ذا َ شهَهاد َةُ ب َي ْن ِك ُه ْ
م إِ َ من ُههوا َ نآ َ َيا أي ّهَهها ال ّه ِ
ذي َ
م خران مهن غَيرك ُهم إ َ ال ْوصية اث ْنان ذ َوا عَدل منك ُ َ
ضهَرب ْت ُ ْم َ ن أن ْت ُه ْ
م أو ْ آ َ َ ِ ِ ْ ْ ِ ْ ِ ْ ْ ٍ ِ ْ ْ َ ِ ّ ِ َ ِ َ َ
َ
صهلةِ ن ب َْعهدِ ال ّ مه ْ ما ِسهون َهُ َ
حب ِ ُت تَ ْ مهوْ ِ ة ال ْ َ صهيب َ ُ
م ِ
م ُصهاب َت ْك ُ ْض فَأ َِفي الْر ِ
227
ذا قُْرب َههى َول من ها ً وَل َهوْ ك َهها َ
ن َ ري ب ِههِ ث َ َ شت َ ِم ل نَ ْ ن ِبالل ّهِ إ ِ ْ
ن اْرت َب ْت ُ ْ ما ِ فَي ُْق ِ
س َ
ن )(106 مي َن الث ِ ِ شَهاد َةَ الل ّهِ إ ِّنا ِإذا ً ل َ ِ
م ْ م َ ن َك ْت ُ ُ
دقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه إذا قرب الموت يا أيها الذين ص ّ
شِهد على وصيته اثنين أمينين من المسلمين أو من أحدكم ,فل ْي ُ ْ
آخرين من غير المسلمين عند الحاجة ,وعدم وجود غيرهما من
المسلمينُ ,تشهدونهما إن أنتم سافرتم في الرض فح ّ
ل بكم
الموت ,وإن ارتبتم في شهادتهما فقفوهما من بعد الصلة -أي
ما
صلة المسلمين ,وبخاصة صلة العصر ،-فيقسمان بالله قس ً
ضا من الدنيا ,ول يحابيان به ذا قرابة منهما,
صا ل يأخذان به عو ً خال ً
ول يكتمان به شهادة لله عندهما ,وأنهما إن فََعل ذلك فهما من
المذنبين.
ن
مهها ٌ
َ َ
خههاُفوا أ ْ
ن ت ُهَرد ّ أي ْ َ جهِهَهها أ َوْ ي َ َ ن ي َأ ُْتوا ِبال ّ
شَهاد َةِ عَل َههى وَ ْ
َ
ك أد َْنى أ ْ
ذ َل ِ َ َ
َ
ن)سهِقي َ م ال َْفا ِ دي ال َْقهوْ َ ه ل ي َهْه ِ مُعوا َوالل ّه ُ
س َه َوا ْم َوات ُّقوا الل ّ َ مان ِهِ ْ
ب َعْد َ أي ْ َ
(108
ذلك الحكم عند الرتياب في الشاهدين من الحلف بعد الصلة
وعدم قبول شهادتهما ,أقرب إلى أن يأتوا بالشهادة على حقيقتها
خوًفا من عذاب الخرة ,أو خشية من أن ترد اليمين الكاذبة من
قَِبل أصحاب الحق بعد حلفهم ,فيفتضح الكاذب الذي ردت يمينه
في الدنيا وقت ظهور خيانته .وخافوا الله -أيها الناس -وراقبوه أن
ما ,واسمعوا ماتحلفوا كذًبا ,وأن تقتطعوا بأيمانكم مال حرا ً
توعظون به .والله ل يهدي القوم الفاسقين الخارجين عن طاعته.
228
عل ْم ل َنا إنهه َ َ ل ما َ ُ
ت
ك أْنهه َ م َقاُلوا ل ِ َ َ ِ ّ
جب ْت ُ ْ
ذا أ ِ ل فَي َُقو ُ َ
س َ معُ الل ّ ُ
ه الّر ُ ج َم يَ ْي َوْ َ
ب )(109 م ال ْغُُيو ِ
عَل ّ ُ
واذكروا -أيها الناس -يوم القيامة يوم يجمع الله الرسل عليهم
السلم ,فيسألهم عن جواب أممهم لهم حينما دعوهم إلى التوحيد
فيجيبون :ل علم لنا ,فنحن ل نعلم ما في صدور الناس ,ول ما
أحدثوا بعدنا .إنك أنت عليم بكل شيء مما ظهر وخفي.
ك إ ِذ ْ على َوال ِهد َت ِ َ ك وَ َ مِتي عَل َي ْ َ م اذ ْك ُْر ن ِعْ َ مْري َ َن َ سى اب ْ َ عي َه َيا ِ ل الل ّ ُ إ ِذ ْ َقا َ
ب ك ال ْك ِت َهها َ مت ُ َمهْدِ وَك َهْل ً وَإ ِذ ْ عَل ّ ْ س ِفي ال ْ َ م الّنا َ س ت ُك َل ّ ُ ْ
ح الُقد ُ ِ ك ب ُِرو ِ أ َّيدت ّ َ
ن ك َهَي ْئ َةِ الط ّي ْرِ ِبههإ ِذ ِْني ِ
ن ال ّ
طي م ْ خل ُقُ ِ ل وَإ ِذ ْ ت َ ْجي َ لن ِ ة َوالت ّوَْراةَ َوا ِ م َحك ْ َ َوال ْ ِ
َ َ
ص ب ِهإ ِذ ِْني وَإ ِذ ْ ه َوالب ْهَر َ مه َن ط َي ْههرا ً ب ِهإ ِذ ِْني وَت ُب ْهرِئُ الك ْ َ كو ُ خ ِفيَها فَت َ ُ فََتنُف ُ
ت م ِبال ْب َي ّن َهها ِجئ ْت َهُ ْك إ ِذ ْ ِ ل عَن ْ َ سَراِئي َ ت ب َِني إ ِ ْ موَْتى ب ِإ ِذ ِْني وَإ ِذ ْ ك ََفْف ُ ج ال ْ َ خرِ ُ تُ ْ
ن )(110 مِبي ٌ حٌر ُ س ْ ذا إ ِل ّ ِ ن هَ َ م إِ ْ من ْهُ ْن ك ََفُروا ِ ذي َ ل ال ّ ِ فََقا َ
إذ قال الله يرم القيامة :يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك إذ
خلقتك من غير أب ,وعلى والدتك حيث اصطفيتها على نساء
سب إليها ,ومن هذه النعم على عيسى أنه العالمين ,وبرأتها مما ن ُ ِ
واه وأعانه بجبريل عليه السلم ,يكلم الناس وهو رضيع ,ويدعوهم ق ّ
إلى الله وهو كبير بما أوحاه الله إليه من التوحيد ,ومنها أن الله
تعالى عّلمه الكتابة والخط بدون معلم ,ووهبه قوة الفهم والدراك,
وعَّلمه التوراة التي أنزلها على موسى عليه السلم ,والنجيل الذي
ور من الطين كهيئة أنزل عليه هداية للناس ,ومن هذه النعم أنه يص ّ
الطير فينفخ في تلك الهيئة ,فتكون طيًرا بإذن الله ,ومنها أنه
ما
يشفي الذي وُِلد أعمى فيبصر ,ويشفي البرص ,فيعود جلده سلي ً
ي الموتى فيقومون من بإذن الله ,ومنها أنه يدعو الله أن يحي َ
قبورهم أحياء ,وذلك كله بإرادة الله تعالى وإذنه ,وهي معجزات
كره الله جل وعل نعمته باهرة تؤيد نبوة عيسى عليه السلم ,ثم يذ ّ
موا بقتله ,وقد جاءهم بالمعجزات عليه إذ منع بني إسرائيل حين ه ّ
ن ما جاء بهالواضحة الدالة على نبوته ,فقال الذين كفروا منهم :إ ّ
عيسى من البينات سحر ظاهر.
ل يسهتطيع ربه َ َ
ن ي ُن َهّز َ
ل كأ ْ م هَ ه ْ َ ْ َ ِ ُ َ ّ مْري َ َن َ
سى اب ْ َ عي َ ن َيا ِوارِّيو َ ل ال ْ َ
ح َ إ ِذ ْ َقا َ
ن )(112 مؤ ْ ِ
مِني َ م ُ ن ُ
كنت ُ ْ ه إِ ْل ات ُّقوا الل ّ َ
ماِء َقا َ
س َن ال ّ م ْ
مائ ِد َةً ِعَل َي َْنا َ
واذكر إذ قال الحواريون :يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك إن
سألته أن ينزل علينا مائدة طعام من السماء؟ فكان جوابه أن
أمرهم بأن يتقوا عذاب الله تعالى ,إن كانوا مؤمنين حقّ اليمان.
ن ماءِ ت َ ُ
كو ُ س َ
ن ال ّ م ْ
مائ ِد َةً ِ م َرب َّنا َأنزِ ْ
ل عَل َي َْنا َ م الل ّهُ ّ مْري َ َ
ن َسى اب ْ ُ عي َ
ل َِقا َ
َ من ْ َ َ
عيدا ً لوّل َِنا َوآ ِ
ل ََنا ِ
ن )(114 خيُر الّرازِِقي َ ت َك َواْرُزقَْنا وَأن ْ َ ة ِ خرَِنا َوآي َ ً
أجاب عيسى ابن مريم طلب الحواريين فدعا ربه جل وعل قائل
دا لنا,
ربنا أنزل علينا مائدة طعام من السماء ,نتخذ يوم نزولها عي ً
من بعدنا ,وتكون المائدة علمة وحجة منك يا ألله نعظمه نحن و َ
على وحدانيتك وعلى صدق نبوتي ,وامنحنا من عطائك الجزيل,
وأنت خير الرازقين.
ذابا ً ُ
عهه َ
ه َ من ْك ُ ْ
م فَإ ِّني أعَذ ّب ُ ُ ن ي َك ُْفْر ب َعْد ُ ِ من َّزل َُها عَل َي ْك ُ ْ
م فَ َ
م ْ ه إ ِّني ُل الل ّ ُ
َقا َ
ل أ ُعَذ ّب َ
ن )(115 مي َ ن ال َْعال َ ِ
م ْحدا ً ِ
هأ َ ُ ُ
230
قال الله تعالى :إني منزل مائدة الطعام عليكم ,فمن يجحد منكم
وحدانيتي ونبوة عيسى عليه السلم بعد نزول المائدة فإني أعذبه
دا من العالمين .وقد نزلت المائدة كما
دا ,ل أعذبه أح ً
عذاًبا شدي ً
وعد الله.
َ َ
تكنه ُ م وَ ُ
كه ْه َرّبهي وََرب ّ ُ دوا الّله َ
ن اعُْبه ُ مْرت َِنهي ِبههِ أ ْما أ َ م إ ِل ّ َ ت ل َهُ ْما قُل ْ ُ َ
َ َ ما ت َوَفّي ْت َِني ُ َ ً َ
م
ب عَلي ِْههه ْت الّرِقيهه َ ت أن ْ َ كن َ م فَل ّ
ت ِفيهِ ْ م ُ ما د ُ ْ شِهيدا َ م َ عَلي ْهِ ْ
شِهيد ٌ )(117 يٍء َ ل َ ت عََلى ك ُ ّ َ
ش ْ وَأن ْ َ
ي,
ت لهم إل ما أوحيته إل ّ
ب ما قل ُقال عيسى عليه السلم :يا ر ّ
ت على ماوأمرتني بتبليغه من إفرادك بالتوحيد والعبادة ,وكن ُ
دا عليهم وعلى أفعالهم وأقوالهم, يفعلونه -وأنا بين أظهرهم -شاه ً
فلما وفيتني أجلي على الرض ,ورفعتني إلى السماء حّيا ,كنت أنت
المط ِّلع على سرائرهم ,وأنت على كل شيء شهيد ,ل تخفى عليك
خافية في الرض ول في السماء.
231
المغفرة ,فإنك أنت العزيز الذي ل يغال َ ُ
ب ,الحكيم في تدبيره
وأمره .وهذه الية ثناء على الله -تعالى -بحكمته وعدله ,وكمال
علمه.
ن
مه ْري ِ جه ِ ت تَ ْ
جّنها ٌ
َ م ل َُهه ْ
م صهد ْقُهُ ْ
ن ِصهادِِقي َم َينَفهعُ ال ّ ذا ي َوْ ُ ل الل ّ ُ
ه هَ َ َقا َ
َ حت ِها ا َ
كه ذ َل ِه َ
ضههوا عَن ْه ُوََر ُ مه عَن ْهُه ْي الل ّه ُ ن ِفيَها أب َههدا ً َر ِ
ضه َ دي َ
خال ِ ِ
لنَهاُر َ تَ ْ َ
م )(119 ظي ُال َْفوُْز ال ْعَ ِ
قال الله تعالى لعيسى عليه السلم يوم القيامة :هذا يوم الجزاء
الذي ينفع الموحدين توحيدهم ربهم ,وانقيادهم لشرعه ,وصدقهم
في نياتهم وأقوالهم وأعمالهم ,لهم جنات تجري من تحت قصورها
دا ,رضي الله عنهم فقبل حسناتهم ,ورضوا النهار ,ماكثين فيها أب ً
عنه بما أعطاهم من جزيل ثوابه .ذلك الجزاء والرضا منه عليهم هو
الفوز العظيم.
-6سورة النعام
َ
ت َوالن ّههوَر ث ُه ّ
م ل الظ ّل ُ َ
ما ِ جع َ َ
ض وَ َ
ت َوالْر َ
وا ِ
م َ
س َخل َقَ ال ّ ذي َ مد ُ ل ِل ّهِ ال ّ ِ ال ْ َ
ح ْ
ن )(1 م ي َعْدُِلو َ
ن ك ََفُروا ب َِرب ّهِ ْ ذي َال ّ ِ
الثناء على الله بصفاته التي كّلها أوصاف كمال ،وبنعمه الظاهرة
والباطنة ،الدينية والدنيوية ،الذي أنشأ السموات والرض وما فيهن,
وخلق الظلمات والنور ,وذلك بتعاقب الليل والنهار .وفي هذا دللة
232
على عظمة الله تعالى ,واستحقاقه وحده العبادة ,فل يجوز لحد أن
يشرك به غيره .ومع هذا الوضوح فإن الكافرين يسوون بالله غيره,
ويشركون به.
َ َ
عن ْهد َهُ ث ُه ّ
م مى ِ
سه ّ
م َ
ل ُ جل ً وَأ َ
جه ٌ م قَ َ
ضههى أ َ ن ثُ ّ
طي ٍ
ن ِ
م ْ خل ََقك ُ ْ
م ِ ذي َ هُوَ ال ّ ِ
ن )(2 َ
مت َُرو َم تَ ْأن ْت ُ ْ
هو الذي خلق أباكم آدم من طين وأنتم سللة منه ,ثم كتب مدة
دا ل يعلمه إل هو
بقائكم في هذه الحياة الدنيا ,وكتب أجل آخر محد ّ ً
كون في قدرة الله جل وعل وهو يوم القيامة ,ثم أنتم بعد هذا تش ّ
تعالى على البعث بعد الموت.
َ
مهها م وَي َعْل َ ُ
م َ جهَْرك ُ ْ سّرك ُ ْ
م وَ َ ض ي َعْل َ ُ
م ِ ت وَِفي الْر ِ
وا ِ
م َ
س َ وَهُوَ الل ّ ُ
ه ِفي ال ّ
ن )(3سُبو َ ت َك ْ ِ
والله سبحانه هو الله المعبود في السموات والرض .ومن دلئل
ألوهيته أنه يعلم جميع ما تخفونه -أيها الناس -وما تعلنونه ,ويعلم
ل وعل -وحده هو الله جميع أعمالكم من خير أو شر; ولهذا فإنه -ج ّ
المستحق للعبادة.
ن )(4 م إ ِل ّ َ ْ
ضي َ
معْرِ ِ
كاُنوا عَن َْها ُ ت َرب ّهِ ْ
ن آَيا ِ
م ْ
ن آي َةٍ ِ
م ْ
م ِ
ما ت َأِتيهِ ْ
وَ َ
هؤلء الكفار الذين يشركون مع الله تعالى غيره قد جاءتهم الحجج
ق
صد ْ ِ
الواضحة والدللت البينة على وحدانية الله -جل وعل -و ِ
محمد صلى الله عليه وسلم في نبوته ,وما جاء به ,ولكن ما إن
جاءتهم حتى أعرضوا عن قبولها ,ولم يؤمنوا بها.
ف يهأ ِْتيه َ
مهها ك َههاُنوا ب ِه ِ
ه م أن ْب َههاُء َ
ِ ْ م فَ َ
س هو ْ َ َ جههاَءهُ ْ حقّ ل َ ّ
مهها َ فََقد ْ ك َهذ ُّبوا ب ِههال ْ َ
ست َهْزُِئون )(5 يَ ْ
لقد جحد هؤلء الكفار الحقّ الذي جاءهم به محمد صلى الله عليه
وسلم وسخروا من دعائه; جهل منهم بالله واغتراًرا بإمهاله إياهم,
233
فسوف يرون ما استهزءوا به أنه الحق والصدق ,ويبين الله
للمكذبين كذبهم وافتراءهم ,ويجازيهم عليه.
مهها ل َه ْ
م ض َ ر
ْ
من قَرن مك ّن ّههاهُم فِههي ال َ
ْ َ ٍ ْ ْ ِ م
ْ ِ هِ لْ بَ ق نْ م
ِ نا
َ م أ َهْل َك ْْ م ي ََرْوا ك َ ْ أ َل َ
ِ َ
ن ه
ِ ْ م ري جه ِجعَل َْنا ال َن ْهَههاَر ت َ ْمد َْرارا ً وَ َ
م ِ ماَء عَل َي ْهِ ْ س َ سل َْنا ال ّ م وَأْر َ ن ل َك ُ ْمك ّ ْ نُ َ
ْ م وََأن َ َ
ن )(6 ري َ
خ ِم قَْرنا ً آ َ ن ب َعْدِهِ ْم ْ شأَنا ِ م ب ِذ ُُنوب ِهِ ْ م فَأهْل َك َْناهُ ْ حت ِهِ ْ تَ ْ
ألم يعلم هؤلء الذين يجحدون وحدانية الله تعالى واستحقاقه وحده
دا صلى الله عليه وسلم ما ح ّ
ل العبادة ,ويكذبون رسوله محم ً
بالمم المكذبة قبلهم من هلك وتدمير ,وقد مكّناهم في الرض ما
لم نمكن لكم أيها الكافرون ,وأنعمنا عليهم بإنزال المطار وجريان
جا وإملًء لهم ,فكفروا بنعم الله
النهار من تحت مساكنهم؛ استدرا ً
ما
وكذبوا الرسل ,فأهلكناهم بسبب ذنونهم ,وأنشأنا من بعدهم أم ً
أخرى خلفوهم في عمارة الرض؟
ن )(9 ما ي َل ْب ِ ُ
سو َ سَنا عَل َي ْهِ ْ
م َ جل ً وَل َل َب َ ْ
جعَل َْناهُ َر ُ
مَلكا ً ل َ َ
جعَل َْناهُ َ
وَل َوْ َ
234
مل َ ً
كا إذ لم يقتنعوا بمحمد صلى ولو جعلنا الرسول المرسل إليهم َ
الله عليه وسلم ,لجعلنا ذلك الملك في صورة البشر ,حتى
يستطيعوا السماع منه ومخاطبته; إذ ليس بإمكانهم رؤية الملك
على صورته الملئكية ,ولو جاءهم الملك بصورة رجل لشتبه المر
عليهم ,كما اشتبه عليهم أمر محمد صلى الله عليه وسلم.
ما َ
كههاُنوا م َ
من ْهُ ْ
خُروا ِ
س ِ
ن َ حاقَ ِبال ّ ِ
ذي َ ن قَب ْل ِ َ
ك فَ َ م ْ
ل ِ
س ٍ وَل ََقد ْ ا ْ
ست ُهْزِئَ ب ُِر ُ
ست َهْزُِئون )(10 ب ِهِ ي َ ْ
ما كان طلبهم إنزال الملك على سبيل الستهزاء بمحمد صلى ول ّ
الله عليه وسلم بّين الله تعالى له أن الستهزاء بالرسل عليهم
السلم ليس أمرا حادثا ,بل قد وقع من الكفار السابقين مع
أنبيائهم ,فأحاط بهم العذاب الذي كانوا يهزؤون به وينكرون وقوعه.
َ
ن )(11 ة ال ْ ُ
مك َذ ِّبي َ عاقِب َ ُ
ن َ
كا َ م انظ ُُروا ك َي ْ َ
ف َ ض ثُ ّ
سيُروا ِفي الْر ِ قُ ْ
ل ِ
قل لهم -أيها الرسول : -سيروا في الرض ثم انظروا كيف أعقب
الله المكذبين الهلك والخزي؟ فاحذروا مثل مصارعهم ,وخافوا أن
يح ّ
ل بكم مثل الذي حل بهم.
ة
م َح َسهِ الّر ْب عََلى ن َْف ِل ل ِل ّهِ ك َت َ َ
ض قُ ْ
ِ ت َوال َْر
وا ِم َ س َما ِفي ال ّ ن َ م ْل لِ َ قُ ْ
َ
مم فَُههه ْ
سهههُ ْسُروا أنُف َخ ِ ن َ ب ِفيهِ ال ّ ِ
ذي َ مةِ ل َري ْ َم إ َِلى ي َوْم ِ ال ِْقَيا َ
معَن ّك ُ ْج َ ل َي َ ْ
ن )(12 مُنو َ ل ي ُؤْ ِ
ك السموات والرض مل ُ
قل -أيها الرسول -لهؤلء المشركين :لمن ُ
وما فيهن؟ قل :هو لله كما تقرون بذلك وتعلمونه ,فاعبدوه وحده.
كتب الله على نفسه الرحمة فل بعجل على عباده بالعقوبة.
ليجمعنكم إلى يوم القيامة الذي ل شك فيه للحساب والجزاء.
الذين أشركوا بالله أهلكوا أنفسهم ,فهم ل يوحدون الله ,ول
يصدقون بوعده ووعيده ,ول يقرون بنبوة محمد صلى الله عليه
وسلم.
ميعُ ال ْعَِلي ُ
م )(13 س ِ ن ِفي الل ّي ْ ِ
ل َوالن َّهارِ وَهُوَ ال ّ سك َ َ
ما َ وَل َ ُ
ه َ
235
ولله ملك كل شيء في السموات والرض ,سكن أو تحرك ,خفي
أو ظهر ,الجميع عبيده وخلقه ,وتحت قهره وتصرفه وتدبيره ,وهو
السميع لقوال عباده ,الحليم بحركاتهم وسرائرهم.
ظيم ٍ )(15
ب ي َوْم ٍ عَ ِ ت َرّبي عَ َ
ذا َ صي ْ ُ
ن عَ َ
ف إِ ْ ل إ ِّني أ َ َ
خا ُ قُ ْ
قل -أيها الرسول -لهؤلء المشركين مع الله غيره :إني أخاف إن
عصيت ربي ,فخالفت أمره ,وأشركت معه غيره في عبادته ,أن
ينزل بي عذاب عظيم يوم القيامة.
ن )(16 ك ال َْفوُْز ال ْ ُ
مِبي ُ ه وَذ َل ِ َ
م ُ مئ ِذٍ فََقد ْ َر ِ
ح َ ه ي َوْ َ
ف عَن ْ ُ
صَر ْ
ن يُ ْ
م ْ
َ
من يصرف الله عنه ذلك العذاب الشديد فقد رحمه ,وذلك الصرف
هو الظفر البين بالنجاة من العذاب العظيم.
ر
خي ْه ٍ سه َ
ك بِ َ س ْ
م َ
ن يَ ْ ف ل َه ُ
ه إ ِل ّ هُهوَ وَإ ِ ْ شه َ ضّر َفل َ
كا ِ ك الل ّ ُ
ه بِ ُ س َ س ْم َ
ن يَ ْ
وَإ ِ ْ
ديٌر )(17يٍء قَ ِش ْ ل َ فَهُوَ عََلى ك ُ ّ
وإن يصبك الله تعالى -أيها النسان -بشيء يضرك كالفقر والمرض
فل كاشف له إل هو ,وإن يصبك بخير كالغنى والصحة فل راد
لفضله ول مانع لقضائه ,فهو -جل وعل -القادر على كل شيء.
236
م ال ْ َ
خِبيُر )(18 كي ُ عَبادِهِ وَهُوَ ال ْ َ
ح ِ وَهُوَ ال َْقاهُِر فَوْقَ ِ
والله سبحانه هو الغالب القاهر فوق عباده; خضعت له الرقاب
وذ َل ّ ْ
ت له الجبابرة ,وهو الحكيم الذي يضع الشياء مواضعها وَْفق
حكمت ,الخبير الذي ل يخفى عليه شيء .ومن اتصف بهذه
الصفات يجب أل يشرك به .وفي هذه الية إثبات الفوقية لله
-تعالى -على جميع خلقه ,فوقية مطلقة تليق بجلله سبحانه.
يي إ ِل َه ّ
حه َ م وَُأو ِ شِهيد ٌ ب َي ِْني وَب َي ْن َك ُه ْ ه َ ل الل ّ ُ شَهاد َةً قُ ْ يٍء أ َك ْب َُر َ ل أ َيّ َ
ش ْ قُ ْ
م هعَ الل ّههِ آل ِهَ ه ً ش ههدو َ َ ذا ال ُْقرآ ُ ُ
ة ن َ نأ ّ م ل َت َ ْ َ ُ َ ن ب َل َغَ أئ ِن ّك ُه ْ
م ْم ب ِهِ وَ َن لنذَِرك ُ ْ ْ هَ َ
َ أُ ْ
ن)كو َ شرِ ُ ما ت ُ ْ
م ّريٌء ِ حد ٌ وَإ ِن ِّني ب َ ِ
ه َوا ِ ما هُوَ إ ِل َ ٌ شهَد ُ قُ ْ
ل إ ِن ّ َ للأ ْ خَرى قُ ْ
(19
قل -أيها الرسول لهؤلء المشركين :-أيّ شيء أعظم شهادة في
إثبات صدقي فيما أخبرتكم به أني رسول الله؟ قل :الله شهيد
بيني وبينكم أي :هو العالم بما جئتكم به وما أنتم قائلونه لي,
من أجل أن أنذركم به عذابه أن يح ّ
ل ي هذا القرآن ِوأوحى الله إل ّ
من وصل إليه من المم .إنكم لتقرون أن مع الله بكم ,وأنذر به َ
معبودات أخرى تشركونها به .قل لهم -أيها الرسول :-إني ل أشهد
على ما أقررتم به ,إنما الله إله واحد ل شريك له ,وإنني بريء من
كل شريك تعبدونه معه.
َ وم َ
ح
ه ل ي ُْفل ِه ُ ذبا ً أوْ ك َهذ ّ َ
ب ِبآي َههات ِهِ إ ِن ّه ُ ن افْت ََرى عََلى الل ّهِ ك َه ِ
م ْ
م ّ ن أظ ْل َ ُ
م ِ َ َ ْ
237
ن )(21
مو َ ال ّ
ظال ِ ُ
ل الكذب على الله تعالى ,فزعم أن له من ت ََقوّ َ
ما م ّ
ل أحد أشد ظل ً
دا أو صاحبة ,أو كذب ببراهينه
دعى أن له ول ً شركاء في العبادة ,أو ا ّ
وأدلته التي أّيد بها رسله عليهم السلم .إنه ل يفلح الظالمون الذين
افتروا الكذب على الله ,ول يظفرون بمطالبهم في الدنيا ول في
الخرة.
شر ُ َ ل ل ِل ّذي َ
ن م اّلهه ِ
ذي َ كاؤُك ُ ْ
شَر َ
ن ُ
كوا أي ْ َ نأ ْ َِ َ ميعا ً ث ُ ّ
م ن َُقو ُ ج ِ
م َ ح ُ
شُرهُ ْ م نَ ْوَي َوْ َ
ن )(22 مو َم ت َْزعُ ُ ُ
كنت ُ ْ
وليحذر هؤلء المشركون المكذبون بآيات الله تعالى يوم نحشرهم
دعون أنهم شركاء مع الله
ثم نقول لهم :أين آلهتكم التي كنتم ت ّ
تعالى ليشفعوا لكم؟
َ
ن )(23
كي َ م ْ
شرِ ِ ن َقاُلوا َوالل ّهِ َرب َّنا َ
ما ك ُّنا ُ م إ ِل ّ أ ْ
ن فِت ْن َت ُهُ ْ م لَ ْ
م ت َك ُ ْ ثُ ّ
ثم لم تكن إجابتهم حين فتنوا واختبروا بالسؤال عن شركائهم إل
أن تبرؤوا منهم ,وأقسموا بالله ربهم أنهم لم يكونوا مشركين مع
الله غيره.
َ
ن )(24 ما َ
كاُنوا ي َْفت َُرو َ م َ ض ّ
ل عَن ْهُ ْ م وَ َ ف ك َذ َُبوا عََلى أنُف ِ
سه ِ ْ انظ ُْر ك َي ْ َ
تأمل -أيها الرسول -كيف كذب هؤلء المشركون على أنفسهم وهم
في الخرة قد تبرؤوا من الشرك؟ وذهب وغاب عنهم ما كانوا
يظنونه من شفاعة آلهتهم.
238
ما فل تسمعأغطية; لئل يفقهوا القرآن ,وجعلنا في آذانهم ثقل وصم ً
ول تعي شيًئا ,وإن يروا اليات الكثيرة الدالة على صدق محمد
صلى الله عليه وسلم ل يصدقوا بها ,حتى إذا جاؤوك -أيها الرسول-
بعد معاينة اليات الدالة على صدقك يخاصمونك :يقول الذين
جحدوا آيات الله :ما هذا الذي نسمع إل ما تناقله الولون من
حكايات ل حقيقة لها.
ت َرب َّنهها وَل َوْ ت ََرى إ ِذ ْ وُقُِفوا عََلى الّنارِ فََقاُلوا َيا ل َي ْت ََنا ن َُرد ّ َول ن ُك َذ ّ َ
ب ِبآَيا ِ
ن )(27 مِني َ ن ال ْ ُ
مؤ ْ ِ م ْ
ن ِ
كو َ وَن َ ُ
ولو ترى -أيها الرسول -هؤلء المشركين يوم القيامة لرأيت أمًرا
حَبسون على النار ,ويشاهدون ما فيها من ما ,وذلك حين ي ُ ْ عظي ً
السلسل والغلل ,ورأوا بأعينهم تلك المور العظام والهوال ,فعند
ذلك قالوا :ياليتنا ُنعاد إلى الحياة الدنيا ,فنصدق بآيات الله ونعمل
بها ,ونكون من المؤمنين.
ه
مهها ن ُهُههوا عَن ْه ُ دوا ل ََعا ُ
دوا ل ِ َ ل وَل َوْ ُر ّ
ن قَب ْ ُ
م ْ
ن ِ
خُفو َ ما َ
كاُنوا ي ُ ْ دا ل َهُ ْ
م َ ل بَ َبَ ْ
ن )(28 م لَ َ
كاذُِبو َ وَإ ِن ّهُ ْ
ليس المر كذلك ,بل ظهر لهم يوم القيامة ما كانوا يعلمونه من
أنفسهم من صدق ما جاءت به الرسل في الدنيا ,وإن كانوا
يظهرون لتباعه خلفه .ولو فرض أن أعيدوا إلى الدنيا فأمهلوا
لرجعوا إلى العناد بالكفر والتكذيب .وإنهم لكاذبون في قولهم :لو
رددنا إلى الدنيا لم نكذب بآيات ربنا ,وكنا من المؤمنين.
ن )(29
مب ُْعوِثي َ
ن بِ َ
ح ُ
ما ن َ ْ ي إ ِل ّ َ
حَيات َُنا الد ّن َْيا وَ َ وََقاُلوا إ ِ ْ
ن هِ َ
239
وقال هؤلء المشركون المنكرون للبعث :ما الحياة إل هذه الحياة
التي نحن فيها ,وما نحن بمبعوثين بعد موتنا.
حقّ َقاُلوا ب ََلى وََرب َّنهها ول َو ترى إذ ْ وقُفوا عََلى ربهم َقا َ َ
ذا ِبال ْ َ ل أل َي ْ َ
س هَ َ َ ِّ ْ ِ ُ ِ َ ْ ََ
ن )(30م ت َك ُْفُرو َ ما ُ
كنت ُ ْ ب بِ َ ذوُقوا ال ْعَ َ
ذا َ ل فَ ُ
َقا َ
حبسوا بين يدي الله تعالىولو ترى -أيها الرسول -منكري البعث إذ ُ
لقضائه فيهم يوم القيامة ,لرأيت أسوأ حال ,إذ يقول الله جل وعل
أليس هذا بالحق ,أي :أليس هذا البعث الذي كنتم تنكرونه في
الدنيا حّقا؟ قالوا :بلى وربنا إنه لحق ,قال الله تعالى :فذوقوا
العذاب بما كنتم تكفرون أي :العذاب الذي كنتم تكذبون به في
الدنيا بسبب جحودكم بالله تعالى ورسوله محمد صلى الله عليه
وسلم.
ة قَههاُلوا
ة ب َغْت َ ً
ساعَ ُ
م ال ّ جاَءت ْهُ ْذا َ ن ك َذ ُّبوا ب ِل َِقاِء الل ّهِ َ
حّتى إ ِ َ سَر ال ّ ِ
ذي َ خ ِقَد ْ َ
يا حسرتنا عََلى ما فَرط ْنا فيها وهُم يحمُلو َ
م عََلى ظ ُهُههورِهِ ْ
م ن أوَْزاَرهُ ْ َ ّ َ ِ َ َ ْ َ ْ ِ َ َ َ ْ َ ََ
ن )(31 َ
ما ي َزُِرو َساَء َ أل َ
قد خسر الكفار الذين أنكروا البعث بعد الموت ,حتى إذا قامت
القيامة ,وفوجئوا بسوء المصير ,ناَدوا على أنفسهم بالحسرة على
ما ضّيعوه في حياتهم الدنيا ,وهم يحملون آثامهم على ظهورهم,
فما أسوأ الحمال الثقيلة السيئة التي يحملونها!!
ن أ ََفل
ن ي َت ُّقهو َ خي ٌْر ل ِّله ِ
ذي َ خَرةُ َ ب وَل َهْوٌ وََلل ّ
داُر ال ِ حَياةُ الد ّن َْيا إ ِل ّ ل َعِ ٌ
ما ال ْ َ
وَ َ
ن )(32 ت َعِْقُلو َ
وما الحياة الدنيا في غالب أحوالها إل غرور وباطل ,والعمل الصالح
للدار الخرة خير للذين يخشون الله ,فيتقون عذابه بطاعته
واجتناب معاصيه .أفل تعقلون -أيها المشركون المغترون بزينة
دموا ما يبقى على ما يفنى؟
الحياة الدنيا -فتق ّ
ن ك وَل َ ِ
كهه ّ م ل يُ َ
كههذ ُّبون َ َ ذي ي َُقوُلههو َ
ن َفههإ ِن ّهُ ْ ك اّلهه ِ
حُزُنهه َ ه ل َي َ ْ َقههد ْ ن َعَْلهه ُ
م إ ِّنهه ُ
ن )(33 دو َح ُ ت الل ّهِ ي َ ْ
ج َ ن ِبآَيا ِ مي َ ظال ِ ِال ّ
240
ب قومك لك في الظاهر, ن إلى قلبك تكذي ُ
دخل الحز َ
إنا نعلم إنه لي ُ ْ
فاصبر واطمئن; فإنهم ل يكذبونك في قرارة أنفسهم ,بل يعتقدون
صدقك ,ولكنهم لظلمهم وعدوانهم يجحدون البراهين الواضحة على
صدقك ,فيكذبونك فيما جئت به.
حت ّههى
ذوا َمهها ك ُهذ ُّبوا وَُأو ُ ص هب َُروا عَل َههى َ ن قَب ْل ِه َ
ك فَ َ مه ْ ل ِ س ٌ
ت ُر ُوَل ََقد ْ ك ُذ ّب َ ْ
َ
ن)
س هِلي َمْر َن ن ََبههإ ِ ال ْ ُ
م ْ
ك ِ ت الل ّهِ وَل ََقد ْ َ
جاَء َ ل ل ِك َل ِ َ
ما ِ مب َد ّ َ
صُرَنا َول ُم نَ ْ أَتاهُ ْ
(34
ذب الكفاُر رسل من قبلك أرسلهم الله تعالى إلى أممهم ولقد ك ّ
وأوذوا في سبيله ,فصبروا على ذلك ومضوا في دعوتهم وجهادهم
حتى أتاهم نصر الله .ول مبدل لكلمات الله ,وهي ما أنزل على نبيه
من عاداه. من وعده إياه بالنصر على َمحمد صلى الله عليه وسلم ِ
من كان قبلك من الرسل ,وما من خبر َولقد جاءك -أيها الرسولِ -
تحقق لهم من نصر الله ,وما جرى على مكذبيهم من نقمة الله
منهم وغضبه عليهم ,فلك فيمن تقدم من الرسل أسوة وقدوة.
وفي هذا تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم.
241
إنما يجيبك -أيها الرسول -إلى ما دعوت إليه من الهدى الذين
يسمعون الكلم سماع قبول .أما الكفار فهم في عداد الموتى; لن
الحياة الحقيقية إنما تكون بالسلم .والموتى يخرجهم الله من
قبورهم أحياء ,ثم يعودون إليه يوم القيامة ليوفوا حسابهم
وجزاءهم.
َ
ة
ل آي َ ً ه َقادٌِر عََلى أ ْ
ن ي ُن َّز َ ن الل ّ َ ن َرب ّهِ قُ ْ
ل إِ ّ م ْ ل عَل َي ْهِ آي َ ٌ
ة ِ وََقاُلوا ل َ ْ
ول ن ُّز َ
ول َك َ
ن )(37 مو َ م ل ي َعْل َ ُ ن أك ْث ََرهُ ْ
َ ِ ّ
وقال المشركون -تعنًتا واستكباًرا :-هل أنزل الله علمة تدل على
صدق محمد صلى الله عليه وسلم من نوع العلمات الخارقة ,قل
لهم -أيها الرسول :-إن الله قادر على أن ينزل عليهم آية ,ولكن
أكثرهم ل يعلمون أن إنزال اليات إنما يكون وَْفق حكمته تعالى.
242
قل -أيها الرسول -لهؤلء المشركين :أخبروني إن جاءكم عذاب
الله في الدنيا أو جاءتكم الساعة التي تبعثون فيها :أغير الله
تدعون هناك لكشف ما نزل بكم من البلء ,إن كتم محقين في
زعمكم أن آلهتكم التي تعبدونها من دون الله تنفع أو تضر؟
مهها
ن َ
س هو ْ َ
شههاَء وََتن َ ن إ ِل َي ْههِ إ ِ ْ
ن َ عو َ
مهها ت َهد ْ ُ
ف َ ن فَي َك ْ ِ
شه ُ عو َ
ل إ ِي ّههاهُ ت َهد ْ ُب َه ْ
ن )(41 كو َ شرِ ُتُ ْ
بل تدعون -هناك -ربكم الذي خلقكم ل غيره ,وتستغيثون به,
فيفرج عنكم البلء العظيم النازل بكم إن شاء; لنه القادر على كل
شيء ,وتتركون حينئذ أصنامكم وأوثانكم وأولياءكم.
ْ
ن ل َُهه ْ
م ت قُُلهوب ُهُ ْ
م وََزّيه َ ن قَ َ
سه ْ عوا وَل َ ِ
كه ْ ضهّر ُ
سهَنا ت َ َم ب َأ ُجهاَءهُ ْ فََله ْ
ول إ ِذ ْ َ
ن )(43 مُلو َ ما َ
كاُنوا ي َعْ َ ن َ طا ُشي ْ َ
ال ّ
فهل إذ جاء هذه المم المكذبة بلؤنا تذللوا لنا ,ولكن قست قلوبهم,
وزّين لهم الشيطان ما كانوا يعملون من المعاصي ,ويأتون من
الشرك.
حت ّههى إ ِ َ
ذا ب ك ُه ّ
ل َ فَل َما نسوا ما ذ ُك ّهروا بهه فَتحنهها عَل َيه ه َ
يءٍ َ
شه ْ وا َ
م أب ْه َ ِْ ْ ِ ِ َ ْ َ ُ َ ّ َ ُ
ة فَإ ِ َ َ ُ
ن )(44 سو َ مب ْل ِ ُ
م ُذا هُ ْ خذ َْناهُ ْ
م ب َغْت َ ً ما أوُتوا أ َ فَرِ ُ
حوا ب ِ َ
فلما تركوا العمل بأوامر الله تعالى معرضين عنها ,فتحنا عليهم
أبواب كل شيء من الرزق فأبدلناهم بالبأساء رخاًء في العيش,
وبالضراء صحة في الجسام; استدراجا منا لهم ,حتى إذا بطروا,
243
وأعجبوا بما أعطيناهم من الخير والنعمة أخذناهم بالعذاب فجأة,
فإذا هم آيسون منقطعون من كل خير.
ن )(45 ب ال َْعال َ ِ
مي َ مد ُ ل ِل ّهِ َر ّ موا َوال ْ َ
ح ْ ن ظ َل َ ُ داب ُِر ال َْقوْم ِ ال ّ ِ
ذي َ فَُقط ِعَ َ
ذبوا رسله ,فلم فاستؤصل هؤلء القوم وُأهلكوا إذ كفروا بالله وك ّ
يبق منهم أحد .والشكر والثناء لله تعالى -خالق كل شيء ومالكه-
على نصرة أوليائه وهلك أعدائه.
َ ن أَ َ قُ ْ َ َ
ن
مه ْ
م َم عَل َههى قُل ُههوب ِك ُ ْ خت َ َ صاَرك ُ ْ
م وَ َ معَك ُ ْ
م وَأب ْ َ س ْ خذ َ الل ّ ُ
ه َ م إِ ْ
ل أَرأي ْت ُ ْ
ْ
ن)ص هدُِفو َ م يَ ْ ت ث ُه ّ
م هُ ه ْ ف الَيا ِ صّر ُ ف نُ َم ب ِهِ انظ ُْر ك َي ْ َ ه غَي ُْر الل ّهِ ي َأِتيك ُ ْإ ِل َ ٌ
(46
قل -أيها الرسول -لهؤلء المشركين :أخبروني إن أذهب الله
مكم ,وذهب بأبصاركم فأعماكم ,وطبع على قلوبكم سمعكم فأص ّ
فأصبحتم ل تفقهون قول أيّ إله غير الله جل وعل يقدر على رد ّ
وع لهم الحجج ,ثم هم بعد ذلك لكم؟! انظر -أيها الرسول -كيف نن ّ
ذلك يعرضون عن التذكر والعتبار؟
َ
ص هل َ َ
ح َفل ن وَأ ْ
مه َ
نآ َ ن فَ َ
مه ْ منهذِِري َ
ن وَ ُ
ري َ مب َ ّ
ش ِ ن إ ِل ّ ُسِلي َ ل ال ْ ُ
مْر َ س ُ ما ن ُْر ِ
وَ َ
ن )(48 حَزُنو َ م يَ ْ
م َول هُ ْ ف عَل َي ْهِ ْخو ْ ٌ
َ
وما نرسل رسلنا إل مبشرين أهل طاعتنا بالنعيم المقيم ,ومنذرين
دق الرسل وعمل أهل المعصية بالعذاب الليم ,فمن آمن وص ّ
244
حا فأولئك ل يخافون عند لقاء ربهم ,ول يحزنون على شيء
صال ً
فاتهم من حظوظ الدنيا.
ن )(49
سُقو َ ما َ
كاُنوا ي َْف ُ ب بِ َ م ال ْعَ َ
ذا ُ سه ُ ْ ن ك َذ ُّبوا ِبآَيات َِنا ي َ َ
م ّ َوال ّ ِ
ذي َ
والذين ك ّ
ذبوا بآياتنا من القرآن والمعجزات فأولئك يصيبهم العذاب
يوم القيامة ,بسبب كفرهم وخروجهم عن طاعة الله تعالى.
خاُفو َ َ
ه
دوِنه ِ
ن ُ
مه ْ س ل َهُه ْ
م ِ م ل َي ْه َ
شُروا إ َِلى َرب ّهِ ْ
ح َ
ن يُ ْنأ َْ ن يَ َ وَأنذِْر ب ِهِ ال ّ ِ
ذي َ
ن )(51 شِفيعٌ ل َعَل ّهُ ْ
م ي َت ُّقو َ ي َول َ وَل ِ ّ
وف -أيها النبي -بالقرآن الذين يعلمون أنهم ُيحشرون إلى ربهم,
وخ ّ
ي ينصرهم,
دقون بوعد الله ووعيده ,ليس لهم غير الله ول ّفهم مص ّ
ول شفيع يشفع لهم عنده تعالى ,فيخلصهم من عذابه; لعلهم يتقون
الله تعالى بفعل الوامر واجتناب النواهي.
مههاه َ
جه َ ه ُن وَ ْدو َري ه ُ ي يُ ِ
شه ّ داةِ َوال ْعَ ِم ِبال ْغَ ه َن َرب ّهُ ه ْعو َ ن ي َد ْ ُذي َ َول ت َط ُْرد ْ ال ّ ِ
يٍءشه ْ ن َ مه ْ م ِ ك عَل َي ْهِه ْ سههاب ِ َ
ح َن ِ مه ْ
مهها ِ يٍء وَ َ شه ْ ن َ م ْم ِ ساب ِهِ ْح َ ن ِ م ْ
ك ِ عَل َي ْ َ
ن )(52 مي َظال ِ ِن ال ّ م ْ ن ِ كو َ م فَت َ ُ فَت َط ُْرد َهُ ْ
245
ول ت ُْبعد -أيها النبي -عن مجالستك ضعفاء المسلمين الذين يعبدون
ربهم أول النهار وآخره ,يريدون بأعمالهم الصالحة وجه الله ,ما
عليك من حساب هؤلء الفقراء من شيء ,إنما حسابهم على الله,
وليس عليهم شيء من حسابك ,فإن أبعدتهم فإنك تكون من
المتجاوزين حدود الله ,الذين يضعون الشيء في غير موضعه.
ن ب َي ْن ِن َهها
مه ْ ه عَل َي ْهِه ْ
م ِ ن الل ّه ُ
م ّ ض ل ِي َُقوُلوا أ َهَ ُ
ؤلِء َ م ب ِب َعْ ٍ
ضه ُ ْ وَك َذ َل ِ َ
ك فَت َّنا ب َعْ َ
أ َل َيس الل ّ َ
ن )(53 ري َ
شاك ِ ِ م ِبال ّه ب ِأعْل َ َ
ُ ْ َ
وكذالك ابتلى الله تعالى بعض عباده ببعض بتباين حظوظهم من
الرزاق والخلق ,فجعل بعضهم غنّيا وبعضهم فقيًرا ,وبعضهم قوّيا
وبعضهم ضعيًفا ,فأحوج بعضهم إلى بعض اختباًرا منه لهم بذلك;
ن الله عليهم بالهدايةم ّ
ليقول الكافرون الغنياء :أهؤلء الضعفاء َ
من بيننا؟ أليس الله تعالى بأعلم بمن يشكرون نعمته, إلى السلم ِ
فيوفقهم إلى الهداية لدينه؟
ن )(55
مي َ
جرِ ِ ل ال ْ ُ
م ْ سِبي ُ
ن َ
ست َِبي َ
ت وَل ِت َ ْ ص ُ
ل الَيا ِ وَك َذ َل ِ َ
ك ن َُف ّ
246
ومثل هذا البيان الذي بي ّّناه لك -أيها الرسول -نبّين الحجج الواضحة
على كل حق ينكره أهل الباطل; ليتبين الحق ,وليظهر طريق أهل
الباطل المخالفين للرسل.
ن جُلو َ
ن ب ِهِ إ ِ ْ ست َعْ ِ
ما ت َ ْ
دي َ
عن ِما ِ ن َرّبي وَك َذ ّب ْت ُ ْ
م ب ِهِ َ م ْ ل إ ِّني عََلى ب َي ّن َةٍ ِ قُ ْ
ن )(57 خي ُْر ال َْفا ِ
صِلي َ حقّ وَهُوَ َ ص ال ْ َ
م إ ِل ّ ل ِل ّهِ ي َُق ّ
حك ْ ُال ْ ُ
قل -أيها الرسول لهؤلء المشركين :-إني على بصيرة واضحة من
ي ,وذلك بإفراده وحده بالعبادة ,وقد شريعة الله التي أوحاها إل ّ
ذبتم بهذا ,وليس في قدرتي إنزال العذاب الذي تستعجلون به, ك ّ
ق ,وهو خير
ص الح ّوما الحكم في تأخر ذلك إل إلى الله تعالى ,يق ّ
من يفصل بين الحق والباطل بقضائه وحكمه. َ
َ َ
م َوالل ّه ُ
ه مُر ب َي ْن ِههي وَب َي ْن َك ُه ْ
ي ال ْ ن ب ِهِ ل َُق ِ
ض َ جُلو َ
ست َعْ ِ
ما ت َ ْ
دي َعن ِن ِ ل ل َوْ أ ّقُ ْ
م ِبال ّ َ
ن )(58 مي َظال ِ ِ أعْل َ ُ
قل -أيها الرسول : -لو أنني أملك إنزال العذاب الذي تستحجلونه
لنزلته بكم ,وقضي المر بيني وبينكم ,ولكن ذلك إلى الله تعالى,
دهم فأشركوا معه غيره. وهو أعلم بالظالمين الذين تجاوزوا ح ّ
247
وعند الله -جل وعل -مفاتح الغيب أي :خزائن الغيب ,ل يعلمها إل
هو ,ومنها :علم الساعة ,ونزول الغيث ,وما في الرحام ,والكسب
في المستقبل ,ومكان موت النسان ,ويعلم كل ما في البر والبحر,
وما تسقط من ورقة من نبتة إل يعلمها ,فكل حبة في خفايا
الرض ,وكل رطب ويابس ,مثبت في كتاب واضح ل ل َْبس فيه ,وهو
اللوح المحفوظ.
م ي َب ْعَث ُك ُه ْ
م ِفي ههِ م ِبالن ّهَههارِ ث ُه ّ حت ُ ْجَر ْ
ما َ م َ ل وَي َعْل َ ُ م ِبالل ّي ْ ِ
ذي ي َت َوَّفاك ُ ْ وَهُوَ ال ّ ِ
َ
ن) مل ُههو َ
م ت َعْ َ ما ُ
كنت ُه ْ م ي ُن َب ّئ ُك ُ ْ
م بِ َ م ثُ ّجعُك ُ ْمْر ِ م إ ِل َي ْهِ َمى ث ُ ّ س ّ م َل ُ ج ٌضى أ َ ل ِي ُْق َ
(60
وهو سبحانه الذي يقبض أرواحكم بالليل بما يشبه قبضها عند
الموت ,ويعلم ما اكتسبتم في النهار من العمال ,ثم يعيد أرواحكم
إلى أجسامكم باليقظة من النوم نهاًرا بما يشبه الحياء بعد الموت;
لُتقضى آجالكم المحددة في الدنيا ,ثم إلى الله تعالى معادكم بعد
بعثكم من قبوركم أحياًء ,ثم يخبركم بما كنتم تعملون في حياتكم
الدنيا ,ثم يجازيكم بذلك.
َ حَفظ َ ً
ح هد َك ُ ْ
م جههاءَ أ َ حّتى إ ِ َ
ذا َ ة َ ل عَل َي ْك ُ ْ
م َ س ُ وَهُوَ ال َْقاهُِر فَوْقَ ِ
عَبادِهِ وَي ُْر ِ
ن )(61 طو َ م ل ي َُفّر ُسل َُنا وَهُ ْ ت ت َوَفّت ْ ُ
ه ُر ُ ال ْ َ
مو ْ ُ
والله تعالى هو القاهر فوق عباده ,فوقية مطلقة من كل وجه ,تليق
بجلله سبحانه وتعالى .كل شيء خاضع لجلله وعظمته ,ويرسل
حصونها ,حتى إذا نزل
على عباده ملئكة ,يحفظون أعمالهم وي ُ ْ
ك الموت وأعوانه ,وهم ل يضيعون ما مل ُ
حه َ
الموت بأحدهم قبض رو َ
ُأمروا به.
َ َ
ن)
سِبي َ سَرعُ ال ْ َ
حا ِ م وَهُوَ أ ْ ه ال ْ ُ
حك ْ ُ حقّ أل ل َ ُ
م ال ْ َ
ولهُ ْ دوا إ َِلى الل ّهِ َ
م ْ ثُ ّ
م ُر ّ
(62
ثم أعيد هؤلء المتوفون إلى الله تعالى مولهم الحق .أل له القضاء
والفصل يوم القيامة بين عباده وهو أسرع الحاسبين.
248
ة ل َئ ِ ْ
ن ضهّرعا ً وَ ُ
خْفي َه ً ه تَ َ
عون َ ُ ت ال ْب َّر َوال ْب َ ْ
حرِ ت َد ْ ُ ن ظ ُل ُ َ
ما ِ م ْم ِ جيك ُ ْ
ن ي ُن َ ّ
م ْل َقُ ْ
ن )(63 ن ال ّ ن هَذِهِ ل َن َ ُ َ
ري َ شاك ِ ِ م ْن ِ كون َ ّ م ْجاَنا ِ
أن َ
قل -أيها الرسول -لهؤلء المشركين :من ينقذكم من مخاوف
ظلمات البر والبحر؟ أليس هو اللع تعالى الذي تدعونه في الشدائد
متذللين جهًرا وسّرا؟ تقولون :لئن أنجانا ربنا من هذه المخاوف
لنكونن من الشاكرين بعبادته عز وجل وحده ل شريك له.
ل ك َرب ث ُ َ
ن )(64 شرِ ُ
كو َ م تُ ْ ن كُ ّ ْ ٍ ّ
م أن ْت ُ ْ م ْ
من َْها وَ ِ جيك ُ ْ
م ِ ل الل ّ ُ
ه ي ُن َ ّ قُ ْ
قل لهم -أيها الرسول : -الله وحده هو الذي ينقذكم من هذه
المخاوف ومن كل شدة ,ثم أنتم بعد ذلك تشركون معه في العبادة
غيره.
ل )(66
كي ٍ ت عَل َي ْك ُ ْ
م ب ِوَ ِ ل لَ ْ
س ُ ك وَهُوَ ال ْ َ
حق ّ ق ُ ْ م َ وَك َذ ّ َ
ب ب ِهِ قَوْ ُ
من قومك أيها الرسول ,وهو الكتاب وك ّ
ذب بهذا القرآن الكفاُر ِ
الصادق في كل ما جاء به .قل لهم :لست عليكم بحفيظ ول رقيب,
وإنما أنا رسول الله أبلغكم ما أرسلت إليكم.
ن )(67 ف ت َعْل َ ُ
مو َ سو ْ َ
ست ََقّر وَ َ
م ْ ل ِك ُ ّ
ل ن َب َإ ٍ ُ
249
لكل خبر قرار يستقر عنده ,ونهاية ينتهي إليها ,فيتبّين الحق من
الباطل ,وسوف تعلمون -أيها الكفار -عاقبة أمركم عند حلول
عذاب الله بكم.
َ وإ َ َ
ضههوا
خو ُ
حت ّههى ي َ ُم َ ض عَن ْهُ ه ْ ن ِفي آَيات َِنا فَ هأعْرِ ْ ضو َ خو ُ ن يَ ُذي َت ال ّ ِ ذا َرأي ْ َ َِ
ع ن َفل ت َْقعُ هد ْ ب َعْ هد َ ال هذ ّك َْرى َ
مه َ ش هي ْ َ
طا ُ سي َن ّ َ
ك ال ّ ث غَي ْرِهِ وَإ ِ ّ
ما ُين ِ دي ٍ ح ِ ِفي َ
ن )(68 مي َ ال َْقوْم ال ّ
ظال ِ ِ ِ
وإذا رأيت -أيها الرسول -المشركين الذين يتكلمون في آيات
القرآن بالباطل والستهزاء ,فابتعد عنهم حتى يأخذوا في حديث
آخر ,وإن أنساك الشيطان هذا المر فل تقعد بعد تذكرك مع القوم
المعتدين ,الذين تكلموا في آيات الله بالباطل.
َ
ن حَياةُ الد ّن َْيا وَذ َك ّْر ب ِهِ أ ْ م ال ْ َم ل َِعبا ً وَل َْهوا ً وَغَّرت ْهُ ْذوا ِدين َهُ ْ خ ُ ن ات ّ َذي َ وَذ َرِ ال ّ ِ
نش هِفيعٌ وَإ ِ ْ ي َول َ ن الل ّههِ وَل ِه ّ دو ِ ن ُ م ْ س ل ََها ِ ت ل َي ْ َ سب َ ْ ما ك َ َ
س بِ َ ل ن َْف ٌ س َت ُب ْ َ
ُ ُ
سهُبوا ل َُهه ْ
م مها ك َ َ سهُلوا ب ِ َن أب ْ ِذي َ ك اّله ِمن ْهَهها أوْل َئ ِ َ
خهذ ْ ِ ل ل ي ُؤْ َ ل عَد ْ ٍ ل كُ ّ ت َعْدِ ْ
َ
ن )(70 كاُنوا ي َك ُْفُرو َ ما َ م بِ َ ب أِلي ٌ ذا ٌ ميم ٍ وَعَ َ ح ِ ن َ م ْب ِ شَرا ٌ َ
واترك -أيها الرسول -هؤلء المشركين الذين جعلوا دين السلم
وا; مستهزئين بآيات الله تعالى ,وغّرتهم الحياة الدنيا لعًبا وله ً
كر بالقرآن هؤلء المشركين وغيرهم; كي ل ترتهن نفس بزينتها ,وذ ّ
بذنوبها وكفرها بربها ,ليس لها غير الله ناصر ينصرها ,فينقذها من
عذاب ,ول شافع يشفع لها عنده ,وإن ت َْفت َدِ بأي فداء ل ي ُْقَبل منها.
أولئك الذين ارت ُِهنوا بذنوبهم ,لهم في النار شراب شديد الحرارة
250
مد صلى الله
وعذاب موجع; بسبب كفرهم بالله تعالى ورسوله مح ّ
عليه وسلم وبدين السلم.
َ ل أ َن َد ْ ُ
ضّرَنا وَن َُرد ّ عََلى أعَْقاب َِنا ب َعْد َما ل َينَفعَُنا َول ي َ ُ ن الل ّهِ َ دو ِ ن ُ م ْ عو ِ قُ ْ
َ
هن ل َه ُحي ْهَرا َ ض َِ ن فِههي الْر طي ُش هَيا ِه ال ّس هت َهْوَت ْ ُ
ذي ا ْ كال ّه ِه َ داَنا الل ّه ُ إ ِذ ْ هَ ه َ
ُ َ
مْرن َهها
دى وَأ ِ دى الل ّهِ هُهوَ ال ْهُه َن هُ َل إِ ّدى ائ ْت َِنا قُ ْ ه إ َِلى ال ْهُ َ عون َ ُب ي َد ْ ُ حا ٌ ص َأ ْ
ن )(71 مي َب ال َْعال َ ِ م ل َِر ّ سل ِ َل ِن ُ ْ
قل -أيها الرسول -لهؤلء المشركين :أنعبد من دون الله تعالى
أوثاًنا ل تنفع ول تضر؟ ونرجع إلى الكفر بعد هداية الله تعالى لنا
من فسد عقله إلى السلم ,فنشبه -في رجوعنا إلى الكفرَ -
ل في الرض ,وله رفقة عقلء مؤمنون ض ّباستهواء الشياطين له ,فَ َ
يدعونه إلى الطريق الصحيح الذي هم عليه فيأبى .قل -أيها
ن هدى الله الذي بعثني به هو الهدى الرسول -لهؤلء المشركين :إ ّ
مرنا جميًعا لنسلم لله تعالى رب العالمين بعبادته وحده ل ُ
الحق ,وأ ِ
شريك له ,فهو رب كل شيء ومالكه.
وأ َ َ
ن )(72
شُرو َ ذي إ ِل َي ْهِ ت ُ ْ
ح َ صلةَ َوات ُّقوهُ وَهُوَ ال ّ ِ
موا ال ّ
ن أِقي ُ
َ ْ
وكذلك ُأمرنا بأن نقيم الصلة كاملة ,وأن نخشاه بفعل أوامره
ح َ
شُر جميع الخلئق يوم واجتناب نواهيه .وهو -جل وعل -الذي إليه ت ُ ْ
القيامة.
ض ِبال ْ َ َ
نن فَي َك ُههو ُ
ل ك ُه ْ
م ي َُقههو ُ حقّ وَي َهوْ َ ت َوالْر َ وا ِ م َ
س َخل َقَ ال ّ ذي َ وَهُوَ ال ّ ِ
ة
شهَهاد َ ِ ب َوال ّ م ال ْغَي ْه ِ
صههورِ عَههال ِ ُخ ِفي ال ّ م ُينَف ُ
ك ي َوْ َمل ْ ُ
ه ال ْ ُ
حقّ وَل َ ُ ه ال ْ َ قَوْل ُ ُ
خِبيُر )(73 م ال ْ َكي ُ
ح ِ وَهُوَ ال ْ َ
والله سبحانه هو الذي خلق السموات والرض بالحق ,واذكر -أيها
الرسول -يوم القيامة إذ يقول الله" :كن" ,فيكون عن أمره كلمح
البصر أو هو أقرب ,قوله هو الحق الكامل ,وله الملك سبحانه
مَلك في "القرن" النفخة الثانية التي تكون بها
وحده ,يوم ينفخ ال َ
عودة الرواح إلى الجسام .وهو سبحانه الذي يعلم ما غاب عن
حواسكم -أيها الناس -وما تشاهدونه ,وهو الحكيم الذي يضع
251
المور في مواضعها ,الخبير بأمور خلقه .والله تعالى هو الذي
يختص بهذه المور وغيرها بدًءا ونهاية ,نشأة ومصيًرا ,وهو وحده
الذي يجب على العباد النقياد لشرعه ,والتسليم لحكمه ,والتطلع
لرضوانه ومغفرته.
مهه َ
ك ِفههي ة إ ِّني أ ََرا َ
ك وَقَوْ َ صَناما ً آل ِهَ ً ل إبراهيم ل َبيه آزر أ َتت ِ َ
خذ ُ أ ْوَإ ِذ ْ َقا َ ِ ْ َ ِ ُ ِ ِ َ َ َ ّ
ن )(74مِبي ٍ
ل ُ
ضل ٍ َ
جة إبراهيم عليه السلم لبيه آزر ,إذ قال
محا ّ
واذكر -أيها الرسولُ -
له :أتجعل من الصنام آلهة تعبدها من دون الله تعالى؟ إني أراك
وقومك في ضلل بّين عن طريق الحق.
ن
مهه ْ
ن ِ ت َوال َْرض وَل ِي َ ُ
كههو َ وا ِ
م َ
سهه َ
ت ال ّ مل َ ُ
كههو َ م َ
هيهه َ
ري إ ِب َْرا ِك ُنهه ِ وَ َ
كههذ َل ِ َ
ِ
ن )(75 موقِِني َ ال ْ ُ
وكما هدينا إبراهيم عليه السلم إلى الحق في أمر العبادة ُنريه ما
تحتوي عليه السموات والرض من ملك عظيم ,وقدرة باهرة,
ليكون من الراسخين في اليمان.
ب ل ل أُ ِ
حه ّ ما أ َفَ َ
ل َقا َ ذا َرّبي فَل َ ّ
ل هَ َ ل َرَأى ك َوْ َ
كبا ً َقا َ ن عَل َي ْهِ الل ّي ْ ُ
ج ّ
ما َ فَل َ ّ
ن )(76 الفِِلي َ
فلما أظلم على إبراهيم عليه السلم الليل وغ ّ
طاه ناظر قومه;
ليثبت لهم أن دينهم باطل ,وكانوا يعبدون النجوم .رأى إبراهيم عليه
السلم كوكًبا ,فقال -مستدرجا قومه للزامهم بالتوحيد :-هذا ربي,
فلما غاب الكوكب ,قال :ل أحب اللهة التي تغيب.
ن ل َه ْ
م ي َهْ هدِِني ل ل َئ ِ ْ ما أ َفَ ه َ
ل قَهها َ ذا َرّبي فَل َ ّ
ل هَ َمَر َباِزغا ً َقا َ َ
ما َرأى ال َْق َ فَل َ ّ
ن )(77 ضاّلي َ
ن ال َْقوْم ِ ال ّ م ْن ِ كون َ ّ َرّبي ل َ ُ
فلما رأى إبراهيم القمر طالًعا قال لقومه -على سبيل استدراج
الخصم :-هذا ربي ,فلما غاب ,قال -مفتقرا إلى هداية ربه :-لئن لم
252
يوفقني ربي إلى الصواب في توحيده ,لكونن من القوم الضالين
عن سواء السبيل بعبادة غير الله تعالى.
َ َ
ن
مهه ْ حِنيفا ً وَ َ
ما أَنهها ِ ض َ
ت َوالْر َ
وا ِ
م َ ذي فَط ََر ال ّ
س َ جِهي ل ِل ّ ِ
ت وَ ْ
جه ْ ُإ ِّني وَ ّ
ن )(79 كي َشرِ ِ ال ْ ُ
م ْ
جهت بوجهي في العبادة لله عز وجل وحده ,فهو الذي خلق إني تو ّ
السموات والرض ,مائل عن الشرك إلى التوحيد ,وما أنا من
المشركين مع الله غيره.
مهها
ف َخهها ُداِني َول أ َ َ
جوِني فِههي الل ّههِ وَقَهد ْ هَه َ حهها ّ
وحاجه قَومه قَهها َ َ
ل أت ُ َ َ َ ّ ُ ْ ُ ُ
َ
عْلمها ً أَفل َ
يٍء ِشه ْل َسهعَ َرب ّههي ك ُه ّ شْيئا ً وَ ِ
شاَء َرّبي َن يَ َ ن ب ِهِ إ ِل ّ أ ْ
كو َشرِ ُ تُ ْ
ن )(80 ت َت َذ َك ُّرو َ
وجادله قومه في توحيد الله تعالى قال :أتجادلونني في توحيدي لله
بالعبادة ,وقد وفقني إلى معرفة وحدانيته ,فإن كنتم تخوفونني
بآلهتكم أن توقع بي ضرًرا فإنني ل أرهبها فلن تضرني ,إل أن يشاء
ربي شيًئا .وسع ربي كل شيء عل ً
ما .أفل تتذكرون فتعلموا أنه
وحده المعبود المستحق للعبودية؟
253
وكيف أخاف أوثانكم وأنتم ل تخافون ربي الذي خلقكم ,وخلق
أوثانكم التي أشركتموها معه في العبادة ,من غير حجة لكم على
ذلك؟ فأي الفريقين :فريق المشركين وفريق الموحدين أحق
بالطمأنينة والسلمة والمن من عذاب الله؟ إن كنتم تعلمون صدق
ما أقول فأخبروني.
م
ن وَهُ ه ْ
مه ُ
َ
م ال ْ م ب ِظ ُل ْهم ٍ أ ُوْل َئ ِ َ
ك ل َهُ ه ْ مههان َهُ ْ م ي َل ْب ِ ُ
سههوا ِإي َ من ُههوا وَل َه ْ
نآ َذي َال ّه ِ
ن )(82 دو َمهْت َ ُ
ُ
دقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه ولم يخلطوا إيمانهم
الذين ص ّ
بشرك ,أولئك لهم الطمأنينة والسلمة ,وهم الموفقون إلى طريق
الحق.
ن ن نَ َ
شههاءُ إ ِ ّ مه ْ
ت َ
جهها ٍ م عََلى قَوْ ِ
مهِ ن َْرفَهعُ د ََر َ هي َ
ها إ ِب َْرا ِ
جت َُنا آت َي َْنا َ
ح ّك ُوَت ِل ْ َ
م )(83 م عَِلي ٌ كي ٌ
ح ِك ََرب ّ َ
ن ذ ُّري ّت ِ ِ
ه م ْل وَ ِ ن قَب ْ ُ ب ك ُل ّ هَد َي َْنا وَُنوحا ً هَد َي َْنا ِ
م ْ حقَ وَي َعُْقو َس َ
ه إِ ْ وَوَهَب َْنا ل َ ُ
َ
زي جه ِ ك نَ ْن وَك َهذ َل ِ َههاُرو َسههى وَ َ مو َ ف وَ ُ سه َ ب وَُيو ُ
ن وَأي ّههو َما َسهل َي ْ َداُوود َ وَ ُ َ
ن )(84 سِني َ ح ِ ال ْ ُ
م ْ
ومنّنا على إبراهيم عليه السلم بأن رزقناه إسحاق ابًنا ويعقوب
دا ,ووّفقنا كل منهما لسبيل الرشاد ,وكذلك وّفقنا للحق نو ً
حا حفي ً
-من قبل إبراهيم وإسحاق ويعقوب -وكذلك وّفقنا للحق من ذرية
نوح داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون عليهم السلم,
وكما جزينا هؤلء النبياء لحسانهم نجزي كل محسن.
ن )(85
حي َ
صال ِ ِ
ن ال ّ
م ْ
ل ِ سى وَإ ِل َْيا َ
س كُ ّ عي َ وََزك َرِّيا وَي َ ْ
حَيى وَ ِ
254
وكذلك هدينا زكريا ويحيى وعيسى وإلياس ,وكل هؤلء النبياء
عليهم السلم من الصالحين.
حِبه َ
ط كوا ل َ َ عَبهادِهِ وََلهوْ أ َ ْ
شهَر ُ ن ِ
مه ْ ن يَ َ
شهاُء ِ مه ْ
دي ب ِهِ َدى الل ّهِ ي َهْ ِك هُ َذ َل ِ َ
ن )(88 مُلو َ
كاُنوا ي َعْ َما َم َعَن ْهُ ْ
ذلك الهدى هو توفيق الله ,الذي يوفق به من يشاء من عباده .ولو
أن هؤلء النبياء أشركوا بالله -على سبيل الفرض والتقدير -لبطل
عملهم; لن الله تعالى ل يقبل مع الشرك عمل.
255
َ ل ل أَ َ أ ُوْل َئ ِ َ
جههرا ً إ ِ ْ
ن م عَل َي ْههِ أ ْ
سأل ُك ُ ْ
ْ م اقْت َدِهِ قُ ْ دى الل ّ ُ
ه فَب ِهُ َ
داهُ ْ ن هَ َ ك ال ّ ِ
ذي َ
ن )(90 هُوَ إ ِل ّ ذِك َْرى ل ِل َْعال َ ِ
مي َ
أولئك النبياء المذكورون هم الذين وفقهم الله تعالى لدينه الحق,
فاتبع هداهم -أيها الرسول -واسلك سبيلهم .قل للمشركين :ل
ن أجري إل علىضا من الدنيا ,إ ْ
أطلب منكم على تبليغ السلم عو ً
الله ,وما السلم إل دعوة جميع الناس إلى الطريق المستقيم
من كان مثلكم ,ممن هو مقيم على باطل ,لعلكم وتذكير لكم ولكل َ
تتذكرون به ما ينفعكم.
يءٍ شهه ْ ن َ م ْشرٍ ِ ه عََلى ب َ َ ل الل ّ ُ ما َأنَز َ حقّ قَد ْرِهِ إ ِذ ْ َقاُلوا َ ه َ ما قَد َُروا الل ّ َ وَ َ
َ
س
دى ِللن ّه َها ِ سههى ن ُههورا ً وَهُه ً مو َ جههاَء ب ِههِ ُ
ذي َ ب ال ّه ِ ل ال ْك ِت َهها َ ن أنهَز َ مه ْ ل َقُ ه ْ
م م ت َعْل َ ُ
مههوا أن ْت ُه ْ ما ل َ ْ
م َ
مت ُ ْن ك َِثيرا ً وَعُل ّ ْ
خُفو َدون ََها وَت ُ ْس ت ُب ْ ُطي َ ه قََرا ِ جعَُلون َ ُتَ ْ
ن )(91 م ي َل ْعَُبو َ ضه ِ ْ
خو ْ ِم ِفي َ م ذ َْرهُ ْه ثُ ّ ل الل ّ ُ م قُ ْ َول آَباؤُك ُ ْ
ظم هؤلء المشركون الله حق تعظيمه; إذ أنكروا أن يكون وما عَ ّ
الله تعالى قد أنزل على أحد من البشر شيًئا من وحيه .قل لهم
-أيها الرسول : -إذا كان المر كما تزعمون ,فمن الذي أنزل الكتاب
الذي جاء به موسى إلى قومه نوًرا للناس وهداية لهم؟ ثم توجه
جًرا لهم بقوله :تجعلون هذا الكتاب فيالخطاب إلى اليهود َز ْ
قراطيس متفرقة ,تظهرون بعضها ,وتكتمون كثيًرا منها ,ومما
كتموه الخبار عن صفة محمد صلى الله عليه وسلم ونبوته,
ن -الذي أنزله عليكم ,فيه خبروعّلمكم الله معشر العرب بالقرآ ِ
من بعدكم ,وما يكون بعد موتكم -ما لم تعلموه أنتم ول من قبلكم و ََ
آباؤكم ,قل :الله هو الذي أنزله ,ثم دع هؤلء في حديثهم الباطل
يخوضون ويلعبون.
256
يصدقون بالحياة الخرة ,يصدقون بأن القرآن كلم الله ,ويحافظون
على إقام الصلة في أوقاتها.
ح
م ي ُههو َ ي وَل َه ْ ي إ ِل َه ّ
ح َ ل ُأو ِ ذبا ً أ َوْ َقا َ ن افْت ََرى عََلى الل ّهِ ك َ ِ ْ م
م ّ
م ِ
وم َ
ن أظ ْل َ ُ َ َ ْ
ّ َ ّ َ
ما أنَز َ مث ْ َ ُ
سأنزِ ُ ن َقا َ إ ِل َي ْهِ َ
ن مو َ ه وَلوْ ت ََرى إ ِذ ْ الظال ِ ُ ل الل ُ ل َ ل ِ ل َ م ْ يٌء وَ َ ش ْ
َ م أَ ْ ة باس ُ َ
مم ال ْي َوْ َ سك ُ ْ
جوا أنُف َ خرِ ُ ديهِ ْ
طوا أي ْ ِ ملئ ِك َ ُ َ ِ ت َوال ْ َ ت ال ْ َ
مو ْ ِ مَرا ِ ِفي غَ َ
م ح هق ّ و َ ُ
كنت ُه ْ ن عَل َههى الل ّههِ غَي ْهَر ال ْ َ م ت َُقوُلو َ ما ُ
كنت ُ ْ ن بِ َب ال ُْهو ِ ذا َ ن عَ َ جَزوْ َتُ ْ
ن )(93 ست َك ْب ُِرو َن آَيات ِهِ ت َ ْعَ ْ
من اختلق على الله تعالى قول كذًبا ,فادعى أنه ما م ّ
من أشد ّ ظل ّ و َ
لم يبعث رسول من البشر ,أو ادعى كذًبا أن الله أوحى إليه ولم
ح إليه شيًئا ,أو ا ّ
دعى أنه قادر على أن ي ُْنزل مثل ما أنزل الله من ُيو ِ
القرآن؟ ولو أنك أبصرت -أيها الرسول -هؤلء المتجاوزين الحد ّ
وهم في أهوال الموت لرأيت أمًرا هائل والملئكة الذين يقبضون
أرواحهم باسطو أيديهم بالعذاب قائلين لهم :أخرجوا أنفسكم ,اليوم
تهانون غاية الهانة ,كما كنتم تكذبون على الله ,وتستكبرون عن
اتباع آياته والنقياد لرسله.
خوّل ْن َههاك ُ ْ
م مهها َ م َمهّرةٍ وَت ََرك ْت ُه ْل َ م أ َوّ َ
خل َْقن َههاك ُ ْ مهها َموَنا فَُراَدى ك َ َ وَل ََقد ْ ِ
جئ ْت ُ ُ
شَفعاَءك ُم ال ّهذين زعَمت ه َ
مم ِفيك ُه ْ م أن ّهُ ه ِْ َ َ ْ ُ ْ ْ م ُ َ معَك ُ ْ
ما ن ََرى َ وََراَء ظ ُُهورِك ُ ْ
م وَ َ
ن )(94 مو َ م ت َْزعُ ُ ما ُ
كنت ُ ْ م َ عنك ُ ْ
ل َ ض ّ م وَ َ كاُء ل ََقد ْ ت ََقط ّعَ ب َي ْن َك ُ ْ شَر َ ُ
ولقد جئتمونا للحساب والجزاء فرادى كما أوجدناكم في الدنيا أول
مرة حفاة عراة ,وتركتم وراء ظهوركم ما مكّناكم فيه مما تتباهون
به من أموال في الدنيا ,وما نرى معكم في الخرة أوثانكم التي
دعون أنها شركاء مع الله في كنتم تعتقدون أنها تشفع لكم ,وت َ ّ
صُلكم الذي كان بينكم في الدنيا ,وذهب عنكم العبادة ,لقد زال َتوا ُ
دعون من أن آلهتكم شركاء لله في العبادة ,وظهر أنكم ما كنتم ت َ ّ
الخاسرون لنفسكم وأهليكم وأموالكم.
ت ج ال ْ َ
مي ّه ِ خ هرِ ُ
م ْ
ت وَ ُ ن ال ْ َ
مي ّ ِ م ْ
ي ِ
ح ّج ال ْ َ
خرِ ُ
وى ي ُ ْ والن ّ َ
ب ََ ح ّ ه َفال ِقُ ال ْ َ ن الل ّ َإِ ّ
ن )(95 كو َ م الل ّ ُ
ه فَأّنا ت ُؤْفَ ُ ي ذ َل ِك ُ ْ
ح ّ ن ال ْ َم ْ
ِ
257
إن الله تعالى يشق الحب ,فيخرج منه الزرع ,ويشق النوى ,فيخرج
منه الشجر ,يخرج الحي من الميت كالنسان والحيوان مثل من
النطفة ,ويخرج الميت من الحي كالنطفة من النسان والحيوان,
ذلكم الله أي :فاعل هذا هو الله وحده ل شريك له المستحق
صَرفون عن الحق إلى الباطل فتعبدون معه غيره؟
للعبادة ,فكيف ت ُ ْ
سهَبانا ً ذ َل ِه َ
ك ح ْ س َوال َْق َ
مهَر ُ م َ كنا ً َوال ّ
شه ْ سه َ ل الل ّي ْه َ
ل َ جع َ َ
ح وَ َ َفال ِقُ ال ِ ْ
صَبا ِ
زيزِ ال ْعَِليم ِ )(96 ديُر ال ْعَ ِ
ت َْق ِ
والله سبحانه وتعالى هو الذي شق ضياء الصباح من ظلم الليل,
وجعل الليل مستقًرا ,يسكن فيه كل متحرك ويهدأ ,وجعل الشمس
در ,ل يتغير ول
والقمر يجريان في فلكيهما بحساب متقن مق ّ
يضطرب ,ذلك تقدير العزيز الذي عّز سلطانه ,العليم بمصالح خلقه
وتدبير شئونهم .والعزيز والعليم من أسماء الله الحسنى يدلن
على كمال العز والعلم.
ت ال ْب َّر َوال ْب َ ْ
حرِ َقههد ْ دوا ب َِها ِفي ظ ُل ُ َ
ما ِ م ل ِت َهْت َ ُ
جو َم الن ّ ُ ل ل َك ُ ْ
جع َ َذي َ وَهُوَ ال ّ ِ
ن )(97 مو َ ت ل َِقوْم ٍ ي َعْل َ ُصل َْنا الَيا ِفَ ّ
والله سبحانه هو الذي جعل لكم أيها الناس النجوم علمات,
تعرفون بها الطرق ليل إذا ضللتم بسبب الظلمة الشديدة في البر
والبحر ,قد بي ّّنا البراهين الواضحة; ليتدبرها منكم أولو العلم بالله
وشرعه.
258
َ َ ذي َأنَز َ
ل ت ك ُه ّ جن َهها ب ِههِ ن َب َهها َ
خَر ْ جَنا ب ِهِ فَأ ْ خَر ْ ماًء فَأ ْ ماِء َ س َن ال ّ م ْ ل ِ وَهُوَ ال ّ ِ
َ
ن مه ْ ل ِ خه ِن الن ّ ْ كب ها ً وَ ِ
مه ْ مت ََرا ِحب ّها ً ُه َ من ْ ُ
ج ِ خرِ ُ ضرا ً ن ُ ْخ ِ ه َ من ْ ُ جَنا ِ خَر ْيٍء فَأ ْ ش ْ َ
شهت َِبها ً َ
م ْ ن ُ مها َ ن َوالّر ّ ب َوالّزي ْت ُههو َ ن أعَْنها ٍ مه ْت ِ جن ّهها ٍة وَ َ دان ِي َ ٌ
ن َ ط َل ْعَِها قِن ْ َ
وا ٌ
شابه انظ ُروا إَلى ث َمره إ َ َ
ت م لي َهها ٍ ن فِههي ذ َل ِك ُه ْ مَر وَي َن ْعِ ههِ إ ِ ّذا أث ْ َ َ ِ ِ ِ ِ ُ مت َ َ ِ ٍ وَغَي َْر ُ
ن )(99 مُنو َ ل َِقوْم ٍ ي ُؤْ ِ
والله سبحانه هو الذي أنزل من السحاب مطًرا فأخرج به نبات كل
عا وشجًرا أخضر ,ثم أخرح من الزرع شيء ,فأخرج من النبات زر ً
ضا ,كسنابل القمح والشعير والرز ,وأخرج من حّبا يركب بعضه بع ً
َ
طلع النخل -وهو ما تنشأ فيه عذوق الرطب -عذوًقا قريبة التناول,
وأخرج سبحانه بساتين من أعناب ,وأخرج شجر الزيتون والرمان
ما وطبًعا.الذي يتشابه في ورقه ويختلف في ثمره شكل وطع ً
انظروا أيها الناس إلى ثمر هذا النبات إذا أثمر ,وإلى نضجه وبلوغه
حين يبلغ .إن في ذلكم -أيها الناس -لدللت على كمال قدرة
خالق هذه الشياء وحكمته ورحمته لقوم يصدقون به تعالى
ويعملون بشرعه.
خل َ َ
ق ة وَ َ
حب َ ٌ
صا ِ ن لَ ُ
ه َ ه وَل َد ٌ وَل َ ْ
م ت َك ُ ْ ن لَ ُ ت َوال َْرض أ َّنى ي َ ُ
كو ُ وا ِم َ
س َديعُ ال ّبَ ِ
ِ
م )(101 يٍء عَِلي ٌش ْل َيٍء وَهُوَ ب ِك ُ ّ ل َ
ش ْ كُ ّ
والله تعالى هو الذي أوجد السموات والرض وما فيهن على غير
مثال سابق .كيف يكون له ولد ولم تكن له صاحبة؟ تعالى الله عما
259
وا كبيًرا ,وهو الذي خلق كل شيء من العدم,
يقول المشركون عل ّ
ول يخفى عليه شيء من أمور الخلق.
ف ال ْ َ
خِبيُر )(103 صاَر وَهُوَ الل ّ ِ
طي ُ ل ت ُد ْرك ُه ال َب ْصار وهُو ي ُد ْر ُ َ
ك الب ْ َِ َ ُ َ َ ِ ُ
ه البصاُر في الدنيا ,أما في الدار الخرة فإن المؤمنين
ل ترى الل َ
يرون ربهم بغير إحاطة ,وهو سبحانه يدرك البصار ويحيط بها,
ويعلمها على ما هي عليه ,وهو اللطيف بأوليائه الذي يعلم دقائق
الشياء ،الخبير الذي يعلم بواطنها.
260
اليات -الحقّ لقوم يعلمونه ,فيقبلونه ويتبعونه ,وهم المؤمنون
برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وما أنزل عليه.
َ ما أ َ ْ
ت عَل َي ِْههه ْ
م حِفيظا ً وَ َ
ما أْنهه َ ك عَل َي ْهِ ْ
م َ جعَل َْنا َ
ما َ شَر ُ
كوا وَ َ ه َشاَء الل ّ ُ
وَل َوْ َ
ل )(107 كي ٍ
ب ِوَ ِ
ولو شماء الله تعالى أن ل يشرك هؤلء المشركون لما أشركوا,
لكنه تعالى عليم بما سيكون من سوء اختيارهم واتباعهم أهواءهم
المنحرفة .وما جعلناك -أيها الرسول -عليهم رقيًبا تحفظ عليهم
أعمالهم ,وما أنت بَقي ّم ٍ عليهم تدبر مصالحهم.
َ َ
مهها ن ب ِهَهها قُه ْ
ل إ ِن ّ َ ة ل َي ُهؤْ ِ
من ُ ّ م آي َه ٌ
جههاَءت ْهُ ْ
ن َ م ل َئ ِ ْمان ِهِ ْ
جهْد َ أي ْ ََ موا ِبالل ّهِ وَأقْ َ
س ُ
َ
ن )(109 مُنو َ ت ل ي ُؤْ ِ جاَء ْ ذا َ م أن َّها إ ِ َ شعُِرك ُ ْ ما ي ُ ْ وَ َ عن ْد َ الل ّهِ
ت ِ الَيا ُ
وأقسم هؤلء المشركون بأيمان مؤ ّ
كدة :لئن جاءنا محمد بعلمة
ن بما جاء به ,قل -أيها الرسول : -إنما مجيء
خارقة لنصدق ّ
261
المعجزات الخارقة من عند الله تعالى ,هو القادر على المجيء بها
إذا شاء ,وما يدريكم أيها المؤمنون :لعل هذه المعجزات إذا جاءت
دق بها هؤلء المشركون.ل يص ّ
ونقلب أفئدتهم وأبصارهم ,فنحول بينها وبين النتفاع بآيات الله ,فل
يؤمنون بههها كمهها لههم يؤمنههوا بآيههات القههرآن عنههد نزولههها أول مههرة,
ونتركهم فههي تمّردهههم علههى اللههه متحّيريههن ,ل يهتههدون إلههى الحههق
والصواب.
262
الجزء الثامن :
َ
كه ّ
ل شهْرَنا عَل َي ِْهه ْ
م ُ ح َ م ال ْ َ
مهوَْتى وَ َ ة وَك َل ّ َ
مُهه ْ كه َملئ ِ َم ال ْ َ وَل َوْ أن َّنا ن َّزل َْنا إ ِل َي ِْهه ْ
شاَء الل ّه ول َك َ َ
ن)جهَُلههو َم يَ ْن أك ْث ََرهُ ُْ َ ِ ّ ن يَ َ مُنوا إ ِل ّ أ ْكاُنوا ل ِي ُؤْ ِ ما َ يٍء قُب ُل ً َ ش ْ َ
(111
ولو أننا أجبنا طلب هؤلء ,فنّزلنا إليهم الملئكة من السماء ,وأحيينا
لهم الموتى ,فكلموهم ,وجمعنا لهم كل شيء طلبوه فعاينوه
دقوا بما دعوتهم إليه -أيها الرسول -ولم يعملوا به,
مواجهة ,لم يص ّ
إل من شاء الله له الهداية ,ولكن أكثر هؤلء الكفار يجهلون الحق
الذي جئت به من عند الله تعالى.
م
ضهههُ ْحي ب َعْ ُ ن ُيههو ِ
ج ّس َوال ْ ِ
لن ِ نا ِطي َ
شَيا ِ ي عَد ُوّا ً َ جعَل َْنا ل ِك ُ ّ
ل ن َب ِ ّ ك َوَك َذ َل ِ َ
مهها
م وَ َما فَعَُلوهُ َفههذ َْرهُ ْ ك َ شاَء َرب ّ َل غُُرورا ً وَل َوْ َ ف ال َْقوْ ِ خُر َ ض ُز ْ إ ِلى ب َعْ ٍ
َ
ن )(112 ي َْفت َُرو َ
وكما ابتليناك -أيها الرسول -بأعدائك من المشركين ابتلينا جميع
من مردة قومهم وأعداء من مردة النبياء -عليهم السلم -بأعداء ِ
الجنُ ,يلقي بعضهم إلى بعض القول الذي زّينوه بالباطل; ليغتر به
ل وعل -لحال بينهم سامعه ,فيضل عن سبيل الله .ولو أراد ربك -ج ّ
منوبين تلك العداوة ,ولكنه البتلء من الله ,فدعهم وما يختلقون ِ
كذب وزور.
َ
ضوْهُ وَل ِي َْقت َرُِفوا َ
ما خَرةِ وَل ِي َْر َ
ن ِبال ِ ن ل ي ُؤْ ِ
مُنو َ صَغى إ ِل َي ْهِ أفْئ ِد َةُ ال ّ ِ
ذي َ وَل ِت َ ْ
ن )(113 مْقت َرُِفو َ م ُ هُ ْ
وِلتميل إليه قلوب الكفار الذين ل يصدقون بالحياة الخرة ول
يعملون لها ,ولتحّبه أنفسهم ,وليكتسبوا من العمال السيئة ما هم
مكتسبون .وفي هذا تهديد عظيم لهم.
263
ن
ذي َصل ً َوال ّه ِمَف ّ ب ُم ال ْك َِتا َ ذي َأنَز َ
ل إ ِل َي ْك ُ ْ كما ً وَهُوَ ال ّ ِ
َ َ
أفَغَي َْر الل ّهِ أب ْت َِغي َ
ح َ
آتيناهُم ال ْكتاب يعل َمو َ
نمه ْن ِ كهون َ ّ ك ب ِههال ْ َ
حقّ َفل ت َ ُ ن َرّبه َ مه ْ
ل ِ من َهّز ٌ
ه ُ ن أّنه َُِ َ َْ ُ َ ََْ ْ
ن )(114 ري َ
مت َ ِ
م ْال ْ ُ
قل -أيها الرسول -لهؤلء المشركين :أغير الله إلهي وإلهكم أطلب
ما بيني وبينكم ,وهو سبحانه الذي أنزل إليكم القرآن مبيًنا فيهحك َ ً
َ
الحكم فيما تختصمون فيه من أمري وأمركم؟ وبنو إسرائيل الذين
ما يقيًنا أن هذا القرآن منزل
آتاهم الله التوراة والنجيل يعلمون عل ً
كين في عليك -أيها الرسول -من ربك بالحق ,فل تكونن من الشا ّ
شيء مما أوحينا إليك.
ميعُ ال ْعَِلي ُ
م) س ِ ل ل ِك َل ِ َ
مات ِهِ وَهُوَ ال ّ دقا ً وَعَد ْل ً ل ُ
مب َد ّ َ ص ْ ة َرب ّ َ
ك ِ ت ك َل ِ َ
م ُ م ْ
وَت َ ّ
(115
وتمت كلمة ربك -وهي القرآن -صدًقا في الخبار والقوال ,وعدل
دل كلماته الكاملة .والله تعالى
في الحكام ,فل يستطيع أحد أن يب ّ
هو السميع لما يقول عباده ,الحليم بظواهر أمورهم وبواطنها.
َ َ
ن إ ِل ّ ل الل ّهِ إ ِ ْ
ن ي َت ّب ُِعو َ سِبي ِ
ن َ ضّلو َ
ك عَ ْ ض يُ ِ
ن ِفي الْر ِ م ْ ن ت ُط ِعْ أك ْث ََر َوَإ ِ ْ
ن )(116 صو َ م إ ِل ّ ي َ ْ
خُر ُ ن هُ ْ الظ ّ ّ
ن وَإ ِ ْ
ولو ُفرض -أيها الرسول -أنك أطعت أكثر أهل الرض لضّلوك عن
دين الله ,ما يسيرون إل على ما ظنوه حّقا بتقليدهم أسلفهم ,وما
هم إل يظنون ويكذبون.
َ َ
ن )(117
دي َ م ِبال ْ ُ
مهْت َ ِ سِبيل ِهِ وَهُوَ أعْل َ ُ
ن َ ض ّ
ل عَ ْ ن يَ ِ
م ْ ك هُوَ أعْل َ ُ
م َ ن َرب ّ َ
إِ ّ
إن ربك هو أعلم بالضالين عن سبيل الرشاد ,وهو أعلم منكم
ومنهم بمن كان على استقامة وسداد ,ل يخفى عليه منهم أحد.
ن )(118 مؤ ْ ِ
مِني َ م ِبآَيات ِهِ ُ
كنت ُ ْ م الل ّهِ عَل َي ْهِ إ ِ ْ
ن ُ ما ذ ُك َِر ا ْ
س ُ فَك ُُلوا ِ
م ّ
264
فكلوا من الذبائح التي ذ ُك َِر اسم الله عليها ,إن كنتم ببراهين الله
تعالى الواضحة مصدقين.
وما ل َك ُ َ ْ
محههّر َمهها َم َ ل ل َك ُ ْ ص َم الل ّهِ عَل َي ْهِ وَقَد ْ فَ َ ّ
س ُما ذ ُك َِر ا ْ م ّ م أل ّ ت َأك ُُلوا ِ ْ َ َ
ْ ّ َ ً
ن ك َِثيرا لي ُ ِ َ ُ م إ ِل ّ َعَل َي ْك ُ ْ
ع ل هم ٍم ب ِغَي ْهرِ ِ وائ ِهِ ْ
ن ب ِهأهْ َ ضلو َ م إ ِلي ْهِ وَإ ِ ّ ضطرِْرت ُ ْ ما ا ْ
َ
ن )(119 دي َ معْت َ ِم ِبال ْ ُك هُوَ أعْل َ ُ ن َرب ّ َ إِ ّ
وأيّ شيء يمنعكم أيها المسلمون من أن تأكلوا مما ذكر اسم الله
عليه ,وقد بّين الله سبحانه لكم جميع ما حّرم عليكم؟ لكن ما دعت
إليه الضرورة بسبب المجاعة ,مما هو محرم عليكم كالميتة ,فإنه
ن كثيًرا من الضالين ليضلون عن سبيل الله أشياعهممباح لكم .وإ ّ
في تحليل الحرام وتحريم الحلل بأهوائهم؛ جهل منهم .إن ربك
-أيها الرسول -هو أعلم بمن تجاوز حده في ذلك ,وهو الذي يتولى
حسابه وجزاءه.
مهها
ن بِ َ
جَزوْ َ
سهي ُ ْ ن ال ِث ْه َ
م َ ن ي َك ْ ِ
سهُبو َ ن ال ّه ِ
ذي َ ه إِ ّ وَذ َُروا َ
ظاهَِر ال ِث ْم ِ وَب َههاط ِن َ ُ
ن )(120 َ
كاُنوا ي َْقت َرُِفو َ
واتركوا -أيها الناس -جميع المعاصي ,ما كان منها علنية وما كان
سّرا .إن الذين يفعلون المعاصي سيعاقبهم ربهم; بسبب ما كانوا
يعملونه من السيئات.
ْ
ن
طي َ ن ال ّ
شهَيا ِ سهقٌ وَإ ِ ّ ه ل َِف ْ
م الل ّهِ عَل َي ْهِ وَإ ِن ّه ُ
س ُ ما ل َ ْ
م ي ُذ ْك َْر ا ْ َول ت َأك ُُلوا ِ
م ّ
ل َيوحون إَلى أ َول ِيائ ِهم ل ِيجادُلوك ُم وإ َ
ن) شهرِ ُ
كو َ م لَ ُ
م ْ م إ ِن ّك ُه ْ
مههوهُ ْن أط َعْت ُ ُ ْ َِ ْ ْ َ ِ ْ ُ َ ِ ُ ُ َ ِ
(121
ول تأكلوا -أيها المسلمون -من الذبائح التي لم يذكر اسم الله عليها
عند الذبح ,كالميتة وما ذبح للوثان والجن ,وغير ذلك ,وإن الكل
من تلك الذبائح لخروج عن طاعة الله تعالى .وإن مردة الجن
ل َي ُْلقون إلى أوليائهم من شياطين النس بالشبهات حول تحريم أكل
الميتة ,فيأمرونهم أن يقولوا للمسلمين في جدالهم معهم :إنكم
بعدم أكلكم الميتة ل تأكلون ما قتله الله ,بينما تأكلون مما تذبحونه,
265
وإن أطعتموهم -أيها المسلمون في تحليل الميتة -فأنتم وهم في
الشرك سواء.
َ َ
ن
مه ْس كَ َ شي ب ِهِ فِههي الن ّهها ِ م ِه ُنورا ً ي َ ْ جعَل َْنا ل َ ُ مْيتا ً فَأ ْ
حي َي َْناهُ وَ َ ن َ ن َ
كا َ م ْأوَ َ
مهها ك َههاُنوا
ن َ
ري َن ل ِل ْك َههافِ ِ
ك ُزي ّه َمن َْها ك َذ َل ِ َج ِ خارِ ٍ ت ل َي ْ َ
س بِ َ ما ِه ِفي الظ ّل ُ َ مث َل ُ َُ
ن )(122 مُلو َ ي َعْ َ
أَومن كان ميًتا في الضللة هالكا حائرا ,فأحيينا قلبه باليمان,
وهديناه له ,ووفقناه لتباع رسله ,فأصبح يعيش في أنوار الهداية,
كمن مثله في الجهالت والهواء والضللت المتفرقة ,ل يهتدي إلى
ت هذامنفذ ول مخلص له مما هو فيه؟ ل يستويان ,وكما خذل ُ
ت له سوء عمله ,فرآه الكافر الذي يجادلكم -أيها المؤمنون -فزي ّن ْ ُ
ت للجاحدين أعمالهم السيئة; ليستوجبوا بذلك العذاب. حسًنا ,زي ّن ْ ُ
ُ
ل الل ّههِ سه ُ ي ُر ُما أوت ِ َ ل َ مث ْ َحّتى ن ُؤَْتى ِ
ن َ ن ن ُؤْ ِ
م َ ة َقاُلوا ل َ ْ م آي َ ٌجاَءت ْهُ ْ ذا َ وَإ ِ َ
َ َ
عن ْد َ الل ّهِ
صَغاٌر ِ
موا َ جَر ُنأ ْ ب ال ّ ِ
ذي َ صي ُ
سي ُ ِ
ه َ سال َت َ ُل رِ َ جع َ ُث يَ ْ حي ْ ُ
م َ ه أعْل َ ُ الل ّ ُ
ن )(124 مك ُُرو َ ما َ
كاُنوا ي َ ْ ديد ٌ ب ِ َش ِ ب َ ذا ٌوَعَ َ
وإذا جاءت هؤلء المشركين من أهل "مكة" حجة ظاهرة على نبوة
دق بنبوته
محمد صلى الله عليه وسلم ,قال بعض كبرائهم :لن نص ّ
حتى يعطينا الله من النبوة والمعجزات مثل ما أعطى رسله
السابقين .فرد ّ الله تعالى عليهم بقوله :الله أعلم حيث يجعل
رسالته أي :بالذين هم أهل لحمل رسالته وتبليغها إلى الناس.
سينال هؤلء الطغاة الذل ,ولهم عذاب موجع في نار جهنم; بسبب
كيدهم للسلم وأهله.
266
َ فَمن يرد الل ّ َ
هض هل ّ ُ
ن يُ ِ
ن ي ُهرِد ْ أ ْ مه ْ سههلم ِ وَ َ
صهد َْرهُ ل ِل ِ ْ
ح َ شَر ْ ه يَ ْن َيهدِي َ ُهأ ْ ُ َ ْ ُ ِ ْ
َ
ل الل ّه ُ
ه جع َ ه ُ ماِء ك َهذ َل ِ َ
ك يَ ْ س َ
صعّد ُ ِفي ال ّ ما ي َ ّحَرجا ً ك َأن ّ َ ضّيقا ً َ صد َْرهُ َل َ جع َ ْ
يَ ْ
ن )(125 مُنو َ ن ل ي ُؤْ ِ ذي َس عََلى ال ّ ِ ج َ الّر ْ
فمن يشأ الله أن يوفقه لَقبول الحق يشرح صدره للتوحيد
واليمان ,ومن يشأ أن يضله يجعل صدره في حال شديدة من
من يصعد في طبقات الجو العليا,النقباض عن َقبول الهدى ,كحال َ
فيصاب بضيق شديد في التنفس .وكما يجعل الله صدور الكافرين
شديدة الضيق والنقباض ,كذلك يجحل العذاب على الذين ل
يؤمنون به.
مُلو َ
ن )(127 ما َ
كاُنوا ي َعْ َ م بِ َ
م وَهُوَ وَل ِي ّهُ ْ
عن ْد َ َرب ّهِ ْ
سلم ِ ِ
داُر ال ّ ل َهُ ْ
م َ
للمتذكرين عند ربهم جل وعل يوم القيامة دار السلمة والمان من
كل مكروه وهي الجنة ,وهو سبحانه ناصرهم وحافظهم جزاًء لهم;
بسبب أعمالهم الصالحة.
س وََقا َ
ل لن ِ ن اَ ِم ْ م ِ ست َك ْث َْرت ُ ْ
ن قَد ْ ا ْ ج ّشَر ال ْ ِ مع ْ َميعا ً َيا َ ج ِ
م َشُرهُ ْ ح ُم يَ ْوَي َوْ َ
َ
ذي جل َن َهها ال ّه ِض وَب َل َغْن َهها أ َ ضهَنا ب ِب َعْه ٍ مت َعَ ب َعْ ُسهت َ ْس َرب ّن َهها ا ْلن ِ نا ِ م ْ م ِأوْل َِياؤُهُ ْ
َ
كن َرب ّه َ
ه إِ ّ شههاَء الل ّه ُ مهها َ ن ِفيهَهها إ ِل ّ َدي َ خال ِه ِم َ واك ُ ْ
مث ْه َل الّناُر َت ل ََنا َقا َ جل ْ َ
أ ّ
م )(128 م عَِلي ٌ كي ٌح َِ
واذكر -أيها الرسول -يوم يحشر الله تعالى الكفار وأولياءهم من
شياطين الجن فيقول :يا معشر الجن قد أضللتم كثيًرا من النس,
وقال أولياؤهم من كفار النس :ربنا قد انتفع بعضنا من بعض,
جل َْته لنا بانقضاء حياتنا الدنيا ,قال الله تعالى
وبلغنا الجل الذي أ ّ
من شاء اللهلهم :النار مثواكم ,أي :مكان إقامتكم خالدين فيها ,إل َ
267
عدم خلوده فيها من عصاة الموحدين .إن ربك حكيم في تدبيره
وصنعه ,عليم بجميع أمور عباده.
ن )(129 كاُنوا ي َك ْ ِ
سُبو َ ن ب َْعضا ً ب ِ َ
ما َ مي َ ض ال ّ
ظال ِ ِ ك ن ُوَّلي ب َعْ َ
وَك َذ َل ِ َ
وكما سل ّ ْ
طنا شياطين الجن على كفار النس ,فكانوا أولياء لهم,
نسّلط الظالمين من النس بعضهم على بعض في الدنيا; بسبب ما
يعملونه من المعاصي.
ْ َ
م آَيههاِتي ن عَل َي ْك ُ ْ
صو َ م ي َُق ّ من ْك ُ ْ
ل ِ س ٌ
م ُر ُ م ي َأت ِك ُ ْس أل َ ْ
ِ لن
ِ ن َوا شَر ال ْ ِ
ج ّ مع ْ ََيا َ
َ
م ال ْ َ
حَيههاةُ سَنا وَغَّرت ْهُ ْشهِد َْنا عََلى أنُف ِ ذا َقاُلوا َ م هَ َ مك ُ ْ م ل َِقاَء ي َوْ ِوَُينذُِرون َك ُ ْ
كاُنوا َم َ شهدوا عََلى َأنُفسه َ
ن )(130 ري َ كافِ ِ م أن ّهُ ْ ِ ِ ْ الد ّن َْيا وَ َ ِ ُ
أيها المشركون من الجن والنس ,ألم يأتكم رسل من جملتكم
ن الرسل من النس فقط ,-يخبرونكم -وظاهر النصوص يد ّ
ل على أ ّ
بآياتي الواضحة المشتملة على المر والنهي وبيان الخير والشر,
ويحذرونكم لقاء عذابي في يوم القيامة؟ قال هؤلء المشركون من
دنا على أنفسنا بأن رسلك قد بلغونا آياتك, النس والجنَ :
شهِ ْ
ة
وأنذرونا لقاء يومنا هذا ,فكذبناهم ,وخدعت هؤلء المشركين زين ُ
الحياة الدنيا ,وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا جاحدين وحدانية الله
تعالى ومكذبين لرسله عليهم السلم.
مُلو َ
ن )(132 ما ي َعْ َ
ل عَ ّ
ك ب َِغافِ ٍ مُلوا وَ َ
ما َرب ّ َ ما عَ ِ
م ّ
ت ِ
جا ٌ وَل ِك ُ ّ
ل د ََر َ
ولكل عامل في طاعة الله تعالى أو معصيته مراتب من عمله,
يبّلغه الله إياها ,ويجازيه عليها .وما ربك -أيها الرسول -بغافل عما
يعمل عباده.
268
ذو الرحمة إن ي َ ْ
مهها ن ب َعْهدِك ُ ْ
م َ مه ْ
ف ِ
خل ِ ْ
س هت َ ْ شأ ي ُذ ْهِب ْك ُ ْ
م وَي َ ْ ّ ْ َ ِ ِ ْ َ ي ُ
ّ ك ال ْغَن ِ
وََرب ّ َ
شاُء ك َما َأن َ َ
ن )(133 ري َ خ ِ ن ذ ُّري ّةِ قَوْم ٍ آ َ
م ْ شأك ُ ْ
م ِ َ يَ َ
وربك -أيها الرسول -الذي أمر الناس بعبادته ,هو الغني وحده ,وكل
خلقه محتاجون إليه ,وهو سبحانه ذو الرحمة الواسعة ,لو أراد
ما غيركم يخلفونكم من بعد فنائكم ,ويعملون لهلككم ,وأوجد قو ً
بطاعته تعالى ,كما أوجدكم من نسل قوم آخرين كانوا قبلكم.
ن )(134 َ
زي َ
ج ِ
مع ْ ِ
م بِ ُ
ما أن ْت ُ ْ
ت وَ َ
نل ٍ
دو َ
ما ُتوعَ ُ
ن َ
إِ ّ
إن الذي يوعدكم به ربكم -أيها المشركون -من العقاب على
جزوا ربكم هرًبا ,فهو قادر على إعادتكم,
كفركم واقع بكم ,ولن ُتع ِ
ما.وإن صرتم تراًبا وعظا ً
ن
مه ْ
ن َ ف ت َعْل َ ُ
مههو َ ل فَ َ
س هو ْ َ مه ٌ
عا ِ كان َت ِك ُ ْ
م إ ِن ّههي َ مُلوا عََلى َ
م َ ل َيا قَوْم ِ اعْ َقُ ْ
ن )(135 مو َ ح ال ّ
ظال ِ ُ ه ل ي ُْفل ِ ُ
دارِ إ ِن ّ ُ
ة ال ّعاقِب َ ُ ن لَ ُ
ه َ كو ُتَ ُ
قل -أيها الرسول : -يا قوم اعملوا على طريقتكم فإني عامل على
طريقتي التي شرعها لي ربي جل وعل فسوف تعلمون -عند حلول
ن الذي تكون له العاقبة الحسنة؟ إنه ل يفوزم ِ
النقمة بكمَ -
من تجاوز حده وظلم ,فأشرك مع الله برضوان الله تعالى والجنة َ
غيره.
َ
ذا ل ِل ّههِ ث َوال َن ْعَههام ِ ن َ ِ
صههيبا ً فََقههاُلوا هَه َ حهْر ِن ال ْ َ مه ْمهها ذ ََرأ ِ م ّجعَُلوا ل ِل ّههِ ِ وَ َ
ل إ ِل َههى الل ّههِ وَ َ
مهها صه ُ م َفل ي َ ِ كائ ِهِ ْ شَر َ
ن لِ ُكا َما َ شَر َ
كائ َِنا فَ َ ذا ل ِ ُم وَهَ َ مه ِ ْ ب َِزعْ ِ
ن )(136 مو َ حك ُ ُ ما ي َ ْ ساَء َم َ شَر َ
كائ ِهِ ْ ل إ َِلى ُ ص ُ ن ل ِل ّهِ فَهُوَ ي َ ِكا ََ
َ
ممه ِ ه ْ
شههاءُ ب َِزعْ ِ ن نَ َ
مه ْ جهٌر ل ي َط ْعَ ُ
مهَهها إ ِل ّ َ ح ْث ِ حهْر ٌ وََقاُلوا هَذِهِ أن ْعَهها ٌ
م وَ َ
م الل ّههِ عَل َي ْهَهها افْت ِهَراءً وأ َنعام حرمت ظ ُهور َ َ
سه َ نا ْ م ل ي َهذ ْك ُُرو َها وَأن ْعَهها ٌ ُ ُ َ َْ ٌ ُ ّ َ ْ
ن )(138 كاُنوا ي َْفت َُرو َما َ م بِ َ
زيهِ ْ ج ِ عَل َي ْهِ َ
سي َ ْ
من يأذنون لهوقال المشركون :هذه إبل وزرع حرام ,ل يأكلها إل َ
حّرمت من سدنة الوثان وغيرهم .وهذه إبل ُ -حسب ادعائهمِ -
ل عليها بحال من الحوال .وهذه ظهورها ,فل يحل ركوبها والحم ُ
إبل ل َيذكرون اسم الله تعالى عليها في أي شأن من شئونها.
فعلوا ذلك كذًبا منهم على الله ,سيجزيهم الله بسبب ما كانوا
ب عليه سبحانه.
يفترون من كذ ٍ
م عَل َههى
حهّر ٌ م َ ة ل ِهذ ُ ُ
كورَِنا وَ ُ صه ٌ ن هَهذِهِ ال َن ْعَههام ِ َ
خال ِ َ ما فِههي ب ُط ُههو ِ وََقاُلوا َ
شَر َ َ
م
كيهه ٌح ِ
ه َم إ ِن ّ ُ
صَفهُ ْم وَ ْ زيهِ ْ ج ِسي َ ْ
كاُء َ م ِفيهِ ُ ة فَهُ ْ
مي ْت َ ً ن ي َك ُ ْ
ن َ جَنا وَإ ِ ْ
أْزَوا ِ
م )(139 عَِلي ٌ
وقال المشركون :ما في بطون النعام من أجّنة مباح لرجالنا,
ومحرم على نسائنا ,إذا ولد حّيا ,ويشركون فيه إذا ولد ميًتا.
سيعاقبهم الله إذ شّرعوا لنفسهم من التحليل والتحريم ما لم يأذن
به الله .إنه تعالى حكيم في تدبير أمور خلقه ,عليم بهم.
270
َ
مها َرَزقَُهه ْ
م مهوا َ عْلهم ٍ وَ َ
حّر ُ سَفها ً ب ِغَْيهرِ ِم َ ن قَت َُلوا أْولد َهُ ْ سَر ال ّ ِ
ذي َ خ ِ قَد ْ َ
ن )(140 دي َ
مهْت َ ِ
كاُنوا ُ ما َضّلوا وَ َ ه افْت َِراًء عََلى الل ّهِ قَد ْ َ
الل ّ ُ
قد خسر وهلك الذين قتلوا أولدهم لضعف عقولهم وجهلهم,
وحرموا ما رزقهم الله كذًبا على الله .قد ب َُعدوا عن الحق ,وما كانوا
من أهل الهدى والرشاد .فالتحليل والتحريم من خصائص اللوهية
في التشريع ,والحلل ما أحله الله ,والحرام ما حّرمه الله ,وليس
دا كان أو جماعة أن يشرع لعباده ما لم يأذن به خْلقه فر ً
لحد من َ
الله.
وهو ال ّذي أ َن َ َ
ل َوالهّزْرعَ خه َ ت َوالن ّ ْ شهها ٍ معُْرو َ ت وَغَي َْر َ شا ٍمعُْرو َ
ت َ جّنا ٍ شأ َ ْ َ ُ َ ِ
ُ
ه
مههرِ ِن ثَ َ
م ْ شاب ِهٍ ك ُُلوا ِ مت َ َشاِبها ً وَغَي َْر ُ مت َ َ
ن ُ
ما َ
ن َوالّر ّ ه َوالّزي ُْتو َخت َِلفا ً أك ُل ُ ُم ْ ُ
َ
ن) سههرِِفي َم ْ ب ال ْ ُح ّ ه ل يُ ِ سرُِفوا إ ِن ّ ُ صادِهِ َول ت ُ ْح َم َ ه ي َوْ َ
حّق ُمَر َوآُتوا َ ذا أث ْ َإِ َ
(141
والله سبحانه وتعالى هو الذي أوجد لكم بساتين :منها ما هو مرفوع
عن الرض كالعناب ,ومنها ما هو غير مرفوع ,ولكنه قائم على
عا طعمه ,والزيتون والرمان متشابًها سوقه كالنخل والزرع ,متنو ً
من ثمره إذا أثمر,منظره ,ومختلًفا ثمره وطعمه .كلوا -أيها الناسِ -
وأعطوا زكاته المفروضة عليكم يوم حصاده وقطافه ,ول تتجاوزوا
حدود العتدال في إخراج المال وأكل الطعام وغير ذلك .إنه تعالى
ل يحب المتجاوزين حدوده بإنفاق المال في غير وجهه.
ت خط ُ َ
وا ِ م الل ّ ُ
ه َول ت َت ّب ُِعوا ُ ما َرَزقَك ُ ْ ة وَفَْرشا ً ك ُُلوا ِ
م ّ مول َ ًح ُن ال َن َْعام ِ َ م ْوَ ِ
ن )(142 مِبي ٌ
م عَد ُوّ ُ ه ل َك ُ ْ
ن إ ِن ّ ُ شي ْ َ
طا ِ ال ّ
وأوجد من النعام ما هو مهّيأ للحمل عليه لكبره وارتفاعه كالبل,
ومنها ما هو مهّيأ لغير الحمل لصغره وقربه من الرض كالبقر
والغنم ,كلوا مما أباحه الله لكم وأعطاكموه من هذه النعام ,ول
عا لطرق الشيطان ,كما فعل تحرموا ما أح ّ
ل الله منها اتبا ً
المشركون .إن الشيطان لكم عدو ظاهر العداوة.
271
ة أ َزواج من الضأ ْن اث ْنين ومن ال ْمعز اث ْنين قُ ْ َ
م
ح هّر َ ن َل أال هذ ّك ََري ْ ِ َُ ْ ِ َ ْ ِ ّ ِ َْ ِ َ ِ ْ
َ
مان ِي َ َ ْ َ ٍ ِ ْ
َ ُ
ثَ َ
َ
م ن ُ
كنت ُه ْ ن ن َب ُّئون ِههي ب ِعِل ْهم ٍ إ ِ ْ
م النث َي َي ْه ِ ت عَل َي ْهِ أْر َ
حهها ُ مل َ ْ ما ا ْ
شت َ َ نأ ّم الن ْث َي َي ْ ِ أ ْ
ن )(143 صادِِقي َ َ
هذه النعام التي رزقها الله عباده من البل والبقر والغنم ثمانية
أصناف :أربعة منها من الغنم ,وهي الضأن ذكوًرا وإناًثا ,والمعز
حّرم اللهذكوًرا وإناًثا .قل -أيها الرسول -لولئك المشركين :هل َ
الذكرين من الغنم؟ فإن قالوا :نعم ,فقد كذبوا في ذلك; لنهم ل
حّرم اللهيحرمون كل ذكر من الضأن والمعز ,وقل لهم :هل َ
ضا; لنهم ل النثيين من الغنم؟ فإن قالوا :نعم ,فقد كذبوا أي ً
حّرم الله
يحرمون كل أنثى من ولد الضأن والمعز ,وقل لهم :هل َ
ما اشتملت عليه أرحام النثيين من الضأن والمعز من الحمل؟ فإن
من ذلك, مل ِح ْ
ضا; لنهم ل يحرمون كل َ قالوا :نعم ,فقد كذبوا أي ً
خّبروني بعلم يدل على صحة ما ذهبتم إليه ,إن كنتم صادقين فيما
تنسبونه إلى ربكم.
272
ي شيًئا محر ً
ما قل -أيها الرسول : -إني ل أجد فيما أوحى الله إل ّ
حّرم من النعام ,إل أن يكون قد على من يأكله مما تذكرون أنه ُ
ما مراًقا ,أو يكون لحم خنزير فإنهمات بغير تذكية ,أو يكون د ً
جا عن طاعة الله تعالى; كما إذا نجس ,أو الذي كانت ذكاته خرو ً
كان المذبوح قد ذكر عليه اسم غير الله عند الذبح .فمن اضطر
إلى الكل من هذه المحرمات بسبب الجوع الشديد غير طالب
ذا ,ول متجاوز حد الضرورة ,فإن الله تعالى غفور له, بأكله منها تلذ ً
رحيم به .وقد ثبت -فيما بعد -بالسنة تحريم كل ذي ناب من
السباع ,ومخلب من الطير ,والحمر الهلية ,والكلب.
من َهها
حّر ْن ال ْب ََق هرِ َوال ْغَن َهم ِ َ
مه ْ ل ِذي ظ ُُف هرٍ وَ ِ مَنا ك ُه ّ حّر ْ دوا َ ها ُ ن َذي َ وَعََلى ال ّ ِ
خت َل َه َ َ َ
ط مهها ا ْ
واي َهها أوْ َ ح َ مهها أوْ ال ْ َ ت ظ ُُهوُرهُ َ مل َه ْ ح َ مهها َ ما إ ِل ّ َمه ُ َحو َش ُ م ُ عَل َي ْهِ ْ
ن )(146 صادُِقو َ م وَإ ِّنا ل َ َم ب ِب َغْي ِهِ ْ
جَزي َْناهُ ْك َ ب ِعَظ ْم ٍ ذ َل ِ َ
ه ع َه ْ ْ ْ
ن الَق هوْم ِ سه ُ
سعَةٍ َول ي ُهَرد ّ ب َأ ُ
مةٍ َوا ِ
ح َ
ذو َر ْ ل َرب ّك ُ ْ
م ُ ن ك َذ ُّبو َ
ك فَُق ْ فَإ ِ ْ
ن )(147 مي َ جرِ ِم ْال ْ ُ
فإن كذبك -أيها الرسول -مخالفوك من المشركين واليهود,
دفع عقابهوغيرهم ,فقل لهم :ربكم جل وعل ذو رحمة واسعة ,ول ي ُ ْ
عن القوم الذين أجرموا ,فاكتسبوا الذنوب ,واجترحوا السيئات.
وفي هذا تهديد لهم لمخالفتهم الرسول صلى الله عليه وسلم.
من َهها
حّر ْش هَرك َْنا َول آَباؤُن َهها َول َ ما أ َ ْ ه َ شاَء الل ّ ُ كوا ل َوْ َ شَر ُ ن أَ ْ َ ذيل ال ّ ِسي َُقو ُ َ
ْ
لهه ْ ل َسهَنا ُقه ْ ذاُقهوا ب َأ َ حّتهى َ م َ ن قَب ْل ِِهه ْ م ْ ن ِ ب ال ّ ِ
ذي َ ك ك َذ ّ َ يٍء ك َذ َل ِ َ ش ْ ن َ م ْ ِ
َ
م إ ِل ّن أن ْت ُه ْ
ن وَإ ِ ْ ن إ ِل ّ الظ ّه ّ
ن ت َت ّب ِعُههو َجههوهُ ل َن َهها إ ِ ْ خرِ ُعل ْهم ٍ فَت ُ ْن ِ مه ْ م ِ عن ْهد َك ُ ِْ
ن )(148 صو َ خُر ُ تَ ْ
273
سيقول الذين أشركوا :لو أراد الله أن ل نشرك -نحن وآباؤنا -وأن
من دونه ما فعلنا ذلك ,ورد ّ الله عليهم ببيان أن هذهل نحرم شيًئا ِ
ذبوا بها دعوة رسلهم, من قبلهم ,وك ّ
الشبهة قد أثارها الكفار ِ
مّروا على ذلك ,حتى نزل بهم عذاب الله .قل لهم -أيها واست َ
الرسول :-هل عندكم -فيما حّرمتم من النعام والحرث ,وفيما
زعمتم من أن الله قد شاء لكم الكفر ,ورضيه منكم وأحبه لكم-
من علم صحيح فتظهرره لنا؟ إن تتبعون في أمور هذا الدين إل
مجرد الظن ,وإن أنتم إل تكذبون.
شاَء ل َهداك ُ َ
ة فَل َوْ َ
ة ال َْبال ِغَ ُ
ن )(149
مِعي َ
ج َ
مأ َْ َ ْ ج ُ ل فَل ِل ّهِ ال ْ ُ
ح ّ قُ ْ
قل -أيها الرسول -لهم :فلله جل وعل الحجة القاطعة التي يقطع
بها ظنونكم ,فلو شاء لوّفقكم جميًعا إلى طريق الستقامة.
شهدو َ
دوا َفل شهِ ُ ن َذا فَإ ِ ْ م هَ َ
حّر َ ه َ ن الل ّ َ
نأ ّن يَ ْ َ ُ َ ذي َ م ال ّ ِ
داَءك ُ ْ شه َ َ م ُ ل هَل ُ ّقُ ْ
ن ن ل ي ُؤْ ِ
من ُههو َ ذي َ كهذ ُّبوا ِبآَيات ِن َهها َواّله ِن َ
ذي َواَء اّله ِ
هه َم َول ت َت ّب ِهعْ أ َ ْ معَُهه ْ شهَد ْ َ تَ ْ
ن )(150 م ي َعْدُِلو َ م ب َِرب ّهِ ْ خَرةِ وَهُ ْ ِبال ِ
قل -أيها الرسول -لهؤلء المشركين :هاتوا شهداءكم الذين
يشهدون أن الله تعالى هو الذي حّرم ما حّرمتم من الحرث
والنعام ,فإن شهدوا -كذًبا وزوًرا -فل تصدقهم ,ول توافق الذين
ح ّ
كموا أهواءهم ,فكذبوا بآيات الله فيما ذهبوا إليه من تحريم ما
أحل الله ,وتحليل ما حرم الله ,ول تتبع الذين ل يصدقون بالحياة
الخرة ول يعملون لها ,والذين هم بربهم يشركون فيعبدون معه
غيره.
ن
وال ِهد َي ْ ِش هْيئا ً وَِبال ْ َ
كوا ب ِهِ َ شرِ ُ م أ َل ّ ت ُ ْ
م عَل َي ْك ُ ْ م َرب ّك ُ ْ حّر َ ما َ ل َوا أ َت ْ ُ ل ت ََعال َ ْقُ ْ
َ
م َول ت َْقَرُبههوا ن ن َْرُزقُك ُ ْ
م وَإ ِّياهُ ْ ح ُ ق نَ ْمل ٍ ن إِ ْم ْ م ِ سانا ً َول ت َْقت ُُلوا أْولد َك ُ ْ ح َ إِ ْ
ه إ ِل ّ م الل ّ ُ حّر َس ال ِّتي َ ن َول ت َْقت ُُلوا الن ّْف َ ما ب َط َ َ من َْها وَ َ ما ظ َهََر ِ ش َ ح َ وا ِال َْف َ
ن )(151 م ت َعِْقُلو َ م ب ِهِ ل َعَل ّك ُ ْ صاك ُ ْ
م وَ ّ حقّ ذ َل ِك ُ ْ ِبال ْ َ
قل -أيها الرسول -لهم :تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم :أن ل
تشركوا معه شيًئا من مخلوقاته في عبادته ,بل اصرفوا جميع أنواع
274
العبادة له وحده ,كالخوف والرجاء والدعاء ,وغير ذلك ,وأن تحسنوا
إلى الوالدين بالبر والدعاء ونحو ذلك من الحسان ,ول تقتلوا
من أجل فقر نزل بكم; فإن الله يرزقكم وإياهم ,ول تقربوا أولدكم ِ
ما كان ظاهًرا من كبير الثام ,وما كان خفّيا ,ول تقتلوا النفس التي
حرم الله قتلها إل بالحق ,وذلك في حال القصاص من القاتل أو
الزنى بعد الحصان أو الردة عن السلم ,ذلكم المذكور مما نهاكم
صاكم به ربكم; الله عنه ,وعهد إليكم باجتنابه ,ومما أمركم به ,و ّ
لعلكم تعقلون أوامره ونواهيه.
َ
ل فَت ََف هّرقَ ب ِك ُه ْ
م ست َِقيما ً َفات ّب ُِعوهُ َول ت َت ّب ِعُههوا ال ّ
سهب ُ َ م ْ
طي ُ صَرا ِ ذا ِ ن هَ َ
وَأ ّ
ن )(153 م ب ِهِ ل َعَل ّك ُ ْ
م ت َت ُّقو َ صاك ُ ْم وَ ّسِبيل ِهِ ذ َل ِك ُ ْ
ن َ عَ ْ
ومما وصاكم الله به أن هذا السلم هو طريق الله تعالى المستقيم
فاسلكوه ,ول تسلكوا سبل الضلل ,فتفرقكم ,وتبعدكم عن سبيل
الله المستقيم .ذلكم التوجه نحو الطريق المستقيم هو الذي
صاكم الله به; لتتقوا عذابه بفعل أوامره ,واجتناب نواهيه.
و ّ
َ
يءٍ صيل ً ل ِك ُ ّ
ل َ
شهه ْ ن وَت َْف ِ
س َ
ح َ ماما ً عََلى ال ّ ِ
ذي أ ْ سى ال ْك َِتا َ
ب تَ َ مو َ ثُ ّ
م آت َي َْنا ُ
275
ن )(154 م ي ُؤْ ِ
مُنو َ ة ل َعَل ّهُ ْ
م ب ِل َِقاِء َرب ّهِ ْ م ً
ح َ
دى وََر ْ
وَهُ ً
ثم قل -أيها الرسول -لهؤلء المشركين :إن الله تعالى هو الذي أتى
ما لنعمته على المحسنين من أهل ملته ,وتفصيل موسى التوراة تما ً
لكل شيء من أمور دينهم ,وهدى ودللة على الطريق المستقيم
دقوا بالبعث بعد الموت والحسابورحمة لهم; رجاء أن يص ّ
والجزاء ,ويعملوا لذلك.
َ
ن )(155
مو َ
ح ُ ك َفات ّب ُِعوهُ َوات ُّقوا ل َعَل ّك ُ ْ
م ت ُْر َ ب أنَزل َْناهُ ُ
مَباَر ٌ وَهَ َ
ذا ك َِتا ٌ
وهذا القرآن كتاب أنزلناه على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم,
خيره كثير فاتبعوه فيما يأمر به وينهى عنه ,واتقوا الله أن تخالفوا
له أمًرا; رجاء أن ترحموا فتنجوا من عذابه ,وتظفروا بثوابه.
ن ك ُن ّهها عَه ْ
ن ن قَب ْل ِن َهها وَإ ِ ْ
مه ْ
ن ِ َ َ
ب عَلى طههائ َِفت َي ْ ِ ما ُأنزِ َ
ل ال ْك َِتا ُ ن ت َُقوُلوا إ ِن ّ َ
َ
أ ْ
ن )(156 م ل ََغافِِلي َ ست ِهِ ْ
دَِرا َ
وأنزلنا هذا القرآن; لئل تقولوا -يا كفار العرب :-إنما ُأنزل الكتاب
من السماء على اليهود والنصارى ,وقد كنا عن قراءة كتبهم في
شغل ،ونحن ليس لنا بها علم ول معرفة.
276
ل ينظ ُرون إل ّ أ َن تأ ْتيهم ال ْملئك َة أ َو يأ ْتي رب َ َ ْ
ت
ض آي َهها ِ
ي ب َعْه ُ ك أوْ ي َأت ِ َ َ ِ ُ ْ َ ِ َ َ ّ ْ َ َُِ ْ هَ ْ َ ُ ْ َ ِ
تمن َه ْ
نآ َ مان ُهَهها ل َه ْ
م ت َك ُه ْ ك ل َينَفعُ ن َْفسها ً ِإي َ ت َرب ّ َ ض آَيا ِ
م ي َأِتي ب َعْ ُ َرب ّ َ
ك ي َوْ َ
خي ْههرا ً قُه ْ من قَب ُ َ
ن) منت َظ ِهُرو َ ل انت َظ ِهُروا إ ِن ّهها ُ مان ِهَهها َ
ت فِههي ِإي َ ل أو ْ ك َ َ
سب َ ْ ِ ْ ْ
(158
هل ينتظر الذين أعرضوا وصدوا عن سبيل الله إل أن يأتيهم ملك
الموت وأعوانه لقبض أرواحهم ,أو ياتي ربك -أيها الرسول -للفصل
بين عباده يوم القيامة ,أو يأتي بعض أشراط الساعة وعلماتها
الدالة على مجيئها ,وهي طلوع الشمس من مغربها؟ فحين يكون
ذلك ل ينفع نفسا إيمانها ,إن لم تكن آمنت من قبل ,ول ُيقبل منها
إن كانت مؤمنة كسب عمل صالح إن لم تكن عاملة به قبل ذلك.
قل لهم -أيها الرسول : -انتظروا مجيء ذلك; لتعلموا المحق من
المبطل ,والمسيء من المحسن ,إنا منتظرون ذلك.
مها
يءٍ إ ِن ّ َ م ِفهي َ
شه ْ من ُْهه ْ
ت ِ
سه َشهَيعا ً ل َ ْ
كهاُنوا ِم وَ َن فَّرُقوا ِدين َُهه ْ ذي َ ن ال ّ ِ
إِ ّ
َ
ن )(159 كاُنوا ي َْفعَُلو َ
ما َ
م بِ َ م إ َِلى الل ّهِ ث ُ ّ
م ي ُن َب ّئ ُهُ ْ مُرهُ ْأ ْ
إن الذين فرقوا دينهم بعد ما كانوا مجتمعين على توحيد الله
والعمل بشرعه ,فأصبحوا فرقا وأحزابا ,إنك -أيها الرسول -بريء
منهم ,إنما حكمهم إلى الله تعالى ,ثم يخبرهم بأعمالهم ,فيجازي
من تاب منهم وأحسن بإحسانه ,ويعاقب المسيء بإساءته.
م
هيه َ مّله َ
ة إ ِب َْرا ِ سهت َِقيم ٍ ِدينها ً قَِيمها ً ِ
م ْ
ط ُ
صهَرا ٍداِني َرّبي إ َِلى ِ قُ ْ
ل إ ِن ِّني هَ َ
ن )(161 كي َ م ْ
شرِ ِ ن ال ْ ُ
م ْ
ن ِ
كا َ حِنيفا ً وَ َ
ما َ َ
277
قل -أيها الرسول -لهؤلء المشركين :إنني أرشدني ربي إلى
الطريق القويم الموصل إلى جنته ,وهو دين السلم القائم بأمر
الدنيا والخرة ,وهو دين التوحيد دين إبراهيم عليه السلم ,وما كان
إبراهيم عليه السلم من المشركين مع الله غيره.
ن )(162 ب ال َْعال َ ِ
مي َ ماِتي ل ِل ّهِ َر ّ
م َ
حَياي وَ َ
م ْ
كي وَ َ
س ِ
صلِتي وَن ُ ُ
ن َ قُ ْ
ل إِ ّ
قل -أيها الرسول -لهؤلء المشركين :إن صلتي ,ونسكي ,أي:
ذبحي لله وحده ,ل للصنام ,ول للموات ,ول للجن ,ول لغير ذلك
مما تذبحونه لغير الله ,وعلى غير اسمه كما تفعلون ,وحياتي
وموتي لله تعالى رب العالمين.
ن )(163
مي َ
سل ِ ِ
م ْ ت وَأ ََنا أ َوّ ُ
ل ال ْ ُ مْر ُ
ك ل َه وبذ َل ِ َ ُ
كأ ِ ري َ ُ َ ِ ل َ
ش ِ
ل شريك له في ألوهيته ول في ربوبيته ول في صفاته وأسمائه,
وبذلك التوحيد الخالص أمرني ربي جل وعل وأنا أول من أقر وانقاد
لله من هذه المة.
َ قُ ْ َ
س إ ِل ّل ن َْف ه ٍ ب ك ُه ّ س ُ يٍء َول ت َك ْ ِ ش ْ ل َب كُ ّ ل أغَي َْر الل ّهِ أب ِْغي َرب ّا ً وَهُوَ َر ّ
مهها م فَي ُن َب ّئ ُك ُه ْ
م بِ َ جعُك ُه ْ
مْر ِ م َ م إ َِلى َرب ّك ُ ْ
خَرى ث ُ ّ عَل َي َْها َول ت َزُِر َوازَِرةٌ وِْزَر أ ُ ْ
ن )(164 خت َل ُِفو َم ِفيهِ ت َ ْ ُ
كنت ُ ْ
قل -أيها الرسول : -أغير الله أطلب إلها ,وهو خالق كل شيء
ومالكه ومدبره؟ ول يعمل أي إنسان عمل سيئا إل كان إثمه عليه,
ول تحمل نفس آثمة إثم نفس أخرى ,ثم إلى ربكم معادكم يوم
القيامة ,فيخبركم بما كنتم تختلفون فيه من أمر الدين.
خلئ ِ َ َ
ت
جهها ٍ فَ هوْقَ ب َعْ ه ٍ
ض د ََر َ ضك ُ ْ
م ض وََرفَعَ ب َعْ َ
ف الْر ِ م َ جعَل َك ُ ْ
ذي َ وَهُوَ ال ّ ِ
م) ه ل َغَُفههوٌر َر ِ
حي ه ٌ وَإ ِن ّه ُ بريعُ ال ْعَِقهها ِ
سه ِ
ك َن َرب ّه َ ما آت َههاك ُ ْ
م إِ ّ م ِفي َ ل ِي َب ْل ُوَك ُ ْ
(165
والله سبحانه هو الذي جعلكم تخلفون من سبقكم في الرض بعد
أن أهلكهم الله ,واستخلفكم فيها; لتعمروها بعدهم بطاعة ربكم,
278
ورفع حكم في الرزق والقوة فوق بعض درجات ,ليبلوكم فيما
أعطاكم من نعمه ,فيظهر للناس الشاكر من غيره .إن ربك سريع
العقاب لمن كفر به وعصاه ,وإنه لغفور لمن آمن به وعمل صالحا
وتاب من الموبقات ,رحيم به ,والغفور والرحيم اسمان كريمان من
أسماء الله الحسنى.
- 7سورة العراف
المص )(1
سبق الكلم على الحروف المق ّ
طعة في أول سورة البقرة.
279
َ ْ
م َقائ ُِلو َ
ن )(4 سَنا ب ََياتا ً أوْ هُ ْ
ها ب َأ ُ
جاَء َ ن قَْري َةٍ أ َهْل َك َْنا َ
ها فَ َ م ْ وَك َ ْ
م ِ
وكثير من القرى أهلكنا أهلها بسبب مخالفة رسلنا وتكذيبهم،
ل الخرة ،فجاءهم عذابنا مرة فأعقبهم ذلك خزي الدنيا موصول بذ ّ
ص الله هذين الوقتين;
خ ّ
وهم نائمون ليل ومرة وهم نائمون نهاًرا .و َ
لنهما وقتان للسكون والستراحة ،فمجيء العذاب فيهما أفظع
وأشد.
ن )(7 م ب ِعِل ْم ٍ وَ َ
ما ك ُّنا َ
غائ ِِبي َ ن عَل َي ْهِ ْ
ص ّفَل َن َُق ّ
ن على الخلق كلهم ما عملوا بعلم منا لعمالهم في الدنيا ص ّفَلنُق ّ
فيما أمرناهم به ،وما نهيناهم عنه ،وما كنا غائبين عنهم في حال
من الحوال.
ن )(8
حو َ م ال ْ ُ
مْفل ِ ُ ه فَأ ُوْل َئ ِ َ
ك هُ ْ واِزين ُ ُ
م َ ن ث َُقل َ ْ
ت َ م ْ مئ ِذٍ ال ْ َ
حقّ فَ َ َوال ْوَْز ُ
ن ي َوْ َ
ووزن أعمال الناس يوم القيامة يكون بميزان حقيقي بالعدل
والقسط الذي ل ظلم فيه ،فمن ثقلت موازين أعماله -لكثرة
حسناته -فأولئك هم الفائزون.
280
ت موازين أعماله -لكثرة سيئاته -فأولئك هم الذين أضاعواخّف ْ
ومن َ
ظهم من رضوان الله تعالى ،بسبب تجاوزهم الحد بجحد آيات ح ّ
الله تعالى وعدم النقياد لها.
دوا
ج ُ م فَ َ
سهه َ دوا لد َ َ
ج ُ
س ُ م قُل َْنا ل ِل ْ َ
ملئ ِك َةِ ا ْ م ثُ ّصوّْرَناك ُ ْ
م َم ثُ ّ خل َْقَناك ُ ْ
وَل ََقد ْ َ
ن )(11 دي َج ِ
سا ِ ن ال ّ م ْ
ن ِم ي َك ُ ْس لَ ْإ ِل ّ إ ِب ِْلي َ
ولقد أنعمنا عليكم بخلق أصلكم -وهو أبوكم آدم من العدم -ثم
ورناه على هيئته المفضلة على كثير من الخلق ،ثم أمرنا ملئكتنا ص ّ
ما وإظهاًرا لفضل آدم-
ما واحترا ً
عليهم السلم بالسجود له -إكرا ً
ن إبليس الذي كان معهم لم يكن من الساجدين فسجدوا جميًعا ،لك ّ
دا له على هذا التكريم العظيم. لدم; حس ً
281
َقا َ َ
ل أنظ ِْرِني إ َِلى ي َوْم ِ ي ُب ْعَُثو َ
ن )(14
قال إبليس لله -جل وعل -حينما يئس من رحمته :أمهلني إلى يوم
من أقدر عليه من بني آدم.
البعث; وذلك لتمكن من إغواء َ
ن )(15 منظ َ ِ
ري َ ن ال ْ ُ
م ْ ل إ ِن ّ َ
ك ِ َقا َ
ت عليهم تأخير الجل إلى النفخة
قال الله تعالى :إنك ممن كتب ُ
الولى في القرن ,إذ يموت الخلق كلهم.
َ
م )(16
ست َِقي َ ك ال ْ ُ
م ْ صَراط َ َ
م ِ ما أغْوَي ْت َِني ل َقْعُد َ ّ
ن ل َهُ ْ ل فَب ِ َ
َقا َ
ن في إغواء بني
قال إبليس لعنه الله :فبسبب ما أضللتني لجتهد ّ
آدم عن طريقك القويم ,ولصد ّّنهم عن السلم الذي فطرتهم عليه.
من ْك ُ ْ
م م ِ
جهَن ّ َ مل َ ّ
ن َ َ
مل ْمن ْهُ ْ ن ت َب ِعَ َ
ك ِ حورا ً ل َ َ
م ْ مذ ُْءوما ً َ
مد ْ ُ من َْها َ
ج ِ
خُر ْ
لا ْ َقا َ
ن )(18 َ
مِعي َ
ج َ
أ ْ
ن
دا ,لمل ّ
قال الله تعالى لبليس :اخرج من الجنة ممقوًتا مطرو ً
جهنم منك وممن تبعك من بني آدم أجمعين.
كل من ثمارها حيث ويا آدم اسكن أنت وزوجك حواء الجنة ,ف ُ
شئتما ,ول تأكل من ثمرة شجرة )عَّينها لهما( ,فإن فعلتما ذلك
كنتما من الظالمين المتجاوزين حدود الله.
282
ويا آدم اسك ُ َ
شهئ ْت ُ َ
ما َول ت َْقَرَبها ث ِ
حْيه ُ
ن َ
مه ْ
كل ِة فَ ُ ك ال ْ َ
جّنه َ ج َ
ت وََزوْ ُ
ن أن ْ َََ َ ُ ْ ْ
ن )(19 مي َ ن ال ّ
ظال ِ ِ م ْ جَرةَ فَت َ ُ
كوَنا ِ هَذِهِ ال ّ
ش َ
فألقى الشيطان لدم وحواء وسوسة ليقاعهما في معصية الله
تعالى بالكل من تلك الشجرة التي نهاهما الله عنها; لتكون
ستر من عوراتهما ,وقال لهما في محاولة عاقبتهما انكشاف ما ُ
من
من ثمر هذه الشجرة ِ المكر بهما :إنما نهاكما ربكما عن الكل ِ
من أجل أن ل تكونا من الخالدين في أجل أن ل تكونا مَلكين ,و ِ
الحياة.
ما
وآت ِهِ َ
سه ْ ن َ مه ْ مهها ُِوورِيَ عَن ْهُ َ ما
ما َن ل ِي ُب ْدِيَ ل َهُ َ شي ْ َ
طا ُ ما ال ّ س ل َهُ َسو َ َ فَوَ ْ
َ
ن أو ْ ت َ ُ َ مل َ ُ إل ّ أ َ
كوَنهها ِ ْ ي ك َ نا
َ كو َ ت ن
ْ ِ جَرةِ
ش َ ن هَذِهِ ال ّ ما َرب ّك ُ َ
ما عَ ْ ما ن ََهاك ُ َ ل َ وََقا َ
ن )(20 دي َ خال ِ ِن ال ْ َ
م ِْ
وأقسم الشيطان لدم وحواء بالله إنه ممن ينصح لهما في مشورته
عليهما بالكل من الشجرة ,وهو كاذب في ذلك.
ن )(21
حي َ
ص ِ
ن الّنا ِ ما ل َ ِ
م ْ ما إ ِّني ل َك ُ َ
مه ُ َ وََقا َ
س َ
وأقسم الشيطان لدم وحواء بالله إنه ممن ينصح لهما في مشورته
عليهما بالكل من الشجرة ,وهو كاذب في ذلك.
283
َ
ن
مه ْ من َهها ل َن َك ُههون َ ّ
ن ِ م ت َغِْف هْر ل َن َهها وَت َْر َ
ح ْ ن ل َه ْ
س هَنا وَإ ِ ْ قَههال َرب ّن َهها ظ َل َ ْ
من َهها أنُف َ
ن )(23 ري َ س ِ ال ْ َ
خا ِ
قال آدم وحواء :ربنا ظلمنا أنفسنا بالكل من الشجرة ,وإن لم
ظهم في دنياهم وأخراهم. تغفر لنا وترحمنا لنكونن ممن أضاعوا ح ّ
)وهذه الكلمات هي التي تلقاها آدم من ربه ,فدعا بها فتاب الله
عليه(.
َ
مت َههاعٌ
س هت ََقّر وَ َ
م ْ
ض ُ ض عَهد ُوّ وَل َك ُه ْ
م فِههي الْر ِ ضك ُ ْ
م ل ِب َعْ ٍ
ل اهْب ِ ُ
طوا ب َعْ ُ َقا َ
ن )(24 إ َِلى ِ
حي ٍ
قال تعالى مخاطًبا آدم وحواء لبليس :اهبطوا من السماء إلى
الرض ,وسيكون بعضكم لبعض عدًوا ,ولكم في الرض مكان
تستقرون فيه ,وتتمتعون إلى انقضاء آجالكم.
ن )(25
جو َ
خَر ُ
من َْها ت ُ ْ
ن وَ ِ
موُتو َ
ن وَِفيَها ت َ ُ
حي َوْ َ َقا َ
ل ِفيَها ت َ ْ
واء وذريتهما :فيها تحيون ,أي :في الرض
قال الله تعالى لدم وح ّ
تقضون أيام حياتكم الدنيا ,وفيها تكون وفاتكم ,ومنها يخرجكم
ربكم ,ويحشركم أحياء يوم البعث.
َ
م وَِريشها ً وَل ِب َهها ُ
س وآت ِك ُ ْ
سه ْ
واِري َ م ل َِباسها ً ي ُه َ
م قَد ْ أنَزل َْنا عَل َي ْك ُه ْ
َيا ب َِني آد َ َ
ن )(26 ت الل ّهِ ل َعَل ّهُ ْ
م ي َذ ّك ُّرو َ ن آَيا ِ م ْ ك ِخي ٌْر ذ َل ِ َ
ك َوى ذ َل ِ َ
الت ّْق َ
سا يستر عوراتكم ,وهو لباس الضرورة, يا بني آدم قد جعلنا لكم لبا ً
س تقوى الله
سا للزينة والتجمل ,وهو من الكمال والتنعم .ولبا ُ ولبا ً
تعالى بفعل الوامر واجتناب النواهي هو خير لباس للمؤمن .ذلك
ن الله به عليكم من الدلئل على ربوبية الله تعالىم ّ
الذي َ
ووحدانيته وفضله ورحمته بعباده; لكي تتذكروا هذه النعم ,فتشكروا
خْلقه بهذه النعم.
لله عليها .وفي ذلك امتنان من الله تعالى على َ
خر َ طان ك َ َ
ن ال ْ َ
جن ّهةِ َين هزِعُ مه ْ ج أب َهوَي ْك ُ ْ
م ِ شي ْ َ ُ َ
ما أ ْ َ َ م ل ي َْفت ِن َن ّك ُ ْ
م ال ّ َيا ب َِني آد َ َ
284
ثل
حي ْه ُ
ن َ
مه ْ م هُهوَ وَقَِبيل ُه ُ
ه ِ ه ي ََراك ُه ْما إ ِن ّ ُ
وآت ِهِ َس ْ
ما َما ل ِي ُرِي َهُ َ
سه ُ َ
ما ل َِبا َعَن ْهُ َ
َ
ن )(27 مُنو َن ل ي ُؤْ ِ ذي َن أوْل َِياَء ل ِل ّ ِ طي َ جعَل َْنا ال ّ
شَيا ِ م إ ِّنا َ ت ََروْن َهُ ْ
يا بني آدم ل يخدعّنكم الشيطان ,فيزين لكم المعصية ,كما زّينها
لبويكم آدم وحواء ,فأخرجهما بسببها من الجنة ,ينزع عنهما
لباسهما الذي سترهما الله به; لتنكشف لهما عوراتهما .إن
الشيطان يراكم هو وذريته وجنسه وأنتم ل ترونهم فاحذروهم .إّنا
جعلنا الشياطين أولياء للكفار الذين ل يوحدون الله ,ول يصدقون
رسله ,ول يعملون بهديه.
ن مَرن َهها ب ِهَهها قُ ه ْ ة َقاُلوا وجدنا عَل َيها آباءَنا والل ّه َ ح َ ذا فَعَُلوا َفا ِ وَإ ِ َ
ل إِ ّ هأ َ ُ َْ َ َ َ َ َ َْ ش ً
َ ْ
ن )(28 مو َ ما ل ت َعْل َ ُ
ن عََلى الل ّهِ َ
شاِء أت َُقوُلو َ
ح َ مُر ِبال َْف ْ
ه ل ي َأ ُالل ّ َ
حا من الفعل اعتذروا عن فعله بأنه مما ورثوه وإذا أتى الكفار قبي ً
عن آبائهم ,وأنه مما أمر الله به .قل لهم -أيها الرسول : -إن الله
تعالى ل يأمر عباده بقبائح الفعال ومساوئها ,أتقولون على الله
-أيها المشركون -ما ل تعلمون كذًبا وافتراًء؟
َ قُ ْ َ
جدٍ َواد ْعُههوهُ
سه ِ
م ْ عن ْهد َ ك ُه ّ
ل َ جههوهَك ُ ْ
م ِ موا وُ ُ ط وَأِقي ُ س ِ مَر َرّبي ِبال ِْق ْ
لأ َ
َ
ن )(29 دو َ ما ب َد َأك ُ ْ
م ت َُعو ُ ن كَ َ
دي َ ن لَ ُ
ه ال ّ صي َخل ِ ِ
م ْ
ُ
قل -أيها الرسول -لهؤلء المشركين :أمر ربي بالعدل ,وأمركم بأن
تخلصوا له العبادة في كل موضع من مواضعها ,وبخاصة في
المساجد ,وأن تدعوه مخلصين له الطاعة والعبادة ,وأن تؤمنوا
بالبعث بعد الموت .وكما أن الله أوجدكم من العدم فإنه قادر على
إعادة الحياة إليكم مرة أخرى.
ن أ َوْل َِياءَ
طي َ ذوا ال ّ
شَيا ِ خ ُ
م ات ّ َ ضلل َ ُ
ة إ ِن ّهُ ْ م ال ّ حقّ عَل َي ْهِ ْريقا ً َ
ِ ريقا ً هَ َ
دى وَفَ ِ فَ
ن )(30 من دون الل ّه ويحسبو َ
دو َ
مهْت َ ُ
م ُ ن أن ّهُ ِْ ََ ْ َ ُ َ ِ ْ ُ ِ
جعل الله عباده فريقين :فريًقا وّفقهم للهداية إلى الصراط
المستقيم ,وفريًقا وجبت عليهم الضللة عن الطريق المستقيم,
إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ,فأطاعوهم جهل منهم
وظًنا بأنهم قد سلكوا سبيل الهداية.
285
سههرُِفوا جدٍ وَك ُُلوا َوا ْ
شههَرُبوا َول ت ُ ْ س ِ
م ْ عن ْد َ ك ُ ّ
ل َ ذوا ِزين َت َك ُ ْ
م ِ خ ُ م َُيا ب َِني آد َ َ
ن )(31 سرِِفي َ ب ال ْ ُ
م ْ ح ّ ه ل يُ ِإ ِن ّ ُ
يا بني آدم كونوا عند أداء كل صلة على حالة من الزينة المشروعة
من ثياب ساترة لعوراتكم ونظافة وطهارة ونحو ذلك ,وكلوا
واشربوا من طيبات ما رزقكم الله ,ول تتجاوزوا حدود العتدال في
ذلك .إن الله ل يحب المتجاوزين المسرفين في الطعام والشراب
وغير ذلك.
ق قُ ه ْ
ل ن ال هّرْز ِ م ْ
ت ِ ج ل ِعَِبادِهِ َوالط ّي َّبا ِخَر َ ة الل ّهِ ال ِّتي أ َ ْ
م ِزين َ َ حّر َن َ م ْ ل َ قُ ْ
لصه ُ م هةِ ك َهذ َل ِ َ
ك ن َُف ّ م ال ِْقَيا َ
ة ي َوْ َ
ص ً
خال ِ َ
حَياةِ الد ّن َْيا َمُنوا ِفي ال ْ َ نآ َ ذي َ ي ل ِل ّ ِهِ َ
ن )(32 مو َ ت ل َِقوْم ٍ ي َعْل َ ُ الَيا ِ
من الذي حرم قل -أيها الرسول -لهؤلء الجهلة من المشركينَ :
من الذي عليكم اللباس الحسن الذي جعله الله تعالى زينة لكم؟ و َ
حّرم عليكم التمتع بالحلل الطيب من رزق الله تعالى؟ قل -أيها
ن ما أحله الله من الملبس والطيبات الرسول -لهؤلء المشركين :إ ّ
من المطاعم والمشارب حق للذين آمنوا في الحياة الدنيا يشاركهم
صل اللهفيها غيرهم ,خالصة لهم يوم القيامة .مثل ذلك التفصيل يف ّ
اليات لقوم يعلمون ما يبّين لهم ,ويفقهون ما يميز لهم.
286
ْ َ َ ول ِك ُ ّ ُ
ن
مو َ
سههت َْقدِ ُ
ة َول ي َ ْ
ساعَ ً
ن َ
خُرو َ
ست َأ ِ جل ُهُ ْ
م ل يَ ْ جاَء أ َ ل فَإ ِ َ
ذا َ ج ٌ
مة ٍ أ َ
لأ ّ َ
)(34
ولكل جماعة اجتمعت على الكفر بالله تعالى وتكذيب رسله -عليهم
الصلة والسلم -وقت لحلول العقوبة بهم ,فإذا جاء الوقت الذي
وّقته الله لهلكهم ل يتأخرون عنه لحظة ,ول يتقدمون عليه.
ْ
ن ات َّقههى
مه ْ ن عَل َي ْك ُ ْ
م آَياِتي فَ َ صو َ من ْك ُ ْ
م ي َُق ّ ل ِ س ٌ
م ُر ُ ما ي َأت ِي َن ّك ُ ْم إِ ّ
َيا ب َِني آد َ َ
َ
ن )(35 حَزُنو َم يَ ْ م َول هُ ْ ف عَل َي ْهِ ْ خو ْ ٌ ح َفل َ صل َ َ
وَأ ْ
يا بني آدم إذا جاءكم رسلي من أقوامكم ,يتلون عليكم آيات كتابي,
ويبينون لكم البراهين على صدق ما جاؤوكم به فأطيعوهم ,فإنه
من اتقى سخطي وأصلح عمله فل خوف عليهم يوم القيامة من
عقاب الله تعالى ,ول ههم يحزنون على ما فاتهم من حظوظ
الدنيا.
ك ي ََنههال ُهُ ْ
م ب ِبآَيههات ِهِ أ ُوْل َئ ِ َ َ
ذبا ً أوْ ك َذ ّ َ ن افْت ََرى عََلى الل ّهِ ك َ ِ م ْ م ّم ِ ن أظ ْل َ ُ
فَم َ
َ ْ
َ
مهها ن َ م قَههاُلوا أي ْه َ سل َُنا ي َت َوَفّ هوْن َهُ ْم ُر ُ جاَءت ْهُ ْ حّتى إ ِ َ
ذا َ ب َ ن ال ْك َِتا ِ م ْ م ِ صيب ُهُ ْ نَ ِ
َ
م دوا عَل َههى أن ُْف ِ
س هه ِ ْ ش هه ِ ُضهّلوا عَن ّهها وَ َ ن الل ّهِ قَههاُلوا َ دو ِن ُ م ْ ن ِ عو َ م ت َد ْ ُ كنت ُ ُْ
ن )(37 كاُنوا َ م َ َ
ري َ كافِ ِ أن ّهُ ْ
ذب بآياتهما ممن اختلق على الله تعالى الكذب ,أو ك ّل أحد أشد ظل ً
ظهم من العذاب مما كتب لهم في المنزلة ,أولئك يصل إليهم ح ّ
اللوح المحفوظ ,حتى إذا جاءهم ملك الموت وأعوانه يقبضون
أرواحهم قالوا لهم :أين الذين كنتم تعبدونهم من دون الله من
الشركاء والولياء والوثان ليخّلصوكم مما أنتم فيه؟ قالوا :ذهبوا
287
عنا ,واعترفوا على أنفسهم حينئذ أنهم كانوا في الدنيا جاحدين
مكذبين وحدانية الله تعالى.
ُ
س ِفي الّناِر لن ِ ن َوا ِج ّن ال ْ ِ
م ْم ِ ن قَب ْل ِك ُ ْ
م ْت ِ خل َ ْ مم ٍ قَد ْ َ خُلوا ِفي أ َ ل اد ْ َُقا َ
ُ ُ
ت ميعها ً قَههال َ ْ
ج ِداَرك ُههوا ِفيهَهها َذا ا ّحت ّههى إ ِ َخت َهَهها َ تأ ْ ة ل َعَن َه ْ مه ٌتأ ّ خل َه ْ
ما د َ َك ُل ّ َ
َ ُ أُ ْ
لن الن ّههارِ قَهها َمه ْضْعفا ً ِذابا ً ِم عَ َ ضّلوَنا َفآت ِهِ ْؤلِء أ َ م َرب َّنا هَ ُ م لولهُ ْ خَراهُ ْ
ن )(38 مو َ ن ل ت َعْل َ ُ ف وَل َك ِ ْ
ضع ْ ٌ ل ِ ل ِك ُ ّ
قال الله تعالى -لهؤلء المشركين المفترين : -ادخلوا النار في
جملة جماعات من أمثالكم في الكفر ,قد سلفت من قبلكم من
ة من أهل ملة لعنت نظيرتها الجن والنس ,كلما دخلت الناَر جماع ٌ
ت بالقتداء بها ,حتى إذا تلحق في النار الولون من أهل التي ضل ّ ْ
الملل الكافرة والخرون منهم جميًعا ,قال الخرون المتبعون في
الدنيا لقادتهم :ربنا هؤلء هم الذين أضلونا عن الحق ,فآتهم عذاًبا
مضاعفا من النار ,قال الله تعالى :لكل ضعف ,أي :لكل منكم
ومنهم عذاب مضاعف من النار ,ولكن ل تدركون أيها التباع ما لكل
فريق منكم من العذاب واللم.
م لُ ْ ُ
ذوُقوا
ل فَ ه ُ ن فَ ْ
ضه ٍ م عَل َي ْن َهها ِ
مه ْ ن ل َك ُه ْ
مهها ك َهها َ
م فَ َخَراهُه ْ ت أولهُه ْ وََقال َ ْ
ن )(39 سُبو َم ت َك ْ ِ ما ُ
كنت ُ ْ ب بِ َذا َال ْعَ َ
وقال المتبوعون من الرؤساء وغيرهم لتباعهم :نحن وأنتم
ل ل أسباب العذاب فل فَ ْ
ض َ ي والضلل ،وفي فِعْ ِ
متساوون في الغ ّ
لكم علينا ,قال الله تعالى لهم جميًعا :فذوقوا العذاب أي عذاب
جهنم; بسبب ما كسبتم من المعاصي.
ماِء َول إن ال ّذين ك َذ ّبوا بآيات ِنا واستك ْبروا عَنها ل تَفتح ل َه َ
سه َب ال ّ وا ُم أب ْ َ
ُ ّ ُ ُ ْ َْ ُ ِ َ َ َ ْ َ َُ ِ َ ِ ّ
زي جه ِ ط وَك َهذ َل ِ َ
ك نَ ْ م ال ْ ِ
خي َهها ِ سه ّ مه ُ
ل فِههي َ ج َج ال ْ َ
حت ّههى ي َل ِه َ
ة َ ن ال ْ َ
جن ّه َ خُلو َ ي َد ْ ُ
ن )(40 مي َ جرِ ِ
م ْال ْ ُ
دقوا بحججنا وآياتنا الدالة على وحدانيتنا,
إن الكفار الذين لم يص ّ
ولم يعملوا بشرعنا تكبًرا واستعلًء ,ل ُتفّتح لعمالهم في الحياة ول
لرواحهم عند الممات أبواب السماء ,ول يمكن أن يدخل هؤلء
288
الكفار الجنة إل إذا دخل الجمل في ثقب البرة ,وهذا مستحيل.
ومثل ذلك الجزاء نجزي الذين كثر إجرامهم ,واشتد ّ طغيانهم.
ن)
مي َ زي ال ّ
ظهال ِ ِ جه ِ ش وَك َهذ َل ِ َ
ك نَ ْ م غَ َ
ن فَوْقِهِ ْ ل َهُ ْ
وا ٍ م ْ
مَهاد ٌ وَ ِ
م ِ
جهَن ّ َ
ن َ
م ْ
م ِ
(41
من تحتهم, من جهنم فراش ِ هؤلء الكفار مخلدون في النار ,لهم ِ
ومن فوقهم أغطية تغشاهم .وبمثل هذا العقاب الشديد يعاقب الله
وه.ص ْ
تعالى الظالمين الذين تجاوزوا حدوده فكفروا به وع َ
سهعََها أ ُوْل َئ ِ َ
ك ف ن َْفسها ً إ ِل ّ وُ ْ
ت ل ن ُك َل ّه ُ
حا ِ مل ُههوا ال ّ
صههال ِ َ من ُههوا وَعَ ِنآ َ َوال ّ ِ
ذي َ
َ
ن )(42دو َ خال ِ ُ
م ِفيَها َ ب ال ْ َ
جن ّةِ هُ ْ حا ُ
ص َ أ ْ
والذين آمنوا بالله وعملوا العمال الصالحة في حدود طاقاتهم -ل
سا من العمال إل ما تطيق -أولئك أهل الجنة ,هم يكلف الله نف ً
دا ل يخرجون منها.
فيها ماكثون أب ً
ن) خَرةِ َ
كافُِرو َ وجا ً وَهُ ْ
م ِبال ِ ل الل ّهِ وَي َب ُْغون ََها ِ
ع َ سِبي ِ
ن َ
ن عَ ْ
دو َ
ص ّ
ن يَ ُ ال ّ ِ
ذي َ
(45
رضون عن طريق الله المستقيم, هؤلء الكافرون هم الذين كانوا ي ُعْ ِ
ويمنعون الناس من سلوكه ,ويطلبون أن تكون السبيل معوجة
حتى ل يتبينها أحد ,وهم بالخرة -وما فيها -جاحدون.
َ َ
ع جعَل ْن َهها َ
مه َ ب الن ّههارِ قَههاُلوا َرب ّن َهها ل ت َ ْ
حا ِ م ت ِل َْقاَء أ ْ
ص َ صاُرهُ ْ
ت أب ْ َ صرِفَ ْذا ُوَإ ِ َ
ن )(47 مي َ ال َْقوْم ال ّ
ظال ِ ِ ِ
حوّل َ ْ
ت أبصار رجال العراف جهة أهل النار قالوا :ربنا ل ُتصّيرنا وإذا ُ
مع القوم الظالمين بشركهم وكفرهم.
290
مهها أ َغْن َههى
م قَههاُلوا َ
ماهُ ْ
سههي َ جال ً ي َعْرُِفون َهُ ْ
م بِ ِ ف رِ َ ب ال َعَْرا ِ حا ُ ص َ
َ
دى أ ْ وََنا َ
ن )(48 ست َك ْب ُِرو َ
م تَ ْ ما ُ
كنت ُ ْ م وَ َمعُك ُ ْج ْ عَن ْك ُ ْ
م َ
ونادى أهل العراف رجال من قادة الكفار الذين في النار,
يعرفونهم بعلمات خاصة تميزهم ,قالوا لهم :ما نفعكم ما كنتم
تجمعون من الموال والرجال في الدنيا ,وما نفعكم استعلؤكم عن
اليمان بالله وَقبول الحق.
مههاءِ أ َْو
ن ال ْ َ ضههوا عَل َي ْن َهها ِ
مه ْ
ونادى أ َصحاب النار أ َصحاب ال ْجن هة أ َ َ
ن أِفي ُ
َ ّ ِ ْ ْ َ ُ ّ ِ ْ َ َ ََ َ
ن )(50 ري َ ما عََلى ال ْ َ
كافِ ِ مه ُ َ
حّر َ ن الل ّ َ
ه َ ه َقاُلوا إ ِ ّ
م الل ّ ُ
ما َرَزقَك ُ ْ
م ِّ
واستغاث أهل النار بأهل الجنة طالبين منهم أن ُيفيضوا عليهم من
الماء ,أو مما رزقهم الله من الطعام ,فأجابوهم بأن الله تعالى قد
حّرم الشراب والطعام على الذين جحدوا توحيده ,وك ّ
ذبوا رسله. َ
م
سههاهُ ْ حَياةُ الد ّن َْيا َفال ْي َوْ َ
م َنن َ م ال ْ َم ل َْهوا ً وَل َِعبا ً وَغَّرت ْهُ ْ
ذوا ِدين َهُ ْ خ ُ ن ات ّ َذي َال ّ ِ
ن )(51 دو َ ح ُ
ج َكاُنوا ِبآَيات َِنا ي َ ْما َ ذا وَ َ م هَ َ مه ِ ْ
سوا ل َِقاَء ي َوْ ِ ما ن َ ُكَ َ
حَرمهم الله تعالى من نعيم الخرة هم الذين جعلوا الدين الذين َ
وا ,وخدعتهم الحياة الدنيا وشغلوا
الذي أمرهم الله باتباعه باطل وله ً
بزخارفها عن العمل للخرة ,فيوم القيامة ينساهم الله تعالى
ويتركهم في العذاب الموجع ,كما تركوا العمل للقاء يومهم هذا,
ولكونهم بأدلة الله وبراهينه ينكرون مع علمهم بأنها حق.
َ َ
مسهت ّةِ أي ّههام ٍ ث ُه ّ
ض فِههي ِ ت َوالْر َ وا ِ م َسه َ خل َهقَ ال ّ ذي َ ه ال ّه ِم الل ّه ُ ن َرب ّك ُه ْ إِ ّ
س
م َ شه ْ حِثيثها ً َوال ّه َ ل الن ّهَههاَر ي َط ْل ُب ُه ُ شههي الل ّي ْه َ ش ي ُغْ ِِ وى عَل َههى ال ْعَهْر َ ست َا ْ
َ َ َ
ب ه َر ّ ك الل ّ ُ خل ْقُ َوال ْ
مُر ت ََباَر َ ه ال ْ َ مرِهِ أل ل َ ُ ت ب ِأ ْخَرا ٍ س ّم َ م ُ جو َ مَر َوالن ّ ُ َوال َْق َ
ن )(54 مي َ ال َْعال َ ِ
إن ربكم -أيها الناس -هو الله الذي أوجد السموات والرض من
العدم في ستة أيام ,ثم استوى -سبحانه -على العرش -أي عل
وارتفع -استواًء يليق بجلله وعظمتهُ ,يدخل سبحانه الليل على
النهار ,فيلبسه إياه حتى يذهب نوره ,وُيدخل النهار على الليل
ما ,وهوفيذهب ظلمه ,وكل واحد منهما يطلب الخر سريًعا دائ ً
-سبحانه -الذي خلق الشمس والقمر والنجوم مذللت له يسخرهن
ن من آيات الله العظيمة .أل له سبحانه-سبحانه -كما يشاء ,وه ّ
292
وتعالى الخلق كله وله المر كله ,تعالى الله وتعاظم وتنّزه عن كل
نقص ,رب الخلق أجمعين.
ن )(55
دي َ ب ال ْ ُ
معْت َ ِ ح ّ
ه ل يُ ِ
ة إ ِن ّ ُ ضّرعا ً وَ ُ
خْفي َ ً عوا َرب ّك ُ ْ
م تَ َ اد ْ ُ
ادعوا -أيها المؤمنون -ربكم متذللين له خفية وسّرا ,وليكن الدعاء
بخشوع وب ُعْدٍ عن الرياء .إن الله تعالى ل يحب المتجاوزين حدود
شرعه ,وأعظم التجاوز الشرك بالله ,كدعاء غير الله من الموات
والوثان ,ونحو ذلك.
معا ً إ ِ ّ َ
ة
مه َ
ح َ
ن َر ْ وفا ً وَط َ َ
خ ْ
عوهُ َ
حَها َواد ْ ُ
صل ِض ب َعْد َ إ ِ ْ
دوا ِفي الْر ِ س َُول ت ُْف ِ
ن )(56 سِني َ
ح ِ
م ْن ال ْ ُ
م ْ
ب ِري ٌالل ّهِ قَ ِ
ول ت ُْفسدوا في الرض بأيّ نوع من أنواع الفساد ,بعد إصلح الله
مرانها بطاعة الله ,وادعوه
إياها ببعثة الرسل -عليهم السلم -وعُ ْ
-سبحانه -مخلصين له الدعاء; خوًفا من عقابه ورجاء لثوابه .إن
رحمة الله قريب من المحسنين.
ج إ ِل ّ ن َك ِههدا ً
خهُر ُ
ث ل يَ ْ
خب ُه َ ن َرب ّههِ َوال ّه ِ
ذي َ ه ب ِإ ِذ ْ ِ
ج ن ََبات ُ ُ
خُر ُ َوال ْب َل َد ُ الط ّي ّ ُ
ب يَ ْ
ن )(58 شك ُُرو َ ت ل َِقوْم ٍ ي َ ْ ف الَيا ِصّر ُ ك نُ َ ك َذ َل ِ َ
293
خرج نباًتا -بإذن الله ومشيئته- والرض النقية إذا نزل عليها المطر ت ُ ْ
طيًبا ميسًرا ,وكذلك المؤمن إذا نزلت عليه آيات الله انتفع بها,
سِبخة الرديئة فإنها ل ُتخرجوأثمرت فيه حياة صالحة ,أما الرض ال ّ
النبات إل عسًرا رديئا ل نفع فيه ,ول ُتخرج نباًتا طيًبا ,وكذلك الكافر
وع الحجج ل ينتفع بآيات الله .مثل ذلك التنويع البديع في البيان ُنن ّ
والبراهين لثبات الحق لناس يشكرون نعم الله ,ويطيعونه.
َ
ن إ ِل َههٍ
م ْ ما ل َك ُ ْ
م ِ دوا الل ّ َ
ه َ ل َيا قَوْم ِ اعْب ُ ُ
مهِ فََقا َسل َْنا ُنوحا ً إ َِلى قَوْ ِ
ل ََقد ْ أْر َ
ظيم ٍ )(59 ب ي َوْم ٍ عَ ِ م عَ َ
ذا َ ف عَل َي ْك ُ ْ غَي ُْرهُ إ ِّني أ َ َ
خا ُ
حا إلى قومه; ليدعوهم إلى توحيد الله سبحانه وإخلص لقد بعثنا نو ً
العبادة له ,فقال :يا قوم اعبدوا الله وحده ,ليس لكم من إله
يستحق العبادة غيره جل وعل فأخلصوا له العبادة فإن لم تفعلوا
ل عليكم عذاب يوموبقيتم على عبادة أوثانكم ,فإنني أخاف أن يح ّ
يعظم فيه بلؤكم ,وهو يوم القيامة.
ن )(60
مِبي ٍ
ل ُ
ضل ٍ مهِ إ ِّنا ل َن ََرا َ
ك ِفي َ ن قَوْ ِ
م ْ ل ال ْ َ
مل ِ َقا َ
قال له سادتهم وكبراؤهم :إنا لنعتقد -يا نوح -أنك في ضلل بّين
عن طريق الصواب.
ن )(61 ب ال َْعال َ ِ
مي َ ن َر ّ
م ْ
ل ِ ة وَل َك ِّني َر ُ
سو ٌ ضلل َ ٌ ل َيا قَوْم ِ ل َي ْ َ
س ِبي َ َقا َ
قال نوح :يا قوم لست ضال في مسألة من المسائل بوجه من
الوجوه ,ولكني رسول من رب العالمين ربي وربكم ورب جميع
الخلق.
294
أ َوعَجبت َ
م ل ُِينذَِرك ُ ْ
م وَل ِت َت ُّقوا من ْك ُ ْ
ل ِ م عََلى َر ُ
ج ٍ ن َرب ّك ُ ْ م ذِك ٌْر ِ
م ْ جاَءك ُ ْن َمأ ْ َ ِ ُْ ْ
ن )(63 مو َح ُ وَل َعَل ّك ُ ْ
م ت ُْر َ
وهل أثار عجبكم أن أنزل الله تعالى إليكم ما يذكركم بما فيه الخير
وفكم بأس لكم ,على لسان رجل منكم ,تعرفون نسبه وصدقه; ليخ ّ
الله تعالى وعقابه ,ولتتقوا سخطه باليمان به ,ورجاء أن تظفروا
برحمته وجزيل ثوابه؟
َ َ
ن ك َهذ ُّبوا ِبآَيات ِن َهها ك وَأغَْرقَْنا ال ّ ِ
ذي َ ه ِفي ال ُْفل ْ ِ
مع َ ُ
ن َ جي َْناهُ َوال ّ ِ
ذي َ فَك َذ ُّبوهُ فَأن َ
ن )(64 مي َ وما ً عَ ِ م َ
كاُنوا قَ ْ إ ِن ّهُ ْ
من آمن معه في السفينة ,وأغرقنا الكفار حا فأنجيناه و َ
فكذبوا نو ً
ي القلوب عن رؤية م َ
الذين كذبوا بحججنا الواضحة .إنهم كانوا عُ ْ
الحق.
ن إ ِل َهٍ غَْيههُرهُ
م ْ ما ل َك ُ ْ
م ِ دوا الل ّ َ
ه َ هودا ً َقا َ
ل َيا قَوْم ِ اعْب ُ ُ م ُ عادٍ أ َ َ
خاهُ ْ وَإ َِلى َ
َ
ن )(65 أَفل ت َت ُّقو َ
ولقد أرسلنا إلى قبيلة عاد أخاهم هودا حين عبدوا الوثان من دون
الله ,فقال لهم :اعبدوا الله وحده ,ليس لكم من إله يستحق
العبادة غيره جل وعل فأخلصوا له العبادة أفل تتقون عذاب الله
وسخطه عليكم؟
ن )(67 ب ال َْعال َ ِ
مي َ ن َر ّ
م ْ
ل ِ ة وَل َك ِّني َر ُ
سو ٌ سَفاهَ ٌ ل َيا قَوْم ِ ل َي ْ َ
س ِبي َ َقا َ
295
قال هود :يا قوم ليس بي نقص في عقلي ,ولكني رسول إليكم من
رب الخلق أجمعين.
أ َوعَجبت ه َ
م ل ُِين هذَِرك ُ ْ
م من ْك ُه ْ
ل ِ جه ٍ م عَل َههى َر ُ ن َرب ّك ُه ْ مه ْ م ذِك ْهٌر ِ جههاَءك ُ ْن َ مأ ْ َ ِ ُْ ْ
م فِههي ال ْ َ ْ ح وََزاد َك ُه ْ خل ََفههاَء ِ جعَل َك ُه ْ
َواذ ْك ُُروا إ ِذ ْ َ
قخل ه ِ ن ب َعْهدِ قَهوْم ِ ن ُههو ٍ مه ْ م ُ
ن )(69 حو َ م ت ُْفل ِ ُة َفاذ ْك ُُروا آلَء الل ّهِ ل َعَل ّك ُ ْ سط َ ً بَ ْ
وهل أثار عجبكم أن أنزل الله تعالى إليكم ما يذكركم بما فيه الخير
وفكم بأس لكم ,على لسان رجل منكم ,تعرفون نسبه وصدقه; ليخ ّ
الله وعقابه؟ واذكروا نعمة الله عليكم إذ جعلكم تخلفون في
من قبلكم من بعد ما أهلك قوم نوح ,وزاد في أجسامكم الرض َ
م الله الكثيرة عليكم; رجاء أن تفوزوا
قوة وضخامة ,فاذكروا ن ِعَ َ
الفوز العظيم في الدنيا والخرة.
ْ َ
ن ي َعْب ُد ُ آَباؤَُنا فَأت َِنا ب ِ َ
مهها ت َِعههد َُنا ما َ
كا َ حد َهُ وَن َذ ََر َ
ه وَ ْجئ ْت ََنا ل ِن َعْب ُد َ الل ّ َ
َقاُلوا أ ِ
ن )(70 صادِِقي َ ن ال ّ م ْ ت ِ ن ُ
كن َ إِ ْ
جر عبادةقالت عاد لهود عليه السلم :أدعوتنا لعبادة الله وحله وهَ ْ
الصنام التي ورثنا عبادتها عن آبائنا؟ فأتنا بالعذاب الذي تخوفنا به
إن كنت من أهل الصدق فيما تقول.
َ َ
ماءٍ
سه َ جادُِلون َِني ِفي أ ْ ب أت ُ َ ض ٌس وَغَ َ ج ٌ م رِ ْن َرب ّك ُ ْم ْم ِ ل قَد ْ وَقَعَ عَل َي ْك ُ ْ َقا َ
س هل ْ َ سميتمو َ َ
ن فَههانت َظ ُِروا إ ِن ّههي
طا ٍ ن ُ م ْ ل الل ّ ُ
ه ب َِها ِ ما ن َّز َ م َم َوآَباؤُك ُ ْ ها أن ْت ُ ْ َ ّ ُْ ُ
ن )(71 ري َ منت َظ ِ ِ ن ال ْ ُ م ْ
م ِ معَك ُ ْ
َ
ل بكم عذاب وغضب من ربكم جل وعل قال هود لقومه :قد ح ّ
أتجادلونني في هذه الصنام التي سميتموها آلهة أنتم وآباؤكم؟ ما
نّزل الله بها من حجة ول برهان; لنها مخلوقة ل تضر ول تنفع,
296
وإنما المعبود وحده هو الخالق سبحانه ,فانتظروا نزول العذاب
عليكم فإني منتظر معكم نزوله ,وهذا غاية في التهديد والوعيد.
َ
ن ك َذ ُّبوا ِبآَيات َِنا وَ َ
ما داب َِر ال ّ ِ
ذي َ مّنا وَقَط َعَْنا َ
مة ٍ ِ
ح َ
ه ب َِر ْ
مع َ ُن َ جي َْناهُ َوال ّ ِ
ذي َ فَأن َ
ن )(72 مِني َ مؤ ْ ِ
كاُنوا َُ
دا
فوقع عذاب الله بإرسال الريح الشديدة عليهم ,فأنجى الله هو ً
والذين آمنوا معه برحمة عظيمة منه تعالى ,وأهلك الكفار من
مرهم عن آخرهم ,وما كانوا مؤمنين لجمعهم بين قومه جميعا ود ّ
التكذيب بآيات الله وترك العمل الصالح.
ن إ ِل َههٍ
م ه ْْ
م ِمهها ل َك ُه ْ ه َ دوا الل ّه َ ل َيا قَوْم ِ اعْب ُ ُ صاِلحا ً َقا َم َ خاهُ ْ مود َ أ َ َ وَإ َِلى ث َ ُ
لها ت َأك ُه ْ
ة فَهذ َُرو َ م آي َ ً ة الل ّهِ ل َك ُ ْ م هَذِهِ َناقَ ُ ن َرب ّك ُ ْْ م
ة ِ م ب َي ّن َ ٌجاَءت ْك ُ ْ غَي ُْرهُ قَد ْ َ
َ ْ في أ َ
م )(73 ب أِلي ٌ ذا ٌ م عَ َ خذ َك ُ ْسوٍء فَي َأ ُها ب ِ ُ سو َم ّ ض الل ّهِ َول ت َ َ ِ رْ ِ
ما عبدوا الوثان من حا له ّ
ولقد أرسلنا إلى قبيلة ثمود أخاهم صال ً
دون الله تعالى .فقال صالح لهم :يا قوم اعبدوا الله وحده; ليس
لكم من إله يستحق العبادة غيره جل وعل ،فأخلصوا له العبادة ,قد
ت الله أمامكم, جئتكم بالبرهان على صدق ما أدعوكم إليه ,إذ دعو ُ
فأخرج لكم من الصخرة ناقة عظيمة كما سألتم ,فاتركوها تأكل
في أرض الله من المراعي ,ول تتعرضوا لها بأي أذى ,فيصيبكم
بسبب ذلك عذاب موجع.
ن
مه َ
نآ َ
مه ْ
ض هعُِفوا ل ِ َ
ست ُ ْ
نا ْ مهِ ل ِل ّه ِ
ذي َ ن ق َ هو ْ ِ ست َك ْب َُروا ِ
م ْ نا ْ مل ال ّ ِ
ذي َ ل ال ْ َ
َقا َ
297
ُ منهم أ َتعل َمو َ
ه سه َ
ل ب ِه ِ ن َرب ّههِ قَههاُلوا إ ِن ّهها ب ِ َ
مهها أْر ِ مه ْ س ٌ
ل ِ صاِلحا ً ُ
مْر َ ن َ
نأ ِّ ُْ ْ َْ ُ َ
ن )(75 مُنو َمؤ ْ ِ
ُ
قال السادة والكبراء من الذين استعَلوا -من قوم صالح -للمؤمنين
حا قدالذين استضعفوهم ,واستهانوا بهم :أتعلمون حقيقة أن صال ً
أرسله الله إلينا؟ قال الذين آمنوا :إنا مصدقون بما أرسله الله به,
مّتبعون لشرعه.
ن )(76 م ب ِهِ َ
كافُِرو َ منت ُ ْ ست َك ْب َُروا إ ِّنا ِبال ّ ِ
ذي آ َ نا ْ ل ال ّ ِ
ذي َ َقا َ
دقتم به واتبعتموه من نبوة صالح وا :إّنا بالذي ص ّ قال الذين استعل َ ْ
جاحدون.
ة وعَتوا عَ َ
ن ح ائ ْت َِنا ب ِ َ
ما ت َعِهد َُنا إ ِ ْ م وََقاُلوا َيا َ
صال ِ ُ مرِ َرب ّهِ ْ
نأ ْْ فَعََقُروا الّناقَ َ َ َ ْ
ن )(77 سِلي َ ن ال ْ ُ
مْر َ م ْ
ت ِ ُ
كن َ
فنحروا الناقة استخفافا منهم بوعيد صالح ,واستكبروا عن امتثال
أمر ربهم ,وقالوا على سبيل الستهزاء واستبعاد العذاب :يا صالح
من رسل الله. عدنا به من العذاب ,إن كنت ِ
ائتنا بما تتو ّ
َ َ
ن )(78
مي َ
جاث ِ ِ
م َ
دارِهِ ْ
حوا ِفي َ ة فَأ ْ
صب َ ُ جَف ُ
م الّر ْ فَأ َ
خذ َت ْهُ ْ
ة الشديدة التي خلعت قلوبهم ,فأصبحوا ذت الذين كفروا الزلزل ُفأخ َ
في بلدهم هالكين ,لصقين بالرض على ُر َ
كبهم ووجوههم ,لم ي ُْفِلت
منهم أحد.
َ
ت ل َك ُه ْ
م ح ُ
صه ْ سههال َ َ
ة َرب ّههي وَن َ َ ل َيا قَوْم ِ ل ََقد ْ أب ْل َغْت ُك ُه ْ
م رِ َ فَت َوَّلى عَن ْهُ ْ
م وََقا َ
ن )(79 حي َص ِ
ن الّنا ِحّبو َ وَل َك ِ ْ
ن ل تُ ِ
فأعرض صالح عليه السلم عن قومه -حين عقروا الناقة وحل بهم
الهلك -وقال لهم :يا قوم لقد أبلغتكم ما أمرني ربي بإبلغه من
أمره ونهيه ,وب َذ َْلت لكم وسعي في الترغيب والترهيب والنصح,
298
ولكنكم ل تحبون الناصحين ,فرددتم قولهم ,وأطعتم كل شيطان
رجيم.
ة ما س هبَقك ُم بههها م ه َ َ ْ
ن
مه ْ
ح هدٍ ِ
نأ َْ َِ ِ ْ ش َ َ َ َ ن ال َْفا ِ
ح َ مهِ أت َأُتو َ وَُلوطا ً إ ِذ ْ َقا َ
ل ل َِقوْ ِ
ن )(80 مي َ ال َْعال َ ِ
طا عليه السلم حين قال لقومه :أتفعلون واذكر -أيها الرسول -لو ً
من أحد قبلكم منالفعلة المنكرة التي بلغت نهاية القبح؟ ما فعلها ِ
المخلوقين.
َ
ن )(84
مي َ
جرِ ِ ة ال ْ ُ
م ْ عاقِب َ ُ
ن َ
كا َ طرا ً َفانظ ُْر ك َي ْ َ
ف َ م َ مط َْرَنا عَل َي ْهِ ْ
م َ وَأ ْ
299
ذب الله الكفار من قوم لوط بأن أنزل عليهم مطًرا من وع ّ
الحجارة ,وقلب بلدهم ,فجعل عاليها سافلها ,فانظر -أيها الرسول-
كيف صارت عاقبة الذين اجترؤوا على معاصي الله وكذبوا رسله.
ن إ ِل َه ٍ
ه مه ْ م ِ مهها ل َك ُه ْه َ دوا الل ّه َ ل َيا قَوْم ِ اعْب ُ ُ شعَْيبا ً َقا َ م ُ خاهُ ْ ن أَ ََ وَإ َِلى َ
مد ْي َ
سهوا خ ُ ن َول ت َب ْ َ ميهَزا َ ل َوال ْ ِم فَأ َوُْفوا ال ْك َْيه َ ن َرب ّك ُ ْ م ْة ِ جاَءت ْك ُ ْ
م ب َي ّن َ ٌ غَي ُْرهُ قَد ْ َ
مكهه ْ خي ٌْر ل َ ُ م َ حَها ذ َل ِك ُ ْصل ِ ض ب َعْد َ إ ِ ْ
َ
دوا ِفي الْر ِ س ُم َول ت ُْف ِ شَياَءهُ ْ س أَ ْ الّنا َ
ن )(85 مِني َ مؤ ْ ِ م ُ ن ُ
كنت ُ ْ إِ ْ
ولقد أرسلنا إلى قبيلة "مدين" أخاهم شعيًبا عليه السلم ,فقال
من إله
لهم :يا قوم اعبدوا الله وحده ل شريك له; ليس لكم ِ
يستحق العبادة غيره جل وعل فأخلصوا له العبادة ,قد جاءكم
دق ما أدعوكم إليه ,فأدوا للناس حقوقهم
ص ْ
برهان من ربكم على ِ
بإيفاء الكيل ,الميزان ,ول تنقصوهم حقوقهم فتظلموهم ,ول
تفسدوا في الرض -بالكفر والظلم -بعد إصلحها بشرائع النبياء
السابقين عليهم السلم .ذلك الذي دعوتكم إليه خير لكم في
ي فيما دعوتكم إليه ,عاملين بشرع
دنياكم وأخراكم ,إن كنتم مصدق ّ
الله.
ن
مه َ نآ َ ل الل ّههِ َ
مه ْ سِبي ِ
ن َ ن عَ ْ دو َ ص ّ
ن وَت َ ُ دو َ ع ُط ُتو ِصَرا ٍ ل ِ دوا ب ِك ُ َّول ت َْقعُ ُ
ن م َوانظ ُهُروا ك َي ْه َ
ف ك َهها َ م قَِليل ً فَك َث َّرك ُ ْ وجا ً َواذ ْك ُُروا إ ِذ ْ ُ
كنت ُ ْ ع َب ِهِ وَت َب ُْغون ََها ِ
ن )(86 دي َ س ِمْف ِة ال ْ ُ
عاقِب َ ُ
َ
ول تقعدوا بكل طريق تتوعدون الناس بالقتل ,إن لم يعطوكم
دق به عز وجل, دون عن سبيل الله القويم من ص ّأموالهم ,وتص ّ
عا
حا ,وتبغون سبيل الله أن تكون معوجة ,وتميلونها اتبا ًوعمل صال ً
لهوائكم ,وتنّفرون الناس عن اتباعها .واذكروا نعمة الله تعالى
عليكم إذ كان عددكم قليل فكّثركم ,فأصبحتم أقوياء عزيزين,
ل بهم من وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين في الرض ,وما ح ّ
الهلك والدمار؟
ُ
من ُههوا ة ل َه ْ
م ي ُؤْ ِ ت ب ِههِ وَ َ
طائ َِف ه ٌ س هل ْ ُذي أْر ِ مُنوا ِبال ّ ِ مآ َ من ْك ُ ْ
ة ِ ن َ
طائ َِف ٌ ن َ
كا َ وَإ ِ ْ
ن )(87 مي َ
حاك ِ ِخي ُْر ال ْ َ ه ب َي ْن ََنا وَهُوَ َم الل ّ ُ حك ُ َ
حّتى ي َ ْ صب ُِروا ََفا ْ
300
دقوا بالذي أرسلني اللههه بههه ,وجماعههة لههم وإن كان جماعة منكم ص ّ
دقوا بهذلك ,فهانتظروا أيهها المكهذبون قضهاء اللهه الفاصهل بيننهايص ّ
ل وعل- ل عليكم عذابه الذي أنههذرتكم بهه .واللهه -جه ّ
وبينكم حين يح ّ
هو خير الحاكمين بين عباده.
301
الجزء التاسع :
ن ب َوال ّه ِ
ذي َ شهعَي ْ ُ ك ي َهها ُجن ّه َ مهِ ل َن ُ ْ
خرِ َ ن ق َ هو ْ ِ سهت َك ْب َُروا ِ
مه ْ نا ْ مل ال ّ ِ
ذي َ ل ال ْ ََقا َ
ك من قَريت ِنا أ َو ل َتعودن في مل ّت ِنهها قَهها َ َ
ن)هي َل أوَل َهوْ ك ُن ّهها ك َههارِ ِ ِ َ مع َ َ ِ ْ ْ َ َ ْ َ ُ ُ ّ ِ مُنوا َ آ َ
(88
قال السادة والكبراء من قوم شعيب الذين تكبروا عن اليمان بالله
من معك واتباع رسوله شعيب عليه السلم :لنخرجنك يا شعيب و َ
شعيب منكًرا من المؤمنين من ديارنا ,إل إذا صرتم إلى ديننا ,قال ُ
مّلتكم الباطلة ,ولو كنا
ومتعجًبا من قولهم :أنتابعكم على دينكم و ِ
منا ببطلنها؟كارهين لها لعِل ْ ِ
من ْهَهها
ه ِجاَنا الل ّه ُ م ب َعْد َ إ ِذ ْ ن َ ّمل ّت ِك ُ ْ
ن عُد َْنا ِفي ِ ذبا ً إ ِ ْ
قَد ْ افْت ََري َْنا عََلى الل ّهِ ك َ ِ
َ َ
يءٍشهه ْ ل َ سعَ َرب َّنا ك ُ ّ ه َرب َّنا وَ ِ شاَء الل ّ ُ ن يَ َ ن ن َُعود َ ِفيَها إ ِل ّ أ ْ ن ل ََنا أ ْ
كو ُما ي َ ُ وَ َ
َ
خي ْهُرت َ حقّ وَأن ْه َ من َهها ب ِههال ْ َن قَوْ ِ ح ب َي ْن ََنا وَب َي ْه َعْلما ً عََلى الل ّهِ ت َوَك ّل َْنا َرب َّنا افْت َ ْ ِ
ن )(89 حي َال َْفات ِ ِ
دنا وقال شعيب لقومه مستدر ً
كا :قد اختلقنا على الله الكذب إن عُ ْ
إلى دينكم بعد أن أنقذنا الله منه ,وليس لنا أن نتحول إلى غير دين
ما ,فيعلم ماربنا إل أن يشاء الله ربنا ,وقد وسع ربنا كل شيء عل ً
يصلح للعباد ,على الله وحده اعتمادنا هداية ونصرة ,ربنا احكم بيننا
وبين قومنا بالحق ,وأنت خير الحاكمين.
م ِإذا ً
ش هعَْيبا ً إ ِن ّك ُه ْ
م ُ مهِ ل َئ ِ ْ
ن ات ّب َعْت ُه ْ ن ق َ هو ْ ِ ن ك ََف هُروا ِ
مه ْ مل ال ّه ِ
ذي َ ل ال ْ َ
وَقَهها َ
ن )(90 سُرو َ خا ِ لَ َ
وقال السادة والكبراء المكذبون الرافضون لدعوة التوحيد إمعاًنا
في العتوّ والتمرد ,محذرين من اتباع شعيب :لئن اتبعتم شعيًبا إنكم
ذا لهالكون.إ ً
َ َ
ن )(91
مي َ
جاث ِ ِ
م َ
دارِهِ ْ
حوا ِفي َ ة فَأ ْ
صب َ ُ جَف ُ
م الّر ْ فَأ َ
خذ َت ْهُ ْ
302
ة الشديدة ,فأصبحوا في دارهم صرعى
م شعيب الزلزل ُ فأخذ َ ْ
ت قو َ
ميتين.
َ
ش هعَْيبا ً ك َههاُنوا هُ ه ْ
م ن ك َذ ُّبوا ُ وا ِفيَها ال ّ ِ
ذي َ ن لَ ْ
م ي َغْن َ ْ شعَْيبا ً ك َأ ْ
ن ك َذ ُّبوا ُ ال ّ ِ
ذي َ
ن )(92 ري َ س ِخا ِال ْ َ
الذين ك ّ
ذبوا شعيًبا كأنهم لم يقيموا في ديارهم ,ولم يتمتعوا فيها,
حيث استؤصلوا ,فلم يبق لهم أثر ,وأصابهم الخسران والهلك في
الدنيا والخرة.
ت لَ ُ َ
م
كه ْ ح ُ
صه ْ
ت َرّبهي وَن َ َ
سال ِ ل َيا قَوْم ِ ل ََقد ْ أب ْل َغْت ُك ُ ْ
م رِ َ فَت َوَّلى عَن ْهُ ْ
م وََقا َ
ن )(93 ري َ كافِ ِسى عََلى قَوْم ٍ َ فآ َفَك َي ْ َ
فأعرض شعيب عنهم حينما أيقن بحلول العذاب بهم ,وقال :يا قوم
لقد أبلغتكم رسالت ربي ,ونصحت لكم بالدخول في دين الله
والقلع عما أنتم عليه ,فلم تسمعوا ولم تطيعوا ,فكيف أحزن على
قوم جحدوا وحدانية الله وكذبوا رسله؟
ْ َ
ضهّراِء
سههاءِ َوال ّ ي إ ِل ّ أ َ َ
خهذ َْنا أهْل َهَهها ِبال ْب َأ َ ن ن َب ِه ّ سل َْنا فِههي قَْري َهةٍ ِ
مه ْ
َ
ما أْر َ وَ َ
ن )(94 عو َ ضّر ُ م يَ ّ ل َعَل ّهُ ْ
ما
وما أرسلنا في قرية من نبي يدعوهم إلى عبادة الله ,وينهاهم ع ّ
هم فيه من الشرك ,فك ّ
ذبه قومه ,إل ابتليناهم بالبأساء والضراء,
فأصبناهم في أبدانهم بالمراض والسقام ,وفي أموالهم بالفقر
والحاجة; رجاء أن يستكينوا ,وينيبوا إلى الله ,ويرجعوا إلى الحق.
303
جرى لبائنا من قبل ,فأخذناهم بالعذاب فجأة وهم آمنون ,ل يخطر
لهم الهلك على بال.
ْ َ َ
ن )(99
سُرو َ م ال ْ َ
خا ِ مك َْر الل ّهِ إ ِل ّ ال َْقوْ ُ
ن َ مك َْر الل ّهِ َفل ي َأ َ
م ُ أفَأ ِ
مُنوا َ
مك َْر الله وإمهاله لهم; استدرا ً
جا لهم بما أفأمن أهل القرى المكذبة َ
أنعم عليهم في دنياهم عقوبة لمكرهم؟ فل يأمن مكر الله إل القوم
الهالكون.
304
أَولم يتبين للذين سكنوا الرض من بعد إهلك أهلها السابقين
بسبب معاصيهم ,فساروا سيرتهم ,أن لو نشاء أصبناهم بسبب
ذنوبهم كما فعلنا بأسلفهم ,ونختم على قلوبهم ,فل يدخلها الحق,
ول يسمعون موعظة ول تذكيًرا؟
كم َ
مات فَ َم ِبال ْب َي َّنا ِ
سل ُهُ ْ
م ُر ُ جاَءت ْهُ ْن أن َْبائ َِها وَل ََقد ْ َص عَل َي ْ َ ِ ْك ال ُْقَرى ن َُق ّ ت ِل ْ َ
به عَل َههى قُل ُههو ِ ك ي َط ْب َهعُ الل ّه ُل ك َهذ َل ِ َ
ن قَب ْه ُ مه ْ مهها ك َهذ ُّبوا ِ ك َههاُنوا ل ِي ُؤْ ِ
من ُههوا ب ِ َ
ن )(101 ري َ ال ْ َ
كافِ ِ
دم ذِك ُْرها ,وهي قرى قوم نوح وهود وصالحتلك القرى التي ت ََق ّ
ص عليك -أيها الرسول -من أخبارها ,وما كان منولوط وشعيب ,نق ّ
مر رسل الله التي أرسلت إليهم ,ما يحصل به عبرة للمعتبرين َ
أ ْ
ل القرى رسلنا بالحجج البيناتوازدجار للظالمين .ولقد جاءت أه َ
على صدقهم ,فما كانوا ليؤمنوا بما جاءتهم به الرسل; بسبب
خت ْم ِ الله على قلوب هؤلء
طغيانهم وتكذيبهم بالحق ,ومثل َ
الكافرين المذكورين يختم الله على قلوب الكافرين بمحمد صلى
الله عليه وسلم.
َ َ
ن )(102 م ل ََفا ِ
سِقي َ جد َْنا أك ْث ََرهُ ْ
ن وَ َ
ن عَهْدٍ وَإ ِ ْ
م ْ جد َْنا لك ْث َرِهِ ْ
م ِ ما وَ َ
وَ َ
دنا لكثر الم الماضية من أمانة ول وفاء بالعهد ,وما وجدنا
ج ْ
وما وَ َ
أكثرهم إل فسقة عن طاعة الله وامتثال أمره.
ن )(104 ب ال َْعال َ ِ
مي َ ن َر ّ
م ْ سو ٌ
ل ِ ن إ ِّني َر ُ
سى َيا فِْرعَوْ ُ
مو َ وََقا َ
ل ُ
305
وقال موسى لفرعون محاوًرا مبل ًّغا :إني رسو ٌ
ل من الله خالق
الخلق أجمعين ,ومدّبر أحوالهم ومآلهم.
ن َرب ّك ُ ْ
م م ْ جئ ْت ُك ُ ْ
م ب ِب َي ّن َةٍ ِ ل عََلى الل ّهِ إ ِل ّ ال ْ َ
حقّ قَد ْ ِ ن ل أ َُقو َ َ
حِقيقٌ عََلى أ َْ
َ
ل )(105 سَراِئي َ
مِعي ب َِني إ ِ ْ
ل َ فَأْر ِ
س ْ
جدير بأن ل أقول على الله إل الحق ,وحريّ بي أن ألتزمه ,قد
دق ما أذكره لكم,
ص ْ
جئتكم ببرهان وحجة باهرة من ربكم على ِ
سرك وقَْهرك ,وخ ّ
ل َ
من أ ْ
فأطلق -يا فرعون -معي بني إسرائيل ِ
سبيلهم لعبادة الله.
َ
ن )(107
مِبي ٌ ي ث ُعَْبا ٌ
ن ُ ذا هِ َ فَأل َْقى عَ َ
صاهُ فَإ ِ َ
فألقى موسى عصاه ,فتحولت حّية عظيمة ظاهرة للعيان.
ن )(108
ري َ
ضاءُ ِللّناظ ِ ِ
ي ب َي ْ َ وَن ََزعَ ي َد َهُ فَإ ِ َ
ذا هِ َ
وجذب يده من جيبه أو من جناحه فإذا هي بيضاء كاللبن من غير
دها عادت إلى لونها الول ,كسائر بدنه.
برص آية لفرعون ,فإذا ر ّ
م )(109
حٌر عَِلي ٌ ذا ل َ َ
سا ِ ن هَ َ ن قَوْم ِ فِْرعَوْ َ
ن إِ ّ م ْ ل ال ْ َ
مل ِ َقا َ
قال الشراف من قوم فرعون :إن موسى لساحر يأخذ بأعين
الناس بخداعه إياهم ,حتى يخيل إليهم أن العصا حية ,والشيء
بخلف ما هو عليه ,وهو واسع العلم بالسحر ماهر به.
306
ن )(110 يريد أ َن يخرجك ُم من أ َرضك ُم فَما َ ْ
مُرو َ
ذا ت َأ ُ ُ ِ ُ ْ ُ ْ ِ َ ْ ِ ْ ْ ِ ْ َ
يريد أن يخرجكم جميًعا من أرضكم ,قال فرعون :فبماذا تشيرون
ي أيها المل في أمر موسى؟عل ّ
ن ال ْغَههال ِِبي َ
ن) حه ُ ن ل َن َهها ل َ ْ
جههرا ً إ ِ ْ
ن ك ُن ّهها ن َ ْ ن قَههاُلوا إ ِ ّ
حَرةُ فِْرعَوْ َ
س َ
جاءَ ال ّ
وَ َ
(113
ن لنا لجائزة ومال إن غَل َْبنا موسى؟
وجاء السحرة فرعون قالوا :أئ ّ
ن )(114 ن ال ْ ُ
مَقّرِبي َ م لَ ِ
م ْ م وَإ ِن ّك ُ ْ َقا َ
ل ن َعَ ْ
قال فرعون :نعم لكم الجر والقرب مني إن غَل َب ُْتموه.
َ َ
مل ِْقي َ
ن )(115 ن ال ْ ُ
ح ُ
ن نَ ْ ن نَ ُ
كو َ ما أ ْ ن ت ُل ِْق َ
ي وَإ ِ ّ ما أ ْ
سى إ ِ ّ َقاُلوا َيا ُ
مو َ
قال سحرة فرعون لموسى على سبيل التكبر وعدم المبالة :يا
موسى اختر أن ُتلقي عصاك أول أو ُنلقي نحن أول.
307
ي سحرواقال موسى للسحرة :ألقوا أنتم ,فلما ألَقوا الحبال والعص ّ
خّيل إلى البصار أن ما فعلوه حقيقة ,ولم يكن إل أعين الناس ,ف ُ
دا ,وجاؤوا بسحر
مجرد صنعة وخيال ,وأرهبوا الناس إرهاًبا شدي ً
قوي كثير.
مُلو َ
ن )(118 ما َ
كاُنوا ي َعْ َ حقّ وَب َط َ َ
ل َ فَوَقَعَ ال ْ َ
فظهر الحق واستبان لمن شهده وحضره في أمر موسى عليه
السلم ,وأنه رسول الله يدعو إلى الحق ,وبطل الكذب الذي كانوا
يعملونه.
ن )(119
ري َ ك َوانَقل َُبوا َ
صاِغ ِ فَغُل ُِبوا هَُنال ِ َ
ُ
ن )(120
دي َ
ج ِ
سا ِ
حَرةُ َ
س َ وَأل ِْق َ
ي ال ّ
ما عاينوا من
دا على وجوههم لله رب العالمين ل ِ َ
ج ً
س ّ
خّر السحرة ُو َ
عظيم قدرة الله.
ن )(121 ب ال َْعال َ ِ
مي َ َقاُلوا آ َ
مّنا ب َِر ّ
قالوا :آمنا برب العالمين.
308
ن )(122
هاُرو َ
سى وَ َ
مو َ
ب ُ
َر ّ
وهو رب موسى وهارون ,وهو الذي يجب أن تصرف له العبادة
من سواه.
وحده دون َ
309
ض علينا صبًرا َ
سوى الله الذي له ملك السموات والرض ,ربنا أفِ ْ
ما وثباتا عليه ,وتوّفنا منقادين لمرك متبعين رسولك.
عظي ً
ن ل عَسى ربك ُ َ جئ ْت ََنا َقا َ ْ َقاُلوا ُأوذينا من قَب َ
مأ َْ ّ ْ َ ما ِن ب َعْدِ َ
م ْ ن ت َأت ِي ََنا وَ ِ لأ ْ ِ َ ِ ْ ْ ِ
مُلو َ ض فََينظ َُر ك َي ْ َ َ
ن )(129 ف ت َعْ َ م ِفي الْر ِ خل َِفك ُ ْست َ ْ ك عَد ُوّك ُ ْ
م وَي َ ْ ي ُهْل ِ َ
قال قوم موسى -من بني إسرائيل -لنبيهم موسى :ابُتلينا وُأوذينا
بذبح أبنائنا واستحياء نسائنا على يد فرعون وقومه ,من قبل أن
تأتينا ,ومن بعد ما جئتنا ,قال موسى لهم :لعل ربكم أن يهلك
عدوكم فرعون وقومه ,ويستخلفكم في أرضهم بعد هلكهم ,فينظر
كيف تعملون ,هل تشكرون أو تكفرون؟
310
ولقد ابتلينا فرعون وقومه بالقحط والجدب ,ون َْقص ثمارهم
غلتهم; ليتذكروا ,وينزجروا عن ضللتهم ,ويفزعوا إلى ربهمو َ
بالتوبة.
ة ي َط ّي ّهُروا
س هي ّئ َ ٌ
م َ ص هب ْهُ ْ ة قَههاُلوا ل َن َهها هَ هذِهِ وَإ ِ ْ
ن تُ ِ س هن َ ُ
ح َم ال ْ َ
جههاَءت ْهُ ْ ف َ هإ ِ َ
ذا َ
عند الل ّه ول َك َ بموسى ومن مع َ
ن
مو َم ل ي َعْل َ ُ ن أك ْث ََرهُ ْ ِ َ ِ ّ م ِ ْ َطائ ُِرهُ ْ ما َ ه أل إ ِن ّ ََ َ ْ َ َ ُ ِ ُ َ
)(131
ب والرزقُ قالوا :هذا لنا بما نستحقه,
ص ُ
خ ْ
مه ال ِ
ن وقو َفإذا جاء فرعو َ
صْبهم جدب وقحط يتشاءموا ,ويقولوا :هذا بسبب موسى وإن ي ُ ِ
ن ما يصيبهم من الجدب والقحط إنما هو بقضاء الله من معه .أل إ ّ و َ
وقدره ,وبسبب ذنوبهم وكفرهم ,ولكن أكثر قوم فرعون ل يعلمون
ذلك; لنغمارهم في الجهل والضلل.
ن ل َه َ ْ
ن) م هؤ ْ ِ
مِني َ ك بِ ُ حه ُ حَرَنا ب ِهَهها فَ َ
مهها ن َ ْ سه َ
ن آي َةٍ ل ِت َ ْ
م ْ
ما ت َأت َِنا ب ِهِ ِ وََقاُلوا َ
مه ْ َ
(132
وقال قوم فرعون لموسى :أي آية تأِتنا بها ,ودللة وحجة أقمتها
دقين.لتصرفنا عما نحن عليه من دين فرعون ,فما نحن لك بمص ّ
َ
ت
م آي َهها ٍ
ض هَفادِعَ َوال هد ّ َ مه َ
ل َوال ّ ج هَراد َ َوال ُْق ّن َوال ْ َ
طوَفا َم ال ّ سل َْنا عَل َي ْهِ ْ
فَأْر َ
ن )(133 مي َ جرِ ِ وما ً ُ
م ْ كاُنوا قَ ْ ست َك ْب َُروا وَ َ
ت َفا ْ صل ٍ مَف ُّ
فأرسلنا عليهم سيل جارًفا أغرق الزروع والثمار ,وأرسلنا الجراد,
مل
فأكل زروعهم وثمارهم وأبوابهم وسقوفهم وثيابهم ,وأرسلنا الُق ّ
الذي يفسد الثمار ويقضي على الحيوان والنبات ,وأرسلنا الضفادع
ضا الدم فصارت فملت آنيتهم وأطعمتهم ومضاجعهم ,وأرسلنا أي ً
حا للشرب ,هذه آيات من ما ,ولم يجدوا ماء صال ً
أنهارهم وآبارهم د ً
آيات الله ل يقدر عليها غيره ,مفرقات بعضها عن بعض ,ومع كل
هذا ترّفع قوم فرعون ,فاستكبروا عن اليمان بالله ,وكانوا قو ً
ما
دا.
وا وتمر ً
يعملون بما ينهى الله عنه من المعاصي والفسق عت ّ
عن ْهد َ َ
ك ما عَهِ هد َ ِ سى اد ْعُ ل ََنا َرب ّ َ
ك بِ َ جُز َقاُلوا َيا ُ
مو َ ما وَقَعَ عَل َي ْهِ ْ
م الّر ْ وَل َ ّ
311
سهَراِئي َ
ل) مَعه َ
ك ب َِنهي إ ِ ْ سهل َ ّ
ن َ ك وَل َن ُْر ِ
ن َله َ جَز ل َن ُؤْ ِ
من َ ّ ت عَّنا الّر ْ
شْف َ ل َئ ِ ْ
ن كَ َ
(134
ولما نزل العذاب على فرعون وقومه فزعوا إلى موسى وقالوا :يا
من َرْفع العذاب بالتوبة ,لئنموسى ادع لنا ربك بما أوحى به إليك ِ
ن بما جئت به ,ونتبع ما دق ّ
رفعت عنا العذاب الذي نحن فيه لنص ّ
ن معك بني إسرائيل ,فل نمنعهم من أن يذهبوا دعوت إليه ,ولنطلق ّ
حيث شاؤوا.
َ
م َينك ُُثو َ
ن )(135 م َبال ُِغوهُ إ ِ َ
ذا هُ ْ ل هُ ْ جَز إ َِلى أ َ
ج ٍ م الّر ْ
شْفَنا عَن ْهُ ْ فَل َ ّ
ما ك َ َ
ل هم بالغوه ل فلما رفع الله عنهم العذاب الذى أنزله بهم إلى أج ٍ
ف
ش ِ دم لهم من المهال وك َ ْمحالة فيعذبون فيه ,ل ينفعهم ما تق ّ
العذاب إلى حلوله ,إذا هم ينقضون عهودهم التي عاهدوا عليها
ربهم وموسى ,ويقيمون على كفرهم وضللهم.
َ َ
م ك َهذ ُّبوا ِبآَيات ِن َهها وَك َههاُنوا عَن ْهَهها م ِفي ال ْي َ ّ
م ب ِأن ّهُ ْ م فَأغَْرقَْناهُ ْ
من ْهُ ْ َفانت ََق ْ
مَنا ِ
ن )(136 غافِِلي َ َ
فانتقمنا منهم حين جاء الجل المحدد لهلكهم ,وذلك بإحلل نقمتنا
عليهم ,وهي إغراقهم في البحر; بسبب تكذيبهم بالمعجزات التي
ظهرت على يد موسى ,وكانوا عن هذه المعجزات غافلين ,وتلك
الغفلة هي سبب التكذيب.
َ َ
مَغارِب َهَههاض وَ َ
شههارِقَ الْر ِ م َن َ ض هعَُفو َ ن ك َههاُنوا ي ُ ْ
ست َ ْ ذي َ م ال ّه ِوَأوَْرث َْنا ال َْقهوْ َ
مههال بِ َس هَراِئي َ سَنى عَل َههى ب َن ِههي إ ِ ْ ح ْك ال ْ ُة َرب ّ َ ت ك َل ِ َ
م ُ م ْال ِّتي َباَرك َْنا ِفيَها وَت َ ّ
ن) شههو َ مهها َ
كهاُنوا ي َعْرِ ُ ه وَ َ
م ُن وَقَهوْ ُ
صهن َعُ فِْرعَهوْ ُ ن يَ ْ كا َما َ مْرَنا َصب َُروا وَد َ ّ َ
(137
وأررثنا بني إسرائيل الذين كانوا ُيست َذ َّلون للخدمة ,مشارق الرض
ومغاربها )وهي بلد "الشام"( التي باركنا فيها ,بإخراج الزروع
والثمار والنهار ,وتمت كلمة ربك -أيها الرسول -الحسنى على بني
إسرائيل بالتمكين لهم في الرض; بسبب صبرهم على أذى فرعون
312
مرنا ما كان يصنع فرعون وقومه من العمارات وقومه ,ود ّ
والمزارع ,وما كانوا يبنون من البنية والقصور وغير ذلك.
َ َ
ص هَنام ٍن عَل َههى أ ْ وا عََلى قَوْم ٍ ي َعْك ُُفههو َ حَر فَأت َ ْ ل ال ْب َ ْ
سَراِئي َ
جاوَْزَنا ب ِب َِني إ ِ ْ
وَ َ
مم َقهوْ ٌ ل إ ِن ّ ُ
كه ْ ة َقها َ
م آل َِهه ٌمها ل َُهه ْ
جَعهل ل ََنها إ َِلهها ً ك َ َ سى ا ْ مو َ م َقاُلوا َيا ُ ل َهُ ْ
ن )(138 جهَُلو َ تَ ْ
وقطعنا ببني إسرائيل البحر ,فمّروا على قوم يقيمون ويواظبون
ما
على عبادة أصنام لهم ,قال بنو إسرائيل :اجعل لنا يا موسى صن ً
نعبده ونتخذه إلًها ,كما لهؤلء القوم أصنام يعبدونها ,قال موسى
لهم :إنكم أيها القوم تجهلون عظمة الله ,ول تعلمون أن العبادة ل
تنبغي إل لله الواحد القهار.
مُلو َ
ن )(139 ما َ
كاُنوا ي َعْ َ ل َم ِفيهِ وََباط ِ ٌ
ما هُ ْ
مت َب ٌّر َ ن هَ ُ
ؤلِء ُ إِ ّ
مهَْلك ما هم فيه من الشرك, إن هؤلء المقيمين على هذه الصنام ُ
مر وباطل ما كانوا يعملون من عبادتهم لتلك الصنام ,التي ل ومد ّ
تدفع عنهم عذاب الله إذا نزل بهم.
َ َقا َ َ
ن )(140 م عََلى ال َْعال َ ِ
مي َ ضل َك ُ ْ
م إ َِلها ً وَهُوَ فَ ّ
ل أغَي َْر الل ّهِ أب ِْغيك ُ ْ
قال موسى لقومه :أغير الله أطلب لكم معبوًدا تعبدونه من دونه,
ضلكم على عالمي زمانكم بكثرة النبياءوالله هو الذي خلقكم ,وف ّ
صكم به من اليات؟
فيكم ,وإهلك عدوكم وما خ ّ
َ
ب ي َُقت ّل ُههو َ
ن سههوَء ال ْعَ ه َ
ذا ِ م ُ مون َك ُ ْ
سههو ُ ن يَ ُل فِْرعَ هوْ َ نآ ِ مه ْ
م ِ جي ْن َههاك ُ ْ
وَإ ِذ ْ أن َ
َ
م )(141 ظي ٌ
م عَ ِ ن َرب ّك ُ ْم ْ
م َبلٌء ِ م وَِفي ذ َل ِك ُ ْ ساَءك ُ ْن نِ َ
حُيو َ
ست َ ْ
م وَي َ ْ أب َْناَءك ُ ْ
سر َ
واذكروا -يا بني إسرائيل -ن َِعمنا عليكم إذ أنقذناكم من أ ْ
فرعون وآله ,وما كنتم فيه من الهوان والذلة من تذبيح أبنائكم
مِلكم على أقبح العذاب وأسوئه, ح ْ
واستبقاء نسائكم للخدمة ,وفي َ
ثم إنجائكم ,اختبار من الله لكم ونعمة عظيمة.
313
َ وواعَدنا موسى َثلِثين ل َيل َ ً َ
نت َرب ّهِ أْرب َِعيهه َ ميَقا ُ
م ِ شرٍ فَت َ ّ
ها ب ِعَ ْ
مَنا َم ْ
ة وَأت ْ َ َ ْ َ َ َْ ُ َ
َ سى ل َ ِ
ع
ح َول ت َت ّب ِه ْص هل ِ ْ
مي وَأ ْ خل ُْفِني فِههي قَهوْ ِ نا ْ هاُرو َخيهِ َ مو َل ُة وََقا َ ل َي ْل َ ً
ن )(142 دي َ
س ِ
مْف ِل ال ْ ُ
سِبي َ َ
وواعد الله سبحانه وتعالى موسى لمناجاة ربه ثلثين ليلة ,ثم زاده
م ما وَقَّته الله لموسى لتكليمه
في الجل بعد ذلك عشر ليال ,فت ّ
ي لمناجاة
أربعين ليلة .وقال موسى لخيه هارون -حين أراد المض ّ
مَلهم على طاعة الله ربه :-كن خليفتي في قومي حتى أرجع ,وأح ِ
ك طريق الذين يفسدون في الرض. وعبادته ,ول تسل ْ
ك قَهها َ
ل ب أ َرِِني َأنظ ُْر إ ِل َي ْه َ ل َر ّه َقا َ ه َرب ّ ُم ُ ميَقات َِنا وَك َل ّ َ سى ل ِ ِ مو َ جاَء ُ ما َ وَل َ ّ
ف ت ََران ِههيس هو ْ َ ه فَ َ مك َههان َ ُ
سهت ََقّر َنا ْ ل فَإ ِ ْ جب َ ِ ن انظ ُْر إ َِلى ال ْ َ ن ت ََراِني وَل َك ِ ْ لَ ْ
لمهها أ َفَههاقَ قَهها َ صِعقا ً فَل َ ّ سى َ مو َ خّر ُ ه د َك ّا ً وَ َ جعَل َ ُ
ل َ جب َ ِه ل ِل ْ َ جّلى َرب ّ ُ ما ت َ َ فَل َ ّ
ن )(143 مِني َ مؤ ْ ِ ل ال ْ ُ ك وَأ ََنا أ َوّ ُ ت إ ِل َي ْ َ حان َ َ
ك ت ُب ْ ُ سب ْ َ ُ
ولما جاء موسى في الوقت المحدد وهو تمام أربعين ليلة ,وكّلمه
ربه بما كّلمه من وحيه وأمره ونهيه ,طمع في رؤية الله فطلب
النظر إليه ,قال الله له :لن تراني ,أي لن تقدر على رؤيتي في
ت له الدنيا ,ولكن انظر إلى الجبل ,فإن استقر مكانه إذا تجّلي ُ
كا مستوًيا بالرض, فسوف تراني ,فلما تجّلى ربه للجبل جعله د ّ
وسقط موسى مغشّيا عليه ,فلما أفاق من غشيته قال :تنزيًها لك يا
رب عما ل يليق بجللك ,إني تبت إليك من مسألتي إياك الرؤية في
هذه الحياة الدنيا ,وأنا أول المؤمنين بك من قومي.
مههي فَ ُ
خ هذ ْ سالِتي وَب ِ َ
كل ِ س ب ِرِ َ صط ََفي ْت ُ َ َ َقا َ
ك عَلى الّنا ِ سى إ ِّني ا ْمو َ ل َيا ُ
ن )(144ري َ شاك ِ ِن ال ّ
م ْ ك وَك ُ ْ
ن ِ ما آت َي ْت ُ ََ
قال الله يا موسى :إني اخترتك على الناس برسالتي إلى خلقي
من غير وساطة ,فخذ ما الذين أرسلتك إليهم وبكلمي إياك ِ
سك به ,واعمل به ,وكن منمن أمري ونهيي ,وتم ّ أعطيتك ِ
صك بكلمه.الشاكرين لله تعالى على ما آتاك من رسالته ,وخ ّ
314
يءٍ
شه ْ ل َصههيل ً ل ِك ُه ّ
ة وَت َْف ِ عظ َه ً
مو ْ ِ
يٍء َْ شهل َ ن ك ُه ّْ مه
ح ِ وا
َ ه ِفي ال َل ْ
وَك َت َب َْنا ل َ ُ
ُ َ ِ
فَخذ ْها بُقوة وأ ْمر قَوم َ ْ
ن) داَر ال َْفا ِ
سهِقي َ م َ سهأِريك ُ ْ سهن َِها َح َ خه ُ
ذوا ب ِأ ْ ك ي َأ ُ ُ َ ِ ّ ٍ َ ُ ْ ْ َ
(145
وكتبنا لموسى في التوراة من كل ما يحتاج إليه في دينه من
الحكام ,موعظة للزدجار والعتبار وتفصيل لتكاليف الحلل
والحرام والمر والنهي والقصص والعقائد والخبار والمغيبات ,قال
الله له :فخذها بقوة ,أي :خذ التوراة بجد واجتهاد ,وأمر قومك
من غيرهم فإني من أشرك منهم و ِ يعملوا بما شرع الله فيها; فإن َ
دها لعدائه
سأريه في الخرة دار الفاسقين ,وهي نار الله التي أع ّ
الخارجين عن طاعته.
ن ِفي ال َ سأ َ
ن َيههَرْوا حقّ وَإ ِ ْ ض ب ِغَي ْرِ ال ْ َ ِ رْ َ رو ُ ّ بن ي َت َك َ
َ ذيِ ن آَياِتي ال ّْ َ ع ف
ُ ِ رصْ َ
ن ي ََرْواسِبيل ً وَإ ِ ْ
ذوهُ َ خ ُشدِ ل ي َت ّ ِ ل الّر ْسِبي َ ن ي ََرْوا َ مُنوا ب َِها وَإ ِ ْ ل آي َةٍ ل ي ُؤْ ِ كُ ّ
كاُنوا عَن َْها َ م ك َذ ُّبوا ِبآَيات َِنا وَ َ ذوه سبيل ً ذ َل َ َ سِبي َ
ن
غهافِِلي َ ك ب ِأن ّهُ ْ ِ خ ُ ُ َ ِ ي ي َت ّ ِ ل الغَ ّ َ
)(146
سأصرف عن فَْهم الحجج والدلة الدالة على عظمتي وشريعتي
وأحكامي قلوب المتكبرين عن طاعتي ,والمتكبرين على الناس
ن ي ََر هؤلء
بغير الحق ,فل يتبعون نبًيا ول يصغون إليه لتكبرهم ,وإ ْ
دتهم لله
المتكبرون عن اليمان كل آية ل يؤمنوا بها لعراضهم ومحا ّ
ورسوله ,وإن يروا طريق الصلح ل يتخذوه طريًقا ,وإن يروا طريق
الضلل ,أي الكفر يتخذوه طريًقا وديًنا; وذلك بسبب تكذيبهم بآيات
الله وغفلتهم عن النظر فيها والتفكر في دللتها.
َ
ن إ ِل ّ َ
مهها ج هَزوْ َ
ل يُ ْ مال ُهُ ْ
م هَ ْ حب ِط َ ْ
ت أعْ َ ن ك َذ ُّبوا ِبآَيات َِنا وَل َِقاِء ال ِ
خَرةِ َ ذي َ َوال ّ ِ
ن )(147 مُلو َ كاُنوا ي َعْ َ َ
315
َ
واٌر أَله ْ
م خه َ
ه ُ سهدا ً َله ُ جل ً َ
ج َ ع ْ
م ِحل ِي ِّهه ْ
ن ُ م ْ
ن ب َعْدِهِ ِم ْ
سى ِ مو َ م ُ خذ َ قَوْ ُ َوات ّ َ
كاُنوا َ َ
ن )(148 مي َظال ِ ِ ذوهُ وَ َ
خ ُسِبيل ً ات ّ َم َديهِ ْ
م َول ي َهْ ِ ه ل ي ُك َل ّ ُ
مه ُ ْ ي ََرْوا أن ّ ُ
مندا ِ
واتخذ قوم موسى من بعد ما فارقهم ماضًيا لمناجاة ربه معبو ً
دا بل روح ,له صوت ,ألم يعلموا أنه ل يكلمهم ,ول عجل جس ًذهبهم ِ
َ
موا على ما أقدموا عليه من هذا المر يرشدهم إلى خير؟ أقْد َ ُ
الشنيع ,وكانوا ظالمين لنفسهم واضعين الشيء في غير موضعه.
َ َ َ
من َهها
ح ْ ن ل َه ْ
م ي َْر َ ض هّلوا قَههاُلوا ل َئ ِ ْ
م قَ هد ْ َ
م وََرأْوا أن ّهُ ْديهِ ْ
ط ِفي أي ْ ِ سِق َ ما ُ وَل َ ّ
ن )(149 ري َ
س ِخا ِ ن ال ْ َ
م ْ
ن ِ كون َ ّ َرب َّنا وَي َغِْفْر ل ََنا ل َن َ ُ
من دون الله عند رجوع موسى إليهم, ولما ندم الذين عبدوا العجل ِ
ورأوا أنهم قد ضّلوا عن قصد السبيل ,وذهبوا عن دين الله ,أخذوا
في القرار بالعبودية والستغفار ,فقالوا :لئن لم يرحمنا ربنا بَقبول
توبتنا ,ويستر بها ذنوبنا ,لنكونن من الهالكين الذين ذهبت أعمالهم.
ن َ خل ْنا في رحمت ِ َ َ َ ب اغِْفْر ِلي وَل َ ِ َقا َ
مي َ
ح ِ
م الّرا ِ
ح ُ
ت أْر َ
ك وَأن ْ َ َ ْ َ خي وَأد ْ ِ َ ِ ل َر ّ
)(151
316
قال موسى لما تبين له عذر أخيه ,وعلم أنه لم ي َُفّرط فيما كان
ب اغفر لي غضبي ,واغفر لخي ما سبق بينه عليه من أمر الله :ر ّ
وبين بني إسرائيل ,وأدخلنا في رحمتك الواسعة ,فإنك أرحم بنا من
كل راحم.
ة ة فِههي ال ْ َ
حي َهها ِ م وَذِل ّه ٌ
ن َرب ّهِ ْ
م ْ
ب ِ
ض ٌ سي ََنال ُهُ ْ
م غَ َ ل َ ج َذوا ال ْعِ ْخ ُن ات ّ َ ذي َ ن ال ّ ِإِ ّ
ن )(152 ري َ زي ال ْ ُ
مْفت َ ِ ج ِ
ك نَ ْالد ّن َْيا وَك َذ َل ِ َ
من ربهم وهوانإن الذين اتخذوا العجل إلًها سينالهم غضب شديد ِ
في الحياة الدنيا; بسبب كفرهم بربهم ,وكما فعلنا بهؤلء نفعل
بالمفترين المبتدعين في دين الله ,فكل صاحب بدعة ذليل.
ها
ن ب َعْدِ َ
م ْ ن َرب ّ َ
ك ِ مُنوا إ ِ ّ
ها َوآ َ
ن ب َعْدِ َ
م ْ ت ثُ ّ
م َتاُبوا ِ مُلوا ال ّ
سي َّئا ِ ن عَ ِ َوال ّ ِ
ذي َ
م )(153 حي ٌل َغَُفوٌر َر ِ
من بعدوالذين عملوا السيئات من الكفر والمعاصي ,ثم رجعوا ِ
فعلها إلى اليمان والعمل الصالح ,إن ربك من بعد التوبة النصوح
من كان مثلهملغفور لعمالهم غير فاضحهم بها ,رحيم بهم وبكل َ
من التائبين.
دى
خت َِها هُ ه ً
سه َ
ح وَفِههي ن ُ ْ
وا َ َ ب أَ َ
خ هذ َ الل ْه َ سى ال ْغَ َ
ضه ُ مو َ ن ُ ت عَ ْسك َ َ ما َ وَل َ ّ
ن )(154 م ي َْرهَُبو َ
م ل َِرب ّهِ ْن هُ ْ ة ل ِل ّ ِ
ذي َ م ٌ
ح َوََر ْ
ولما سكن عن موسى غضبه أخذ اللواح بعد أن ألقاها على
الرض ,وفيها بيان للحق ورحمة للذين يخافون الله ,ويخشون
عقابه.
ة َقهها َ
ل جَف ُ
م الّر ْ خذ َت ْهُ ْما أ َ َ ميَقات َِنا فَل َ ّ جل ً ل ِ ِ
ن َر ُ سب ِْعي َ ه َ م ُسى قَوْ َ مو َ خَتاَر ُ
َوا ْ
َ َ
من ّهها س هَفَهاُء ِ ل ال ّما فَعَ ه َ ل وَإ ِّيايَ أت ُهْل ِك َُنا ب ِ َ ن قَب ْ ُ م ْ م ِ ت أهْل َك ْت َهُ ْ شئ ْ َب ل َوْ ِ َر ّ
ت وَل ِي ّن َهها َ ن تَ َ ن تَ َ ض ّ ي إ ِل ّ فِت ْن َت ُ َ
شههاُء أن ْه َ مه ْ دي َ شههاُء وَت َهْ ه ِ مه ْ ل ب َِها َ ك تُ ِ ن هِ َ إِ ْ
َ
ن )(155 ري َخي ُْر ال َْغافِ ِ ت َ مَنا وَأن ْ َ ح َْفاغِْفْر ل ََنا َواْر َ
317
من خيارهم ,وخرج بهم إلى واختار موسى من قومه سبعين رجل ِ
طور "سيناء" للوقت والجل الذي واعده الله أن يلقاه فيه بهم
للتوبة مما كان من سفهاء بني إسرائيل من عبادة العجل ,فلما أتوا
ذلك المكان قالوا :لن نؤمن لك -يا موسى -حتى نرى الله جهرة
فإنك قد كّلمته فأرَِنا ُ
ه ,فأخذتهم الزلزلة الشديدة فماتوا ,فقام
موسى يتضرع إلى الله ويقول :رب ماذا أقول لبني إسرائيل إذا
ت خيارهم؟ لو شئت أهلكتهم جميًعا من قبل هذا أتيُتهم ,وقد أهلك َ
ي ,أتهلكنا بما فعله سفهاء
الحال وأنا معهم ,فإن ذلك أخف عل ّ
الحلم منا؟ ما هذه الفعلة التي فعلها قومي من عبادتهم العجل إل
من خلقك ,وتهدي بها من تشاء من تشاء ِ
ل بها َ ابتلٌء واختباٌر ,تض ّ
هدايته ,أنت ولّينا وناصرنا ,فاغفر ذنوبنا ,وارحمنا برحمتك ,وأنت
جْرم ,وستر عن ذنب. من صفح عن ُ خير َ
ك قَهها َ
ل خهَرةِ إ ِن ّهها هُهد َْنا إ ِل َي ْه َ ة وَفِههي ال ِ سهن َ ًح َب ل ََنا ِفي هَذِهِ الد ّن َْيا َ َواك ْت ُ ْ
َ
س هأك ْت ُب َُها ت ك ُه ّ ن أَ َ ُ
يٍء فَ َ شه ْ ل َ س هع َ ْ مت ِههي وَ ِ
ح َ شههاُء وََر ْ م ْب ب ِهِ َ صي ُ
ذاِبي أ ِ عَ َ
ن )(156 مُنو َ م ِبآَيات َِنا ي ُؤْ ِ
ن هُ ْ
ذي َكاةَ َوال ّ ِ
ن الّز َ ن وَي ُؤُْتو َ
ن ي َت ُّقو َذي َ ل ِل ّ ِ
ت له الصالحات من العمال في الدنيا وفي واجعلنا ممن كتب َ
الخرة ,إنا رجعنا تائبين إليك ,قال الله تعالى لموسى :عذابي
ت هؤلء الذين أصبتهم من من خلقي ,كما أصب ُ
من أشاء ِ أصيب به َ
قومك ,ورحمتي وسعت خلقي كّلهم ,فسأكتبها للذين يخافون الله,
ويخشون عقابه ,فيؤدون فرائضه ,ويجتنبون معاصيه ,والذين هم
بدلئل التوحيد وبراهينه يصدقون.
مل ْه ُ َ
ك ه ُذي ل َه ُ ميعها ً ال ّه ِ ج ِ م َ ل الل ّههِ إ ِل َي ْك ُه ْ سههو ُس إ ِن ّههي َر ُ ل َيا أي ّهَهها الن ّهها ُ قُ ْ
َ
ه
سهول ِ ِمُنوا ِبهالل ّهِ وََر ُ ت َفهآ ِ ميه ُ ي وَي ُ ِ حه ِ ه إ ِل ّ هُوَ ي ُ ْض ل إ ِل َ َ ت َوالْر ِ وا ِ م َ
س َ ال ّ
ُ
ن )(158 دو َ مات ِهِ َوات ّب ُِعوهُ ل َعَل ّك ُ ْ
م ت َهْت َ ُ ن ِبالل ّهِ وَك َل ِ َ م ُ ي ال ّ ِ
ذي ي ُؤْ ِ م ّ ي ال ّ الن ّب ِ ّ
قل -أيها الرسول -للناس كلهم :إني رسول الله إليكم جميًعا ل إلى
بعضكم دون بعض ,الذي له ملك السموات والرض وما فيهما ,ل
ينبغي أن تكون اللوهية والعبادة إل له جل ثناؤه ,القادر على إيجاد
دقوا
دقوا بالله وأقّروا بوحدانيته ,وص ّ
الخلق وإفنائه وبعثه ,فص ّ
ي الذي يؤمن بالله برسوله محمد صلى الله عليه وسلم النبي الم ّ
وما أنزل إليه من ربه وما أنزل على النبيين من قبله ,واتبعوا هذا
الرسول ,والتزموا العمل بما أمركم به من طاعة الله ,رجاء أن
توفقوا إلى الطريق المستقيم.
ُ
حقّ وَب ِهِ ي َعْدُِلو َ
ن )(159 ن ِبال ْ َ
دو َ
ة ي َهْ ُ
م ٌ
سى أ ّ ن قَوْم ِ ُ
مو َ م ْ
وَ ِ
من بني إسرائيل من قوم موسى جماعة يستقيمون على الحق, و ِ
يهدون الناس به ,ويعدلون به في الحكم في قضاياهم.
م وَُقول ُههوا
ش هئ ْت ُ ْ
ث ِ حي ْه ُ ة وَك ُل ُههوا ِ
من ْهَهها َ سك ُُنوا هَذِهِ ال َْقْري َه َ
ما ْ ل ل َهُ ْوَإ ِذ ْ ِقي َ
ن)سههِني َ ح ِم ْ زيد ُ ال ْ ُ
سن َ ِ
م َطيَئات ِك ُ ْ
خ ِ
م َ جدا ً ن َغِْفْر ل َك ُ ْ
س ّب ُخُلوا ال َْبا َ ة َواد ْ ُحط ّ ٌ ِ
(161
واذكر -أيها الرسول -عصيان بني إسرائيل لربهم سبحانه وتعالى
ولنبيهم موسى عليه السلم ,وتبديلهم القول الذي أمروا أن يقولوه
حين قال الله لهم :اسكنوا قرية "بيت المقدس" ,وكلوا من ثمارها
ح ّ
ط عنا ذنوبنا, وحبوبها ونباتها أين شئتم ومتى شئتم ,وقولواُ :
وادخلوا الباب خاضعين لله ,نغفر لكم خطاياكم ,فل نؤاخذكم عليها,
ي الدنيا والخرة.
خي َْر ِ
من َ
وسنزيد المحسنين ِ
َ
س هل َْنا عَل َي ْهِ ه ْ
م ل ل َهُ ه ْ
م فَأْر َ م قَوْل ً غَي َْر ال ّ ِ
ذي ِقي ه َ من ْهُ ْ
موا ِ ن ظ َل َ ُ ل ال ّ ِ
ذي َ فَب َد ّ َ
ن )(162 مو َ كاُنوا ي َظ ْل ِ ُ
ما َ ماِء ب ِ َ س َ
ن ال ّ م ْ جزا ً ِ رِ ْ
فغّير الذين كفروا بالله منهم ما أمرهم الله به من القول ,ودخلوا
الباب يزحفون على أستاههم ,وقالوا :حبة في شعرة ,فأرسلنا
عليهم عذاًبا من السماء ,أهلكناهم به; بسبب ظلمهم وعصيانهم.
وا َ
ت
سب ْ ِ
ن ِفي ال ّ
دو َ ضَرةَ ال ْب َ ْ
حرِ إ ِذ ْ ي َعْ ُ حا ِ
ت َ ن ال َْقْري َةِ ال ِّتي َ
كان َ ْ سأل ْهُ ْ
م عَ ْ َ ْ
320
ْ ْ
ك م َ
كههذ َل ِ َ ن ل ت َأِتيهِ ْ
سب ُِتو َ شّرعا ً وَي َوْ َ
م ل يَ ْ م ُ
سب ْت ِهِ ْ
م َ
م ي َوْ َ
حيَتان ُهُ ْ
م ِ إ ِذ ْ ت َأِتيهِ ْ
ن )(163 سُقو َكاُنوا ي َْف ُما َ م بِ َن َب ُْلوهُ ْ
واسأل -أيها الرسول -هؤلء اليهود عن خبر أهل القرية التي كانت
بقرب البحر ,إذ يعتدي أهلها في يوم السبت على حرمات الله,
كا ,فابتلهمحيث أمرهم أن يعظموا يوم السبت ول يصيدوا فيه سم ً
الله وامتحنهم; فكانت حيتانهم تأتيهم يوم السبت كثيرة طافية على
وجه البحر ,وإذا ذهب يوم السبت تذهب الحيتان في البحر ,ول
يرون منها شيًئا ,فكانوا يحتالون على حبسها في يوم السبت في
حفائر ,ويصطادونها بعده .وكما وصفنا لكم من الختبار والبتلء,
لظهار السمك على ظهر الماء في اليوم المحرم عليهم صيده فيه,
وإخفائه عليهم في اليوم المحلل لهم فيه صيده ,كذلك نختبرهم
بسبب فسقهم عن طاعة الله وخروجهم عنها.
ن
ذي َ سوءِ وَأ َ َ
خذ َْنا اّلهه ِ ن ال ّ
ن عَ ْ
ن ي َن ْهَوْ َ جي َْنا ال ّ ِ
ذي َ
َ
ما ذ ُك ُّروا ب ِهِ أن ْ َ
سوا َ فَل َ ّ
ما ن َ ُ
ن )(165 سُقو َ كاُنوا ي َْف ُ ما َ س بِ َب ب َِئي ٍ موا ب ِعَ َ
ذا ٍ ظ َل َ ُ
كرت به, فلما تركت الطائفة التي اعتدت في يوم السبت ما ذ ُ ّ
واستمرت على غّيها واعتدائها فيه ,ولم تستجب لما وَعَظ َْتها به
الطائفة الواعظة ,أنجى الله الذين ينهون عن معصيته ,وأخذ الذين
اعتد َْوا في يوم السبت بعذاب أليم شديد; بسبب مخالفتهم أمر الله
وخروجهم عن طاعته.
321
ن )(166
سِئي َ
خا ِ
كوُنوا قَِرد َةً َ ه قُل َْنا ل َهُ ْ
م ُ ما ن ُُهوا عَن ْ ُ
ن َ
وا عَ ْ فَل َ ّ
ما عَت َ ْ
فلما تمردت تلك الطائفة ,وتجاوزت ما نهاها الله عنه من عدم
الصيد في يوم السبت ,قال لهم الله :كونوا قردة خاسئين مبعدين
من كل خير ,فكانوا كذلك.
َ
سههوءَ
م ُ
مه ُ ْ
سههو ُن يَ ُ
مه ْ م إ ِل َههى ي َهوْم ِ ال ِْقَيا َ
م هة ِ َ ن عَل َي ْهِه ْك ل َي َب ْعَث َ ّ
ن َرب ّ َوَإ ِذ ْ ت َأذ ّ َ
م )(167 حي ٌه ل َغَُفوٌر َر ِ ريعُ ال ْعَِقا ِ
ب وَإ ِن ّ ُ س ِك لَ َ ن َرب ّ َب إِ ّذا ِ ال ْعَ َ
حا ليبعثن على اليهودما صري ً
واذكر -أيها الرسول -إذ علم ذلك إعل ً
من يذيقهم سوء العذاب والذلل إلى يوم القيامة .إن ربك -أيها َ
من استحقه بسبب كفره ومعصيته ,وإنه الرسول -لسريع العقاب ل ِ َ
لغفور عن ذنوب التائبين ,رحيم بهم.
ُ َ
ن ذ َل ِه َ
ك دو َ
م ُ
من ْهُ ه ْ
ن وَ ِ
حو َ
صههال ِ ُ
م ال ّ من ْهُ ه ْمم ها ً ِ
ضأ َ م فِههي الْر ِ وَقَط ّعْن َههاهُ ْ
ن )(168 جُعو َ م ي َْر ِت ل َعَل ّهُ ْ
سي َّئا ِ
ت َوال ّسَنا ِ م ِبال ْ َ
ح َ وَب َل َوَْناهُ ْ
وفّرقنا بني إسرائيل في الرض جماعات ,منهم القائمون بحقوق
صرون الظالمون لنفسهم ,واختبرنا الله وحقوق عباده ,ومنهم المق ّ
ضا
سَعة في الرزق ,واختبرناهم أي ً
هؤلء بالرخاء في العيش وال ّ
بالشدة في العيش والمصائب والرزايا; رجاء أن يرجعوا إلى طاعة
ربهم ويتوبوا من معاصيه.
َ َ
ن
حي َ
صل ِ ِ جَر ال ْ ُ
م ْ ضيعُ أ ْ
صلةَ إ ِّنا ل ن ُ ِ
موا ال ّ ن ِبال ْك َِتا ِ
ب وَأَقا ُ س ُ
كو َ م ّ
ن يُ َ َوال ّ ِ
ذي َ
)(170
سكون بالكتاب ,ويعملون بما فيه من العقائد والحكام,والذين يتم ّ
ويحافظون على الصلة بحدودها ,ول يضيعون أوقاتها ,فإن الله
يثيبهم على أعمالهم الصالحة ,ول يضيعها.
َ َ
مهها خه ُ
ذوا َ م ُ ة وَظ َن ّههوا أن ّه ُ
ه َواقِهعٌ ب ِهِه ْ ه ظ ُل ّه ٌ م ك َهأن ّ ُ
ل فَوْقَهُ ْ وَإ ِذ ْ ن َت َْقَنا ال ْ َ
جب َ َ
ن )(171 م ت َت ُّقو َما ِفيهِ ل َعَل ّك ُ ْ م ب ُِقوّةٍ َواذ ْك ُُروا َ آت َي َْناك ُ ْ
واذكر -أيها الرسول -إذ رفعنا الجبل فوق بني إسرائيل كأنه سحابة
تظلهم ,وأيقنوا أنه واقع بهم إن لم يقبلوا أحكام التوراة ,وقلنا لهم:
خذوا ما آتيناكم بقوة ,أي اعملوا بما أعطيناكم باجتهاد منكم,
واذكروا ما في كتابنا من العهود والمواثيق التي أخذناها عليكم
بالعمل بما فيه; كي تتقوا ربكم فتنجوا من عقابه.
323
بشيء فيه ,ويزعموا أن حجة الله ما قامت عليهم ,ول عندهم علم
بها ,بل كانوا عنها غافلين.
ن )(174
جُعو َ ت وَل َعَل ّهُ ْ
م ي َْر ِ ص ُ
ل الَيا ِ وَك َذ َل ِ َ
ك ن َُف ّ
صْلنا اليات ,وبي ّّنا فيها ما فعلناه بالمم السابقة ,كذلك
وكما فَ ّ
صل اليات ونبّينها لقومك أيها الرسول; رجاء أن يرجعوا عن نف ّ
شركهم ,وينيبوا إلى ربهم.
ولو شئنا أن نرفع قدره بما آتيناه من اليات لفعلنا ,ولكنه َرك َ َ
ن إلى
ذاته وشهواته على الخرة ,وامتنع عن طاعة الدنيا واتبع هواه ,وآثر ل َ ّ
ل هذا الرجل مثل الكلب ,إن تطرده أو تتركه الله وخالف أمره .فَ َ
مث َ ُ
خرج لسانه في الحالين لهًثا ,فكذلك الذي انسلخ من آيات الله يُ ْ
ت في دعوتك له أو أهملته ,هذا الوصف يظل على كفره إن اجتهد ْ َ
324
-أيها الرسول -وصف هؤلء القوم الذين كانوا ضالين قبل أن تأتيهم
بالهدى والرسالة ,فاقصص -أيها الرسول -أخبار المم الماضية,
ففي إخبارك بذلك أعظم معجزة ,لعل قومك يتدبرون فيما جئتهم
به فيؤمنوا لك.
َ
ن )(177 كاُنوا ي َظ ْل ِ ُ
مو َ م َ ن ك َذ ُّبوا ِبآَيات َِنا وَأنُف َ
سه ُ ْ م ال ّ ِ
ذي َ مث َل ً ال َْقوْ ُ
ساءَ َ
َ
ل القوم الذين ك ّ
ذبوا بحجج الله وأدلته ,فجحدوها, قَب ُ َ
ح مثل مث ُ
وأنفسهم كانوا يظلمونها; بسبب تكذيبهم بهذه الحجج والدلة.
ن)
سهُرو َ م ال ْ َ
خا ِ ل فَهأ ُوْل َئ ِ َ
ك ه ُه ْ ض هل ِ ْ
ن يُ ْ
مه ْ
دي وَ َ ه فَهُهوَ ال ْ ُ
مهْت َه ِ ن ي َهْدِ الل ّ ُ
م ْ
َ
(178
من يوفقه الله لليمان به وطاعته فهو الموّفق ,ومن يخذله فلم
يوفقه فهو الخاسر الهالك ,فالهداية والضلل من الله وحده.
ْ
ن ب َِهههاب ل ي َْفَقُهو َ م قُُلو ٌ س ل َهُ ْلن ِ ن َوا ِ ن ال ْ ِ
ج ّ م ك َِثيرا ً ِ
م ْ جهَن ّ َ وَل ََقد ْ ذ ََرأَنا ل ِ َ
ل َهم قُُلوب ل يْفَقهون بها ول َه ه َ
نل ذا ٌ مآ َن ب ِهَهها وَل َهُ ه ْ
ص هُرو َن ل ي ُب ْ ِ م أعْي ُه ٌَ ُ َ َِ َ ُ ْ ٌ ُ ْ
ن )(179 ُ ْ َ َ ُ ض ّ َ َ َ َ َ ُ
ن ب َِها أوْلئ ِك كالن َْعام ِ ب َ ْ
م الَغافِلو َ ل أوْلئ ِك هُ ْ مأ َ ل هُ ْ مُعو َس َ يَ ْ
من يستحق العذاب في ذب الله فيها َ ولقد خلقنا للنار -التي يع ّ
الخرة -كثيًرا من الجن والنس ,لهم قلوب ل يعقلون بها ,فل
يرجون ثواًبا ول يخافون عقاًبا ,ولهم أعين ل ينظرون بها إلى آيات
الله وأدلته ,ولهم آذان ل يسمعون بها آيات كتاب الله فيتفكروا
ه ما يقال لها ,ول تفهم ما تبصره,
فيها ,هؤلء كالبهائم التي ل ت َْفَق ُ
ول تعقل بقلوبها الخير والشر فتميز بينهما ,بل هم أضل منها; لن
البهائم تبصر منافعها ومضارها وتتبع راعيها ,وهم بخلف ذلك,
أولئك هم الغافلون عن اليمان بالله وطاعته.
َ ن ي ُل ْ ِ َ
ه
مائ ِ ِ
س َ
ن ِفي أ ْ
دو َ
ح ُ عوهُ ب َِها وَذ َُروا ال ّ ِ
ذي َ سَنى َفاد ْ ُح ْ ماُء ال ْ ُ
س َوَل ِل ّهِ ال ْ
ن )(180 مُلو َ
كاُنوا ي َعْ َما َ ن َ جَزوْ َ
سي ُ َْ
325
ولله سبحانه وتعالى السماء الحسنى ,الدالة على كمال عظمته,
وكل أسمائه حسن ,فاطلبوا منه بأسمائه ما تريدون ,واتركوا الذين
مىُيغّيرون في أسمائه بالزيادة أو النقصان أو التحريف ,كأن ُيس ّ
بها من ل يستحقها ,كتسمية المشركين بها آلهتهم ,أو أن يجعل لها
ده الله ول رسوله ,فسوف يجزون جزاء أعمالهم معنى لم ُير ْ
السيئة التي كانوا يعملونها في الدنيا من الكفر بالله ,واللحاد في
أسمائه وتكذيب رسوله.
ُ
ن )(181 حقّ وَب ِهِ ي َعْدُِلو َ
ن ِبال ْ َ
دو َ
ة ي َهْ ُ خل َْقَنا أ ّ
م ٌ ن َ
م ْ
م ّ
وَ ِ
خل َْقنا جماعة فاضلة يهتدون بالحق وي َ ْ
دعون إليه ,وبه ومن الذين َ
يقضون وينصفون الناس ,وهم أئمة الهدى ممن أنعم الله عليهم
باليمان والعمل الصالح.
ن )(182 ث ل ي َعْل َ ُ
مو َ حي ْ ُ
ن َ
م ْ
م ِ
جه ُ ْ
ست َد ْرِ ُ ن ك َذ ُّبوا ِبآَيات َِنا َ
سن َ ْ َوال ّ ِ
ذي َ
والذين ك ّ
ذبوا بآياتنا ,فجحدوها ,ولم يتذكروا بها ,سنفتح لهم أبواب
جا لهم حتى يغتروا بما هم
الرزق ووجوه المعاش في الدنيا ,استدرا ً
فيه ويعتقدوا أنهم على شيء ,ثم نعاقبهم على ِغّرة من حيث ل
يعلمون .وهذه عقوبة من الله على التكذيب بحجج الله وآياته.
ُ
ن )(183
مِتي ٌ ن ك َي ْ ِ
دي َ مِلي ل َهُ ْ
م إِ ّ وَأ ْ
وأمهل هؤلء الذين كذبوا بآياتنا حتى يظنوا أنهم ل يعاقبون,
فيزدادوا كفًرا وطغياًنا ,وبذلك يتضاعف لهم العذاب .إن كيدي
دفع بقوة ول بحيلة.متين ,أي :قوي شديد ل ي ُ ْ
َ
ن )(184
مِبي ٌ ن هُوَ إ ِل ّ ن َ ِ
ذيٌر ُ جن ّةٍ إ ِ ْ
ن ِ
م ْ
م ِ
حب ِهِ ْ
صا ِ
ما ب ِ َ أوَل َ ْ
م ي َت ََفك ُّروا َ
أولم يتفكر هؤلء الذين كذبوا بآياتنا فيتدبروا بعقولهم ,ويعلموا أنه
ليس بمحمد جنون؟ ما هو إل نذير لهم من عقاب الله على كفرهم
به إن لم يؤمنوا ,ناصح مبين.
326
نمه ْه ِخل َهقَ الل ّه ُ
مهها َ ض وَ َ ر
ْ
ت وال َ
َ ِ وا
َ م
َ ه س
ّ ال ت
ِ هو
ه مل َك ُ
َ هي
ه ِ ف روا
ُ م َينظ ُ
ْ أ َوَل َ
شيٍء وأ َن عسههى أ َن يك ُههون قَهد اقْتهرب أ َجل ُهه ِم فَبهأ َ
ه ده ع ب ث دي ه ح ي
ْ َ َ َ َ ُ ْ ِ ّ َ ِ ٍ َْ َ ُ َ ْ َ َ ْ َ ْ َ َ
ن )(185 مُنو َ ي ُؤْ ِ
أولم ينظر هؤلء المكذبون بآيات الله في ملك الله العظيم
وسلطانه القاهر في السموات والرض ,وما خلق الله -ج ّ
ل ثناؤه-
من شيء فيهما ,فيتدبروا ذلك ويعتبروا به ,وينظروا في آجالهم
ت فيهلكوا على كفرهم ,ويصيروا إلى التي عست أن تكون قَُرب َ ْ
عذاب الله وأليم عقابه؟ فبأي تخويف وتحذير بعد تحذير القرآن
يصدقون ويعملون؟
ن )(186
مُهو َ م ِفي ط ُغَْيان ِهِ ْ
م ي َعْ َ هادِيَ ل َ ُ
ه وَي َذ َُرهُ ْ ل الل ّ ُ
ه َفل َ ضل ِ ْ
ن يُ ْ
م ْ
َ
كهم في كفرهم من يضلله الله عن طريق الرشاد فل هادي له ,ويتر ُ َ
يتحيرون ويترددون.
َ َ
مت أعْل َه ُ ه وَل َهوْ ُ
كن ه ُ شههاَء الل ّه ُ ضّرا ً إ ِل ّ َ
ما َ سي ن َْفعا ً َول َ ك ل ِن َْف ِمل ِ ُللأ ْ قُ ْ
َ ن ال ْ َ
شيٌر ن أَنا إ ِل ّ ن َ ِ
ذيٌر وَب َ ِ سوُء إ ِ ْ
سِني ال ّ م ّ ما َ خي ْرِ وَ َ م ْ
ت ِ ست َك ْث َْر ُ
بل ْ ال ْغَي ْ َ
ن )(188 مُنو َ ل َِقوْم ٍ ي ُؤْ ِ
327
ب خير لنفسي ول دفع شر يحل جل ْ ِ
قل -أيها الرسول :-ل أقدُر على َ
بها إل ما شاء الله ,ولو كنت أعلم الغيب لفعلت السباب التي أعلم
ت ما يكون من الشر قبل أن أنها تكّثر لي المصالح والمنافع ,ولّتقي ُ
وف من عقابه ,وأبشريقع ,ما أنا إل رسول الله أرسلني إليكم ,أخ ّ
ما يصدقون بأني رسول الله ,ويعملون بشرعه. بثوابه قو ً
ن إ ِل َي ْهَههاس هك ُ َ
جهَهها ل ِي َ ْ من َْها َزوْ َل ِ جع َ َحد َةٍ وَ َس َوا ِ ٍ ن ن َْف
م ْ م ِخل ََقك ُ ْ ذي َ هُوَ ال ّ ِ
َ
وا الل ّه َ
ه ت د َعَه َمهها أث َْقل َه ْ ت ب ِههِ فَل َ ّمهّر ْ خِفيفا ً فَ َ مل ً َ ح ْ ت َ مل َ ْ
ح َها َ شا َما ت َغَ ّ فَل َ ّ
ن )(189 ري َ
شاك ِ ِ ن ال ّ م ْ ن ِكون َ ّ صاِلحا ً ل َن َ ُن آت َي ْت ََنا َما ل َئ ِ َْرب ّهُ َ
هو الذي خلقكم -أيها الناس -من نفس واحدة ,وهي آدم عليه
خَلق منها زوجها ,وهي حواء; ليأنس بها ويطمئن ,فلما السلم و َ
جامعها -والمراد جنس الزوجين من ذرية آدم -حملت ماًء خفيًفا,
فقامت به وقعدت وأتمت الحمل ,فلما قَُربت ولدتها وأثقلت دعا
حا لنكونن ممنالزوجان ربهما :لئن أعطيتنا بشًرا سوًيا صال ً
يشكرك على ما وهبت لنا من الولد الصالح.
خل َُقو َ
ن )(191 شْيئا ً وَهُ ْ
م يُ ْ خل ُقُ َ
ما ل َ ي َ ْ
ن َ
كو َ أ َي ُ ْ
شرِ ُ
َ
ن )(192
صُرو َ
م َين ُ صًرا وَل َ أنُف َ
سه ُ ْ ن ل َهُ ْ
م نَ ْ طيُعو َ وَل َ ي َ ْ
ست َ ِ
ول تستطيع أن تنصر عابديها أو تدفع عن نفسها سوًءا ,فإذا كانت ل
تخلق شيًئا ,بل هي مخلوقة ,ول تستطيع أن تدفع المكروه عمن
328
ن هذا إل أظلم
يعبدها ,ول عن نفسها ,فكيف ت ُّتخذ مع الله آلهة؟ إ ْ
سَفه.
الظلم وأسفه ال ّ
كهم أ َدعَوتمهوهُ َ
م
مأ ْْ واء عَل َي ْ ُ ْ َ ْ ُ ُ
سه َ
م َ م إ َِلهى ال ُْهه َ
دى ل َ ي َت ّب ُِعهوك ُ ْ عوهُ ْوَِإن ت َد ْ ُ
ن )(193 َ
مُتو َصا ِم َ أنت ُ ْ
وإن ندعوا -أيها المشركون -هذه الصنام التي عبدتموها من دون
الله إلى الهدى ,ل تسمع دعاءكم ول تتبعكم; يستوي دعاؤكم لها
دي ول ُتهدى.
وسكوتكم عنها; لنها ل تسمع ول تبصر ول َته ِ
جيُبوا ْ َ
م فَل ْي َ ْ
س هت َ ِ مَثال ُك ُ ْ
م َفههاد ْ ُ
عوهُ ْ ن الل ّهِ ِ
عَباد ٌ أ ْ دو ِ
من ُن ِ عو َ
ن ت َد ْ ُ ن ال ّ ِ
ذي َ إِ ّ
ن )(194 صادِِقي َ
م َ م ِإن ُ
كنت ُ ْ ل َك ُ ْ
إن الذين تعبدون من غير الله -أيها المشركون -هم مملوكون
لربهم كما أنكم مملوكون لربكم ,فإن كنتم كما تزعمون صادقين
في أنها تستحق من العبادة شيًئا فادعوهم فليستجيبوا لكم ,فإن
صلوا مطلوبكم ,وإل تبين أنكم كاذبون مفتروناستجابوا لكم وح ّ
على الله أعظم الفرية.
329
جلوا بذلك ,فإني ل أبالي بآلهتكم; لعتمادي على
فل تؤخروني وع ّ
حفظ الله وحده.
ن )(196
حي َ ب وَهُوَ ي َت َوَّلى ال ّ
صال ِ ِ ل ال ْك َِتا َ ه ال ّ ِ
ذي ن َّز َ ن وَل ِّيي الل ّ ُ
إِ ّ
ي
ي الله ,الذي يتولى حفظي ونصري ,هو الذي نّزل عل ّ
إن ولي ّ َ
من عباده ,وينصرهم علىالقرآن بالحق ,وهو يتولى الصالحين ِ
أعدائهم ول يخذلهم.
َ
ن
صُرو َ
م َين ُ
سه ُ ْ صَرك ُ ْ
م َول أنُف َ ن نَ ْ
طيُعو َ
ست َ ِ
دون ِهِ ل ي َ ْ
ن ُ
م ْ
ن ِ
عو َ
ن ت َد ْ ُ َوال ّ ِ
ذي َ
)(197
من غير الله من اللهة ل
والذين تدعون -أنتم أيها المشركونِ -
يستطيعون نصركم ,ول يقدرون على نصرة أنفسهم.
مل ن إ ِل َي ْه َ
ك وَهُ ه ْ م َينظ ُهُرو َ
مُعوا وَت ََراهُ ه ْ
س َ م إ َِلى ال ْهُ َ
دى ل ي َ ْ عوهُ ْ
ن ت َد ْ ُ
وَإ ِ ْ
ن )(198 صُرو َ ي ُب ْ ِ
وإن تدعوا -أيها المشركون -آلهتكم إلى الستقامة والسداد ل
منيسمعوا دعاءكم ,وترى -أيها الرسول -آلهة هؤلء المشركين ِ
عبدة الوثان يقابلونك كالناظر إليك وهم ل يبصرون; لنهم ل أبصار
لهم ول بصائر.
َ ْ
ن )(199 ن ال ْ َ
جاهِِلي َ ض عَ ْ مْر ِبال ْعُْر ِ
ف وَأعْرِ ْ خذ ْ ال ْعَْفوَ وَأ ُ
ُ
ل -أيها النبي أنت وأمتك -الفضل من أخلق الناس وأعمالهم ,ولاقْب َ ْ
تطلب منهم ما يشق عليهم حتى ل ينفروا ,وْأمر بكل قول حسن
ل جميل ,وأعرض عن منازعة السفهاء ومساواة الجهلة وفِعْ ٍ
الغبياء.
م)
ميعٌ عَِليه ٌ
سه ِ سهت َعِذ ْ ب ِههالل ّهِ إ ِن ّه ُ
ه َ ن ن َهْزغٌ َفا ْ شهي ْ َ
طا ِ ن ال ّ
م ْ ما َينَزغَن ّ َ
ك ِ وَإ ِ ّ
(200
330
حس منه وإما يصيبّنك -أيها النبي -من الشيطان غضب أو ت ُ ِ
بوسوسة وتثبيط عن الخير أو حث على الشّر ,فالجأ إلى الله
ذا به ,إنه سميع لكل قول ,عليم بكل فعل. مستعي ً
م
هه ْ ن َتهذ َك ُّروا َفهإ ِ َ
ذا ُ شهي ْ َ
طا ِ ن ال ّ
مه ْ
ف ِ م َ
طهائ ِ ٌ سههُ ْ
م ّ وا إ ِ َ
ذا َ ن ات َّق ْ ن ال ّ ِ
ذي َ إِ ّ
ن )(201 صُرو َ مب ْ ِ
ُ
من خلقه ,فخافوا عقابه بأداء فرائضه واجتناب
إن الذين اتقوا الله ِ
نواهيه ,إذا أصابهم عارض من وسوسة الشيطان تذ ّ
كروا ما أوجب
الله عليهم من طاعته ,والتوبة إليه ,فإذا هم منتهون عن معصية
الله على بصيرة ,آخذون بأمر الله ,عاصون للشيطان.
ن )(202
صُرو َ ي ثُ ّ
م ل ي ُْق ِ م ِفي الغَ ّ
دون َهُ ْ
م ّ
م يَ ُ
وان ُهُ ْ
خ َ
وَإ ِ ْ
جار من ضلل النس تمدهم الشياطين وإخوان الشياطين ,وهم الف ّ
سًعا فيدخر شياطين الجن وُ ْمن الجن في الضللة والَغواية ,ول ت ّ
سًعا
دخر شياطين النس وُ ْ ي ,ول ت ّ
دهم شياطين النس في الغ ّ م ّ
في عمل ما توحي به شياطين الجن.
َ ْ
ن
مهه ْ حى إ ِل َ ّ
ي ِ ما ُيو َ
ما أت ّب ِعُ َ جت َب َي ْت ََها قُ ْ
ل إ ِن ّ َ ول ا ْ م ِبآي َةٍ َقاُلوا ل َ ْ ذا ل َ ْ
م ت َأت ِهِ ْ وَإ ِ َ
ن )(203 ة ل َِقوْم ٍ ي ُؤْ ِ
مُنو َ م ٌ
ح َ
دى وََر ْ م وَهُ ً ن َرب ّك ُ ْ
م ْ
صائ ُِر ِذا ب َ َ َرّبي هَ َ
وإذا لم تجئ -أيها الرسول -هؤلء المشركين بآية قالوا :هل أحد َْثتها
واختلقتها من عند نفسك ,قل لهم -أيها الرسول : -إن هذا ليس
ي من لي ,ول يجوز لي فِْعله; لن الله إنما أمرني باتباع ما يوحى إل ّ
جا وبراهين من ربكم, عنده ,وهو هذا القرآن الذي أتلوه عليكم حج ً
وبياًنا يهدي المؤمنين إلى الطريق المستقيم ,ورحمة يرحم الله بها
عباده المؤمنين.
َ
ن )(204
مو َ
ح ُ صُتوا ل َعَل ّك ُ ْ
م ت ُْر َ مُعوا ل َ ُ
ه وَأن ِ ست َ ِ ذا قُرِئَ ال ُْقْرآ ُ
ن َفا ْ وَإ ِ َ
وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له أيها الناس وأنصتوا ,لتعقلوه رجاء أن
يرحمكم الله به.
331
ل ِبال ْغُد ُّو
ن ال َْقوْ ِ
م ْ ن ال ْ َ
جهْرِ ِ دو َ
ة وَ ُ ضّرعا ً وَ ِ
خيَف ً ك تَ َ س َك ِفي ن َْف ِ َواذ ْك ُْر َرب ّ َ
ن )(205 ن ال َْغافِِلي َم ْ
ن ِ ل َول ت َك ُ ْ صا ِ
َوال َ
واذكر -أيها الرسول -ربك في نفسك تخشًعا وتواضًعا لله خائًفا
طا بين الجهر والمخافتة في أول وجل القلب منه ،وادعه متوس ً
النهار وآخره ,ول تكن من الذين ي َغُْفلون عن ذكر الله ,ويلهون عنه
في سائر أوقاتهم.
ه وََلهه ُ
ه حون َ ُ
سههب ّ ُ
عَبههاد َت ِهِ وَي ُ َ
ن ِ
عهه ْ سههت َك ْب ُِرو َ
ن َ عْنههد َ َرّبهه َ
ك ل يَ ْ ن ِ ن اّلهه ِ
ذي َ إِ ّ
ن )(206 دو َج ُ س ُيَ ْ
إن الذين عند ربك من الملئكة ل يستكبرون عن عبادة الله ,بل
ينقادون لوامره ,ويسبحونه بالليل والنهار ,وينزهونه عما ل يليق به,
وله وحده ل شريك له يسجدون.
-8سورة النفال
حوا
صههل ِ ُ
َ
ل َفات ُّقوا الل ّ َ
ه وَأ ْ سو ِ َوالّر ُ ل ل ِل ّهِ ل ال َن َْفا ُ
ل قُ ْ َ
ن الن َْفا ِ ك عَ ْ سأ َُلون َ َيَ ْ
َ
ن )(1 مؤ ْ ِ
مِني َ م ُ ُ
كنت ُ ْ نه إِ ْ سول َ ُه وََر ُ طيُعوا الل ّ َ م وَأ ِ ت ب َي ْن ِك ُ ْ َ
ذا َ
يسألك أصحابك -أيها النبي -عن الغنائم يوم "بدر" كيف تقسمها
ن أمرها إلى الله ورسوله ,فالرسول يتولى بينهم؟ قل لهم :إ ّ
قسمتها بأمر ربه ,فاتقوا عقاب الله ول ت َُقدموا على معصيته,
واتركوا المنازعة والمخاصمة بسبب هذه الموال ,وأصلحوا الحال
بينكم ,والتزموا طاعة الله ورسوله إن كنتم مؤمنين; فإن اليمان
يدعو إلى طاعة الله ورسوله.
ت عَل َي ْهِ ه ْ
م ذا ت ُل ِي َه ْ ت قُل ُههوب ُهُ ْ
م وَإ ِ َ جل َ ْ ذا ذ ُك َِر الل ّ ُ
ه وَ ِ ن إِ َ ن ال ّ ِ
ذي َ ما ال ْ ُ
مؤ ْ ِ
مُنو َ إ ِن ّ َ
332
م ي َت َوَك ُّلو َ
ن )(2 مان َا ً وَعََلى َرب ّهِ ْ
م ِإي َ
ه َزاد َت ْهُ ْ
آيات ُ ُ
كر الله فزعت قلوبهم ,وإذا إنما المؤمنون بالله حًقا هم الذين إذا ذ ُ ِ
تليت عليهم آيات القرآن زادتهم إيماًنا مع إيمانهم ,لتدبرهم لمعانيه
وعلى الله تعالى يتوكلون ,فل يرجون غيره ,ول يرهبون سواه.
ن )(3
فُقو َ ما َرَزقَْناهُ ْ
م ُين ِ م ّ
صلةَ وَ ِ
ن ال ّ
مو َ
ن ي ُِقي ُ ال ّ ِ
ذي َ
الذين يداومون على أداء الصلوات المفروضة في أوقاتها ,ومما
رزقناهم من الموال ينفقون فيما أمرناهم به.
ق
مغِْفهَرةٌ وَرِْز ٌ
م وَ َ
عن ْهد َ َرب ّهِه ْ
ت ِ
جهها ٌ حّقها ً ل َهُه ْ
م د ََر َ ن َ
من ُههو َ م ال ْ ُ
مؤ ْ ِ أ ُوْل َئ ِ َ
ك هُ ْ
م )(4 ري ٌ كَ ِ
هؤلء الذين يفعلون هذه الفعال هم المؤمنون حًقا ظاهًرا وباطًنا
بما أنزل الله عليهم ,لهم منازل عالية عند الله ,وعفو عن ذنوبهم,
ورزق كريم ,وهو الجنة.
ن
هو َ ن لَ َ
كارِ ُ ن ال ْ ُ
مؤ ْ ِ
مِني َ ريقا ً ِ
م ْ ن فَ ِ ك ِبال ْ َ
حقّ وَإ ِ ّ ن ب َي ْت ِ َ
م ْ ك َرب ّ َ
ك ِ ج َ ما أ َ ْ
خَر َ كَ َ
)(5
كما أنكم لما اختلفتم في المغانم فانتزعها الله منكم ,وجعلها إلى
سم رسوله صلى الله عليه وسلم ,كذلك أمرك ربك -أيها سمه وقَ ْ
قَ ْ
عْير قريش ,وذلك بالوحي الذيالنبي -بالخروج من "المدينة" للقاء ِ
أتاك به جبريل مع كراهة فريق من المؤمنين للخروج.
َ
م
ت وَهُ ه ْ ن إ ِل َههى ال ْ َ
م هو ْ ِ سههاُقو َ ن ك َأن ّ َ
مهها ي ُ َ ما ت َب َي ّ َ ك ِفي ال ْ َ
حقّ ب َعْد َ َ جادُِلون َ َ
يُ َ
ن )(6 َينظ ُُرو َ
من بعد ما تبّين
يجادلك -أيها النبي -فريق من المؤمنين في القتال ِ
لهم أن ذلك واقع ,كأنهم يساقون إلى الموت ,وهم ينظرون إليه
عياًنا.
ِ
333
وت هودو َ وإذ ْ يعِدك ُم الل ّهه إحهدى الط ّههائ َِفتي َ
تذا ِ ن غَي ْهَر َ
نأ ّ ََ َ ّ َ ن أن ّهَهها ل َك ُه ْ
م َ َْ ِ ُ ِ ْ َ َِ َ ُ ْ
مههات ِهِ وَي َْقط َهعَ َ
داب ِهَر ب ِك َل ِ َ حهقّ ح هق ّ ا ل ْ َن يُ ِ ريد ُ الل ّ ُ
هأ ْ ن ل َك ُ ْ
م وَي ُ ِ شوْك َةِ ت َ ُ
كو ُ ال ّ
ن )(7 ري َ ال ْ َ
كافِ ِ
واذكروا -أيها المجادلون -وَعْد َ الله لكم بالظ ّْفر بإحدى الطائفتين:
من أرزاق ,أو النفير ,وهو قتال العداء والنتصار العير وما تحمله ِ
عليهم ,وأنتم تحبون الظ ّْفر بالعير دون القتال ,ويريد الله أن يحق
السلم ,وي ُْعليه بأمره إياكم بقتال الكفار ,ويستأصل الكافرين
بالهلك.
ن )(8
مو َ
جرِ ُ ل وَل َوْ ك َرِهَ ال ْ ُ
م ْ ل ال َْباط ِ َ حق ّ ا ل ْ َ
حقّ وَي ُب ْط ِ َ ل ِي ُ ِ
ليعّز الله السلم وأهله ,ويذهب الشرك وأهله ,ولو كره المشركون
ذلك.
عْنههدِ
ن ِ صُر إ ِل ّ ِ
م ْ ما الن ّ ْ ن ب ِهِ قُُلوب ُك ُ ْ
م وَ َ شَرى وَل ِت َط ْ َ
مئ ِ ّ ه إ ِل ّ ب ُ ْه الل ّ ُ جعَل َ ُما َ وَ َ
م )(10 كي ٌ
ح ِزيٌز َ ه عَ ِ ن الل ّ َ الل ّهِ إ ِ ّ
وما جعل الله ذلك المداد إل بشارة لكم بالنصر ,ولتسكن به
قلوبكم ,وتوقنوا بنصر الله لكم ,وما النصر إل من عند الله ,ل
بشدة بأسكم وقواكم .إن الله عزيز في ملكه ,حكيم في تدبيره
وشرعه.
ل عَل َي ْ ُ َ
مههاءً ماءِ َ سهه َ
ن ال ّ مهه ْ
م ِ كهه ْ ه وَي َُنههّز ُ
مْنهه ُ
ة ِمَنهه ً
سأ َ م الن َّعهها َ شههيك ُ ْ إ ِذ ْ ي ُغَ ّ
مط عَل َههى قُل ُههوب ِك ُ ْن وَل ِي َْرب ِه َ طا ِ شهي ْ َ
جهَز ال ّ م رِ ْعنك ُه ْ ب َ م ب ِهِ وَي ُهذ ْهِ َل ِي ُط َهَّرك ُ ْ
م )(11 دا َت ب ِهِ ال َقْ َ وَي ُث َب ّ َ
334
إذ ي ُْلقي الله عليكم النعاس أماًنا منه لكم من خوف عدوكم أن
يغلبكم ,وينزل عليكم من السحاب ماء طهوًرا ,ليطهركم به من
الحداث الظاهرة ,ويزيل عنكم في الباطن وساوس الشيطان
وخواطره ,وليشد ّ على قلوبكم بالصبر عند القتال ,ويثبت به أقدام
المؤمنين بتلبيد الرض الرملية بالمطر حتى ل تنزلق فيها القدام.
سهأ ُل ِْقي
من ُههوا َ
نآ َ م فَث َب ّت ُههوا ال ّه ِ
ذي َ معَك ُه ْ
َ
ك إ َِلى ال ْ َ
ملئ ِك َةِ أّني َ حي َرب ّ َ إ ِذ ْ ُيو ِ
َ ب ال ّ ِ
م
من ْهُ ْ
ضرُِبوا ِ
ق َوا ْضرُِبوا فَوْقَ العَْنا ِ ن ك ََفُروا الّرعْ َ
ب َفا ْ ذي َ ِفي قُُلو ِ
ن )(12 كُ ّ
ل ب ََنا ٍ
إذ يوحي ربك -أيها النبي -إلى الملئكة الذين أمد ّ الله بهم
ووا ُ
المسلمين في غزوة "بدر" أني معكم أعينكم وأنصركم ,فق ّ
عزائم الذين آمنوا ,سألقي في قلوب الذين كفروا الخوف الشديد
صَغار ,فاضربوا -أيها المؤمنون -رؤوس الكفار ,واضربوا والذلة وال ّ
مْفصل.منهم كل طرف و ِ
ذ َل َ َ
ن الّلهه َ
ه سول َ ُ
ه فَإ ِ ّ شاقِقْ الل ّ َ
ه وََر ُ ن يُ َ
م ْ سول َ ُ
ه وَ َ شاّقوا الل ّ َ
ه وََر ُ م َ ك ب ِأن ّهُ ْ ِ
ب )(13 ديد ُ ال ْعَِقا ِ
ش َِ
ضْرب رؤوسهم وأعناقهم وأطرافهم; ذلك الذي حدث للكفار من َ
من يخالف أمر الله ورسوله,
بسبب مخالفتهم لمر الله ورسوله ,و َ
فإن الله شديد العقاب له في الدنيا والخرة.
ن ل ِل ْ َ َ
ب الّنارِ )(14 ن عَ َ
ذا َ ري َ
كافِ ِ ذوُقوهُ وَأ ّ ذ َل ِك ُ ْ
م فَ ُ
جلته لكم -أيها الكافرون المخالفون لوامر
ذلكم العذاب الذي ع ّ
الله ورسوله في الدنيا -فذوقوه في الحياة الدنيا ,ولكم في الخرة
عذاب النار.
م ال َد ْب َههاَر ) َ
حفا ً َفل ت ُوَل ّههوهُ ْ
ن ك ََفُروا َز ْ م ال ّ ِ
ذي َ ذا ل َِقيت ُ ْ
مُنوا إ ِ َ
نآ َ َيا أي َّها ال ّ ِ
ذي َ
(15
335
دقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه ,إذا قابلتم الذين
ص ّ
يا أيها الذين َ
كفروا في القتال متقاربين منكم فل ت ُوَّلوهم ظهوركم ,فتنهزموا
عنهم ,ولكن اثبتوا لهم ,فإن الله معكم وناصركم عليهم.
حّيزا ً إ َِلى فِئ َةٍ فََقد ْ َباَء ومن يول ّهم يومئ ِذ دبره إل ّ متحرفا ً ل ِقتا َ
مت َ َ
ل أو ْ ُ
ِ َ ٍ َ َ ْ ُ َ ِ ْ َ ْ َ ٍ ُْ ُ َ ُ ِ ُ َ َ ّ
صيُر )(16 م ِس ال ْ َ
م وَب ِئ ْ َ
جهَن ّ ُ ن الل ّهِ وَ َ
مأَواهُ َ م ْ
ب ِ
ض ٍ
ب ِغَ َ
ومن ي ُوَّلهم منكم ظهره وقت الزحف إل منعطًفا لمكيدة الكفار أو
منحاًزا إلى جماعة المسلمين حاضري الحرب حيث كانوا ,فقد
استحق الغضب من الله ,ومقامه جهنم ,وبئس المصير والمنقلب.
مههى ن الل ّ َ
ه َر َ ت وَل َك ِ ّ ت إ ِذ ْ َر َ
مي ْ َ مي ْ َ
ما َر َم وَ َ ه قَت َل َهُ ْ
ن الل ّ َ م وَل َك ِ ّم ت َْقت ُُلوهُ ْفَل َ ْ
م )(17 ميعٌ عَِلي ٌ س ِه َ ن الل ّ َ
سنا ً إ ِ ّح َ ه َبلًء َ من ْ ُن ِ مِني َ ي ال ْ ُ
مؤ ْ ِ وَل ِي ُب ْل ِ َ
فلم تقتلوا -أيها المؤمنون -المشركين يوم "بدر" ,ولكن الله قتلهم,
حيث أعانكم على ذلك ,وما رميت حين رميت -أيها النبي -ولكن
الله رمى ,حيث أوصل الرمية التي رميتها إلى وجوه المشركين;
وليختبر المؤمنين بالله ورسوله ويوصلهم بالجهاد إلى أعلى
الدرجات ,ويعّرفهم نعمته عليهم ,فيشكروا له سبحانه على ذلك.
إن الله سميع لدعائكم وأقوالكم ما أسررتم به وما أعلنتم ,عليم
بما فيه صلح عباده.
ن ك َي ْدِ ال ْ َ َ
ن )(18
ري َ
كافِ ِ موهِ ُ ن الل ّ َ
ه ُ ذ َل ِك ُ ْ
م وَأ ّ
من قتل المشركين ورميهم حين انهزموا ,والبلء الحسن هذا الفعل ِ
بنصر المؤمنين على أعدائهم ,هو من الله للمؤمنين ,وأن الله -فيما
طل مكر الكافرين حتى ي َذِّلوا وينقادوا للحق
مب ِ
مضِعف و ُستقبلُ - يُ ْ
أو يهلكوا.
دوا
ن ت َُعو ُم وَإ ِ ْ ل َك ُ ْ خي ٌْر
َ ن َتنت َُهوا فَهُوَح وَإ ِ ْ م ال َْفت ْ ُجاَءك ُ ْ حوا فََقد ْ َ ست َْفت ِ ُن تَ ْ إِ ْ
َ
ن) مههؤْ ِ
مِني َ معَ ال ْ ُ َ الل ّ َ
ه نت وَأ ّشْيئا ً وَل َوْ ك َث َُر ْ م َ م فِئ َت ُك ُ ْ
عنك ُ ْ
ي َن ت ُغْن ِ َ ن َعُد ْ وَل َ ْ
(19
336
إن تطلبوا -أيها الكفار -من الله أن يوقع بأسه وعذابه على
منالمعتدين الظالمين فقد أجاب الله طلبكم ,حين أوقع بكم ِ
عقابه ما كان نكال لكم وعبرة للمتقين ,فإن تنتهوا -أيها الكفار -عن
الكفر بالله ورسوله وقتال نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ,فهو
خير لكم في دنياكم وأخراكم ,وإن تعودوا إلى الحرب وقتال محمد
صلى الله عليه وسلم وقتال أتباعه المؤمنين ن َعُد ْ بهزيمتكم كما
هزمتم يوم "بدر" ,ولن تغني عنكم جماعتكم شيًئا ,كما لم تغن ُ
عنكم يوم "بدر" مع كثرة عددكم وعتادكم وقلة عدد المؤمنين
وعدتهم ,وأن الله مع المؤمنين بتأييده ونصره.
ن )(21
مُعو َ
س َ
م ل يَ ْ
معَْنا وَهُ ْ ن َقاُلوا َ
س ِ كال ّ ِ
ذي َ كوُنوا َ
َول ت َ ُ
ول تكونوا أيها المؤمنون في مخالفة الله ورسوله محمد صلى الله
عليه وسلم كالمشركين والمنافقين الذين إذا سمعوا كتاب الله
يتلى عليهم قالوا :سمعنا بآذاننا ,وهم في الحقيقة ل يتدبرون ما
سمعوا ,ول يفكرون فيه.
ن )(22ن ل ي َعِْقُلو َ م ال ّ ِ
ذي َ م ال ْب ُك ْ ُص ّ عن ْد َ الل ّهِ ال ّ
ب ِ ن َ
شّر الد َّوا ّ إِ ّ
َ َ
م ل َت َوَل ّههوا وَهُ ه ْ
م معَهُ ْ م وَل َهوْ أ ْ
سه َ معَهُ ْ خي ْههرا ً ل ْ
سه َ م َ م الل ّه ُ
ه ِفيهِ ه ْ وَل َهوْ عَل ِه َ
ن )(23 ضو َ معْرِ ُ ُ
337
ولو علم الله في هؤلء خيًرا لسمعهم مواعظ القرآن وعبره حتى
يعقلوا عن الله عز وجل حججه وبراهينه ,ولكنه علم أنه ل خير
فيهم وأنهم ل يؤمنون ,ولو أسمعهم -على الفرض والتقدير -لتوّلوا
دا بعد فهمهم له ,وهم معرضون عنه ,ل دا وعنا ً
عن اليمان قص ً
التفات لهم إلى الحق بوجه من الوجوه.
َ
حِييك ُه ْ
م مهها ي ُ ْ ذا د َعَههاك ُ ْ
م لِ َ ل إِ َ سههو ِ جيُبوا ل ِل ّههِ وَِللّر ُ ست َ ِ
مُنوا ا ْ نآ َ ذي ََيا أي َّها ال ّ ِ
َ َ
ن )(24 شُرو َ ح َه إ ِل َي ْهِ ت ُ ْ
مْرءِ وَقَل ْب ِهِ وَأن ّ ُ
ن ال ْ َ
ل ب َي ْ َحو ُ ن الل ّ َ
ه يَ ُ موا أ ّ َواعْل َ ُ
دقوا بالله رًبا وبمحمد نبًيا ورسول استجيبوا لله
يا أيها الذين ص ّ
وللرسول بالطاعة إذا دعاكم لما يحييكم من الحق ,ففي الستجابة
إصلح حياتكم في الدنيا والخرة ,واعلموا -أيها المؤمنون -أن الله
تعالى هو المتصرف في جميع الشياء ,والقادر على أن يحول بين
النسان وما يشتهيه قلبه ,فهو سبحانه الذي ينبغي أن يستجاب له
إذا دعاكم; إذ بيده ملكوت كل شيء ,واعلموا أنكم ُتجمعون ليوم ل
ريب فيه ,فيجازي كل بما يستحق.
َ
ن الل ّه َ
ه ة َواعْل َ ُ
مههوا أ ّ صه ً
خا ّ من ْك ُه ْ
م َ ن ظ َل َ ُ
مههوا ِ ن ال ّ ِ
ذي َ صيب َ ّ
ة ل تُ َِوات ُّقوا فِت ْن َ ً
ب )(25 ديد ُ ال ْعَِقا ِ ش ِ َ
م بها المسيء وغيره ل واحذروا -أيها المؤمنون -اختباًرا ومحنة ي ُعَ ّ
من باشر الذنب ,بل تصيب الصالحين خص بها أهل المعاعي ول َ يُ َ
معهم إذا قدروا على إنكار الظلم ولم ينكروه ,واعلموا أن الله
شديد العقاب لمن خالف أمره ونهيه.
338
وأطعمكم من الطيبات -التي من جملتها الغنائم ;-لكي تشكروا له
على ما رزقكم وأنعم به عليكم.
مك ُهُرو َ
ن جو َ
ك وَي َ ْ ك أ َوْ ي ُ ْ
خرِ ُ ك أ َوْ ي َْقت ُُلو َ
ن ك ََفُروا ل ِي ُث ْب ُِتو َ ك ال ّ ِ
ذي َ مك ُُر ب ِ َوَإ ِذ ْ ي َ ْ
ن )(30 ري َ خي ُْر ال ْ َ
ماك ِ ِ ه َ ه َوالل ّ ُ مك ُُر الل ّ ُ وَي َ ْ
كة"; واذكر -أيها الرسول -حين يكيد لك مشركو قومك به"م ّ
ليحبسوك أو يقتلوك أو ينفوك من بلدك .ويكيدون لك ,ورد ّ الله
مكرهم عليهم جزاء لهم ,ويمكر الله ,والله خير الماكرين.
339
ن هَ َ
ذا ل هَ َ
ذا إ ِ ْ شاُء ل َُقل َْنا ِ
مث ْ َ معَْنا ل َوْ ن َ َ م آَيات َُنا َقاُلوا قَد ْ َ
س ِ ذا ت ُت َْلى عَل َي ْهِ ْوَإ ِ َ
َ َ
ن )(31 طيُر الوِّلي َ سا ِ إ ِل ّ أ َ
وإذا تتلى على هؤلء الذين كفروا بالله آيات القرآن العزيز قالوا
دا للحق :قد سمعنا هذا من قبل ,لو نشاء لقلنا مثل جهل منهم وعنا ً
هذا القرآن ,ما هذا القرآن الذي تتلوه علينا -يا محمد -إل أكاذيب
الولين.
َ
جههاَرةً مط ِْر عَل َي ْن َهها ِ
ح َ عن ْهدِ َ
ك ف َ هأ ْ ن ِ
م ْ ذا هُوَ ال ْ َ
حقّ ِ ن هَ َ كا َن َ م إِ ْ َقاُلوا الل ّهُ ّ
ب أ َِليم ٍ )(32 ماِء أ َوْ ائ ْت َِنا ب ِعَ َ
ذا ٍ س َن ال ّ م ِْ
واذكر -أيها الرسول -قول المشركين من قومك داعين الله :إن
من عندك فأمطر علينا حجارة منكان ما جاء به محمد هو الحق ِ
السماء ,أو ائتنا بعذاب شديد موجع.
َ
م معَهذ ّب َهُ ْ
م وَهُه ْ ن الل ّه ُ
ه ُ مهها ك َهها َ
م وَ َ
ت ِفيهِه ْ
م وَأن ْه َ ن الل ّه ُ
ه ل ِي ُعَهذ ّب َهُ ْ ما ك َهها َ
وَ َ
ن )(33 ست َغِْفُرو َيَ ْ
ذب هؤلء المشركين ,وأنت -أيها وما كان الله سبحانه وتعالى ليع ّ
ذبهم ,وهم يستغفرون من الرسول -بين ظهران َْيهم ,وما كان الله مع ّ
ذنوبهم.
وما ل َه َ
ما َ
كاُنوا جدِ ال ْ َ
حَرام ِ وَ َ س ِ م ْن ال ْ َن عَ ْ دو َص ّ م يَ ُه وَهُ ْم الل ّ ُ م أل ّ ي ُعَذ ّب َهُ ْ َ َ ُ ْ
َ َ َ
ن )(34 مو َ م ل ي َعْل َ ُ ن أك ْث ََرهُ ْ ن وَل َك ِ ّ ن أوْل َِياؤُهُ إ ِل ّ ال ْ ُ
مت ُّقو َ أوْل َِياَءهُ إ ِ ْ
وكيف ل يستحّقون عذاب الله ,وهم يصدون أولياءه المؤمنين عن
الطواف بالكعبة والصلة في المسجد الحرام؟ وما كانوا أولياء الله,
ن أولياء الله إل الذين يتقونه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه ,ولكن
إ ْ
دعوا لنفسهم أمًرا ,غيرهم أولى به.أكثر الكفار ل يعلمون; فلذلك ا ّ
مهها
ب بِ َ ذوُقوا ال ْعَه َ
ذا َ ة فَ ه ُ مك َههاًء وَت َ ْ
صهدِي َ ً عن ْد َ ال ْب َي ْ ِ
ت إ ِل ّ ُ م ِ
صلت ُهُ ْن َكا َ ما َ وَ َ
ن )(35 م ت َك ُْفُرو َ ُ
كنت ُ ْ
340
وما كان صلتهم عند المسجد الحرام إل صفيًرا وتصفيًقا .فذوقوا
عذاب القتل والسر يوم "بدر" ; بسبب جحودكم وأفعالكم التي ل
ي ُْقدم عليها إل الكفرة ,الجاحدون توحيد ربهم ورسالة نبيهم.
ض ضه ُ َ ل ال ْ َ
جع َ ه َ ن الط ّي ّه ِ ه ال ْ َميَز الل ّ ُ
ه عَلههى ب َعْه ٍ ث ب َعْ َخِبيه َ ب وَي َ ْ
ُ
م ْ ث ِ خِبي َ ل ِي َ ِ
ن )(37 سُرو َ خا ِم ال ْ َك هُ ْ م أوْل َئ ِ َ جهَن ّ َ
ه ِفي َ جعَل َ ُ
ميعا ً فَي َ ْ ج ِ ه َ فَي َْرك ُ َ
م ُ
يحشر الله ويخزي هؤلء الذين كفروا بربهم ,وأنفقوا أموالهم لمنع
الناس عن اليمان بالله والصد عن سبيله; ليميز الله تعالى الخبيث
من الطيب ,ويجعل الله المال الحرام الذي ُأنفق للصد ّ عن دين
ما متراكًبا ,فيجعله في نار جهنم ,هؤلءالله بعضه فوق بعض متراك ً
الكفار هم الخاسرون في الدنيا والخرة.
دوا فََقهد ْ
ن ي َعُههو ُ س هل َ َ
ف وَإ ِ ْ ما قَد ْ َ ن َينت َُهوا ي ُغَْفْر ل َهُ ْ
م َ ن ك ََفُروا إ ِ ْ ل ل ِل ّ ِ
ذي َ قُ ْ
ن )(38 ضت سن ّ ُ َ
ة الوِّلي َ م َ ْ ُ َ
من مشركي قومك: قل -أيها الرسول -للذين جحدوا وحدانية الله ِ
إن ينزجروا عن الكفر وعداوة النبي صلى الله عليه وسلم,
ويرجعوا إلى اليمان بالله وحده وعدم قتال الرسول والمؤمنين,
ب ما قبله .وإن ي َعُد ْج ّ
يغفر الله لهم ما سبق من الذنوب ,فالسلم ي ُ
هؤلء المشركون لقتالك -أيها الرسول -بعد الوقعة التي أوقعتها
341
بهم يوم "بدر" فقد سبقت طريقة الولين ,وهي أنهم إذا كذبوا
واستمروا على عنادهم أننا نعاجلهم بالعذاب والعقوبة.
وا فَهإ ِ ّ
ن ه ل ِل ّهِ فَهإ ِ ْ
ن انت َهَه ْ ن ك ُل ّ ُ
دي ُ
ن ال ّ ة وَي َ ُ
كو َ ن فِت ْن َ ٌ حّتى ل ت َ ُ
كو َ م َ وََقات ُِلوهُ ْ
صيٌر )(39 ن بَ ِمُلو َما ي َعْ َ الل ّ َ
ه بِ َ
ك وصد ّ عنشْر ٌ
وقاتلوا -أيها المؤمنون -المشركين حتى ل يكون ِ
سبيل الله; ول ي ُعْب َد َ إل الله وحده ل شريك له ,فيرتفع البلء عن
عباد الله في الرض ,وحتى يكون الدين والطاعة والعبادة كلها لله
خالصة دون غيره ,فإن انزجروا عن قتنة المؤمنين وعن الشرك
بالله وصاروا إلى الدين الحق معكم ,فإن الله ل يخفى عليه ما
من ترك الكفر والدخول في السلم. يعملون ِ
َ
صيُر )(40 موَْلى وَن ِعْ َ
م الن ّ ِ م ال ْ َ ولك ُ ْ
م ن ِعْ َ م ْ ن الل ّ َ
ه َ وا َفاعْل َ ُ
موا أ ّ ن ت َوَل ّ ْ
وَإ ِ ْ
ما دعوتموهم إليه -أيها المؤمنون- وإن أعرض هؤلء المشركون ع ّ
وا إل الصرار على من اليمان بالله ورسوله وترك قتالكم ,وأب َ ْ
م
قنوا أن الله معينكم وناصركم عليهم .ن ِعْ َ الكفر وقتالكم ,فأي ِ
المعين والناصر لكم ولوليائه على أعدائكم.
342
الجزء العاشر :
َ َ
م من ْك ُه ْ
ل ِ س هَف َ
بأ ْ وى َوالّرك ْه ُ م ِبال ْعُد ْوَةِ ال ُْق ْ
ص َ م ِبال ْعُد ْوَةِ الد ّن َْيا وَهُ ْ إ ِذ ْ أن ْت ُ ْ
ختل َْفت هم فههي ال ْميعههاد ول َك هن ل ِيْقض هي الل ّه َ
نمههرا ً ك َهها َ هأ ْ ُ ِ َ ِ َ ِ ْ َ ِ َ مل ْ َ ُ ْ ِ عدت ّ ْ وا َ وَل َوْ ت َ َ
ن الل ّه َ
ه ن ب َي ّن َهةٍ وَإ ِ ّي عَه ْحه ّن َ
مه ْحي َهها َ
ن ب َي ّن َةٍ وَي َ ْ
ك عَ ْ ن هَل َ َ م ْك َ مْفُعول ً ل ِي َهْل ِ َ َ
م )(42 ميعٌ عَِلي ٌ س ِلَ َ
واذكروا حينما كنتم على جانب الوادي القرب إلى "المدينة",
عير التجارة في مكان وعدوكم نازل بجانب الوادي القصى ,و ِ
أسفل منكم إلى ساحل "البحر الحمر" ,ولو حاولتم أن تضعوا
ن الله جمعكم على غير ميعاد; دا لهذا اللقاء لختلفتم ,ولك ّ
موع ً
خ ْ
ذلن أعدائه بالقتل ليقضي أمًرا كان مفعول بنصر أوليائه ,و ِ
والسر; وذلك ليهلك من هلك منهم عن حجة لله ثبتت له فعاينها
ي عن حجة لله قد ثبتت وظهرت له. من ح ّوقطعت عذره ,وليحيا َ
343
وإن الله لسميع لقوال الفريقين ,ل يخفى عليه شيء ,عليم
بنّياتهم.
َ
م وَل َت ََنههاَزعْت ُ ْ
م شل ْت ُ ْ
م ك َِثيرا ً ل ََف ِ
ك قَِليل ً وَل َوْ أَراك َهُ ْ م َ مَنا ِ
ه ِفي َ م الل ّ ُ
ريك َهُ ْ
إ ِذ ْ ي ُ ِ
َ
دورِ )(43 ص ُت ال ّ ذا ِ م بِ َ
ه عَِلي ٌ م إ ِن ّ ُسل ّ َه َ ن الل ّ َ
مرِ وَل َك ِ ِّفي ال ْ
واذكر -أيها النبي -حينما أراك الله قلة عدد عدوك في منامك,
ويت قلوبهم ,واجترؤوا على حربهم, فأخبرت المؤمنين بذلك ,فق ِ
جُبنتم
ولو أراك ربك كثرة عددهم لتردد أصحابك في ملقاتهم ,و َ
جى من واختلفتم في أمر القتال ,ولكن الله سّلم من الفشل ,ون ّ
عاقبة ذلك .إنه عليم بخفايا القلوب وطبائع النفوس.
َ َ
م م قَِليل ً وَي َُقل ّل ُك ُه ْ
م فِههي أعْي ُن ِهِه ْ م فِههي أعْي ُن ِك ُه ْ م إ ِذ ْ ال ْت ََقي ْت ُه ْ ريك ُ ُ
مههوهُ ْ وَإ ِذ ْ ي ُ ِ
َ َ
ع
جه ُمْفُعول ً وَإ ِل َههى الل ّههِ ت ُْر َ ن َ مرا ً َ
كا َ هأ ْ ي الل ّ ُ
ض َ م ل ِي َْق ِ م ِفي أعْي ُن ِهِ ْ وَي َُقل ّل ُك ُ ْ
موُر )(44 ُ
ال ُ
ضا حينما برز العداء إلى أرض المعركة فرأيتموهم قليل واذكر أي ً
فاجترأتم عليهم ,وقّللكم في أعينهم ,ليتركوا الستعداد لحربكم;
ليقضي الله أمًرا كان مفعول فيتحقق وَعْد ُ الله لكم بالنصر والغلبة,
فكانت كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى .وإلى الله
مصير المور كلها ,فيجازي كل بما يستحق.
َ
ه ك َِثيههرا ً ل َعَل ّك ُه ْ
م ة َفاث ْب ُُتوا َواذ ْك ُهُروا الل ّه َ ذا ل َِقيت ُ ْ
م فِئ َ ً مُنوا إ ِ َ
نآ َ َيا أي َّها ال ّ ِ
ذي َ
ن )(45 حو َ ت ُْفل ِ ُ
دقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه ,إذا لقيتم جماعة يا أيها الذين ص ّ
من أهل الكفر قد استعدوا لقتالكم ,فاثبتوا ول تنهزموا عنهم,
واذكروا الله كثيًرا داعين مبتهلين لنزال النصر عليكم والظ َّفر
بعدوكم; لكي تفوزوا.
َ
صههب ُِروا حك ُ ْ
م َوا ْ شُلوا وَت َذ ْهَ َ
ب ِري ُ عوا فَت َْف َ سول َ ُ
ه َول ت ََناَز ُ ه وََر ُ طيُعوا الل ّ َ وَأ ِ
ن )(46 ري َ
صاب ِ ِ
معَ ال ّ ه َن الل ّ َإِ ّ
344
والتزموا طاعة الله وطاعة رسوله في كل أحوالكم ,ول تختلفوا
فتتفرق كلمتكم وتختلف قلوبكم ,فتضعفوا وتذهب قوتكم ونصركم,
واصبروا عند لقاه العدو .إن الله مع الصابرين بالعون والنصر
والتأييد ,ولن يخذلهم.
َ ً كال ّ ِ
كوُنوا َتَ ُ
ن
دو َ
صه ّ م ب َطههرا وَرَِئاءَ الن ّهها ِ
س وَي َ ُ ن دَِيارِهِ ْ
م ْجوا ِ خَر ُ ن َ ذي َ َول
ط )(47 حي ٌ م ِ
ن ُ مُلو َ
ما ي َعْ َه بِ َل الل ّهِ َوالل ّ ُ
سِبي َِ ن
عَ ْ
ول تكونوا مثل المشركين الذين خرجوا من بلدهم كبًرا ورياًء;
ليمنعوا الناس عن الدخول في دين الله .والله بما يعملون محيط ل
يغيب عنه شيء.
طا َ
سن الن ّهها ِم ْم ِم ال ْي َوْ َب ل َك ُ ْ لل َ
غال ِ َ م وََقا َ مال َهُ ْن أعْ َ شي ْ َ ُ م ال ّ ن ل َهُ ْ
وَإ ِذ ْ َزي ّ َ
ريءٌ ص عََلى عَِقب َي ْهِ وََقا َ
ل إ ِّني ب َ ِ ن ن َك َ َت ال ِْفئ ََتا ِ م فَل َ ّ
ما ت ََراَء ْ جاٌر ل َك ُ ْوَإ ِّني َ
َ َ
ب )(48 ديد ُ ال ْعَِقا ِ ش ِ ه َ ه َوالل ّ ُف الل ّ َ
خا ُ ن إ ِّني أ َ ما ل ت ََروْ َ م إ ِّني أَرى َ من ْك ُ ِْ
موا به,
سن الشيطان للمشركين ما جاؤوا له وما ه ّ واذكروا حين ح ّ
وقال لهم :لن يغلبكم أحد اليوم ,فإني ناصركم ,فلما تقابل
الفريقان :المشركون ومعهم الشيطان ,والمسلمون ومعهم
دبًرا ,وقال للمشركين :إني بريء منكم, م ْ
الملئكة ,رجع الشيطان ُ
دا للمسلمين ,إني إني أرى ما ل ترون من الملئكة الذين جاؤوا مد ً
أخاف الله ,فخذلهم وتبرأ منهم .والله شديد العقاب لمن عصاه ولم
حا.
يتب توبة نصو ً
ن
مهه ْ
م وَ َ ض غَّر هَ ُ
ؤلِء ِدين ُهُ ْ مَر ٌ ن ِفي قُُلوب ِهِ ْ
م َ ن َوال ّ ِ
ذي َ مَنافُِقو َ ل ال ْ ُ
إ ِذ ْ ي َُقو ُ
م )(49 كي ٌح ِزيٌز َ ن الل ّ َ
ه عَ ِ ل عََلى الل ّهِ فَإ ِ ّ ي َت َوَك ّ ْ
واذكروا حين يقول أهل الشرك والنفاق ومرضى القلوب ,وهم
يرون قلة المسلمين وكثرة عدوهم :غّر هؤلء المسلمين ديُنهم,
فأوردهم هذه الموارد ,ولم يدرك هؤلء المنافقون أنه من يتوكل
على الله ويثق بوعده فإن الله لن يخذله ,فإن الله عزيز ل يعجزه
شيء ,حكيم في تدبيره وصنعه.
345
َ
م
م وَأد َْباَرهُ ْ
جوهَهُ ْ
ن وُ ُ
ضرُِبو َ
ة يَ ْ ن ك ََفُروا ال ْ َ
ملئ ِك َ ُ وَل َوْ ت ََرى إ ِذ ْ ي َت َوَّفى ال ّ ِ
ذي َ
ق )(50 ري ِ ب ال ْ َ
ح ِ ذا َ ذوُقوا عَ َ وَ ُ
ولو تعاين -أيها الرسول -حال قبض الملئكة أرواح الكفار وانتزاعها,
وهم يضربون وجوههم في حال إقبالهم ,ويضربون ظهورهم في
حال فرارهم ,ويقولون لهم :ذوقوا العذاب المحرق ,لرأيت أمًرا
ما ،وهذا السياق وإن كان سببه وقعة "بدر" ،ولكنه عام فيعظي ً
حق ك ّ
ل كافر.
َ ْ
م الّله ُ
ه ت الل ّهِ فَأ َ
خهذ َهُ ْ م ك ََفُروا ِبآَيا ِ
ن قَب ْل ِهِ ْ
م ْ
ن ِذي َن َوال ّ ِ
ل فِْرعَوْ َ بآ ِ ك َد َأ ِ
ب )(52 ديد ُ ال ْعَِقا ِ ه قَوِيّ َ
ش ِ ن الل ّ َ ب ِذ ُُنوب ِهِ ْ
م إِ ّ
سّنة الله في عقاب الطغاة من المم ن ما نزل بالمشركين يومئذ ُإ ّ
ذبوا رسل اللهالسابقة من أمثال فرعون والسابقين له ,عندما ك ّ
وجحدوا آياته ,فإن الله أنزل بهم عقابه بسبب ذنوبهم .إن الله قوي
ل ي ُْقهر ,شديد العقاب لمن عصاه ولم يتب من ذنبه.
ك مغَيرا ً ن ِعم ً َ ذ َل َ َ
مهها مَها عََلى قَ هوْم ٍ َ
حت ّههى ي ُغَي ّهُروا َ ة أن ْعَ َ ْ َ م يَ ُ ُ ّه لَ ْن الل ّ َ
ك ب ِأ ّ ِ
َ َ
م )(53 ميعٌ عَِلي ٌ
س ِ
ه َن الل ّ َم وَأ ّ سه ِ ْ
ب ِأنُف ِ
ذلك الجزاء السّيئ بأن الله إذا أنعم على قوم نعمة لم يسلبها
منهم حتى يغّيروا حالهم الطيبة إلى حال سيئة ,وأن الله سميع
لقوال خلقه ,عليم بأحوالهم ،فيجري عليهم ما اقتضاه علمه
ومشيئته.
َ ْ
م فَأهْل َك ْن َههاهُ ْ
م م ك َهذ ُّبوا ِبآي َهها ِ
ت َرب ّهِه ْ ن قَب ْل ِهِ ْ م ْ
ن ِ ن َوال ّ ِ
ذي َ ل فِْرعَوْ َ بآ ِك َد َأ ِ
ن )(54 مي َ كاُنوا َ
ظال ِ ِ ل َ ن وَك ُ ّل فِْرعَوْ َ م وَأ َغَْرقَْنا آ َ
ب ِذ ُُنوب ِهِ ْ
346
شأن هؤلء الكافرين في ذلك كشأن آل فرعون الذين كذبوا
موسى ,وشأن الذين كذبوا رسلهم من المم السابقة فأهلكهم الله
بسبب ذنوبهم ,وأغرق آل فرعون في البحر ,وكل منهم كان فاعل
ما لم يكن له فِعُْله من تكذيبهم رسل الله وجحودهم آياته,
وإشراكهم في العبادة غيره.
ن )(55
مُنو َ ن ك ََفُروا فَهُ ْ
م ل ي ُؤْ ِ عن ْد َ الل ّهِ ال ّ ِ
ذي َ ب ِ ن َ
شّر الد َّوا ّ إِ ّ
ب على الرض عند الله الكفار المصّرون على الكفر,إن شر ما د ّ
فهم ل يصدقون رسل الله ,ول ُيقرون بوحدانيته ,ول يتبعون شرعه.
ن
م ل ي َت ُّقو َ
مّرةٍ وَهُ ْ م ِفي ك ُ ّ
ل َ ن عَهْد َهُ ْ
ضو َ م ثُ ّ
م َينُق ُ من ْهُ ْ
ت ِ
عاهَد ْ َ
ن َ ال ّ ِ
ذي َ
)(56
من أولئك الشرار اليهود الذين دخلوا معك في المعاهدات بأن ل ِ
دا ,ثم ينقضون عهدهم المرة تلو
يحاربوك ول يظاهروا عليك أح ً
المرة ,وهم ل يخافون الله.
ب
حه ّ ن الل ّه َ
ه ل يُ ِ واءٍ إ ِ ّ م عََلى َ
سه َ ة َفان ْب ِذ ْ إ ِل َي ْهِ ْ ن قَوْم ٍ ِ
خَيان َ ً م ْ خافَ ّ
ن ِ ما ت َ َ وَإ ِ ّ
ن )(58 خائ ِِني َ ال ْ َ
وإن خفت -أيها الرسول -من قوم ٍ خيانة ظهرت بوادرها فألق إليهم
عهدهم ,كي يكون الطرفان مستويين في العلم بأنه ل عهد بعد
اليوم .إن الله ل يحب الخائنين في عهودهم الناقضين للعهد
والميثاق.
347
ن )(59
جُزو َ
م ل ي ُعْ ِ ن ك ََفُروا َ
سب َُقوا إ ِن ّهُ ْ ن ال ّ ِ
ذي َ سب َ ّ
ح َ
َول ي َ ْ
وا ,وأن الله ل يقدر
ج ْ
ول يظنن الذين جحدوا آيات الله أنهم فاتوا ون َ
عليهم ,إنهم لن ي ُْفِلتوا من عذاب الله.
عههد ُّو
ن ب ِهِ َل ت ُْرهُِبو َ خي ْ ِ ط ال ْ َن رَِبا ِ م ْ ن قُوّةٍ وَ ِ م ْ
م ِ ست َط َعْت ُ ْما ا ْ م َ دوا ل َهُ ْ وَأ َ ِ
ع ّ
فُقوا ما ُتن ِ
م وَ َ ه ي َعْل َ ُ
مه ُ ْ م الل ّ ُمون َهُ ْ م ل ت َعْل َ ُ دون ِهِ ْ
ن ُم ْ ن ِ ري َ ِ خ
م َوآ َالل ّهِ وَعَد ُوّك ُ ْ
َ
ن )(60 مو َ م ل ت ُظ ْل َ ُ م وَأن ْت ُ ْ ف إ ِل َي ْك ُ ْ
ل الل ّهِ ي ُوَ ّ سِبي ِ يٍء ِفي َ ش ْن َ م ْ ِ
دوا -يا معشر المسلمين -لمواجهة أعدائكم كل ما تقدرون وأع ّ
دخلوا بذلك الرهبة في قلوب أعداء الله من عدد وعدة ,لت ُ ْ
عليه ِ
وأعدائكم المتربصين بكم ,وتخيفوا آخرين ل تظهر لكم عداوتهم
الن ,لكن الله يعلمهم ويعلم ما يضمرونه .وما تبذلوا من مال
وغيره في سبيل الله قليل أو كثيًرا يخلفه الله عليكم في الدنيا,
ويدخر لكم ثوابه إلى يوم القيامة ,وأنتم ل ت ُْنقصون من أجر ذلك
شيًئا.
ميعُ ال ْعَِلي ُ
م س ِ ل عََلى الل ّهِ إ ِن ّ ُ
ه هُوَ ال ّ ح ل ََها وَت َوَك ّ ْ سل ْم ِ َفا ْ
جن َ ْ حوا ِلل ّ
جن َ ُ
ن َوَإ ِ ْ
)(61
م ْ
ل إلى ذلك وإن مالوا إلى ترك الحرب ورغبوا في مسالمتكم ف ِ
ض أمرك إلى الله ,وثق به .إنه هو السميع -أيها النبي -وفَوّ ْ
لقوالهم ,العليم بنّياتهم.
348
مْلكه ,حكيم في
اليمان فأصبحوا إخواًنا متحابين ,إنه عزيز في ُ
أمره وتدبيره.
َ
ن )(64 ن ال ْ ُ
مؤ ْ ِ
مِني َ م ْ ن ات ّب َعَ َ
ك ِ م ْ ك الل ّ ُ
ه وَ َ سب ُ َ
ح ْ
ي َ
َيا أي َّها الن ّب ِ ّ
يا أيها النبي إن الله كافيك ,وكافي الذين معك من المؤمنين شّر
أعدائكم.
َ
ن
ش هُرو َ ع ْم ِمن ْك ُه ْ
ن ِن ي َك ُه ْل إِ ْ ن عََلى ال ِْقت َهها ِ مِني َ مؤ ْ ِض ال ْ ُ حّر ْ ي ََيا أي َّها الن ّب ِ ّ
َ
ن ن ال ّه ِ
ذي َ ة ي َغْل ِب ُههوا أْلفها ً ِ
مه ْ مههائ َ ٌ
م ِ من ْك ُه ْ ن ي َك ُ ْ
ن ِ ن وَإ ِ ْ مائ َت َي ْ ِ
ن ي َغْل ُِبوا ِ صاب ُِرو َ
َ
َ
ن )(65 م ل ي َْفَقُهو َ ك ََفُروا ب ِأن ّهُ ْ
م قَوْ ٌ
ث المؤمنين بك على القتال ,إن يكن منكم عشرون ح ّ
يا أيها النبي ُ
صابرون عند لقاء العدو يغلبوا مائتين منهم ,فإن يكن منكم مائة
عْلم ول فهم
مجاهدة صابرة يغلبوا ألًفا من الكفار; لنهم قوم ل ِ
عندهم لما أعد ّ الله للمجاهدين في سبيله ,فهم يقاتلون من أجل
العلو في الرض والفساد فيها.
عنك ُم وعَل ِ َ
مههائ َ ٌ
ة م ِمن ْك ُه ْ ن ِ ضهْعفا ً فَهإ ِ ْ
ن ي َك ُه ْ م َ ن ِفيك ُه ْ مأ ّ َ ه َ ْ َ ف الل ّ ُ
خّف َ ن َ ال َ
َ َ
ن الّله ِ
ه ن ب ِهإ ِذ ْ ِ ْ م أل ْه ٌ
ف ي َغْل ِب ُههوا ألَفْيه ِ كه ْمن ْ ُ
ن ِ ن يَ ُ
كه ْ مائ َت َي ْ ِ
ن وَإ ِ ْ صاب َِرةٌ ي َغْل ُِبوا ِ
َ
ن )(66 ري َ صاب ِ ِ معَ ال ّه َ ّ
َوالل ُ
الن خفف الله عنكم أيها المؤمنون لما فيكم من الضعف ,فإن
يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين من الكافرين ,وإن يكن منكم
ألف يغلبوا ألفين منهم بإذن الله تعالى .والله مع الصابرين بتأييده
ونصره.
349
إظهار دينه الذي به تدرك الخرة .والله عزيز ل ي ُْقهر ,حكيم في
شرعه.
م )(68
ظي ٌ
ب عَ ِ م عَ َ
ذا ٌ ما أ َ َ
خذ ْت ُ ْ سك ُ ْ
م ِفي َ سب َقَ ل َ َ
م ّ ن الل ّهِ َ
م ْ
ب ِ لَ ْ
ول ك َِتا ٌ
لول كتاب من الله سبق به القضاء والقدر بإباحة الغنيمة وفداء
خذكم الغنيمةالسرى لهذه المة ,لنالكم عذاب عظيم بسبب أ ْ
والفداء قبل أن ينزل بشأنهما تشريع.
م )(69
حي ٌ ن الل ّ َ
ه غَُفوٌر َر ِ حلل ً ط َّيبا ً َوات ُّقوا الل ّ َ
ه إِ ّ م َ ما غَن ِ ْ
مت ُ ْ فَك ُُلوا ِ
م ّ
فكلوا من الغنائم وفداء السرى فهو حلل طيب ,وحافظوا على
أحكام دين الله وتشريعاته .إن الله غفور لعباده ,رحيم بهم.
350
َ َ
ل الل ّهِ سِبي ِ م ِفي َ سه ِ ْ
م وَأنُف ِوال ِهِ ْ
م َ دوا ب ِأ ْ جاهَ ُ جُروا وَ َ ها َ مُنوا وَ َ نآ َ ذي َن ال ّ ِ إِ ّ
َ ُ
م من ُههوا وَل َه ْ نآ َ ذي َ ض َوال ّه ِم أوْل ِي َههاُء ب َعْ ه ٍ ضه ُ ْك ب َعْ ُ صُروا أوْل َئ ِ َ ن آَووا وَن َ َ ذي ََوال ّ ِ
نجُروا وَإ ِ ْ حّتههى ي َُههها ِ يٍء َ شهه ْن َ مهه ْ م ِ ن َولي َت ِِههه ْ مهه ْ م ِ كهه ْمهها ل َ ُ جُروا َ ي َُههها َ
م م وَب َي ْن َهُ ه ْ ص هُر إ ِل ّ عَل َههى قَ هوْم ٍ ب َي ْن َك ُه ْ م الن ّ ْ ن فَعَل َي ْك ُ ْ دي ِ م ِفي ال ّ صُروك ُ ْ سَتن َ ا ْ
صيٌر )(72 ن بَ ِ مُلو َ ما ت َعْ َ ه بِ َ ميَثاقٌ َوالل ّ ُ ِ
دقوا الله ,ورسوله وعملوا بشرعه ,وهاجروا إلى دارإن الذين ص ّ
السلم ,أو بلد يتمكنون فيه من عبادة ربهم ،وجاهدوا في سبيل
الله بالمال والنفس ,والذين أنزلوا المهاجرين في دورهم,
وواسوهم بأموالهم ,ونصروا دين الله ,أولئك بعضهم نصراء بعض.
أما الذين آمنوا ولم يهاجروا من دار الكفر فلستم مكلفين بحمايتهم
ونصرتهم حتى يهاجروا ,وإن وقع عليهم ظلم من الكفار فطلبوا
نصرتكم فاستجيبوا لهم ,إل على قوم بينكم وبينهم عهد مؤكد لم
ينقضوه .والله بصير بأعمالكم ,بجزي كل على قدر نيته وعمله.
صههُروا
ن آَووا وَن َ َ ل الل ّهِ َوال ّ ِ
ذي َ سِبي ِ
دوا ِفي َ جاهَ ُ جُروا وَ َ ها َ
مُنوا وَ َ نآ َ َوال ّ ِ
ذي َ
م )(74 مغِْفَرةٌ وَرِْزقٌ ك َ ِ
ري ٌ م َ حّقا ً ل َهُ ْ
ن َ
مُنو َ م ال ْ ُ
مؤ ْ ِ أ ُوْل َئ ِ َ
ك هُ ْ
والذين آمنوا بالله ورسوله ,وتركوا ديارهم قاصدين دار السلم أو
دا يتمكنون فيه من عبادة ربهم ,وجاهدوا لعلء كلمة الله ,والذين
بل ً
نصروا إخوانهم المهاجرين وآووهم وواسوهم بالمال والتأييد ,أولئك
هم المؤمنون الصادقون حًقا ,لهم مغفرة لذنوبهم ,ورزق كريم
واسع في جنات النعيم.
351
)(75
-9سورة التوبة
ن )(1
كي َ ن ال ْ ُ
م ْ
شرِ ِ م ْ
م ِ
هدت ّ ْ
عا َ
ن َ سول ِهِ إ َِلى ال ّ ِ
ذي َ ن الل ّهِ وََر ُ
م ْ
ب ََراَءةٌ ِ
هذه براءة من الله ورسوله ,وإعلن بالتخلي عن العهود التي كانت
بين المسلمين والمشركين.
زي الّلههِ
جه ِ م غَْيهُر ُ
مع ْ ِ مهوا أ َن ّ ُ
كه ْ ة أَ ْ
شههُرٍ َواعْل َ ُ ض أ َْرب َعَ َ ر
ْ
حوا ِفي ال َ سي ُفَ ِ
ِ َ
ن )(2 ري َ كافِ ِ زي ال ْ َ خ ِ
م ْ ن الل ّ َ
ه ُ وَأ ّ
دة أربعة أشهر ,تذهبون فسيروا -أيها المشركون -في الرض م ّ
حيث شئتم آمنين من المؤمنين ,واعلموا أنكم لن ت ُْفِلتوا من
العقوبة ,وأن الله مذل الكافرين ومورثهم العار في الدنيا ,والنار
في الخرة .وهذه الية لذوي العهود المطلقة غير المؤقتة ,أو من
من كان له عهد مل له أربعة أشهر ،أو َ له عهد دون أربعة أشهر ,فيك ّ
فنقضه.
َ وَأ َ َ
ري هءٌ ن الل ّه َ
ه بَ ِ ج ال َك ْب َهرِ أ ّ ح ّم ال ْ َس ي َوْ َ َ
سول ِهِ إ ِلى الّنا ِ ن الل ّهِ وََر ُ م ْن ِ ذا ٌ
موام َفههاعْل َ ُ ن ت َوَل ّي ْت ُ ْ
م وَإ ِ ْخي ٌْر ل َك ُ ْ
م فَهُوَ َ ه فَإ ِ ْ
ن ت ُب ْت ُ ْ سول ُ ُن وََر ُكي َ شرِ ِم ْ ن ال ْ ُ م ْ ِ
َ َ
ب أِليم ٍ )(3 ذا ٍن ك ََفُروا ب ِعَ َ ذي َشْر ال ّ ِ زي الل ّهِ وَب َ ّ ج ِ مع ْ ِم غَي ُْر ُ أن ّك ُ ْ
352
وإعلم من الله ورسوله وإنذار إلى الناس يوم النحر أن الله بريء
من المشركين ,ورسوله بريء منهم كذلك .فإن رجعتم -أيها
المشركون -إلى الحق وتركتم شرككم فهو خير لكم ,وإن أعرضتم
عن َقبول الحق وأبيتم الدخول في دين الله فاعلموا أنكم لن ت ُْفِلتوا
من عذاب الله .وأنذر -أيها الرسول -هؤلء المعرضين عن السلم
عذاب الله الموجع.
ش هْيئا ً وَل َه ْ
م م َ صههوك ُ ْ
م َينُق ُ م َلهه ْن ث ُه ّ
كي َ
ش هرِ ِ م ْ ن ال ْ ُمه َ ْم ِ عاهَههدت ّ ْ
ن َ إ ِل ّ ال ّه ِ
ذي َ
ظاهروا عَل َيك ُ َ
بحه ّ ن الل ّه َ
ه يُ ِ م إِ ّ م إ َِلى ُ
مد ّت ِهِ ْ م عَهْد َهُ ْموا إ ِل َي ْهِ ْ حدا ً فَأت ِ ّمأ َ ْ ْ يُ َ ِ ُ
ن )(4 مت ِّقي َال ْ ُ
وُيستثنى من الحكم السابق المشركون الذين دخلوا معكم في عهد
محدد بمدة ,ولم يخونوا العهد ,ولم يعاونوا عليكم أحدا من العداء,
فأكملوا لهم عهدهم إلى نهايته المحدودة .إن الله يحب المتقين
دوا ما أمروا به ,واتقوا الشرك والخيانة ,وغير ذلك من
الذين أ ّ
المعاصي.
م
موهُ ْ ج هد ْت ُ ُ
ث وَ َ
حي ْه ُن َ كي َ م ْ
شهرِ ِ م فَههاقْت ُُلوا ال ْ ُ حهُر ُ شههُُر ال ْ ُ خ ال َ ْس هل َ َ
ذا ان َ فَإ ِ َ
َ
موان ت َههاُبوا وَأقَهها ُصهدٍ فَهإ ِ ْمْر َ
ل َ م ك ُه ّدوا ل َهُه ْ م َواقْعُه ُ صُروهُ ْ ح ُم َوا ْ خ ُ
ذوهُ ْ وَ ُ
م )(5 حي ٌ ه غَُفوٌر َر ِن الل ّ َ م إِ ّسِبيل َهُ ْخّلوا َ وا الّز َ
كاةَ فَ َ صلةَ َوآت َ ْ ال ّ
منتم فيها المشركين ,فأعلنوا
فإذا انقضت الشهر الربعة التي أ ّ
الحرب على أعداء الله حيث كانوا ,واقصدوهم بالحصار في
معاقلهم ,وترصدوا لهم في طرقهم ,فإن رجعوا عن كفرهم ودخلوا
السلم والتزموا شرائعه من إقام الصلة وإخراج الزكاة,
فاتركوهم ,فقد أصبحوا إخوانكم في السلم ,إن الله غفور لمن
تاب وأناب ,رحيم بهم.
353
ده من طلع على هدايته ,ثم أ َ ِ
ع ْ طلبه حتى يسمع القرآن الكريم وي ّ
حيث أتى آمًنا; وذلك لقامة الحجة عليه; ذلك بسبب أن الكفار قوم
جاهلون بحقائق السلم ,فربما اختاروه إذا زال الجهل عنهم.
معاهَد ْت ُ ْ
ن َ ذي َسول ِهِ إ ِل ّ ال ّ ِ عن ْد َ الل ّهِ وَ ِ
عن ْد َ َر ُ ن عَهْد ٌ ِ كي َ م ْ
شرِ ِ ن ل ِل ْ ُ
كو ُ ف يَ ُ ك َي ْ َ
ن الل ّه َ
ه م إِ ّموا ل َهُه ْ م َفا ْ
سهت َِقي ُ موا ل َك ُه ْسهت ََقا ُمهها ا ْحهَرام ِ فَ َجدِ ال ْ َ س ِ م ْ عن ْد َ ال ْ َِ
ن )(7 مت ِّقي َب ال ْ ُ ح ّ يُ ِ
ل ينبغي أن يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله ,إل الذين
عاهدتم عند المسجد الحرام في صلح )الحديبية( فما أقاموا على
الوفاء بعهدكم فأقيموا لهم على مثل ذلك .إن الله يحب المتقين
الموّفين بعهودهم.
ضههون َك ُ ْ
م ة ي ُْر ُ م إ ِل ّ َول ذِ ّ
مهه ً م ل ي َْرقُُبههوا ِفي ُ
كهه ْ كهه ْن ي َظ َْهههُروا عَل َي ْ ُ ك َْيهه َ
ف وَإ ِ ْ
َ ْ َ
ن )(8 سُقو َم َفا ِ م وَأك ْث َُرهُ ْ م وَت َأَبى قُُلوب ُهُ ْواهِهِ ْب ِأفْ َ
إن شأن المشركين أن يلتزموا بالعهود ما دامت الغلبة لغيرهم ,أما
إذا شعروا بالقوة على المؤمنين فإنهم ل يراعون القرابة ول العهد,
فل يغرنكم منهم ما يعاملونكم به وقت الخوف منكم ,فإنهم
ما بألسنتهم; لترضوا عنهم ,ولكن قلوبهم تأبى ذلك, يقولون لكم كل ً
وأكثرهم متمردون على السلم ناقضون للعهد.
مهها ك َههاُنوا
سههاءَ َ
م َ
سِبيل ِهِ إ ِن ّهُه ْ
ن َ
دوا عَ ْ منا ً قَِليل ً فَ َ
ص ّ ت الل ّهِ ث َ َ
شت ََرْوا ِبآَيا ِا ْ
ن )(9 مُلو َ ي َعْ َ
استبدلوا بآيات الله عرض الدنيا التافه ,فأعرضوا عن الحق ومنعوا
الراغبين في السلم عن الدخول فيه ,لقد قَُبح فعلهم ,وساء
صنيعهم.
ن )(10
دو َ م ال ْ ُ
معْت َ ُ ة وَأ ُوْل َئ ِ َ
ك هُ ْ ن إ ِل ّ َول ذِ ّ
م ً مؤ ْ ِ
م ٍ ل ي َْرقُُبو َ
ن ِفي ُ
إن هؤلء المشركين حرب على اليمان وأهله ,فل يقيمون وزًنا
لقرابة المؤمن ول لعهده ,وشأنهم العدوان والظلم.
354
َ
صه ُ
ل ن وَن َُف ّ
دي ِ وان ُك ُ ْ
م ِفي ال ه ّ خ َ وا الّز َ
كاةَ فَإ ِ ْ صلةَ َوآت َ ْ
موا ال ّن َتاُبوا وَأَقا ُ فَإ ِ ْ
ن )(11
مو َت ل َِقوْم ٍ ي َعْل َ ُ
الَيا ِ
فإن أقلعوا عن عبادة غير الله ,ونطقوا بكلمة التوحيد ,والتزموا
شرائع السلم من إقام الصلة وإيتاء الزكاة ,فإنهم إخوانكم في
السلم .ونبين اليات ,ونوضحها لقوم ينتفعون بها.
َ َ
ة م فََقههات ُِلوا أئ ِ ّ
مهه َ م وَط َعَُنوا ِفي ِدين ِك ُ ْن ب َعْدِ عَهْدِهِ ْ م ْ م ِ مان َهُ ْ ن ن َك َُثوا أي ْ َ وَإ ِ ْ
َ
ن )(12 م ل َعَل ّهُ ْ
م َينت َُهو َ ن ل َهُ ْ
ما َ م ل أي ْ َ ال ْك ُْفرِ إ ِن ّهُ ْ
ض هؤلء المشركون العهود التي أبرمتموها معهم ,وأظهروا
ن ن ََق َ
وإ ْ
الطعن في دين السلم ,فقاتلوهم فإنهم رؤساء الضلل ,ل عهد
لهم ول ذمة ,حتى ينتهوا عن كفرهم وعداوتهم للسلم.
َ َ
م ب َهد َُءوك ُ ْ
م ل وَهُ ْ سو ِج الّر ُ خَرا ِموا ب ِإ ِ ْم وَهَ ّ وما ً ن َك َُثوا أي ْ َ
مان َهُ ْ ن قَ ْ أل ت َُقات ُِلو َ
ن ُ َ شونهم َفالل ّ َ مّرةٍ أ َت َ ْ أ َوّ َ
ن )(13 مِني َمؤ ْ ِم ُكنت ُ ْ شوْهُ إ ِ ْ خ َن تَ ْ
حقّ أ ْ هأ َ ُ خ َ َُْ ْ ل َ
ل تترددوا في قتال هؤلء القوم الذين نقضوا عهودهم ,وعملوا على
إخراج الرسول من )مكة( ,وهم الذين بدؤوا بإيذائكم أول المر,
أتخافونهم أو تخافون ملقاتهم في الحرب؟ فالله أحق أن تخافوه
إن كنتم مؤمنين حًقا.
َ
فشه ِ م عَل َي ْهِ ه ْ
م وَي َ ْ ص هْرك ُ ْ
م وَي َن ْ ُ
خزِهِه ْم وَي ُ ْديك ُ ْ م الل ّه ُ
ه ب ِأي ْه ِ م ي ُعَهذ ّب ْهُ َْقات ُِلوهُ ْ
ن ه عََلى َ
مه ْ ب الل ّ ُ م وَي َُتو ُظ قُُلوب ِهِ ْب غَي ْ َ ن ) (14وَي ُذ ْهِ ْ مِني َمؤ ْ ِدوَر قَوْم ٍ ُ ص ُُ
م )(15 كي ٌح ِم َ ه عَِلي ٌ شاُء َوالل ّ ُ يَ َ
يا معشر المؤمنين قاتلوا أعداء الله يعذبهم عز وجل بأيديكم,
ل كلمته ,ويشف ويذلهم بالهزيمة والخزي ,وينصركم عليهم ,وي ُعْ ِ
بهزيمتهم صدوركم التي طالما لحق بها الحزن والغم من كيد هؤلء
هب عن قلوب المؤمنين الغيظ .ومن تاب من هؤلء المشركين ,وي ُذ ْ ِ
المعاندين فإن الله يتوب على من يشاء .والله عليم بصدق توبة
ضع تشريعاته لعباده. التائب ,حكيم في تدبيره وصنعه ووَ ْ
355
أ َم حسبت َ
خ ُ
ذوا م وَل َ ْ
م ي َت ّ ِ من ْك ُ ْ
دوا ِ جاهَ ُ
ن َ ه ال ّ ِ
ذي َ م الل ّ ُ ما ي َعْل َ ْ
كوا وَل َ ّ
ن ت ُت َْر ُ
مأ ْ ْ َ ِ ُْ ْ
ن ُ
ملههو َ ما ت َعْ َ خِبيٌر ب ِ َ ه َ ّ
ة َوالل ُ ج ً
ن وَِلي َ مِني َ مؤ ْ ِ ْ
سول ِهِ َول ال ُ ّ
ن اللهِ َول َر ُ دو ِ
ن ُم ْ
ِ
)(16
من سنة الله البتلء ,فل تظنوا يا معشر المؤمنين أن يترككم الله ِ
ما ظاهًرا للخلق الذين أخلصوا في
دون اختبار; ليعلم الله عل ً
جهادهم ,ولم يتخذوا غير الله ورسوله والمؤمنين بطانة وأولياء.
والله خبير بجميع أعمالكم ومجازيكم بها.
َ شركي َ
م ن عَل َههى أنُف ِ
س هه ِ ْ دي َ
شههاهِ ِ جد َ الل ّهِ َ
سا ِ
م َ
مُروا َ ن ي َعْ ُ
نأ ْ م ْ ِ ِ َن ل ِل ْ ُ ما َ
كا َ َ
ن )(17 ُ َ َ َ ُ ْ
ِبالك ُْفرِ أوْلئ ِ َ
دو َخال ِ ُ
م َم وَِفي الّنارِ هُ ْ
مالهُ ْ ت أعْ َ حب ِط ْك َ
ليس من شأن المشركين إعمار بيوت الله ,وهم يعلنون كفرهم
بالله ويجعلون له شركاء .هؤلء المشركون بطلت أعمالهم يوم
القيامة ,ومصيرهم الخلود في النار.
َ
ن ب ِههالل ّهِ
مه َنآ َ مه ْ حهَرام ِ ك َ َجدِ ال ْ َسه ِ
م ْمههاَرةَ ال ْ َ
ع َ
ج وَ ِ ة ال ْ َ
حهها ّ سهَقاي َ َ م ِ جعَل ْت ُ ْأ َ
هل عن ْهد َ الل ّههِ َوالل ّه ُ
ن ِ وو َسهت َ ُل الل ّههِ ل ي َ ْسهِبي ِجاهَد َ فِههي َ خرِ وَ َ َوال ْي َوْم ِ ال ِ
ن )(19 مي َ م ال ّ
ظال ِ ِ دي ال َْقوْ َ ي َهْ ِ
عمارة أجعلتم -أيها القوم -ما تقومون به من سقي الحجيج و ِ
المسجد الحرام كإيمان من آمن بالله واليوم الخر وجاهد في
سبيل الله؟ ل تتساوى حال المؤمنين وحال الكافرين عند الله ,لن
356
الله ل يقبل عمل بغير اليمان .والله سبحانه ل يوفق لعمال الخير
القوم الظالمين لنفسهم بالكفر.
َ َ
م
س هه ِ ْ
م وَأنُف ِ
وال ِهِ ْ الل ّههِ ب ِهأ ْ
م َ لسهِبي ِ
دوا فِههي َ جاهَ ُ وَ َ جُروا ها َ مُنوا وَ َ
نآ َ ذي َ ال ّ ِ
)(20 م ال َْفائ ُِزو َ
ن وَأ ُوْل َئ ِ َ
ك هُ ْ عن ْد َ الل ّهِة ِج ً
م د ََر َأعْظ َ ُ
َ
الذين آمنوا بالله وتركوا دار الكفر قاصدين دار السلم ,وبذلوا
أموالهم وأنفسهم في الجهاد لعلء كلمة الله ,هؤلء أعظم درجه
عند الله ,وأولئك هم الفائزون برضوانه.
م)
مِقي ه ٌ
م ُ ت ل َهُ ْ
م ِفيهَهها ن َِعي ه ٌ جّنا ٍ
ن وَ َ
وا ٍ
ض َ
ه وَرِ ْ
من ْ ُ
مة ٍ ِ
ح َ
م ب َِر ْ
م َرب ّهُ ْ ي ُب َ ّ
شُرهُ ْ
(21
إن هؤلء المؤمنين المهاجرين لهم البشرى من ربهم بالرحمة
الواسعة والرضوان الذي ل سخط بعده ,ومصيرهم إلى جنات الخلد
والنعيم الدائم.
َ َ
م )(22
ظي ٌ
جٌر عَ ِ
عن ْد َهُ أ ْ ن الل ّ َ
ه ِ ن ِفيَها أَبدا ً إ ِ ّ
دي َ
خال ِ ِ
َ
ماكثين في تلك الجنان ل نهاية لقامتهم وتنعمهم ,وذلك ثواب ما
دموه من الطاعات والعمل الصالح في حياتهم الدنيا .إن الله ق ّ
تعالى عنده أجر عظيم لمن آمن وعمل صالحا بامتثال أوامره
واجتناب نواهيه.
خهوانك ُ َ َ
حّبوا
سهت َ َ
نا ْ م أوْل َِيهاَء إ ِ ْ
وَإ ِ ْ َ َ ْ مذوا آَبهاَءك ُ ْ خه ُ مُنهوا ل ت َت ّ ِنآ َ َيا أي َّها ال ّ ِ
ذي َ
ن )(23 مو َ م ال ّ
ظال ِ ُ فَأ ُوْل َئ ِ َ
ك هُ ْ من ْك ُ ْ
م م ِ ن ي َت َوَل ّهُ ْ م ْ ن وَ َ
ما ِ ال ْك ُْفَر عََلى ا ِ
لي َ
دقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه ل تتخذوا أقرباءكم يا أيها الذين ص ّ
-من الباء والخوان وغيرهم -أولياء ,تفشون إليهم أسرار
المسلمين ,وتستشيرونهم في أموركم ,ما داموا على الكفر معادين
ق إليهم المودة فقد عصى الله ْ
للسلم .ومن يتخذهم أولياء وي ُل ِ
ما. ما عظي ً
تعالى ,وظلم نفسه ظل ً
357
َ َ
مشههيَرت ُك ُ ْ م وَعَ ِ كهه ْ ج ُ م وَأْزَوا ُوان ُك ُ ْ
خهه َ
م وَإ ِ ْ م وَأب َْنههاؤُك ُ ْن آَبههاؤُك ُ ْ كهها َ ن َ ُقهه ْ
ل إِ ْ
َ َ
ب ح ّ ضوْن ََها أ َ ن ت َْر َ ُ ساك ِ
م َ ها وَ َ
ساد َ َن كَ َ شو ْ َ خ َ جاَرةٌ ت َ ْ ها وَت ِ َ
مو َ ل اقْت ََرفْت ُ ُ وا ٌَ م
وَأ ْ
إل َيك ُم من الل ّه ورسوله وجهاد في سهبيله فَتربصهوا حتهى يهأ ْ
ي الّله ُ
ه َ ِ ت َ َ ّ َ ِ ِ ِ ََ ّ ُ ِ ََ ُ ِ ِ َ ِ َ ٍ ِ َِْ ْ ِ ْ
ن )(24 سِقي َ م ال َْفا ِ دي ال َْقوْ َ ه ل ي َهْ ِ مرِهِ َوالل ّ ُ ب ِأ ْ
ضلتم الباء والبناء والخوانقل -يا أيها الرسول -للمؤمنين :إن فَ ّ
والزوجات والقرابات والموال التي جمعتموها والتجارة التي
تخافون عدم رواجها والبيوت الفارهة التي أقمتم فيها ,إن فَ ّ
ضلتم
ذلك على حب الله ورسوله والجهاد في سبيله فانتظروا عقاب الله
ونكاله بكم .والله ل يوفق الخارجين عن طاعته.
َ
مكهه ْم ك َث َْرت ُ ُجب َت ْك ُ ْ
ن إ ِذ ْ أعْ َحن َي ْ ٍ
م ُ ن ك َِثيَرةٍ وَي َوْ َ واط ِ َم َ
ه ِفي َ م الل ّ ُ صَرك ُ ْل ََقد ْ ن َ َ
َ
م وَل ّي ْت ُه ْ
م ت ث ُه ّ حب َه ْ مهها َر ُض بِ َم الْر ُ ت عَل َي ْك ُه ْ شهْيئا ً وَ َ
ضههاقَ ْ م َ ن عَن ْك ُ ْم ت ُغْ ِ فَل َ ْ
ن )(25 ري َ مد ْب ِ ِ
ُ
صَره عليكم في مواقع كثيرة عندما أخذتم بالسباب لقد أنزل الله ن َ ْ
وتوكلتم على الله .ويوم غزوة )حنين( قلتم :لن ن ُغْل َ َ
ب اليوم 0من
قلة ,فغّرتكم الكثرة فلم تنفعكم ,وظهر عليكم العدو فلم تجدوا
ملجأ ً في الرض الواسعة ففررتم منهزمين.
جُنودا ً َلهه ْ
م ن وََأنَز َ
ل ُ مؤ ْ ِ
مِني َ سول ِهِ وَعََلى ال ْ ُه عََلى َر ُ كين َت َ ُ
س ِه َ م َأنَز َ
ل الل ّ ُ ثُ ّ
ن )(26 ري َكافِ ِ جَزاُء ال ْ َ ن ك ََفُروا وَذ َل ِ َ
ك َ ذي َب ال ّ ِ ها وَعَذ ّ َ ت ََروْ َ
دهم
ثم أنزل الله الطمأنينة على رسوله وعلى المؤمنين فثبتوا ,وأم ّ
ذب الذين بجنود من الملئكة لم يروها ,فنصرهم على عدوهم ,وع ّ
ذبين لرسوله. دين عن دينه ,المك ّ
كفروا .وتلك عقوبة الله للصا ّ
م )(27
حي ٌ شاُء َوالل ّ ُ
ه غَُفوٌر َر ِ ن يَ َ ك عََلى َ
م ْ ن ب َعْدِ ذ َل ِ َ
م ْ ب الل ّ ُ
ه ِ ثُ ّ
م ي َُتو ُ
من
ومن رجع عن كفره بعد ذلك ودخل السلم فإن الله يقبل توبة َ
يشاء منهم ,فيغفر ذنبه .والله غفور رحيم.
358
َ
جد َسه ِم ْس َفل ي َْقَرب ُههوا ال ْ َجه ٌ ن نَ َكو َ شهرِ ُ م ْ مهها ال ْ ُمن ُههوا إ ِن ّ َ نآ َ ذي َي َهها أي ّهَهها ال ّه ِ
نمه ْه ِم الل ّه ُف ي ُغِْنيك ُه ْ ة فَ َ
س هو ْ َ م عَي ْل َه ًخْفت ُه ْ ن ِ ذا وَإ ِ ْ م ه َه َ مه ِ ْ عا ِم ب َعْد َ َ حَرا َ ال ْ َ
م )(28 كي ٌح ِ م َ ه عَِلي ٌ ن الل ّ َ شاَء إ ِ ّ ن َ فَ ْ
ضل ِهِ إ ِ ْ
خَبث فل تمكنوهم منجس و َ
يا معشر المؤمنين إنما المشركون رِ ْ
القتراب من الحرم بعد هذا العام التاسع من الهجرة ,وإن خفتم
فقًرا لنقطاع غارتهم عنكم ,فإن الله سيعوضكم عنها ,ويكفيكم من
فضله إن شاء ,إن الله عليم بحالكم ,حكيم في تدبير شؤونكم.
م
ح هّر َمهها َ
ن َ مههو َ حّر ُ ن ِبالل ّهِ َول ِبال ْي َوْم ِ ال ِ
خرِ َول ي ُ َ مُنو َ ن ل ي ُؤْ ِذي َ َقات ُِلوا ال ّ ِ
الل ّه ورسول ُه ول يدينون دين ال ْح هق م هن ال ّهذي ُ
حت ّههى
ب َن أوت ُههوا ال ْك ِت َهها َِ َ َ ّ ِ ْ ُ ََ ُ ُ َ َ ِ ُ َ ِ َ
ن )(29 صاِغُرو َ م َ ن ي َدٍ وَهُ ْة عَ ْجْزي َ َطوا ال ْ ِ
ي ُعْ ُ
لقد أشرك اليهود بالله عندما زعموا أن عزيًرا ابن الله .وأشرك
دعوا أن المسيح ابن الله .وهذا القول
النصارى بالله عندما ا ّ
اختلقوه من عند أنفسهم ,وهم بذلك ل يشابهون قول المشركين
ل الله المشركين جميًعا كيف يعدلون عن الحق إلى من قبلهمَ .قات َ َ
الباطل؟
َ
ن ك ُل ّه ِ
ه حقّ ل ِي ُظ ْهَِرهُ عََلى ال ّ
دي ِ ن ال ْ َ ه ِبال ْهُ َ
دى وَِدي ِ سول َ ُ
ل َر ُس َ
ذي أْر َ هُوَ ال ّ ِ
ن )(33 شرِ ُ
كو َ وَل َوْ ك َرِهَ ال ْ ُ
م ْ
دا صلى الله عليه وسلم بالقرآن ودين
هو الذي أرسل رسوله محم ً
السلم; ليعليه على الديان كلها ,ولو كره المشركون دين الحق
-السلم -وظهوره على الديان.
وا َ
ل يا أ َيها ال ّذين آمنوا إن ك َِثيرا ً م هن ال َحبههار والرهْبههان ل َي هأ ْك ُُلو َ
مه َنأ َْ ْ َ ِ َ ّ َ ِ َ ِ ْ ِ َ َ ُ ِ ّ َ َّ
بن الهذ ّهَ َ ن ي َك ْن ِهُزو َذي َ ّ ّ
ل اللههِ َواله ِ سهِبي ِن َ ن ع َه ْ
دو َ
صه ّل وَي َ ُ ْ
س ِبالَباط ِ ِ الّنا
ِ
ب أ َِليم ٍ )(34 م ب ِعَ َ
ذا ٍ شْرهُ ْ ل الل ّهِ فَب َ ّ
سِبي ِفُقون ََها ِفي َ ة َول ُين ِ َوال ِْف ّ
ض َ
دقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه ,إن كثيًرا من ص ّ
يا أيها الذين َ
علماء أهل الكتاب وعُّبادهم ليأخذون أموال الناس بغير حق
كالرشوة وغيرها ,ويمنعون الناس من الدخول في السلم,
ويصدون عن سبيل الله .والذين يمسكون الموال ,ول يؤدون
شرهم بعذاب موجع. خرجون منها الحقوق الواجبة ,فب ّ زكاتها ,ول ي ُ ْ
م
جن ُههوب ُهُ ْ
م وَ ُ
جب َههاهُهُ ْوى ب ِهَهها ِم فَت ُك ْه َجهَن ّه َمههى عَل َي ْهَهها فِههي ن َههارِ َ
ح َم يُ ْ
ي َهوْ َ
ذا ما ك َن َْزت ُم َ
ن )(35 م ت َك ْن ُِزو َ ما ُ
كنت ُ ْ ذوُقوا َ م فَ ُ سك ُ ْلنُف ِ ْ م هَ َ َ وَظ ُُهوُرهُ ْ
360
يوم القيامة توضع قطع الذهب والفضة في النار ,فإذا اشتدت
حرارتها ُأحرقت بها جباه أصحابها وجنوبهم وظهورهم .وقيل لهم
خا :هذا مالكم الذي أمسكتموه ومنعتم منه حقوق الله ,فذوقوا
توبي ً
العذاب الموجع; بسبب كنزكم وإمساككم.
خل َ ه َ
ق م َ ب الل ّههِ ي َهوْ َ شْهرا ً ِفي ك َِتا ِ شَر َ عن ْد َ الل ّهِ اث َْنا عَ َ
شُهورِ ِ عد ّةَ ال ّ ن ِ إِ ّ
م َفل ت َظ ْل ِ ُ
مههوا ن ال َْقي ّه ُدي ُ ك ال ه ّ م ذ َل ِه َ
ح هُر ٌ
ة ُمن َْها أ َْرب َعَه ٌ
ض ِ َ
ت َوالْر َ وا ِ م َ
س َ ال ّ
َ
مههوا ة َواعْل َ ُكافّ ً م َ ما ي َُقات ُِلون َك ُ ْ
ة كَ َ ن َ
كافّ ً كي َشرِ ِ م ْ م وََقات ُِلوا ال ْ ُ سك ُ ْن أن ُْف َ ِفيهِ ّ
َ
ن )(36 مع َ ا ل ْ ُ
مت ِّقي َ ه َ ن الل ّ َ أ ّ
كتب في اللوح المحفوظ اثنا ن عدة الشهور في حكم الله وفيما ُ إ ّ
حُرم; حّرم
عشر شهًرا ,يوم خلق السموات والرض ,منها أربعة ُ
ن القتال )هي :ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب( ذلك الله فيه ّ
هو الدين المستقيم ,فل تظلموا فيهن أنفسكم; لزيادة تحريمها,
ن الظلم في غيرها جائز. وكون الظلم فيها أشد منه في غيرها ,ل أ ّ
وقاتلوا المشركين جميًعا كما يقاتلونكم جميًعا ,واعلموا أن الله مع
أهل التقوى بتأييده ونصره.
عام ها ً
ه َ حل ّههون َ ُ
ن ك ََفهُروا ي ُ ِ ذي َ ل ب ِههِ ال ّه ِ
ض ّ سيُء زَِياد َةٌ ِفي ال ْك ُْفرِ ي ُ َ ما الن ّ ِ إ ِن ّ َ
مههاحل ّههوا َه فَي ُ ِم الل ّه ُ حهّر َ
ما َ عد ّةَ َ واط ُِئوا ِ عاما ً ل ِي ُ َه َ
مون َ ُ
حّر ُعاما ً وَي ُ َ ه َ حّلون َ ُ يُ ِ
َ
ن) م ال ْك َههافِ ِ
ري َ دي ال َْق هوْ َه ل ي َهْ ه ِ م َوالل ّه ُمال ِهِ ْ سوُء أعْ َ م ُ ن ل َهُ ْه ُزي ّ َم الل ّ ُ حّر َ َ
(37
إن الذي كانت تفعله العرب في الجاهلية من تحريم أربعة أشهر
دا بأسماء الشهر التي حّرمها الله,
من السنة عدًدا ل تحدي ً
دمونه ويجعلون مكانه من أشهر الحل ما فيؤخرون بعضها أو يق ّ
أرادوا حسب حاجتهم للقتال ,إن ذلك زيادة في الكفر ,يضل
الشيطان به الذين كفروا ,يحلون الذي أخروا تحريمه من الشهر
ما ,ويحرمونه عاما; ليوافقوا عدد الشهور الربعة ,فيحلوا الربعة عا ً
ما حّرم الله منهاَ .زّين لهم الشيطان العمال السيئة .والله ل يوفق
القوم الكافرين إلى الحق والصواب.
َ
ل الل ّه ِ
ه س هِبي ِ ل ل َك ُه ْ
م انِفهُروا فِههي َ ذا ِقيه َ مهها ل َك ُه ْ
م إِ َ من ُههوا َ
نآ َ َيا أي َّها ال ّ ِ
ذي َ
361
َ َ
ة مَتاعُ ال ْ َ
حَيا ِ خَرةِ فَ َ
ما َ ن ال ِ
م ْ م ِبال ْ َ
حَياةِ الد ّن َْيا ِ ضيت ُ ْ
ض أَر ِ م إ ِلى الْر ِ
اّثاقَل ْت ُ ْ َ
ل )(38 خَرةِ إ ِل ّ قَِلي ٌالد ّن َْيا ِفي ال ِ
دقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه ،ما بالكم إذا قيليا أيها الذين ص ّ
لكم :اخرجوا إلى الجهاد في سبيل الله لقتال أعدائكم تكاسلتم
ولزمتم مساكنكم؟ هل آثرتم حظوظكم الدنيوية على نعيم الخرة؟
فما تستمتعون به في الدنيا قليل زائل ,أما نعيم الخرة الذي أعده
الله للمؤمنين المجاهدين فكثير دائم.
شْيئا ً َ
ضّروهُ َ وما ً غَي َْرك ُ ْ
م َول ت َ ُ ل قَ ْ ذابا ً أِليما ً وَي َ ْ
ست َب ْدِ ْ م عَ َإ ِل ّ َتنِفُروا ي ُعَذ ّب ْك ُ ْ
ديٌر )(39 يٍء قَ ِش ْ ل َ ه عََلى ك ُ َّوالل ّ ُ
ل الله عقوبته بكم,
إن ل تنفروا أيها المؤمنون إلى قتال عدوكم ينز ِ
ويأت بقوم آخرين ينفرون إذ ا است ُْنفروا ,ويطيعون الله ورسوله,
ولن تضروا الله شيًئا بتوّليكم عن الجهاد ,فهو الغني عنكم وأنتم
الفقراء إليه .وما يريده الله يكون ل محالة .والله على كل شيء
قدير من نصر دينه ونبيه دونكم.
362
ملكه ,حكيم في تدبير شؤون عباده .وفي هذه الية منقبة عظيمة
لبي بكر الصديق رضي الله عنه.
َ َ
ل الل ّههِ
سهِبي ِ سهك ُ ْ
م فِههي َ وال ِك ُ ْ
م وَأنُف ِ م َ
دوا ب ِهأ ْجاهِه ُ خَفافا ً وَث َِقال ً وَ َ انِفُروا ِ
ن )(41 مو َم ت َعْل َ ُ ن ُ
كنت ُ ْ م إِ ْ خي ٌْر ل َك ُ ْ ذ َل ِك ُ ْ
م َ
خا فياخرجوا -أيها المؤمنون -للجهاد في سبيل الله شباًبا وشيو ً
العسر واليسر ,على أي حال كنتم ,وأنفقوا أموالكم في سبيل الله,
وقاتلوا بأيديكم لعلء كلمة الله ,ذلك الخروج والبذل خير لكم في
حالكم ومآلكم فافعلوا ذلك وانفروا واستجيبوا لله ورسوله.
ك لِ َ
صهد َُقوا وَت َعْل َه َ
م ن َ ك ال ّه ِ
ذي َ ن َله َ
حت ّههى ي َت َب َي ّه َ ت ل َهُه ْ
م َ م أِذنه َ عََفا الل ّ ُ
ه عَن ْ َ َ
ن )(43 ال ْ َ
كاذِِبي َ
من ت َْرك الولى والكمل,ما وقع منك ِ
عفا الله عنك -أيها النبي -ع ّ
ت لهؤلء َ
وهو إذنك للمنافقين في القعود عن الجهاد ,لي سبب أذِن ْ َ
بالتخلف عن الغزوة ,حتى يظهر لك الذين صدقوا في اعتذارهم
وتعلم الكاذبين منهم في ذلك؟
َ
م فَث َب ّط َهُ ه ْ
م ن ك َرِهَ الل ّ ُ
ه ان ْب ِعَههاث َهُ ْ ه عُد ّةً وَل َك ِ ْ ج ل َعَ ّ
دوا ل َ ُ خُرو َ دوا ال ْ ُوَل َوْ أَرا ُ
ن )(46 دي َ معَ ال َْقا ِ
ع ِ دوا َ ل اقْعُ ُ وَِقي َ
هبوا له
ولو أراد المنافقون الخروج معك -أيها النبي -إلى الجهاد لتأ ّ
ل عليهم الخروج قضاء بالزاد والراحلة ,ولكن الله كره خروجهم فث َُق َ
وقدًرا ,وإن كان أمرهم به شرعا ,وقيل لهم :تخلفوا مع القاعدين
من المرضى والضعفاء والنساء والصبيان.
م خلل َك ُه ْ
م ي َب ْغُههون َك ُ ْ خب َههال ً وَل َوْ َ
ضهُعوا ِ م إ ِل ّ َدوك ُه ْ مهها َزا ُ
م َ جههوا ِفيك ُه ْ خَر ُل َوْ َ
ن )(47 مي َ م ِبال ّ
ظال ِ ِ ه عَِلي ٌ م َوالل ّ ُ ن ل َهُ ْ
عو َ ما ُس ّم َ ة وَِفيك ُ ْال ِْفت ْن َ َ
لو خرج المنافقون معكم -أيها المؤمنون -للجهاد لنشروا
الضطراب في الصفوف والشر والفساد ,ولسرعوا السير بينكم
بالنميمة والبغضاء ,يبغون فتنتكم بتثبيطكم عن الجهاد في سبيل
الله ,وفيكم -أيها المؤمنون -عيون لهم يسمعون أخباركم ,وينقلونها
إليهم .والله عليم بهؤلء المنافقين الظالمين ,وسيجازيهم على
ذلك.
364
لقد ابتغى المنافقون فتنة المؤمنين عن دينهم وصدهم عن سبيل
الله من قبل غزوة )تبوك( ,وكشف أمرهم ,وصّرفوا لك -أيها النبي-
المور في إبطال ما جئت به ,كما فعلوا يوم )أحد( ويوم )الخندق(,
ودّبروا لك الكيد حتى جاء النصر من عند الله ,وأعز جنده ونصر
دينه ,وهم كارهون له.
سهَق ُ َ
ن
طوا وَإ ِ ّ ن ل ِههي َول ت َْفت ِن ّههي أل فِههي ال ِْفت ْن َهةِ َل ائ ْذ َ ْن ي َُقههو ُمه ْ
م َ من ْهُ ْ
وَ ِ
ن )(49 ري َ كافِ ِة ِبال ْ َ
حيط َ ٌ م لَ ُ
م ِ جهَن ّ َ
َ
من هؤلء المنافقين من يطلب الذن للقعود عن الجهاد ويقول :ل و ِ
توقْعني في البتلء بما يعرض لي في حالة الخروج من فتنة
النساء .لقد سقط هؤلء المنافقون في فتنة النفاق الكبرى .فإن
جهنم لمحيطة بالكافرين بالله واليوم الخر ,فل ي ُْفِلت منهم أحد.
نتربهص بك ُه َ
ن
مأ ْ َََ ّ ُ ِ ْ ن
حه ُ ن وَن َ ْ سهن َي َي ْ ِ
ح ْدى ال ْ ُ ن ب ِن َهها إ ِل ّ إ ِ ْ
حه َ صههو َ
ل ت ََترب ّ ُل هَ ْ قُ ْ
َ َ
نصو َ
مت ََرب ّ ُ معَك ُ ْ
م ُ َ صوا إ ِّنا ديَنا فَت ََرب ّ ُعن ْدِهِ أوْ ب ِأي ْ ِ ن ِ م ْب ِ ذا ٍ م الل ّ ُ
ه ب ِعَ َ صيب َك ُ ْيُ ِ
)(52
365
قل لهم -أيها النبي :-هل تنتظرون بنا إل شهادة أو ظفًرا بكم؟
من عنده عاجلة تهلككم أوونحن ننتظر بكم أن يصيبكم الله بعقوبة ِ
بأيدينا فنقتلكم ,فانتظروا إنا معكم منتظرون ما الله فاعل بكل
فريق منا ومنكم.
َ قُ ْ َ
ن) وما ً َفا ِ
سِقي َ م قَ ْ م ُ
كنت ُ ْ م إ ِن ّك ُ ْ
من ْك ُ ْ وعا ً أوْ ك َْرها ً ل َ ْ
ن ي ُت ََقب ّ َ
ل ِ فُقوا ط َ ْ
ل أن ِ
(53
قل -أيها النبي -للمنافقين :أنفقوا أموالكم كيف شئتم ,وعلى أي
حال شئتم طائعين أو كارهين ,لن يقبل الله منكم نفقاتكم; لنكم
قوم خارجون عن دين الله وطاعته.
م ي َْفَرُقو َ
ن )(56 م وَل َك ِن ّهُ ْ
م قَوْ ٌ من ْك ُ ْ
م ِ
ما هُ ْ
م وَ َ م لَ ِ
من ْك ُ ْ ن ِبالل ّهِ إ ِن ّهُ ْ
حل ُِفو َ
وَي َ ْ
ويحلف هؤلء المنافقون بالله لكم أيها المؤمنون كذًبا وباطل إنهم
لمنكم ,وليسوا منكم ,ولكنهم قوم يخافون فيحلفون ت َِقّية لكم.
366
َ ل َو يجدون مل ْ ً َ
ن )(57
حو َ
م ُ
ج َ وا إ ِل َي ْهِ وَهُ ْ
م يَ ْ خل ً ل َوَل ّ ْ
مد ّ َ
ت أو ْ ُ
مَغاَرا ٍ
جأ أو ْ َ
ْ َ ِ ُ َ َ َ
لو يجد هؤلء المنافقون مأمًنا وحصًنا يحفظهم ,أو كهًفا في جبل
يؤويهم ,أو نفًقا في الرض ينجيهم منكم ,لنصرفوا إليه وهم
يسرعون.
ك في الصدَقات فَ هإ ُ
ن ل َه ْ
م ضههوا وَإ ِ ْ ن أعْط ُههوا ِ
من ْهَهها َر ُ ِ ْ ّ َ ِ مُز َ ِن ي َل ْ ِ
م ْ م َ من ْهُ ْ
وَ ِ
ن )(58 خ ُ
طو َ س َ
م يَ ْ
ذا هُ ْمن َْها إ ِ َ
وا ِي ُعْط َ ْ
من يعيبك في قسمة الصدقات ,فإن نالهم نصيب
ومن المنافقين َ
منها رضوا وسكتوا ,وإن لم يصبهم حظ منها سخطوا عليك
وعابوك.
َ
سهي ُؤِْتيَنا سهب َُنا الل ّه ُ
ه َ ح ْه وَقَههاُلوا َ
سههول ُ ُ م الل ّ ُ
ه وََر ُ ما آَتاهُ ْ
ضوا َ م َر ُ وَل َوْ أن ّهُ ْ
ن )(59 ه إ ِّنا إ َِلى الل ّهِ َراِغُبو َسول ُ ُ ن فَ ْ
ضل ِهِ وََر ُ م ْ الل ّ ُ
ه ِ
ولو أن هؤلء الذين يعيبونك في قسمة الصدقات رضوا بما قسم
الله ورسوله لهم ,وقالوا :حسبنا الله ,سيؤتينا الله من فضله,
ويعطينا رسوله مما آتاه الله ,إنا نرغب أن يوسع الله علينا ,فيغنينا
عن الصدقة وعن صدقات الناس .لو فعلوا ذلك لكان خيًرا لهم
وأجدى.
مؤَل َّف ه ِ
ة ن عَل َي َْههها َوال ْ ُ ن َوال َْعهها ِ
مِلي َ كي ِ
سهها ِ
م َ ت ل ِل ُْفَقههَراِء َوال ْ َصههد ََقا ُمهها ال ّ إ ِن ّ َ
لسهِبي ِ ن ال ّ سهِبي ِ ّ ب َوال ْغَههارِ ِ م وَفِههي الّرقَهها ِ قُل ُههوب ُهُ ْ
ل اللههِ وَا ِب ْه ِ ن وَفِههي َ مي َ
م )(60 كي ٌ ح ِ م َ ه عَِلي ٌن الل ّهِ َوالل ّ ُم ْة ِض ًري َ فَ ِ
إنما تعطى الزكوات الواجبة للمحتاجين الذين ل يملكون شيًئا,
وللمساكين الذين ل يملكون كفايتهم ,وللسعاة الذين يجمعونها,
جى إسلمه أو قوة إيمانه أووللذين تؤّلفون قلوبهم بها ممن ي ُْر َ
نفعه للمسلمين ,أو تدفعون بها شّر أحد عن المسلمين ,وتعطى
في عتق رقاب الرقاء والمكاتبين ,وتعطى للغارمين لصلح ذات
البين ,ولمن أثقل َْتهم الديون في غير فساد ول تبذير فأعسروا,
وللغزاة في سبيل الله ,وللمسافر الذي انقطعت به النفقة ,هذه
367
درها .والله عليم بمصالح عباده,
القسمة فريضة فرضها الله وق ّ
حكيم في تدبيره وشرعه.
ن َ
كاُنوا َ يحل ُِفون بالل ّه ل َك ُم ل ِيرضوك ُم والل ّه ورسول ُ َ
ضوهُ إ ِ ْ
ن ي ُْر ُ
حق ّ أ ْ
هأ َْ َ ُ ََ ُ ُ ْ ُْ ُ َ ِ ِ َ ْ
ن )(62 مؤ ْ ِ
مِني َ ُ
ضوا
يحلف المنافقون اليمان الكاذبة ,ويقدمون العذار الملفقة; لُير ُ
ضوهما باليمان بهما المؤمنين ,والله ورسوله أحق وأولى أن ُير ُ
وطاعتهما ,إن كانوا مؤمنين حًقا.
ألم يعلم هؤلء المنافقون أن مصير الذين يحاربون الله ورسوله ناُر
جهنم لهم العذاب الدائم فيها؟ ذلك المصبر هو الهوان والذل
العظيم ,ومن المحاربة أذِّية رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبه
والقدح فيه ,عيا ً
ذا بالله من ذلك.
يحذ َر ال ْمنافُقو َ
ل ما فِههي قُل ُههوب ِهِ ْ
م قُ ه ْ سوَرةٌ ت ُن َب ّئ ُهُ ْ
م بِ َ ل عَل َي ْهِ ْ
م ُ ن ت ُن َّز َنأ ْ َ ُ َ ِ َ ْ ُ
ن )(64 حذ َُرو َما ت َ ْ
ج َ خرِ ٌ م ْ ن الل ّ َ
ه ُ ست َهْزُِئوا إ ِ ّ
ا ْ
368
يخاف المنافقون أن تنزل في شأنهم سورة تخبرهم بما يضمرونه
في قلوبهم من الكفر ,قل لهم -أيها النبي :-استمروا على ما أنتم
عليه من الستهزاء والسخرية ,إن الله مخرج حقيقة ما تحذرون.
ب من ْك ُه ْ
م ن ُعَهذ ّ ْ ن َ
طائ َِف هةٍ ِ ف عَ ْ
ن ن َعْ ُ مان ِك ُ ْ
م إِ ْ ل ت َعْت َذُِروا قَد ْ ك ََفْرت ُ ْ
م ب َعْد َ ِإي َ
ن )(66 م َ َ َ
مي َ جرِ ِم ْكاُنوا ُ ة ب ِأن ّهُ ْ
طائ َِف ً
من اعتذاركم ,قد كفرتم
ل تعتذروا -معشر المنافقين -فل جدوى ِ
بهذا المقال الذي استهزأتم به ,إن نعف عن جماعة منكم طلبت
العفو وأخلصت في توبتها ,نعذب جماعة أخرى بسبب إجرامهم
بهذه المقالة الفاجرة الخاطئة.
ْ
ن ب ِههال ْ ُ
من ْك َرِ وَي َن ْهَ هوْ َ
ن مُرو َ ض َيههأ ُ ن ب َعْ ٍ
م ْم ِ ضه ُ ْ
ت ب َعْ ُ ن َوال ْ ُ
مَنافَِقا ُ ال ْ ُ
مَنافُِقو َ
عَن ال ْمعروف ويْقبضو َ
من هُ ْ
مَنافِِقي َ ن ال ْ ُ م إِ ّ ه فَن َ ِ
سي َهُ ْ سوا الل ّ َم نَ ُ
ن أي ْدِي َهُ ْ
َ ْ ُ ِ ََ ِ ُ َ ْ
ن )(67 سُقو َال َْفا ِ
المنافقون والمنافقات صنف واحد في إعلنهم اليمان واستبطانهم
الكفر ,يأمرون بالكفر بالله ومعصية رسوله وينهون عن اليمان
والطاعة ,ويمسكون أيديهم عن النفقة في سبيل الله ,نسوا الله
فل يذكرونه ,فنسيهم من رحمته ,فلم يوفقهم إلى خير .إن
المنافقين هم الخارجون عن اليمان بالله ورسوله.
ي
ههه َ
ن ِفيَها ِ
دي َ
خال ِ ِ
م َ ت َوال ْك ُّفاَر َناَر َ
جهَن ّ َ مَنافَِقا ِن َوال ْ ُ
مَنافِِقي َ ه ال ْ ُ وَعَد َ الل ّ ُ
م )(68 مِقي ٌ ب ُ م عَ َ
ذا ٌ ه وَل َهُ ْم الل ّ ُ
م وَل َعَن َهُ ْ سب ُهُ ْ
ح ْ
َ
369
وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار بأن مصيرهم إلى نار جهنم
دا ,هي كافيتهم; عقاًبا على كفرهم بالله ,وطردهم
خالدين فيها أب ً
من رحمته ,ولهم عذاب دائم. الله ِ
370
والمؤمنون والمؤمنات بالله ورسوله بعضهم أنصار بعض ,يأمرون
الناس باليمان والعمل الصالح ,وينهونهم عن الكفر والمعاصي,
ويؤدون الصلة ,ويعطون الزكاة ,ويطيعون الله ورسوله ,وينتهون
عما ُنهوا عنه ,أولئك سيرحمهم الله فينقذهم من عذابه ويدخلهم
جنته .إن الله عزيز في ملكه ,حكيم في تشريعاته وأحكامه.
ظ عل َيهم و ْ َ
م
جهَن ّه ُ
م َ ن َواغْل ُ ْ َ ْ ِ ْ َ َ
م هأَواهُ ْ جاهِد ْ ال ْك ُّفاَر َوال ْ ُ
مَنافِِقي َ ي َ
َيا أي َّها الن ّب ِ ّ
صيُر )(73 م ِ س ال ْ َ
وَب ِئ ْ َ
يا أيها النبي جاهد الكفار بالسيف والمنافقين باللسان والحجة,
واشدد على كل الفريقين ,ومقّرهم جهنم ,وبئس المصير مصيرهم.
371
على حالهم ,يعذبهم الله العذاب الموجع في الدنيا على أيدي
المؤمنين ,وفي الخرة بنار جهنم ,وليس لهم منقذ ينقذهم ول ناصر
يدفع عنهم سوء العذاب.
ن
مه ْ
ن ِ ن وَل َن َ ُ
كهون َ ّ ضهل ِهِ ل َن َ ّ
صهد ّقَ ّ ن فَ ْ
مه ْ ه ل َئ ِ ْ
ن آَتاَنها ِ عاهَد َ الّله َ
ن َ
م ْم َ
من ْهُ ْوَ ِ
ن )(75 حي َصال ِ ِ
ال ّ
من يقطع العهد على نفسه :لئن أعطاه الله ومن فقراء المنافقين َ
ن ما يعمل الصالحون في أموالهم,
مل ّ
ن منه ,وليع َ
دق ّ
المال ليص ّ
ن في طريق الصلح. وليسيَر ّ
ن )(76
ضو َ
معْرِ ُ خُلوا ب ِهِ وَت َوَّلوا وَهُ ْ
م ُ ن فَ ْ
ضل ِهِ ب َ ِ م ْ
م ِ فَل َ ّ
ما آَتاهُ ْ
فلما أعطاهم الله من فضله بخلوا بإعطاء الصدقة وبإنفاق المال
في الخير ,وتوّلوا وهم معرضون عن السلم.
َ
دوهُ
ما وَعَ ُ
ه َ ما أ َ ْ
خل َُفوا الل ّ َ م إ َِلى ي َوْم ِ ي َل َْقوْن َ ُ
ه بِ َ م ن َِفاقا ً ِفي قُُلوب ِهِ ْفَأعَْقب َهُ ْ
ن )(77 كاُنوا ي َك ْذُِبو َ
ما َ وَب ِ َ
ن زادهم نفاًقا على نفاقهم ,ل َ
فكان جزاء صنيعهم وعاقبتهم أ ْ
يستطيعون التخلص منه إلى يوم الحساب; وذلك بسبب إخلفهم
الوعد الذي قطعوه على أنفسهم ,وبسبب نفاقهم وكذبهم.
372
م )(79 َ
أِلي ٌ
سَلم المتصدقون من أذاهم; فإذا تصدق ومع بخل المنافغين ل ي َ ْ
الغنياء بالمال الكثير عابوهم واتهموهم بالرياء ,وإذا تصدق الفقراء
بما في طاقتهم استهزؤوا بهم ,وقالوا سخرية منهم :ماذا تجدي
صدقتهم هذه؟ سخر الله من هؤلء المنافقين ,ولهم عذاب مؤلم
موجع.
استغْفر ل َه َ
مهّرةً فَل َه ْ
ن ن َ سهب ِْعي َم َ سهت َغِْفْر ل َُهه ْ
ن تَ ْ
م إِ ْست َغِْفْر ل َهُه ْ
َ
م أو ْ ل ت َ ْ ْ َ ِ ْ ُ ْ
مدي ال َْق هوْ َ سول ِهِ َوالل ّه ُ
ه ل ي َهْ ه ِ م ك ََفُروا ِبالل ّهِ وََر ُ ك ب ِأن ّهُ ْم ذ َل ِ َه ل َهُ ْي َغِْفَر الل ّ ُ
ن )(80 سِقي َ ال َْفا ِ
استغفر -أيها الرسول -للمنافقين أو ل تستغفر لهم ,فلن يغفر الله
لهم ,مهما كثر استغفارك لهم وتكرر; لنهم كفروا بالله ورسوله.
والله سبحانه وتعالى ل يوفق للهدى الخارجين عن طاعته.
َ
دواجاهِه ُ ن يُ َل الل ّههِ وَك َرِهُههوا أ ْ
سههو ِ
ف َر ُ
خل َ م ِ مْقعَهدِهِ ْن بِ َخل ُّفو َ ح ال ْ ُ
م َ فَرِ َ
َ َ
حّر قُ ه ْ
ل ن َههاُر ل الل ّهِ وََقاُلوا ل َتنِفُروا ِفي ال ْ َسِبي ِم ِفي َ سه ِ ْم وَأنُف ِ وال ِهِ ْ م َ
ب ِأ ْ
ن )(81 حّرا ً ل َوْ َ
كاُنوا ي َْفَقُهو َ شد ّ َم أَ َ جهَن ّ َ َ
فرح المخلفون الذين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
بقعودهم في )المدينة( مخالفين لرسول الله صلى الله عليه
وسلم ,وكرهوا أن يجاهدوا معه بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله,
وقال بعضهم لبعض :ل تنفروا في الحّر ,وكانت غزوة )تبوك( في
وقت شدة الحّر .قل لهم -أيها الرسول :-نار جهنم أشد حًرا ,لو
كانوا يعلمون ذلك.
ن )(82 كاُنوا ي َك ْ ِ
سُبو َ ما َ كوا ك َِثيرا ً َ
جَزاءً ب ِ َ كوا قَِليل ً وَل ْي َب ْ ُ
ح ُ فَل ْي َ ْ
ض َ
فليضحك هؤلء المنافقون الذين تخلفوا عن رسول الله في غزوة
)تبوك( قليل في حياتهم الدنيا الفانية ,وليبكوا كثيًرا في نار جهنم;
جزاًء بما كانوا يكسبون في الدنيا من النفاق والكفر.
373
نل ل َه ْ
ج فَُق ه ْ
ِ خ هُرو س هت َأ ْذ َُنو َ
ك ل ِل ْ ُ م َفا ْ من ْهُ ه ْ ه إ ِل َههى َ
طائ َِف هةٍ ِ ك الل ّ ُ
جع َ َن َر َفَإ ِ ْ
َ
م ب ِههال ُْقُعودِ أوّ َ َ
ل ضههيت ُ ْ م َر ِمِعي عَد ُوّا ً إ ِن ّك ُه ْ ن ت َُقات ُِلوا َ
مِعي أَبدا ً وَل َ ْ جوا َ خُر ُ تَ ْ
ن )(83 خال ِِفي َ معَ ال ْ َ دوا َمّرةٍ َفاقْعُ ُ َ
من غزوتك إلى جماعة من المنافقين دك الله -أيها الرسولِ -
ن َر ّ
فإ ْ
الثابتين على النفاق ,فاستأذنوك للخروج معك إلى غزوة أخرى بعد
دا في غزوة من غزوة )تبوك( فقل لهم :لن تخرجوا معي أب ً
الغزوات ,ولن تقاتلوا معي عدًوا من العداء; إنكم رضيتم بالقعود
أول مرة ,فاقعدوا مع الذين تخلفوا عن الجهاد مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم.
َ َ
م عَل َههى قَب ْهرِهِ إ ِن ّهُه ْ
م ك ََف هُروا ت أَبدا ً َول ت َُق ْما َم َمن ْهُ ْ ل عََلى أ َ
حدٍ ِ ص ّ
َول ت ُ َ
ن )(84 سُقو َ م َفا ِماُتوا وَهُ ْ ِبالل ّهِ وََر ُ
سول ِهِ وَ َ
دا على أحد مات من المنافقين ,ول تقم ول تص ّ
ل -أيها الرسول -أب ً
على قبره لتدعو له; لنهم كفروا بالله تعالى وبرسوله صلى الله
م
عليه وسلم وماتوا وهم فاسقون .وهذا حكم عام في كل من عُل ِ َ
نفاقه.
ست َأ ْذ َن َ َ
ك أ ُوُْلوا سول ِهِ ا ْ
معَ َر ُ
دوا َ مُنوا ِبالل ّهِ وَ َ
جاهِ ُ نآ ِ
َ
سوَرةٌ أ ْ ت ُ
وإ َ ُ
ذا أنزِل َ ْ َِ
ن )(86 دي َ
ع ِ ْ
معَ الَقا ِ ن َ ُ
م وََقالوا ذ َْرَنا ن َك ُ ْ
من ْهُ ْ
ل ِ ّ
الطوْ ِ
وإذا أنزلت سورة على محمد صلى الله عليه ولم تأمر باليمان
بالله والخلص له والجهاد مع رسول الله ,طلب الذن منك -أيها
الرسول -أولو اليسار من المنافقين ,وقالوا :اتركنا مع القاعدين
العاجزين عن الخروج.
374
َ
ن)
م ل ي َْفَقُهههو َ ف وَط ُب ِعَ عََلى قُُلوب ِهِ ْ
م فَُههه ْ وال ِ ِ مع َ ال ْ َ
خ َ ن يَ ُ
كوُنوا َ ضوا ب ِأ ْ
َر ُ
(87
رضي هؤلء المنافقون لنفسهم بالعار ,وهو أن يقعدوا في البيوت
مع النساء والصبيان وأصحاب العذار ,وختم الله على قلوبهم;
بسبب نفاقهم وتخلفهم عن الجهاد والخروج مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم في سبيل الله ,فهم ل يفقهون ما فيه صلحهم
ورشادهم.
َ
ن ك َهذ َُبوا الل ّه َ
ه م وَقَعَهد َ ال ّه ِ
ذي َ ن ل َهُه ْ
ب ل ِي ُهؤْذ َ َ
ن العَْرا ِ م ْ ن ِ جاَء ال ْ ُ
معَذ ُّرو َ وَ َ
َ
م )(90 ب أِلي ٌذا ٌم عَ َ ن ك ََفُروا ِ
من ْهُ ْ ب ال ّ ِ
ذي َ صي ُ
سي ُ ِه َ سول َ ُ
وََر ُ
وجاء جماعة من أحياء العرب حول )المدينة( يعتذرون إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم ,ويبينون له ما هم فيه من الضعف وعدم
القدرة على الخروج للغزو ,وقعد قوم بغير عذر أظهروه جرأة على
رسول الله صلى الله عليه وسلم .سيصيب الذين كفروا من هؤلء
عذاب أليم في الدنيا بالقتل وغيره ,وفي الخرة بالنار.
375
مهها
ن َ دو َ
جهه ُ
ن ل يَ ِذي َضى َول عََلى ال ّ ِ مْر َ ضعََفاِء َول عََلى ال ْ َ س عََلى ال ّ ل َي ْ َ
ل
سههِبي ٍن َمهه ْن ِسِني َ
ح ِ م ْ ما عََلى ال ْ ُ حوا ل ِل ّهِ وََر ُ
سول ِهِ َ ص ُ ج إِ َ
ذا ن َ َ حَر ٌ
ن َفُقو َ ُين ِ
م )(91 حي ٌه غَُفوٌر َر َِوالل ّ ُ
من الضعفاء والمرضى والفقراء الذين ل ليس على أهل العذار ِ
يملكون من المال ما يتجهزون به للخروج إثم في القعود إذا
من أحسن ممن أخلصوا لله ورسوله ,وعملوا بشرعه ,ما على َ
منعه العذر عن الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ,وهو
من قِب َِله ويؤاخذ عليه .والله
ناصح لله ولرسوله من طريق يعاقب ِ
غفور للمحسنين ,رحيم بهم.
َ ك وه ُ َ ْ
ع
م َ ن يَ ُ
كوُنوا َ م أغْن َِياُء َر ُ
ضوا ب ِأ ْ ست َأذُِنون َ َ َ ْ
ن يَ ْ ل عََلى ال ّ ِ
ذي َ سِبي ُ
ما ال ّ إ ِن ّ َ
ن )(93 مو َ م ل ي َعْل َ ُ ه عََلى قُُلوب ِهِ ْ
م فَهُ ْ ف وَط َب َعَ الل ّ ُ وال ِ ِ
خ َ ال ْ َ
إنما الثم واللوم على الغنياء الذين جاءوك -أيها الرسول -يطلبون
الذن بالتخلف ,وهم المنافقون الغنياء اختاروا لنفسهم القعود مع
النساء وأهل العذار ,وختم الله على قلوبهم بالنفاق ,فل يدخلها
إيمان ,فهم ل يعلمون سوء عاقبتهم بتخلفهم عنك وتركهم الجهاد
معك.
376
الجزء الحادي عشر :
م قَد ْ ن َب ّأ ََنا
ن ل َك ُ ْ ن ُؤْ ِ
م َ نل ل ت َعْت َذُِروا ل َ ْ م قُ ْ م إ ِل َي ْهِ ْ
جعْت ُ ْذا َر َ م إِ َن إ ِل َي ْك ُ ْ
ي َعْت َذُِرو َ
ن إ َِلى َ َ
عههال ِم ِ دو َ ت َُر ّ ه ثُ ّ
م سول ُ ُ
م وََر ُ مل َك ُ ْه عَ َ سي ََرى الل ّ ُ م وَ َ خَبارِك ُ ْ نأ ْ م ْ
ه ِ الل ّ ُ
ن )(94 مُلو َ م ت َعْ َ ما ُ
كنت ُ ْ م بِ َشَهاد َةِ فَي ُن َب ّئ ُك ُ ْ ب َوال ّ ال ْغَي ْ ِ
يعتذر إليكم -أيها المؤمنون -هؤلء المتخلفون عن جهاد المشركين
من جهادكم من غزوة )تبوك( ,قل لهم بالكاذيب عندما تعودون ِ
-أيها الرسول :-ل تعتذروا لن نصدقكم فيما تقولون ,قد نبأنا الله
من أمركم ما حقق لدينا كذبكم ,وسيرى الله عملكم ورسوله ,إن
كنتم تتوبون من نفاقكم ,أو تقيمون عليه ,وسُيظهر للناس أعمالكم
في الدنيا ,ثم ترجعون بعد مماتكم إلى الذي ل تخفى عليه بواطن
أموركم وظواهرها ,فيخبركم بأعمالكم كلها ,ويجازيكم عليها.
َ
م فَأعْرِ ُ
ضههوا ضههوا عَن ْهُه ْ م ل ِت ُعْرِ ُم إ ِل َي ْهِه ْ
ذا انَقل َب ْت ُه ْ ن ب ِههالل ّهِ ل َك ُه ْ
م إِ َ حل ُِفو َ سي َ ْ
َ
ْ
ن )(95 سُبو َ كاُنوا ي َك ْ ِ
ما َ جَزاًء ب ِ َ م َجهَن ّ ُ م َمأَواهُ ْ س وَ َ ج ٌ م رِ ْ م إ ِن ّهُ ْعَن ْهُ ْ
سيحلف لكم المنافقون بالله -كاذبين معتذرين -إذا رجعتم إليهم
من الغزو; لتتركوهم دون مساءلة ,فاجتنبوهم وأعرضوا عنهم
احتقاًرا لهم ,إنهم خبثاء البواطن ,ومكانهم الذي يأوون إليه في
الخرة نار جهنم; جزاء بما كانوا يكسبون من الثام والخطايا.
ن
ضى عَ ْ ن الل ّ َ
ه ل ي َْر َ م فَإ ِ ّ
وا عَن ْهُ ْ
ض ْ م فَإ ِ ْ
ن ت َْر َ وا عَن ْهُ ْ
ض ْ ن ل َك ُ ْ
م ل ِت َْر َ حل ُِفو َ
يَ ْ
ن )(96 سِقي َ ال َْقوْم ِ ال َْفا ِ
ضوا عنهم,
يحلف لكم -أيها المؤمنون -هؤلء المنافقون كذًبا; لَتر َ
فإن رضيتم عنهم -لنكم ل تعلمون كذبهم -فإن الله ل يرضى عن
هؤلء وغيرهم ممن استمروا على الفسوق والخروج عن طاعة الله
ورسوله.
377
م )(97
كي ٌ
ح ِ
م َ سول ِهِ َوالل ّ ُ
ه عَِلي ٌ َر ُ
العراب سكان البادية أشد كفًرا ونفاًقا من أهل الحاضرة ,وذلك
لجفائهم وقسوة قلوبهم وُبعدهم عن العلم والعلماء ,ومجالس
الوعظ والذكر ,فهم لذلك أحق بأن ل يعلموا حدود الدين ,وما أنزل
الله من الشرائع والحكام .والله عليم بحال هؤلء جميًعا ,حكيم في
تدبيره لمور عباده.
َ
م الد َّوائ َِر عَل َي ْهِ ه ْ
م مغَْرما ً وَي َت ََرب ّ ُ
ص ب ِك ُ ْ ما ُينِفقُ َخذ ُ َن ي َت ّ ِ
م ْ ب َ ن العَْرا ِ م ْ
وَ ِ
م )(98 ميعٌ عَِلي ٌس ِ ه َ سوِْء َوالل ّ ُدائ َِرةُ ال ّ
َ
من يحتسب ما ينفق في سبيل الله غرامة وخسارة ومن العراب َ
ل يرجو له ثواًبا ,ول يدفع عن نفسه عقاًبا ,وينتظر بكم الحوادث
والفات ,ولكن السوء دائر عليهم ل بالمسلمين .والله سميع لما
يقولون عليم بنياتهم الفاسدة.
مهها ُينِف هقُ قُُرب َهها ٍ ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ ال ِ َ
ت خذ ُ َخرِ وَي َت ّ ِ م ُن ي ُؤْ ِ
م ْب َ ن العَْرا ِ م ْ وَ ِ
َ
ه فِههي م الل ّه ُ
خل ُهُ ْ
سهي ُد ْ ِ
م َ ة ل َهُه ْ
ل أل إ ِن ّهَهها قُْرب َه ٌسههو ِ ت الّر ُ صل َ َ
وا ِ عن ْد َ الل ّهِ وَ َ ِ
م )(99 ه غَُفوٌر َر ِ
حي ٌ ن الل ّ َ
مت ِهِ إ ِ ّح َ َر ْ
من يؤمن بالله ويقّر بوحدانيته وبالبعث بعد الموت,ومن العراب َ
والثواب والعقاب ,ويحتسب ما ينفق من نفقة في جهاد المشركين
دا بها رضا الله ومحبته ,ويجعلها وسيلة إلى دعاء الرسولقاص ً
صلى الله عليه وسلم له ,أل إن هذه العمال تقربهم إلى الله
تعالى ,سيدخلهم الله في جنته .إن الله غفور لما فعلوا من
السيئات ,رحيم بهم.
سى الل ّ ُ
ه سّيئا ً عَ َ صاِلحا ً َوآ َ
خَر َ مل ً َ
طوا عَ َخل َ ُ
م َن اعْت ََرُفوا ب ِذ ُُنوب ِهِ ْ خُرو َ َوآ َ
َ
م )(102 ه غَُفوٌر َر ِ
حي ٌ ن الل ّ َ ب عَل َي ْهِ ْ
م إِ ّ ن ي َُتو َ
أ ْ
وآخرون من أهل )المدينة( وممن حولها ,اعترفوا بذنوبهم وندموا
عليها وتابوا منها ,خلطوا العمل الصالح -وهو التوبة والندم
والعتراف بالذنب وغير ذلك من العمال الصالحة -بآخر سّيئ -وهو
التخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره من العمال
السيئة -عسى الله أن يوفقهم للتوبة ويقبلها منهم .إن الله غفور
لعباده ,رحيم بهم.
خهذ ْ مه َ
ن ل عَل َي ْهِه ْ
م إِ ّ صه ّ
م ب ِهَهها وَ َ
كيهِه ْ ة ت ُط َهُّرهُه ْ
م وَت َُز ّ صهد َقَ ً م َ وال ِهِ ْ
مه َ
نأ ْ ِ ْ ُ
م )(103 ميعٌ عَِلي ٌ س ِه َ م َوالل ّ ُن ل َهُ ْ
سك َ ٌ
ك َ صلت َ َ َ
خذ -أيها النبي -من أموال هؤلء التائبين الذين خلطوا عمل صالحا
من دنس ذنوبهم ,وترفعهم عن منازل وآخر سيئا صدقة تطهرهم ِ
379
المنافقين إلى منازل المخلصين ,وادع لهم بالمغفرة لذنوبهم
واستغفر لهم منها ,إن دعاءك واستغفارك رحمة وطمأنينة لهم.
والله سميع لكل دعاء وقول ,عليم بأحوال العباد ونياتهم ,وسيجازي
ك ّ
ل عامل بعمله.
ن
دو َ
سهت َُر ّ
ن وَ َ
من ُههو َ ه َوال ْ ُ
مؤ ْ ِ سههول ُ ُ م وََر ُ مل َك ُه ْ ه عَ َ سي ََرى الل ّه ُمُلوا فَ َ ل اعْ َ وَقُ ْ
ن )(105 مُلو َ م ت َعْ َ ما ُ
كنت ُ ْ م بِ َشَهاد َةِ فَي ُن َب ّئ ُك ُ ْب َوال ّ عال ِم ِ ال ْغَي ْ ِ
إ َِلى َ
وقل -أيها النبي -لهؤلء المتخّلفين عن الجهاد :اعملوا لله بما
يرضيه من طاعته ،وأداء فرائضه ،واجتناب المعاصي ,فسيرى الله
عملكم ورسوله والمؤمنون ,وسيتبين أمركم ,وسترجعون يوم
من يعلم سركم وجهركم ,فيخبركم بما كنتم تعملون. القيامة إلى َ
وفي هذا تهديد ووعيد لمن استمر على باطله وطغيانه.
جو َ َ
م م َوالل ّ ُ
ه عَِليهه ٌ ب عَل َي ْهِ ْ
ما ي َُتو ُ
م وَإ ِ ّ مرِ الل ّهِ إ ِ ّ
ما ي ُعَذ ّب ُهُ ْ نل ْ مْر َ ْ
ن ُ
خُرو ََوآ َ
م )(106 كي ٌح َِ
ومن هؤلء المتخلفين عنكم -أيها المؤمنون -في غزوة )تبوك(
آخرون مؤخرون; ليقضي الله فيهم ما هو قاض .وهؤلء هم الذين
مرارة بن الربيع ,وكعب بن مالك ,وهللندموا على ما فعلوا ,وهمُ :
بن ُأمّية ,إما يعذبهم الله ,وإما يعفو عنهم .والله عليم بمن يستحق
العقوبة أو العفو ,حكيم في كل أقواله وأفعاله.
صادا ً
ن وَإ ِْر َمِني َ مؤ ْ ِ ال ْ ُ ريقا ً ب َي ْ َ
ن ضَرارا ً وَك ُْفرا ً وَت َْف ِ
جدا ً ِ س ِم ْ ذوا َ خ ُن ات ّ َ
ذي ََوال ّ ِ
َ
س هَنىح ْ أَرد ْن َهها إ ِل ّ ال ْ ُ نن إِ ْ ل وَل َي َ ْ
حل ُِفه ّ ن قَب ْه ُ مه ْ
ه ِسههول َ ُه وََر ُب الل ّ َ حاَر َ ن َ م ْ لِ َ
380
ن )(107 م لَ َ
كاذُِبو َ شهَد ُ إ ِن ّهُ ْ َوالل ّ ُ
ه يَ ْ
دا; مضارة للمؤمنين وكفًرا بالله والمنافقون الذين بنوا مسج ً
وتفريًقا بين المؤمنين ,ليصلي فيه بعضهم ويترك مسجد )قباء(
الذي يصلي فيه المسلمون ,فيختلف المسلمون ويتفرقوا بسبب
ذلك ,وانتظارا لمن حارب الله ورسوله من قبل -وهو أبو عامر
ن هؤلء الراهب الفاسق -ليكون مكاًنا للكيد للمسلمين ,وليحلف ّ
المنافقون أنهم ما أرادوا ببنائه إل الخير والرفق بالمسلمين
والتوسعة على الضعفاء العاجزين عن السير إلى مسجد )قباء(,
دم المسجد والله يشهد إنهم لكاذبون فيما يحلفون عليه .وقد هُ ِ
رق. ُ
وأح ِ
ن َ َ ل تُقم فيه أ َبدا ً ل َمسجد أ ُسس عََلى التْقهوى مه َ
حهقّ أ ْ ل ي َهوْم ٍ أ َن أو ّ ِ ِ ْ ّ َ َ ْ ِ ٌ ّ َ َ ْ ِ ِ َ
َ
ن) مط ّهّ ِ
ري ه َ ب ال ْ ُحه ّ ن ي َت َط َهّ هُروا َوالل ّه ُ
ه يُ ِ نأ ْ حب ّههو َ جهها ٌ
ل يُ ِ م ِفيهِ ِفيهِ رِ َت َُقو َ
(108
دا; فإن المسجد الذيل تقم -أيها النبي -للصلة في ذلك المسجد أب ً
س على التقوى من أول يوم -وهو مسجد )قباء( -أولى أن تقوم ُ
س َأ ّ
فيه للصلة ,ففي هذا المسجد رجال يحبون أن يتطهروا بالماء من
النجاسات والقذار ,كما يتطهرون بالتورع والستغفار من الذنوب
والمعاصي .والله يحب المتطهرين .وإذا كان مسجد )قباء( قد
س على التقوى من أول يوم ,فمسجد رسول الله ,صلى الله ُ
س َأ ّ
عليه وسلم ,كذلك بطريق الولى والحرى.
خير أ َم م َ أ َفَم َ
س
سهه َ نأ ّ ن َ ٌْ ْ َ ْ وا ٍ ن الل ّهِ وَرِ ْ
ض َ م ْوى ِ ه عََلى ت َْق َ
س ب ُن َْيان َ ُس َ نأ ّ َ ْ
ديه ل ي َهْه ِ ّ
م َوالله ُ
جهَن ّه َهارٍ َفان َْهاَر ب ِههِ فِههي ن َههارِ َ ف َجُر ٍ شَفا ُ َ
ه عَلى َ ب ُن َْيان َ ُ
ن )(109 مي َ م ال ّ
ظال ِ ِ ال َْقوْ َ
سس بنيانه على تقوى الله وطاعته ومرضاته ,ومن من أ ّل يستوي َ
دا
سس بنيانه على طرف حفرة متداعية للسقوط ,فبنى مسج ً أ ّ
دى به ذلك إلى السقوطضراًرا وكفًرا وتفريًقا بين المسلمين ,فأ ّ
في نار جهنم .والله ل يهدي القوم الظالمين المتجاوزين حدوده.
381
َ
م َوالل ّه ُ
ه ن ت ََقط ّعَ قُُلوب ُهُ ْ ة ِفي قُُلوب ِهِ ْ
م إ ِل ّ أ ْ وا ِريب َ ً
ذي ب َن َ ْم ال ّ ِ
ل ب ُن َْيان ُهُ ْل ي ََزا ُ
م )(110 كي ٌ ح ِ م َ عَِلي ٌ
ل يزال بنيان المنافقين الذي بنوه مضاّرة لمسجد )قباء( ش ً
كا
ونفاًقا ماكًثا في قلوبهم ,إلى أن تتقطع قلوبهم بقتلهم أو موتهم ,أو
بندمهم غاية الندم ,وتوبتهم إلى ربهم ,وخوفهم منه غاية الخوف.
والله عليم بما عليه هؤلء المنافقون من الشك وما قصدوا في
بنائهم ,حكيم في تدبير أمور خلقه.
ن
دو َ ج ُ
سهها ِ
ن ال ّ ن الّراك ُِعههو َ حو َ سههائ ِ ُن ال ّ دو َ
مهه ُ
حا ِن ال ْ َ
دو َن ال َْعاِبهه ُ الّتههائ ُِبو َ
دودِ الل ّههِ
حه ُ
ن لِ ُ حههافِ ُ
ظو َ منك َهرِ َوال ْ َ ن ال ْ ُ
ن عَه ْ
هو َ ف َوالّنا ُمعُْرو ِ ن ِبال ْ َ مُرو َال ِ
ن )(112 مِني َ مؤ ْ ِ شْر ال ْ ُ
وَب َ ّ
ومن صفات هؤلء المؤمنين الذين لهم البشارة بدخول الجنة أنهم
التائبون الراجعون عما كرهه الله إلى ما يحبه ويرضاه ,الذين
أخلصوا العبادة لله وحده وجدوا في طاعته ,الذين يحمدون الله
على كل ما امتحنهم به من خير أو شر ,الصائمون ,الراكعون في
صلتهم ,الساجدون فيها ,الذين يأمرون الناس بكل ما أمر الله
ورسوله به ,وينهونهم عن كل ما نهى الله عنه ورسوله ,المؤدون
فرائض الله المنتهون إلى أمره ونهيه ,القائمون على طاعته,
382
الواقفون عند حدوده .وب ّ
شر -أيها النبي -هؤلء المؤمنين المتصفين
بهذه الصفات برضوان الله وجنته.
كاُنوا أ ُوِْلي
ن وَل َوْ َ
كي َ م ْ
شرِ ِ ست َغِْفُروا ل ِل ْ ُن يَ ْ
َ
مُنوا أ ْ نآ َ ذي َ ي َوال ّ ِن ِللن ّب ِ ّ ما َ
كا َ َ
ْ َ َ َ
حيم ِ )(113 ج ِ ب ال َ حا ُ ص َ مأ ْ م أن ّهُ ْ
ن له ُ ْما ت َب َي ّ َ ن ب َعْدِ َ قُْرَبى ِ
م ْ
ما كان ينبغي للنبي محمد صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا أن
من بعد ما يدعوا بالمغفرة للمشركين ,ولو كانوا ذوي قرابة لهم ِ
ماتوا على شركهم بالله وعبادة الوثان ,وتبين لهم أنهم أصحاب
الجحيم لموتهم على الشرك ,والله ل يغفر للمشركين ,كما قال
من شَر َ ن يُ ْ َ
ه َ
ه( وكما قال سبحانه) :إ ِن ّ ُك بِ ِ ه ل ي َغِْفُر أ ْ ن الل َتعالى) :إ ِ ّ
ة(. ه عَل َي ْهِ ال َ
جن ّ َ م الل ُ
حّر َ ك ِباللهِ فََقد ْ َشرِ ْ
يُ ْ
َ
ن ها إ ِّياهُ فَل َ ّ
ما ت َب َي ّه َ عد َةٍ وَعَد َ َ
مو ْ ِ
ن َم لِبيهِ إ ِل ّ عَ ْ هي َ
ست ِغَْفاُر إ ِب َْرا ِ نا ْ ما َ
كا َ وَ َ
َ َ
م )(114 حِلي ٌم ل َّواهٌ َ
هي َ ن إ ِب َْرا ِ
ه إِ ّ ه عَد ُوّ ل ِل ّهِ ت َب َّرأ ِ
من ْ ُ ه أن ّ ُ لَ ُ
وما كان استغفار إبراهيم عليه السلم لبيه المشرك ,إل عن
ن ِبي ه َ ست َغِْفُر ل َ َ موعدة وعدها إياه ,وهي قولهَ " :
كا َ ك َرّبي إ ِن ّ ُ سأ ْ
َ
حِفّيا" .فلما تبّين لبراهيم أن أباه عدو لله ولم ينفع فيه الوعظ َ
والتذكير ,وأنه سيموت كافًرا ,تركه وترك الستغفار له ,وتبرأ منه.
إن إبراهيم عليه السلم عظيم التضرع لله ,كثير الصفح عما يصدر
من قومه من الزلت. ِ
ن
ن إِ ّ
ما ي َت ُّقههو َ ن ل َهُ ْ
م َ حّتى ي ُب َي ّ َ
م َ وما ً ب َعْد َ إ ِذ ْ هَ َ
داهُ ْ ل قَ ْ
ض ّه ل ِي ُ ِن الل ّ ُ
كا َ ما َ وَ َ
م )(115 يٍء عَِلي ٌ ش ْ ل َ الل ّ َ
ه ب ِك ُ ّ
ن عليهم بالهداية والتوفيق حتىم ّ
ما بعد أن َ وما كان الله ليض ّ
ل قو ً
يبّين لهم ما يتقونه به ,وما يحتاجون إليه في أصول الدين وفروعه.
إن الله بكل شيء عليم ,فقد عّلمكم ما لم تكونوا تعلمون ,وبّين
لكم ما به تنتفعون ,وأقام الحجة عليكم بإبلغكم رسالته.
َ
ن
دو ِ
ن ُ
مه ْ مهها ل َك ُه ْ
م ِ ت وَ َ
مي ُ
ي وَي ُ ِ
ح ِ
ض يُ ْ
ت َوالْر ِ
وا ِ
م َ
س َ
ك ال ّ مل ْ ُ
ه ُ ه لَ ُ
ن الل ّ َ
إِ ّ
صيرٍ )(116 ي َول ن َ ِ ن وَل ِ ّم ْ الل ّهِ ِ
383
إن لله مالك السموات والرض وما فيهن ل شريك له في الخلق
من يشاء ,وما
من يشاء ويميت َ
والتدبير والعبادة والتشريع ,يحيي َ
من أحد غير الله يتولى أموركم ,ول نصير ينصركم علىلكم ِ
عدوكم.
َ
ت
حَبهه ْ ما َر ُ ض بِ َ
م الْر ُ ت عَل َي ْهِ ْضاقَ ْ ذا َ حّتى إ ِ َ خل ُّفوا َن ُ َ وَعََلى الّثلث َةِ ال ّ ِ
ذي
وضاقَت عل َيهم َأنُفسهم وظ َنوا أ َن ل مل ْجأ َ
بم ت َهها َن الل ّهِ إ ِل ّ إ ِل َي ْههِ ث ُه ّ ْ م
ِ َ َ ْ ُ ُ ْ َ ّ ْ َ ِْ ْ َ َ
م )(118 حي ُب الّر ِ وا ُ ن الل ّ َ
ه هُوَ الت ّ ّ عَل َي ْهِ ْ
م ل ِي َُتوُبوا إ ِ ّ
خّلفوا من النصار -وهم كعب بن وكذلك تاب الله على الثلثة الذين ُ
مَرارة بن الربيع -تخّلفوا عن رسول الله ُ
مالك وهلل بن أمّية و ُ
دا ,حتى إذا ضاقت عليهم صلى الله عليه وسلم ,وحزنوا حزًنا شدي ً
ما بسبب تخلفهم ,وضاقت عليهم أنفسهم ما وند ًسَعتها غ ّ
الرض ب َ
ما أصابهم من الهم ,وأيقنوا أن ل ملجأ من الله إل إليه ,وّفقهم لِ َ
الله سبحانه وتعالى إلى الطاعة والرجوع إلى ما يرضيه سبحانه.
إن الله هو التواب على عباده ,الرحيم بهم.
َ
ن )(119
صادِِقي َ
معَ ال ّ
كوُنوا َ مُنوا ات ُّقوا الل ّ َ
ه وَ ُ نآ َ َيا أي َّها ال ّ ِ
ذي َ
384
دقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه ،امتثلوا أوامر الله
يا أيها الذين ص ّ
واجتنبوا نواهيه في كل ما تفعلون وتتركون ,وكونوا مع الصادقين
في َأيمانهم وعهودهم ,وفي كل شأن من شؤونهم.
ب ل َهُ ه ْ
م ن َواِدي ها ً إ ِل ّ ك ُت ِه َ
صِغيَرةً َول ك َِبيَرةً َول ي َْقط َُعو َ
ة َ ن ن ََفَق ً فُقو ََول ُين ِ
َ
ن )(121 مُلو َ ما َ
كاُنوا ي َعْ َ ن َس َ
ح َهأ ْ م الل ّ ُ
جزِي َهُ ْ
ل ِي َ ْ
ول ينفقون نفقة صغيرة ول كبيرة في سبيل الله ,ول يقطعون وادًيا
في سيرهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جهاده ,إل
ك ُِتب لهم أجر عملهم; ليجزيهم الله أحسن ما ي ُ ْ
جَزون به على
أعمالهم الصالحة.
م
من ْهُه ْ ل فِْرَقهةٍ ِ ن ُ
كه ّ مه ْ ول ن ََفهَر ِ ة فَل َه ْ ن ل َِينِفهُروا َ
كاّفه ً ن ال ْ ُ
مؤ ْ ِ
مُنو َ كا َما َ وَ َ
مم ل َعَل ّهُ ه ْ
جعُههوا إ ِل َي ْهِ ه ْ م إِ َ
ذا َر َ ن وَل ُِينذُِروا قَ هوْ َ
مه ُ ْ دي ِ
ة ل ِي َت ََفّقُهوا ِفي ال ّ َ
طائ َِف ٌ
ن )(122 حذ َُرو َ يَ ْ
وما كان ينبغي للمؤمنين أن يخرجوا جميًعا لقتال عدّوهم ,كما ل
يستقيم لهم أن يقعدوا جميًعا ,فهل خرج من كل فرقة جماعة
385
تحصل بهم الكفاية والمقصود; وذلك ليتفقه النافرون في دين الله
وما أنزل على رسوله ,وينذروا قومهم بما تعلموه عند رجوعهم
إليهم ,لعلهم يحذرون عذاب الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه.
َ
دوا ِفيك ُه ْ
م ن ال ْك ُّفههارِ وَل ْي َ ِ
جه ُ مه ْ ن ي َل ُههون َك ُ ْ
م ِ ذي َمُنوا َقات ُِلوا ال ّ ِ نآ َ
ذي َ َيا أي َّها ال ّ ِ
َ
ن )(123 مت ِّقي َ مع َ ال ْ ُ
ه َ ن الل ّ َ
موا أ ّ ة َواعْل َ ُ ِغل ْظ َ ً
دقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه ،ابدؤوا بقتال يا أيها الذين ص ّ
القرب فالقرب إلى دار السلم من الكفار ,وليجد الكفار فيكم
ِغْلظة وشدة ,واعلموا أن الله مع المتقين بتأييده ونصره.
َ
مههاُتوا
م وَ َ
س هه ِ ْ جسا ً إ ِل َههى رِ ْ
ج ِ ض فََزاد َت ْهُ ْ
م رِ ْ مَر ٌ ن ِفي قُُلوب ِهِ ْ
م َ ما ال ّ ِ
ذي َ وَأ ّ
ن )(125 كافُِرو َ م َوَهُ ْ
وأما الذين في قلوبهم نفاق وشك في دين الله ,فإن نزول السورة
ل من النفاق والشك,كا إلى ما هم عليه من قب ُيزيدهم نفاًقا وش ً
وهلك هؤلء وهم جاحدون بالله وآياته.
386
من كفرهم ونفاقهم ,ول هم يتعظون ول يتذكرون بما يتوبون ِ
يعاينون من آيات الله.
ص عَل َي ْ ُ لم َ
م
كهه ْ ريهه ٌ
ح ِ
م َ زيٌز عَل َي ْهِ َ
ما عَن ِت ّ ْ سك ُ ْ
م عَ ِ ن أنُف ِسو ٌ ِ ْ جاَءك ُ ْ
م َر ُ ل ََقد ْ َ
م )(128 حي ٌف َر ِ
ن َرُءو ٌ مِني َ ِبال ْ ُ
مؤ ْ ِ
لقد جاءكم أيها المؤمنون رسول من قومكم ,يشق عليه ما تلقون
من المكروه والعنت ,حريص على إيمانكم وصلح شأنكم ,وهو
بالمؤمنين كثير الرأفة والرحمة.
387
-10سورة يونس
كيم ِ )(1 ب ال ْ َ
ح ِ ت ال ْك َِتا ِ الر ت ِل ْ َ
ك آَيا ُ
)الر( سبق الكلم على الحروف المق ّ
طعة في أول سورة البقرة.
هذه آيات الكتاب المحكم الذي أحكمه الله وبّينه لعباده.
َ َ
مسهت ّةِ أي ّههام ٍ ث ُه ّ ض فِههي ِ ت َوالْر َ وا ِم َ خل َهقَ ال ّ
سه َ ذي َ ه ال ّه ِم الل ّه ُ ن َرب ّك ُه ْ إِ ّ
م ن ب َعْدِ إ ِذ ِْنهههِ ذ َل ِ ُ شِفيٍع إ ِل ّ ِ
ن َ َ ْ َ
كهه ْ م ْ م ْما ِمَر َش ي ُد َب ُّر ال ْ
وى عَلى العَْر َِ ست َ َا ْ
ن )(3 دوهُ أَفل ت َذ َك ُّرو َ م َفاعْب ُ ُ ه َرب ّك ُ ْ الل ّ ُ
إن ربكم الله الذي أوجد السموات والرض في ستة أيام ,ثم
استوى -أي عل وارتفع -على العرش استواء يليق بجلله وعظمته,
ده في قضائه أحد ,ول يشفع عنده شافع يدبر أمور خلقه ,ل يضا ّ
يوم القيامة إل من بعد أن يأذن له بالشفاعة ,فاعبدوا الله ربكم
المتصف بهذه الصفات ,وأخلصوا له العبادة .أفل تتعظون وتعتبرون
بهذه اليات والحجج؟
ي
جههزِ َ خل ْقَ ث ُ ّ
م ي ُِعيههد ُهُ ل ِي َ ْ ه ي َب ْد َأ ُ ال ْ َ
حّقا ً إ ِن ّ ُ
ميعا ً وَعْد َ الل ّهِ َ
ج ِ
م َ جعُك ُ ْ إ ِل َي ْهِ َ
مْر ِ
بشهَرا ٌم َ ن ك ََفهُروا ل َهُه ْ ذي َ ط َوال ّه ِ س ِ ت ِبال ِْق ْحا ِ مُلوا ال ّ
صال ِ َ مُنوا وَعَ ِ نآ َذي َال ّ ِ
388
َ
كاُنوا ي َك ُْفُرو َ
ن )(4 ما َ
م بِ َ
ب أِلي ٌ ميم ٍ وَعَ َ
ذا ٌ ح ِ
ن َ
م ْ
ِ
إلى ربكم معادكم يوم القيامة جميًعا ,وهذا وعد الله الحق ,هو الذي
يبدأ إيجاد الخلق ثم يعيده بعد الموت ,فيوجده حًيا كهيئته الولى,
دق الله ورسوله ,وعمل العمال الحسنة أحسن ص ّ
من َ
ليجزي َ
الجزاء بالعدل .والذين جحدوا وحدانية الله ورسالة رسوله لهم
شراب من ماء شديد الحرارة يشوي الوجوه ويق ّ
طع المعاء ,ولهم
عذاب موجع بسبب كفرهم وضللهم.
ل ل ِت َعْل َ ُ
مههوا م هَر ن ُههورا ً وَقَ هد َّرهُ َ
من َههازِ َ ضَياًء َوال َْق َ
س ِم َ ش ْل ال ّ جع َ َ ذي َ هُوَ ال ّ ِ
تل الي َهها ِ صه ُحقّ ي َُف ّ ك إ ِل ّ ب ِههال ْ َ خل َقَ الل ّه ُ
ه ذ َل ِه َ ما َب َسا َح َ ن َوال ْ ِ سِني َ عَد َد َ ال ّ
ن )(5 مو َ ل َِقوْم ٍ ي َعْل َ ُ
در القمر
الله هو الذي جعل الشمس ضياء ,وجعل القمر نوًرا ,وق ّ
منازل ,فبالشمس تعرف اليام ,وبالقمر تعرف الشهور والعوام,
ما خلق الله تعالى الشمس والقمر إل لحكمة عظيمة ,ودللة على
كمال قدرة الله وعلمه ,يبّين الحجج والدلة لقوم يعلمون الحكمة
في إبداع الخلق.
َ
ض
ت َوالْر ِ
وا ِ
م َ
سهه َ خل َقَ الل ّ ُ
ه ِفههي ال ّ ما َ
ل َوالن َّهارِ وَ َف الل ّي ْ ِ
خِتل ِ ن ِفي ا ْ إِ ّ
ن )(6 ت ل َِقوْم ٍ ي َت ُّقو َ
لَيا ٍ
إن في تعاقب الليل والنهار وما خلق الله في السموات والرض
جا واضحة
من عجائب الخلق وما فيهما من إبداع ونظام ,لدلة وحج ً
لقوم يخشون عقاب الله وسخطه وعذابه.
389
ك ْ ُ
ن )(8 كاُنوا ي َك ْ ِ
سُبو َ ما َ
م الّناُر ب ِ َ أوْل َئ ِ َ َ
مأَواهُ ْ
أولئك مقّرهم نار جهنم في الخرة; جزاء بما كانوا يكسبون في
دنياهم من الثام والخطايا.
ن
مهه ْ
ري ِ
ج ِ
م تَ ْ
مان ِهِ ْ
م ب ِِإي َ
م َرب ّهُ ْ
ديهِ ْ
ت ي َهْ ِحا ِ مُلوا ال ّ
صال ِ َ مُنوا وَعَ ِ
نآ َ ن ال ّ ِ
ذي َ إِ ّ
ت الن ِّعيم ِ )(9
جّنا ِ َ
م الن َْهاُر ِفي َ حت ِهِ ْتَ ْ
إن الذين آمنوا بالله ورسوله وعملوا الصالحات يدلهم ربهم إلى
طريق الجنة ويوفقهم إلى العمل الموصل إليه؛ بسبب إيمانهم ،ثم
يثيبهم بدخول الجنة وإحلل رضوانه عليهم ,تجري من تحتهم النهار
في جنات النعيم.
خ هر دعْ هواهُ َ
ن
مأ ْم َوآ ِ ُ َ َ ْسههل ٌ
م ِفيَها َ
حي ّت ُهُ ْ ك الل ّهُ ّ
م وَت َ ِ حان َ َسب ْ َم ِفيَها ُ واهُ ْ د َعْ َ
ن )(10 مي َب ال َْعال َ ِ
مد ُ ل ِل ّهِ َر ّ ال ْ َ
ح ْ
دعاؤهم في الجنة التسبيح )سبحانك اللهم( ،وتحية الله وملئكته
ضا في الجنة )سلم( ،وآخر دعائهم قولهم: لهم ,وتحية بعضهم بع ً
"الحمد لله رب العالمين" أي :الشكر والثناء لله خالق المخلوقات
ومرّبيها بنعمه.
390
ن الشدةُ استغاث بنا في كشف ذلك عنه وإذا أصاب النسا َ
ما ,على حسب الحال التي يكون بها دا أو قائ ً
مضطجًعا لجنبه أو قاع ً
عند نزول ذلك الضّر به .فلما كشفنا عنه الشدة التي أصابته استمّر
على طريقته الولى قبل أن يصيبه الضر ,ونسي ما كان فيه من
الشدة والبلء ,وترك الشكر لربه الذي فّرج عنه ما كان قد نزل به
من البلء ,كما ُزّين لهذا النسان استمراره على جحوده وعناده بعد
كشف الله عنه ما كان فيه من الضرُ ,زّين للذين أسرفوا في
الكذب على الله وعلى أنبيائه ما كانوا يعملون من معاصي الله
والشرك به.
َ
م ِبال ْب َي َّنا ِ
ت سل ُهُ ْ
م ُر ُ
جاَءت ْهُ ْ
موا وَ َ ما ظ َل َ ُم لَ ّن قَب ْل ِك ُ ْم ْن ِ وَل ََقد ْ أهْل َك َْنا ال ُْقُرو َ
ن )(13 مي َجرِ ِ
م ْم ال ْ ُ
زي ال َْقوْ َ ج ِ مُنوا ك َذ َل ِ َ
ك نَ ْ ما َ
كاُنوا ل ِي ُؤْ ِ وَ َ
ذبت رسل الله من قبلكم -أيها المشركون ولقد أهلكنا المم التي ك ّ
ما أشركوا ,وجاءتهم رسلهم من عند الله بالمعجزات بربهم -له ّ
من جاء بها ,فلم تكن هذهالواضحات والحجج التي تبين صدق َ
المم التي أهلكناها لتصدق رسلها وتنقاد لها ,فاستحقوا الهلك,
ومثل ذلك الهلك نجزي كل مجرم متجاوز حدود الله.
391
من عيب آلهتنا وتسفيه سقط ما فيه ِدا ,وأن ت ُ ْ
دا ,والوعيد وع ً
وعي ً
ي ,وإنما أتبع في
أحلمنا ,قل لهم -أيها الرسول : -إن ذلك ليس إل ّ
ي ربي ويأمرني به ,إنيكل ما آمركم به وأنهاكم عنه ما ينزله عل ّ
أخشى من الله -إن خالفت أمره -عذاب يوم عظيم وهو يوم
القيامة.
مرا ً َ
م ب ِهِ فََقد ْ ل َب ِث ْ ُ
ت ِفيك ُ ْ
م عُ ُ ه عَل َي ْك ُ ْ
م َول أد َْراك ُ ْ ما ت َل َوْت ُ ُ
ه َشاَء الل ّ ُ ل ل َوْ َقُ ْ
َ
ن )(16 ن قَب ْل ِهِ أَفل ت َعِْقُلو َ
م ِْ
قل لهم -أيها الرسول :-لو شاء الله ما تلوت هذا القرآن عليكم ,ول
أعلمكم الله به ,فاعلموا أنه الحق من الله ,فإنكم تعلمون أنني
ي ربي ,ومن قبل أنمكثت فيكم زمًنا طويل من قبل أن يوحيه إل ّ
أتلوه عليكم ,أفل تستعملون عقولكم بالتدبر والتفكر؟
َ فَم َ
ح
ه ل ي ُْفل ِه ُ ذبا ً أوْ ك َهذ ّ َ
ب ِبآي َههات ِهِ إ ِن ّه ُ ن افْت ََرى عََلى الل ّههِ ك َه ِ
م ْ
م ّ ن أظ ْل َ ُ
م ِ َ ْ
ن )(17 مو َ جرِ ُ
م ْال ْ ُ
ما ممن اختلق على الله الكذب أو ك ّ
ذب بآياته إنه ل ل أحد أشد ظل ً
ذب أنبياء الله ورسله ,ول ينالون الفلح.من ك ّ
ينجح َ
ُ
ن َرّبهه َ
ك م ْ
ت ِ
سب ََق ْ
ة َ
م ٌ خت َل َُفوا وَل َ ْ
ول ك َل ِ َ حد َةً َفا ْ
ة َوا ِ س إ ِل ّ أ ّ
م ً ن الّنا ُ ما َ
كا َ وَ َ
392
ن )(19
خت َل ُِفو َ
ما ِفيهِ ي َ ْ
م ِفي َ
ي ب َي ْن َهُ ْ ل َُق ِ
ض َ
كان الناس على دين واحد وهو السلم ,ثم اختلفوا بعد ذلك ,فكفر
بعضهم ,وثبت بعضهم على الحق .ولول كلمة سبقت من الله
ي بينهم :بأن ي ُْهلك
ض َ
بإمهال العاصين وعدم معاجلتهم بذنوبهم لُق ِ
أهل الباطل منهم ,وينجي أهل الحق.
وإ َ َ
مك ٌْر ِفي آَيات َِنا
م َل َهُ ْ م إِ َ
ذا ست ْهُ ْ
م ّ ضّراَء َ
ن ب َعْدِ َ م ْة ِم ًح َس َر ْذا أذ َقَْنا الّنا َ َِ
َ ً َ ّ
)(21 مك ُُرو َ
ن ما ت َ ْ سلَنا ي َك ْت ُُبو َ
ن َ ن ُر ُكرا إ ِ ّم ْسَرعُ َ
هأ ْ ل الل ُ قُ ْ
جا ورخاءً بعد عسر وشدة وكرب وإذا أذقنا المشركين يسًرا وفر ً
ذبون ,ويستهزئون بآيات الله ,قل -أيها الرسول-أصابهم ,إذا هم يك ّ
جا وعقوبة
لهؤلء المشركين المستهزئين :الله أسرع مكًرا واستدرا ً
حَفظ ََتنا الذين نرسلهم إليكم يكتبون عليكم ما تمكرون في
لكم .إن َ
آياتنا ,ثم نحاسبكم على ذلك.
ن
جَري ْه َ ك وَ َ م ِفي ال ُْفل ْه ِ ذا ك ُن ْت ُ ْ حّتى إ ِ َحرِ َ م ِفي ال ْب َّر َوال ْب َ ْ سي ُّرك ُ ْ
ذي ي ُ َ هُوَ ال ّ ِ
نمه ْ ج ِ م ال ْ َ
م هو ْ ُ جههاَءهُ ْف وَ َ صه ٌ عا ِ ح َ
جاَءت َْها ِري ٌ حوا ب َِها َ ح ط َي ّب َةٍ وَفَرِ ُ ري ٍ م بِ ِ ب ِهِ ْ
ُ َ
ن ن ل َئ ِ ْ
دي َ ه اله ّ ن ل َه ُ
صههي َخل ِ ِ
م ْ ه ُ وا الل ّه َم د َعَ ْط ب ِهِ ْ حي َ مأ ِ ن وَظ َّنوا أن ّهُ ْ كا ٍ م َ ل َ كُ ّ
ن )(22 ن ال ّ ن هَذِهِ ل َن َ ُ َ
ري َشاك ِ ِ م ْن ِ كون َ ّ م ْ جي ْت ََنا ِ أن ْ َ
هو الذي يسّيركم -أيها الناس -في البر على الدواب وغيرها ,وفي
سُفن ,حتى إذا كنتم فيها وجرت بريح طيبة ,وفرح البحر في ال ّ
ح شديدة ,وجاءن ري ٌ
ركاب السفن بالريح الطيبة ,جاءت هذه السف َ
ج )وهو ما ارتفع من الماء( من كل مكان ,وأيقنوا أن ب المو ُ
الركا َ
393
الهلك قد أحاط بهم ,أخلصوا الدعاء لله وحده ,وتركوا ما كانوا
يعبدون ,وقالوا :لئن أنجيتنا من هذه الشدة التي نحن فيها لنكونن
من الشاكرين لك على ن َِعمك.
خت َل َ َ َ
ت ط ِبههِ ن ََبها ُ ماِء َفها ْ سه َ ن ال ّ مه ْماٍء أن َْزل َْنهاهُ ِ حَياةِ الد ّن َْيا ك َ َ ل ال ْ َمث َ ُ
ما َ إ ِن ّ َ
خُرفَهَهها َ َ َ ْ
مهها ي َأك ُه ُ ال َْر
ض ُز ْ ت الْر ُ خهذ َ ْ ذا أ َ حت ّههى إ ِ َ
م َ س َوالن ْعَهها ُ ل الن ّهها ُ م ّض ِ ِ
مُرن َهها ل َي ْل ً أ َوْ ن َهَههارا ً َ َ
ن عَل َي ْهَهها أَتاهَهها أ ْ م قَههادُِرو َ
َ
ن أهْل ُهَهها أن ُّهه ْ
وازينهت وظ َه َ
ّ َ ّ َّ ْ َ
َ َ
ت ل َِق هوْم ٍ ل الي َهها ِ صه ُ ك ن َُف ّ س ك َهذ َل ِ َ
م ِ ن ب ِههال ْ م ت َغْه َ ن لَ ْ صيدا ً ك َأ ْ ح ِ ها َ جعَل َْنا َ فَ َ
ن )(24 ي َت ََفك ُّرو َ
إنما مثل الحياة الدنيا وما تتفاخرون به فيها من زينة وأموال ,كمثل
مطر أنزلناه من السماء إلى الرض ,فنبتت به أنواع من النبات
مختلط بعضها ببعض مما يقتات به الناس من الثمار ,وما تأكله
ن هذه الرض وبهاؤها, س ُ
ح ْ الحيوانات من النبات ,حتى إذا ظهر ُ
وظن أهل هذه الرض أنهم قادرون على حصادها والنتفاع بها,
جاءها أمرنا وقضاؤنا بهلك ما عليها من النبات ,والزينة إما ليل وإما
نهاًرا ,فجعلنا هذه النباتات والشجار محصودة مقطوعة ل شيء
فيها ,كأن لم تكن تلك الزروع والنباتات قائمة قبل ذلك على وجه
هون به من دنياكم وزخارفها الرض ,فكذلك يأتي الفناء على ما تتبا َ
مث َ َ
ل هذه الدنيا فيفنيها الله ويهلكها .وكما بّينا لكم -أيها الناسَ -
وعّرفناكم بحقيقتها ,نبّين حججنا وأدلتنا لقوم يتفكرون في آيات
الله ,ويتدبرون ما ينفعهم في الدنيا والخرة.
سههت َِقيم ٍ )
م ْ
ط ُ شاُء إ َِلى ِ
صَرا ٍ ن يَ َ
م ْ
دي َ
سلم ِ وَي َهْ ِ عو إ َِلى َ
دارِ ال ّ َوالل ّ ُ
ه ي َد ْ ُ
394
(25
من
من يشاء ِ
والله يدعوكم إلى جناته التي أعدها لوليائه ,ويهدي َ
خْلقه ,فيوفقه لصابة الطريق المستقيم ,وهو السلم. َ
ة أ ُوْل َئ ِ َ
ك م قَت ٌَر َول ذِل ّ ٌ
جوهَهُ ْ
سَنى وَزَِياد َةٌ َول ي َْرهَقُ وُ ُ ح ْ سُنوا ال ْ ُح َ
ل ِل ّذي َ
نأ ْ ِ َ
َ
ن )(26 دو َ خال ِ ُ
م ِفيَها َ جن ّةِ هُ ْب ال ْ َحا ُص َ
أ ْ
ة,للمؤمنين الذين أحسنوا عبادة الله فأطاعوه فيما أمر ونهى ,الجن ُ
وزيادة عليها ,وهي النظر إلى وجه الله تعالى في الجنة ,والمغفرةُ
والرضوان ,ول يغشى وجوههم غبار ول ذلة ,كما يلحق أهل النار.
دا. هؤلء المتصفون بهذه الصفات هم أصحاب الجنة ماكثون فيها أب ً
ن
مه ْ م ِ ما ل َهُ ْة َم ذِل ّ ٌ سي ّئ َةٍ ب ِ ِ
مث ْل َِها وَت َْرهَُقهُ ْ جَزاُء َ ت َ سي َّئا ِسُبوا ال ّ ن كَ َ َ َوال ّ ِ
ذي
مظ ِْلما ً أ ُوْل َئ ِ َ ّ ً َ عاصم ك َأ َنما أ ُ
ك ل ُ ِ ْ ي ل ال ن
ْ م
ِ ا طع ِ ق م
ْ ُ هُ ه جوُ ُ و تْ َ يشِ ْ غ ن َ ِ ٍ ّ َ م ْ الل ّهِ ِ
ن )(27 َ
دو َ خال ِ ُ
م ِفيَها َ ب الّنارِ هُ ْ حا ُ ص َ أ ْ
صوا الله لهم جزاء
والذين عملوا السيئات في الدنيا فكفروا وع َ
أعمالهم السيئة التي عملوها بمثلها من عقاب الله في الخرة,
من مانع يمنعهممن عذاب الله ِ وتغشاهم ذّلة وهوان ,وليس لهم ِ
إذا عاقبهم ,كأنما ُألبست وجوههم طائفة من سواد الليل المظلم.
دا.
هؤلء هم أهل النار ماكثون فيها أب ً
كههانك ُ َ ن أَ ْ
م م َ َ ْ
م أن ُْتهه ْ كوا َ شههَر ُ ل ل ِّلهه ِ
ذي َ ميعهها ً ُثهه ّ
م ن َُقههو ُ ج ِ م َ شههُرهُ ْ ح ُ م نَ ْ
وََيههوْ َ
ن )(28 دو َ ما ك ُن ْت ُ ْ
م إ ِّياَنا ت َعْب ُ ُ م َ كاؤُهُ ْ شَر َ
ل ُ م وََقا َ م فََزي ّل َْنا ب َي ْن َهُ ْكاؤُك ُ ْ
شَر َوَ ُ
واذكر -أيها الرسول -يوم نحشر الخلق جميعا للحساب والجزاء ,ثم
نقول للذين أشركوا بالله :الزموا مكانكم أنتم وشركاؤكم الذين
كنتم تعبدونهم من دون الله حتى تنظروا ما ي ُْفعل بكم ,فََفّرْقنا بين
من دون الله ممن كانوا دوا ِ
من عُب ِ ُ
المشركين ومعبوديهم ,وتبّرأ َ
يعبدونهم ,وقالوا للمشركين :ما كنتم إيانا تعبدون في الدنيا.
م ل ََغافِِلي َ
ن )(29 عَباد َت ِك ُ ْ ن ك ُّنا عَ ْ
ن ِ شِهيدا ً ب َي ْن ََنا وَب َي ْن َك ُ ْ
م إِ ْ فَك ََفى ِبالل ّهِ َ
395
دا بيننا وبينكم ,إننا لم نكن نعلم ما كنتم تقولون
فكفى بالله شهي ً
وتفعلون ,ولقد كّنا عن عبادتكم إيانا غافلين ,ل نشعر بها.
َ
ض ّ
ل م ال ْ َ
حقّ وَ َ ولهُ ْ دوا إ َِلى الل ّهِ َ
م ْ سل ََف ْ
ت وَُر ّ ما أ ْ
س َل ن َْف ٍ ك ت َب ُْلو ك ُ ّ
هَُنال ِ َ
ن )(30 ما َ
كاُنوا ي َْفت َُرو َ م َعَن ْهُ ْ
في ذلك الموقف للحساب تتفقد كل نفس أحوالها وأعمالها التي
سلفت وتعاينها ,وتجازى بحسبها :إن خيًرا فخير ,وإن شًرا فشر,
ة وأهل خ َ ُ
ل أهل الجنةِ الجن َ وُرد ّ الجميع إلى الله الحكم العدل ,فأد ِ
النار النار ,وذهب عن المشركين ما كانوا يعبدون من دون الله
افتراء عليه.
396
َ
ن )(33 م ل ي ُؤْ ِ
مُنو َ ن فَ َ
سُقوا أن ّهُ ْ ك عََلى ال ّ ِ
ذي َ ة َرب ّ َ ت ك َل ِ َ
م ُ حّق ْ ك َذ َل ِ َ
ك َ
كما كفر هؤلء المشركون واستمّروا على شركهم ,حقت كلمة ربك
وحكمه وقضاؤه على الذين خرجوا عن طاعة ربهم إلى معصيته
وكفروا به أّنهم ل يصدقون بوحدانية الله ,ول بنبوة نبّيه محمد صلى
الله عليه وسلم ,ول يعملون بهديه.
ق ه ي َب ْد َأ ُ ال ْ َ
خْلهه َ ل الل ّ ُ ن ي َب ْد َأ ُ ال ْ َ
خل ْقَ ث ُ ّ
م ي ُِعيد ُهُ قُ ْ م ْ كائ ِك ُ ْ
م َ شَر َ ن ُ م َْ
ل ِ ل هَ ْ قُ ْ
ن )(34 كو َ م ي ُِعيد ُهُ فَأّنا ت ُؤْفَ ُ
ثُ ّ
خْلق
من يبدأ َقل لهم -أيها الرسول : -هل من آلهتكم ومعبوداتكم َ
أي شيء من غير أصل ,ثم يفنيه بعد إنشائه ,ثم يعيده كهيئته قبل
أن يفنيه؟ فإنهم ل يقدرون على دعوى ذلك ,قل -أيها الرسول:-
الله تعالى وحده هو الذي ينشئ الخلق ثم يفنيه ثم يعيده ,فكيف
تنصرفون عن طريق الحق إلى الباطل ,وهو عبادة غير الله؟
ق
حه ّ دي ل ِل ْ َ ه ي َهْه ِ ل الّله ُ
حهقّ قُه ْ دي إ َِلهى ال ْ َ ن ي َهْ ِ
م ْم َكائ ِك ُ ْ
شَر َ ن ُ م ْل ِ ل هَ ْ قُ ْ
َ َ َ َ َ
دى فَ َ
مهها دي إ ِل ّ أ ْ
ن ي ُهْ ه َ ن ل ي َهِ ه ّمه ْ ن ي ُت ّب َعَ أ ّحقّ أ ْ حق ّ أ َ دي إ َِلى ال ْ َ ن ي َهْ ِم ْ أفَ َ
ن )(35 مو َ حك ُ ُ
ف تَ ْم ك َي ْ َ ل َك ُ ْ
من يرشد من شركائكم َ قل -أيها الرسول -لهؤلء المشركين :هل ِ
إلى الطريق المستقيم؟ فإنهم ل يقدرون على ذلك ,قل لهم :الله
من وحده يهدي الضال عن الهدى إلى الحق .أيهما أحق بالتباعَ :
يهدي وحده للحق أم من ل يهتدي لعدم علمه ولضلله ,وهي
دى؟ فما بالكم كيف شركاؤكم التي ل َتهدي ول َتهتدي إل أن ُته َ
ويتم بين الله وخلقه؟ وهذا حكم باطل. س ّ
َ
ن الل ّه َ
ه ش هْيئا ً إ ِ ّ ن ال ْ َ
ح هقّ َ مه ْ ن الظ ّ ّ
ن ل ي ُغِْني ِ م إ ِل ّ ظ َن ّا ً إ ِ ّما ي َت ّب ِعُ أك ْث َُرهُ ْ
وَ َ
ن )(36 ما ي َْفعَُلو َ م بِ َ عَِلي ٌ
وما يتبع أكثر هؤلء المشركين في جعلهم الصنام آلهة واعتقادهم
صا وظًنا ,وهو ل يغني من اليقين شيًئا.
بأنها تقّرب إلى الله إل تخر ً
إن الله عليم بما يفعل هؤلء المشركون من الكفر والتكذيب.
397
ذا ال ُْقرآ َ
ديقَ ال ّه ِ
ذي صه ِ
ن تَ ْن الل ّههِ وَل َك ِه ْ
دو ِن ُمه ْن ي ُْفت ََرى ِ
نأ ْ ْ ُ ن هَ َ كا َ ما َ وَ َ
ن )(37 مي َب ال َْعال َ ِ
ن َر ّ م ْ
ب ِفيهِ ِ ب ل َري ْ َل ال ْك َِتا ِ
صي َ
ن ي َد َي ْهِ وَت َْف ِب َي ْ َ
من عند غير الله ,لنه ل
وما كان يتهّيأ لحد أن يأتي بهذا القرآن ِ
دقا للكتب التي
يقدر على ذلك أحد من الخلق ,ولكن الله أنزله مص ّ
أنزلها على أنبيائه; لن دين الله واحد ,وفي هذا القرآن بيان
وتفصيل لما شرعه الله لمة محمد صلى الله عليه وسلم ,ل شك
ى من رب العالمين.في أن هذا القرآن موح ً
أ َم يُقوُلون افْتراه قُ ْ ْ
ن
مه ْ س هت َط َعْت ُ ْ
م ِ نا ْ
م ْ مث ْل ِهِ َواد ْ ُ
عوا َ ل فَأُتوا ب ِ ُ
سوَرةٍ ِ ََ ُ َ ْ َ
ن )(38 صادِِقي َ
م َ ن الل ّهِ إ ِ ْ
ن ك ُن ْت ُ ْ دو ِ
ُ
بل أيقولون :إن هذا القرآن افتراه محمد من عند نفسه؟ فإنهم
يعلمون أنه بشر مثلهم!! قل لهم -أيها الرسول :-فأتوا أنتم بسورة
واحدة من جنس هذا القرآن في نظمه وهدايته ,واستعينوا على
من قَد َْرتم عليه من دون الله من إنس وجن ,إن كنتم
ذلك بكل َ
صادقين في دعواكم.
ْ ْ
ن ب اّلهه ِ
ذي َ ك ك َذ ّ َ م ت َأِويل ُ ُ
ه ك َذ َل ِ َ مهِ وَل َ ّ
ما ي َأت ِهِ ْ طوا ب ِعِل ْ ِ
حي ُ م يُ ِما ل َ ْ
ل ك َذ ُّبوا ب ِ َ بَ ْ
ن )(39 مي َظال ِ ِة ال ّ عاقِب َ ُ
ن َ كا َف َم َفان ْظ ُْر ك َي ْ َ ن قَب ْل ِهِ ْم ْ
ِ
بل ساَرعوا إلى التكذيب بالقرآن أول ما سمعوه ,قبل أن يتدبروا
آياته ,وكفروا بما لم يحيطوا بعلمه من ذكر البعث والجزاء والجنة
عدوا به في الكتاب.والنار وغير ذلك ,ولم يأتهم بعد ُ حقيقة ما وُ ِ
ذبت المم التي خلت قبلهم, ذب المشركون بوعيد الله ك ّ وكما ك ّ
فانظر -أيها الرسول -كيف كانت عاقبة الظالمين؟ فقد أهلك الله
بعضهم بالخسف ,وبعضهم بالغرق ,وبعضهم بغير ذلك.
ومنهم من يستمعون إل َي َ َ َ
كاُنوا ل ي َعِْقُلو َ
ن) م وَل َوْ َ
ص ّ
معُ ال ّ
س ِ ك أفَأن ْ َ
ت تُ ْ َ ِ ُْ ْ َ ْ َ ْ َ ِ ُ َ ِ ْ
(42
من يسمعون كلمك الحق ,وتلوتك القرآن ,ولكنهم ل ن الكفار َ
م َ
و ِ
يهتدون .أفأنت ت َْقدر على إسماع الصم؟ فكذلك ل تقدر على هداية
م عن سماع الحق ,لهؤلء إل أن يشاء الله هدايتهم; لنهم ص ّ
يعقلونه.
ومنهم من ينظ ُر إل َي َ َ َ
ن) ي وَل َهوْ ك َههاُنوا ل ي ُب ْ ِ
ص هُرو َ دي ال ْعُ ْ
مه َ ك أفَأن ْ َ
ت ت َهْ ِ َ ِ ُْ ْ َ ْ َْ ُ ِ ْ
(43
من ينظر إليك وإلى أدلة نبوتك الصادقة ,ولكنه ل يبصرن الكفار َ
م َ
و ِ
ما آتاك الله من نور اليمان ,أفأنت -أيها الرسول -تقدر على أن
تخلق للعمي أبصاًرا يهتدون بها؟ فكذلك ل تقدر على هدايتهم إذا
كانوا فاقدي البصيرة ,وإنما ذلك كّله لله وحده.
َ
ن )(44 م ي َظ ْل ِ ُ
مو َ سه ُ ْ
س أن ُْف َ شْيئا ً وَل َك ِ ّ
ن الّنا َ س َ ه ل ي َظ ْل ِ ُ
م الّنا َ ن الل ّ َ
إِ ّ
إن الله ل يظلم الناس شيًئا بزيادة في سيئاتهم أو نقص من
حسناتهم ,ولكن الناس هم الذين يظلمون أنفسهم بالكفر
والمعصية ومخالفة أمر الله ونهيه.
399
َ
م ن الن َّههارِ ي َت ََعهاَرُفو َ
ن ب َي ْن َُهه ْ مه ْ
ة ِ م ي َل ْب َُثوا إ ِل ّ َ
ساعَ ً ن لَ ْ
م ك َأ ْشُرهُ ْ ح ُم يَ ْ
وَي َوْ َ
ن )(45 دي َ مهْت َ ِ ما َ
كاُنوا ُ ن ك َذ ُّبوا ب ِل َِقاِء الل ّهِ وَ َ
ذي َسَر ال ّ ِخ ِقَد ْ َ
ويوم َيحشر الله هؤلء المشركين يوم البعث والحساب ,كأنهم قبل
ذلك لم يمكثوا في الحياة الدنيا إل قدر ساعة من النهار ,يعرف
ضا كحالهم في الدنيا ,ثم انقطعت تلك المعرفة وانقضت بعضهم بع ً
تلك الساعة .قد خسر الذين كفروا وك ّ
ذبوا بلقاء الله وثوابه وعقابه,
وما كانوا موّفقين لصابة الرشد فيما فعلوا.
م الل ّه ُ
ه م ث ُه ّ
جعُهُه ْ
مْر ِ م أ َوْ ن َت َوَفّي َن ّه َ
ك فَإ ِل َي ْن َهها َ ذي ن َعِد ُهُ ْض ال ّ ِ ما ن ُرِي َن ّ َ
ك ب َعْ َ وَإ ِ ّ
ن )(46 ما ي َْفعَُلو َ
شِهيد ٌ عََلى َ َ
دهم من العقاب ما نريّنك -أيها الرسول -في حياتك بعض الذي ن َعِ ُ
وإ ّ
في الدنيا ,أو نتوفينك قبل أن نريك ذلك فيهم ,فإلينا وحدنا يرجع
أمرهم في الحالتين ,ثم الله شهيد على أفعالهم التي كانوا يفعلونها
في الدنيا ,ل يخفى عليه شيء منها ,فيجازيهم بها جزاءهم الذي
يستحقونه.
ول ِك ُ ّ ُ
مل
ط وَهُ ه ْ م ِبال ِْق ْ
سه ِ ي ب َي ْن َهُ ه ْ
ضه َ سول ُهُ ْ
م قُ ِ جاَء َر ُ ل فَإ ِ َ
ذا َ سو ٌ
مةٍ َر ُ
لأ ّ َ
ن )(47 مو َ َ ْ
ي ُظل ُ
خل َ ْ
ت قبلكم -أيها الناس -رسول أرسلُته إليهم ,كما ولكل أمة َ
دا إليكم يدعو إلى دين الله وطاعته ,فإذا جاء رسولهمأرسلت محم ً
من جزاءي حينئذ بينهم بالعدل ,وهم ل ُيظلمون ِ
ض َفي الخرة قُ ِ
أعمالهم شيًئا.
ن )(48
صادِِقي َ
م َ ذا ال ْوَعْد ُ إ ِ ْ
ن ك ُن ْت ُ ْ مَتى هَ َ وَي َُقوُلو َ
ن َ
ويقول المشركون من قومك -أيها الرسول :-متى قيام الساعة إن
من تبعك من الصادقين فيما ت َِعدوننا به؟
كنت أنت و َ
َ َ
جُلو َ
ن )(51 ست َعْ ِ ن وَقَد ْ ك ُن ْت ُ ْ
م ب ِهِ ت َ ْ م ب ِهِ أال َ ما وَقَعَ آ َ
من ْت ُ ْ ذا َ أث ُ ّ
م إِ َ
أبعدما وقع عذاب الله بكم -أيها المشركون -آمنتم في وقت ل
ينفعكم فيه اليمان؟ وقيل لكم حينئذ :آلن تؤمنون به ,وقد كنتم
من قبل تستعجلون به؟
مهها ك ُن ْت ُه ْ
م ن إ ِل ّ ب ِ َ
ج هَزوْ َ خل ْدِ هَ ه ْ
ل تُ ْ ب ال ْ ُ ذوُقوا عَ َ
ذا َ ن ظ َل َ ُ
موا ُ ل ل ِل ّ ِ
ذي َ م ِقي َ ثُ ّ
ن )(52 سُبو َ ت َك ْ ِ
ثم قيل للذين ظلموا أنفسهم بكفرهم بالله :تجّرعوا عذاب الله
دا ,فهل ُتعاَقبون إل بما كنتم تعملون في حياتكم من
الدائم لكم أب ً
معاصي الله؟
َ ويستنبُئون َ َ
ن)
زي ه َ
ج ِ
مع ْ ِ
م بِ ُ
مهها أن ْت ُه ْ ه لَ َ
ح هق ّ و َ َ حقّ هُوَ قُ ْ
ل ِإي وََرّبي إ ِن ّه ُ كأ َ ََ ْ َِْ َ
(53
ويستخبرك هؤلء المشركون من قومك -أيها الرسول -عن العذاب
يوم القيامة ,أحقّ هو؟ قل لهم -أيها الرسول :-نعم وربي إنه لحق
ل شك فيه ,وما أنتم بمعجزين الله أن يبعثكم ويجازيكم ,فأنتم في
قبضته وسلطانه.
401
َ ل ن َْفس ظ َل َمت ما ِفي ال َ َ
ة
م َ
دا َ
سّروا الن ّ َ
ت ب ِهِ وَأ َ ض لفْت َد َ ْ ِ ر
ْ َ ْ َ ٍ ل ِك ُ ّ وَل َوْ أ ّ
ن
ن )(54 م ل ي ُظ ْل َ ُ
مو َ ط وَهُ ْ
س ِ م ِبال ِْق ْ
ي ب َي ْن َهُ ْ ب وَقُ ِ
ض َ ال ْعَ َ
ذا َ ما َرأ َْوا
لَ ّ
ولو أن لكل نفس أشركت وكفرت بالله جميع ما في الرض,
وأمكنها أن تجعله فداء لها من ذلك العذاب لفتدت به ,وأخفى
الذين ظلموا حسرتهم حين أبصروا عذاب الله واقعا بهم جميًعا,
وقضى الله عز وجل بينهم بالعدل ,وهم ل ُيظَلمون؛ لن الله تعالى
ل يعاقب أحدا إل بذنبه.
عظ َ ٌ َ
دوِر
صهه ُ
ما ِفي ال ّ
شَفاٌء ل ِ َ ن َرب ّك ُ ْ
م وَ ِ م ْ
ة ِ مو ْ ِ جاَءت ْك ُ ْ
م َ س قَد ْ َ َيا أي َّها الّنا ُ
ن )(57 مِني َ ة ل ِل ْ ُ
مؤ ْ ِ م ٌ
ح َ
دى وََر ْ وَهُ ً
يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم تذ ّ
كركم عقاب الله
وتخوفكم وعيده ,وهي القرآن وما اشتمل عليه من اليات
والعظات لصلح أخلقكم وأعمالكم ,وفيه دواء لما في القلوب من
الجهل والشرك وسائر المراض ,ورشد لمن اتبعه من الخلق
فينجيه من الهلك ,جعله سبحانه وتعالى نعمة ورحمة للمؤمنين,
صهم بذلك; لنهم المنتفعون باليمان ,وأما الكافرون فهو عليهم
وخ ّ
مى.عَ َ
402
ن)
معُههو َ
ج َ
مهها ي َ ْ
م ّ
خي ْهٌر ِ ك فَل ْي َْفَر ُ
حوا هُهوَ َ مت ِهِ فَب ِذ َل ِ َ ل الل ّهِ وَب َِر ْ
ح َ ض ِ قُ ْ
ل ب َِف ْ
(58
قل -أيها الرسول -لجميع الناس :بفضل الله وبرحمته ,وهو ما
جاءهم من الله من الهدى ودين الحق وهو السلم ,فبذلك
فليفرحوا; فإن السلم الذي دعاهم الله إليه ,والقرآن الذي أنزله
على محمد صلى الله عليه وسلم ,خير مما يجمعون من حطام
الدنيا وما فيها من الزهرة الفانية الذاهبة.
ل حَرام ها ً وَ َ
حلل ً قُ ه ْ ه َ
من ْ ُ جعَل ْت ُ ْ
م ِ ق فَ َ
ن رِْز ٍ
م ْ م ِ ه ل َك ُ ْ ما أ َن َْز َ
ل الل ّ ُ م َ
قُ ْ َ َ
ل أَرأي ْت ُ ْ
َأالل ّه أ َذن ل َك ُ َ
ن )(59 م عََلى الل ّهِ ت َْفت َُرو َ مأ ْ ْ ُ ِ َ
قل -أيها الرسول -لهؤلء الجاحدين للوحي :أخبروني عن هذا الرزق
الذي خلقه الله لكم من الحيوان والنبات والخيرات فحّللتم بعض
ذلك لنفسكم وحّرمتم بعضه ,قل لهم :آلله أذن لكم بذلك ,أم
تقولون على الله الباطل وتكذبون؟ وإنهم ليقولون على الله
الباطل ويكذبون.
ه ل َه ُ
ذو ن الل ّه َ م ال ِْقَيا َ
م هة ِ إ ِ ّ ن عََلى الل ّهِ ال ْك َذِ َ
ب ي َهوْ َ ن ي َْفت َُرو َ ن ال ّ ِ
ذي َ ما ظ َ ّوَ َ
َ
ن )(60 شك ُُرو َم ل يَ ْ س وَل َك ِ ّ
ن أك ْث ََرهُ ْ ل عَلى الّنا ِ
ض ٍ َ فَ ْ
ن هؤلء الذين يتخرصون على الله الكذب يوم الحساب, وما ظ ّ
فيضيفون إليه تحريم ما لم يحرمه عليهم من الرزاق والقوات ,أن
الله فاعل بهم يوم القيامة بكذبهم وفِْري َِتهم عليه؟ أيحسبون أنه
يصفح عنهم ويغفر لهم؟ إن الله لذو فضل على خلقه; بتركه
من افترى عليه الكذب بالعقوبة في الدنيا وإمهاله إياه, معاجلة َ
ولكن أكثر الناس ل يشكرون الله على تفضله عليهم بذلك.
403
من أمورك وما تتلو من كتاب الله
وما تكون -أيها الرسول -في أمر ِ
من آيات ,وما يعمل أحد من هذه المة عمل من خير أو شر إل كنا
مط ِّلعين عليه ,إذ تأخذون في ذلك ,وتعملونه,
دا ُ
عليكم شهو ً
فنحفظه عليكم ونجزيكم به ,وما يغيب عن علم ربك -أيها الرسول-
من زنة نملة صغيرة في الرض ول في السماء ,ول أصغر الشياء
ول أكبرها ,إل في كتاب عند الله واضح جلي ,أحاط به علمه وجرى
به قلمه.
ن )(62
حَزُنو َ
م يَ ْ ف عَل َي ْهِ ْ
م َول هُ ْ ن أ َوْل َِياءَ الل ّهِ ل َ
خو ْ ٌ َ
أل إ ِ ّ
أل إن أولياء الله ل خوف عليهم في الخرة من عقاب الله ,ول هم
يحزنون على ما فاتهم من حظوظ الدنيا.
ن )(63 مُنوا وَ َ
كاُنوا ي َت ُّقو َ نآ َ ال ّ ِ
ذي َ
دقوا الله واتبعوا رسوله وما
وصفات هؤلء الولياء ,أنهم الذين ص ّ
جاء به من عند الله ,وكانوا يتقون الله بامتثال أوامره ,واجتناب
معاصيه.
ت الل ّه ِ
ه ل ل ِك َل ِ َ
مهها ِ دي َ
خهَرةِ ل ت َب ْه ِ شَرى ِفي ال ْ َ
حَياةِ الهد ّن َْيا وَفِههي ال ِ م ال ْب ُ ْل َهُ ْ
م )(64 ظي ُك هُوَ ال َْفوُْز ال ْعَ ِ ذ َل ِ َ
ميعُ ال ْعَِلي ُ
م )(65 ميعا ً هُوَ ال ّ
س ِ ن ال ْعِّزةَ ل ِل ّهِ َ
ج ِ ك قَوْل ُهُ ْ
م إِ ّ حُزن ْ َ
َول ي َ ْ
ول يحزنك -أيها الرسول -قول المشركين في ربهم وافتراؤهم عليه
وإشراكهم معه الوثان والصنام; فإن الله تعالى هو المتفرد بالقوة
الكاملة والقدرة التامة في الدنيا والخرة ,وهو السميع لقوالهم,
العليم بأفعالهم ونياتهم.
404
ت ومن ِفي ال َ َ
ن
عو َ
ن ي َد ْ ُ ما ي َت ّب ِعُ ال ّ ِ
ذي َ ض وَ َ
ِ رْ ْ َ َ ِ واَ م
َ سّ ال في ِ نْ م
َ ِ هن ل ِل ّ
ّ ِ إ أل
ن )(66 ن ُ ْ ِ َ ُ ُ َ
صو ر خ
ْ ي ّ ل إ م ه ن وَإ ِ ْ ن إ ِل ّ الظ ّ ّن ي َت ّب ُِعو َ شَر َ
كاَء إ ِ ْ ن الل ّهِ ُ دو ِن ُ م ْ ِ
من في السموات ومن في الرض من الملئكة, أل إن لله كل َ
من يدعو غير الله من
والنس ,والجن وغير ذلك .وأي شيء يّتبع َ
الشركاء؟ ما يّتبعون إل الشك ,وإن هم إل يكذبون فيما ينسبونه
إلى الله.
صههرا ً إ ِ ّ
ن فِههي ذ َل ِه َ
ك سك ُُنوا ِفيهِ َوالن َّهاَر ُ
مب ْ ِ م الل ّي ْ َ
ل ل ِت َ ْ ل ل َك ُ ْجع َ َذي َ هُوَ ال ّ ِ
ن )(67 مُعو َ س َ
ت ل َِقوْم ٍ ي َ ْلَيا ٍ
هو الذي جعل لكم -أيها الناس -الليل لتسكنوا فيه وتهدؤوا من عناء
الحركة في طلب المعاش ,وجعل لكم النهار; لتبصروا فيه,
وا لطلب رزقكم .إن في اختلف الليل والنهار وحال أهلهما ولتسعَ ْ
جا على أن الله وحده هو المستحق للعبادة ,لقوم فيهما َلدلل ً
ة وحج ً
يسمعون هذه الحجج ,ويتفكرون فيها.
ن )(69
حو َ ن عََلى الل ّهِ ال ْك َذِ َ
ب ل ي ُْفل ِ ُ ن ي َْفت َُرو َ ن ال ّ ِ
ذي َ قُ ْ
ل إِ ّ
قل :إن الذين يفترون على الله الكذب باتخاذ الولد وإضافة
الشريك إليه ,ل ينالون مطلوبهم في الدنيا ول في الخرة.
405
مهها
ديد َ ب ِ َ ب ال ّ
شه ِ م ال ْعَ ه َ
ذا َ ذيُقهُ ْ م ث ُه ّ
م ن ُه ِ جعُهُ ه ْ م إ ِل َي َْنا َ
مْر ِ مَتاعٌ ِفي الد ّن َْيا ث ُ ّ َ
ن )(70 كاُنوا ي َك ُْفُرو ََ
ل عل َيههم نبهأ َ
ن ك َب ُهَر عَل َي ْك ُه ْ
م ن ك َهها َ مهِ ي َهها قَهوْم ِ إ ِ ْ ل ل َِقهوْ ِ ح إ ِذ ْ قَهها ٍَ هو هُ ن َوات ْ ُ َ ْ ِ ْ َ َ
َ َ
ممَرك ُه ْ مُعوا أ ْ ت ف َ هأ ْ
ج ِ ت الل ّههِ فَعَل َههى الل ّههِ ت َهوَك ّل ْ ُ ري ِبآي َهها ِ مي وَت َهذ ْ ِ
كي ِ مَقا ِ
َ
َ
ن ي َول ت ُن ْظ ِهُرو ِ ضوا إ ِل َ ّ م اقْ ُ ة ثُ ّ
م ًم غُ ّم عَل َي ْك ُ ْمُرك ُ ْ نأ ْ م ل ي َك ُ ْ م ثُ ّكاَءك ُ ْ
شَر َوَ ُ
)(71
واقصص -أيها الرسول -على كفار "مكة" خبر نوح -عليه السلم-
م عليكم مقامي فيكم وتذكيري مع قومه حين قال لهم :إن كان عَظ ُ َ
دوا
إياكم بحجج الله وبراهينه فعلى الله اعتمادي وبه ثقتي ,فأع ّ
أمركم ,وادعوا شركاءكم ,ثم ل تجعلوا أمركم عليكم مستتًرا بل
ي بالعقوبة والسوء الذي في إمكانكم, ظاهًرا منكشًفا ,ثم اقضوا عل ّ
ول تمهلوني ساعة من نهار.
ن )(76
مِبي ٌ
حٌر ُ ذا ل َ ِ
س ْ عن ْدَِنا َقاُلوا إ ِ ّ
ن هَ َ ن ِ
م ْ م ال ْ َ
حقّ ِ جاَءهُ ْ فَل َ ّ
ما َ
مه الحقّ الذي جاء به موسى قالوا :إن الذي
ن وقو َ
فلما أتى فرعو َ
جاء به موسى من اليات إنما هو سحر ظاهر.
407
مهها ال ْك ِب ْرِي َههاءُ فِههي َ
ن ل َك ُ َ جد َْنا عَل َي ْهِ آَباَءَنا وَت َ ُ
كو َ ما وَ َ جئ ْت ََنا ل ِت َل ِْفت ََنا عَ ّ
َقاُلوا أ ِ
ال َ
ن )(78 مِني َ مؤ ْ ِ ن ل َك ُ َ
ما ب ِ ُ ح ُ ما ن َ ْ ض وَ َ ِ رْ
قال فرعون وملؤه لموسى :أجئتنا لتصرفنا عما وجدنا عليه آباءنا
من عبادة غير الله ,وتكون لكما أنت وهارون العظمة والسلطان
في أرض "مصر"؟ وما نحن لكما بمقّرين بأنكما رسولن ُأرسلتما
إلينا; لنعبد الله وحده ل شريك له.
َ َ
مل ُْقو َ
ن )(80 م ُ سى أل ُْقوا َ
ما أن ْت ُ ْ مو َ ل ل َهُ ْ
م ُ حَرةُ َقا َ
س َ
جاءَ ال ّ فَل َ ّ
ما َ
فلما جاء السحرة فرعون قال لهم موسى :ألقوا على الرض ما
معكم من حبالكم وعصّيكم.
َ
ن الّلهه َ
ه سي ُب ْط ِل ُ ُ
ه إِ ّ ن الل ّ َ
ه َ حُر إ ِ ّ
س ْ جئ ْت ُ ْ
م ب ِهِ ال ّ ما ِ
سى َ مو َ ل ُ وا َقا َما أل َْق ْ فَل َ ّ
ن )(81 دي َ
س ِمْف ِل ال ْ ُ
م َ ح عَ َ صل ِ ُ
ل يُ ْ
ن الذي جئتم به
فلما ألَقوا حبالهم وعصّيهم قال لهم موسى :إ ّ
وألقيتموه هو السحر ,إن الله سي ُ ْ
ذهب ما جئتم به وسُيبطله ,إن
من سعى في أرض الله بما يكرهه ,وأفسد فيها الله ل يصلح عمل َ
بمعصيته.
ن )(82
مو َ
جرِ ُ مات ِهِ وَل َوْ ك َرِهَ ال ْ ُ
م ْ ه ال ْ َ
حقّ ب ِك َل ِ َ حقّ الل ّ ُ
وَي ُ ِ
ويثّبت الله الحق الذي جئتكم به من عنده فُيعليه على باطلكم
من آل
بكلماته وأمره ,ولو كره المجرمون أصحاب المعاصي ِ
فرعون.
مل َئ ِهِ ْ
م ن وَ َن فِْرعَوْ َم ْ ف ِخو ْ ٍ مهِ عََلى َ ن قَوْ ِ
م ْ
ة ِسى إ ِل ّ ذ ُّري ّ ٌ مو َ ن لِ ُ م َ ما آ َ فَ َ
ن ل ََعال ِفي ال َ أَ
ن )(83 سرِِفي َم ْن ال ْ ُ
م ْه لَ ِ
ض وَإ ِن ّ ُ
ِ ر
ْ ٍ َ ْ وَ عرْ ِ ف ن
ّ ِ إ َ و م
ْ ُ هَ نِ تفْ َ ي ن
ْ
408
فما آمن لموسى عليه السلم مع ما أتاهم به من الحجج والدلة إل
ذرية من قومه من بني إسرائيل ,وهم خائفون من فرعون وملئه
دوهم عن دينهم ,وإن فرعون َلجبارأن يفتنوهم بالعذاب ,فيص ّ
مستكبر في الرض ,وإنه لمن المتجاوزين الحد في الكفر والفساد.
ن )(85
مي َ ة ل ِل َْقوْم ال ّ
ظال ِ ِ جعَل َْنا فِت ْن َ ً
فََقاُلوا عََلى الل ّهِ ت َوَك ّل َْنا َرب َّنا ل ت َ ْ
ِ
فقال قوم موسى له :على الله وحده ل شريك له اعتمدنا ,وإليه
وضنا أمرنا ,ربنا ل تنصرهم علينا فيكون ذلك فتنة لنا عن الدين، ف ّ
أو ُيفتن الكفاُر بنصرهم ،فيقولوا :لو كانوا على حق لما ُ
غلبوا.
ن )(86
ري َ ن ال َْقوْم ِ ال ْ َ
كافِ ِ م ْ مت ِ َ
ك ِ ح َ
جَنا ب َِر ْ
وَن َ ّ
جنا برحمتك من القوم الكافرين فرعون وملئه; لنهم كانوا
ون ّ
يأخذونهم بالعمال الشاقة.
409
ك آتيت فرعَون ومل َه زين ه ً َ
وال ً فِههي ال ْ َ
حي َههاةِ مه َ ة وَأ ْ سى َرب َّنا إ ِن ّ َ َ ْ َ ِ ْ ْ َ َ َ ُ ِ َ مو َ ل ُ وََقا َ
شد ُد ْ عََلى َ
م َوا ْ وال ِهِ ْم َس عََلى أ ْم ْ ك َرب َّنا اط ْ ِ
سِبيل ِ َ
ن َضّلوا عَ ْالد ّن َْيا َرب َّنا ل ِي ُ ِ
َ حّتى ي ََرْوا ال ْعَ َ
م )(88ب الِلي َ ذا َ م َفل ي ُؤْ ِ
مُنوا َ قُُلوب ِهِ ْ
وقال موسى :ربنا إنك أعطيت فرعون وأشراف قومه زينة من
متاع الدنيا; فلم يشكروا لك ,وإنما استعانوا بها على الضلل عن
سبيلك ,ربنا اطمس على أموالهم ,فل ينتفعوا بها ,واختم على
قلوبهم حتى ل تنشرح لليمان ,فل يؤمنوا حتى يروا العذاب الشديد
الموجع.
ُ
ن ن ل ي َعْل َ ُ
مو َ ل ال ّ ِ
ذي َ سِبي َ
ن َ
ما َول ت َت ّب َِعا ِ
ست َِقي َ ت د َعْوَت ُك ُ َ
ما َفا ْ ل قَد ْ أ ِ
جيب َ ْ َقا َ
)(89
قال الله تعالى لهما :قد أجيبت دعوتكما في فرعون وملئه
من على دعائه ,فمن هنا وأموالهم -وكان موسى يدعو ,وهارون يؤ ّ
نسبت الدعوة إلى الثنين -فاستقيما على دينكما ,واستمّرا على
دعوتكما فرعون وقومه إلى توحيد الله وطاعته ,ول تسلكا طريق
من ل يعلم حقيقة وعدي ووعيدي.َ
دوا ً َ
جن ُههود ُهُ ب َْغي ها ً وَعَه ْ
محَر فَأت ْب َعَهُ ْ
ن وَ ُ ل ال ْب َ ْ
فِْرعَهوْ ُ سَراِئي َجاوَْزَنا ب ِب َِني إ ِ ْ وَ َ
َ َ
ت ب ِههِ ب َن ُههو
من َه ْذي آ َه ه إ ِل ّ ال ّه ِ
ت أن ّه ُ ل إ ِل َه َ
من ْه ُ
لآ َ ه ال ْغََرقُ َقا َ ذا أد َْرك َ ُحّتى إ ِ َ َ
َ
ن )(90 مي َ سل ِ ِ
م ْن ال ْ ُم ْل وَأَنا ِ سَراِئي َ إِ ْ
وقط َْعنا ببني إسرائيل البحر حتى جاوزوه ,فأتبعهم فرعون وجنوده
ما وعدواًنا ,فسلكوا البحر وراءهم ,حتى إذا أحاط بفرعون ظل ً
ت به بنو إسرائيل ,وأنا من
ت أنه ل إله إل الذي آمن ْ الغرق قال :آمن ُ
الموحدين المستسلمين بالنقياد والطاعة.
َ
ن )(91
دي َ
س ِ ن ال ْ ُ
مْف ِ م ْ ل وَك ُن ْ َ
ت ِ ت قَب ْ ُ ن وَقَد ْ عَ َ
صي ْ َ أال َ
آلن يا فرعون ,وقد نزل بك الموت تقّر لله بالعبودية ,وقد عصيته
قبل نزول عذابه بك ,وكنت من المفسدين الصادين عن سبيله!!
فل تنفعك التوبة ساعة الحتضار ومشاهدة الموت والعذاب.
410
س
ن الن ّهها ِ ن ك َِثيههرا ً ِ
مه ْ ة وَإ ِ ّ خل َْفه َ
ك آي َه ً ن َ
م ْ
ن لِ َ ك ل ِت َ ُ
كو َ ك ب ِب َد َن ِ َ
جي َ َفال ْي َوْ َ
م ن ُن َ ّ
ن )(92 ن آَيات َِنا ل ََغافُِلو َ عَ ْ
ذب فاليوم نجعلك على مرتفع من الرض ببدنك ,ينظر إليك من ك ّ
بهلكك; لتكون لمن بعدك من الناس عبرة يعتبرون بك .فإن كثيًرا
من الناس عن حججنا وأدلتنا َلغافلون ,ل يتفكرون فيها ول يعتبرون.
حا مختاًرا في بلد "الشام" ولقد أنزلنا بني إسرائيل منزل صال ً
و"مصر" ,ورزقناهم الرزق الحلل الطيب من خيرات الرض
من بعد ما جاءهم العلم المباركة ,فما اختلفوا في أمر دينهم إل ِ
الموجب لجتماعهم وائتلفهم ,ومن ذلك ما اشتملت عليه التوراة
من الخبار بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم .إن ربك -أيها
صل فيما كانوا يختلفون فيهالرسول -يقضي بينهم يوم القيامة ,وي َْف ِ
من أمرك ,فيدخل المكذبين النار والمؤمنين الجنة.
ن ال ْك ِت َهها َ
ب ن ي َْق هَرُءو َ
ذي َل ال ّه ِ س هأ َ ْ
ك َفا ْما أ َن َْزل َْنا إ ِل َي ْ َم ّك ِش ّت ِفي َ ن ك ُن ْ َ فَإ ِ ْ
ن )(94 ري َ
مت َ ِ
م ْ
ن ال ُم ْن ِ كون َ ّك َفل ت َ ُ
ن َرب ّ َ م ْ حقّ ِ ك ال ْ َ ك ل ََقد ْ َ
جاَء َ ن قَب ْل ِ َم ْ ِ
فإن كنت -أيها الرسول -في ريب من حقيقة ما أخبرناك به فاسأل
الذين يقرؤون الكتاب من قبلك من أهل التوراة والنجيل ,فإن ذلك
ثابت في كتبهم ,لقد جاءك الحق اليقين من ربك بأنك رسول الله,
وأن هؤلء اليهود والنصارى يعلمون صحة ذلك ,ويجدون صفتك في
ن من الشا ّ
كين كتبهم ,ولكنهم ينكرون ذلك مع علمهم به ,فل تكون ّ
في صحة ذلك وحقيقته.
ن )(95
ري َ
س ِ ن ال ْ َ
خا ِ م ْ
ن ِ ت الل ّهِ فَت َ ُ
كو َ ن ك َذ ُّبوا ِبآَيا ِ ن ال ّ ِ
ذي َ م ْ
ن ِ َول ت َ ُ
كون َ ّ
ذبوا بحجج الله وأدلته فتكونول تكونن -أيها الرسول -من الذين ك ّ
خ َ
ط الله عليهم ونالوا عقابه. من الخاسرين الذين س ِ
411
ن )(96
مُنو َ ة َرب ّ َ
ك ل ي ُؤْ ِ م ُ ت عَل َي ْهِ ْ
م ك َل ِ َ حّق ْ
ن َ ن ال ّ ِ
ذي َ إِ ّ
إن الذين حّقت عليهم كلمة ربك -أيها الرسول -بطردهم من رحمته
وعذابه لهم ,ل يؤمنون بحجج الله ,ول يقّرون بوحدانيته ,ول يعملون
بشرعه.
من ُههوا س لَ ّ
مهها آ َ م ي ُههون ُ َ مان ُهَهها إ ِل ّ قَهوْ َت فَن ََفعَهَهها ِإي َمن َه ْةآ َت قَْري َه ٌ ول َ
كان َ ْ فَل َ ْ
ن) حي ه ٍ م إ ِل َههى ِ
مت ّعْن َههاهُ ْ
حَياةِ ال هد ّن َْيا وَ َ ي ِفي ال ْ َ ب ال ْ ِ
خْز ِ ذا َم عَ َ شْفَنا عَن ْهُ ْ كَ َ
(98
لم ينفع اليمان أهل قرية آمنوا عند معاينة العذاب إل أهل قرية
ما أيقنوا أن العذاب نازل بهم تابوا إلى الله
مّتى ,فإنهم له ّ
يونس بن َ
ما تبّين منهم الصدق في توبتهم كشف الله تعالى توبة نصوحا ,فل ّ
عنهم عذاب الخزي بعد أن اقترب منهم ,وتركهم في الدنيا
يستمتعون إلى وقت إنهاء آجالهم.
َ َ ك لمن من ِفي ال َ
ميعا ً أفَأن ْ َ
ت ت ُك ْرِهُ الّنهها َ
س ج ِ ض ك ُل ّهُ ْ
م َ ِ ر
ْ َ َ َ ْ شاَء َرب ّ َوَل َوْ َ
ن )(99 مؤ ْ ِ
مِني َ كوُنوا ُ حّتى ي َ َُ
ولو شاء ربك -أيها الرسول -اليمان لهل الرض كلهم لمنوا جميًعا
بما جئتهم به ,ولكن له حكمة في ذلك; فإنه يهدي من يشاء ويضل
كره الناس علىمن يشاء وَْفق حكمته ,وليس في استطاعتك أن ت ُ ْ
اليمان.
َ
نل س عََلى ال ّ ِ
ذي َ ج َ
ل الّر ْ ن الل ّهِ وَي َ ْ
جع َ ُ ن إ ِل ّ ب ِإ ِذ ْ ِ ن ت ُؤْ ِ
م َ سأ ْن ل ِن َْف ٍ ما َ
كا َ وَ َ
ن )(100 ي َعِْقُلو َ
412
وما كان لنفس أن تؤمن بالله إل بإذنه وتوفيقه ,فل ُتجهد نفسك
في ذلك ,فإن أمرهم إلى الله .ويجعل الله العذاب والخزي على
الذين ل يعقلون أمره ونهيه.
ت وال َ
ت َوالن ّذ ُُر عَه ْ
ن ما ت ُغِْني الَيا ُ
ض وَ َ
ِ ر
ْ وا ِ َ
م َ
س َ
ذا ِفي ال ّ ل ان ْظ ُُروا َ
ما َ قُ ْ
ن )(101 قَوْم ٍ ل ي ُؤْ ِ
مُنو َ
قل -أيها الرسول -لقومك :تفكروا واعتبروا بما في السموات
والرض من آيات الله البينات ,ولكن اليات والعبر والرسل المنذرة
ما ل يؤمنون بشيء من ذلك؛ لعراضهم عباد الله عقابه ,ل تنفع قو ً
وعنادهم.
ل ينتظرون إل ّ مث ْ َ َ
ل َفان ْت َظ ُِروا إ ِن ّههي
م قُ ْ
ن قَب ْل ِهِ ْ
م ْ خل َ ْ
وا ِ ن َ ل أّيام ِ ال ّ ِ
ذي َ فَهَ ْ َ ْ َ ِ ُ َ ِ ِ
ن )(102 ري َ ن ال ْ ُ
من ْت َظ ِ ِ م ْ معَك ُ ْ
م ِ َ
ما يعاينون فيه عذاب الله مثل أيام أسلفهم
فهل ينتظر هؤلء إل يو ً
ضوا قبلهم؟ قل لهم -أيها الرسول :-فانتظروام َ
المكذبين الذين َ
عقاب الله إني معكم من المنتظرين عقابكم.
ن )(103
مِني َ ج ال ْ ُ
مؤ ْ ِ ك َ ً َ
حّقا عَلي َْنا ن ُن ْ ِ مُنوا ك َذ َل ِ َ
نآ َ سل ََنا َوال ّ ِ
ذي َ جي ُر ُ ثُ ّ
م ن ُن َ ّ
جيك -أيها
جي رسلنا والذين آمنوا معهم ,وكما نجينا أولئك نن ّ
ثم نن ّ
الرسول -ومن آمن بك تفضل مّنا ورحمة.
َ َ
ندو َن ت َعْب ُ ُ
ذي َن ِديِني َفل أعْب ُد ُ ال ّ ِ م ْ ك ِ ش ّم ِفي َ ن ك ُن ْت ُ ْ س إِ ْ
ل َيا أي َّها الّنا ُ قُ ْ
َ َ ُ َ
ن
مه ْن ِ ن أك ُههو َ تأ ْ مهْر ُ ذي ي َت َوَفّههاك ُ ْ
م وَأ ِ ه ال ّه ِ
ن أعْب ُد ُ الل ّ َ ن الل ّهِ وَل َك ِ ْ دو ِن ُ م ْ ِ
ن )(104 مِني َمؤ ْ ِال ْ ُ
قل -أيها الرسول -لهؤلء الناس :إن كنتم في شك من صحة ديني
الذي دعوتكم إليه ,وهو السلم ومن ثباتي واستقامتي عليه,
دا من وترجون تحويلي عنه ,فإني ل أعبد في حال من الحوال أح ً
الذين تعبدونهم مما اتخذتم من الصنام والوثان ,ولكن أعبد الله
413
مْرت أن أكون من ُ
وحده الذي يميتكم ويقبض أرواحكم ,وأ ِ
دقين به العاملين بشرعه.
المص ّ
وأ َ َ
ن )(105
كي َ
شرِ ِ ن ال ْ ُ
م ْ م ْ
ن ِ حِنيفا ً َول ت َ ُ
كون َ ّ ن َ
دي ِ جه َ َ
ك ِلل ّ م وَ ْ
ن أقِ ْ
َ ْ
ما عليه غير
وأن أقم -أيها الرسول -نفسك على دين السلم مستقي ً
مائل عنه إلى يهودية ول نصرانية ول عبادة غيره ,ول تكونن ممن
يشرك في عبادة ربه اللهة والنداد ,فتكون من الهالكين .وهذا وإن
جه لعموم المة .كان خطاًبا للرسول صلى الله عليه وسّلم فإنه مو ّ
ن ك ِإذا ً ِ
م ْ ن فَعَل ْ َ
ت فَإ ِن ّ َ ضّر َ
ك فَإ ِ ْ ك َول ي َ ُ ن الل ّهِ َ
ما ل ي َن َْفعُ َ دو ِ
ن ُ
م ْ
َول ت َد ْعُ ِ
ن )(106 مي َ ال ّ
ظال ِ ِ
ول ت َد ْعُ -أيها الرسول -من دون الله شيًئا من الوثان والصنام; لنها
ل تنفع ول تضّر ,فإن فعَْلت ذلك ودعوتها من دون الله فإنك إ ً
ذا من
المشركين بالله ,الظالمين لنفسهم بالشرك والمعصية .وهذا وإن
جه لعموم المة . كان خطاًبا للرسول صلى الله عليه وسّلم فإنه مو ّ
َ
دى فَإ ِن ّ َ
مهها ن اهْت َه َ م فَ َ
مه ْ ن َرب ّك ُه ْ
مه ْ ح هقّ ِم ال ْ َ
جههاَءك ُ ْ س قَد ْ َل َيا أي َّها الّنا ُ قُ ْ
َ
ل) كيه ٍ م ب ِوَ ِمهها أن َهها عَل َي ْك ُه ْ
ل عَل َي ْهَهها وَ َضه ّ
ما ي َ ِ ل فَإ ِن ّ َ
ض ّن َ م ْسه ِ و َ َ
دي ل ِن َْف ِي َهْت َ ِ
(108
قل -أيها الرسول -لهؤلء النههاس :قههد جههاءكم رسههول اللههه بههالقرآن
الذي فيه بيان هدايتكم ,فمن اهتدى بهههدي اللههه فإنمهها ثمههرة عملههه
راجعة إليه ,ومن انحرف عن الحق وأصّر على الضلل فإنما ضههلله
414
كل بكم حتى تكونوا مؤمنين ,إنما أنههاوضرره على نفسه ,وما أنا مو ّ
سْلت به. ُ
رسول مبّلغ أبّلغكم ما أْر ِ
ن)
مي َ خي ْهُر ال ْ َ
حههاك ِ ِ م الل ّه ُ
ه وَهُ هوَ َ حك ُ َ
حّتى ي َ ْ
صب ِْر َ حى إ ِل َي ْ َ
ك َوا ْ ما ُيو َ
َوات ّب ِعْ َ
(109
واتبع -أيها الرسول -وحي الله الذي يوحيه إليك فاعمههل بهه ,واصههبر
على طاعة الله تعالى ،وعن معصيته ،وعلى أذى من آذاك في تبليغ
رسالته ,حتى يقضي الله فيهم وفيههك أمههره ,وهههو -عهّز وجههل -خيههر
الحاكمين; فإن حكمه مشتمل على العدل التام.
-11سورة هود
ُ
خِبيرٍ )(1
كيم ٍ َ
ح ِ ن ل َد ُ ْ
ن َ م ْ صل َ ْ
ت ِ م فُ ّ
ه ثُ ّ
ت آَيات ُ ُ
م ْ
حك ِ َ
بأ ْالر ك َِتا ٌ
طعة في أول سورة البقرة. )الر( سبق الكلم على الحروف المق ّ
هذا الكتاب الههذي أنزلهه اللهه علههى محمههد صههلى اللههه عليههه وسههلم
ُأحكمت آياته من الخلههل والباطههل ,ثههم ب ُّينههت بههالمر والنهههي وبيههان
الحلل والحرام من عند الله ,الحكيم بتدبير المور ,الخبير بما تؤول
إليه عواقبها.
َ
شيٌر )(2
ذيٌر وَب َ ِ
ه نَ ِ
من ْ ُ ه إ ِن ِّني ل َك ُ ْ
م ِ دوا إ ِل ّ الل ّ َ
أل ّ ت َعْب ُ ُ
وإنزال القرآن وبيان أحكامه وتفصيلها وإحكامها; لجل أن ل تعبههدوا
إل الله وحده ل شريك له .إنني لكم -أيها الناس -من عند الله نههذير
شركم بثوابه.ينذركم عقابه ,وبشير يب ّ
َ َ
لجه ٍسههنا ً إ ِل َههى أ َ مَتاع ها ً َ
ح َ م َ مت ّعْك ُه ْم ُتوُبوا إ ِل َي ْهِ ي ُ َ ست َغِْفُروا َرب ّك ُ ْ
م ثُ ّ نا ْوَأ ْ
ف عَل َي ْك ُه ْ
م خها ُ وا فَهإ ِّني أ َ َ
ن ت َوَل ّه ْ
ه وَإ ِ ْ ضهل َ ُل فَ ْ ضه ٍل ِذي فَ ْ ت كُ ّمى وَي ُؤْ ِس ّم َ ُ
ب ي َوْم ٍ ك َِبيرٍ )(3
ذا َ عَ َ
415
واسألوه أن يغفر لكم ذنوبكم ,ثم ارجعوا إليه نههادمين يمتْعكههم فههي
ط
عا حسًنا بالحياة الطيبة فيها ,إلى أن يحين أجلكم ,وُيعهه ِ دنياكم متا ً
كل ذي فضل من علم وعمل جزاء فضههله كههامل ل نقههص فيههه ,وإن
ما أدعوكم إليه فإني أخشى عليكم عذاب يوم شديد ,وهو تعرضوا ع ّ
يوم القيامة .وهذا تهديد شههديد لمههن تههوّلى عههن أوامههر اللههه تعههالى
ذب رسله. وك ّ
يءٍ قَ ِ
ديٌر )(4 م وَهُوَ عََلى ك ُ ّ
ل َ
ش ْ جعُك ُ ْ إ َِلى الل ّهِ َ
مْر ِ
إلى الله رجوعكم بعد موتكم جميًعا فاحههذروا عقههابه ,وهههو سههبحانه
قادر على بعثكم وحشركم وجزائكم.
م
ن ث ِي َههاب َهُ ْ ست َغْ ُ
شههو َ ن يَ ْ ه َأل ِ
حي ه َ من ْه ُ
خُفوا ِ ست َ ْ م ل ِي َ ْ
دوَرهُ ْ ص ُ
ن ُ م ي َث ُْنو َ
أل إ ِن ّهُ ْ
َ
دورِ )(5 ص ُت ال ّ
ذا ِم بِ َ ه عَِلي ٌن إ ِن ّ ُما ي ُعْل ُِنو َ
ن وَ َ
سّرو َما ي ُ ِ م َ ي َعْل َ ُ
إن هؤلء المشركين يضمرون في صدورهم الكفههر; ظن ًهها منهههم أنههه
يخفههى علههى اللههه مهها تضههمره نفوسهههم ,أل يعلمههون حيههن يغط ّههون
سّرهم وعلنيتهم؟ إنه عليههم أجسادهم بثيابهم أن الله ل يخفى عليه ِ
بكل ما ت ُك ِّنه صدورهم من النيات والضمائر والسرائر.
416
الجزء الثاني عشر :
َ
ها
ست ََقّر َ
م ْ ض إ ِل ّ عََلى الل ّهِ رِْزقَُها وَي َعْل َ ُ
م ُ داب ّةٍ ِفي الْر ِ ن َ م ْ ما ِ
وَ َ
ن )(6 مِبي ٍ
ب ُ ست َوْد َعََها ك ُ ّ
ل ِفي ك َِتا ٍ م ْوَ ُ
ب على وجه الرض ,تفضل منه, لقد تكّفل الله برزق جميع ما د ّ
ويعلم مكان استقراره في حياته وبعد موته ,ويعلم الموضع الذي
يموت فيه ,كل ذلك مكتوب في كتاب عند الله مبين عن جميع
ذلك.
417
ول َئ ِ َ
ه ل َي َُئو ٌ
س ك َُفوٌر )(9 ه إ ِن ّ ُ
من ْ ُ
ها ِ ة ثُ ّ
م ن ََزعَْنا َ م ً
ح َ
مّنا َر ْ
ن ِ
سا َ ن أذ َقَْنا ا ِ
لن َ َ ْ
مّنا نعمة من صحة وأمن وغيرهما ,ثم سلبناها ولئن أعطينا النسان ِ
منه ,إنه َلشديد اليأس من رحمة اللهَ ,
جحود بالنعم التي أنعم الله
بها عليه.
ول َئ ِ َ
ه سي َّئا ُ
ت عَّني إ ِن ّ ُ ب ال ّ ه ل َي َُقول َ ّ
ن ذ َهَ َ ست ْ ُ
م ّ
ضّراءَ َ ن أذ َقَْناهُ ن َعْ َ
ماءَ ب َعْد َ َ َ ْ
خوٌر )(10 ح فَ ُل ََفرِ ٌ
سعنا عليه في رزقه بعد ضيق منولئن بسطنا للنسان في دنياه وو ّ
ن عند ذلك :ذهب الضيق عني وزالت الشدائد ,إنه العيش ,ليقول َ ّ
طر بالنعم ,مبالغ في الفخر والتعالي على الناس.لب َ ِ
َ ت أ ُوْل َئ ِ َ
جٌر ك َِبيٌر )
مغِْفَرةٌ وَأ ْ ك ل َهُ ْ
م َ حا ِ مُلوا ال ّ
صال ِ َ صب َُروا وَعَ ِ
ن َ إ ِل ّ ال ّ ِ
ذي َ
(11
لكن الذين صبروا على ما أصابهم من الضراء إيماًنا بالله واحتساًبا
للجر عنده ,وعملوا الصالحات شكرا لله على نعمه ,هؤلء لهم
مغفرة لذنوبهم وأجر كبير في الخرة.
ك وضائ ِق به صدر َ َ
ول ن ي َُقوُلوا ل َ ْ
كأ ْ حى إ ِل َي ْ َ َ َ ٌ ِ ِ َ ْ ُ ما ُيو َ
ض َك ب َعْ َ فَل َعَل ّ َ
ك َتارِ ٌ
ه عََلى ك ُ ّ َ ل عَل َيه َ َ ُأنزِ َ
ي ءٍ
ش ْ ل َ ذيٌر َوالل ّ ُ
ت نَ ِ
ما أن ْ َ مل َ ٌ
ك إ ِن ّ َ ه َ
مع َ ُ
جاَء َ
كنٌز أوْ َ ْ ِ
ل )(12 كي ٌ وَ ِ
فلعلك -أيها الرسول لعظم ما تراه منهم من الكفر والتكذيب -تارك
بعض ما يوحى إليك مما أنزله الله عليك وأمرك بتبليغه ,وضائق به
صدرك; خشية أن يطلبوا منك بعض المطالب على وجه التعنت,
كأن يقولوا :لول ُأنزل عليه مال كثير ,أو جاء معه ملك يصدقه في
رسالته ,فبلغهم ما أوحيته إليك; فإنه ليس عليك إل النذار بما
ُأوحي إليك .والله على كل شيء حفيظ يد َّبر جميع شؤون خلقه.
ن
م ْ
عوا َ
ت َواد ْ ُ مث ْل ِهِ ُ
مْفت ََرَيا ٍ سوَرٍ ِ ل فَأ ُْتوا ب ِعَ ْ
شرِ ُ م ي َُقوُلو َ
ن افْت ََراهُ قُ ْ َ
أ ْ
418
ن )(13
صادِِقي َ
م َ
كنت ُ ْ ن الل ّهِ إ ِ ْ
ن ُ دو ِ
ن ُ
م ْ ست َط َعْت ُ ْ
م ِ ا ْ
دا قد افترى
بل أيقول هؤلء المشركون من أهل "مكة" :إن محم ً
هذا القرآن؟ قل لهم :إن كان المر كما تزعمون فأتوا بعشر سور
مثله مفتريات ,وادعوا من استطعتم من جميع خلق الله
ليساعدوكم على التيان بهذه السور العشر ,إن كنتم صادقين في
دعواكم.
ف إل َيه َ
م مال َهُ ْ
م ِفيَها وَهُ ْ م أعْ َ ريد ُ ال ْ َ
حَياةَ الد ّن َْيا وَِزين َت ََها ن ُوَ ّ ِ ْ ِ ْ ن يُ ِ كا َ ن َ
م َْ
ن )(15 سو َ خ ُ ِفيَها ل ي ُب ْ َ
مَتعها نعطهم ما قُ ِ
سم لهم من من كان يريد بعمله الحياة الدنيا و ُ
ثواب أعمالهم في الحياة الدنيا كامل غير منقوص.
م
خَرةِ هُ ْ وجا ً وَهُ ْ
م ِبال ِ ل الل ّهِ وَي َب ُْغون ََها ِ
ع َ سِبي ِ
ن َ
ن عَ ْ
دو َ
ص ّ
ن يَ ُ ال ّ ِ
ذي َ
ن )(19 كافُِرو َ َ
420
أولئك الكافرون لم يكونوا ليفوتوا الله في الدنيا هرًبا ,وما كان لهم
ف لهم العذاب في جهنم; من أنصار يمنعونهم من عقابه .يضاعَ ُ ِ
لنهم كانوا ل يستطيعون أن يسمعوا القرآن سماع منتفع ,أو
يبصروا آيات الله في هذا الكون إبصار مهتد; لشتغالهم بالكفر
الذي كانوا عليه مقيمين.
َ أ ُوْل َئ ِ َ
ن )(21 ما َ
كاُنوا ي َْفت َُرو َ م َ ض ّ
ل عَن ْهُ ْ م وَ َ
سه ُ ْ
سُروا أنُف َ
خ ِ
ن َ ك ال ّ ِ
ذي َ
أولئك الذين خسروا أنفسهم بافترائهم على الله ,وذهب عنهم ما
دعون أنها تشفع لهم. كانوا يفترون من اللهة التي ي ّ
ن )(22 م ال َ ْ ل جر َ
سُرو َ
خ َ خَرةِ هُ ْ
م ِفي ال ِ
م أن ّهُ ْ
َ َ َ
حًقا أنهم في الخرة أخسر الناس صفقة; لنهم استبدلوا الدركات
بالدرجات ,فكانوا في جهنم ,وذلك هو الخسران المبين.
421
َ
ن )(25
مِبي ٌ
ذيٌر ُ مهِ إ ِّني ل َك ُ ْ
م نَ ِ سل َْنا ُنوحا ً إ َِلى قَوْ ِ
وَل ََقد ْ أْر َ
حا إلى قومه فقال لهم :إني نذير لكم من عذابولقد أرسلنا نو ً
ُ
الله ,مبّين لكم ما أرسلت به إليكم من أمر الله ونهيه.
ما ن ََرا َ
ك مث ْل ََنا وَ َ
شرا ً ِ ك إ ِل ّ ب َ َ
ما ن ََرا َ ن قَوْ ِ
مه ِ َ ن ك ََفُروا ِ
م ْ ذي َمل ال ّ ِل ال ْ َ فََقا َ
ْ ك إل ّ ال ّذين هُ َ
ل ن فَ ْ
ض ٍ م ْ م عَل َي َْنا ِ ما ن ََرى ل َك ُ ْ ي وَ َ م أَراذِل َُنا َباِدي الّرأ ِ
ْ ِ َ ات ّب َعَ َ ِ
ن )(27 م َ
كاذِِبي َ ل ن َظ ُن ّك ُ ْ
بَ ْ
مَلك ولكنك بشر ,فكيف فقال رؤساء الكفر من قومه :إنك لست ب َ
من دوننا؟ وما نراك اتبعك إل الذين هم أسافلنا وإنما ُ
أوحي إليك ِ
اتبعوك من غير تفكر ول روّية ,وما نرى لكم علينا من فضل في
ما دخلتم في دينكم هذا ,بل نعتقد أنكم كاذبون فيما رزق ول مال له ّ
دعون.
ت ّ
َ َ
ن
م ْ
ة ِ
م ً
ح َ
ن َرّبي َوآَتاِني َر ْ م ْ ت عََلى ب َي ّن َةٍ ِ ن ُ
كن ُ م إِ ْل َيا قَوْم ِ أَرأي ْت ُ ْ
َقا َ
ن )(28 م ل ََها َ عنده فَعميت عَل َيك ُم أ َنل ْزمك ُمو َ َ
هو َ كارِ ُ ها وَأن ْت ُ ْ ْ ْ ُ ِ ُ ُ ِ ْ ِ ِ ُ ّ َ ْ
ت على حجة ظاهرة من ربي فيما قال نوح :يا قومي أرأيتم إن كن ُ
جئتكم به تبّين لكم أنني على الحق من عنده ,وآتاني رحمة من
عنده ,وهي النبوة والرسالة فأخفاها عليكم بسبب جهلكم
وغروركم ,فهل يصح أن ن ُْلزمكم إياها بالكراه وأنتم جاحدون بها؟ ل
كل أمركم إلى الله حتى يقضي في أمركم ما نفعل ذلك ,ولكن ن َ ِ
يشاء.
422
قال نوح عليه السلم لقومه :يا قوم ل أسألكم على دعوتكم لتوحيد
ي بعد إيمانكم ,ولكن ثوابالله وإخلص العبادة له مال ً تؤدونه إل ّ
نصحي لكم على الله وحده ,وليس من شأني أن أطرد المؤمنين,
ما تجهلون; إذ
فإنهم ملقو ربهم يوم القيامة ,ولكني أراكم قو ً
تأمرونني بطرد أولياء الله وإبعادهم عني.
مل َ ٌ
ك ل إ ِّني َ ب َول أ َُقو ُ م ال ْغَي ْ َ
َ
ن الل ّهِ َول أعْل َ ُ خَزائ ِ ُ دي َ عن ِم ِ ل ل َك ُ ْ َول أ َُقو ُ
خيرا ً الل ّ َ َ َول أ َُقو ُ
ما ه أعْل َ ُ
م بِ َ ُ ه َ ْ م الل ّ ُ م لَ ْ
ن ي ُؤْت ِي َهُ ْ ن ت َْزد َِري أعْي ُن ُك ُ ْ ذي َ ل ل ِل ّ ِ
ن ال ّ َ
ن )(31 مي َظال ِ ِ م ْ م إ ِّني ِإذا ً ل َ ِ سه ِ ْ ِفي أنُف ِ
ول أقول لكم :إني أملك التصرف في خزائن الله ,ول أعلم الغيب,
مَلك من الملئكة ,ول أقول لهؤلء الذين تحتقرون من ولست ب َ
ضعفاء المؤمنين :لن يؤتيكم الله ثواًبا على أعمالكم ,فالله وحده
ت ذلك إني إ ً
ذا لمن أعلم بما في صدورهم وقلوبهم ,ولئن فعل ُ
الظالمين لنفسهم ولغيرهم.
ْ َ
ن
م ْ
ت ِ ن ُ
كن َ دال ََنا فَأت َِنا ب ِ َ
ما ت َعِد َُنا إ ِ ْ ج َ جاد َل ْت ََنا فَأك ْث َْر َ
ت ِ َقاُلوا َيا ُنو ُ
ح قَد ْ َ
ن )(32 صادِِقي َ
ال ّ
قالوا :يا نوح قد حاججتنا فأكثرت جدالنا ,فأتنا بما تعدنا من العذاب
إن كنت من الصادقين في دعواك.
َ ْ
ن )(33
زي َ
ج ِ
مع ْ ِ
م بِ ُ
ما أن ْت ُ ْ ن َ
شاَء وَ َ م ب ِهِ الل ّ ُ
ه إِ ْ ما ي َأِتيك ُ ْ َقا َ
ل إ ِن ّ َ
قال نوح لقومه :إن الله وحده هو الذي يأتيكم بالعذاب إذا شاء,
ولستم بفائتيه إذا أراد أن يعذبكم; لنه سبحانه ل يعجزه شيء في
الرض ول في السماء.
423
َ حي إن أ َردت أ َ َ
ن
ريد ُ أ ْ ن الل ّ ُ
ه يُ ِ ن َ
كا َ ح ل َك ُ ْ
م إِ ْ ص َن أن َ
ِ ْ َ ْ ُ ْ ص ِم نُ ْ َول َينَفعُك ُ ْ
ن )(34 م وَإ ِل َي ْهِ ت ُْر َ
جُعو َ م هُوَ َرب ّك ُ ْ ي ُغْوِي َك ُ ْ
ول ينفعكم نصحي واجتهادي في دعوتكم لليمان ,إن كان الله يريد
جعون في الخرة أن يضّلكم ويهلككم ,هو سبحانه مالككم ,وإليه ُتر َ
للحساب والجزاء.
َ َ
ما
م ّ
ريءٌ ِ
مي وَأَنا ب َِ
جَرا ِ ه فَعَل َ ّ
ي إِ ْ ن افْت ََري ْت ُ ُ
ل إِ ْ م ي َُقوُلو َ
ن افْت ََراهُ قُ ْ أ ْ
ن )(35 مو َ جرِ ُتُ ْ
بل أيقول هؤلء المشركون من قوم نوح :افترى نوح هذا القول؟
ي وحدي إثم ذلك,ت ذلك على الله فعل ّ
ت قد افتري ُ
قل لهم :إن كن ُ
من كفركمت صادًقا فأنتم المجرمون الثمون ,وأنا بريء ِوإذا كن ُ
وتكذيبكم وإجرامكم.
َ وَُأو ِ
ن َفل ت َب ْت َئ ِ ْ
س ن قَد ْ آ َ
م َ ك إ ِل ّ َ
م ْ م َ
ن قَوْ ِ
م ْ
ن ِ
م َ ه لَ ْ
ن ي ُؤْ ِ أن ّ ُ ح ح َ َ
ي إ ِلى ُنو ٍ
)(36 كاُنوا ي َْفعَُلو َ
ن ما َبِ َ
ما حق علىوأوحى الله سبحانه وتعالى إلى نوح -عليه السلم -له ّ
من قبل ,فل تحزن من قد آمن ِ
قومه العذاب ,أنه لن يؤمن بالله إل َ
يا نوح على ما كانوا يفعلون.
واصنع ال ُْفل ْ َ َ
م ن ظ َل َ ُ
موا إ ِن ّهُ ْ خاط ِب ِْني ِفي ال ّ ِ
ذي َ حي َِنا َول ت ُ َ
ك ب ِأعْي ُن َِنا وَوَ ْ َ ْ َ ْ
ن )(37 مغَْرُقو َ
ُ
واصنع السفينة بمرأى مّنا وبأمرنا لك ومعونتنا ،وأنت في حفظنا
وكلءتنا ,ول تطلب مني إمهال هؤلء الذين ظلموا أنفسهم من
قومك بكفرهم ,فإنهم مغرقون بالطوفان .وفي الية إثبات صفة
العين لله تعالى على ما يليق به سبحانه.
ن ه َقا َ
ل إِ ْ من ْ ُ
خُروا ِ
س ِ ن قَوْ ِ
مه ِ َ م ْمَل ٌ ِ َ مّر عَل َي ْهِ
ما َك وَك ُل ّ َصن َعُ ال ُْفل ْ َ
وَي َ ْ
ن )(38خُرو َ س َ
ما ت َ ْ َ
ك َ من ْك ُ ْ
م خُر ِ مّنا فَإ ِّنا ن َ ْ
س َ خُروا ِ س َتَ ْ
424
ويصنع نوح السفينة ,وكّلما مر عليه جماعة من كبراء قومه سخروا
منه ,قال لهم نوح :إن تسخروا منا اليوم لجهلكم بصدق وعد الله,
دا عند الغرق كما تسخرون منا.
فإنا نسخر منكم غ ً
م)
مِقي ٌ
ب ُ ل عَل َي ْهِ عَ َ
ذا ٌ ح ّ
زيهِ وَي َ ِ
خ ِ
ب يُ ْ ن ي َأ ِْتيهِ عَ َ
ذا ٌ م ْ
ن َ ف ت َعْل َ ُ
مو َ فَ َ
سو ْ َ
(39
فسوف تعلمون إذا جاء أمر الله بذلك :من الذي يأتيه في الدنيا
عذاب الله الذي ُيهينه ,وينزل به في الخرة عذاب دائم ل انقطاع
له؟
َ
ن اث ْن َي ْ ِ
ن جي ْ ِ
ل َزوْ َ ن كُ ّم ْل ِفيَها ِ م ْ مُرَنا وََفاَر الت ّّنوُر قُل َْنا ا ْ
ح ِ جاَء أ ْذا َ حّتى إ ِ َ َ
ه إ ِل ّ قَِلي ٌ سب َقَ عَل َي ْهِ ال َْقوْ ُ َ
وَأهْل َ َ
ل) مع َ ُن َم َما آ َ
ن وَ َم َ نآ َ م ْ
ل وَ َ ن َ ك إ ِل ّ َ
م ْ
(40
حا بذلك ,ونبع الماء بقوة
دنا نو ً
حتى إذا جاء أمرنا بإهلكهم كما َوع ْ
من التنور -وهو المكان الذي يخبز فيه -علمة على مجيء العذاب,
قلنا لنوح :احمل في السفينة من كل نوع من أنواع الحيوانات ذكًرا
من سبق عليهم القول ممن لم وأنثى ,واحمل فيها أهل بيتك ,إل َ
يؤمن بالله كابنه وامرأته ,واحمل فيها من آمن معك من قومك,
وما آمن معه إل قليل مع طول المدة والمقام فيهم.
ل
معْزِ ٍ
ن ِفي َ ه وَ َ
كا َ ح اب ْن َ ُ
دى ُنو ٌ
ل وََنا َ جَبا ِ كال ْ ِ
ج َ مو ْ ٍ
م ِفي َ ري ب ِهِ ْ ج ِ
ي تَ ْوَهِ َ
ن )(42 ري َ كافِ ِمع َ ا ل ْ َ معََنا َول ت َك ُ ْ
ن َ ب َ ي اْرك َ َْيا ب ُن َ ّ
425
وهي تجري بهم في موج يعلو ويرتفع حتى يصير كالجبال في
ن عََزل فيه نفسه عن
علوها ,ونادى نوح ابنه -وكان في مكا ٍ
المؤمنين -فقال له :يا بني اركب معنا في السفينة ,ول تكن مع
الكافرين بالله فتغرق.
ن
م ْ
م ِم ال ْي َوْ َ
ص َ عا ِلل َ ماِء َقا َن ال ْ َ م ْمِني ِ ص ُل ي َعْ ِ
جب َ ٍسآِوي إ َِلى َ ل َ َقا َ
َ
ن )(43مغَْرِقي َ ن ال ْ ُ
م ْن ِ
كا َج فَ َمو ْ ُما ال ْ َل ب َي ْن َهُ َحا َ
م وَ َ ح َ ن َر ِ
م ْمرِ الل ّهِ إ ِل ّ َ أ ْ
صن به من الماء ,فيمنعني من قال ابن نوح :سألجأ إلى جبل أتح ّ
الغرق ,فأجابه نوح :ل مانع اليوم من أمر الله وقضائه الذي قد نزل
ن واركبم ْ
من رحمه الله تعالى ,فآ ِبالخلق من الغرق والهلك إل َ
في السفينة معنا ,وحال الموج المرتفع بين نوح وابنه ,فكان من
المغرقين الهالكين.
َ َ
ي
ض َ ض ال ْ َ
ماُء وَقُ ِ ماُء أقْل ِِعي وَِغي َ س َك وََيا َ
ماَء ِض اب ْل َِعي َ
ل َيا أْر ُ وَِقي َ
ن )(44 ل ب ُْعدا ً ل ِل َْقوْم ال ّجودِيّ وَِقي َت عََلى ال ْ ُ َ
مي َظال ِ ِ ِ ست َوَ ْ مُر َوا ْال ْ
وقال الله للرض -بعد هلك قوم نوح :-يا أرض اشربي ماءك ,ويا
سماء أمسكي عن المطر ,ونقص الماء ونضب ,وُقضي أمر الله
ي ,وقيل :هل ً
كا بهلك قوم نوح ,ورست السفينة على جبل الجود ّ
دا للقوم الظالمين الذين تجاوزوا حدود الله ,ولم يؤمنوا به.
وبع ً
َ ل رب إن ابِني م َ
ت ك ال ْ َ
حقّ وَأن ْ َ ن وَعْد َ َ
ن أهِْلي وَإ ِ ّ
ِ ْ ه فََقا َ َ ّ ِ ّ ْح َرب ّ ُ دى ُنو ٌ وََنا َ
َ
ن )(45 مي َ م ال ْ َ
حاك ِ ِ حك َ ُأ ْ
دتني أن تنجيني وأهلي من الغرق
ونادى نوح ربه فقال :رب إنك وعَ ْ
خْلفوالهلك ,وإن ابني هذا من أهلي ,وإن وعدك الحق الذي ل ُ
فيه ,وأنت أحكم الحاكمين وأعدلهم.
426
قال الله :يا نوح إن ابنك الذي هلك ليس من أهلك الذين وعدتك
أن أنجيهم; وذلك بسبب كفره ,وعمله عمل غير صالح ,وإني أنهاك
أن تسألني أمًرا ل علم لك به ,إني أعظك لئل تكون من الجاهلين
في مسألتك إياي عن ذلك.
عل ْ ٌ
م وَإ ِل ّ ت َغِْفْر ِلي ما ل َي ْ َ
س ِلي ب ِهِ ِ ك َسأ َل َ َ ك أَ َ
نأ ْ عوذ ُ ب ِ َ ْب إ ِّني أ َ ُ
ل َر ّ َقا َ
ن ال ْ َ َ
ن )(47 ري َ
س ِ
خا ِ م ْن ِ مِني أك ُ ْح ْ
وَت َْر َ
قال نوح :يا رب إني أعتصم وأستجير بك أن أسألك ما ليس لي به
علم ,وإن لم تغفر لي ذنبي ,وترحمني برحمتك ,أكن من الذين
غََبنوا أنفسهم حظوظها وهلكوا.
ُ
مع َ َ
ك ن َ
م ْ
م ّ ك وَعََلى أ َ
مم ٍ ِ ت عَل َي ْ َ مّنا وَب ََر َ
كا ٍ سلم ٍ ِ ط بِ َح اهْب ِ ْل َيا ُنو ُِقي َ
َ ُ
م )(48 ب أِلي ٌ مّنا عَ َ
ذا ٌ م ِ سه ُ ْ
م ّ م ثُ ّ
م يَ َ مت ّعُهُ ْ
سن ُ َ
م َ
م ٌوَأ َ
قال الله :يا نوح اهبط من السفينة إلى الرض بأمن وسلمة مّنا
وبركات عليك وعلى أمم ممن معك .وهناك أمم وجماعات من أهل
الشقاء سنمتعهم في الحياة الدنيا ,إلى أن يبلغوا آجالهم ,ثم ينالهم
منا العذاب الموجع يوم القيامة.
َ كم َ
ن
م ْ م َ
ك ِ ت َول قَوْ ُ ت ت َعْل َ ُ
مَها أن ْ َ ما ُ
كن َ ك َ حيَها إ ِل َي ْ َ ب ُنو ِن أن َْباِء ال ْغَي ْ ِ
ت ِل ْ َ ِ ْ
ن )(49 ة ل ِل ْ ُ
مت ِّقي َ ن اْلعاقِب َ َ ذا َفا ْ
صب ِْر إ ِ ّ قَب ْ ِ
ل هَ َ
تلك القصة التي قصصناها عليك -أيها الرسول -عن نوح وقومه هي
من أخبار الغيب السالفة ،نوحيها إليك ,ما كنت تعلمها أنت ول
من قبل هذا البيان ,فاصبر على تكذيب قومك وإيذائهم لك, قومك ِ
كما صبر النبياء من قبل ,إن العاقبة الطيبة في الدنيا والخرة
للمتقين الذين يخشون الله.
427
دا ،قال لهم :يا قوم اعبدوا الله وحده,
وأرسلنا إلى عاد أخاهم هو ً
ليس لكم من إله يستحق العبادة غيره جل وعل ،فأخلصوا له
العبادة ,فما أنتم إل كاذبون في إشراككم بالله.
ذي فَط ََرِني أ ََفل يا قَوم ل أ َسأ َل ُك ُم عَل َيه أ َجرا ً إ َ
ري إ ِل ّ عََلى ال ّ ِ
ج ِ
نأ ِْ ْ ْ ِ ْ ْ ْ ْ ِ َ
ن )(51 ت َعِْقُلو َ
يا قوم ل أسألكم على ما أدعوكم إليه من إخلص العبادة لله وترك
عبادة الوثان أجًرا ,ما أجري على دعوتي لكم إل على الله الذي
خلقني ،أفل تعقلون فتمّيزوا بين الحق والباطل؟
ما ن قَوْل ِ َ
ك وَ َ كي آل ِهَت َِنا عَ ْ
ن ب َِتارِ ِ
ح ُ جئ ْت ََنا ب ِب َي ّن َةٍ وَ َ
ما ن َ ْ ما ِهود ُ َ َقاُلوا َيا ُ
ن )(53 مؤ ْ ِ
مِني َ ن لَ َ
ك بِ ُ ح ُنَ ْ
قالوا :يا هود ما جئتنا بحجة واضحة على صحة ما تدعونا إليه ,وما
دقيننحن بتاركي آلهتنا التي نعبدها من أجل قولك ,وما نحن بمص ّ
دعيه.
لك فيما ت ّ
دوا ه َوا ْ
شه َ ُ شهِد ُ الل ّ َل إ ِّني أ ُ ْ
سوٍء َقا َ ض آل ِهَت َِنا ب ِ ُ ل إ ِل ّ اعْت ََرا َ
ك ب َعْ ُ ن ن َُقو ُإِ ْ
َ
مل ميعا ً ث ُ ّج ِ
دوِني َ كي ُدون ِهِ فَ ِ
ن ُ م ْ
ن )ِ (54 كو َ شرِ ُ
ما ت ُ ْم ّريٌء ِ أّني ب َ ِ
ن )(55 ت ُن ْظ ُِرو ِ
ما نقول إل أن بعض آلهتنا أصابك بجنون بسبب نهيك عن عبادتها.
قال لهم :إني ُأشهد الله على ما أقول ,وُأشهدكم على أنني بريء
من دون الله من النداد والصنام ,فانظروا واجتهدوا
مما تشركونِ ,
428
من زعمتم من آلهتكم في إلحاق الضرر بي ,ثم ل تؤخروا أنتم و َ
دا واثق كل الوثوق أنه ل يصيبه منهم
ذلك طرفة عين؛ ذلك أن هو ً
ول من آلهتهم أذى.
َ
م
جي َْناهُ ْ
مّنا وَن َ ّ
مة ٍ ِ
ح َ
ه ب َِر ْ
مع َ ُ
مُنوا َ
نآ َ هودا ً َوال ّ ِ
ذي َ جي َْنا ُ
مُرَنا ن َ ّ
جاَء أ ْ
ما َ وَل َ ّ
ظ )(58 ب غَِلي ٍ ذا ٍن عَ َم ْ ِ
دا والمؤمنين بفضل مّنا جينا منه هو ً
ولما جاء أمرنا بعذاب قوم هود ن ّ
جيناهم من عذاب شديد أحله الله بعادٍ فأصبحوا ل عليهم ورحمة ,ون ّ
ُيرى إل مساكُنهم.
َ
جّباٍر مَر ك ُ ّ
ل َ سل َ ُ
ه َوات ّب َُعوا أ ْ وا ُر ُ
ص ْ
م وَعَ َ
ت َرب ّهِ ْ
دوا ِبآَيا ِ
ح ُ
ج َ
عاد ٌ َ وَت ِل ْ َ
ك َ
عَِنيدٍ )(59
429
صوا رسله ,وأطاعوا أمر كل مستكبر
وتلك عاد كفروا بآيات الله وع َ
على الله ل يقبل الحق ول ي ُ ْ
ذعن له.
م َأل
عادا ً ك ََفُروا َرب ّهُ ْ
ن َ َ
م ال ِْقَيا َ
مةِ أل إ ِ ّ وَأ ُت ْب ُِعوا ِفي هَذِهِ الد ّن َْيا ل َعْن َ ً
ة وَي َوْ َ
هودٍ )(60 ب ُْعدا ً ل َِعادٍ قَوْم ِ ُ
وُأتبعوا في هذه الدنيا لعنة من الله وسخ ً
طا منه يوم القيامة .أل إن
دا وهل ً
كا لعاد قوم هود; دا جحدوا ربهم وك ّ
ذبوا رسله .أل ب ُعْ ً عا ً
بسبب شركهم وكفرهم نعمة ربهم.
ن إ ِل َ ٍ
ه م ْ م ِما ل َك ُ ْ
ه َدوا الل ّ َ
ل َيا قَوْم ِ اعْب ُ ُ صاِلحا ً َقا َم َ خاهُ ْ مود َ أ َ َ
وَإ َِلى ث َ ُ
من ال َ شأ َ
غَي ُْرهُ هُوَ َأن َ
م ُتوُبوا ست َغِْفُروهُ ث ُ ّم ِفيَها َفا ْ مَرك ُ ْ
ست َعْ َ
ض َوا ْْ ِ ر ْ ِ م
ْ ُ ك
ب )(61 جي ٌ م ِب ُ ري ٌ ن َرّبي قَ ِ إ ِل َي ْهِ إ ِ ّ
حا ,فقال لهم :يا قوم اعبدوا الله
وأرسلنا إلى ثمود أخاهم صال ً
وحده ليس لكم من إله يستحق العبادة غيره جل وعل ،فأخلصوا له
خْلقكم من الرض بخلق أبيكم آدم منها, العبادة ,هو الذي بدأ َ
مارا لها ,فاسألوه أن يغفر لكم ذنوبكم ,وارجعوا إليه وجعلكم عُ ّ
بالتوبة النصوح .إن ربي قريب لمن أخلص له العبادة ,ورغب إليه
في التوبة ,مجيب له إذا دعاه.
َ َ
ة
م ً
ح َ
ه َر ْمن ْ ُ
ن َرّبي َوآَتاِني ِ م ْ ت عََلى ب َي ّن َةٍ ِ كن ُ ن ُ م إِ ْل َيا قَوْم ِ أَرأي ْت ُ َْقا َ
سيرٍ )(63 خ ِ دون َِني غَي َْر ت َ ْ
زي ُ ه فَ َ
ما ت َ ِ صي ْت ُ ُ ن الل ّهِ إ ِ ْ
ن عَ َ م ْ صُرِني ِ ن َين ُ م ْفَ َ
قال صالح لقومه :يا قوم أخبروني إن كنت على برهان من الله
وآتاني منه النبوة والحكمة ,فمن الذي يدفع عني عقاب الله تعالى
430
إن عصيته فلم أبّلغ الرسالة وأنص ْ
ح لكم؟ فما تزيدونني غير تضليل
وإبعاد عن الخير.
ب) مك ْ ُ
ذو ٍ ة أ َّيام ٍ ذ َل ِ َ
ك وَعْد ٌ غَي ُْر َ دارِك ُ ْ
م َثلث َ َ مت ُّعوا ِفي َ ها فََقا َ
ل تَ َ فَعََقُرو َ
(65
ذبوه ونحروا الناقة ,فقال لهم صالح :استمتعوا بحياتكم في فك ّ
بلدكم ثلثة أيام ,فإن العذاب نازل بكم بعدها ,وذلك وَعْد ٌ من الله
غير مكذوب ,ل بد من وقوعه.
َ
ي
خْز ِ
ن ِ
م ْ
مّنا وَ ِ
مة ٍ ِ
ح َ
ه ب َِر ْ
مع َ ُ
مُنوا َ
نآ َ صاِلحا ً َوال ّ ِ
ذي َ جي َْنا َمُرَنا ن َ ّجاَء أ ْما َ فَل َ ّ
زيُز )(66 ك هُوَ ال َْقوِيّ ال ْعَ ِ ن َرب ّ َ
مئ ِذٍ إ ِ ّ
ي َوْ ِ
حا والذين آمنوا معه من الهلك فلما جاء أمرنا بهلك ثمود نجينا صال ً
برحمة منا ,ونجيناهم من هوان ذلك اليوم وذّلته .إن ربك -أيها
من قوته وعزته أن أهلك المم الرسول -هو القوي العزيز ,و ِ
جى الرسل وأتباعهم. الطاغية ,ون ّ
ن )(67 مي ثجا م ه ر يا د في حوا بص وأ َخذ َ ال ّذين ظ َل َموا الصيحة فَأ َ
َ ِ ِ َ ْ ِ ِ َ ِ ِ ُ َ ْ ّ ْ َ ُ ُ ِ َ َ َ
وأخذت الصيحة القوية ثمود الظالمين ,فأصبحوا في ديارهم موتى
حَراك لهم.
هامدين ساقطين على وجوههم ل ِ
431
كأنهم في سرعة زوالهم وفنائهم لم يعيشوا فيها .أل إن ثمود
دا لهم من رحمة دا لثمود وطر ً
جحدوا بآيات ربهم وحججه .أل ب ُعْ ً
الله ,فما أشقاهم وأذّلهم!!
م فَ َ
ما سل ٌ سلما ً َقا َ
ل َ شَرى َقاُلوا َ
م ِبال ْب ُ ْ سل َُنا إ ِب َْرا ِ
هي َ ت ُر ُ وَل ََقد ْ َ
جاَء ْ
حِنيذٍ )(69 ل َب َ َ
ل َ ج ٍ جاَء ب ِعِ ْن َثأ ْ ِ
ب
ولقد جاءت الملئكة إبراهيم يبشرونه هو وزوجته بإسحاق ,ويعقو َ
دا على تحيتهم :سلم ,فذهب سريًعا ما ,قال ر ّ
بعده ,فقالوا :سل ً
وجاءهم بعجل سمين مشويّ ليأكلوا منه.
ة َقاُلوا ل َ َ َ
خيَف ً
م ِ
من ْهُ ْ
س ِ
ج َ ل إ ِل َي ْهِ ن َك َِرهُ ْ
م وَأوْ َ ص ُ
م ل تَ ِ
ما َرأى أي ْدِي َهُ ْ فَل َ ّ
ُ
ط )(70 سل َْنا إ َِلى قَوْم ِ ُلو ٍ ف إ ِّنا أْر ِ
خ ْ تَ َ
صل إلى العجل الذي أتاهم به ول فلما رأى إبراهيم أيديهم ل ت َ ِ
يأكلون منه ,أنكر ذلك منهم ,وأحس في نفسه خيفة وأضمرها,
ف إنا ملئكة
خ ْ
قالت الملئكة -لما رأت ما بإبراهيم من الخوف :-ل ت َ َ
ربك ُأرسلنا إلى قوم لوط لهلكهم.
وا َ
ق
ح َ
س َ
ن وََراءِ إ ِ ْ
م ْ
حقَ وَ ِ
س َ
ها ب ِإ ِ ْ
شْرَنا َ حك َ ْ
ت فَب َ ّ ة فَ َ
ض ِ ه َقائ ِ َ
م ٌ مَرأت ُ ُ
َ ْ
ب )(71 ي َعُْقو َ
وامرأة إبراهيم -سارة -كانت قائمة من وراء الستر تسمع الكلم,
فضحكت تعجًبا مما سمعت ,فبشرناها على ألسنة الملئكة بأنها
دا يسمى إسحاق ,وسيعيش ولدها, من زوجها إبراهيم ول ً
ستلد ِ
وسيكون لها بعد إسحاق حفيد منه ,وهو يعقوب.
432
ه
ت إ ِن ّ ُ م أ َهْ َ
ل ال ْب َي ْ ِ ه عَل َي ْك ُ ْ ة الل ّهِ وَب ََر َ
كات ُ ُ م ُ مرِ الل ّهِ َر ْ
ح َ
َقاُلوا أ َتعجبين م َ
نأ َْْ َ ِ َ ِ ْ
جيد ٌ )(73
م ِ
ميد ٌ َ
ح ِ
َ
قالت الرسل لها :أتعجبين من أمر الله وقضائه؟ رحمة الله وبركاته
عليكم معشر أهل بيت النبوة .إنه سبحانه وتعالى حميد الصفات
جد وعظمة فيها. م ْ
والفعال ,ذو َ
433
م لذلك; وذلك لنه لم ولما جاءت ملئكتنا لو ً
طا ساءه مجيئهم واغت ّ
يكن يعلم أنهم رسل الله ,فخاف عليهم من قومه ,وقال :هذا يوم
بلء وشدة.
ت َقا َ
ل َيا سي َّئا ِ مُلو َ
ن ال ّ كاُنوا ي َعْ َل َن قَب ْ ُم ْ ن إ ِل َي ْهِ وَ ِعو َ ه ي ُهَْر ُ
م ُ جاَءهُ قَوْ ُ وَ َ
ؤلِء بناِتي هُ َ
ضي ِْفي
خُزوِني ِفي َ ه َول ت ُ ْ م َفات ُّقوا الل ّ َن أط ْهَُر ل َك ُ ْ ّ ََ قَوْم ِ هَ ُ
َ
شيد ٌ )(78 ل َر ِ ج ٌم َر ُ من ْك ُ ْس ِأل َي ْ َ
منم لوط يسرعون المشي إليه لطلب الفاحشة ,وكانوا ِ وجاء قو ُ
قبل مجيئهم يأتون الرجال شهوة دون النساء ,فقال لوط لقومه:
ن أطهر لكم مما تريدون ,وسماهن بناته; هؤلء بناتي ت ََزّوجوهن فه ّ
لن نبي المة بمنزلة الب لهم ,فاخشوا الله واحذروا عقابه ,ول
تفضحوني بالعتداء على ضيفي ,أليس منكم رجل ذو رشد ,ينهى
من أراد ركوب الفاحشة ,فيحول بينهم وبين ذلك؟
ريد ُ )(79
ما ن ُ ِ ك ل َت َعْل َ ُ
م َ حقّ وَإ ِن ّ َ
ن َ
م ْ ما ل ََنا ِفي ب ََنات ِ َ
ك ِ ت َ َقاُلوا ل ََقد ْ عَل ِ ْ
م َ
ت من قب ُ
ل أنه ليس لنا في النساء من قال قوم لوط له :لقد علم َ
حاجة أو رغبة ,وإنك لتعلم ما نريد ,أي ل نريد إل الرجال ول رغبة
لنا في نكاح النساء.
434
ن امرأتك
ول يلتفت منكم أحد وراءه; لئل يرى العذاب فيصيبه ,لك ّ
التي خانتك بالكفر والنفاق سيصيبها ما أصاب قومك من الهلك ,إن
موعد هلكهم الصبح ,وهو موعد قريب الحلول.
ن إ ِل َهٍ
م ْ م ِ ما ل َك ُ ْ
ه َ دوا الل ّ َ ل َيا قَوْم ِ اعْب ُ ُشعَْيبا ً َقا َ م ُ خاهُ ْن أَ َ وَإ َِلى َ
مد ْي َ َ
فخا ُ خي ْرٍ وَإ ِّني أ َ َم بِ َ َ
ن إ ِّني أَراك ُ ْ ميَزا َ ل َوال ْ ِ
مك َْيا َ صوا ال ْ ِ غَي ُْرهُ َول َتنُق ُ
ط )(84 حي ٍ م ِب ي َوْم ٍ ُذا َم عَ َ عَل َي ْك ُ ْ
وأرسلنا إلى "مدين" أخاهم شعيًبا ,فقال :يا قوم اعبدوا الله وحده,
من إله يستحق العبادة غيره جل وعل ،فأخلصوا له ليس لكم ِ
العبادة ،ول تنقصوا الناس حقوقهم في مكاييلهم وموازينهم ,إني
سَعة عيش ,وإني أخاف عليكم -بسبب إنقاص المكيال أراكم في َ
والميزان -عذاب يوم يحيط بكم.
َ
س
سوا الّنا َ
خ ُ
ط َول ت َب ْ َ ن ِبال ِْق ْ
س ِ ل َوال ْ ِ
ميَزا َ وََيا قَوْم ِ أوُْفوا ال ْ ِ
مك َْيا َ
ن )(85 دي َ
س ِ مْف ِض ُ
َ
وا ِفي الْر ِ م َول ت َعْث َ ْ أَ ْ
شَياَءهُ ْ
قصوا الناس حقهم
موا المكيال والميزان بالعدل ,ول ت ُن ْ ِ
ويا قوم أته ّ
في عموم أشيائهم ,ول تسيروا في الرض تعملون فيها بمعاصي
الله ونشر الفساد.
َ
ظ )(86
حِفي ٍ ما أَنا عَل َي ْك ُ ْ
م بِ َ ن وَ َ مؤ ْ ِ
مِني َ م ُ ن ُ
كنت ُ ْ خي ٌْر ل َك ُ ْ
م إِ ْ ة الل ّهِ َ
ب َِقي ّ ُ
435
إن ما يبقى لكم بعد إيفاء الكيل والميزان من الربح الحلل خير
ما تأخذونه بالتطفيف ونحوه من الكسب الحرام ,إن كنتم لكم مه ّ
تؤمنون بالله حقا ,فامتثلوا أمره ,وما أنا عليكم برقيب أحصي
عليكم أعمالكم.
ه رِْزقا ً َ َ
ن َرّبي وََرَزقَِني ِ
من ْ ُ م ْ ت عََلى ب َي ّن َةٍ ِ كن ُ ن ُ م إِ ْل َيا قَوْم ِ أَرأي ْت ُ ْ َقا َ
ُ َ ُ َ ُ
ما
ح َ
صل َ ن أِريد ُ إ ِل ّ ال ِ ْ ه إِ ْ م عَن ْ ُما أن َْهاك ُ ْ م إ َِلى َ خال َِفك ُ ْنأ َ ما أِريد ُ أ ْ سنا ً وَ َ
ح َ َ
ُ
ب )(88 ت وَإ ِل َي ْهِ أِني ُ ما ت َوِْفيِقي إ ِل ّ ِبالل ّهِ عَل َي ْهِ ت َوَك ّل ْ ُ ت وَ َ ست َط َعْ ُا ْ
قال شعيب :يا قوم أرأيتم إن كنت على طريق واضح من ربي فيما
أدعوكم إليه من إخلص العبادة له ,وفيما أنهاكم عنه من إفساد
المال ,ورزقني منه رزًقا واسًعا حلل طيًبا؟ وما أريد أن أخالفكم
فأرتكب أمًرا نهيتكم عنه ,وما أريد فيما آمركم به وأنهاكم عنه إل
در طاقتي واستطاعتي ,وما توفيقي -في إصابة الحق إصلحكم قَ ْ
ومحاولة إصلحكم -إل بالله ,على الله وحده توكلت وإليه أرجع
بالتوبة والنابة.
ح أ َْو ب قَوْ َ
م ُنو ٍ صا َ
َ
ما أ َ
ل َ مث ْ ُم ِ صيب َك ُ ْ
ن يُ ِ
َ
شَقاِقي أ ْ م ِ من ّك ُ ْ
جرِ َوََيا قَوْم ِ ل ي َ ْ
َ
من ْك ُ ْ
م ب ِب َِعيدٍ )(89 ط ِ م ُلو ٍما قَوْ ُ
ح وَ َ
صال ِ ٍم َ هودٍ أوْ قَوْ َ م ُقَوْ َ
ويا قوم ل تحملّنكم عداوتي وبغضي وفراق الدين الذي أنا عليه
على العناد والصرار على ما أنتم عليه من الكفر بالله ,فيصيبكم
ل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح من الهلك ,وما مث ُ
ل بهم من العذاب ببعيدين عنكم ل في الدار ول قوم لوط وما ح ّ
في الزمان.
436
دود ٌ )(90
م وَ ُ
حي ٌ م ُتوُبوا إ ِل َي ْهِ إ ِ ّ
ن َرّبي َر ِ ست َغِْفُروا َرب ّك ُ ْ
م ثُ ّ َوا ْ
واطلبوا من رّبكم المغفرة لذنوبكم ,ثم ارجعوا إلى طاعته
واستمروا عليها .إن رّبي رحيم كثير المودة والمحبة لمن تاب إليه
وأناب ,يرحمه ويقبل توبته .وفي الية إثبات صفة الرحمة والمودة
لله تعالى ,كما يليق به سبحانه.
ضِعيفا ً وَل َ ْ
ول ل وَإ ِّنا ل َن ََرا َ
ك ِفيَنا َ ما ت َُقو ُم ّه ك َِثيرا ً ِ ما ن َْفَق ُب َ شعَي ْ ُ َقاُلوا َيا ُ
َ
زيزٍ )(91 ت عَل َي َْنا ب ِعَ ِ
ما أن ْ َ ك وَ َمَنا َج ْك ل ََر َ
َرهْط ُ َ
قالوا :يا شعيب ما نفقه كثيًرا مما تقول ,وإننا َلنراك فينا ضعيًفا
لست من الكبراء ول من الرؤساء ,ولول مراعاة عشيرتك لقتلناك
جما بالحجارة -وكان رهطه من أهل ملتهم ،-وليس لك قَ ْ
در َر ْ
واحترام في نفوسنا.
ْ
ه
ن ي َأِتي ِ
م ْ
ن َ
مو َف ت َعْل َ ُ
سو ْ َ ل َم ٌ
عا ِ م إ ِّني َ كان َت ِك ُ ْ
م َمُلوا عََلى َوََيا قَوْم ِ اعْ َ
ب )(93 م َرِقي ٌ معَك ُ ْب َواْرت َِقُبوا إ ِّني َ كاذِ ٌ ن هُوَ َ
م ْ
زيهِ وَ َخ ِ
ب يُ ْ عَ َ
ذا ٌ
ويا قوم اعملوا كل ما تستطيعون على طريقتكم وحالتكم ,إني
من دعوتكم إلى التوحيد,
عامل مثابر على طريقتي وما وهبني ربي ِ
من منا كاذب في قوله,من منا يأتيه عذاب يذّله ,و َ
سوف تعلمون َ
أنا أم أنتم؟ وانتظروا ما سيحل بكم إني معكم من المنتظرين.
وهذا تهديد شديد لهم.
437
مّنا وَأ َ َ
خذ َ ْ
ت مة ٍ ِ
ح َه ب َِر ْ
مع َ ُ
مُنوا َ نآ َ شعَْيبا ً َوال ّ ِ
ذي َ جي َْنا ُ
مُرَنا ن َ ّ
َ
جاَء أ ْ ما َوَل َ ّ
َ
ن )(94 مي َجاث ِ ِ
م َ حوا ِفي دَِيارِهِ ْ ة فَأ ْ
صب َ ُ ح ُصي ْ َ
موا ال ّ ن ظ َل َ ُ
ذي َ ال ّ ِ
جينا رسولنا شعيًبا والذين آمنوا
ولما جاء أمرنا بإهلك قوم شعيب ن ّ
معه برحمة منا ,وأخذت الذين ظلموا الصيحة من السماء,
حَراك
كبهم ميتين ل ِ فأهلكتهم ,فأصبحوا في ديارهم باركين على ُر َ
بهم.
َ َ
ت ثَ ُ
مود ُ )(95 ن كَ َ
ما ب َعِد َ ْ وا ِفيَها أل ب ُْعدا ً ل ِ َ
مد ْي َ َ ن لَ ْ
م ي َغْن َ ْ ك َأ ْ
دا له "مدين" -إذكأن لم يقيموا في ديارهم وقًتا من الوقات .أل ُبع ً
أهلكها الله وأخزاها -كما ب َِعدت ثمود ,فقد اشتركت هاتان القبيلتان
في البعد والهلك.
سل ْ َ َ
ن )(96
مِبي ٍ
ن ُ
طا ٍ سى ِبآَيات َِنا وَ ُ سل َْنا ُ
مو َ وَل ََقد ْ أْر َ
ولقد أرسلنا موسى بأدلتنا على توحيدنا وحجة تبين لمن عاينها
بك ّ
ل من وتأملها -بقلب صحيح -أنها تدل على وحدانية الله ,وك َذِ ِ
دعى الربوبية دونه سبحانه وتعالى.
ا ّ
َ َ
شيدٍ )
ن ب َِر ِ
مُر فِْرعَوْ َ
ما أ ْ
ن وَ َ مل َئ ِهِ َفات ّب َُعوا أ ْ
مَر فِْرعَوْ َ إ َِلى فِْرعَوْ َ
ن وَ َ
(97
أرسلنا موسى إلى فرعون وأكابر أتباعه وأشراف قومه ,فكفر
فرعون وأمر قومه أن يتبعوه ,فأطاعوه ,وخالفوا أمر موسى,
وليس في أمر فرعون رشد ول هدى ,وإنما هو جهل وضلل وكفر
وعناد.
َ
س ال ْوِْرد ُ ال ْ َ
موُْرود ُ )(98 م الّناَر وَب ِئ ْ َ م ال ِْقَيا َ
مةِ فَأوَْرد َهُ ْ ه ي َوْ َ م قَوْ َ
م ُ ي َْقد ُ ُ
دم فرعون قومه يوم القيامة حتى يدخلهم النار ,وقُبح المدخل ي َْق ُ
الذي يدخلونه.
438
س الّرفْد ُ ال ْ َ
مْرُفود ُ )(99 م ال ِْقَيا َ
مةِ ب ِئ ْ َ وَأ ُت ْب ُِعوا ِفي هَذِهِ ل َعْن َ ً
ة وَي َوْ َ
جله لهم فيها منوأتبعهم الله في هذه الدنيا مع العذاب الذي ع ّ
ة ,ويوم القيامة كذلك لعنة أخرى بإدخالهم الغرق في البحر لعن ً
دف عليهم من عذاب الله ,ولعنة النار ,وبئس ما اجتمع لهم وترا َ
الدنيا والخرة.
ه عَل َي ْ َ كم َ
صيد ٌ )(100
ح ِ من َْها َقائ ِ ٌ
م وَ َ ك ِ ن أن َْباءِ ال ُْقَرى ن َُق ّ
ص ُ ذ َل ِ َ ِ ْ
ذلك الذي ذكرناه لك -أيها الرسول -من أخبار القرى التي أهلكنا
أهلها نخبرك به ,ومن تلك القرى ما له آثار باقية ,ومنها ما قد
ت آثاره ,فلم ي َْبق منه شيء.
حي َ ْ
م ِ
ُ
َ َ
م فَ َ
ما م آل ِهَت ُهُ ْ
ت عَن ْهُ ْما أغْن َ ْ
م فَ َ
سه ُ ْموا أنُف َ ن ظ َل َ ُ
م وَل َك ِ ْ مَناهُ ْما ظ َل َ ْ وَ َ
َ َ
مُر
جاءَ أ ْما َيٍء ل َ ّ ش ْن َ ن الل ّهِ ِ
م ْ دو ِن ُم ْ ن ِعو َ م ال ِّتي ي َد ْ ُ م آل ِهَت ُهُ ْت عَن ْهُ ْ أغْن َ ْ
ب )(101 م غَي َْر ت َت ِْبي ٍ دوهُ ْ ما َزا ُ ك وَ ََرب ّ َ
وما كان إهلكهم بغير سبب وذنب يستحقونه ,ولكن ظلموا أنفسهم
بشركهم وإفسادهم في الرض ,فما نفعتهم آلهتهم التي كانوا
ما جاء أمر ربكعونها ويطلبون منها أن تدفع عنهم الضر له ّ
يد ُ
بعذابهم ,وما زادتهم آلهتهم غير تدمير وإهلك وخسران.
َ ن أَ ْ ي َ ذا أ َ َ ك أَ ْ
ديد ٌ ) م َ
ش ِ خذ َهُ أِلي ٌ ة إِ ّ
م ٌ
ظال ِ َ خذ َ ال ُْقَرى وَهِ َ خذ ُ َرب ّ َ
ك إِ َ وَك َذ َل ِ َ
(102
ت أهل القرى الظالمة بالعذاب لمخالفتهم أمري وتكذيبهم وكما أخذ ُ
من أهل القرى إذا ظلموا أنفسهم بكفرهم برسلي ,آخذ غيرهم ِ
ن أَ ْ
خذه بالعقوبة لليم موجع بالله ومعصيتهم له وتكذيبهم لرسله .إ ّ
شديد.
س موعٌ ل َ ُ
ه الّنا ُ ج ُ
م ْ
م َ خَرةِ ذ َل ِ َ
ك ي َوْ ٌ ب ال ِ ف عَ َ
ذا َ خا َ
ن َ
م ْ
ة لِ َ
ك لي َ ًن ِفي ذ َل ِ َ إِ ّ
شُهود ٌ )(103 م ْ
م َ وَذ َل ِ َ
ك ي َوْ ٌ
439
إن في أخذنا لهل القرى السابقة الظالمة لعبرةً وعظة لمن خاف
عقاب الله وعذابه في الخرة ,ذلك اليوم الذي ُيجمع له الناس
جميًعا للمحاسبة والجزاء ,ويشهده الخلئق كلهم.
دودٍ )(104
مع ْ ُ
ل َ خُرهُ إ ِل ّ ل َ َ
ج ٍ ما ن ُؤَ ّ
وَ َ
وما نؤخر يوم القيامة عنكم إل لنتهاء مدة معدودة في علمنا ,ل
تزيد ول تنقص عن تقديرنا لها بحكمتنا.
ْ
سِعيد ٌ )(105
ي وَ َ م َ
شِق ّ س إ ِل ّ ب ِإ ِذ ْن ِهِ فَ ِ
من ْهُ ْ ت ل ت َك َل ّ ُ
م ن َْف ٌ م ي َأ ِ
ي َوْ َ
يوم يأتي يوم القيامة ,ل تتكلم نفس إل بإذن ربها ,فمنهم شقي
ضل عليه بالنعيم.
متسحق للعذاب ,وسعيد متف ّ
َ
ن
دي َ خال ِ ِ
شِهيقٌ )َ (106 م ِفيَها َزِفيٌر وَ َ في الّنارِ ل َهُ ْشُقوا فَ ِن َ ذي َ ما ال ّ ِ
فَأ ّ
ن َرب ّ َ شاَء َرب ّ َ َ
مال لِ َك فَّعا ٌ ك إِ ّ ما َض إ ِل ّ َت َوالْر ُ وا ُم َ
س َ
ت ال ّم ْ دا َ
ما َ ِفيَها َ
ريد ُ )(107 يُ ِ
شُقوا في الدنيا لفساد عقيدتهم وسوء أعمالهم ,فالنار فأما الذين َ
مستقرهم ,لهم فيها من شدة ما هم فيه من العذاب زفير وشهيق,
دا ما دامتوهما أشنع الصوات وأقبحها ,ماكثين في النار أب ً
السموات والرض ,فل ينقطع عذابهم ول ينتهي ,بل هو دائم مؤ ّ
كد,
دة من مكثهم في إل ما شاء ربك من إخراج عصاة الموحدين بعد م ّ
النار .إن ربك -أيها الرسول -فّعال لما يريد.
َ
ت
وا ُ
م َ
س َ
ت ال ّ
م ْ
دا َ
ما َ
ن ِفيَها َ دي َ
خال ِ ِ دوا فَِفي ال ْ َ
جن ّةِ َ سع ِ ُ
ن ُ ذي َ ما ال ّ ِوَأ ّ
ك عَ َ شاَء َرب ّ َ َ
ذوذٍ )(108 ج ُم ْطاًء غَي َْر َ ما َ ض إ ِل ّ ََوالْر ُ
وأما الذين رزقهم الله السعادة فيدخلون الجنة خالدين فيها ما
دامت السموات والرض ,إل الفريق الذي شاء الله تأخيره ,وهم
عصاة الموحدين ,فإنهم يبقون في النار فترة من الزمن ,ثم
يخرجون منها إلى الجنة بمشيئة الله ورحمته ,ويعطي ربك هؤلء
السعداء في الجنة عطاء غير مقطوع عنهم.
440
ن
م ْ
م ِ ن إ ِل ّ ك َ َ
ما ي َعْب ُد ُ آَباؤُهُ ْ دو َ
ما ي َعْب ُ ُ
ؤلِء َما ي َعْب ُد ُ هَ ُ
م ّمْري َةٍ ِ
ن ِفي ِ َفل ت َك ُ ْ
ص )(109 منُقو ٍ م غَي َْر َ صيب َهُ ْم نَ ِ ل وَإ ِّنا ل َ ُ
موَّفوهُ ْ قَب ْ ُ
فل تكن -أيها الرسول -في شك من بطلن ما يعبد هؤلء
المشركون من قومك ,ما يعبدون من الوثان إل مثل ما يعبد
آباؤهم من قبل ,وإنا لموفوهم ما وعدناهم تاما غير منقوص .وهذا
توجيه لجميع المة ،وإن كان لفظه موجًها إلى الرسول صلى الله
عليه وسّلم.
ن َرب ّ َ
ك م ْ
ت ِ
سب ََق ْ
ة َ
م ٌ ف ِفيهِ وَل َ ْ
ول ك َل ِ َ ب َفا ْ
خت ُل ِ َ سى ال ْك َِتا َ مو َ وَل ََقد ْ آت َي َْنا ُ
ب )(110 ري ٍ
م ِه ُمن ْ ُ
ك ِ ش ّ م ل َِفي َ م وَإ ِن ّهُ ْ
ي ب َي ْن َهُ ْ
ض َل َُق ِ
ولقد آتينا موسى الكتاب وهو التوراة ,فاختلف فيه قومه ,فآمن به
جماعة وكفر به آخرون كما فعل قومك بالقرآن .ولول كلمة سبقت
ل بهم في دنياهم قضاء من ربك بأنه ل يعجل لخلقه العذاب ,لح ّ
الله بإهلك المك ّ
ذبين ونجاة المؤمنين .وإن الكفار من اليهود
والمشركين -أيها الرسول -لفي شك -من هذا القرآن -مريب.
َفاستقم ك َ ُ
صيٌر مُلو َ
ن بَ ِ ما ت َعْ َ
ه بِ َ ك َول ت َط ْغَ ْ
وا إ ِن ّ ُ مع َ َ
ب َ
ن َتا َ
م ْ
ت وَ َ
مْر َ
ما أ ِ
ْ َِ ْ َ
)(112
فاستقم -أيها النبي -كما أمرك ربك أنت ومن تاب معك ,ول
ده الله لكم ,إن رّبكم بما تعملون من العمال كلها
تتجاوزوا ما ح ّ
بصير ,ل يخفى عليه شيء منها ,وسيجازيكم عليها.
441
ن الل ّهِ
دو ِ
ن ُ
م ْ ما ل َك ُ ْ
م ِ سك ُ ْ
م الّناُر وَ َ م ّ ن ظ َل َ ُ
موا فَت َ َ َول ت َْرك َُنوا إ َِلى ال ّ ِ
ذي َ
م َ
ن )(113 صُرو َ
م ل ُتن َ ن أوْل َِياَء ث ُ ّ
ِ ْ
ول تميلوا إلى هؤلء الكفار الظلمة ,فتصيبكم النار ,وما لكم من
دون الله من ناصر ينصركم ,ويتولى أموركم.
َ
ت ي ُذ ْهِب ْ َ
ن سَنا ِ ن ال ْ َ
ح َ ن الل ّي ْ ِ
ل إِ ّ صلةَ ط ََرِفي الن َّهارِ وَُزَلفا ً ِ
م ْ م ال ّ
وَأقِ ْ
ن )(114 ري َ ك ذِك َْرى ِلل ّ
ذاك ِ ِ ت ذ َل ِ َ
سي َّئا ِ
ال ّ
م وجه ط ََرَفي النهار في الصباح وأد ّ الصلة -أيها النبي -على أت ّ
ن فِعْ َ
ل الخيرات يكّفر الذنوب والمساء ,وفي ساعات من الليل .إ ّ
السالفة ويمحو آثارها ,والمر بإقامة الصلة وبيان أن الحسنات
يذهبن السيئات ,موعظة لمن اتعظ بها وتذكر.
َ
ن )(115 سِني َ
ح ِ جَر ال ْ ُ
م ْ ضيعُ أ ْ ن الل ّ َ
ه ل يُ ِ صب ِْر فَإ ِ ّ
َوا ْ
واصبر -أيها النبي -على الصلة ,وعلى ما ت َْلقى من الذى من
مشركي قومك; فإن الله ل يضيع ثواب المحسنين في أعمالهم.
َ
ن )(117
حو َ
صل ِ ُ ك ال ُْقَرى ب ِظ ُل ْم ٍ وَأهْل َُها ُ
م ْ ك ل ِي ُهْل ِ َ
ن َرب ّ َ ما َ
كا َ وَ َ
442
وما كان ربك -أيها الرسول -ليهلك قرية من القرى وأهلها مصلحون
في الرض ,مجتنبون للفساد والظلم ,وإنما يهلكهم بسبب ظلمهم
وفسادهم.
ُ
ن )(118
خت َل ِِفي َ
م ْ حد َةً َول ي ََزاُلو َ
ن ُ ة َوا ِ
م ً
سأ ّل الّنا َ ك لَ َ
جع َ َ وَل َوْ َ
شاَء َرب ّ َ
ولو شاء ربك لجعل الناس كلهم جماعة واحدة على دين واحد وهو
دين السلم ,ولكنه سبحانه لم يشأ ذلك ,فل يزال الناس مختلفين
في أديانهم; وذلك مقتضى حكمته.
ن
م ْ
م ِ
جهَن ّ َ مل َ ّ
ن َ ة رب ّ َ َ
كل ْ ت ك َل ِ َ
م ُ َ م ْ خل ََقهُ ْ
م وَت َ ّ ك وَل ِذ َل ِ َ
ك َ م َرب ّ َ
ح َ
ن َر ِ إ ِل ّ َ
م ْ
َ
ن )(119 مِعي َ ج َسأ ْ ال ْ ِ
جن ّةِ َوالّنا ِ
من رحم ربك فآمنوا به واتبعوا رسله ,فإنهم ل يختلفون في إل َ
توحيد الله وما جاءت به الرسل من عند الله ,وقد اقتضت حكمته
ي وفريق سعيد, خَلقهم مختلفين :فريق شق ّ سبحانه وتعالى أنه َ
خِلق له .وبهذا يتحقق وعد ربك في قضائه وقدره: وكل ميسر لما ُ
أنه سبحانه سيمل جهنم من الجن والنس الذين اتبعوا إبليس
وجنده ولم يهتدوا لليمان.
كم َ
جاَء َ
ك ِفي ؤاد َ َ
ك وَ َ ت ب ِهِ فُ َ
ما ن ُث َب ّ ُ
ل َ س ِن أن َْباِء الّر ُ ص عَل َي ْ َ ِ ْوَك ُل ّ ن َُق ّ
ن )(120 مؤ ْ ِ
مِني َ ة وَذِك َْرى ل ِل ْ ُعظ َ ٌ
مو ْ ِ هَذِهِ ال ْ َ
حقّ وَ َ
ص عليك -أيها النبي -من أخبار الرسل الذين كانوا قبلك ,كل ماونق ّ
وي قلبك للقيام بأعباء الرسالة ,وقد جاءك فيتحتاج إليه مما يق ّ
هذه السورة وما اشتملت عليه من أخبار ,بيان الحق الذي أنت
عليه ,وجاءك فيها موعظة يرتدع بها الكافرون ,وذكرى يتذكر بها
المؤمنون بالله ورسله.
مُلو َ
ن )(121 عا ِ كان َت ِك ُ ْ
م إ ِّنا َ مُلوا عََلى َ
م َ ن اعْ َ ن ل ي ُؤْ ِ
مُنو َ ذي َ ل ل ِل ّ ِ
وَقُ ْ
ن )(122 منت َظ ُِرو َ َوانت َظ ُِروا إ ِّنا ُ
443
وقل -أيها الرسول -للكافرين الذين ل يقّرون بوحدانية الله :اعملوا
ما أنتم عاملون على حالتكم وطريقتكم في مقاومة الدعوة وإيذاء
الرسول والمستجيبين له ,فإّنا عاملون على مكانتنا وطريقتنا من
الثبات على ديننا وتنفيذ أمر الله .وانتظروا عاقبة أمرنا ,فإّنا
منتظرون عاقبة أمركم .وفي هذا تهديد ووعيد لهم.
َ َ
مُر ك ُل ّ ُ
ه َفاعْب ُد ْهُ وَت َوَك ّ ْ
ل ض وَإ ِل َي ْهِ ي ُْر َ
جع ُ ا ل ْ ت َوالْر ِ وا ِم َ
س َ ب ال ّ وَل ِل ّهِ غَي ْ ُ
ن )(123 مُلو َ ما ت َعْ َ
ل عَ ّ ما َرب ّ َ
ك ب َِغافِ ٍ عَل َي ْهِ وَ َ
ولله سبحانه وتعالى علم كل ما غاب في السموات والرض ,وإليه
وض أمرك إليه, جع المر كله يوم القيامة ,فاعبده -أيها النبي -وف ّ
ي ُْر َ
وما ربك بغافل عما تعملون من الخير والشر ,وسيجازي كل ّ بعمله.
– 12سورة يوسف
ن )(1 ب ال ْ ُ
مِبي ِ ت ال ْك َِتا ِ الر ت ِل ْ َ
ك آَيا ُ
)الر( سبق الكلم على الحروف المق ّ
طعة في أول سورة البقرة.
هذه آيات الكتاب البّين الواضح في معانيه وحلله وحرامه وهداه.
َ
م ت َعِْقُلو َ
ن )(2 إ ِّنا أنَزل َْناهُ قُْرآنا ً عََرب ِي ّا ً ل َعَل ّك ُ ْ
إنا أنزلنا هذا القرآن بلغة العرب ,لعلكم -أيها العرب -تعقلون
معانيه وتفهمونها ,وتعملون بهديه.
َ ك أَ
ن ذا ال ُْقْرآ َ
ن وَإ ِ ْ حي َْنا إ ِل َي ْ َ
ك هَ َ ما أوْ َ
ص بِ َ
ِ ص
َ ق
َ ن ال ْ
َ س
َ ح
ْ ص عَل َي ْ َ ن ن َُق ّ
ح ُنَ ْ
ن )(3 ن ال َْغافِِلي َم ْن قَب ْل ِهِ ل َ ِ
م ْت ِ كن َُ
444
ص عليك -أيها الرسول -أحسن القصص بوحينا إليك هذا نحن نق ّ
القرآن ,وإن كنت قبل إنزاله عليك لمن الغافلين عن هذه الخبار,
ل تدري عنها شيًئا.
ك ك َْيدا ً إ ِ ّ
ن دوا ل َ َ
كي ُ ك عََلى إ ِ ْ
خوَت ِ َ
ك فَي َ ِ ص ُرؤَْيا َ ص ْي ل ت َْق ُ َقا َ
ل َيا ب ُن َ ّ
ن )(5 مِبي ٌ
ن عَد ُوّ ُ
سا ِ لن َ
ن لِ ِطا َ شي ْ َال ّ
إذ قال إخوة يوسف من أبيه فيما بينهم :إن يوسف وأخاه الشقيق
ضلهما علينا ,ونحن جماعة ذوو عدد ,إن أباناأحب إلى أبينا منا ,يف ّ
ضلهما علينا من غير موجب نراه.
لفي خطأ بّين حيث ف ّ
ْ
ه عَل َي ْ َ
ك مت َ ُ
م ن ِعْ َث وَي ُت ِ ّ
حاِدي ِ ل ال َ َن ت َأِوي ِ م ْ
ك ِم َك وَي ُعَل ّ ُك َرب ّ َجت َِبي َ
ك يَ ْوَك َذ َل ِ َ
ن
حقَ إ ِ ّ س َ
م وَإ ِ ْ هي َ ل إ ِب َْرا ِن قَب ْ ُ
م ْ ك ِمَها عََلى أ َب َوَي ْ َ وعََلى آل يعُقوب ك َ َ
ما أت َ ّ َ َ ِ َْ َ
م )(6 كي ٌ
ح ِ
م َ ك عَِلي ٌ َرب ّ َ
وكما أراك ربك هذه الرؤيا فكذلك يصطفيك ويعلمك تفسير ما يراه
الناس في منامهم من الرؤى مما تؤول إليه واقًعا ,ويتم نعمته
عليك وعلى آل يعقوب بالنبوة والرسالة ,كما أتمها من قبل على
أبويك إبراهيم وإسحاق بالنبوة والرسالة .إن ربك عليم بمن
يصطفيه من عباده ,حكيم في تدبير أمور خلقه.
ن )(7
سائ ِِلي َ
ت ِلل ّ
خوَت ِهِ آَيا ٌ
ف وَإ ِ ْ
س َ
ن ِفي ُيو ُ ل ََقد ْ َ
كا َ
لقد كان في قصة يوسف وإخوته عبر وأدلة تدل على قدرة الله
وحكمته لمن يسأل عن أخبارهم ,ويرغب في معرفتها.
445
ن أ ََباَنا ل َِفي
ة إِ ّ
صب َ ٌ
ن عُ ْ
ح ُ
مّنا وَن َ ْ
َ
ب إ َِلى أِبيَنا ِ
ح ّ
َ ف وَأ َ ُ
خوهُ أ َ إ ِذ ْ َقاُلوا ل َُيو ُ
س ُ
ن )(8
مِبي ٍ ل ُضل ٍ َ
إذ قال إخوة يوسف من أبيه فيما بينهم :إن يوسف وأخاه الشقيق
ضلهما علينا ,ونحن جماعة ذوو عدد ,إن أباناأحب إلى أبينا منا ,يف ّ
ضلهما علينا من غير موجب نراه.
لفي خطأ بّين حيث ف ّ
ْ َ
ن )(11
حو َ ه ل ََنا ِ
ص ُ ف وَإ ِّنا ل َ ُ مّنا عََلى ُيو ُ
س َ ما ل َ َ
ك ل ت َأ َ َقاُلوا َيا أَباَنا َ
قال إخوة يوسف -بعد اتفاقهم على إبعاده :-يا أبانا ما لك ل تجعلنا
أمناء على يوسف مع أنه أخونا ,ونحن نريد له الخير ونشفق عليه
ونرعاه ,ونخصه بخالص النصح؟
حافِ ُ َ
ن )(12
ظو َ ه لَ َ
ب وَإ ِّنا ل َ ُ
غدا ً ي َْرت َعْ وَي َل ْعَ ْ
معََنا َ سل ْ ُ
ه َ أْر ِ
446
سعَ وينشط ويفرح,دا عندما نخرج إلى مراعينا ي َ ْ
أرسله معنا غ ً
ويلعب بالستباق ونحوه من اللعب المباح ,وإنا لحافظون له من
كل ما تخاف عليه.
ن )(16 شاًء ي َب ْ ُ
ع َ َ
كو َ م ِ
جاُءوا أَباهُ ْ
وَ َ
وجاء إخوة يوسف إلى أبيهم في وقت الِعشاء من أول الليل,
يبكون ويظهرون السف والجزع.
َ َ
عَنا فَأك َل َ ُ
ه الذ ّئ ْ ُ
ب مَتا ِ
عن ْد َ َ
ف ِ
س َُيو ُ َقاُلوا َيا أَباَنا إ ِّنا ذ َهَب َْنا ن َ ْ
ست َب ِقُ وَت ََرك َْنا
َ
)(17 ن
صادِِقي َ ن ل ََنا وَل َوْ ك ُّنا َ م ٍ مؤ ْ ِ
ت بِ ُ
ما أن ْ َ
وَ َ
جْري والرمي بالسهام ,وتركنا
قالوا :يا أبانا إنا ذهبنا نتسابق في ال َ
صر في حفظه ,بل تركناه في يوسف عند زادنا وثيابنا ,فلم نق ّ
447
دق
مأمننا ,وما فارقناه إل وقًتا يسيًرا ,فأكله الذئب ,وما أنت بمص ّ
لنا ولو كنا موصوفين بالصدق; لشدة حبك ليوسف.
م ذا ُ
غل ٌ شَرى هَ َ م فَأ َد َْلى د َل ْوَهُ َقا َ
ل َيا ب ُ ْ سُلوا َوارِد َهُ ْ
َ
سّياَرةٌ فَأْر َت َ جاَء ْوَ َ
َ
ن )(19 مُلو َ ما ي َعْ َم بِ َ ة َوالل ّ ُ
ه عَِلي ٌ ضاعَ ً
سّروهُ ب ِ َوَأ َ
من يطلب لهم الماء ,فلما وجاءت جماعة من المسافرين ,فأرسلوا َ
أرسل دلوه في البئر تعّلق بها يوسف ,فقال واردهم :يا بشراي هذا
ف من بقية المسافرين غلم نفيس ,وأخفى الوارد ُ وأصحابه يوس َ
فلم يظهروه لهم ,وقالوا :إن هذه بضاعة استبضعناها ,والله عليم
بما يعملونه بيوسف.
ن )(20
دي َ
ن الّزاهِ ِ
م ْ دود َةٍ وَ َ
كاُنوا ِفيهِ ِ مع ْ ُ
م َ
س د ََراهِ َ
خ ٍ
ن بَ ْ شَروْهُ ب ِث َ َ
م ٍ وَ َ
وباعه إخوته للواردين من المسافرين بثمن قليل من الدراهم,
وكانوا زاهدين فيه راغبين في التخلص منه; وذلك أنهم ل يعلمون
منزلته عند الله.
448
ولما ذهب المسافرون بيوسف إلى "مصر" اشتراه منهم عزيزها,
وهو الوزير ,وقال لمرأته :أحسني معاملته ,واجعلي مقامه عندنا
ما ,لعلنا نستفيد من خدمته ,أو نقيمه عندنا مقام الولد ,وكما
كري ً
طف عليه ,فكذلك مكّنا له في أنجينا يوسف وجعلنا عزيز "مصر" ي َعْ ِ
أرض "مصر" ,وجعلناه على خزائنها ,ولنعّلمه تفسير الرؤى فيعرف
منها ما سيقع مستقبل .والله غالب على أمره ,فحكمه نافذ ل
يبطله مبطل ,ولكن أكثر الناس ل يعلمون أن المر كله بيد الله.
ن )(22
سِني َ
ح ِ زي ال ْ ُ
م ْ ج ِ عْلما ً وَك َذ َل ِ َ
ك نَ ْ كما ً وَ ِ
ح ْ ما ب َل َغَ أ َ ُ
شد ّهُ آت َي َْناهُ ُ وَل َ ّ
ما ,ومثل
ما وعل ً
ولما بلغ يوسف منتهى قوته في شبابه أعطيناه فه ً
هذا الجزاء الذي جزينا به يوسف على إحسانه نجزي المحسنين
على إحسانهم .وفي هذا تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم.
َ
ت
ت هَي ْ َب وََقال َ ْ
وا َت الب ْ َ سهِ وَغَل َّق ْ ه ال ِّتي هُوَ ِفي ب َي ْت َِها عَ ْ
ن ن َْف ِ وََراوَد َت ْ ُ
ح ال ّ َ
ن )(23 مو َظال ِ ُ ه ل ي ُْفل ِ ُ مث ْ َ
وايَ إ ِن ّ ُ ن َ
س َ ح َه َرّبي أ ْ مَعاذ َ الل ّهِ إ ِن ّ ُ
ل َ ك َقا َ لَ َ
ه
ف عَن ْ ُ
صرِ َ ن َرب ّهِ ك َذ َل ِ َ
ك ل ِن َ ْ ها َن َرَأى ب ُْر َ َ
ول أ ْ م ب َِها ل َ ْ ت ب ِهِ وَهَ ّم ْ وَل ََقد ْ هَ ّ
ن )(24 صي َخل َ ِ عَبادَِنا ال ْ ُ
م ْ ن ِ م ْ
ه ِ ح َ
شاَء إ ِن ّ ُ سوَء َوال َْف ْ ال ّ
سه حديث ف نف ُ
دثت يوس َولقد مالت نفسها لفعل الفاحشة ,وح ّ
ما حدثته
خطرات للستجابة ,لول أن رأى آية من آيات ربه تزجره ع ّ
به نفسه ,وإنما أريناه ذلك; لندفع عنه السوء والفاحشة في جميع
أموره ,إنه من عبادنا المطهرين المصطَفين للرسالة الذين أخلصوا
في عبادتهم لله وتوحيده.
َ
دى ال َْبا ِ
ب ها ل َ َ ن د ُب ُرٍ وَأل َْفَيا َ
سي ّد َ َ م ْ
ه ِ
ص ُ ت قَ ِ
مي َ ست َب ََقا ال َْبا َ
ب وَقَد ّ ْ َوا ْ
449
م) َ
ب أِلي ٌ ن أ َوْ عَ َ
ذا ٌ ج َ
س َ
ن يُ ْ
َ
سوءا ً إ ِل ّ أ ْ ن أ ََراد َ ب ِأ َهْل ِ َ
ك ُ م ْ
جَزاُء َ
ما َ َقال َ ْ
ت َ
(25
وأسرع يوسف إلى الباب يريد الخروج ,وأسرعت تحاول المساك
به ,وجذبت قميصه من خلفه; لتحول بينه وبين الخروج فشّقته,
من أراد بامرأتك فاحشةووجدا زوجها عند الباب فقالت :ما جزاء َ
إل أن يسجن أو يعذب العذاب الموجع.
ن َ شاهد م َ
ه
ص ُ ن قَ ِ
مي ُ كا َ شهِد َ َ ِ ٌ ِ ْ
ن أهْل َِها إ ِ ْ سي وَ َ ن ن َْف ِ
ي َراوَد َت ِْني عَ ْ ل هِ ََقا َ
ن )(26 ن ال ْ َ
كاذِِبي َ م ْ
ت وَهُوَ ِ صد َقَ ْ
ل فَ َ ن قُب ُ ٍ قُد ّ ِ
م ْ
من قال يوسف :هي التي طلبت مني ذلك ,فشهد صبي في المهد ِ
أهلها فقال :إن كان قميصه ُ
شقّ من المام فصدقت في اّتهامها له,
وهو من الكاذبين.
ن )(27
صادِِقي َ
ن ال ّ
م ْ ن د ُب ُرٍ فَك َذ َب َ ْ
ت وَهُوَ ِ ه قُد ّ ِ
م ْ ص ُ ن قَ ِ
مي ُ ن َ
كا َ وَإ ِ ْ
وإن كان قميصه ُ
شقّ من الخلف فكذبت في قولها ,وهو من
الصادقين.
َ
م
ظي ٌ ن ك َي ْد َك ُ ّ
ن عَ ِ ن ك َي ْدِك ُ ّ
ن إِ ّ م ْ
ه ِ ن د ُب ُرٍ َقا َ
ل إ ِن ّ ُ ه قُد ّ ِ
م ْ ص ُ
مي َ فَل َ ّ
ما َرأى قَ ِ
)(28
شقّ من خلفه علم براءة يوسف, فلما رأى الزوج قميص يوسف ُ
من
ت به هذا الشاب هو ِ
وقال لزوجته :إن هذا الكذب الذي اتهم ِ
ن مكركن عظيم. جملة مكركن -أيتها النساء ,-إ ّ
ن ال ْ َ ك ُ يوس ُ َ
ن)
خاط ِِئي َ م ْ
ت ِ
كن ِ ري ل ِذ َن ْب ِ ِ
ك إ ِن ّ ِ ست َغِْف ِ ن هَ َ
ذا َوا ْ ض عَ ْ
ف أعْرِ ْ ُ ُ
(29
قال عزيز "مصر" :يا يوسف اترك ذِ ْ
كر ما كان منها فل تذكره لحد,
ت من الثمين في واطلبي -أيتها المرأة -المغفرة لذنبك؛ إنك كن ِ
مراودة يوسف عن نفسه ,وفي افترائك عليه.
450
ل ن ِسوةٌ في ال ْمدينة ا َ
سهِ قَد ْ
ن ن َْف ِ زيزِ ت َُراوِد ُ فََتا َ
ها عَ ْ مَرأةُ ال ْعَ ِ
َ ِ َ ِ ْ وََقا َ ْ َ ِ
ن )(30 مِبي ٍ ل ُ ضل ٍ ها ِفي َ حب ّا ً إ ِّنا ل َن ََرا َ َ
شغََفَها ُ
ووصل الخبر إلى نسوة في المدينة فتحدثن به ,وقلن منكرات على
امرأة العزيز :امرأة العزيز تحاول غلمها عن نفسه ,وتدعوه إلى
شَغاف قلبها )وهو غلفه( ,إنا َلنراها في
نفسها ,وقد بلغ حبها له َ
هذا الفعل لفي ضلل واضح.
م
ص َ سهِ َفا ْ
ست َعْ َ ن ن َْف ِ
ه عَ ْمت ُن ِّني ِفيهِ وَل ََقد ْ َراَودت ّ ُ ذي ل ُ ْ ن ال ّ ِت فَذ َل ِك ُ ّ َقال َ ْ
ن )(32 ري َ
صاِغ ِن ال ّم َ ن ِ كو َن وَل َي َ ُ
جن َ ّ مُرهُ ل َي ُ ْ
س َ ما آ ُل َ م ي َْفعَ ْ ن لَ ْوَل َئ ِ ْ
طعن أيديهن :فهذا الذي قالت امرأة العزيز للنسوة اللتي ق ّ
أصابكن في رؤيتكن إياه ما أصابكن هو الفتى الذي ُلمت ُّنني في
الفتتان به ,ولقد طلبته وحاولت إغراءه; ليستجيب لي فامتنع وأبى,
ن بدخول السجن ,وَليكونن ولئن لم يفعل ما آمره به مستقبل َليعاقَب َ ّ
من الذلء.
ل رب السج َ
ف عَّني عون َِني إ ِل َي ْهِ وَإ ِل ّ ت َ ْ
صرِ ْ ما ي َد ْ ُ م ّ
ي ِب إ ِل َ ّ
ح ّ نأ َ ّ ْ ُ َقا َ َ ّ
َ ك َيدهُ َ
ن )(33 جاهِِلي َ ن ال ْ َم ْن ِ ن وَأك ُ ْ ب إ ِل َي ْهِ ّ
ص ُ
نأ ْ ْ َ ّ
451
ي
ن أحب إل ّ
ب السج ُ
من شرهن ومكرهن :يا ر ّ قال يوسف مستعي ً
ذا ِ
مما يدعونني إليه من عمل الفاحشة ,وإن لم تدفع عني مكرهن
م ْ
ل إليهن ,وأكن من السفهاء الذين يرتكبون الثم لجهلهم. َ
أ ِ
ميعُ ال ْعَِلي ُ
م )(34 س ِ
ه هُوَ ال ّ ه ك َي ْد َهُ ّ
ن إ ِن ّ ُ ف عَن ْ ُ ه فَ َ
صَر َ ب لَ ُ
ه َرب ّ ُ جا َ َفا ْ
ست َ َ
فاستجاب الله ليوسف دعاءه فصرف عنه ما أرادت منه امرأة
العزيز وصواحباتها من معصية الله .إن الله هو السميع لدعاء
من خلقه ,العليم بمطلبه وحاجته ومايوسف ,ودعاء كل داع ِ
يصلحه ,وبحاجة جميع خلقه وما يصلحهم.
َ
ن )(35
حي ٍ
حّتى ِ
ه َ
جن ُن ّ ُ ت ل َي َ ْ
س ُ ما َرأْوا الَيا ِ
ن ب َعْدِ َ
م ْ دا ل َهُ ْ
م ِ ثُ ّ
م بَ َ
ثم ظهر للعزيز وأصحابه -من بعد ما رأوا الدلة على براءة يوسف
وعفته -أن يسجنوه إلى زمن يطول أو يقصر; منًعا للفضيحة.
ْ ل ل يأ ِْتيك ُما ط َعام ترزَقان ِه إل ّ نبأ ْتك ُما بتأ ْويل ِه قَب َ َ
ن ي َأت ِي َك ُ َ
ما لأ ْ ِ ِ َّ ُ َ َِ ِ ِ ْ َ ٌ ُْ َ َ َ َقا َ
ن ِبالل ّهِ وَهُ ْ
م مُنو َ مل ّ َ
ة قَوْم ٍ ل ي ُؤْ ِ ت ِ ما عَل ّ َ
مِني َرّبي إ ِّني ت ََرك ْ ُ م ّ ذ َل ِك ُ َ
ما ِ
ن )(37 كافُِرو َ م َخَرةِ هُ ْ ِبال ِ
قال لهما يوسف :ل يأتيكما طعام ترزقانه في حال من الحوال إل
أخبرتكما بتفسيره قبل أن يأتيكما ,ذلكما التعبير الذي سأعّبره لكما
مما عّلمني ربي; إني آمنت به ,وأخلصت له العبادة ,وابتعدت عن
دين قوم ل يؤمنون بالله ,وهم بالبعث والحساب جاحدون.
452
َ
شرِ َ
ك ن نُ ْن ل ََنا أ ْ ما َ
كا َ ب َ حقَ وَي َعُْقو َس َ
م وَإ ِ ْ
هي َ
ة آَباِئي إ ِب َْرا ِ مل ّ َ
ت ِ َوات ّب َعْ ُ
َ
ن أك ْث ََرس وَل َك ِ ّ َ َ ض ِ ّ
ل اللهِ عَلي َْنا وَعَلى الّنا ِ ن فَ ْم ْ
ك ِ يٍء ذ َل ِ َ
ش ْ ن َ م ِْبالل ّهِ ِ
ن )(38 شك ُُرو َ س ل يَ ْ الّنا ِ
واتبعت دين آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب فعبدت الله وحده ,ما
كان لنا أن نجعل لله شري ً
كا في عبادته ,ذلك التوحيد بإفراد الله
بالعبادة ,مما تفضل الله به علينا وعلى الناس ,ولكن أكثر الناس ل
يشكرون الله على نعمة التوحيد واليمان.
ما َأنَز َ
ل الل ّ ُ
ه م َ م َوآَباؤُك ُ ْ
ما تعبدون من دون ِه إل ّ أ َسماًء سميتمو َ َ
ها أن ْت ُ ْ َ ّ ُْ ُ ْ َ َ َُْ ُ َ ِ ْ ُ ِ ِ
َ َ
ن
دي ُك ال ّدوا إ ِل ّ إ ِّياهُ ذ َل ِ َمَر أل ّ ت َعْب ُ ُ م إ ِل ّ ل ِل ّهِ أ َ
حك ْ ُن ال ْ ُ
ن إِ ْ
طا ٍسل ْ َ
ن ُ
م ْ
ب َِها ِ
ال َْقيم ول َك َ
ن )(40 مو َ س ل ي َعْل َ ُ ن أك ْث ََر الّنا ِّ ُ َ ِ ّ
ما تعبدون من دون الله إل أسماًء ل معاني وراءها ,جعلتموها أنتم
وآباؤكم أرباًبا جهل منكم وضلل ،ما أنزل الله من حجة أو برهان
على صحتها ,ما الحكم الحق إل لله تعالى وحده ,ل شريك له ,أمر
أل تنقادوا ول تخضعوا لغيره ,وأن تعبدوه وحده ,وهذا هو الدين
القيم الذي ل عوج فيه ,ولكن أكثر الناس يجهلون ذلك ,فل يعلمون
حقيقته.
453
وي ُْترك ,وتأكل الطير من رأسهُ ,قضي المر الذي فيه تستفتيان
وُفرغ منه.
َ
سن ْب ُل ِهِ إ ِل ّ قَِليل ً
م فَذ َُروهُ ِفي ُ
صد ْت ُ ْ
ح َ ن د َأبا ً فَ َ
ما َ سِني َ
سب ْعَ ِ
ن َ
عو َ
ل ت َْزَر َُقا َ
ْ
ما ت َأك ُُلو َ
ن )(47 م ِّ
قال يوسف لسائله عن رؤيا الملك :تفسير هذه الرؤيا أنكم
دين لي َك ُْثر العطاء ,فما حصدتم منه
تزرعون سبع سنين متتابعة جا ّ
م حفظه من خروه ,واتركوه في سنبله; ليت ّ في كل مرة فاد ّ ِ
وس ,وليكون أبقى ,إل قليل مما تأكلونه من الحبوب. التس ّ
ْ ْ
ما
م ّ م ل َهُ ّ
ن إ ِل ّ قَِليل ً ِ ما قَد ّ ْ
مت ُ ْ داد ٌ ي َأك ُل ْ َ
ن َ ش َ
سب ْعٌ ِ ن ب َعْدِ ذ َل ِ َ
ك َ م ْ ثُ ّ
م ي َأِتي ِ
ن )(48 صُنو َح ِ تُ ْ
دب ,يأكلج ْ
صبة سبع سنين شديدة ال َ
خ ْ
ثم يأتي بعد هذه السنين ال ِ
دخرونه
دخرتم لهن من قبل ,إل قليل مما تحفظونه وت ّ أهلها كل ما ا ّ
ليكون بذوًرا للزراعة.
ن ب َعْدِ ذ َل ِ َ ْ
ن )(49
صُرو َ
س وَِفيهِ ي َعْ ِ
ث الّنا ُ
م ِفيهِ ي َُغا ُ
عا ٌ
ك َ م ْ ثُ ّ
م ي َأِتي ِ
ثم يأتي من بعد هذه السنين المجدبة عام يغاث فيه الناس بالمطر,
فيرفع الله تعالى عنهم الشدة ,ويعصرون فيه الثمار من كثرة
صب والنماء.
خ ْ
ال ِ
455
وقال الملك لعوانه :أخرجوا الرجل المعّبر للرؤيا من السجن
وأحضروه لي ,فلما جاءه رسول الملك يدعوه قال يوسف
للرسول :ارجع إلى سيدك الملك ,واطلب منه أن يسأل النسوة
اللتي جرحن أيديهن عن حقيقة أمرهن وشأنهن معي; لتظهر
الحقيقة للجميع ,وتتضح براءتي ,إن ربي عليم بصنيعهن وأفعالهن ل
يخفى عليه شيء من ذلك.
ماش ل ِل ّهِ َ
حا َ سهِ قُل ْ َ
ن َ ن ن َْف ِ
ف عَ ْ س َن ُيو ُن إ ِذ ْ َراَودت ّ ّ خط ْب ُك ُ ّما َل َ َقا َ
عَل ِمنا عَل َيه من سوٍء َقال َت امرأ َةُ ال ْعزيز الن حصحص ال ْحق أناَ
َ ّ َ َ َ ْ َ َ َ ِ ِ ْ ْ َ ْ ِ ِ ْ ُ ْ َ
ن )(51 صادِِقي َن ال ّ
م ْ َ
هل ِ سهِ وَإ ِن ّ ُن ن َْف ِ ه عَ َْراَودت ّ ُ
ن
قال الملك للنسوة اللتي جرحن أيديهن :ما شأنكن حين راودت ّ
يوسف عن نفسه يوم الضيافة؟ فهل رأيتن منه ما يريب؟ قلن:
معاذ الله ما علمنا عليه أدنى شيء َيشينه ,عند ذلك قالت امراة
العزيز :الن ظهر الحق بعد خفائه ,فأنا التي حاولت فتنته بإغرائه
فامتنع ,وإنه لمن الصادقين في كل ما قاله.
456
الجزء الثالث عشر :
َ ُ
ن َرب ّههي
م َرب ّههي إ ِ ّ
ح َ سوِء إ ِل ّ َ
ما َر ِ ماَرةٌ ِبال ّ
سل ّن الن ّْف َ ما أب َّرئُ ن َْف ِ
سي إ ِ ّ وَ َ
م )(53حي ٌ غَُفوٌر َر ِ
قالت امرأة العزيز :وما أزكي نفسي ول أبرئها ,إن النفس لكثيرة
من عصمه الله .إن
المر لصاحبها بعمل المعاصي طلبا لملذاتها ,إل َ
من عباده ,رحيم بهم.من تاب ِ
الله غفور لذنوب َ
َ
ك ال َْيههوْ َ
م ل إ ِن ّ َ
ه َقا َ ما ك َل ّ َ
م ُ سي فَل َ ّ
ه ل ِن َْف ِ
ص ُ
خل ِ ْ ك ائ ُْتوِني ب ِهِ أ ْ
ست َ ْ ل ال ْ َ
مل ِ ُ وََقا َ
َ
ن )(54 مي ٌ نأ ِ كي ٌ ل َد َي َْنا َ
م ِ
وقال الملك الحاكم له "مصر" حين بلغته براءة يوسف :جيئوني به
أجعله من خلصائي وأهل مشورتي ,فلما جاء يوسف وكّلمه الملك,
وعرف براءته ,وعظيم أمانته ,وحسن خلقه ,قال له :إنك اليوم
عندنا عظيم المكانة ,ومؤتمن على كل شيء.
ُ َ
ب
صههي ُ ث يَ َ
شههاُء ن ُ ِ حي ْه ُ
من ْهَهها َ
ض ي َت َب َهوّأ ِف فِههيَ الْر ِ سه َ مك ّن ّهها ل ُِيو ُك َوَك َهذ َل ِ َ
ن )(56 سِني َح ِ م ْجَر ال ْ ُ
ضيعُ أ ْ
شاُء َول ن ُ ِ ن نَ َ م ْمت َِنا َح َب َِر ْ
كن له في أرضوكما أنعم الله على يوسف بالخلص من السجن م ّ
"مصر" ينزل منها أي منزل شاءه .يصيب الله برحمته من يشاء من
من أحسن شيًئا ِ
من العمل الصالح. عباده المتقين ,ول يضيع أجر َ
ن )(57 مُنوا وَ َ
كاُنوا ي َت ُّقو َ نآ َ خي ٌْر ل ِل ّ ِ
ذي َ خَرةِ َ وَل َ ْ
جُر ال ِ
457
وَلثواب الخرة عند الله أعظم من ثواب الدنيا لهل اليمان
والتقوى الذين يخافون عقاب الله ,ويطيعونه في أمره ونهيه.
ن )(58
منك ُِرو َ م لَ ُ
ه ُ خُلوا عَل َي ْهِ فَعََرفَهُ ْ
م وَهُ ْ ف فَد َ َ
س َ
خوَةُ ُيو ُ
جاَء إ ِ ْ
وَ َ
ل بهم الجدب فيم إخوة يوسف إلى "مصر" -بعد أن ح ّ وقدِ َ
أرضهم ;-ليجلبوا منها الطعام ,فدخلوا عليه فعرفهم ,ولم يعرفوه
لطول المدة وتغّير هيئته.
ن )(60
دي َول ت َْقَرُبو ِ
عن ِ
م ِ م ت َأ ُْتوِني ب ِهِ َفل ك َي ْ َ
ل ل َك ُ ْ ن لَ ْ
فَإ ِ ْ
ي.
فإن لم تأتوني به فليس لكم عندي طعام أكيله لكم ,ول تأتوا إل ّ
458
َقاُلوا ْ يا أ َبانا منع منا ال ْك َي ُ َ
معََنا أ َ َ
خاَنا ل َ ل فَأْر ِ
س ْ ْ َ َ َ ُ ِ َ ِ ّ م َ
جُعوا إ َِلى أِبيهِ ْ ما َر ِ فَل َ ّ
)(63 ن
ظو َ حافِ ُه لَ َل وَإ ِّنا ل َ ُ
ن َك ْت َ ْ
صوا عليه ما كان من إكرام العزيز لهم, فلما رجعوا إلى أبيهم ق ّ
وقالوا :إنه لن يعطينا مستقَبل إل إذا كان معنا أخونا الذي أخبرناه
به ,فأرسْله معنا نحضر الطعام وافًيا ,ونتعهد لك بحفظه.
َ
م قَههاُلوا ي َهها أَبان َهها َ
مهها ت إ ِل َي ْهِ ه ْ م ُرد ّ ْ ضههاعَت َهُ ْ دوا ب ِ َ ج ُ
م وَ َ مَتاعَهُ ْحوا َ ما فَت َ ُ وَل َ ّ
داد ُ ك َي ْه َ
ل ظ أَ َ
خان َهها وَن َهْز َ حَفه ُ َ
ميُر أهْل ََنا وَن َ ْ ت إ ِل َي َْنا وَن َ ِ ضاعَت َُنا ُرد ّ ْ ن َب ِْغي هَذِهِ ب ِ َ
سيٌر )(65 ل يَ ِ ك ك َي ْ ٌ ب َِعيرٍ ذ َل ِ َ
ولما فتحوا أوعيتهم وجدوا ثمن بضاعتهم الذي دفعوه قد ُرد ّ إليهم
ده العزيزقالوا :يا أبانا ماذا نطلب أكثر من هذا؟ هذا ثمن بضاعتنا ر ّ
ما وفيًرا إلينا ,فكن مطمئًنا على أخينا ,وأرسله معنا; لنجلب طعا ً
ل بعير له; فإن العزيز يكيل لكل م َ
ح ْ
لهلنا ,ونحفظ أخانا ,ونزداد ِ
ل بعير ,وذلك كيل يسير عليه. م َ
ح ْ
واحد ِ
َ ْ ل لَ ُ
ن الل ّهِ ل َت َأُتون َِني ب ِهِ إ ِل ّ أ ْ
ن م ْموِْثقا ً ِحّتى ت ُؤُْتوِني َ م َ معَك ُ ْ
ه َسل َ ُن أْر ِ َقا َ ْ
ل )(66 كي ٌ ل وَ ِ ما ن َُقو ُه عََلى َ ل الل ّ ُ
م َقا َ
موْث َِقهُ ْ
ما آت َوْهُ َم فَل َ ّ حا َ
ط ب ِك ُ ْ يُ َ
قال لهم يعقوب :لن أتركه يذهب معكم حتى تتعهدوا وتحلفوا لي
ي ,إل أن ت ُْغلبوا عليه فل تستطيعوا تخليصه ,فلما
بالله أن تردوه إل ّ
وه عهد الله على ما طلب ,قال يعقوب :الله على ما نقول أعط َ ْ
وكيل ,أي تكفينا شهادته علينا وحفظه لنا.
459
خُلوا م َ
مامت ََفّرقَةٍ وَ َب ُ وا ٍ ن أب ْ َ ِ ْ حدٍ َواد ْ ُ ب َوا ِ ن َبا ٍم ْخُلوا ِ
ل َيا ب َِني ل ت َد ْ ُ وََقا َ
ت وَعَل َي ْه ِ
ه م إ ِل ّ ل ِل ّهِ عَل َي ْهِ ت َهوَك ّل ْ ُ ن ال ْ ُ
حك ْ ُ يٍء إ ِ ْ
ش ْ ن َ ن الل ّهِ ِ
م ْ م ْ
م ِ أ ُغِْني َ
عنك ُ ْ
ن )(67 مت َوَك ُّلو َ
ل ال ْ ُ
فَل ْي َت َوَك ّ ْ
منوقال لهم أبوهم :يا أبنائي إذا دخلتم أرض "مصر" فل تدخلوا ِ
باب واحد ,ولكن ادخلوها من أبواب متفرقة ,حتى ل تصيبكم العين,
وإني إذ أوصيكم بهذا ل أدفع عنكم شيًئا قضاه الله عليكم ,فما
الحكم إل لله وحده ,عليه اعتمدت ووثقت ,وعليه وحده يعتمد
المؤمنون.
ث أ َمرهُ َ
نمهه ْ ن الل ّهِ ِ م ْ م ِ ن ي ُغِْني عَن ْهُ ْ كا َما َم َم أُبوهُ ْ
حي ْ ُ َ َ ْ ن َم ْ خُلوا ِ ما د َ َوَل َ ّ
مهها عَل ّ ْ
من َههاهُ عل ْهم ٍ ل ِ َذو ِ ه ل َه ُ
ها وَإ ِن ّ ُ ب قَ َ
ضا َ س ي َعُْقو َ
ة ِفي ن َْف ِ ج ً يٍء إ ِل ّ َ
حا َ ش ْ َ
َ
ن )(68 مو َ س ل ي َعْل َ ُ
ن أك ْث ََر الّنا ِ وَل َك ِ ّ
ولما دخلوا من أبواب متفرقة كما أمرهم أبوهم ,ما كان ذلك ليدفع
قضاء الله عنهم ,ولكن كان شفقة في نفس يعقوب عليهم أن
تصيبهم العين ,وإن يعقوب لصاحب علم ٍ عظيم بأمر دينه عّلمه الله
حًيا ,ولكن أكثر الناس ل يعلمون عواقب المور ودقائق
له و ْ
من أمر دينه.
الشياء ,وما يعلمه يعقوب -عليه السلمِ -
ك َفل ت َب ْت َئ ِ ْ
س ل إ ِّني أ ََنا أ َ ُ
خو َ ف آَوى إ ِل َي ْهِ أ َ َ
خاهُ َقا َ س َخُلوا عََلى ُيو ُ وَل َ ّ
ما د َ َ
ن )(69 مُلو َ
كاُنوا ي َعْ َما َ بِ َ
ولما دخل إخوة يوسف عليه في منزل ضيافته ومعهم شقيقه ,ضم
م
يوسف إليه شقيقه ,وقال له سًرا :إني أنا أخوك فل تحزن ,ول تغت ّ
بما صنعوه بي فيما مضى .وأمره بكتمان ذلك عنهم.
َ
ن) ما ك ُّنا َ
سههارِِقي َ ض وَ َ جئ َْنا ل ِن ُْف ِ
سد َ ِفي الْر ِ ما ِ
م َ َقاُلوا َتالل ّهِ ل ََقد ْ عَل ِ ْ
مت ُ ْ
(73
قال إخوة يوسف :والله لقد تحققتم مما شاهدتموه منا أننا ما جئنا
أرض "مصر" من أجل الفساد فيها ,وليس من صفاتنا أن نكون
سارقين.
ن )(74 م َ
كاذِِبي َ ن ُ
كنت ُ ْ جَزاؤُهُ إ ِ ْ َقاُلوا فَ َ
ما َ
قال المكّلفون بالبحث عن المكيال لخوة يوسف :فما عقوبة
السارق عندكم إن كنتم كاذبين في قولكم :لسنا بسارقين؟
ن)
مي َ زي ال ّ
ظال ِ ِ ج ِ جَزاؤُهُ ك َذ َل ِ َ
ك نَ ْ حل ِهِ فَهُوَ َ
جد َ ِفي َر ْ
ن وُ ِ
م ْ َقاُلوا َ
جَزاؤُهُ َ
(75
جد المسروق في رحله فهو من وُ ِ
قال إخوة يوسف :جزاء السارق َ
دا عنده,
من سرق منه حتى يكون عب ً جزاؤه .أي يسّلم بسرقته إلى َ
مثل هذا الجزاء -وهو السترقاق -نجزي الظالمين بالسرقة ,وهذا
ديننا وسنتنا في أهل السرقة.
فَبدأ َ بأ َ
ككهذ َل ِ َ ن وِعَههاِء أ َ ِ
خيههِ َ ْ ه مِ ها ج
َ
َ َ رخ ْ َ تسْ ا م
ّ ُ ث ِ ه خي ِ عاِء أ ََ ِ و َ
ل ْ بَ ق م
ْ ِ هِ تَ يعِ و
َ َ ِ ْ
َ َ ْ
شههاءَ الل ّه ُ
ه ن يَ َ ك إ ِل ّ أ ْ
مل ِه ِن ال ْ َ
خههاهُ فِههي ِديه ِ خذ َ أ َ ن ل ِي َأ ُ كا َما َ ف َ س َ ك ِد َْنا ل ُِيو ُ
461
عل ْم ٍ عَِلي ٌ
م )(76 شاُء وَفَوْقَ ك ُ ّ
ل ِذي ِ ن نَ َ
م ْ
ت َ ن َْرفَعُ د ََر َ
جا ٍ
ورجعوا بإخوة يوسف إليه ,فقام بنفسه يفتش أمتعتهم ,فبدأ
ما لما دّبره لستبقاء أخيه معه ,ثم
بأمتعتهم قبل متاع شقيقه; إحكا ً
سرنا ليوسف هذا انتهى بوعاء أخيه ,فاستخرج الناء منه ,كذلك ي ّ
صل به لخذ أخيه ,وما كان له أن يأخذ أخاه في التدبير الذي تو ّ
مِلك "مصر"; لنه ليس من دينه أن يتملك السارق ,إل أن حكم َ
مشيئة الله اقتضت هذا التدبير والحتكام إلى شريعة إخوة يوسف
من نشاء في الدنيا على غيره القاضية برِقّ السارق .نرفع منازل َ
كما رفعنا منزلة يوسف .وفوق كل ذي علم ٍ من هو أعلم منه ,حتى
ينتهي العلم إلى الله تعالى عالم الغيب والشهادة.
ل معاذ َ الل ّه أ َن نأ ْ
ن) عن ْد َهُ إ ِّنا ِإذا ً ل َظ َههال ِ ُ
مو َ مَتاعََنا ِ
جد َْنا َ
ن وَ َ
ْ م
َ ّ لِ إ َ ذخُ ِ ْ َ َقا َ َ َ
(79
دا غير الذي وجدنا
قال يوسف :نعتصم بالله ونستجير به أن نأخذ أح ً
المكيال عنده -كما حكمتم أنتم ,-فإننا إن فعلنا ما تطلبون نكون
في عداد الظالمين.
462
ل ك َبيرهُهم أ َل َهم تعل َمههوا أ َ َ
م ن أب َههاك ُ ّْ ْ َْ ُ ْ جي ّا ً َقا َ ِ ُ خل َ ُ
صوا ن َ ِ ه َمن ْ ُ
سوا ِ ست َي ْئ َ ُ
ما ا ْ فَل َ ّ
ف فَل َه ْ
ن سه َ م ِفي ُيو ُ ما فَّرطت ُ ْ ل َ ن قَب ْ ُ م ْ ن الل ّهِ وَ ِم ْ موِْثقا ً ِ م َ قَد ْ أ َ َ
خذ َ عَل َي ْك ُ ْ
ن مي ك حهها ْ ل ا ر يخَ وُ ه و لي
ِ ه ّ ل ال م ُ ك ح ي و أ َبرح ال َرض حتى يأ ْذ َن ِلي أ َبي أ َ
َ ِ ِ َ ُ ْ َ َ ُ َ ْ َ ْ ِ ْ َ َ ّ َ َ َْ َ
)(80
ما طلبوه انفردوا عن الناس ,وأخذوا فلما يئسوا من إجابته إياهم ل ِ َ
يتشاورون فيما بينهم ,قال كبيرهم في السن :ألم تعلموا أن أباكم
ن أخاكم إل أن ُتغلبوا ,ومن قبل قد أخذ عليكم العهد المؤكد لترد ّ ّ
هذا كان تقصيركم في يوسف وغدركم به; لذلك لن أفارق أرض
"مصر" حتى يأذن لي أبي في مفارقتها ,أو يقضي لي ربي بالخروج
ل من فَ َ
ص َ م ,وأعدل َ حك َ َ
من َ
خذِ أخي ,والله خيُر َ من أ َ ْ
منها ,وأتمكن ِ
بين الناس.
َ َ
شههِد َْنا إ ِل ّ ب ِ َ
مهها مهها َ
سهَرقَ وَ َ
ك َ م فَُقوُلوا َيا أَباَنا إ ِ ّ
ن اب ْن َ َ جُعوا إ َِلى أِبيك ُ ْ اْر ِ
ن )(81 ظي َ
ب حافِ ِ ما ك ُّنا ل ِل ْغَي ْ ِ
مَنا وَ َعَل ِ ْ
ارجعوا أنتم إلى أبيكم ,وأخبروه بما جرى ,وقولوا له :إن ابنك
"بنيامين" قد سرق ,وما شهدنا بذلك إل بعد أن ت َي َّقّنا ,فقد رأينا
المكيال في رحله ,وما كان عندنا علم الغيب أنه سيسرق حين
ده.
عاهدناك على ر ّ
صههادُِقو َ
ن) َ
ة ال ِّتي ك ُّنا ِفيَها َوال ِْعيَر ال ِّتي أقْب َل َْنا ِفيَها وَإ ِّنا ل َ َ سأ َ ْ
ل ال َْقْري َ َ َوا ْ
(82
من كان معنا في القافلة التي كناواسأل -يا أبانا -أهل "مصر" ,و َ
فيها ,وإننا صادقون فيما أخبرناك به.
َ
ن ن ال ْ ُ
ح هْز ِ م َ
ت عَي َْناهُ ِ
ض ْ
ف َواب ْي َ ّ سَفى عََلى ُيو ُ
س َ ل َيا أ َ وَت َوَّلى عَن ْهُ ْ
م وََقا َ
م )(84 فَهُوَ ك َ ِ
ظي ٌ
وأعرض يعقوب عنهم ,وقد ضاق صدره بما قالوه ،وقال :يا حسرتا
من شدة الحزن فهو ت عيناه ,بذهاب سوادهما ِ ض ْ
على يوسف وابي ّ
ممتلئ القلب حزًنا ,ولكنه شديد الكتمان له.
َ ُ
ن
مه ْ حَرض ها ً أوْ ت َك ُههو َ
ن ِ حت ّههى ت َك ُههو َ
ن َ ف َ قَههاُلوا ت َههالل ّهِ ت َْفت َهأ ت َهذ ْك ُُر ُيو ُ
سه َ
ن )(85 كي َال َْهال ِ ِ
قال بنوه :تالله ما تزال تتذكر يوسف ,ويشتد ّ حزنك عليه حتى
رف على الهلك أو تهلك فعل فخفف عن نفسك. تُ ْ
ش ِ
َ ما أ َ ْ
ن) ما ل ت َعْل َ ُ
مههو َ ن الل ّهِ َ
م ْ حْزِني إ َِلى الل ّهِ وَأعْل َ ُ
م ِ ش ُ
كو ب َّثي وَ ُ َقا َ
ل إ ِن ّ َ
(86
مي وحزني إل لله وحده ,فهو قال يعقوب مجيًبا لهم :ل أظهر ه ّ
كاشف الضّر والبلء ,وأعلم من رحمة الله وفرجه ما ل تعلمونه.
ح الّلهه ِ
ه ن َروْ ِ
م ْ خيهِ َول ت َي ْئ َ ُ
سوا ِ ف وَأ َ ِ
س َ ن ُيو ُ م ْ سوا ِ س ُح ّ َيا ب َِني اذ ْهَُبوا فَت َ َ
ن )(87 كافُِرو َ ح الل ّهِ إ ِل ّ ال َْقوْ ُ
م ال َ ن َروْ ِ م ْ
س ِ ه ل ي َي ْئ َ ُ
إ ِن ّ ُ
قال يعقوب :يا أبنائي عودوا إلى "مصر" فاستقصوا أخبار يوسف
وأخيه ,ول تقطعوا رجاءكم من رحمة الله ,إنه ل يقطع الرجاء من
رحمة الله إل الجاحدون لقدرته ,الكافرون به.
َ َ
جئ ْن َهها
ضهّر وَ ِسهَنا وَأهْل َن َهها ال ّ م ّزيهُز َ خل ُههوا عَل َي ْههِ قَ َههاُلوا ي َهها أي ّهَهها ال ْعَ ِ فَل َ ّ
ما د َ َ
زي جهه ِ ن الل ّه َ
ه يَ ْ صههد ّقْ عَل َي َْنهها إ ِ ّ
ل وَت َ َ ف ل ََنهها ال ْك َي ْه َ
جههاةٍ َفههأوْ ِ مْز َضههاعَةٍ ُ ب ِب ِ َ
ن )(88 صد ِّقي َمت َ َال ْ ُ
464
فذهبوا إلى "مصر" ,فلما دخلوا على يوسف قالوا :يا أيها العزيز
أصابنا وأهلنا القحط والجدب ,وجئناك بثمن رديء قليل ,فأعطنا به
ما كنت تعطينا من قبل بالثمن الجيد ,وتصد ّقْ علينا بقبض هذه
ضلين على وز فيها ,إن الله تعالى يثيب المتف ّ
الدراهم المزجاة وتج ّ
أهل الحاجة بأموالهم.
َ ف وَأ َ ِ
جاهُِلو َ
ن )(89 خيهِ إ ِذ ْ أن ْت ُ ْ
م َ س َ ما فَعَل ْت ُ ْ
م ب ُِيو ُ م َ
مت ُ ْ
ل عَل ِ ْ َقا َ
ل هَ ْ
فلما سمع مقالتهم رقّ لهم ,وعّرفهم بنفسه وقال :هل تذكرون
جْهلكم بعاقبة ما
الذي فعلتموه بيوسف وأخيه من الذى في حال َ
تفعلون؟
ه عَل َي ْن َهها
ن الل ّ ُ خي قَد ْ َ
م ّ ذا أ َ ِ
ف َوه َ س ُ ف َقا َ َ
ل أَنا ُيو ُ س ُ ت ُيو ُ
َقاُلوا أ َئ ِن ّ َ َ
ك لن ْ َ
َ
ن )(90 سِني َ
ح ِ م ْجَر ال ْ ُضيعُ أ ْ
ه ل يُ ِ ن الل ّ َ
صب ِْر فَإ ِ ّ
ق وَي َ ْ
ن ي َت ّ ِم ْ
ه َإ ِن ّ ُ
قالوا :أإّنك لنت يوسف؟ قال :نعم أنا يوسف ,وهذا شقيقي ,قد
ضل الله علينا ,فجمع بيننا بعد الفرقة ,إنه من يتق الله ,ويصبرتف ّ
على المحن ,فإن الله ل يذهب ثواب إحسانه ,وإنما يجزيه أحسن
الجزاء.
ن )(91 ن ك ُّنا ل َ َ
خاط ِِئي َ ه عَل َي َْنا وَإ ِ ْ
ك الل ّ ُ
َقاُلوا َتالل ّهِ ل ََقد ْ آث ََر َ
َ
ن)
ميه َ
ح ِ
م الّرا ِ
حه ُ ه ل َك ُه ْ
م وَهُهوَ أْر َ م ي َغِْفُر الل ّه ُ
م ال ْي َوْ َ
ب عَل َي ْك ُ ْ
ري َ َقا َ
ل ل ت َث ْ ِ
(92
قال لهم يوسف :ل تأنيب عليكم اليوم ,يغفر الله لكم ,وهو أرحم
الراحمين لمن تاب من ذنبه وأناب إلى طاعته.
465
ن )(93 بأ َهْل ِك ُ َ
مِعي َ
ج َ
مأ ْْ ِ
ولما سألهم عن أبيه أخبروه بذهاب بصره من البكاء عليه ,فقال
لهم :عودوا إلى أبيكم ومعكم قميصي هذا فاطرحوه على وجه أبي
ي جميع أهلكم.
ي َعُد ْ إليه بصره ,ثم أحضروا إل ّ
ك ال َْق ِ
ديم ِ )(95 ك ل َِفي َ
ضلل ِ َ َقاُلوا َتالل ّهِ إ ِن ّ َ
من حب
قال الحاضرون عنده :تالله إنك ل تزال في خطئك القديم ِ
يوسف ,وأنك ل تنساه.
م أ َقُه ْ
ل فَل َما أ َن جاَء ال ْبشير أ َل َْقاه عََلى وجههه َفارتهد بصههيرا ً قَهها َ َ
ل أل َه ْ َ ْ ِ ِ ْ َ ّ َ ِ ُ َ ِ ُ ْ َ ّ
َ
ن )(96
مو َما ل ت َعْل َ ُ
ن الل ّهِ َ
م ْ م إ ِّني أعْل َ ُ
م ِ ل َك ُ ْ
ي ,وطرح قميص
شر يعقوب بأن يوسف ح ّ فلما أن جاء من ُيب ّ
مه السرور فقال لمن
يوسف على وجهه فعاد يعقوب مبصًرا ,وع ّ
م أخبركم أني أعلم من الله ما ل تعلمونه من فضل الله عنده :أله ْ
ورحمته وكرمه؟
466
قال يعقوب :سوف أسأل ربي أن يغفر لكم ذنوبكم ,إنه هو الغفور
لذنوب عباده التائبين ,الرحيم بهم.
ن َ
شههاءَ ص هَر إ ِ ْ خُلوا ِ
م ْ ف آَوى إ ِل َي ْهِ أ َب َوَي ْهِ وََقا َ
ل اد ْ ُ خُلوا عََلى ُيو ُ
س َ فَل َ ّ
ما د َ َ
ن )(99 مِني َهآ ِ الل ّ ُ
وخرج يعقوب وأهله إلى "مصر" قاصدين يوسف ,فلما وصلوا إليه
م يوسف إليه أبويه ,وقال لهم :ادخلوا "مصر" بمشيئة الله ,وأنتم
ض ّ
آمنون من الجهد والقحط ,ومن كل مكروه.
ذا ت َأ ِْوي ه ُ
ل ت هَ ه َ َ
ل ي َهها أب َه ِ جدا ً وََقا َ س ّ ه ُ خّروا ل َ ُ ش وَ َ ِ ر ْ َ عوََرفَعَ أ َب َوَي ْهِ عََلى ال ْ
َ َ ً
نمه ْ جِنهي ِ خَر َ ن ب ِههي إ ِذ ْ أ ْ سه َح َ َ
حّقا وَقد ْ أ ْ جعَل ََها َرّبي َ ل قَد ْ َ ن قَب ْ ُم ْ ُرؤَْياي ِ
ش هي ْ َ َ
ن ن ب َي ْن ِههي وَب َي ْه َطا ُ ن ن َهَزغَ ال ّ ن ب َعْهدِ أ ْ ن ال ْب َد ْوِ ِ
م ْ م ْ م ِ جاَء ب ِك ُ ْن وَ َ ج ِ
س ْال ّ
م )(100 كي ُح ِ م ال ْ َه هُوَ ال ْعَِلي ُ شاُء إ ِن ّ ُما ي َ َف لِ َطي ٌ ن َرّبي ل َ ِ خوَِتي إ ِ ّإِ ْ
ما لهما ,وحّياه أبواهس أباه وأمه على سرير ملكه بجانبه; إكرا ً جل َ َ
وأ ْ
عا,
ما ,ل عبادة وخضو ً وإخوته الحد عشر بالسجود له تحية وتكري ً
دا لذريعة حُرم في شريعتنا; س ً وكان ذلك جائًزا في شريعتهم ,وقد َ
الشرك بالله .وقال يوسف لبيه :هذا السجود هو تفسير رؤياي
التي قصصتها عليك من قبل في صغري ,قد جعلها ربي صدًقا ,وقد
ي من البادية, ي حين أخرجني من السجن ,وجاء بكم إل ّ ضل عل ّ تف ّ
من بعد أن أفسد الشيطان رابطة الخوة بيني وبين إخوتي .إن
ربي لطيف التدبير لما يشاء ,إنه هو العليم بمصالح عباده ,الحكيم
في أقواله وأفعاله.
467
ما ,وألحقني بعبادك الصالحين من النبياء البرار
توفني إليك مسل ً
والصفياء الخيار.
َ
ن )(103 مؤ ْ ِ
مِني َ ت بِ ُ
ص َ س وَل َوْ َ
حَر ْ ما أك ْث َُر الّنا ِ
وَ َ
دقيك ول
وما أكثُر المشركين من قومك -أيها الرسول -بمص ّ
ت على إيمانهم ,فل تحزن على ذلك.ص َ
حَر ْ
متبعيك ,ولو َ
ن )(104 مي َ ل عا ْ لِ ل ر ْ ك ذ ّ ل إ وُ ه ن إ رج وما تسأ َل ُهم عَل َيه من أ َ
َ ِ َ ٌ ِ َ ِ ْ ٍ ِ ْ ْ ِ ِ ْ َ َ َ ْ ُ ْ
وما تطلب من قومك أجرة على إرشادهم لليمان ,إن الذي
ت به من القرآن والهدى عظة للناس أجمعين يتذكرون به ُ
أرسل َ
ويهتدون.
وما يؤْم َ
ن )(106 شرِ ُ
كو َ م ْ م ِبالل ّهِ إ ِل ّ وَهُ ْ
م ُ ن أك ْث َُرهُ ْ
َ َ ُ ِ ُ
468
وما ي ُِقّر هؤلء المعرضون عن آيات الله بأن الله خالقهم ورازقهم
وخالق كل شيء ومستحق للعبادة وحده إل وهم مشركون في
وا كبيرا.
عبادتهم الوثان والصنام .تعالى الله عن ذلك عل ّ
َ ْ ْ َ َ َ
م
ة وَهُ ْ
ة ب َغْت َ ً
ساعَ ُ ب الل ّهِ أوْ ت َأت ِي َهُ ْ
م ال ّ ن عَ َ
ذا ِ م ْ
ة ِ
شي َ ٌ م َ
غا ِ ن ت َأت ِي َهُ ْ أفَأ ِ
مُنوا أ ْ
ن )(107 شعُُرو َل يَ ْ
مهم,
فهل عندهم ما يجعلهم آمنين أن ينزل بهم عذاب من الله يعُ ّ
سون بذلك. ح ّ
أو أن تأتيهم القيامة فجأة ,وهم ل يشعرون ول ي ُ ِ
َ سِبيِلي أ َد ْ ُ
ن
حا َ
سب ْ َ
ن ات ّب َعَِني وَ ُ
م ْ عو إ َِلى الل ّهِ عََلى ب َ ِ
صيَرةٍ أَنا وَ َ ل هَذِهِ َ قُ ْ
َ
ن )(108 كي َ
شرِ ِم ْ ن ال ْ ُ
م ْ الل ّهِ وَ َ
ما أَنا ِ
قل لهم -أيها الرسول :-هذه طريقتي ,أدعو إلى عبادة الله وحده,
على حجة من الله ويقين ,أنا ومن اقتدى بي ,وأنّزه الله سبحانه
ت من المشركين مع الله غيره. وتعالى عن الشركاء ,ولس ُ
َ
ي صُرَنا فَن ُ ّ
ج َ م نَ ْ م قَد ْ ك ُذُِبوا َ
جاَءهُ ْ ل وَظ َّنوا أن ّهُ ْس ُ
س الّر ُ ست َي ْئ َ َ
ذا ا ْحّتى إ ِ ََ
ن )(110 ْ ْ ْ ن نَ َ
مي َجرِ ِم ْن الَقوْم ِ ال ُ سَنا عَ ْ
شاُء َول ي َُرد ّ ب َأ ُ م َْ
ول تستعجل -أيها الرسول -النصر على مكذبيك ,فإن الرسل قبلك
ما كان يأتيهم النصر عاجل لحكمة نعلمها ,حتى إذا يئس الرسل من
469
قومهم ,وأيقنوا أن قومهم قد كذبوهم ول أمل في إيمانهم ,جاءهم
نصرنا عند شدة الكرب ,فننجي من نشاء من الرسل وأتباعهم ,ول
من أجرم وتجّرأ على الله .وفي هذا تسلية للنبي صلى
ي َُرد ّ عذابنا ع ّ
الله عليه وسلم.
-13سورة الرعد
ن أ َك ْث َهَر
ح هقّ وَل َك ِه ّ
ك ال ْ َ
ن َرب ّ َ
م ْ
ك ِ ذي ُأنزِ َ
ل إ ِل َي ْ َ ب َوال ّ ِ
ت ال ْك َِتا ِ
ك آَيا ُ المر ت ِل ْ َ
ن )(1 س ل ي ُؤْ ِ
مُنو َ الّنا ِ
)المر( سبق الكلم على الحروف المق ّ
طعة في أول سورة البقرة.
هذه آيات القرآن الرفيعة القدر ,وهذا القرآن المنزل عليك -أيها
من عند الرسول -هو الحق ,ل كما يقول المشركون :إنك تأتي به ِ
دقون به ول يعملون.نفسك ,ومع هذا فأكثر الناس ل يص ّ
470
ن )(2
م ُتوقُِنو َ ت ل َعَل ّك ُ ْ
م ب ِل َِقاِء َرب ّك ُ ْ الَيا ِ
الله تعالى هو الذي رفع السموات السبع بقدرته من غير عمد كما
ترونها ,ثم استوى -أي عل وارتفع -على العرش استواء يليق بجلله
ل منهما يدور في وعظمته ,وذّلل الشمس والقمر لمنافع العباد ,ك ّ
فلكه إلى يوم القيامة .يدّبر سبحانه أمور الدنيا والخرة ,يوضح لكم
اليات الدالة على قدرته وأنه ل إله إل هو; لتوقنوا بالله والمعاد
خلصوا العبادة له وحده. إليه ,فتصدقوا بوعده ووعيده وت ُ ْ
َ َ
تمهَرا ِ ن ك ُه ّ
ل الث ّ َ م ْ ي وَأن َْهارا ً وَ ِ
س َ ل ِفيَها َرَوا ِجع َ َ
ض وَ َ مد ّ الْر َ ذي َ وَهُوَ ال ّ ِ
ت ل َِقهوْم ٍ ن ِفي ذ َل ِ َ
ك لي َهها ٍ شي الل ّي ْ َ
ل الن َّهاَر إ ِ ّ ن اث ْن َي ْ ِ
ن ي ُغْ ِ جي ْ ِ
ل ِفيَها َزوْ َ جع َ َ
َ
ن )(3 ي َت ََفك ُّرو َ
وهو سبحانه الذي جعل الرض متسعة ممتدة ,وهيأها لمعاشكم,
وجعل فيها جبال ُتثب ُّتها وأنهاًرا لشربكم ومنافعكم ,وجعل فيها من
كل الثمرات صنفين اثنين ,فكان منها البيض والسود والحلو
والحامض ,وجعل الليل يغطي النهار بظلمته ,إن في ذلك كله
َلعظات لقوم يتفكرون فيها ,فيتعظون.
471
ن )(5
دو َ
خال ِ ُ
م ِفيَها َ
هُ ْ
وإن تعجب -أيها الرسول -من عدم إيمانهم بعد هذه الدلة فالعجب
الشد ّ من قول الكفار :أإذا متنا وكنا ترابا ُنبعث من جديد؟ أولئك
هم الجاحدون بربهم الذي أوجدهم من العدم ,وأولئك تكون
السلسل من النار في أعناقهم يوم القيامة ,وأولئك يدخلون النار,
دا.
ول يخرجون منها أب ً
م ال ْ َ
مُثل ُ
ت ن قَب ْل ِِهه ْمه ْت ِ خَله ْسهن َةِ وََقهد ْ َ ل ال ْ َ
ح َ سي ّئ َةِ قَب ْ َ
ك ِبال ّجُلون َ َ
ست َعْ ِوَي َ ْ
ب)ديد ُ ال ْعَِقهها ِ ش ِ ك لَ َ
ن َرب ّ َم وَإ ِ ّ س عََلى ظ ُل ْ ِ
مه ِ ْ مغِْفَرةٍ ِللّنا ِ ذو َ ك لَ ُن َرب ّ َوَإ ِ ّ
(6
ويستعجلك المك ّ
ذبون بالعقوبة التي لم أعاجلهم بها قبل اليمان
من
الذي يرجى به المان والحسنات ,وقد مضت عقوبات المكذبين ِ
قبلهم ,فكيف ل يعتبرون بهم؟ وإن ربك -أيها الرسولَ -لذو مغفرة
من ذنوبه من الناس على ظلمهم ,يفتح لهم باب من تاب ِب َلذنو ِ
المغفرة ,ويدعوهم إليها ,وهم يظلمون أنفسهم بعصيانهم ربهم,
من أصّر على الكفر والضلل وإن ربك لشديد العقاب على َ
ومعصية الله.
ل كُ ّ ُ
داد ُ وَك ُه ّ
ل مهها ت َهْز َ
م وَ َ ض ال َْر َ
حهها ُ ل أنث َههى وَ َ
مهها ت َِغيه ُ م ُ
ح ِما ت َ ْ م َ ه ي َعْل َ ُ
الل ّ ُ
دارٍ )(8مْق َ عن ْد َهُ ب ِ ِيٍء ِ ش ْ َ
ل أنثى في بطنها ,أذكر هو أم أنثى؟الله تعالى يعلم ما تحمل ك ّ
وشقي هو أم سعيد؟ ويعلم ما تنقصه الرحام ,فيسقط أو يولد قبل
در عند الله
تسعة أشهر ,وما يزيد حمله عليها .وكل شيء مق ّ
بمقدار من النقصان أو الزيادة ل يتجاوزه.
472
شَهاد َةِ ال ْك َِبيُر ال ْ ُ
مت ََعاِلي )(9 م ال ْغَي ْ ِ
ب َوال ّ عال ِ ُ
َ
هد ,الكبير في ذاته
الله عالم بما خفي عن البصار ,وبما هو مشا َ
وأسمائه وصفاته ,المتعال على جميع خلقه بذاته وقدرته وقهره.
سواٌء منك ُم م َ
ف ِبالل ّي ْه ِ
ل خ ٍ
س هت َ ْ
م ْ
ن هُوَ ُ
م ْ
جهََر ب ِهِ وَ َ
ن َ
م ْ سّر ال َْقوْ َ
ل وَ َ نأ َِ ْ ْ َ ْ َ َ
ب ِبالن َّهارِ )(10
سارِ ٌوَ َ
من جهر به,
من أخفى القول منكم و َيستوي في علمه تعالى َ
من استتر بأعماله في ظلمة الليل ,ومن جهر بهاويستوي عنده َ
في وضح النهار.
ظونه م َ
هن الّلهه َ
مرِ الل ّهِ إ ِ ّنأ ْ حَف ُ َ ُ ِ ْ خل ِْفهِ ي َ ْ
ن َ ْ م
ن ي َد َي ْهِ وَ ِ
ِ ن ب َي ْ
ْ م
ت ِمعَّقَبا ٌ ه ُلَ ُ
سههوءا ً ل يغَير ما بَقوم حتى يغَيروا ما بَأنُفسهم وإ َ َ
ه ب َِق هوْم ٍ ُ ذا أَراد َ الل ّه ُِ ِ ْ َِ َ ِ ُ ُّ َ ِ ْ ٍ َ ّ ُ ُّ
ل )(11 ن َوا ٍ م ْدون ِهِ ِ
ن ُ م ْ م ِ ما ل َهُ ْ مَرد ّ ل َ ُ
ه وَ َ َفل َ
لله تعالى ملئكة يتعاقبون على النسان من بين يديه ومن خلفه,
يحفظونه بأمر الله ويحصون ما يصدر عنه من خير أو شر .إن الله
سبحانه وتعالى ل يغّير نعمة أنعمها على قوم إل إذا غّيروا ما أمرهم
منبه فعصوه .وإذا أراد الله بجماعةٍ بلًء فل مفّر منه ,وليس لهم ِ
من وال يتولى أمورهم ,فيجلب لهم المحبوب ,ويدفع دون الله ِ
عنهم المكروه.
ب الث َّقا َ
ل )(12 حا َ
س َ
ئ ال ّ معا ً وَي ُن ْ ِ
ش ُ وفا ً وَط َ َ م ال ْب َْرقَ َ
خ ْ ريك ُ ْ هُوَ ال ّ ِ
ذي ي ُ ِ
هو الذي يريكم من آياته البرق -وهو النور اللمع من خلل
السحاب -فتخافون أن تنزل عليكم منه الصواعق المحرقة,
وتطمعون أن ينزل معه المطر ,وبقدرته سبحانه يوجد السحاب
مل بالماء الكثير لمنافعكم.
المح ّ
ق
ع َوا ِ
صه َل ال ّ سه ُخيَفت ِههِ وَي ُْر ِ
ن ِ
مه ْ
ة ِ م هدِهِ َوال ْ َ
ملئ ِك َه ُ ح ْ
ح الّرعْ هد ُ ب ِ َ س هب ّ ُ
وَي ُ َ
ل)حهها ِم َديد ُ ال ْ ِ
شه ِن ِفي الل ّههِ وَهُ هوَ َجادُِلو َ م يُ َ شاُء وَهُ ْن يَ َ م ْب ب َِها َ صي ُ فَي ُ ِ
473
(13
حا يدل على خضوعه لربه ,وتنّزه ويسّبح الرعد بحمد الله تسبي ً
من خوفها من الله ,ويرسل الله الصواعق المهلكة الملئكة ربها ِ
من يشاء من خلقه ,والكفار يجادلون في وحدانية الله فيهلك بها َ
وقدرته على البعث ,وهو شديد الحول والقوة والبطش بمن عصاه.
دوِنههِ ن ُ مه ْ
م ِ خهذ ْت ُ ْل أ ََفات ّ َه ق ُه ْل الّله ُض ق ُه ْ ِ رْ
ت وال َ
وا ِ َ م َسه َ ب ال ّ ن َر ّ م ْ
ل َ قُ ْ
َ ضهّرا ً ُقه ْ ن َ َ
مهى وي العْ َ سهت َ ِ ل يَ ْ هه ْ ل َ م ن َْفعها ً َول َ سههِ ْ لنُف ِ كو َ مل ِ ُ أوْل َِياَء ل ي َ ْ
خل َُقههوا جعَُلوا ل ِل ّهِ ُ َ َ
كاءَ َ شَر َ م َ ت َوالّنوُر أ ْ ما ُ وي الظ ّل ُ َ ست َ ِل تَ ْ م هَ ْ صيُر أ ْ َوال ْب َ ِ
ح هد ُوا ِيٍء وَهُ هوَ ال ْ َ شه ْ ل َ خال ِقُ ك ُه ّ ه َ ل الل ّ ُ م قُ ْ خل ْقُ عَل َي ْهِ ْ ه ال ْ َشاب َ َخل ِْقهِ فَت َ َ كَ َ
ال َْقّهاُر )(16
سموات والرض من خالق ال ّقل -أيها الرسول -للمشركينَ :
ومدّبرهما؟ قل :الله هو الخالق المدبر لهما ,وأنتم تقرون بذلك ,ثم
474
ما بالحجة :أجعلتم غيره معبودين لكم ,وهم ل ي َْقدرون قل لهم ملز ً
على نفع أنفسهم أو ضرها فضل عن نفعكم أو ضركم ,وتركتم
عبادة مالكها؟ قل لهم -أيها الرسول :-هل يستوي عندكم الكافر
-وهو كالعمى -والمؤمن وهو كالبصير؟ أم هل يستوي عندكم
الكفر -وهو كالظلمات -واليمان -وهو كالنور؟ أم أن أولياءهم
خْلقخْلقه ,فتشابه عليهم َ
الذين جعلوهم شركاء لله يخلقون مثل َ
الشركاء بخلق الله ,فاعتقدوا استحقاقهم للعبادة؟ قل لهم -أيها
الرسول :-الله تعالى خالق كل كائن من العدم ,وهو المستحق
للعبادة وحده ,وهو الواحد القهار الذي يستحق اللوهية والعبادة ,ل
الصنام والوثان التي ل تضّر ول تنفع.
َ
ن ل َهُه ْ
م ه ل َهوْ أ ّجيُبوا َله ُ ست َ ِم يَ ْ لَ ْ ن
ذي َ سَنى َوال ّ ِ ح ْم ال ْ ُ جاُبوا ل َِرب ّهِ ْست َ َ
نا ْ ذي َل ِل ّ ِ
بسا ِح َ سوُء ال ْ ِ
م ُ ك ل َهُ ْب ِهِ أ ُوْل َئ ِ َ ه لفْت َد َْوا مع َ ُ
ه َمث ْل َ ُ
ميعا ً وَ ِ ج ِ
ض َ َ
ما ِْفي الْر ِ َ
مَهاد ُ )(18 س ال ْ ِ
م وَب ِئ ْ َ جهَن ّ ُم َ مأَواهُ ْ وَ َ
للمؤمنين الذين أطاعوا الله ورسوله الجنة ,والذين لم يطيعوا
ضْعفهوكفروا به لهم النار ,ولو كانوا يملكون كل ما في الرض و ِ
معه لبذلوه فداء لنفسهم من عذاب الله يوم القيامة ,ولن ي َُتقبل
475
سبون على كل ما أسلفوه من عمل سّيئ, منهم ,أولئك يحا َ
ومسكنهم ومقامهم جهنم تكون لهم فرا ً
شا ,وبئس الفراش الذي
مهدوه لنفسهم.
َ َ
خههاُفو َ
ن م وَي َ َ
ن َرب ّهُ ه ْ خ َ
ش هو ْ َ ص َ
ل وَي َ ْ ن ُيو َ مَر الل ّ ُ
ه ب ِهِ أ ْ ما أ َ صُلو َ
ن َ ن يَ ِذي َ َوال ّ ِ
ب )(21 سا ِح َسوَء ال ْ ِ ُ
صلون ما أمرهم الله بوصله كالرحام والمحتاجين,
وهم الذين ي َ ِ
ويراقبون ربهم ,ويخشون أن يحاسبهم على كل ذنوبهم ,ول يغفر
لهم منها شيًئا.
َ َ
مهها
م ّ
صههلةَ وَأنَفُقههوا ِ موا ال ّ م وَأقَهها ُج ههِ َرب ّهِ ه ْ
ص هب َُروا اب ْت ِغَههاَء وَ ْن َ ذي ََوال ّه ِ
ك ل َهُ ه ْ
م عُْقب َههى ة أ ُوْل َئ ِ َ
س هي ّئ َ َ
س هن َةِ ال ّ
ح َن ِبال ْ َة وَي َد َْرُءو َ سّرا ً وَ َ
علن ِي َ ً م ِ َرَزقَْناهُ ْ
دارِ )(22 ال ّ
وهم الذين صبروا على الذى وعلى الطاعة ,وعن المعصية طلًبا
دوا من أموالهم
م وجوهها ,وأ ّ
دوا الصلة على أت ّ
لرضا ربهم ,وأ ّ
زكاتهم المفروضة ,والنفقات المستحبة في الخفاء والعلن,
ويدفعون بالحسنة السيئة فتمحوها ,أولئك الموصوفون بهذه
الصفات لهم العاقبة المحمودة في الخرة.
َ
م وَذ ُّري ّههات ِهِ ْ
م جه ِ ه ْ
م وَأْزَوا ِ
ن آب َههائ ِهِ ْ
مه ْ ص هل َ َ
ح ِ ن َمه ْخُلون ََها وَ َ ن ي َهد ْ ُ ت عَد ْ ٍ جّنا ُ َ
ب )(23 ل َبا ٍن كُ ّ
م ْم ِ ن عَل َي ْهِ ْ
خُلو َ ملئ ِك َ ُ
ة ي َد ْ ُ َوال ْ َ
476
تلك العاقبة هي جنات عدن يقيمون فيها ل يزولون عنها ,ومعهم
الصالحون من الباء والزوجات والذريات من الذكور والنات,
وتدخل الملئكة عليهم من كل باب; لتهنئتهم بدخول الجنة.
َ
ه ب ِههِمَر الل ّه ُما أ َن َ ميَثاقِهِ وَي َْقط َُعو َ ن ب َعْدِ ِ م ْ ن عَهْد َ الل ّهِ ِضو َ ن َينُق ُ َوال ّ ِ
ذي َ
دارِ )سوءُ ال ّ م ُ ة وَل َهُ ْ
م الل ّعْن َ ُ ض أ ُوْل َئ ِ َ
ك ل َهُ ُ ِ ر
ْ
ن ِفي ال َ َ دو
ُ س
ِ ف
ْ ُ يَ و َ
ل ص
َ يوُ ن
ْ
أَ
(25
صفوا بضد صفات المؤمنين ,فهم الذين ل يوفون أما الشقياء فقد وُ ِ
بعهد الله بإفراده سبحانه بالعبادة بعد أن أكدوه على أنفسهم ,وهم
من صلة الرحام وغيرها,الذين يقطعون ما أمرهم الله بوصله ِ
ويفسدون في الرض بعمل المعاصي ,أولئك الموصوفون بهذه
الصفات القبيحة لهم الطرد من رحمة الله ,ولهم ما يسوءهم من
العذاب الشديد في الدار الخرة.
ضه ّ
ل ن الل ّه َ
ه يُ ِ ن َرب ّههِ قُ ه ْ
ل إِ ّ م ْ
ة ِ ول ُأنزِ َ
ل عَل َي ْهِ آي َ ٌ ن ك ََفُروا ل َ ْ ذي َ ل ال ّ ِ
وَي َُقو ُ
َ
ب )(27 ن أَنا َ
م ْدي إ ِل َي ْهِ َ
شاُء وَي َهْ ِ ن يَ َ
م ْ َ
دا :هل ُأنزل على محمد معجزة محسوسةويقول الكفار عنا ً
من يشاء من
كمعجزة موسى وعيسى .قل لهم :إن الله يضل َ
477
المعاندين عن الهداية ول تنفعه المعجزات ,ويهدي إلى دينه الحق
من رجع إليه وطلب رضوانه. َ
َ
ن ال ُْقُلو ُ
ب م ب ِذِك ْرِ الل ّهِ أل ب ِذِك ْرِ الل ّهِ ت َط ْ َ
مئ ِ ّ ن قُُلوب ُهُ ْ مُنوا وَت َط ْ َ
مئ ِ ّ نآ َ ال ّ ِ
ذي َ
)(28
ويهدي الذين تسكن قلوبهم بتوحيد الله وذكره فتطمئن ,أل بطاعة
الله وذكره وثوابه تسكن القلوب وتستأنس.
ب )(29
مآ ٍ
ن َ
س ُ
ح ْ طوَبى ل َهُ ْ
م وَ ُ ت ُ
حا ِ مُلوا ال ّ
صال ِ َ مُنوا وَعَ ِ
نآ َ ال ّ ِ
ذي َ
دقوا بالله ورسوله ,وعملوا العمال الصالحات لهم فرح
الذين ص ّ
وقرة عين ,وحال طيبة ,ومرجع حسن إلى جنة الله ورضوانه.
ُ ُ ك َذ َل ِ َ َ
ذي م ال ّه ِم ل ِت َت ْل ُهوَ عَل َي ْهِه ْ ن قَب ْل ِهَهها أ َ
مه ٌ م ْ
ت ِ خل َ ْ مةٍ قَد ْ َك ِفي أ ّ سل َْنا َ ك أْر َ
أَ
ه إ ِل ّ هُهوَ عَل َي ْه ِ
ه ل هُهوَ َرب ّههي ل إ ِل َه َ ن قُ ِْ م
َ ح
ْ ر
ّ بالِ نَ روُ ف
ُ ْ كَ ي م
ْ ُ ه َ و َ
ك ْ يحي َْنا إ ِل ََ ْ و
ب )(30 مَتا ِ ت وَإ ِل َي ْهِ َ ت َوَك ّل ْ ُ
كما أرسلنا المرسلين قبلك أرسلناك -أيها الرسول -في أمة قد
من قبلها أمم المرسلين; لتتلو على هذه المة القرآن مضت ِ
المنزل عليك ,وحال قومك الجحود بوحدانية الرحمن ,قل لهم -أيها
دا هو ربي وحده لالرسول : -الرحمن الذي لم تتخذوه إلًها واح ً
معبود بحق سواه ,عليه اعتمدت ووثقت ,وإليه مرجعي وإنابتي.
478
أنهاًرا ,أو يحيا به الموتى وت ُك َّلم -كما طلبوا منك -لكان هذا القرآن
هو المتصف بذلك دون غيره ,ولما آمنوا به .بل لله وحده المر كله
في المعجزات وغيرها .أفلم يعلم المؤمنون أن الله لو يشاء لمن
أهل الرض كلهم من غير معجزة؟ ول يزال الكفار تنزل بهم مصيبة
بسبب كفرهم كالقتل والسر في غزوات المسلمين ,أو تنزل تلك
المصيبة قريًبا من دارهم ,حتى يأتي وعد الله بالنصر عليهم ,إن
الله ل يخلف الميعاد.
َ
م أَ َ
خ هذ ْت ُهُ ْ
م ن ك ََف هُروا ث ُه ّ ت ل ِل ّه ِ
ذي َ مل َي ْ ُ ن قَب ْل ِ َ
ك ف َ هأ ْ م ْ
ل ِ وَل ََقد ْ ا ْ
ست ُهْزِئَ ب ُِر ُ
س ٍ
ب )(32 عَقا ِ ن ِ كا َف َفَك َي ْ َ
ت أممخَر ْ
س ِ
وإذا كانوا قد سخروا من دعوتك -أيها الرسول -فلقد َ
ت الذين كفروا ,ثم أخذُتهم
من قبلك برسلهم ,فل تحزن فقد أمهل ُ
دا.
بعقابي ,وكان عقاًبا شدي ً
ن الّلهه ِ
ه م ْ ما ل َهُ ْ
م ِ خَرةِ أ َ َ
شق ّ و َ َ ب ال ِ حَياةِ الد ّن َْيا وَل َعَ َ
ذا ُ ب ِفي ال ْ َ م عَ َ
ذا ٌ ل َهُ ْ
ق )(34 ن َوا ٍ م ْ ِ
479
لهؤلء الكفار الصادين عن سبيل الله عذاب شاق في الحياة الدنيا
بالقتل والسر والخزي ,وَلعذابهم في الخرة أثقل وأشد ,وليس
لهم مانع يمنعهم من عذاب الله.
ُ
م حت ِهَهها ال َن ْهَههاُر أك ُل ُهَهها َ
دائ ِ ٌ ن تَ ْمه ْري ِ جه ِن تَ ْ عد َ ال ْ ُ
مت ُّقو َ جن ّةِ ال ِّتي وُ ِ
ل ال ْ َ مث َ َُ
ن الّناُر )(35 ري َ ن ات َّقوا وَعُْقَبى ال ْ َ
كافِ ِ ذي َ ك عُْقَبى ال ّ ِ وَظ ِل َّها ت ِل ْ َ
صفة الجنة التي وعد الله بها الذين يخشونه أنها تجري من تحت
أشجارها وقصورها النهار ,ثمرها ل ينقطع ,وظلها ل يزول ول
ينقص ,تلك المثوبة بالجنة عاقبة الذين خافوا الله ,فاجتنبوا معاصيه
دوا فرائضه ,وعاقبة الكافرين بالله النار.
وأ ّ
َ وك َذ َل ِ َ َ
ن
مه ْ جههاءَ َ
ك ِ ما َ
م ب َعْهد َ َ
واَءهُ ْ
ت أه ْ ه َ كما ً عََرب ِي ّا ً وَل َئ ِ ْ
ن ات ّب َعْ َ ك أنَزل َْناهُ ُ
ح ْ َ
ق )(37 ي َول َوا ٍ ن وَل ِ ّ م ْ ّ
ن اللهِ ِ م ْ
ك ِ َ
ما ل َ ال ْعِلم ِ َ
ْ
وكما أنزلنا الكتب على النبياء بلسانهم أنزلنا إليك -أيها الرسول-
القرآن بلغة العرب; لتحكم به ,ولئن اتبعت أهواء المشركين في
عبادة غير الله -بعد الحق الذي جاءك من الله -ليس لك ناصر
ينصرك ويمنعك من عذابه.
مهها ك َهها َ
ن م أ َْزَواج ها ً وَذ ُّري ّه ً
ة وَ َ جعَل ْن َهها ل َهُه ْ ن قَب ْل ِه َ
ك وَ َ سل َْنا ُر ُ
سل ً ِ
م ْ
َ
وَل ََقد ْ أْر َ
ب )(38 ل ِرسول أ َن يأ ْت ِي بآية إل ّ بإذ ْن الل ّه ل ِك ُ ّ َ
ل ك َِتا ٌج ٍلأ َ ِ َ ُ ٍ ْ َ َ ِ َ ٍ ِ ِِ ِ
480
وإذا قالوا :ما لك -أيها الرسول -تتزوج النساء؟ فلقد بعثنا قبلك
جا وذرية ,وإذا قالوا :لو كان رسول
رسل من البشر وجعلنا لهم أزوا ً
ل أن يأتيسع رسو ٍلتى بما طلبنا من المعجزات ,فليس في وُ ْ
بمعجزةٍ أرادها قومه إل بإذن الله .لكل أمر قضاه الله كتاب وأجل
قد كتبه الله عنده ,ل يتقدم ول يتأخر.
ُ
م ال ْك َِتا ِ
ب )(39 عن ْد َهُ أ ّ شاُء وَي ُث ْب ِ ُ
ت وَ ِ ما ي َ َ حوا الل ّ ُ
ه َ م ُ
يَ ْ
يمحو الله ما يشاء من الحكام وغيرها ,وي ُْبقي ما يشاء منها لحكمة
م الكتاب ,وهو اللوح المحفوظ. يعلمها ,وعنده أ ّ
ك ال َْبلغُ
مهها عَل َي ْه َ م أ َوْ ن َت َوَفّي َن ّه َ
ك فَإ ِن ّ َ ض ال ّه ِ
ذي ن َعِهد ُهُ ْ مهها ن ُرِي َن ّه َ
ك ب َعْه َ ن َ وَإ ِ ْ
ب )(40 سا ُ ح َ وَعَل َي َْنا ال ْ ِ
دنا به أعداءك من
وإن أريناك -أيها الرسول -بعض العقاب الذي توعّ ْ
جل لهم ,وإن توفيناك قبل أن الخزي والّنكال في الدنيا فذلك المع ّ
ترى ذلك ,فما عليك إل تبليغ الدعوة ,وعلينا الحساب والجزاء.
ب ك ُه ّ
ل مهها ت َك ْ ِ
سه ُ ميع ها ً ي َعْل َه ُ
م َ ج ِ م فَل ِل ّهِ ال ْ َ
مك ُْر َ ن قَب ْل ِهِ ْ
م ْن ِ ذي َ مك ََر ال ّ ِ
وَقَد ْ َ
دارِ )(42 ن عُْقَبى ال ّ م ْ م ال ْك ُّفاُر ل ِ َسي َعْل َ ُ
س وَ َن َْف ٍ
ولقد دّبر الذين من قبلهم المكايد لرسلهم ,كما فعل هؤلء معك,
فلله المكر جميًعا ,فيبطل مكرهم ,ويعيده عليهم بالخيبة والندم,
يعلم سبحانه ما تكسب كل نفس من خير أو شر فتجازى عليه.
481
وسيعلم الكفار -إذا قدموا على ربهم -لمن تكون العاقبة المحمودة
بعد هذه الدنيا؟ إنها لتباع الرسل .وفي هذا تهديد ووعيد للكافرين.
-14سورة إبراهيم
ل الل ّههِ
س هِبي ِ
ن َ
ن عَ ْ
دو َ
ص ّ حَياةَ الد ّن َْيا عََلى ال ِ
خَرةِ وَي َ ُ ن ال ْ َ حّبو َ ست َ ِن يَ ْ
ذي َال ّ ِ
ل ب َِعيدٍ )(3
ضل ٍك ِفي َ وجا ً أ ُوْل َئ ِ َع َوَي َب ُْغون ََها ِ
482
وهؤلء الذين أعرضوا ولم يؤمنوا بالله ويتبعوا رسله هم الذين
يختارون الحياة الدنيا الفانية ,ويتركون الخرة الباقية ,ويمنعون
جا ليوافق أهواءهم,
الناس عن اتباع دين الله ,ويريدونه طريًقا معو ً
أولئك الموصوفون بهذه الصفات في ضلل عن الحق بعيد عن كل
أسباب الهداية.
َ
ن
مه ْ ل الل ّه ُ
ه َ ن ل َهُه ْ
م فَي ُ ِ
ضه ّ مهِ ل ِي ُب َي ّه َن قَوْ ِ سا ِ ل إ ِل ّ ب ِل ِ َ
سو ٍن َر ُم ْسل َْنا ِ
ما أْر َوَ َ
م )(4 كي ُ ح ِزيُز ال ْ َشاُء وَهُوَ ال ْعَ ِ ن يَ َم ْدي َ يَ َ
شاُء وَي َهْ ِ
ضح لهمل قبلك -أيها النبي -إل بُلغة قومه; ليو ّ
من رسو ٍوما أرسلنا ِ
شريعة الله ,فيضل الله من يشاء عن الهدى ,ويهدي من يشاء إلى
الحق ,وهو العزيز في ملكه ,الحكيم الذي يضع المور في مواضعها
وَْفق الحكمة.
َ
لنآ ِمه ْ م ِ جههاك ُ ْم إ ِذ ْ أن َ ة الل ّهِ عَل َي ْك ُه ْ مهِ اذ ْك ُُروا ن ِعْ َ
م َ سى ل َِقوْ ِ مو َل ُوَإ ِذ ْ َقا َ
ذاب وي هذ َبحو َ
ن
حُيو َس هت َ ْ
م وَي َ ْن أب ْن َههاَءك ُ ْسههوَء ال ْعَ ه َ ِ َ ُ ّ ُ َ م ُ مون َك ُ ْ سههو ُن يَ ُفِْرعَ هوْ َ
م )(6 ظي ٌم عَ ِ ن َرب ّك ُ ْ
م ْم َبلٌء ِ م وَِفي ذ َل ِك ُ ْ ساَءك ُ ْنِ َ
واذكر -أيها الرسول -لقومك قصة موسى حين قال لبني إسرائيل:
اذكروا نعمة الله عليكم حين أنجاكم من فرعون وأتباعه يذيقونكم
أشد العذاب ,ويذّبحون أبناءكم الذكور ,حتى ل يأتي منهم من
مْلك فرعون ,ويبقون الناث على قيد الحياة ذليلت,يستولي على ُ
وفي ذلكم البلء والنجاء اختبار لكم من ربكم عظيم.
483
ذاِبي ل َ َ َ َ
ديد ٌ
ش ِ ن عَ َ
م إِ ّ م وَل َئ ِ ْ
ن ك ََفْرت ُ ْ م لِزيد َن ّك ُ ْ
شك َْرت ُ ْ م ل َئ ِ ْ
ن َ ن َرب ّك ُ ْ
وَإ ِذ ْ ت َأذ ّ َ
)(7
ما مؤك ّ ً
دا :لئن وقال لهم موسى :واذكروا حين أعلم ربكم إعل ً
شكرتموه على نعمه ليزيدنكم من فضله ,ولئن جحدتم نعمة الله
دا.
ليعذبّنكم عذاًبا شدي ً
ن
مهه ْن عََلى َ م ّه يَ ُ ن الل ّ َ م وَل َك ِ ّمث ْل ُك ُ ْشٌر ِ ن إ ِل ّ ب َ َ
ُ ح
ن نَ ْم إِ ْسل ُهُ ْ
م ُر ُ ت ل َهُ ْ َقال َ ْ
ن الل ّههِ وَعَل َههى سل ْ َ ْ َ
ن إ ِل ّ ب ِإ ِذ ْ ِطا ٍ م بِ ُ ن ن َأت ِي َك ُ ْ ن ل ََنا أ ْ ما َ
كا َ عَبادِهِ وَ َن ِ م ْ شاُء ِ يَ َ
ن )(11 مُنو َ ل ال ْ ُ
مؤ ْ ِ الل ّهِ فَل ْي َت َوَك ّ ْ
ولما سمع الرسل ما قاله أقوامهم قالوا لهم :حًقا ما نحن إل بشر
من يشاء من مثلكم كما قلتم ,ولكن الله يتفضل بإنعامه على َ
عباده فيصطفيهم لرسالته ,وما طلبتم من البرهان المبين ,فل
يمكن لنا ول نستطيع أن نأتيكم به إل بإذن الله وتوفيقه ,وعلى الله
وحده يعتمد المؤمنون في كل أمورهم.
ن عَل َههى َ
مهها سهب ُل ََنا وَل َن َ ْ
صهب َِر ّ ل عَل َههى الل ّههِ وَقَهد ْ هَه َ
داَنا ُ ما ل ََنا أ َل ّ ن َت َوَك ّه َ وَ َ
ن )(12 مت َوَك ُّلو َ
ل ال ْ ُ
موَنا وَعََلى الل ّهِ فَل ْي َت َوَك ّ ْ آذ َي ْت ُ ُ
وكيف ل نعتمد على الله ,وهو الذي أرشدنا إلى طريق النجاة من
ن على إيذائكم لنا بالكلم السيئ
عذابه باتباع أحكام دينه؟ ولنصبر ّ
وغيره ,وعلى الله وحده يجب أن يعتمد المؤمنون في نصرهم,
وهزيمة أعدائهم.
َ
عيهدِ
ف وَ ِ
خهها َ
مي وَ َ
مَقا ِ
ف َ
خا َ
ن َ
م ْ م ذ َل ِ َ
ك لِ َ ن ب َعْدِهِ ْ
م ْ
ض ِ
م الْر َ وَل َن ُ ْ
سك ِن َن ّك ُ ْ
)(14
485
ولنجعلن العاقبة الحسنة للرسل وأتباعهم بإسكانهم أرض الكافرين
بعد إهلكهم ,ذلك الهلك للكفار ,وإسكان المؤمنين أرضهم أمر
مؤكد لمن خاف مقامه بين يديّ يوم القيامة ,وخشي وعيدي
وعذابي.
ديدٍ )(16
ص ِ
ماٍء َ
ن َ
م ْ
سَقى ِ
م وَي ُ ْ
جهَن ّ ُ
ن وََرائ ِهِ َ
م ْ
ِ
من أمام هذا الكافر جهنم ي َْلقى عذابها; وُيسقى فيها من القيح و ِ
خرج من أجسام أهل النار. والدم الذي ي َ ْ
486
أ َل َم ترى أ َن الل ّه خل َهق الس هموات وال َرض بههال ْحق إن ي َ ْ
ش هأ ي ُهذ ْهِب ْك ُ ْ
م ّ َ َ ِ َ ْ َ ِ َ ّ ِ ْ َ َ َ َ ّ ْْ ََ
ديدٍ )(19 ج ِ
ق َ ت بِ َ ْ
خل ٍ وَي َأ ِ
ألم تعلم أيها المخاطب -والمراد عموم الناس -أن الله أوجد
السموات والرض على الوجه الصحيح الدال على حكمته ,وأنه لم
يخلقهما عبًثا ,بل للستدلل بهما على وحدانيته ,وكمال قدرته,
فيعبدوه وحده ,ول يشركوا به شيًئا؟ إن يشأ يذهبكم ويأت بقوم
غيركم يطيعون الله .
م ت ََبع ها ً
ست َك ْب َُروا إ ِن ّهها ك ُن ّهها ل َك ُه ْ
نا ْ ذي َضعََفاُء ل ِل ّ ِ ل ال ّ ميعا ً فََقا َ وَب ََرُزوا ل ِل ّهِ َ
ج ِ
فَه ْ َ
هداَنا الل ّه ُيٍء قَههاُلوا ل َهوْ هَ ه َ ش ْ ن َم ْ ب الل ّهِ ِ ذا ِ ن عَ َ
م ْن عَّنا ِ مغُْنو َم ُ ل أن ْت ُ ْ َ
َ َ َ َ
ص )(21 حي ٍ م ِ ن َم ْ ما لَنا ِ صب َْرَنا َ م َ جزِعَْنا أ ْواٌء عَلي َْنا أ َ
س َ
م َ ل َهَد َي َْناك ْ
ُ
عههد َ ال ْ َ َ
ق
حهه ّ م وَ ْ عههد َك ُ ْه وَ َ ن الّلهه َ مههُر إ ِ ّ ي ال ْ ضهه َ مهها قُ ِ ن لَ ّ طا ُشههي ْ َ ل ال ّ وََقهها َ
َ سل ْ َ َ
معههوْت ُك ُ ْ ن دَ َن إ ِل ّ أ ْ طا ٍ ن ُ م ْم ِ ن ِلي عَل َي ْك ُ ْ كا َما َم وَ َ خل َْفت ُك ُ ْ
م فَأ ْ وَوَعَد ْت ُك ُ ْ
َ َ
مهها م وَ َ خك ُ ْص هرِ ِم ْ مهها أن َهها ب ِ ُ م َسهك ُ ْ موا أن ُْف َ موِني وَُلو ُ م ِلي َفل ت َُلو ُ جب ْت ُ ْ َفا ْ
ست َ َ
نمي َ ن ال ّ
ظهال ِ ِ ل إِ ّ ن قَْبه ُ مه ْموِني ِ شهَرك ْت ُ ُ مها أ َ ْت بِ َي إ ِّني ك ََفْر ُ خ ّ صرِ ِ م ْ م بِ ُ
َ
أن ْت ُ ْ
َ
م )(22 ب أِلي ٌ ذا ٌ م عَ َ ل َهُ ْ
خْلقه ,ودخل أه ُ
ل وقال الشيطان -بعد أن قضى الله المر وحاسب َ
دا حًقا بالبعث ة وأه ُ
ل النارِ الناَر :-إن الله وعدكم وع ً الجنة الجن َ
487
ث ول جزاء ,فأخلفتكم دا باطل أنه ل ب َعْ َ
والجزاء ,ووعدتكم وع ً
وعدي ,وما كان لي عليكم من قوة أقهركم بها على اتباعي ,ول
كانت معي حجة ,ولكن دعوتكم إلى الكفر والضلل فاتبعتموني ,فل
تلوموني ولوموا أنفسكم ,فالذنب ذنبكم ,ما أنا بمغيثكم ول أنتم
جعِْلكم لي شري ً
كا مع الله من َ ي من عذاب الله ,إني تبّرأت ِبمغيث ّ
في طاعته في الدنيا .إن الظالمين -في إعراضهم عن الحق
واتباعهم الباطل -لهم عذاب مؤلم موجع.
َ َ
صل َُها َثاب ِ ٌ
ت جَرةٍ ط َي ّب َةٍ أ ْ
ش َ ة ط َي ّب َ ً
ة كَ َ مث َل ً ك َل ِ َ
م ً ب الل ّ ُ
ه َ ضَر َف َ أل َ ْ
م ت ََرى ك َي ْ َ
ماِء )(24 س َوَفَْرعَُها ِفي ال ّ
ألم تعلم -أيها الرسول -كيف ضرب الله مثل لكلمة التوحيد )ل إله
إل الله( بشجرة عظيمة ,وهي النخلة ,أصلها متمكن في الرض,
وا نحو السماء؟
وأعلها مرتفع عل ّ
س ل َعَل ّهُ ه ْ
م مث َهها َ
ل ِللن ّهها ِ
َ
ب الل ّه ُ
ه ال ْ ضرِ ُ ن ب ِإ ِذ ْ ِ
ن َرب َّها وَي َ ْ حي ٍ ت ُؤِْتي أ ُك ُل ََها ك ُ ّ
ل ِ
ن )(25 ي َت َذ َك ُّرو َ
تعطي ثمارها كل وقت بإذن ربها ,وكذلك شجرة اليمان أصلها
دا ,وفرعها من العمال الصالحة ما واعتقا ً
ثابت في قلب المؤمن عل ً
والخلق المرضية ُيرفع إلى الله وينال ثوابه في كل وقت .ويضرب
الله المثال للناس; ليتذكروا ويتعظوا ,فيعتبروا.
488
ومثل كلمة خبيثة -وهي كلمة الكفر -كشجرة خبيثة المأكل
والمطعم ,وهي شجرة الحنظل ,اقتلعت من أعلى الرض؛ لن
عروقها قريبة من سطح الرض ما لها أصل ثابت ,ول فرع صاعد,
وكذلك الكافر ل ثبات له ول خير فيه ,ول ي ُْرَفع له عمل صالح إلى
الله.
ة
خههَر ِ ت ِفي ال ْ َ
حَياةِ الد ّن َْيا وَِفههي ال ِ ل الّثاب ِ ِ مُنوا ِبال َْقوْ ِ
نآ َ ذي َه ال ّ ِ
ت الل ّ ُي ُث َب ّ ُ
شاءُ )(27 ما ي َ َ
ه َ ل الل ّ ُ
ن وَي َْفعَ ُمي َ ه ال ّ
ظال ِ ِ ل الل ّ ُض ّوَي ُ ِ
يثّبت الله الذين آمنوا بالقول الحق الراسخ ,وهو شهادة أن ل إله إل
دا رسول الله ,وما جاء به من الدين الحق يثبتهم الله
الله وأن محم ً
به في الحياة الدنيا ,وعند مماتهم بالخاتمة الحسنة ,وفي القبر عند
مَلكين بهدايتهم إلى الجواب الصحيح ,ويضل الله الظالمين سؤال ال َ
عن الصواب في الدنيا والخرة ,ويفعل الله ما يشاء من توفيق أهل
ذلن أهل الكفر والطغيان. خ ْ
اليمان و ِ
َ َ
داَر ال ْب َ َ
وارِ ) م َ حّلوا قَوْ َ
مه ُ ْ ة الل ّهِ ك ُْفرا ً وَأ َ ن ب َد ُّلوا ن ِعْ َ
م َ م ت ََرى إ َِلى ال ّ ِ
ذي َ أل َ ْ
س ال َْقَراُر )(29 صل َوْن ََها وَب ِئ ْ َ
م يَ ْ
جهَن ّ َ
َ (28
ألم تنظر أيها المخاطب -والمراد العموم -إلى حال المكذبين من
كفار قريش الذين استبدلوا الكفر بالله بدل عن شكره على نعمة
المن بالحرم وبعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم فيهم؟ وقد
أنهزلوا أتباعهم دار الهلك حين َتسببوا بإخراجهم إلى "بدر" فُقِتلوا
وصار مصيرهم دار البوار ،وهي جهنم ,يدخلونها ويقاسون حرها,
ح المستقر مستقرهم. وقَب ُ َ
م إ ِل َههى َ
صههيَرك ُ ْ
م ِ مت ّعُههوا فَ هإ ِ ّ
ن َ سِبيل ِهِ قُ ْ
ل تَ َ ضّلوا عَ ْ
ن َ دادا ً ل ِي ُ ِ
جعَُلوا ل ِل ّهِ أن َ
وَ َ
الّنارِ )(30
وجعل هؤلء الكفار لله شركاء عبدوهم معه; لي ُْبعدوا الناس عن
دينه .قل لهم -أيها الرسول :-استمتعوا في الحياة الدنيا; فإنها
دكم ومرجعكم إلى عذاب جهنم. سريعة الزوال ,وإن مر ّ
489
س هّرا ً مهها َرَزقْن َههاهُ ْ
م ِ م ّ
صههلةَ وَُينِفُقههوا ِ
موا ال ّ مُنوا ي ُِقي ُ نآ َ َ ل ل ِعَِباِدي ال ّ ِ
ذي قُ ْ
ْ َ
ل )(31 خل ٌم ل ب َي ْعٌ ِفيهِ َول ِ
ي ي َوْ ٌ
ن ي َأت ِ َ
لأ ْ ن قَب ْ ِم ْ
ة ِعلن ِي َ ًوَ َ
قل -أيها الرسول -لعبادي الذين آمنوا :يؤدوا الصلة بحدودها,
ويخرجوا بعض ما أعطيناهم من المال في وجوه الخير الواجبة
والمستحبة مسّرين ذلك ومعلنين ,من قبل أن يأتي يوم القيامة
الذي ل ينفع فيه فداء ول صداقة.
م الل ّي ْ َ
ل َوالن َّهاَر )(33 خَر ل َك ُ ْ
س ّ
ن وَ َ
دائ ِب َي ْ ِ س َوال َْق َ
مَر َ م َ
ش ْ خَر ل َك ُ ْ
م ال ّ س ّ
وَ َ
وذّلل الله لكم الشمس والقمر ل ي َْفُتران عن حركتهما; لتتحقق
المصالح بهما ,وذّلل لكم الليل; لتسكنوا فيه وتستريحوا ,والنهار;
لتبتغوا من فضله ,وتدّبروا معايشكم.
َ
ن ن َعْب ُهد َ
يأ ْ من ها ً َوا ْ
جن ُب ْن ِههي وَب َن ِه ّ ذا ال ْب َل َهد َ آ ِ جع َ ْ
ل هَ َ با ْ
م َر ّ
هي ُ وَإ ِذ ْ َقا َ
ل إ ِب َْرا ِ
م )(35 َ
صَنا َ
ال ْ
490
واذكر -أيها الرسول -حين قال إبراهيم داعًيا ربه -بعد أن أسكن ابنه
ن
جر" وادي "مكة" :-رب اجعل "مكة" بلد َ أم ٍ إسماعيل وأمه "ها َ
من فيها ,وأبِعدني وأبنائي عن عبادة الصنام.
يأمن كل َ
َ
حّرم ِ َرب َّنام َ ك ال ْ ُ
عن ْد َ ب َي ْت ِ َ
وادٍ غَي ْرِ ِذي َزْرٍع ِن ذ ُّري ِّتي ب ِ َ
م ْ ت ِ كن ُس ََرب َّنا إ ِّني أ ْ
ل ِيقيموا الصلةَ َفاجع ْ َ
ن
مه ْ م ِ م َواْرُزقْهُ ه ْ وي إ ِل َي ْهِ ه ْ
س ت َهْ ه ِ
ن الّنا ِ
م ْ ل أفْئ ِد َةً ِ ْ َ ّ ُِ ُ
ن )(37 شك ُُرو َ ت ل َعَل ّهُ ْ
م يَ ْ الث ّ َ
مَرا ِ
ربنا إني أسكنت من ذريتي بوادٍ ليس فيه زرع ول ماء بجوار بيتك
المحرم ,ربنا إنني فعلت ذلك بأمرك; لكي يؤدوا الصلة بحدودها,
ن ,وارزقهم في هذا
فاجعل قلوب بعض خلقك َتنزع إليهم وتح ّ
المكان من أنواع الثمار; لكي يشكروا لك على عظيم نعمك.
فاستجاب الله دعاءه.
ي ءٍ ن َ
شه ْ خَفههى عَل َههى الل ّههِ ِ
مه ْ ما ي َ ْ
ن وَ َ
ما ن ُعْل ِ ُ
خِفي وَ َما ن ُ ْ ك ت َعْل َ ُ
م َ َرب َّنا إ ِن ّ َ
ماِء )(38 ِفي ال َ
س َ
ض َول ِفي ال ّ ِ ر
ْ
ربنا إنك تعلم كل ما نخفيه وما نظهره .وما يغيب عن علم الله
شيء من الكائنات في الرض ول في السماء.
ن َرب ّههي
حقَ إ ِ ّ
سه َ عي َ
ل وَإ ِ ْ ما ِ ب ِلي عَل َههى ال ْك ِب َهرِ إ ِ ْ
سه َ مد ُ ل ِل ّهِ ال ّ ِ
ذي وَهَ َ ح ْال ْ َ
عاِء )(39 ميعُ الد ّ َ س ِلَ َ
ي ُْثني إبراهيم على الله تعالى ,فيقول :الحمد لله الذي رزقني على
ك َِبر سني ولديّ إسماعيل وإسحاق بعد دعائي أن يهب لي من
491
الصالحين ,إن ربي لسميع الدعاء ممن دعاه ,وقد دعوته ولم يخّيب
رجائي.
ب )(41
سا ُ م ال ْ ِ
ح َ م ي َُقو ُ
ن ي َوْ َ
مِني َ وال ِد َيّ وَل ِل ْ ُ
مؤ ْ ِ َرب َّنا اغِْفْر ِلي وَل ِ َ
ي,
ربنا اغفر لي ما وقع مني مما ل يسلم منه البشر واغفر لوالد ّ
)وهذا قبل أن يتبّين له أن والده عدو لله( واغفر للمؤمنين جميًعا
يوم يقوم الناس للحساب والجزاء.
َ
واءٌ ) م ط َْرفُهُ ه ْ
م وَأفْئ ِد َت ُهُ ه ْ
م هَ ه َ م ل ي َْرت َد ّ إ ِل َي ْهِ ه ْ
سه ِ ْ
مْقن ِِعي ُرُءو ِ
ن ُ
مهْط ِِعي َ
ُ
(43
يوم يقوم الظالمون من قبورهم مسرعين لجابة الداعي رافعي
رؤوسهم ل يبصرون شيًئا لهول الموقف ,وقلوبهم خالية ليس فيها
شيء; لكثرة الخوف والوجل من هول ما ترى.
ْ
موا َرب َّنا أ َ ّ
خْرَنا إ ِل َههى ن ظ َل َ ُذي َل ال ّ ِ
ب فَي َُقو ُ م ال ْعَ َ
ذا ُ م ي َأِتيهِ ْ
س ي َوْ َ
َ
وَأنذِْر الّنا َ
َ ك ونتبع الرس َ َ َ
ن قَب ْ ُ
ل م ْم ِ مت ُ ْ
س ْ كوُنوا أقْ َ ل أوَل َ ْ
م تَ ُ ب د َعْوَت َ َ َ َ ّ ِ ْ ّ ُ ج ْ ب نُ ِ ل قَ ِ
ري ٍ ج ٍ أ َ
492
ل )(44
ن َزَوا ٍ
م ْ ما ل َك ُ ْ
م ِ َ
ك إليهم عذاب الله يوم وأنذر -أيها الرسول -الناس الذين أرسلت ُ َ
مهِْلنا َ
القيامة ,وعند ذلك يقول الذين ظلموا أنفسهم بالكفر :ربنا أ ْ
خا :ألم إلى وقت قريب نؤمن بك ونصدق رسلك .فيقال لهم توبي ً
تقسموا في حياتكم أنه ل زوال لكم عن الحياة الدنيا إلى الخرة,
دقوا بهذا البعث؟
فلم تص ّ
ه
من ْه ُ مك ُْرهُ ه ْ
م ل ِت َهُزو َ
ل ِ ن َ ن َ
كا َ م وَإ ِ ْ عن ْد َ الل ّهِ َ
مك ُْرهُ ْ مك َْرهُ ْ
م وَ ِ مك َُروا َوَقَد ْ َ
ل )(46 جَبا ُال ْ ِ
وقد دّبر المشركون الشّر للرسول صلى الله عليه وسلم بقتله,
وعند الله مكرهم فهو محيط به ,وقد عاد مكرهم عليهم ,وما كان
هنه ,ولم يضّروا الله
مكرهم لتزول منه الجبال ول غيرها لضعفه ووَ َ
شيًئا ,وإنما ضّروا أنفسهم.
زيٌز ُ
ذو انت َِقام ٍ )(47 ن الل ّ َ
ه عَ ِ سل َ ُ
ه إِ ّ ف وَعْدِهِ ُر ُ
خل ِ َ
م ْ ن الل ّ َ
ه ُ سب َ ّ َفل ت َ ْ
ح َ
فل تحسبن -أيها الرسول -أن الله يخلف رسله ما وعدهم به من
النصر وإهلك مكذبيهم .إن الله عزيز ل يمتنع عليه شيء ,منتقم
من أعدائه أشد انتقام.
جه
صا بالنبي صلى الله عليه وسلم ,فهو مو ّ
والخطاب وإن كان خا ّ
لعموم المة.
493
دل هذه الرض من أعدائه في يوم القيامة يوم ت ُب َ ّ وانتقام الله تعالى ِ
دل السموات بغيرها, بأرض أخرى بيضاء نقّية كالفضة ,وكذلك ت ُب َ ّ
وتخرج الخلئق من قبورها أحياء ظاهرين للقاء الله الواحد القهار,
المتفرد بعظمته وأسمائه وصفاته وأفعاله وقهره لكل شيء.
َ
صَفادِ )(49
ن ِفي ال ْ
مَقّرِني َ
مئ ِذٍ ُ
ن ي َوْ َ
مي َ
جرِ ِ وَت ََرى ال ْ ُ
م ْ
صُر -أيها الرسول -المجرمين يوم القيامة مقيدين بالقيود ,قد
وت ُب ْ ِ
ل وهوان.رنت أيديهم وأرجلهم بالسلسل ,وهم في ذ ُ ّ قُ ِ
م الّناُر )(50
جوهَهُ ْ
شى وُ ُ ن قَط َِرا ٍ
ن وَت َغْ َ م ْ سَراِبيل ُهُ ْ
م ِ َ
طران الشديد الشتعال ,وتلفح وجوههم النار
ثيابهم من الَق ِ
فتحرقها.
ب )(51
سا ِ ريعُ ال ْ ِ
ح َ س ِ ن الل ّ َ
ه َ ت إِ ّ ما ك َ َ
سب َ ْ س َ
ل ن َْف ٍ جزِيَ الل ّ ُ
ه كُ ّ ل ِي َ ْ
فََعل الله ذلك بهم; جزاء لهم بما كسبوا من الثام في الدنيا ,والله
من خير أو شر ,إن الله سريع الحساب. يجازي كل إنسان بما عمل ِ
494
الجزء الرابع عشر :
-15سورة الحجر
ن )(1
مِبي ٍ
ن ُ ت ال ْك َِتا ِ
ب وَقُْرآ ٍ الر ت ِل ْ َ
ك آَيا ُ
)الر( سبق الكلم على الحروف المق ّ
طعة في أول سورة البقرة.
تلك اليات العظيمة هي آيات الكتاب العزيز المنزل على محمد
ضح للحقائق بأحسن صلى الله عليه وسلم ،وهي آيات قرآن مو ّ
لفظ وأوضحه وأدّله على المقصود .فالكتاب هو القرآن جمع الله له
بين السمين.
ن )(2
مي َ
سل ِ ِ
م ْ ن ك ََفُروا ل َوْ َ
كاُنوا ُ ما ي َوَد ّ ال ّ ِ
ذي َ ُرب َ َ
سيتمنى الكفار حين يرون خروج عصاة المؤمنين من النار أن لو
كانوا موحدين؛ ليخرجوا كما خرجوا.
َ ْ
ن )(3 ف ي َعْل َ ُ
مو َ ل فَ َ
سو ْ َ م ُ مت ُّعوا وَي ُل ْهِهِ ْ
م ال َ م ي َأك ُُلوا وَي َت َ َ
ذ َْرهُ ْ
اترك -أيها الرسول -الكفار يأكلوا ,ويستمتعوا بدنياهم ,ويشغلهم
الطمع فيها عن طاعة الله ,فسوف يعلمون عاقبة أمرهم الخاسرة
في الدنيا والخرة.
َ
معُْلو ٌ
م )(4 ن قَْري َةٍ إ ِل ّ وَل ََها ك َِتا ٌ
ب َ ما أهْل َك َْنا ِ
م ْ وَ َ
وإذا طلبوا نزول العذاب بهم تكذيًبا لك -أيها الرسول -فإنا ل ن ُْهلك
مندر ,ل ن ُْهلكهم حتى يبلغوه ،مثل َ
قرية إل ولهلكها أجل مق ّ
سبقهم.
495
ل تتجاوز أمة أجلها فتزيد عليه ,ول تتقدم عليه ,فتنقص منه.
ن )(8 من ْظ َ ِ
ري َ كاُنوا ِإذا ً ُ
ما َ ة إ ِل ّ ِبال ْ َ
حقّ وَ َ ل ال ْ َ
ملئ ِك َ َ ما ن ُن َّز ُ
َ
ورد ّ الله عليهم :إننا ل ننزل الملئكة إل بالعذاب الذي ل إمهال فيه
مهلين.
م ْ
لمن لم يؤمن ,وما كانوا حين تنزل الملئكة بالعذاب ب ِ ُ
ن )(9 حافِ ُ
ظو َ ه لَ َ
ن ن َّزل َْنا الذ ّك َْر وَإ ِّنا ل َ ُ
ح ُ
إ ِّنا ن َ ْ
إّنا نحن نّزلنا القرآن على النبي محمد صلى الله عليه وسلم ،وإّنا
من أن ُيزاد فيه أو ي ُن َْقص منه ,أو يضيع منه شيء.
نتعهد بحفظه ِ
خل َه ْ
ت ن ب ِههِ وَقَهد ْ َ ن ) (12ل ي ُؤْ ِ
من ُههو َ مي َ
جرِ ِ ب ال ْ ُ
م ْ ه ِفي قُُلو ِ
سل ُك ُ ُ ك َذ َل ِ َ
ك نَ ْ
ن )(13 سن ّ ُ َ
ة الوِّلي َ ُ
كما أدخلنا الكفر في قلوب المم السابقة بالستهزاء بالرسل
وتكذيبهم ,كذلك نفعل ذلك في قلوب مشركي قومك الذين أجرموا
دقون بالذكر الذي ُأنزل إليك,
ص ّ
بالكفر بالله وتكذيب رسوله ,ل ي ُ َ
496
مْثلهمَ ,
سي ُْهلك وقد مضت سّنة الولين بإهلك الكفار ,وهؤلء ِ
المستمرون منهم على الكفر والتكذيب.
ن )(16
ري َ ماِء ب ُُروجا ً وََزي ّّنا َ
ها ِللّناظ ِ ِ جعَل َْنا ِفي ال ّ
س َ وَل ََقد ْ َ
ومن أدلة قدرتنا :أنا جعلنا في السماء الدنيا منازل للكواكب تنزل
دب,
ج ْ
صب وال َ
خ ْ
فيها ,ويستدل بذلك على الطرقات والوقات وال ِ
وَزي ّّنا هذه السماء بالنجوم لمن ينظرون إليها ,ويتأملون فيعتبرون.
جيم ٍ )(17
ن َر ِ شي ْ َ
طا ٍ ن كُ ّ
ل َ م ْ حِفظ َْنا َ
ها ِ وَ َ
وحفظنا السماء من كل شيطان مرجوم مطرود من رحمة الله;
كي ل يصل إليها.
ن )(18 بي م ب ها ش ه ع ب تإل ّ من استرق السمع فَأ َ
ٌ ِ ُ ٌ َ ِ ُ َ َ ْ ّ ْ َ ِ َ ْ ْ ََ َ
من كلم أهل المل العلى في بعض الوقات, إل من اختلس السمع ِ
فأدركه ولحقه كوكب مضيء يحرقه .وقد ي ُْلقي الشيطان إلى وليه
بعض ما استرَقه قبل أن يحرقه الشهاب.
ن ال ْ َ
وارُِثو َ
ن )(23 ح ُ
ت وَن َ ْ
مي ُ
ي وَن ُ ِ
ح ِ
ن نُ ْ وَإ ِّنا ل َن َ ْ
ح ُ
من كان ميًتا بخلقه من العدم ,ونميت من كان حًيا
وإّنا لنحن نحيي َ
من عليها.
بعد انقضاء أجله ,ونحن الوارثون الرض و َ
ْ
ن )(24
ري َ
خ ِ
ست َأ ِ مَنا ال ْ ُ
م ْ م وَل ََقد ْ عَل ِ ْ
من ْك ُ ْ
ن ِ
مي َ
ست َْقدِ ِ مَنا ال ْ ُ
م ْ وَل ََقد ْ عَل ِ ْ
من سيأتي
ي ,و َ
من هو ح ّ
من لدن آدم ,و َ
من هلك منكم ِ
ولقد علمنا َ
إلى يوم القيامة.
498
م )(25
م عَِلي ٌ
كي ٌ
ح ِ
ه َ
م إ ِن ّ ُ ح ُ
شُرهُ ْ ن َرب ّ َ
ك هُوَ ي َ ْ وَإ ِ ّ
وإن ربك هو يحشرهم للحساب والجزاء ,إنه حكيم في تدبيره,
عليم ل يخفى عليه شيء.
ن )(26
سُنو ٍ
م ْ
مإ ٍ َ
ح َ
ن َ
م ْ
ل ِ صل ْ َ
صا ٍ ن َ
م ْ
ن ِ خل َْقَنا ال ِن ْ َ
سا َ وَل ََقد ْ َ
سمع له صوت ,وهذا
من طين يابس إذا ن ُِقر عليه ُ
ولقد خلقنا آدم ِ
من طول مكثه.
الطين اليابس من طين أسود متغّير لونه وريحه; ِ
موم ِ )(27
س ُ
ن َنارِ ال ّ
م ْ ن قَب ْ ُ
ل ِ خل َْقَناهُ ِ
م ْ ن َ َوال ْ َ
جا ّ
من قَْبل خلق آدم من نار شديدة
وخلقنا أبا الجن ,وهو إبليس ِ
الحرارة ل دخان لها.
م هإ ٍ
ح َ
ن َ
مه ْ
ل ِ صل ْ َ
صهها ٍ ن َ شههرا ً ِ
مه ْ ك ل ِل ْ َ
ملئ ِك َهةِ إ ِن ّههي َ
خههال ِقٌ ب َ َ ل َرب ّه َ
وَإ ِذ ْ قَهها َ
ن )(28 سُنو ٍ م ْ َ
واذكر -أيها النبي -حين قال ربك للملئكة :إني خالق إنساًنا من
طين يابس ,وهذا الطين اليابس من طين أسود متغّير اللون.
ن )(29
دي َ
ج ِ
سا ِ حي فََقُعوا ل َ ُ
ه َ ن ُرو ِ
م ْ
ت ِفيهِ ِ
خ ُ
ه وَن ََف ْ
سوّي ْت ُ ُ فَإ ِ َ
ذا َ
خّروا له ساجدين
ويته وأكملت صورته ونفخت فيه الروح ,ف ُ فإذا س ّ
سجود تحية وتكريم ,ل سجود عبادة.
َ َ ة ك ُل ّه َ
ع
مه َ ن ي َك ُههو َ
ن َ ن ) (30إ ِل ّ إ ِب ِْليه َ
س أب َههى أ ْ معُههو َ
ج َ
مأ ُْ ْ جد َ ال ْ َ
ملئ ِك َ ُ فَ َ
س َ
ن )(31 دي َ ج ِسا ِال ّ
فسجد الملئكة كلهم أجمعون كما أمرهم ربهم لم يمتنع منهم أحد,
لكن إبليس امتنع أن يسجد لدم مع الملئكة الساجدين.
499
ن )(32
دي َ
ج ِ
سا ِ
معَ ال ّ
ن َ ك أ َل ّ ت َ ُ
كو َ ما ل َ َ
س َ َقا َ
ل َيا إ ِب ِْلي ُ
قال الله لبليس :ما لك أل تسجد مع الملئكة؟
َ ل لَ َ
ن)
سهُنو ٍ
م ْ
م هإ ٍ َ
ح َ
ن َ
مه ْ
ل ِ صل ْ َ
صها ٍ ن َ
مه ْ خل َْقت َ ُ
ه ِ جد َ ل ِب َ َ
شرٍ َ س ُ
نل ْم أك ُ ْ
َقا َ ْ
(33
قال إبليس مظهًرا كبره وحسده :ل يليق بي أن أسجد لنسان
ه من طين يابس كان طيًنا أسود متغيًرا. َ
أوجد ْت َ ُ
َ
ب فَأن ْظ ِْرِني إ َِلى ي َوْم ِ ي ُب ْعَُثو َ
ن )(36 َقا َ
ل َر ّ
خرني في الدنيا إلى اليوم الذي ت َب َْعث فيه عبادك,
قال إبليس :رب أ ّ
وهو يوم القيامة.
معُْلوم ِ )(38
ت ال ْ َ
ن ) (37إ َِلى ي َوْم ِ ال ْوَقْ ِ من ْظ َ ِ
ري َ ن ال ْ ُ
م ْ ل فَإ ِن ّ َ
ك ِ َقا َ
ت هلكهم إلى اليوم الذي يموت فيه خْر ُ
قال الله له :فإنك ممن أ ّ
ب إلى ُ
كل الخلق بعد النفخة الولى ,ل إلى يوم البعث ,وإنما أجي َ
جا له وإمهال وفتنة للثقلين.
ذلك استدرا ً
500
ن لذرية آدم
سن َ ّ
ب بسبب ما أغويتني وأضللتني لح ّ
قال إبليس :ر ّ
معاصيك في الرض ,ولضلنهم أجمعين عن طريق الهدى ,إل
عبادك الذين هديتهم فأخلصوا لك العبادة وحدك دون سائر خلقك.
ك عَل َي ْهِ ه ْ
م س ل َه َ
عب َههاِدي ل َي ْه َ
ن ِ
م ) (41إ ِ ّس هت َِقي ٌ
م ْي ُط عَل َه ّ صَرا ٌذا ِ ل هَ ََقا َ
ن )(42ن ال َْغاِوي َم ْك ِن ات ّب َعَ َ ن إ ِل ّ َ
م ْ سل ْ َ
طا ٌ ُ
ي وإلى دار كرامتي.
قال الله :هذا طريق مستقيم معتدل موصل إل ّ
إن عبادي الذين أخلصوا لي ل أجعل لك سلطاًنا على قلوبهم
ن اتبعك تضّلهم به عن الصراط المستقيم ,لكن سلطانك على َ
م ِ
ن الضالين المشركين الذين رضوا بوليتك وطاعتك بدل منم َ
ِ
طاعتي.
ن )(46
مِني ه َ
سههلم ٍ آ ِ خُلوهَهها ب ِ َ
ن ) (45اد ْ ُ ت وَعُي ُههو ٍ جن ّهها ٍ
ن ِفي َ مت ِّقي َن ال ْ ُإِ ّ
ن ) (47لمت ََقههاب ِِلي َ
سهُررٍ ُ وانا ً عََلى ُ خ َل إِ ْ ن ِغ ّ م ْم ِدورِهِ ْ ص ُما ِفي ُ وَن ََزعَْنا َ
ن )(48 جي َ خَر ِم ْمن َْها ب ِ ُ
م ِ ما هُ ْب وَ َ ص ٌم ِفيَها ن َ َسه ُ ْ م ّ يَ َ
إن الذين اتقوا الله بامتثال ما أمر واجتناب ما نهى في بساتين
وأنهار جارية يقال لهم :ادخلوا هذه الجنات سالمين من كل سوء
آمنين من كل عذاب .ونزعنا ما في قلوبهم من حقد وعداوة,
يعيشون في الجنة إخواًنا متحابين ,يجلسون على أسّرة عظيمة,
تتقابل وجوههم تواصل وتحابًبا ,ل يصيبهم فيها تعب ول إعياء ,وهم
دا.
باقون فيها أب ً
جُلو َ
ن )(52 من ْك ُ ْ
م وَ ِ سلما ً َقا َ
ل إ ِّنا ِ خُلوا عَل َي ْهِ فََقاُلوا َ
إ ِذ ْ د َ َ
دم لهم
ما; فرد عليهم السلم ,ثم ق ّ
حين دخلوا عليه فقالوا :سل ً
الطعام فلم يأكلوا ,قال :إنا منكم فزعون.
شُر َ
ك ب ُِغلم ٍ عَِليم ٍ )(53 َقاُلوا ل ت َوْ َ
ج ْ
ل إ ِّنا ن ُب َ ّ
قالت الملئكة له :ل تفزع إّنا جئنا نبشرك بولد كثير العلم بالدين,
هو إسحاق.
َ ل أ َب َ ّ
ن )(54
شُرو َ سِني ال ْك ِب َُر فَب ِ َ
م ت ُب َ ّ م ّ موِني عََلى أ ْ
ن َ شْرت ُ ُ َقا َ
شرتموني بالولد ,وأنا كبير وزوجتي كذلك,قال إبراهيم متعجًبا :أب ّ
شرونني؟ فبأي أعجوبة تب ّ
ن )(55 ن ال َْقان ِ ِ
طي َ م ْ
ن ِ ك ِبال ْ َ
حقّ َفل ت َك ُ ْ َقاُلوا ب َ ّ
شْرَنا َ
خط ْب ُك ُه ْ
م ل فَ َ
مهها َ ضاّلو َ
ن )َ (56قا َ مةِ َرب ّهِ إ ِل ّ ال ّ
ح َ
ن َر ْم ْ ن ي َْقن َ ُ
ط ِ م ْ
ل وَ َ َقا َ
َ
ن )(57 سُلو َ مْر َأي َّها ال ْ ُ
قال :ل ييئس من رحمة ربه إل الخاطئون المنصرفون عن طريق
الحق .قال :فما المر الخطير الذي جئتم من أجله -أيها المرسلون-
من عند الله؟
502
ُ
م
جههوهُ ْ ط إ ِن ّهها ل َ ُ
من َ ّ ل ل ُههو ٍن ) (58إ ِل ّ آ َ ميه َ جرِ ِ م ْسل َْنا إ َِلى قَوْم ٍ ُ
َقاُلوا إ ِّنا أْر ِ
أ َجمِعين ) (59إل ّ ا َ
ن )(60 ري َن ال َْغاب ِ ِ ه قَد ّْرَنا إ ِن َّها ل َ ِ
م ْ مَرأت َ ُ
ْ ِ ْ َ َ
قالوا :إن الله أرسلنا لهلك قوم لوط المشركين الضالين إل لو ً
طا
وأهله المؤمنين به ,فلن نهلكهم وسننجيهم أجمعين ,لكن زوجته
الكافرة قضينا بأمر الله بإهلكها مع الباقين في العذاب.
من ْك َُرو َ
ن )(62 ل إ ِن ّك ُ ْ
م قَوْ ٌ
م ُ سُلو َ
ن )َ (61قا َ ط ال ْ ُ
مْر َ ل ُلو ٍ
جاءَ آ َ فَل َ ّ
ما َ
فلما وصل الملئكة المرسلون إلى لوط ,قال لهم :إنكم قوم غير
معروفين لي.
ن )(67
شُرو َ
ست َب ْ ِ
دين َةِ ي َ ْ
م ِ جاءَ أ َهْ ُ
ل ال ْ َ وَ َ
وجاء أهل مدينة لوط إلى لوط حين علموا بمن عنده من الضيوف,
وهم فرحون يستبشرون بضيوفه; ليأخذوهم ويفعلوا بهم الفاحشة.
ن)
خهُزو ِ ن )َ (68وات ُّقههوا الل ّه َ
ه َول ت ُ ْ حو ِ ضي ِْفي َفل ت َْف َ
ضه ُ ن هَ ُ
ؤلِء َ َقا َ
ل إِ ّ
503
(69
قال لهم لوط :إن هؤلء ضيفي وهم في حمايتي فل تفضحوني,
وخافوا عقاب الله ,ول تتعرضوا لهم ,فتوقعوني في الذل والهوان
بإيذائكم لضيوفي.
َ
ن )(70 ن ال َْعال َ ِ
مي َ ك عَ ْ َقاُلوا أوَل َ ْ
م ن َن ْهَ َ
قال قومه :أولم ن َن ْهَ َ
ك أن تضّيف أحدا من العالمين; لّنا نريد منهم
الفاحشة؟
ن )(71
عِلي َ ن ك ُن ْت ُ ْ
م َفا ِ َقا َ
ل هَ ُ
ؤلِء ب ََناِتي إ ِ ْ
قال لوط لهم :هههؤلء نسههاؤكم بنههاتي فههتزّوجوهن إن كنتههم تريههدون
قضاء وطركم ,وسماهن بناته؛ لن نبي المههة بمنزلهة الب لههم ,ول
تفعلوا ما حّرم الله عليكم من إتيان الرجال.
َ
ة
ح ُ
صههي ْ َ
م ال ّ ن ) (72فَأ َ
خههذ َت ْهُ ْ مُهههو َ
م ي َعْ َ م ل َِفههي َ
سههك َْرت ِهِ ْ مههُر َ
ك إ ِن ُّههه ْ ل َعَ ْ
ن )(73 شرِِقي َ م ْ ُ
يقسم الخههالق بمههن يشههاء وبمهها يشههاء ,أمهها المخلههوق فل يجههوز لههه
القسم إل بالله ,وقد أقسم الله تعالى بحياة محمد صلى اللههه عليههه
وسههلم تشههريًفا لههه .إن قههوم لههوط فههي غفلههة شههديدة يههترددون
ت بهم صاعقة العذاب وقت شروق الشمس. ويتمادون ,حتى حل ّ ْ
َ
ل )(74
جي ٍ
س ّ
ن ِ
م ْ
جاَرةً ِ
ح َ مط َْرَنا عَل َي ْهِ ْ
م ِ سافِل ََها وَأ ْ جعَل َْنا َ
عال ِي ََها َ فَ َ
فقلبنا ُقراهم فجعلنهها عاليههها سههافلها ,وأمطرنهها عليهههم حجههارة مههن
طين متصلب متين.
ن
مِقيهم ٍ ) (76إ ِ ّ
ل ُ ن ) (75وَإ ِن ّهَهها ل َب ِ َ
سهِبي ٍ مي َ
س ِ ت ل ِل ْ ُ
مت َوَ ّ ك لَيا ٍ ن ِفي ذ َل ِ َ إِ ّ
ن )(77 مِني َ ة ل ِل ْ ُ
مؤ ْ ِ ك لي َ ً ِفي ذ َل ِ َ
504
ت للنههاظرين المعتههبرين ,وإن قراهههم لفههي إن فيمهها أصههابهم َلعظهها ٍ
طريق ثابت يراههها المسههافرون المههاّرون بههها .إن فههي إهلكنهها لهههم
ة للمصدقين العاملين بشرع الله. َلدلل ً
ة بّين ً
َ
ن )(80
سِلي َ جرِ ال ْ ُ
مْر َ ب ال ْ ِ
ح ْ حا ُ
ص َ
بأ ْوَل ََقد ْ ك َذ ّ َ
حا عليههه السههلم ,وهههم ثمههود جر" صههال ًح ْ ولقد ك ّ
ذب سكان "وادي ال ِ
ذبذب نبي ًهها فقههد كه ّ
فكانوا بذلك مكذبين لكل المرسلين; لن من كه ّ
النبياء كلهم; لنهم على دين واحد.
ن )(81
ضي َ
معْرِ ِ م آَيات َِنا فَ َ
كاُنوا عَن َْها ُ َوآت َي َْناهُ ْ
وآتينا قوم صالح آياتنا الدالة علههى صههحة مهها جههاءهم بههه صههالح مههن
الحق ,ومن جملتها الناقة ,فلههم يعتههبروا بههها ,وكههانوا عنههها مبتعههدين
معرضين.
ن )(82 ل ب ُُيوتا ً آ ِ
مِني َ ن ال ْ ِ
جَبا ِ م ْ
ن ِ
حُتو َ وَ َ
كاُنوا ي َن ْ ِ
وكانوا ينحتههون الجبههال ,فيتخههذون منههها بيوت ًهها ,وهههم آمنههون مههن أن
تسقط عليهم أو تخرب.
َ َ
ن كاُنوا ي َك ْ ِ
سههُبو َ ما َ ما أغَْنى عَن ْهُ ْ
م َ ن ) (83فَ َ
حي َ
صب ِ ِ
م ْ
ة ُ
ح ُ
صي ْ َ
م ال ّ فَأ َ
خذ َت ْهُ ْ
)(84
فأخذتهم صههاعقة العههذاب وقههت الصههباح مبكريههن ,فمهها دفههع عنهههم
505
ن في الجبال ,ول مهها ُأعطههوه مههن قههوة ب الله الموا ُ
ل والحصو ُ عذا َ
وجاه.
م )(87 ن ال ْعَ ِ
ظي َ مَثاِني َوال ُْقْرآ َ
ن ال ْ َ سْبعا ً ِ
م ْ وَل ََقد ْ آت َي َْنا َ
ك َ
ولقد آتيناك -أيها النبي -فاتحة القرآن ,وهي سبع آيات تكرر في كل
صلة ,وآتيناك القرآن العظيم.
َ
ن عَل َي ْهِه ْ
م حهَز ْ
م َول ت َ ْ مت ّعْن َهها ب ِههِ أْزَواجها ً ِ
من ْهُه ْ ك إ ِل َههى َ
مهها َ ن عَي ْن َي ْه َ
مد ّ ّ
ل تَ ُ
ن )(88 مِني َ ك ل ِل ْ ُ
مؤ ْ ِ ح َجَنا َ ض َخِف ْ َوا ْ
مت َههع الههدنيا,
من ُ مت ّْعنا به أصناًفا من الكفار ِ
ن ما َ
ل تنظر بعينيك وتتم ّ
ضعْ للمؤمنين بالله ورسوله.ول تحزن على كفرهم ,وتوا َ
ن )(91
ضي َ
ع ِ جعَُلوا ال ُْقْرآ َ
ن ِ ن َ ال ّ ِ
ذي َ
ما وأجزاء ,فمنهم مههن يقههول :سههحر,
وهم الذين جعلوا القرآن أقسا ً
ومنهم من يقول ك ََهانة ,ومنهم من يقول غير ذلك ،يصّرفونه بحسب
أهوائهم; ليصدوا الناس عن الهدى.
ك ل َنسأ َل َنه َ
مُلو َ
ن )(93 ما َ
كاُنوا ي َعْ َ ن ) (92عَ ّ
مِعي َ
ج َ
مأ ْفَوََرب ّ َ َ ْ ّ ُ ْ
فوربك لنحاسبّنهم يوم القيامة ولنجزينهههم أجمعيههن ,عههن تقسههيمهم
للقرآن بافتراءاتهم ,وتحريفه وتبديله ,وغير ذلك مما كههانوا يعملههونه
من عبادة الوثان ,ومن المعاصي والثام .وفههي هههذا ترهيههب وزجههر
لهم من القامة على هذه الفعال القبيحة.
َ
ن )(94
كي َ
شرِ ِ ن ال ْ ُ
م ْ ض عَ ْ ما ت ُؤْ َ
مُر وَأعْرِ ْ َفا ْ
صد َعْ ب ِ َ
فاجهر بدعوة الحق التي أمرك الله بها ,ول تبههال بالمشههركين ,فقههد
ما يقولون.
بّرأك الله م ّ
ما ي َُقوُلو َ
ن )(97 صد ُْر َ
ك بِ َ ضيقُ َ م أ َن ّ َ
ك يَ ِ وَل ََقد ْ ن َعْل َ ُ
ولقههد نعلههم بانقبههاض صههدرك -أيههها الرسههول ;-بسههبب مهها يقههوله
المشركون فيك وفي دعوتك.
507
ن )(98
دي َ
ج ِ
سا ِ
ن ال ّ
م ْ ك وَك ُ ْ
ن ِ مدِ َرب ّ َ
ح ْ
ح بِ َ فَ َ
سب ّ ْ
سهّبح بحمههده شههاكًرا لههه مثنيهها
فافزع إلى ربك عند ضيق صههدرك ,و َ
مك. عليه ,وكن من المصّلين لله العابدين له ,فإن ذلك يكفيك ما أه ّ
ن )(99 حّتى ي َأ ْت ِي َ َ
ك ال ْي َِقي ُ َواعْب ُد ْ َرب ّ َ
ك َ
مّر في عبادة ربك مدة حياتك حتى يأتيك اليقين ,وهو المههوت. واست ِ
وامتثل رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر ربههه ,فلههم يههزل دائب ًهها
في عبادة الله ,حتى أتاه اليقين من ربه.
-16سورة النحل
َ َ
ن )(1 شرِ ُ
كو َ ه وَت ََعاَلى عَ ّ
ما ي ُ ْ حان َ ُ جُلوهُ ُ
سب ْ َ مُر الل ّهِ َفل ت َ ْ
ست َعْ ِ أَتى أ ْ
قَُرب قيام الساعة وقضاء الله بعذابكم -أيههها الكفههار -فل تسههتعجلوا
العذاب استهزاء بوعيد الرسول لكم .تنّزه الله سبحانه وتعهالى عههن
الشرك والشركاء.
ن َأنههذُِروا َ
عَبادِهِ أ ْ
ن ِ
م ْ ن يَ َ
شاُء ِ مرِهِ عََلى َ
م ْ
ة بالروح م َ
نأ ْملئ ِك َ َ ِ ّ ِ ِ ْ ل ال ْ َ ي ُن َّز ُ
َ َ
ن )(2ه إ ِل ّ أَنا َفات ُّقو ِه ل إ ِل َ َ أن ّ ُ
مههن يشههاء مههن عبههاده
مههن أمههره علههى َ
ينّزل الله الملئكة بههالوحي ِ
وفوا الناس من الشرك ,وأنه ل معبود بحق إل أنا, المرسلين :بأن خ ّ
فاتقون بأداء فرائضي وإفرادي بالعبادة والخلص.
َ
ن )(3 شرِ ُ
كو َ حقّ ت ََعاَلى عَ ّ
ما ي ُ ْ ض ِبال ْ َ
ت َوالْر َ
وا ِ
م َ خل َقَ ال ّ
س َ َ
دل بهما العباد على عظمة خلق الله السموات والرض بالحق; ليست ِ
خالقهما ,وأنه وحده المستحق للعبادة ,تنّزه -سبحانه -وتعههاظم عههن
شركهم.
508
ن )(4مِبي ٌ
م ُ
صي ٌ
خ ِ ن ن ُط َْفةٍ فَإ ِ َ
ذا هُوَ َ م ْن ِ سا َ خل َقَ ا ِ
لن َ َ
خَلق النسان من مههاء مهيههن فههإذا بههه ي َْقههوى ويغههتّر ,فيصههبح شههديد َ
مههن
الخصومة والجدال لربه في إنكار البعث ,وغيههر ذلههك ,كقههولهَ " :
م" ،ونسي الله الذي خلقه من العدم. مي ٌ ي َر ِم وَهِ َ ي ال ْعِ َ
ظا َ ح ِ يُ ْ
ْ َ
من َْها ت َأك ُُلو َ
ن )(5 مَنافِعُ وَ ِ
فٌء وَ َ خل ََقَها ل َك ُ ْ
م ِفيَها دِ ْ م َ
َوالن َْعا َ
م من البل والبقر والغنم خلقها الله لكم -أيها الناس -وجعههل والنعا َ
ُ
فههي أصههوافها وأوبارههها الههدفء ,ومنههافع أخههر فههي ألبانههها وجلودههها
وركوبها ,ومنها ما تأكلون.
ن )(6
حو َ
سَر ُ
ن تَ ْ
حي َ
ن وَ ِ
حو َ
ري ُ
ن تُ ِ
حي َ ما ٌ
ل ِ ج َ وَل َك ُ ْ
م ِفيَها َ
دونها إلى منازلها فههي
دخل السرور عليكم عندما ت َُر ّولكم فيها زينة ت ُ ْ
خرجونها للمرعى في الصباح. المساء ,وعندما ت ُ ْ
م ن َرب ّ ُ
كهه ْ س إِ ّ ف
ُ شق ا َ
لن ّ ِ ِ ب ّ لِ إ ِ هغي
ِ ِ ل با
َ نوا
ُ ُ
كو َ ت م
ْ م إ َِلى ب َل َدٍ ل َ
ْ ُ ك ل أ َث َْقال َ
م ُح ِ
وَت َ ْ
ِ
م )(7 حي ٌ ف َر ِ ل ََرُءو ٌ
وتحمل هذه النعام ما ث َُقل من أمتعتكم إلى بلد بعيد ,لم تكونوا
مستطيعين الوصول إليه إل بجهد شديد من أنفسكم ومشقة
خر لكم ما تحتاجون عظيمة ,إن ربكم َلرؤوف رحيم بكم ,حيث س ّ
إليه ,فله الحمد وله الشكر.
شاَء ل َهداك ُ َ
جائ ٌِر وَل َوْ َ
ن )(9
مِعي َ
ج َ
مأ َْ َ ْ من َْها َ
ل وَ ِ
سِبي ِ وَعََلى الل ّهِ قَ ْ
صد ُ ال ّ
509
وعلى الله بيان الطريق المستقيم ِلهدايتكم ,وهو السلم ,ومن
الطرق ما هو مائل ل ُيوصل إلى الهداية ,وهو كل ما خالف السلم
من الملل والنحل .ولو شاء الله هدايتكم لهداكم جميًعا لليمان.
ه
جٌر ِفي ه ِ ه َ
شه َ من ْه ُ
ب وَ ِ ه َ
ش هَرا ٌ من ْه ُ ماءً ل َك ُه ْ
م ِ ماءِ َ
س َ
ن ال ّ
م ْ ذي َأنَز َ
ل ِ هُوَ ال ّ ِ
ن )(10 مو َ سي ُتُ ِ
هو الذي أنزل لكم من السحاب مطًرا ,فجعل لكم منه ماءً
ون فيه دواّبكم ,ويعود عليكمتشربونه ,وأخرج لكم به شجًرا ت َْرعَ ْ
د َّرها ونْفُعها.
ت
مهَرا ِ ن ك ُه ّ
ل الث ّ َ مه ْ ل َوال َعَْنا َ
ب وَ ِ خي َ
ن َوالن ّ ِم ب ِهِ الّزْرعَ َوالّزي ُْتو َ ت ل َك ُ ْ
ي ُن ْب ِ ُ
ن )(11 ة ل َِقوْم ٍ ي َت ََفك ُّرو َ ن ِفي ذ َل ِ َ
ك لي َ ً إِ ّ
ُيخرج لكم من الرض بهذا الماء الواحد الزروع المختلفة ,وُيخرج به
الزيتون والنخيل والعناب ,وُيخرج به كل أنواع الثمار والفواكه .إن
ة واضحة لقوم يتأملون ,فيعتبرون. في ذلك الخراج لدلل ً
ت
خَرا ٌ
سه ّ
م َ
م ُ
جهو ُ س َوال َْق َ
مهَر َوالن ّ ُ م َشه ْ ل َوالن ّهَههاَر َوال ّم الل ّي ْه َ خَر ل َ ُ
كه ْ س ّوَ َ
َ
ن )(12 ت ل َِقوْم ٍ ي َعِْقُلو َ
ك لَيا ٍن ِفي ذ َل ِ َ مرِهِ إ ِ ّب ِأ ْ
خر لكم الشمس خر لكم الليل لراحتكم ,والنهار لمعاشكم ,وس ّ وس ّ
ضياء ,والقمر نوًرا ولمعرفة السنين والحساب ,وغير ذلك من
المنافع ,والنجوم في السماء مذللت لكم بأمر الله لمعرفة
الوقات ,ونضج الثمار والزروع ,والهتداء بها في الظلمات .إن في
ة لقوم سيعقلون عن الله حججه ل واضح ًذلك التسخير َلدلئ َ
وبراهينه.
510
ن في تسخير هذه الشياء والمنافع َلعبرة ً لقوم يتعظون ,ويعلمون أ ّ
ت على وحدانية الله تعالى وإفراده بالعبادة. علما ٍ
ْ
حل ْي َه ً
ة ه ِ من ْ ُ
جوا ِ خرِ ُ حما ً ط َرِي ّا ً وَت َ ْ
ست َ ْ ه لَ ْ حَر ل ِت َأك ُُلوا ِ
من ْ ُ خَر ال ْب َ ْ
س ّ
ذي َ وَهُوَ ال ّ ِ
ض هل ِهِ وَل َعَل ّك ُه ْ
م ن فَ ْ مه ْ خَر ِفي ههِ وَل ِت َب ْت َغُههوا ِ وا ِ
مه َك َ سههون ََها وَت َهَرى ال ُْفل ْه َ ت َل ْب َ ُ
ن )(14 شك ُُرو َ تَ ْ
ما
خر لكم البحر; لتأكلوا مما تصطادون من سمكه لح ً وهو الذي س ّ
طرًيا ,وتستخرجوا منه زينة ت َل َْبسونها كاللؤلؤ والمرجان ,وترى
السفن العظيمة تشق وجه الماء تذهب وتجيء ,وتركبونها; لتطلبوا
رزق الله بالتجارة والربح فيها ,ولعلكم تشكرون لله تعالى على
عظيم إنعامه عليكم ,فل تعبدون غيره.
ن )(16دو َ
م ي َهْت َ ُ
جم ِ ه ُ ْ
ت وَِبالن ّ ْ
ما ٍ
عل َ
وَ َ
وجعل في الرض معالم تستدّلون بها على الطرق نهاًرا ,كما جعل
النجوم للهتداء بها ليل.
َ َ
خل ُقُ أَفل ت َذ َك ُّرو َ
ن )(17 ن ل يَ ْ خل ُقُ ك َ َ
م ْ ن يَ ْ أفَ َ
م ْ
أتجعلون الله الذي يخلق كل هذه الشياء وغيرها في استحقاق
العبادة كاللهة المزعومة التي ل تخلق شيًئا؟ أفل تتذكرون عظمة
الله ,فتفردوه بالعبادة؟
م )(18 ه ل َغَُفوٌر َر ِ
حي ٌ ن الل ّ َ
ها إ ِ ّ
صو َ ة الل ّهِ ل ت ُ ْ
ح ُ م َ
دوا ن ِعْ َ
ن ت َعُ ّ
وَإ ِ ْ
511
صرها; لكثرتها وتنوعها.
ح ْ
صَر ن َِعم الله عليكم ل ت َُفوا ب َ
ح ْ
وإن تحاولوا َ
إن الله َلغفور لكم رحيم بكم؛ إذ يتجاوز عن تقصيركم في أداء
شكر النعم ,ول يقطعها عنكم لتفريطكم ,ول يعاجلكم بالعقوبة.
ن )(19
ما ت ُعْل ُِنو َ
ن وَ َ
سّرو َ
ما ت ُ ِ ه ي َعْل َ ُ
م َ َوالل ّ ُ
والله سبحانه يعلم كل أعمالكم ,سواء ما تخفونه منها في نفوسكم
وما تظهرونه لغيركم ,وسيجازيكم عليها.
خل َُقو َ
ن )(20 شْيئا ً وَهُ ْ
م يُ ْ خل ُُقو َ
ن َ ن الل ّهِ ل ي َ ْ
دو ِ
ن ُ
م ْ
ن ِ
عو َ
ن ي َد ْ ُ َوال ّ ِ
ذي َ
واللهة التي يعبدها المشركون ل تخلق شيًئا وإن َ
صُغر ,فهي
مخلوقات صنعها الكفار بأيديهم ,فكيف يعبدونها؟
م
منك ِهَرةٌ وَهُه ْ خَرةِ قُل ُههوب ُهُ ْ
م ُ ن ب ِههال ِ ن ل ي ُؤْ ِ
من ُههو َ حهد ٌ َفال ّه ِ
ذي َ َوا ِ م إ ِل َه ٌ
ه إ ِل َهُك ُ ْ
)(22 نست َك ْب ُِرو َم ْ ُ
إلهكم المستحق وحده للعبادة هو الله الله الواحد ,فالذين ل
يؤمنون بالبعث قلوبهم جاحدة وحدانيته سبحانه; لعدم خوفهم من
عقابه ,فهم متكبرون عن قبول الحق ,وعبادة الله وحده.
ل جههر َ
ب
حهه ّ
ه ل يُ ِ
ن إ ِّنهه ُ
مهها ي ُعْل ُِنههو َ
ن وَ َ
سههّرو َ
مهها ي ُ ِ ه ي َعَْلهه ُ
م َ ن الّلهه َ
مأ ّ َ َ َ
ن )(23 ست َك ْب ِ ِ
ري َ ال ْ ُ
م ْ
من عقائد وأقوال وأفعال ,وما
ن الله يعلم ما يخفونه ِ
حًقا أ ّ
يظهرونه منها ,وسيجازيهم على ذلك ,إنه عز وجل ل يحب
المستكبرين عن عبادته والنقياد له ,وسيجازيهم على ذلك.
512
َ َ ذا َأنَز َ
ن )(24
طيُر الوِّلي َ م َقاُلوا أ َ
سا ِ ل َرب ّك ُ ْ ما َ ل ل َهُ ْ
م َ ذا ِقي َ
وَإ ِ َ
ما نزل على النبي محمد صلى الله
سِئل هؤلء المشركون ع ّ وإذا ُ
عليه وسلم قالوا كذًبا وزوًرا :ما أتى إل بقصص السابقين
وأباطيلهم.
خزيهم ويُقو ُ َ
نشههاّقو َ م تُ َ ن ك ُن ْت ُه ْ
ذي َ كاِئي ال ّه ِ ش هَر َ ن ُ ل أي ْ َ مة ِ ي ُ ْ ِ ِ ْ َ َ م ال ِْقَيا َ م ي َوْ َثُ ّ
ُ
ن
ري َ سوَء عََلى ال ْك َههافِ ِ م َوال ّ
َ
خْزيَ ال ْي َوْ َ
َ
ن ال ْ ِم إِ ّ ن أوُتوا ال ْعِل ْ َ َ ذيل ال ّ ِ
م َقا َ ِفيهِ ْ
مهها ك ُّنهها م َ سل َ َ
وا ال ّ م فَأل َْق ْ سه ِ ْمي أنُف ِ ظال ِ ِة َ ملئ ِك َ ُ م ال ْ َن ت َت َوَّفاهُ ْ ذي َ) (27ال ّ ِ
ن )(28 مُلو َ م ت َعْ َ ما ك ُن ْت ُ ْم بِ َ ه عَِلي ٌ ن الل ّ َ سوٍء ب ََلى إ ِ ّ ن ُ م ْ ل ِ م ُ ن َعْ َ
ثم يوم القيامة يفضحهم الله بالعذاب ويذّلهم به ,ويقول :أين
شركائي من اللهة التي عبدتموها من دوني; ليدفعوا عنكم العذاب,
وقد كنتم تحاربون النبياء والمؤمنين وتعادونهم لجلهم؟ قال
العلماء الربانيون :إن الذل في هذا اليوم والعذاب على الكافرين
بالله ورسله ,الذين تقبض الملئكة أرواحهم في حال ظلمهم
سَلموا لمر الله حين رأوا الموت ,وأنكروا مالنفسهم بالكفر ,فاست ْ
كانوا يعبدون من دون الله ,وقالوا :ما كنا نعمل شيًئا من المعاصي,
513
فيقال لهم :ك َذ َْبتم ,قد كنتم تعملونها ,إن الله عليم بأعمالكم كلها,
وسيجازيكم عليها.
َ
ن )(29
ري َ وى ال ْ ُ
مت َك َب ّ ِ مث ْ َ ن ِفيَها فَل َب ِئ ْ َ
س َ دي َ
خال ِ ِ
م َ
جهَن ّ َ
ب َ خُلوا أب ْ َ
وا َ َفاد ْ ُ
دا ,فلبئست مقًرا للذين
فادخلوا أبواب جهنم ,ل تخرجون منها أب ً
تكّبروا عن اليمان بالله وعن عبادته وحده وطاعته.
َ
ن
شههاُءو َ مهها ي َ َ م ِفيهَهها َ حت َِها الن َْهاُر ل َهُ ه ْ ن تَ ْ م ْ ري ِ ج ِخُلون ََها ت َ ْ ن ي َد ْ ُت عَد ْ ٍ جّنا ُ َ
نة ط َي ِّبيه َ م ال ْ َ
ملئ ِك َه ُ ن ت َت َوَفّههاهُ ْذي َ ن ) (31ال ّه ِ مت ِّقيه َه ال ْ ُزي الل ّه ُ جه ِ ك يَ ْك َهذ َل ِ َ
ن )(32 مُلو َ م ت َعْ َ كنت ُ ْما ُ ة بِ َ خُلوا ال ْ َ
جن ّ َ م اد ْ ُ م عَل َي ْك ُ ْ سل ٌ ن َ ي َُقوُلو َ
دا ,تجري من جنات إقامة لهم ,يستقرون فيها ,ل يخرجون منها أب ً
تحت أشجارها وقصورها النهار ,لهم فيها كل ما تشتهيه أنفسهم,
بمثل هذا الجزاء الطيب يجزي الله أهل خشيته وتقواه الذين تقبض
حهم ,وقلوُبهم طاهرة من الكفر ,تقول الملئكة لهم: ة أروا َ
الملئك ُ
سلم عليكم ,تحية خاصة لكم وسلمة من كل آفة ,ادخلوا الجنة بما
كنتم تعملون من اليمان بالله والنقياد لمره.
514
ما ينتظر المشركون إل أن تأتيهم الملئكة; لتقبض أرواحهم وهم
ذب هؤلء على الكفر ,أو يأتي أمر الله بعذاب عاجل يهلكهم ,كما ك ّ
من قبلهم ,فأهلكهم الله ,وما ظلمهم الله بإهلكهم,ذب الكفار ِك ّ
وإنزال العذاب بهم ,ولكنهم هم الذين كانوا يظلمون أنفسهم بما
جعلهم أهل للعذاب.
َ
ست َهْزُِئون )(34 ما َ
كاُنوا ب ِهِ ي َ ْ م َ مُلوا وَ َ
حاقَ ب ِهِ ْ ما عَ ِ سي َّئا ُ
ت َ م َ فَأ َ
صاب َهُ ْ
فنزلت بهم عقوبة ذنوبهم التي عملوها ,وأحاط بهم العذاب الذي
كانوا يسخرون منه.
ن
حه ُ ي ءٍ ن َ ْشه ْن َ م ْدون ِهِ ِن ُم ْما عَب َد َْنا ِ
ه َشاَء الل ّ ُ كوا ل َوْ َ شَر ُ ن أَ ْ ل ال ّ ِ
ذي َ وََقا َ
من قَب ْل ِِههه ْ
م ْ
ن ِذي َل ال ّ ِ
ك فَعَ َيٍء ك َذ َل ِ َ
ش ْن َ م ْ دون ِهِ ِ
ن ُ م ْ مَنا ِ حّر ْ َول آَباؤَُنا َول َ
ن )(35 مِبي ُ ل إ ِل ّ ال َْبلغُ ال ْ ُ
س ِ ل عََلى الّر ُ فَهَ ْ
دا غيره,وقال المشركون :لو شاء الله أن نعبده وحده ما عبدنا أح ً
منا شيًئا لم يحرمه ,بمثل هذا حّر َ
من قبلنا ,ول َ ل نحن ول آباؤنا ِ
الحتجاج الباطل احتج الكفار السابقون ,وهم كاذبون; فإن الله
كنهم من القيام بما كّلفهم به ,وجعل لهم قوة أمرهم ونهاهم وم ّ
ومشيئة تصدر عنها أفعالهم ,فاحتجاجهم بالقضاء والقدر من أبطل
ذرين لهمالباطل من بعد إنذار الرسل لهم ,فليس على الرسل المن ِ
إل التبليغ الواضح لما ك ُّلفوا به.
515
ن
مه ْ مهها ل َهُه ْ
م ِ ضه ّ
ل وَ َ ن يُ ِ
مه ْ
دي َ ن الل ّ َ
ه ل ي َهْه ِ م فَإ ِ ّ ص عََلى هُ َ
داهُ ْ حرِ ْن تَ ْإِ ْ
ن )(37ري َص َِنا ِ
إن تبذل -أيها الرسول -أقصى جهدك لهداية هؤلء المشركين
من يض ّ
ل ,وليس لهم من دون الله أحد فاعلم أن الله ل يهدي َ
ينصرهم ,ويمنع عنهم عذابه.
َ َ
عدا ً عَل َْيهه ِ
ه ت ب ََلى وَ ْ
مو ُ
ن يَ ُ
م ْ ث الل ّ ُ
ه َ م ل ي َب ْعَ ُمان ِهِ ْ موا ِبالل ّهِ َ
جهْد َ أي ْ َ وَأقْ َ
س ُ
حّقا ً ول َك َ
ن )(38 مو َس ل ي َعْل َ ُ ن أك ْث ََر الّنا ِ
َ ِ ّ َ
منوحلف هؤلء المشركون بالله أيماًنا مغّلظة أن الله ل يبعث َ
دا عليه حًقا,
ما ,وع ً
ي وتفّرق ,بلى سيبعثهم الله حت ً
يموت بعدما ب َل ِ َ
ولكن أكثر الناس ل يعلمون قدرة الله على البعث ,فينكرونه.
َ
ن كاُنوا َ
كاذِِبي َ م َ
ن ك ََفُروا أن ّهُ ْ م ال ّ ِ
ذي َ ن ِفيهِ وَل ِي َعْل َ َ
خت َل ُِفو َ م ال ّ ِ
ذي ي َ ْ ن ل َهُ ْ
ل ِي ُب َي ّ َ
)(39
يبعث الله جميع العباد; ليبين لهم حقيقة البعث الذي اختلفوا فيه,
ويعلم الكفار المنكرون له أنهم على باطل ,وأنهم كاذبون حين
ن ل بعث.حلفوا أ ْ
َ شيءٍ إ َ َ
ن )(40 ن فَي َ ُ
كو ُ ل لَ ُ
ه كُ ْ ن ن َُقو َ
ذا أَرد َْناهُ أ ْما قَوْل َُنا ل ِ َ ْ ِ
إ ِن ّ َ
ن أمر البعث يسير علينا ,فإّنا إذا أردنا شيًئا فإنما نقول له" :كن"،إ ّ
فإذا هو كائن موجود.
ة
سن َ ً
ح َ موا ل َن ُب َوّئ َن ّهُ ْ
م ِفي الد ّن َْيا َ ما ظ ُل ِ ُ
ن ب َعْدِ َ م ْجُروا ِفي الل ّهِ ِ ها َ
ن َ َوال ّ ِ
ذي َ
ن )(41 مو َ خَرةِ أ َك ْب َُر ل َوْ َ
كاُنوا ي َعْل َ ُ جُر ال ِوَل َ ْ
من أجل الله ,فهاجروا بعدما وقع عليهموالذين تركوا ديارهم ِ
الظلم ,لنسكننهم في الدنيا داًرا حسنة ,ولجر الخرة أكبر; لن
ثوابهم فيها الجنة .لو كان المتخلفون عن الهجرة يعلمون علم يقين
516
ما عند الله من الجر والثواب للمهاجرين في سبيله ,ما تخّلف
منهم أحد عن ذلك.
م ي َت َوَك ُّلو َ
ن )(42 صب َُروا وَعََلى َرب ّهِ ْ
ن َ ال ّ ِ
ذي َ
هؤلء المهاجرون في سبيل الله هم الذين صبروا على أوامر الله
وعن نواهيه وعلى أقداره المؤلمة ,وعلى ربهم وحده يعتمدون,
فاستحقوا هذه المنزلة العظيمة.
ل إ ِل َي ْهِه ْ
م مهها ن ُهّز َ
س َ ها
هّ نلل
ِ ن
َ هّ يَ بُ تِ ل ر ْ كّ ذه ال
ت َوالّزب ُهرِ
َ َ
ك هْ يوََأنَزل ْن َهها إ ِل َ
ِبال ْب َي َّنا ِ
ِ
نم ي َت ََفك ُّرو َوَل َعَل ّهُ ْ )(44
سْلنا الرسل السابقين بالدلئل الواضحة وبالكتب السماوية, َ
وأْر َ
منوأنزلنا إليك -أيها الرسول -القرآن; لتوضح للناس ما خفي ِ
معانيه وأحكامه ,ولكي يتدبروه ويهتدوا به.
517
أو يأخذهم العذاب ,وهم يتقلبون في أسفارهم وتصرفهم؟ فما هم
بسابقين الله ول فائتيه ول ناجين من عذابه; لنه القوي الذي ل
يعجزه شيء ,أو يأخذهم الله بنقص من الموال والنفس
والثمرات ،أو في حال خوفهم من أخذه لهم ,فإن ربكم لرؤوف
بخلقه ,رحيم بهم.
ُ َ
ن ن ال ْي َ ِ
ميه ِ ظلل ُه ُ
ه عَه ْ يءٍ ي َت ََفي ّهأ ِ ن َ
شه ْ مه ْ
ه ِخل َهقَ الل ّه ُ
مهها َ م ي ََرْوا إ َِلى َ
أوَل َ ْ
ن )(48خُرو َدا ِم َجدا ً ل ِل ّهِ وَهُ ْ
س ّ
ل ُ مائ ِ ِ
ش ََوال ّ
ي هؤلء الكفار ,فلم ينظروا إلى ما خلق الله من شيء له ظل, َ
م َ
أعَ ِ
كالجبال والشجار ,تميل ظللها تارة يميًنا وتارة شمال تبًعا لحركة
الشمس نهاًرا والقمر ليل كلها خاضعة لعظمة ربها وجلله ,وهي
تحت تسخيره وتدبيره وقهره؟
َ
ة داب ّهةٍ َوال ْ َ
ملئ ِك َه ُ ن َ
مه ْ
ض ِ
مهها فِههي الْر ِ
ت وَ َ
وا ِ
م َ
س َما ِفي ال ّجد ُ َ س ُوَل ِل ّهِ ي َ ْ
ن )(49 ست َك ْب ُِرو َم ل يَ ْ وَهُ ْ
من دابة,
ولله وحده يسجد كل ما في السموات وما في الرض ِ
صهموالملئكة يسجدون لله ,وهم ل يستكبرون عن عبادته .وخ ّ
ضلهم وشرفهم وكثرة عبادتهم.
بالذكر بعد العموم لَف ْ
518
َ ت وال َ
صبا ً أفَغَي َْر الل ّههِ ت َت ُّقههو َ
ن) ن َوا ِ
دي ُ ض وَل َ ُ
ه ال ّ ِ ر
ْ وا ِ َ
م َ
س َ
ما ِفي ال ّ وَل َ ُ
ه َ
(52
دا ,وله وحده ولله كل ما في السموات والرض خلًقا ومل ً
كا وعبي ً
ما ,أيليق بكم أن تخافوا غير اللهالعبادة والطاعة والخلص دائ ً
وتعبدوه؟
ن )(54 شرِ ُ
كو َ م يُ ْ من ْك ُ ْ
م ب َِرب ّهِ ْ ذا فَ ِ
ريقٌ ِ ضّر عَن ْك ُ ْ
م إِ َ ف ال ّ ذا ك َ َ
ش َ ثُ ّ
م إِ َ
من ِْعم
ثم إذا كشف عنكم البلء والسقم ,إذا جماعة منكم بربهم ال ُ
عليهم بالنجاة يتخذون معه الشركاء والولياء.
ن )(55 ف ت َعْل َ ُ
مو َ مت ُّعوا فَ َ
سو ْ َ م فَت َ َ ل ِي َك ُْفُروا ب ِ َ
ما آت َي َْناهُ ْ
ف البلء عنهم ,فاستمتعوا بدنياكم, ليجحدوا نعمنا عليهم ,ومنها ك َ ْ
ش ُ
ومصيرها إلى الزوال ,فسوف تعلمون عاقبة كفركم وعصيانكم.
ُ ويجعُلون لما ل يعل َمون نصيبا ً مما رزقْناهم تالل ّه ل َتسأ َ
ما ك ُن ُْتهه ْ
م ن عَ ّ ل
ِ ّ َ َ َ ُ ْ َ ِ ُ ْ ّ َْ ُ َ َ ِ َ ِ َ ََ ْ َ
ن )(56 ت َْفت َُرو َ
من قبيح أعمالهم أنهم يجعلون للصنام التي اتخذوها آلهة ,وهي ل و ِ
تعلم شيًئا ول تنفع ول تضر ,جزًءا من أموالهم التي رزقهم الله بها
ن يوم القيامة عما كنتم تختلقونه من الكذب تقرًبا إليها .تالله لتسأل ُ ّ
على الله.
519
ن )(57 ما ي َ ْ
شت َُهو َ ه وَل َهُ ْ
م َ حان َ ُ
سب ْ َ ن ل ِل ّهِ ال ْب ََنا ِ
ت ُ جعَُلو َ
وَي َ ْ
ويجعل الكفار لله البنات ,فيقولون :الملئكة بنات الله ,تنّزه الله
عن قولهم ,ويجعلون لنفسهم ما يحبون من البنين.
هو َ َ
ه
س ُ
م ي َد ُ ّ
نأ ْه عََلى ُ ٍ
سك ُ ُ
م ِ ما ب ُ ّ
شَر ب ِهِ أي ُ ْ سوِء َ ن ُ م ْن ال َْقوْم ِ ِم ْواَرى ِ ي َت َ َ
َ
ن )(59 مو َحك ُ ُما ي َ ْ
ساَء َ ب أل َ ِفي الت َّرا ِ
سا بما ساءه من الحزن من قومه كراهة أن يلقاهم متلب ً يستخفي ِ
والعار؛ بسبب البنت التي وُِلدت له ,ومتحيًرا في أمر هذه المولودة:
ل وهوان ,أم يدفنها حية في التراب؟ أل بئس أيبقيها حية على ذ ّ
جْعل البنات لله والذكور لهم.
من َالحكم الذي حكموه ِ
م
خُرهُ ْ ن ي ُؤَ ّداب ّةٍ وَل َك ِ ْ
ن َ ك عَل َي َْها ِ
م ْ ْ
ما ت ََر َم َمه ِ ْ س ب ِظ ُل ْ ِ
َ ه الّناخذ ُ الل ّ ُ وَل َوْ ي ُ َ
ؤا ِ
َ َ
نمو َست َْقدِ ُة َول ي َ ْ ساعَ ً ن َ خُرو َ ست َأ ِ
م ل يَ ْ جل ُهُ ْ
جاَء أ َ ذا َ مى فَإ ِ َ س ّ م َل ُ ج ٍإ َِلى أ َ
)(61
منولو يؤاخذ الله الناس بكفرهم وافترائهم ما ترك على الرض َ
يتحّرك ,ولكن يبقيهم إلى وقت محدد هو نهاية آجالهم ,فإذا جاء
أجلهم ل يتأخرون عنه وقًتا يسيًرا ,ول يتقدمون.
520
َ هون وتص ُ َ
سَنى ل م ال ْ ُ
ح ْ ن ل َهُ ْ
بأ ّم ال ْك َذِ َ ف أل ْ ِ
سن َت ُهُ ْ ما ي َك َْر ُ َ َ َ ِ ن ل ِل ّهِ َ
جعَُلو َوَي َ ْ
مْفَر ُ َ َ
ن )(62 طو َ م ُ ن ل َهُ ْ
م الّناَر وَأن ّهُ ْ مأ ّجَر َ َ
ومن قبائحهم :أنهم يجعلون لله ما يكرهونه لنفسهم من البنات,
وتقول ألسنتهم كذًبا :إن لهم حسن العاقبة ,حًقا أن لهم النار,
مْنسيون.
مْتروكون َوأنهم فيها َ
521
وإن لكم -أيها الناس -في النعام -وهي البل والبقر والغنمَ -لعظة,
جا من بين فَْرث فقد شاهدتم أننا نسقيكم من ضروعها لبًنا خار ً
ذا لصا من كل الشوائب ,لذي ً رش -وبين دم خال ً -وهو ما في الك َ ِ
شرَِبه. من َص به َ
ي َغَ ّ
وأل ْهَ َ
م ربك -أيها النبي -النحل بأن اجعلي لك بيوًتا في الجبال ,وفي
سُقف.
الشجر ,وفيما يبني الناس من البيوت وال ّ
ن بُ ُ
طون ِهَهها م ْ ج ِخُر ُ ك ذ ُل ُل ً ي َ ْ سب ُ َ
ل َرب ّ ِ كي ُ سل ُ ِت َفا ْ
مَرا ِ ل الث ّ َن كُ ّم ْ م ك ُِلي ِ ثُ ّ
َ
ة ل َِقهوْم ٍ
ك لَيه ًن ِفهي ذ َِله َ س إِ ّ شهَفاٌء ِللّنها ِ ه ِفيههِ ِ
وان ُ ُف أْله َ خت َِله ٌ
م ْب ُ شَرا ٌ َ
ن )(69 ي َت ََفك ُّرو َ
من كل ثمرة تشتهينها ,فاسلكي طرق ربك مذللة لك; ثم ُ
كلي ِ
ك ,ل
لطلب الرزق في الجبال وخلل الشجر ,وقد جعلها سهلة علي ِ
ت .يخرج من بطون النحل عسل ود إليها وإن ب َعُد َ ْ
تضلي في العَ ْ
من بياض وصفرة وحمرة وغير ذلك ,فيه شفاء مختلف اللوان ِ
للناس من المراض .إن فيما يصنعه النحل َلدللة قوية على قدرة
خالقها لقوم يتفكرون ,فيعتبرون.
َ
يل ل ال ْعُ ُ
م هرِ ل ِك َه ْ ن ي ُهَرد ّ إ ِل َههى أْرذ َ ِ
م ْم َمن ْك ُ ْ
م وَ ِ م ي َت َوَّفاك ُ ْ خل ََقك ُ ْ
م ثُ ّ ه َ َوالل ّ ُ
ديٌر )(70 م قَ ِه عَِلي ٌ ن الل ّ َشْيئا ً إ ِ ّعل ْم ٍ َم ب َعْد َ ِ ي َعْل َ َ
522
والله سجانه وتعالى خلقكم ثم يميتكم في نهاية أعماركم ,ومنكم
من يصير إلى أردأ العمر وهو الهرم ,كما كان في طفولته ل يعلم َ
شيًئا مما كان يعلمه ,إن الله عليم قدير ,أحاط علمه وقدرته بكل
شيء ,فالله الذي رد ّ النسان إلى هذه الحالة قادر على أن يميته,
ثم يبعثه.
ديضهُلوا ب ِهَرا ّ ن فُ ّ ذي َما ال ّ ِ ق فَ َِ ض ِفي الّرْز ٍ م عََلى ب َعْ ضك ُ ْ ل ب َعْ َ َوالل ّ ُ
ه فَ ّ
ض َ
َ َ
ن
دو َحهه ُ
ج َ مةِ الل ّهِ ي َ ْواٌء أفَب ِن ِعْ َس َ م ِفيهِ َم فَهُ ْمان ُهُ ْ مل َك َ ْ
ت أي ْ َ ما َ م عََلى َ رِْزقِهِ ْ
)(71
ضل بعضكم على بعض فيما أعطاكم في الدنيا من الرزق, والله فَ ّ
فمنكم غني ومنكم فقير ,ومنكم مالك ومنكم مملوك ,فل يعطي
المالكون مملوكيهم مما أعطاهم الله ما يصيرون به شركاء لهم
متساوين معهم في المال ,فإذا لم يرضوا بذلك لنفسهم ,فلماذا
رضوا أن يجعلوا لله شركاء من عبيده؟ إن هذا َلمن أعظم الظلم
والجحود ِلنعم الله عز وجل.
ل ل َك ُم مه َ ل ل َك ُم من َأنُفسك ُ َ
ن
م ب َِنيه َ ج ُ
كه ْ ن أْزَوا ِ ْ ِ ْ جع َ َم أْزَواجا ً وَ َ ِ ْ ْ ِ ْ جع َ َ
ه ََوالل ّ ُ
َ
ممهةِ الل ّههِ هُه ْن وَب ِن ِعْ َ ل ي ُؤْ ِ
من ُههو َ ت أفَِبال َْباط ِه ِ ن الط ّي ّب َهها ِم ْ
م ِحَفد َةً وََرَزقَك ُ ْوَ َ
ن )(72 ي َك ُْفُرو َ
من جنسكم أزواجا; لتستريح نفوسكم معهن, والله سبحانه جعل ِ
ن الحفاد ,ورزقكم من الطعمة من نسله ّوجعل لكم منهن البناء و ِ
الطيبة من الثمار والحبوب واللحوم وغير ذلك .أفبالباطل من
ألوهية شركائهم يؤمنون ,وبنعم الله التي ل تحصى يجحدون ,ول
يشكرون له بإفراده جل وعل بالعبادة؟
ت وال َ م رِْزقا ً ِ
ض
ِ ر
ْ وا ِ َ
م َ
سهه َ
ن ال ّ
مهه ْ ك ل َهُ ْ
مل ِ ُ ن الل ّهِ َ
ما ل ي َ ْ دو ِن ُم ْن ِ دو َوَي َعْب ُ ُ
ن )(73 طيُعو َ شْيئا ً َول ي َ ْ
ست َ ِ َ
ما ل تملك أن تعطيهم شيًئا من الرزق من
ويعبد المشركون أصنا ً
السماء كالمطر ,ول من الرض كالزرع ,فهم ل يملكون شيًئا ,ول
يتأتى منهم أن يملكوه; لنهم ل يقدرون.
523
َ َ
ن )(74 م ل ت َعْل َ ُ
مو َ ه ي َعْل َ ُ
م وَأن ْت ُ ْ ن الل ّ َ ضرُِبوا ل ِل ّهِ ال ْ
مَثا َ
ل إِ ّ َفل ت َ ْ
وإذا عَِلمتم أن الصنام والوثان ل تنفع ,فل تجعلوا -أيها الناس -لله
خْلقه تشركونهم معه في العبادة .إن الله من َها مماثلين له ِ
أشبا ً
يعلم ما تفعلون ,وأنتم غافلون ل تعلمون خطأكم وسوء عاقبتكم.
ن َرَزقْن َههاهُ ِ
من ّهها مه ْيٍء وَ َ شه ْ مُلوكا ً ل ي َْقدُِر عَل َههى َم ْمث َل ً عَْبدا ً َ
ه َ ب الل ّ ُ ضَر ََ
ّ
مهد ُ ل ِلههِ ب َه ْ
ل ح ْ ْ
ن ال َ وو َ سهت َ ُ
ل يَ ْ ً
جْهرا هَه ْ ً
سّرا وَ َ ه ِمن ْ ُسنا فَهُوَ ُينِفقُ ِ ً ح َ ً
رِْزقا َ
َ
ن )(75 مو َ م ل ي َعْل َ ُ أك ْث َُرهُ ْ
ضرب الله مثل بّين فيه فساد عقيدة أهل الشرك :رجل مملو ً
كا
عاجًزا عن التصرف ل يملك شيًئا ,ورجل آخر حًرا ,له مال حلل
رَزَقه الله به ,يملك التصرف فيه ,ويعطي منه في الخفاء والعلن،
فهل يقول عاقل بالتساوي بين الرجلين؟ فكذلك الله الخالق
وونس ّ
المالك المتصرف ل يستوي مع خلقه وعبيده ,فكيف ت ُ َ
بينهما؟ الحمد لله وحده ,فهو المستحق للحمد والثناء ,بل أكثر
المشركين ل يعلمون أن الحمد والنعمة لله ,وأنه وحده المستحق
للعبادة.
524
ه عََلى ك ُ ّ َ
يءٍ قَ ِ
ديٌر )(77 ل َ
ش ْ ن الل ّ َ أقَْر ُ
ب إِ ّ
م ما غاب في السموات والرض ,وما شأن عل ْ ُولله سبحانه وتعالى ِ
القيامة في سرعة مجيئها إل كنظرة سريعة بالبصر ,بل هو أسرع
من ذلك .إن الله على كل شيء قدير.
مهن بط ُههو ُ ه أَ ْ
ل ل َك ُه ْ
م شهْيئا ً وَ َ
جع َ ه َ ن َ م ل ت َعْل َ ُ
مههو َ مهَههات ِك ُ ْنأ ّ ِ ِ ْ ُ مجك ُه ْ
خَر َ َوالل ّ ُ
َ َ
ن )(78 شك ُُرو َ م تَ َْوالفْئ ِد َةَ ل َعَل ّك ُ ْ صاَرمعَ َوالب ْ َس ْ ال ّ
من بطون أمهاتكم بعد مدة الحمل,والله سبحانه وتعالى أخرجكم ِ
ل تدركون شيًئا مما حولكم ,وجعل لكم وسائل الدراك من السمع
والبصر والقلوب; لعلكم تشكرون لله تعالى على تلك النعم,
وتفردونه عز وجل بالعبادة.
َ
ن إ ِل ّ الل ّه ُ
ه س هك ُهُ ّ
م ِ
ما ي ُ ْ
ماِء َ
س َ
جوّ ال ّ
ت ِفي َخَرا ٍ س ّم َ م ي ََرْوا إ َِلى الط ّي ْرِ ُ
أل َ ْ
ن )(79 ت ل َِقوْم ٍ ي ُؤْ ِ
مُنو َ ن ِفي ذ َل ِ َ
ك لَيا ٍ إِ ّ
ألم ينظر المشركون إلى الطير مذللت للطيران في الهواء بين
السماء والرض بأمر الله؟ ما يمسكهن عن الوقوع إل هو سبحانه
خَلقه لها ,وأقدرها عليه .إن في ذلك التذليل والمساك َلدللت
بما َ
لقوم يؤمنون بما يرونه من الدلة على قدرة الله.
525
ل ل َك ُم من ال ْجبا َ
لجَعهه َ ل أك َْنانا ً وَ َ ِ َ ِ ْْ ِ ْ جع َ َظلل ً وَ َخل َقَ ِ ما َ م ّ م ِل ل َك ُ ْ جع َ َ ه َ َوالل ّ ُ
ه
مت َه ُ
م ن ِعْ َ
ك ي ُت ِه ّم ك َهذ َل ِ َ
سهك ُ ْ ل ت َِقيك ُ ْ
م ب َأ َ سَراِبي َ م ال ْ َ
حّر وَ َ ل ت َِقيك ُ ْ سَراِبي َ م َ ل َك ُ ْ
ن )(81 مو َ سل ِ ُ
م تُ ْ م ل َعَل ّك ُ ْ
عَل َي ْك ُ ْ
والله جعل لكم ما تستظّلون به من الشجار وغيرها ,وجعل لكم
في الجبال من المغارات والكهوف أماكن تلجؤون إليها عند الحاجة,
وجعل لكم ثياًبا من القطن والصوف وغيرهما ,تحفظكم من الحر
والبرد ,وجعل لكم من الحديد ما يرد ّ عنكم الطعن والذى في
م نعمته عليكم ببيان
حروبكم ,كما أنعم الله عليكم بهذه النعم يت ّ
الدين الحق; لتستسلموا لمر الله وحده ,ول تشركوا به شيًئا في
عبادته.
ن )(82 ك ال َْبلغُ ال ْ ُ
مِبي ُ ما عَل َي ْ َ ن ت َوَل ّ ْ
وا فَإ ِن ّ َ فَإ ِ ْ
فإن أعرضوا عنك -أيها الرسول -بعدما رأوا من اليات فل تحزن,
ُ
سل ْ َ
ت به ,وأما الهداية فإلينا. فما عليك إل البلغ الواضح لما أْر ِ
م ال ْ َ َ
ن )(83
كافُِرو َ ة الل ّهِ ث ُ ّ
م ُينك ُِرون ََها وَأك ْث َُرهُ ْ م َ ي َعْرُِفو َ
ن ن ِعْ َ
يعرف هؤلء المشركون نعمة الله عليهم بإرسال محمد صلى الله
عليه وسلم إليهم ,ثم يجحدون نبوته ,وأكثر قومه الجاحدون لنبوته,
ل المقرون بها.
ث من ك ُ ّ ُ
ن ك ََفهُروا َول هُه ْ
م ن ل ِل ّه ِ
ذي َ شهِهيدا ً ث ُه ّ
م ل ي ُهؤْذ َ ُ م هة ٍ َ
لأ ّ م ن َب ْعَ ُ ِ ْ
وَي َوْ َ
ن )(84ست َعْت َُبو َ يُ ْ
واذكر لهم -أيها الرسول -ما يكون يوم القيامة ,حين نبعث من كل
من ك ََفر ,ثم ل
دا على إيمان من آمن منها ,وك ُْفر َ
أمة رسولها شاه ً
طلب منهم إرضاُء ُيؤذن للذين كفروا بالعتذار عما وقع منهم ,ول ي ُ ْ
ربهم بالتوبة والعمل الصالح ,فقد مضى أوان ذلك.
وإ َ َ
م ُينظ َهُرو َ
ن) م َول هُ ه ْ
ف عَن ْهُ ه ْ ب َفل ي ُ َ
خّف ُ موا ال ْعَ َ
ذا َ ن ظ َل َ ُ ذا َرأى ال ّ ِ
ذي َ َِ
(85
526
وإذا شاهد الذين كفروا عذاب الله في الخرة فل يخفف عنهم منه
مهلون ,ول يؤخر عذابهم.
شيء ,ول ي ُ ْ
ن
ذي َكاؤَُنا ال ّه ِ
شهَر َؤلء ُ م َقاُلوا َرب َّنا هَه ُ كاَءهُ ْ شَر َ كوا ُ شَر ُ ن أَ ْ َ ذي وإ َ َ
ذا َرأى ال ّ ِ َِ
ْ َ َ
مل َ ل إ ِن ّ ُ ْ َ ْ َ
وا
ن ) (86وَألَقه ْ كهاذُِبو َ كه ْ م الَقهوْ َ ك فَألَق ْ
وا إ ِلي ْهِ ْ دون ِ َن ُ م ْ عو ِ ك ُّنا ن َد ْ ُ
ن )(87 كاُنوا ي َْفت َُرو َ ما َ م َ ل عَن ْهُ ْ ض ّم وَ َ سل َ َمئ ِذٍ ال ّ إ َِلى الل ّهِ ي َوْ َ
وإذا أبصر المشركون يوم القيامة آلهتهم التي عبدوها مع الله,
تمن دونك ,فنطَق ِقالوا :ربنا هؤلء شركاؤنا الذين كنا نعبدهم ِ
من عبدوها ,وقالت :إنكم -أيها المشركونَ -لكاذبون, اللهة بتكذيب َ
حين جعلتمونا شركاء لله وعبدتمونا معه ,فلم نأمركم بذلك ,ول
زعمنا أننا مستحقون لللوهية ,فاللوم عليكم ،وأظهر المشركون
الستسلم والخضوع لله يوم القيامة ,وغاب عنهم ما كانوا يختلقونه
من الكاذيب ,وأن آلهتهم تشفع لهم.
مهها
ب بِ َ ذابا ً فَوْقَ العَ ه َ
ذا ِ ل الل ّهِ زِد َْناهُ ْ
م عَ َ سِبي ِ
ن َ
دوا عَ ْ ن ك ََفُروا وَ َ
ص ّ ال ّ ِ
ذي َ
ن )(88 دو َ
س ُ
كاُنوا ي ُْف َِ
ْ
ن وَِإيت َههاِء ِذي ال ُْقْرب َههى وَي َن ْهَههى عَ ه ْ
ن سهها ِ ح َ ل َوال ِ ْمُر ِبال ْعَ هد ْ ِ ن الل ّه َ
ه ي َهأ ُ إِ ّ
ن )(90 م ل َعَل ّك ُ ْ
م ت َذ َك ُّرو َ ي ي َعِظ ُك ُ ْمنك َرِ َوال ْب َغْ ِ
شاِء َوال ْ ُ ح َال َْف ْ
إن الله سبحانه وتعالى يأمر عباده في هذا القرآن بالعدل
والنصاف في حقه بتوحيده وعدم الشراك به ,وفي حق عباده
بإعطاء كل ذي حق حقه ,ويأمر بالحسان في حقه بعبادته وأداء
فرائضه على الوجه المشروع ,وإلى الخلق في القوال والفعال,
ويأمر بإعطاء ذوي القرابة ما به صلتهم وبّرهم ,وينهى عن كل ما
ح قول أو عمل وعما ينكره الشرع ول يرضاه من الكفر قَب ُ َ
والمعاصي ,وعن ظلم الناس والتعدي عليهم ,والله -بهذا المر وهذا
النهي -ي َِعظكم ويذ ّ
كركم العواقب; لكي تتذكروا أوامر الله وتنتفعوا
بها.
ها وَقَ هد ْ
كي هدِ َ
ن ب َعْ هد َ ت َوْ ِ
مهها َ َ
ضوا الي ْ َ م َول َتنُق ُ عاهَد ْت ُ ْ ذا َ وَأ َوُْفوا ب ِعَهْدِ الل ّهِ إ ِ َ
ن )(91 ما ت َْفعَُلو َ
م َه ي َعْل َ ُ
ن الل ّ َ م ك َِفيل ً إ ِ ّ ه عَل َي ْك ُ ْ
م الل ّ َ
جعَل ْت ُ ْ
َ
والتزموا الوفاء بكل عهد أوجبتموه على أنفسكم بينكم وبين الله
-تعالى -أو بينكم وبين الناس فيما ل يخالف كتاب الله وسنة نبيه,
ول ترجعوا في اليمان بعد أن أك ّ ْ
دتموها ,وقد جعلتم الله عليكم
كفيل وضامًنا حين عاهدتموه .إن الله يعلم ما تفعلونه ,وسيجزيكم
عليه.
528
من نقضها ,وليبّين لكم يوم القيامة ما
الوفاء بالعهود وما نهاكم عنه ِ
كنتم فيه تختلفون في الدنيا من اليمان بالله ونبوة محمد صلى
الله عليه وسلم.
خ ُ َ
ذوُقوا ال ّ
سههوءَ ل قَد َ ٌ
م ب َعْد َ ث ُُبوت َِها وَت َ ُ م فَت َزِ ّ خل ً ب َي ْن َك ُ ْ
م دَ َمان َك ُ ْ
ذوا أي ْ َ َول ت َت ّ ِ
م )(94 ظي ٌب عَ ِ م عَ َ
ذا ٌ ل الل ّهِ وَل َك ُ ْ سِبي ِن َ م عَ ْ صد َد ْت ُ ْ ما َ بِ َ
ول تجعلوا من اليمان التي تحلفونها خديعة لمن حلفتم لهم,
فتهلكوا بعد أن كنتم آمنين ,كمن زلقت قدمه بعد ثبوتها ,وتذوقوا ما
مْنع غيركم عنمن َيسوؤكم من العذاب في الدنيا; بما تسببتم فيه ِ
هذا الدين لما رأوه منكم من الغدر ,ولكم في الخرة عذاب عظيم.
م ن ُ
كنت ُه ْ خي ْهٌر ل َك ُه ْ
م إِ ْ عن ْد َ الل ّهِ هُوَ َ منا ً قَِليل ً إ ِن ّ َ
ما ِ شت َُروا ب ِعَهْدِ الل ّهِ ث َ ََول ت َ ْ
ن )(95 مو َ ت َعْل َ ُ
ضا قليل من متاع الدنيا,ول تنقضوا عهد الله; لتستبدلوا مكانه عر ً
إن ما عند الله من الثواب على الوفاء أفضل لكم من هذا الثمن
القليل ,إن كنتم من أهل العلم ,فتدّبروا الفرق بين خي َْري الدنيا
والخرة.
َ
م
جَرهُه ْ
صهب َُروا أ ْ
ن َ ن ال ّه ِ
ذي َ ق وَل َن َ ْ
جزِي َه ّ عن ْهد َ الل ّههِ ب َهها ٍ
ما ِ عن ْد َك ُ ْ
م َينَفد ُ وَ َ ما ِ َ
َ
ن )(96 مُلو َ ما َ
كاُنوا ي َعْ َ ن َ س ِ ح َ
ب ِأ ْ
529
ما عندكم من حطام الدنيا يذهب ,وما عند الله لكم من الرزق
ملوا مشاق التكاليف -ومنها
ن الذين تح ّ
والثواب ل يزول .ولن ُِثيب ّ
الوفاء بالعهد -ثوابهم بأحسن أعمالهم ,فنعطيهم على أدناها ,كما
ضل. نعطيهم على أعلها تف ّ
حي َههاةً ط َي ّب َه ً َ ُ
ة ه َ ن فَل َن ُ ْ
حي ِي َن ّه ُ م ٌ ن ذ َك َرٍ أوْ أنَثى وَهُوَ ُ
م هؤ ْ ِ صاِلحا ً ِ
م َْ ل َ م َن عَ ِ م ْ َ
َ
ن )(97 مُلو َ ما َ
كاُنوا ي َعْ َ ن َ
س ِح َ م ب ِأ ْ
جَرهُ ْمأ ْ وَل َن َ ْ
جزِي َن ّهُ ْ
حا ذكًرا كان أم أنثى ,وهو مؤمن بالله ورسوله,
من عمل عمل صال ً َ
فلنحيينه في الدنيا حياة سعيدة مطمئنة ,ولو كان قليل المال,
ولنجزيّنهم في الخرة ثوابهم بأحسن ما عملوا في الدنيا.
شي ْ َ ْ
جيم ِ )(98
ن الّر ِ
طا ِ ن ال ّ ست َعِذ ْ ِبالل ّهِ ِ
م ْ ت ال ُْقْرآ َ
ن َفا ْ ذا قََرأ َ
فَإ ِ َ
فإذا أردت -أيها المؤمن -أن تقرأ شيًئا من القرآن فاستعذ بالله ِ
من
شّر الشيطان المطرود من رحمة الله قائل أعوذ بالله من
الشيطان الرجيم.
م ي َت َوَك ّل ُههو َ
ن )(99 من ُههوا وَعَل َههى َرب ّهِه ْ
نآ َ ذي َ ن عََلى ال ّه ِ سل ْ َ
طا ٌ ه ُ س لَ ُ
ه ل َي ْ َإ ِن ّ ُ
ن )(100 كو َ شرِ ُم ْ م ب ِهِ ُ
ن هُ ْ ه َوال ّ ِ
ذي َ ن ي َت َوَل ّوْن َ ُ ه عََلى ال ّ ِ
ذي َ سل ْ َ
طان ُ ُ ما ُ إ ِن ّ َ
ط على المؤمنين بالله ورسوله ,وعلىإن الشيطان ليس له تسل ّ ٌ
ربهم وحده يعتمدون .إنما تسّلطه على الذين جعلوه ُ
معيًنا لهم
وأطاعوه ,والذين هم -بسبب طاعته -مشركون بالله تعالى.
530
دى
مُنهوا وَهُه ً
نآ َ ت ال ّه ِ
ذي َ ك ب ِههال ْ َ
حقّ ل ِي ُث َب ّه َ ن َرّبه َ
مه ْ
س ِ ه ُرو ُ ْ
ح الُقد ُ ِ ل ن َّزل َ ُ
قُ ْ
ن )(102 مي َسل ِ ِ شَرى ل ِل ْ ُ
م ْ وَب ُ ْ
َ
م)
ب أِليه ٌ
ذا ٌ ه وَل َهُه ْ
م عَه َ م الل ّه ُ ت الل ّهِ ل ي َهْه ِ
ديهِ ْ ن ِبآَيا ِ ن ل ي ُؤْ ِ
مُنو َ ن ال ّ ِ
ذي َ إِ ّ
(104
إن الكفار الذين ل يصدقون بالقرآن ل يوفقهم الله لصابة الحق,
ولهم في الخرة عذاب مؤلم موجع.
م ال ْك َههاذُِبو َ
ن ت الل ّهِ وَأ ُوْل َئ ِ َ
ك هُ ْ ن ِبآَيا ِ ن ل ي ُؤْ ِ
مُنو َ ب ال ّ ِ
ذي َ ري ال ْك َذِ َ
ما ي َْفت َ ِ
إ ِن ّ َ
)(105
من ل يؤمن بالله وآياته ,وأولئك هم الكاذبون في
ب َ
إنما يختلق الكذ َ
قولهم ذلك .أما محمد صلى الله عليه وسلم المؤمن بربه الخاضع
له فمحال أن يكذب على الله ,ويقول عليه ما لم يقله.
531
من نطق بكلمة الكفر وارتد ّ بعد إيمانه ,فعليهمإنما يفتري الكذب َ
من أرغم على النطق بالكفر ,فنطق به خوًفاُ
غضب من الله ,إل َ
من الهلك وقلبه ثابت على اليمان ,فل لوم عليه ,لكن من نطق
بالكفر واطمأن قلبه إليه ,فعليهم غضب شديد من الله ,ولهم
عذاب عظيم; وذلك بسبب إيثارهم الدنيا وزينتها ,وتفضيلهم إياها
على الخرة وثوابها ,وأن الله ل يهدي الكافرين ,ول يوفقهم للحق
والصواب.
ن )(109 م ال ْ َ ل جر َ
سُرو َ
خا ِ خَرةِ هُ ْ
م ِفي ال ِ
م أن ّهُ ْ
َ َ َ
حًقا إنهم في الخرة هم الخاسرون الهالكون ,الذين صرفوا حياتهم
إلى ما فيه عذابهم وهلكهم.
ن
صهب َُروا إ ِ ّ
دوا وَ َ
هه ُ
جا َ ما فُت ُِنهوا ُثه ّ
م َ ن ب َعْدِ َ
م ْ
جُروا ِ ها َ
ن َذي َ ك ل ِل ّ ِ
ن َرب ّ َ ثُ ّ
م إِ ّ
م )(110 ها ل َغَُفوٌر َر ِ
حي ٌ ن ب َعْدِ َ م ْك َِرب ّ َ
مل َ ه ْ
ت مهها عَ ِ
س َ سَها وَت ُوَّفى ك ُ ّ
ل ن َْف ه ٍ ن ن َْف ِ جادِ ُ
ل عَ ْ س تُ َ م ت َأ ِْتي ك ُ ّ
ل ن َْف ٍ ي َوْ َ
ن )(111 مو َ م ل ي ُظ ْل َ ُوَهُ ْ
532
وذكرهم -أيها الرسول -بيوم القيامة حين تأتي كل نفس تخاصم
عن ذاتها ,وتعتذر بكل المعاذير ,ويوفي الله كل نفس جزاء ما
مل َْته من غير ظلم لها ,فل يزيدهم في العقاب ,ول ينقصهم من
عَ ِ
الثواب.
ن كُ ّ
ل غدا ً ِ
م ْ ة ي َأ ِْتيَها رِْزقَُها َر َ مط ْ َ
مئ ِن ّ ً ة ُ من َ ً
تآ ِ ة َ
كان َ ْ مث َل ً قَْري َ ًه َب الل ّ ُضَر َوَ َ
ما َ
كاُنوا ف بِ َ
خو ْ ِجوِع َوال ْ َ
س ال ْ ُ ه ل َِبا َ ت ب ِأ َن ْعُم ِ الل ّهِ فَأ َ َ
ذاقََها الل ّ ُ ن فَك ََفَر ْكا ٍم ََ
ن )(112 صن َُعو َيَ ْ
وضرب الله مثل بلدة "مكة" كانت في أمان من العتداء ,واطمئنان
من ضيق العيش ,يأتيها رزقها هنيًئا سهل من كل جهة ,فجحد أهُلها ِ
م الله عليهم ,وأشركوا به ,ولم يشكروا له ,فعاقبهم الله بالجوع,
ن ِعَ َ
والخوف من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم وجيوشه,
التي كانت تخيفهم; وذلك بسبب كفرهم وصنيعهم الباطل.
م َ م ال ْعَ َ َ
ن)
مو َ
ظههال ِ ُ ب وَهُ ْ
ذا ُ م فَك َذ ُّبوهُ فَأ َ
خذ َهُ ْ من ْهُ ْ سو ٌ
ل ِ م َر ُ وَل ََقد ْ َ
جاَءهُ ْ
(113
ولقد أرسل الله إلى أهل "مكة" رسول منهم ,هو النبي محمد صلى
الله عليه وسلم ،يعرفون نسبه وصدقه وأمانته ,فلم يقبلوا ما
جاءهم به ,ولم يصدقوه ,فأخذهم العذاب من الشدائد والجوع
والخوف ,وقَْتل عظمائهم في "بدر" وهم ظالمون لنفسهم
بالشرك بالله ,والصد ّ عن سبيله.
َ
م ل ِت َْفت َهُروا
ح هَرا ٌ
ذا َل وَهَ ه َ حل ٌ ب هَ َ
ذا َ م ال ْك َذِ َ أل ْ ِ
سن َت ُك ُ ْ فص ُما ت َ َِول ت َُقوُلوا ل ِ َ
ن)حههو َ ب ل ي ُْفل ِ ُ ن عَل َههى الل ّههِ ال ْك َهذِ َن ي َْفت َهُرو َ ذي َ ال ّ ِ ن
ب إِ ّعََلى الل ّهِ ال ْك َذِ َ
(116
ول تقولوا -أيها المشركون -للكذب الذي تصفه ألسنتكم :هذا حلل
حّله الله; لتختلقوا على الله الكذب
ِلما حّرمه الله ,وهذا حرام ِلما أ َ
بنسبة التحليل والتحريم إليه ,إن الذين يختلقون على الله الكذب ل
يفوزون بخير في الدنيا ول في الخرة.
َ
م )(117
ب أِلي ٌ
ذا ٌ ل وَل َهُ ْ
م عَ َ مَتاعٌ قَِلي ٌ
َ
متاعهم في الدنيا متاع زائل ضئيل ,ولهم في الخرة عذاب موجع.
م مهها ظ َل َ ْ
من َههاهُ ْ ن قَب ْه ُ
ل وَ َ م ْ صَنا عَل َي ْ َ
ك ِ ما قَ َ
ص ْ مَنا َحّر ْ دوا َ ها ُ
ن َ وَعََلى ال ّ ِ
ذي َ
َ
ن )(118 مو َم ي َظ ْل ِ ُ
سه ُ ْكاُنوا أنُف َ ن َوَل َك ِ ْ
من قبل ,وهو كل حّرمنا ما أخبرناك به -أيها الرسولِ - وعلى اليهود َ
مل َْته ظهورها أو أمعاؤها أو ذي ظ ُُفر ,وشحوم البقر والغنم ,إل ما َ
ح َ
طا بعظم ,وما ظلمناهم بتحريم ذلك عليهم ,ولكن كانوا كان مختل ً
ظالمين لنفسهم بالكفر والبغي ,فاستحقوا التحريم عقوبة لهم.
ن ب َعْهدِ ذ َل ِه َ
ك مه ْ جَهال َهةٍ ث ُه ّ
م ت َههاُبوا ِ مل ُههوا ال ّ
سههوَء ب ِ َ ن عَ ِ ك ل ِل ّه ِ
ذي َ ن َرب ّه َ ثُ ّ
م إِ ّ
ها ل َغَُفوٌر َر ِ َ
م )(119 حي ٌ ن ب َعْدِ َ
م ْك ِن َرب ّ َ صل َ ُ
حوا إ ِ ّ وَأ ْ
534
ثم إن ربك للذين فعلوا المعاصي في حال جهلهم لعاقبتها وإيجابها
دا فهو جاهل بهذا لسخط الله -فكل عاص لله مخطًئا أو متعم ً
ما كانوا عليه
ما بالتحريم ،-ثم رجعوا إلى الله ع ّ العتبار وإن كان عال ً
من بعد توبتهم من الذنوب ,وأصلحوا نفوسهم وأعمالهم ,إن ربك ِ -
وإصلحهمَ -لغفور لهم ,رحيم بهم.
كا ُ
ن )(120 كي َ شرِ ِ ن ال ْ ُ
م ْ م َ م ي َك ُ ْ
ن ِ حِنيفا ً وَل َ ْ
ة َقاِنتا ً ل ِل ّهِ َ
م ً
نأ ّ م َ َ هي َ ن إ ِب َْرا ِإِ ّ
ست َِقيم ٍ )َ (121وآت َي ْن َههاهُ فِههي داهُ إ َِلى ِ َ
كرا ً لن ْعُ ِ َ
م ْ ط ُ صَرا ٍ جت ََباهُ وَهَ َمهِ ا ْ شا ِ
ن )(122 حي َ صال ِ ِن ال ّ م ْخَرةِ ل َ ِ ه ِفي ال ِ ة وَإ ِن ّ ُسن َ ً
ح َ الد ّن َْيا َ
ما في الخير ,وكان طائعا خاضًعا لله ,ل يميل إن إبراهيم كان إما ً
دا لله غير مشرك به ,وكان شاكًرا لنعم اللهح ً
عن دين السلم مو ّ
عليه ,اختاره الله لرسالته ,وأرشده إلى الطريق المستقيم ,وهو
خرين السلم ,وآتيناه في الدنيا نعمة حسنة من الثناء عليه في ال ِ
والقدوة به ,والولد الصالح ,وإنه عند الله في الخرة لمن الصالحين
أصحاب المنازل العالية.
ث ُم أ َوحينا إل َي َ َ
ن)
كي َ ن ال ْ ُ
م ْ
شرِ ِ م ْ
ن ِ
كا َ حِنيفا ً وَ َ
ما َ م َ
هي َ مل ّ َ
ة إ ِب َْرا ِ ن ات ّب ِعْ ِ
كأ ْ ّ ْ َ َْ ِ ْ
(123
ثم أوحينا إليك -أيها الرسول -أن اتبع دين السلم كما اتبعه
حد ْ عنه ,فإن إبراهيم لم يكن من
إبراهيم ,وأن استقم عليه ,ول ت َ ِ
المشركين مع الله غيره.
م
م ب َي ْن َهُه ْ ك ل َي َ ْ
حك ُه ُ خت َل َُفههوا ِفيههِ وَإ ِ ّ
ن َرب ّه َ نا ْذي َ ت عََلى ال ّ ِسب ْ ُ
ل ال ّجع ِ َ
ما ُ إ ِن ّ َ
ن )(124 خت َل ُِفو َ ما َ
كاُنوا ِفيهِ ي َ ْ م ال ِْقَيا َ
مةِ ِفي َ ي َوْ َ
إنما جعل الله تعظيم يوم السبت بالتفرغ للعبادة فيه على اليهود
الذين اختلفوا فيه على نبيهم ,واختاروه بدل يوم الجمعة الذي
مروا بتعظيمه .فإن ربك -أيها الرسولَ -ليحكم بين المختلفين يوم ُ
أ ِ
القيامة فيما اختلفوا فيه على نبيهم ,ويجازي كل بما يستحقه.
م ِبال ِّتي هِ َ
ي جادِل ْهُ ْ
سن َةِ وَ َ عظ َةِ ال ْ َ
ح َ مةِ َوال ْ َ
مو ْ ِ ك ِبال ْ ِ
حك ْ َ ل َرب ّ َ اد ْعُ إ َِلى َ
سِبي ِ
535
َ َ َ
ن)
دي َ م ِبال ْ ُ
مهَْتهه ِ سِبيل ِهِ وَهُوَ أعْل َ ُ
ن َ ض ّ
ل عَ ْ ن َ
م ْ ك هُوَ أعْل َ ُ
م بِ َ ن َرب ّ َ
ن إِ ّ
س ُ
ح َ
أ ْ
(125
ن اتبعك إلى دين ربك وطريقه م ِ
ادع ُ -أيها الرسول -أنت و َ
المستقيم ,بالطريقة الحكيمة التي أوحاها الله إليك في الكتاب
حا
طب الناس بالسلوب المناسب لهم ,وانصح لهم نص ً والسنة ,وخا ِ
حسًنا ,يرغبهم في الخير ,وينفرهم من الشر ,وجادلهم بأحسن
طرق المجادلة من الرفق واللين .فما عليك إل البلغ ,وقد بل ّغْ َ
ت,
ل عن سبيله ,وهو أما هدايتهم فعلى الله وحده ,فهو أعلم بمن ض ّ
أعلم بالمهتدين.
م ل َهُهوَ َ
خي ْهٌر صهب َْرت ُ ْ م ب ِههِ وَل َئ ِ ْ
ن َ مهها عُههوقِب ْت ُ ْ
ل َ م فَعَههاقُِبوا ب ِ ِ
مث ْه ِ عاقَب ْت ُ ْ
ن َ وَإ ِ ْ
ن )(126 ري َصاب ِ ِ
ِلل ّ
وإن أردتم -أيها المؤمنون -القصاص ممن اعتدوا عليكم ,فل تزيدوا
عما فعلوه بكم ,ولئن صبرتم لهو خير لكم في الدنيا بالنصر ,وفي
الخرة بالجر العظيم.
مهها
م ّ
ق ِ
ضهي ْ ٍ
ك فِههي َ ن عَل َي ْهِ ْ
م َول ت َه ُ ك إ ِل ّ ِبالل ّهِ َول ت َ ْ
حَز ْ صب ُْر َ
ما َ
صب ِْر وَ َ
َوا ْ
ن )(127 مك ُُرو َيَ ْ
من أذى في الله حتى يأتيك واصبر -أيها الرسول -على ما أصابك ِ
الفرج ,وما صبرك إل بالله ,فهو الذي يعينك عليه ويثبتك ,ول تحزن
من مكرهم من خالفك ولم يستجب لدعوتك ,ول تغتم ِ على َ
وكيدهم; فإن ذلك عائد عليهم بالشر والوبال.
ن )(128 سُنو َ
ح ِ
م ْ
م ُ
ن هُ ْ وا َوال ّ ِ
ذي َ ن ات َّق ْ معَ ال ّ ِ
ذي َ ن الل ّ َ
ه َ إِ ّ
إن الله سبحانه وتعالى مع الذين اتقوه بامتثال ما أمر واجتنههاب مهها
نهههى بالنصههر والتأييههد ,ومههع الههذين يحسههنون أداء فرائضههه والقيههام
بحقوقه ولزوم طاعته ,بعونه وتوفيقه ونصره.
536
الجزء الخامس عشر :
-17سورة السراء
َ
جدِ
سه ِ حهَرام ِ إ ِل َههى ال ْ َ
م ْ جدِ ال ْ َ
سه ِم ْ ن ال ْ َمه ْسَرى ب ِعَب ْدِهِ ل َي ْل ً ِ
ذي أ ْ ن ال ّ ِ
حا َسب ْ َُ
ْ َ ْ ّ َ
صيُر )(1ميعُ الب َ ِ س ِ ن آَيات َِنا إ ِّنه هُوَ ال ّ م ْه ِه ل ِن ُرِي َ ُ
حوْل ُذي َباَركَنا َ
صى ال ِ القْ َ
جد الله نفسه ويعظم شأنه ،لقدرته على ما ل يقدر عليه أحد يم ّ
سواه ،ل إله غيره ،ول رب سواه ،فهو الذي أسرى بعبده محمد
ما،
صلى الله عليه وسلم زمًنا من الليل بجسده وروحه ،يقظة ل منا ً
من المسجد الحرام به "مكة" إلى المسجد القصى به "بيت
المقدس" الذي بارك الله حوله في الزروع والثمار وغير ذلك،
وجعله محل لكثير من النبياء؛ ليشاهد عجائب قدرة الله وأدلة
وحدانيته .إن الله سبحانه وتعالى هو السميع لجميع الصوات،
صر ،فيعطي ُ
كل ما يستحقه في الدنيا والخرة. مب ْ َ
البصير بكل ُ
ن
مه ْ
ذوا ِ ل أ َل ّ ت َت ّ ِ
خه ُ س هَراِئي َ جعَل َْناهُ هُ ه ً
دى ل ِب َن ِههي إ ِ ْ سى ال ْك َِتا َ
ب وَ َ مو َ َوآت َي َْنا ُ
كيل ً )(2
دوِني وَ ِ ُ
دا صلى الله عليه وسلم بالسراء ،ك َّرم موسى وكما كّرم الله محم ً
دا لبني
عليه السلم بإعطائه التوراة ،وجعلها بياًنا للحق وإرشا ً
دا
إسرائيل ،متضمنة نهيهم عن اتخاذ غير الله تعالى ولًيا أو معبو ً
يفوضون إليه أمورهم.
ن فِههي ال َ ب ل َت ُْف ِ
ن
مّرت َي ْه ِ
ض َ
ِ ر
ْ سهد ُ ّ ل ِفي ال ْك ِت َهها ِ ضي َْنا إ َِلى ب َِني إ ْ
سراِئي َ وَقَ َ
537
ن عُل ُوّا ً ك َِبيرا ً )(4
وَل َت َعْل ُ ّ
وأخبرنا بني إسرائيل في التوراة التي ُأنزلت عليهم بأنه ل بد أن
يقع منهم إفساد مرتين في "بيت المقدس" وما واله بالظلم ،وقَْتل
النبياء والتكبر والطغيان والعدوان.
عَسى ربك ُ َ
ن م ل ِل ْك َههافِ ِ
ري َ جعَل ْن َهها َ
جهَن ّه َ م عُهد َْنا وَ َ
ن عُهد ْت ُ ْ مك ُ ْ
م وَإ ِ ْ ح َ
ن ي َْر َ
مأ َْ ّ ْ َ
ً
صيرا )(8ح ِ
َ
538
عسى ربكم -يا بني إسرائيل -أن يرحمكم بعد انتقامه إن تبتم
دنا إلى عقابكموأصلحتم ،وإن عدتم إلى الفساد والظلم عُ ْ
ومذّلتكم .وجعلنا جهنم لكم وللكافرين عامة سجًنا ل خروج منه
أبدا .وفي هذه الية وما قبلها ،تحذير لهذه المة من العمل
بالمعاصي؛ لئل يصيبها مثل ما أصاب بني إسرائيل ،فسنن الله
واحدة ل تبدل ول تغير.
َ
مُلو َ
ن ن ي َعْ َ ن ال ّ ِ
ذي َ مِني َمؤ ْ ِشُر ال ْ ُ م وَي ُب َ ّ دي ل ِل ِّتي هِ َ
ي أقْوَ ُ ذا ال ُْقْرآ َ
ن ي َهْ ِ ن هَ َ إِ ّ
َ َ َ
ة
خَر ِ
ن ب ِههال ِ ن ل ي ُؤْ ِ
من ُههو َ ذي َ ن ال ّه ِجههرا ً ك َِبيههرا ً ) (9وَأ ّمأ ْن ل َهُه ْ تأ ّ حا ِ صههال ِ َال ّ
َ
ذابا ً أِليما ً )(10 َ
م عَ َأعْت َد َْنا ل َهُ ْ
إن هذا القرآن الذي أنزلناه على عبدنا محمد يرشد الناس إلى
أحسن الطرق ،وهي ملة السلم ،ويبشر المؤمنين الذين يعملون
ما،
ما نهاهم عنه ،بأن لهم ثواًبا عظي ً
بما أمرهم الله به ،وينتهون ع ّ
وأن الذين ل يصدقون بالدار الخرة وما فيها من الجزاء أعددنا لهم
عذاًبا موجًعا في النار.
جول ً )(11
ن عَ ُ
سا ُ
لن َ
نا ِ
كا َ عاَءهُ ِبال ْ َ
خي ْرِ وَ َ ن ِبال ّ
شّر د ُ َ سا ُ
لن َ
وَي َد ْعُ ا ِ
ويدعو النسان أحياًنا على نفسه أو ولده أو ماله بالشر ،وذلك عند
الغضب ،مثل ما يدعو بالخير ،وهذا من جهل النسان وعجلته ،ومن
رحمة الله به أنه يستجيب له في دعائه بالخير دون الشر؛ لنه يعلم
منه عدم القصد إلى إرادة ذلك ،وكان النسان بطبعه عجول.
539
تعاقب الليل والنهار -عدد السنين وحساب الشهر واليام ،فيرتبون
عليها ما يشاؤون من مصالحهم .وكل شيء بّيناه تبييًنا كافًيا.
سيبا ً )(14
ح ِ م عَل َي ْ َ
ك َ ك ال ْي َوْ َ اقَْرأ ْ ك َِتاب َ َ
ك ك ََفى ب ِن َْف ِ
س َ
يقال له :اقرأ كتاب أعمالك ،فيقرأ ،وإن لم يكن يعرف القراءة في
الدنيا ،تكفيك نفسك اليوم محصية عليك عملك ،فتعرف ما عليها
بس ْمن جزاء .وهذا من أعظم العدل والنصاف أن يقال للعبد :حا ِ
نفسك ،كفى بها حسيًبا عليك.
540
وك َ َ
عب َههادِهِ
ب ِ ح وَك ََفههى ب َِرب ّه َ
ك ب ِهذ ُُنو ِ ن ب َعْهدِ ن ُههو ٍ
مه ْ ن ال ُْقُرو ِ
ن ِ م أهْل َك َْنا ِ
م ْ َ ْ
ً
صيرا )(17 ً
خِبيرا ب َ َِ
من بعد نبي الله نوح .وكفى
وكثيرا أهلكنا من المم المكذبة رسلها ِ
بربك -أيها الرسول -أنه عالم بجميع أعمال عباده ،ل تخفى عليه
خافية.
م
سههعْي ُهُ ْ
ن َ
كا َ ن فَأ ُوْل َئ ِ َ
ك َ مؤ ْ ِ
م ٌ سَعى ل ََها َ
سعْي ََها وَهُوَ ُ ن أ ََراد َ ال ِ
خَرةَ وَ َ م ْ
وَ َ
كورا ً )(19 ش ُ م َْ
من قصد بعمله الصالح ثواب الدار الخرة الباقية ،وسعى لها و َ
بطاعة الله تعالى ،وهو مؤمن بالله وثوابه وعظيم جزائه ،فأولئك
دخًرا لهم عند ربهم ،وسيثابون عليه.
م ّ
كان عملهم مقبول ُ
ظورا ً )
ح ُ
م ْ
ك َ ن عَ َ
طاءُ َرب ّ َ ما َ
كا َ ك وَ َ ن عَ َ
طاءِ َرب ّ َ م ْ ؤلء وَهَ ُ
ؤلِء ِ ك ُل ّ ن ُ ِ
مد ّ هَ ُ
(20
كل فريق من العاملين للدنيا الفانية ،والعاملين للخرة الباقية نزيده
من من رزقنا ،فنرزق المؤمنين والكافرين في الدنيا؛ فإن الرزق ِ ِ
عطاء ربك تفضل منه ،وما كان عطاء ربك ممنوعا من أحد مؤمًنا
كان أم كافًرا.
541
ضيل ً )(21
ت َْف ِ
تأمل -أيها الرسول -في كيفية تفضيل الله بعض الناس على بعض
في الدنيا في الرزق والعمل ،وَللخرة أكبُر درجات للمؤمنين وأكبر
تفضيل.
ذول ً )(22
خ ُ موما ً َ
م ْ مذ ْ ُ معَ الل ّهِ إ َِلها ً آ َ
خَر فَت َْقعُد َ َ جع َ ْ
ل َ ل تَ ْ
ل تجعل -أيها النسان -مع الله شري ً
كا له في عبادته ،فتبوء بالمذمة
خ ْ
ذلن. وال ِ
وقَضى رب َ َ
ك عن ْهد َ َ
ن ِ مهها ي َب ْل ُغَ ه ّ
سههانا ً إ ِ ّ
ح َن إِ ْ دوا إ ِل ّ إ ِّياهُ وَِبال ْ َ
وال ِد َ ُي ْ ِ ك أل ّ ت َعْب ُ ُ َ ّ َ َ
َ َ
ما قَوْل ً ل ل َهُ َ
ما وَقُ ْ ف َول ت َن ْهَْرهُ َما أ ّ ل ل َهُ َ ما َفل ت َُق ْ كلهُ َ ما أوْ ِ ال ْك ِب ََر أ َ
حد ُهُ َ
ريما ً )(23 كَ ِ
مر ربك -أيها النسان -وألزم وأوجب أن يفرد سبحانه وتعالى َ
وأ َ
ة
وحده بالعبادة ،وأمر بالحسان إلى الب والم ،وبخاصة حال ُ
الشيخوخة ،فل تضجر ول تستثقل شيًئا تراه من أحدهما أو منهما،
ول تسمعهما قول سيًئا ،حتى ول التأفيف الذي هو أدنى مراتب
القول السيئ ،ول يصدر منك إليهما فعل قبيح ،ولكن ارفق بهما،
وقل لهما -دائما -قول ليًنا لطيًفا.
ما ك َ َ
ما َرب ّي َههاِني مه ُ َ
ح ْ
ب اْر َ مةِ وَقُ ْ
ل ّر ّ ح َ
ن الّر ْ
م ْ ح الذ ّ ّ
ل ِ جَنا َ ض ل َهُ َ
ما َ خِف ْ
َوا ْ
صِغيرا ً )(24 َ
ن لمك وأبيك ذليل متواضًعا رحمة بهما ،واطلب من ربك أن وك ُ ْ
يرحمهما برحمته الواسعة أحياًء وأمواًتا ،كما صبرا على تربيتك
طفل ضعيف الحول والقوة.
كهها َ َ ربك ُ َ
ن
ن ل ِلّواِبيهه َ ه َ
ن فَإ ِن ّ ُ
حي َ
صال ِ ِ ن تَ ُ
كوُنوا َ سك ُ ْ
م إِ ْ ما ِفي ن ُُفو ِ م أعْل َ ُ
م بِ َ َ ّ ْ
غَُفورا ً )(25
542
ربكم -أيها الناس -أعلم بما في ضمائركم من خير وشر .إن تكن
إرادتكم ومقاصدكم مرضاة الله وما يقربكم إليه ،فإنه كان
م الله
من عَل ِ َ
-سبحانه -للراجعين إليه في جميع الوقات غفوًرا ،ف َ
أنه ليس في قلبه إل النابة إليه ومحبته ،فإنه يعفو عنه ،ويغفر له
ما يعرض من صغائر الذنوب ،مما هو من مقتضى الطبائع البشرية.
ذيرا ً )(26
ل َول ت ُب َذ ّْر ت َب ْ ِ
سِبي ِ
ن ال ّ
ن َواب ْ َ
كي َ
س ِ ه َوال ْ ِ
م ْ ذا ال ُْقْرَبى َ
حّق ُ ت َ
َوآ ِ
من له صلة قرابة بك ،وأعطه حقه من الحسان ن إلى كل َ
س ْ
وأح ِ
والبر ،وأعط المسكين المحتاج والمسافر المنقطع عن أهله وماله،
ول تنفق مالك في غير طاعة الله ،أو على وجه السراف والتبذير.
ل ل َُهه ْ
م َقهوْل ً هها فَُقه ْ
جو َ ن َرّبه َ
ك ت َْر ُ مه ْ
مة ٍ ِ
ح َ
م اب ْت َِغاءَ َر ْ
ن عَن ْهُ ْ
ض ّ
ما ت ُعْرِ َوَإ ِ ّ
سورا ً )(28 مي ْ ُ َ
مْرت بإعطائهم؛ لعدم وجود ُ
وإن أعرضت عن إعطاء هؤلء الذين أ ِ
ما تعطيهم منه طلًبا لرزق تنتظره من عند ربك ،فقل لهم قول لي ًّنا
دهم بأن الله إذا أيسر ع ْ
لطيًفا ،كالدعاء لهم بالغنى وسعة الرزق ،و ِ
من فضله رزًقا أنك تعطيهم منه.
ط فَت َْقعُهد َ ل ال ْب َ ْ
سه ِ س هط َْها ك ُه ّ ة إ َِلى عُن ُِق ه َ
ك َول ت َب ْ ُ مغُْلول َ ً ل ي َد َ َ
ك َ جع َ َْول ت َ ْ
سورا ً )(29 ح ُ م ْمُلوما ً َ َ
ول تمسك يدك عن النفاق في سبيل الخير ،مضي ًّقا على نفسك
وأهلك والمحتاجين ،ول تسرف في النفاق ،فتعطي فوق طاقتك،
543
ما على تبذيرك وضياع
ما يلومك الناس ويذمونك ،ناد ً
فتقعد ملو ً
مالك.
صيرا ً
خِبيرا ً ب َ ِ
ن ب ِعَِبادِهِ َ ه َ
كا َ ن يَ َ
شاُء وَي َْقدُِر إ ِن ّ ُ م ْ س ُ
ط الّرْزقَ ل ِ َ ن َرب ّ َ
ك ي َب ْ ُ إِ ّ
)(30
سع الرزق على بعض الناس ،ويضّيقه على بعضهم ،وَْفق إن ربك يو ّ
علمه وحكمته سبحانه وتعالى .إنه هو المط ِّلع على خفايا عباده ،ل
يغيب عن علمه شيء من أحوالهم.
ول تْقتُلوا أ َ
ن ن قَت ْل َهُ ه ْ
م ك َهها َ م وَإ ِي ّههاك ُ ْ
م إِ ّ ن ن َْرُزقُهُ ْ
ح ُ
ق نَ ْ
ٍ مل
ْ ِ إ ة
َ َ يشْ خ
َ م
ْ ُ كَ دول
ْ َ َ ُ
طئا ً ك َِبيرا ً )(31خ ِْ
وإذا علمتم أن الرزق بيد الله سبحانه فل تقتلوا -أيها الناس-
أولدكم خوًفا من الفقر؛ فإنه -سبحانه -هو الرزاق لعباده ،يرزق
ل الولد ذنب عظيم. ن قَت ْ َ
البناء كما يرزق الباء ،إ ّ
سِبيل ً )(32
ساَء َ
ة وَ َ
ش ً ن َفا ِ
ح َ ه َ
كا َ َول ت َْقَرُبوا الّزَنى إ ِن ّ ُ
ول تقربوا الزنى ودواعيه؛ كي ل تقعوا فيه ،إنه كان فعل بالغ القبح،
وبئس الطريق طريقه.
544
ش هد ّهُ وَأ َوْفُههوا
حّتى ي َب ْل ُهغَ أ َ ُ
ن َ
س ُ
ح َ
َ
يأ ْل ال ْي َِتيم ِ إ ِل ّ ِبال ِّتي هِ َ
ما َ
َول ت َْقَرُبوا َ
سُئول ً )(34 م ْ ن َ كا َ ن ال ْعَهْد َ َ
ِبال ْعَهْدِ إ ِ ّ
ول تتصّرفوا في أموال الطفال الذين مات آباؤهم ،وصاروا في
كفالتكم ،إل بالطريقة التي هي أحسن لهم ،وهي التثمير والتنمية،
ن البلوغ ،وحسن التصرف في المال، حتى يبلغ الطفل اليتيم س ّ
وأتموا الوفاء بكل عهد التزمتم به .إن العهد يسأل الله عنه صاحبه
يوم القيامة ،فيثيبه إذا أتمه ووّفاه ،ويعاقبه إذا خان فيه.
ل أ ُوْل َئ ِ َ
ك كهه ّ صَر َوال ُْفهه َ
ؤاد َ ُ معَ َوال ْب َ َ
س ْ
ن ال ّ عل ْ ٌ
م إِ ّ س لَ َ
ك ب ِهِ ِ ما ل َي ْ َ
ف ََول ت َْق ُ
سُئول ً )(36 م ْه َن عَن ْ ُ َ
كا َ
كد وتثّبت .إن النسانول تتبع -أيها النسان -ما ل تعلم ،بل تأ ّ
ملها في
مل فيه سمعه وبصره وفؤاده ،فإذا استع َ مسؤول عما استع َ
الخير نال الثواب ،وإذا استعملها في الشر نال العقاب.
َ َ
ن ت َب ْل ُهغَ ال ْ ِ
جب َهها َ
ل ض وَل َه ْ
خرِقَ الْر َ ك لَ ْ
ن تَ ْ مَرحا ً إ ِن ّ َ
ض َ
ش ِفي الْر ِ
م ِ
َول ت َ ْ
طول ً )(37ُ
545
م هعَ الل ّههِ إ َِله ها ً آ َ ن ال ْ ِ حى إ ِل َي ْ َ َ
خ هَر جع َ ْ
ل َ مةِ َول ت َ ْحك ْ َ م ْ
ك ِ ك َرب ّ َ ما أوْ َ
م ّ ذ َل ِ َ
ك ِ
حورا ً )(39 مد ْ ُمُلوما ً َ م َ جهَن ّ َفَت ُل َْقى ِفي َ
ضحناه من هذه الحكام الجليلة ،من المر ذلك الذي بّيناه وو ّ
بمحاسن العمال ،والنهي عن أراذل الخلق مما أوحيناه إليك أيها
كا له في عبادته، النبي .ول تجعل -أيها النسان -مع الله تعالى شري ً
دا
دا مبع ً
فت ُْقذف في نار جهنم تلومك نفسك والناس ،وتكون مطرو ً
من كل خير.
َ َ
م ل َت َُقوُلو َ
ن َقههوْل ً ملئ ِك َةِ إ َِناثا ً إ ِن ّك ُ ْ
ن ال ْ َ خذ َ ِ
م ْ م ِبال ْب َِني َ
ن َوات ّ َ م َرب ّك ُ ْ
صَفاك ُ ْ
أفَأ ْ
ظيما ً )(40 عَ ِ
صكم ربكم -أيها المشركون -بإعطائكم البنين ،واتخذ لنفسه أفخ ّ
الملئكة بنات؟ إن قولكم هذا بالغ القبح والبشاعة ،ل يليق بالله
سبحانه وتعالى.
م إ ِل ّ ن ُُفورا ً )(41
زيد ُهُ ْ ذا ال ُْقْرآ ِ
ن ل ِي َذ ّك ُّروا وَ َ
ما ي َ ِ وَل ََقد ْ َ
صّرفَْنا ِفي هَ َ
عنا في هذا القرآن الحكام والمثال والمواعظ؛حنا ونوّ ْ
ض ْ
ولقد و ّ
دعوه ،وما
ليتعظ الناس ويتدبروا ما ينفعهم فيأخذوه ،وما يضرهم في َ
دا عن الحق ،وغفلة عنيزيد البيان والتوضيح الظالمين إل تباع ً
النظر والعتبار.
سِبيل ً )
ش َ ْ ن ِإذا ً لب ْت َغَ ْ َ
ما ي َُقوُلو َ
ة كَ َ ل ل َوْ َ
قُ ْ
وا إ ِلى ِذي العَْر ِ ه آل ِهَ ٌ
مع َ ُ
ن َ
كا َ
(42
ت قل -أيها الرسول -للمشركين :لو أن مع الله آلهة أخرى ،إ ً
ذا لطلب َ ْ
تلك اللهة طريًقا إلى مغالبة الله ذي العرش العظيم.
546
َ
يءٍ إ ِل ّ ن َ
شه ْ مه ْ
ن ِ ن وَإ ِ ْ
ن ِفيهِ ه ّ مه ْض وَ َ
سب ْعُ َوالْر ُت ال ّ وا ُ م َس َه ال ّ ح لَ ُسب ّ ُتُ َ
حِليما ً غَُفورا ً )(44 ن َ ه َ
كا َ م إ ِن ّ ُ
حه ُ ْ
سِبي َ
ن تَ ْ
ن ل ت َْفَقُهو َمدِهِ وَل َك ِ ْ
ح ْ ح بِ َسب ّ ُ
يُ َ
منمن فيهن ِ سّبح له -سبحانه -السموات السبع والرضون ،و َ تُ َ
جميع المخلوقات ،وكل شيء في هذا الوجود ينزه الله تعالى تنزيًها
مقروًنا بالثناء والحمد له سبحانه ،ولكن ل تدركون -أيها الناس-
من عصاه بالعقوبة، ما بعباده ل يعاجل َ
ذلك .إنه سبحانه كان حلي ً
غفوًرا لهم.
جابها ً ْ
ح َ
خَرةِ ِ
ن ِبهال ِ ن ل ي ُؤْ ِ
مُنو َ ن ال ّ ِ
ذي َ جعَل َْنا ب َي ْن َ َ
ك وَب َي ْ َ ت ال ُْقْرآ َ
ن َ ذا قََرأ َ
وَإ ِ َ
سُتورا ً )(45 م ْ َ
وإذا قرأت القرآن فسمعه هؤلء المشركون ،جعلنا بينك وبين الذين
ل يؤمنون بالخرة حجاًبا ساتًرا يحجب عقولهم عن فَهْم ِ القرآن؛
عقاًبا لهم على كفرهم وإنكارهم.
ن إ ِل َي ْه َ نح َ
وى إ ِذ ْ
جه َ ك وَإ ِذ ْ هُ ه ْ
م نَ ْ مُعو َ ن ب ِههِ إ ِذ ْ ي َ ْ
س هت َ ِ مُعو َ س هت َ ِ
ما ي َ ْ
م بِ َ ن أعْل َ َُ ْ ُ
حورا ً )(47 س ُ
م ْ جل ً َ ن إ ِل ّ َر ُ ن ت َت ّب ُِعو َ
ن إِ ْ مو َظال ِ ُل ال ّ ي َُقو ُ
نحن أعلم بالذي يستمعه رؤساء قريش ،إذ يستمعون إليك،
ومقاصدهم سيئة ،فليس استماعهم لجل السترشاد وَقبول الحق،
ونعلم َتناجيهم حين يقولون :ما تتبعون إل رجل أصابه السحر
فاختلط عقله.
547
ضرُبوا ل َ َ َ
سِبيل ً )(48
ن َ
طيُعو َ ضّلوا َفل ي َ ْ
ست َ ِ ل فَ َ
مَثا َ
ك ال ْ انظ ُْر ك َي ْ َ
ف َ َ
دا ساحر شاعر
تفكر -أيها الرسول -متعجًبا من قولهم :إن محم ً
مجنون!! فجاروا وانحرفوا ،ولم يهتدوا إلى طريق الحق والصواب.
ذيل ال ّه ِ
ن ي ُِعي هد َُنا قُ ه ْمه ْ
ن َس هي َُقوُلو َ
م فَ َ دورِك ُ ْصه ُما ي َك ْب ُُر ِفي ُ خْلقا ً ِ
م ّ أ َوْ َ
هههوَ ُقهه ْ
ل مَتى ُ ن َ م وَي َُقوُلو َ سه ُ ْ
ك ُرُءو َن إ ِل َي ْ َ
ضو َ مّرةٍ فَ َ
سي ُن ْغِ ُ ل َم أ َوّ َ فَط ََرك ُ ْ
ريبا ً )(51 ن يَ ُ َ
ن قَ ِكو َ سى أ ْ عَ َ
ست َب َْعد في عقولكم قبوله للبعث ،فالله تعالى ظم وي ُ ْ أو كونوا خلًقا ي َعْ ُ
قادر على إعادتكم وبعثكم ،وحين تقوم عليهم الحجة في قدرة الله
دنا إلى الحياة بعد من ير ّعلى البعث والحياء فسيقولون -منكرينَ :-
الموت؟ قل لهم :يعيدكم ويرجعكم الله الذي أنشأكم من العدم
أول مرة ،وعند سماعهم هذا الرد فسي َهُّزون رؤوسهم ساخرين
متعجبين ويقولون -مستبعدين :-متى يقع هذا البعث؟ قل :هو
ت قريب. قريب؛ فإن كل آ ٍ
ن ل َب ِث ْت ُ ْ
م إ ِل ّ قَِليل ً )(52 مدِهِ وَت َظ ُّنو َ
ن إِ ْ ح ْ
ن بِ َ
جيُبو َ
ست َ ِ عوك ُ ْ
م فَت َ ْ م ي َد ْ ُ
ي َوْ َ
يوم يناديكم خالقكم للخروج من قبوركم ،فتستجيبون لمر الله،
وتنقادون له ،وله الحمد على كل حال ،وتظنون -لهول يوم القيامة-
أنكم ما أقمتم في الدنيا إل زمًنا قليل؛ لطول لبثكم في الخرة.
548
شهي ْ َ َ
ن ن َينهَزغُ ب َي ْن َهُه ْ
م إِ ّ طا َ ن ال ّ
ن إِ ّ
سه ُ
ح َيأ ْ ل ل ِعَِباِدي ي َُقوُلوا ال ِّتي هِه َ
وَقُ ْ
مِبينا ً )(53
ن عَد ُوّا ً ُ
سا ِ
لن َ
ن لِ ِ ن َ
كا َ طا َ شي ْ َ
ال ّ
وقل لعبادي المؤمنين يقولوا في تخاطبهم وتحاورهم الكلم الحسن
الطيب؛ فإنهم إن لم يفعلوا ذلك ألقى الشيطان بينهم العداوة
والفساد والخصام .إن الشيطان كان للنسان عدًوا ظاهر العداوة.
ضْلنا
من في السموات والرض .ولقد فَ ّ وربك -أيها النبي -أعلم ب َ
بعض النبيين على بعض بالفضائل وكثرة التباع وإنزال الكتب،
وأعطينا داود الزبور.
عنك ُ ْ
م َول ضّر َ
ف ال ّ ن كَ ْ
ش َ مل ِ ُ
كو َ دون ِهِ َفل ي َ ْ
ن ُ
م ْ
م ِ
مت ُ ْ
ن َزعَ ْ عوا ال ّ ِ
ذي َ قُ ْ
ل اد ْ ُ
ويل ً )(56 ح ِ
تَ ْ
قل -أيها الرسول -لمشركي قومك :إن هذه المعبودات التي
تنادونها لكشف الضّر عنكم ل تملك ذلك ،ول تقدر على تحويله
عنكم إلى غيركم ،ول تقدر على تحويله من حال إلى حال ،فالقادر
دعى من دون على ذلك هو الله وحده .وهذه الية عامة في كل ما ي ُ ْ
الله ،ميًتا كان أو غائًبا ،من النبياء والصالحين وغيرهم ،بلفظ
الستغاثة أو الدعاء أو غيرهما ،فل معبود بحق إل الله.
549
ة أ َيه َ أ ُوْل َئ ِ َ
ن
جههو َ
ب وَي َْر ُ سيل َ َ ّ ُ ْ
م أقَْر ُ م ال ْوَ ِ
ن إ َِلى َرب ّهِ ْ
ن ي َب ْت َُغو َ
عو َ ن ي َد ْ ُ ال ّ ِ
ذي َ ك
ذورا ً )(57 ح ُ
م ْن َكا َك َ ب َرب ّ َ ن عَ َ
ذا َ ه إِ ّ ن عَ َ
ذاب َ ُ خاُفو َ وَي َ َ ه
مت َ ُ
ح َ َر ْ
أولئك الذين يدعوهم المشركون من النبياء والصالحين والملئكة
مع الله ،يتنافسون في القرب من ربهم بما يقدرون عليه من
ملون رحمته ويخافون عذابه ،إن عذاب ربك العمال الصالحة ،ويأ ُ
هو ما ينبغي أن يحذره العباد ،ويخافوا منه.
ذابا ً َ
عهه َ مَعههذ ُّبو َ
ها َ ل ي َوْم ِ ال ِْقَيا َ
م ة ِ أو ْ ُ ها قَب ْ َ
كو َمهْل ِ ُ
ن ُ ح ُن قَْري َةٍ إ ِل ّ ن َ ْ م ْ
ن ِوَإ ِ ْ
طورا ً )(58 س ُ م ْ ب َ ك ِفي ال ْك َِتا ِ ن ذ َل ِ َ ديدا ً َ
كا َ ش ِ َ
عد الله الكفار بأنه ما من قريةٍ كافرة مكذبة للرسل إل
ويتو ّ
وسينزل بها عقابه بالهلك في الدنيا قبل يوم القيامة أو بالعذاب
من وقوعه ،وهو الشديد لهلها ،كتاب كتبه الله وقضاء أبرمه ل بد ِ
مسطور في اللوح المحفوظ.
َ َ
مههود َ ب ب ِهَهها ال َوّل ُههو َ
ن َوآت َي ْن َهها ث َ ُ ن ك َهذ ّ َت إ ِل ّ أ ْ س َ
ل ِبالي َهها ِ ن ن ُْر ِ
من َعََنا أ ْ
ما َ وَ َ
ويفا ً )(59 خ ِ ت إ ِل ّ ت َ ْ
ل ِبالَيا ِ س ُما ن ُْر ِموا ب َِها وَ َصَرةً فَظ َل َ ُمب ْ ِ
ة ُ الّناقَ َ
وما منَعنا من إنزال المعجزات التي سألها المشركون إل تكذيب
من سبقهم من المم ،فقد أجابهم الله إلى ما طلبوا فك ّ
ذبوا َ
وهلكوا .وأعطينا ثمود -وهم قوم صالح -معجزة واضحة وهي
الناقة ،فكفروا بها فأهلكناهم .وما إرسالنا الرسل باليات والعبر
والمعجزات التي جعلناها على أيديهم إل تخويف للعباد؛ ليعتبروا
ويتذكروا.
ن وإذ ْ قُل ْنا ل ِل ْملئ ِك َة اسجدوا لدم فَسجدوا إل ّ إبِليس َقا َ َ َ
مهه ْ
جد ُ ل ِ َ
س ُ
ل أأ ْ َ َ َ ُ ِ ِْ َ َ ِ ْ ُ ُ َ َ َِ
طينا )(61ً ت ِ خل َْق ََ
ما ،فسجدوا جميًعا إلواذكر قولنا للملئكة :اسجدوا لدم تحية وتكري ً
إبليس ،استكبر وامتنع عن السجود قائل على سبيل النكار
والستكبار :أأسجد لهذا الضعيف ،المخلوق من الطين؟
ة
مه ِ ن أَ ّ
خْرت َن ِههي إ ِل َههى ي َهوْم ِ ال ِْقَيا َ ي ل َئ ِ ْ
ت عَل َه ّ
مه َ ذا ال ّ ِ
ذي ك َّر ْ ك هَ َ ل أ ََرأ َي ْت َ ََقا َ
ه إ ِل ّ قَِليل ً )(62ن ذ ُّري ّت َ ُ لَ ْ
حت َن ِك َ ّ
وقال إبليس جراءة على الله وكفًرا به :أرأيت هذا المخلوق الذي
ن على ذريته
ي؟ لئن أبقيتني حًيا إلى يوم القيامة لستولي ّ
ميزته عل ّ
بالغواء والفساد ،إل المخلصين منهم في اليمان ،وهم قليل.
موُْفورا ً )(63
جَزاًء َ جَزاؤُك ُ ْ
م َ م َ
جهَن ّ َ م فَإ ِ ّ
ن َ من ْهُ ْ ن ت َب ِعَ َ
ك ِ ب فَ َ
م ْ َقا َ
ل اذ ْهَ ْ
من ذرية
من تبعك ِدا إبليس وأتباعه :اذهب ف َ
قال الله تعالى مهد ً
آدم ،فأطاعك ،فإن عقابك وعقابهم وافر في نار جهنم.
551
كيل ً )(65 ن وَك ََفى ب َِرب ّ َ
ك وَ ِ سل ْ َ
طا ٌ ك عَل َي ْهِ ْ
م ُ س لَ َ
عَباِدي ل َي ْ َ
ن ِ
إِ ّ
إن عبادي المؤمنين المخلصين الذين أطاعوني ليس لك قدرة على
من كيد ما وحاف ً
ظا للمؤمنين ِ إغوائهم ،وكفى بربك -أيها النبي -عاص ً
الشيطان وغروره.
ه ك َهها َ
ن ن فَ ْ
ض هل ِهِ إ ِن ّه ُ م ْ ك ِفي ال ْب َ ْ
حرِ ل ِت َب ْت َُغوا ِ م ال ُْفل ْ َ
جي ل َك ُ ْ م ال ّ ِ
ذي ي ُْز ِ َرب ّك ُ ْ
حيما ً )(66 م َر ِ ب ِك ُ ْ
سّير لكم السفن في البحر؛ لتطلبواربكم -أيها الناس -هو الذي ي ُ َ
ما
رزق الله في أسفاركم وتجاراتكم .إن الله سبحانه كان رحي ً
بعباده.
جههاك ُ ْ
م ن إ ِل ّ إ ِي ّههاهُ فَل َ ّ
مهها ن َ ّ عو َ
ن ت َهد ْ ُ
مه ْ ض ّ
ل َ حرِ َ ضّر ِفي ال ْب َ ْ م ال ّ سك ُ ْم ّذا َ وَإ ِ َ
ن ك َُفورا ً )(67 َ
سا ُ
ن ال ِن ْ َ م وَ َ
كا َ إ َِلى ال ْب َّر أعَْر ْ
ضت ُ ْ
وإذا أصابتكم شدة في البحر حتى أشرفتم على الغرق والهلك،
غاب عن عقولكم الذين تعبدونهم من اللهة ،وتذ ّ
كرتم الله القدير
وحده؛ ليغيثكم وينقذكم ،فأخلصتم له في طلب العون والغاثة،
ما نجاكم إلى البر أعرضتم عن اليمان جاكم ،فل ّفأغاثكم ون ّ
والخلص والعمل الصالح ،وهذا من جهل النسان وكفره .وكان
دا لنعم الله عّز وجل.
النسان جحو ً
ن صههفا ً ِ
مه ْ ل عَل َي ْك ُه ْ
م َقا ِ سه َ خ هَرى فَي ُْر ِ م ِفي ههِ ت َههاَرةً أ ُ ْ ن ي ُِعيد َك ُ ْ
أ َم أ َمنت َ
مأ ْ ْ ِ ُ ْ
م عَل َي َْنا ب ِهِ ت َِبيعا ً )(69دوا ل َك ُ ْ
ج ُ
م ل تَ ِ م ثُ ّ ما ك ََفْرت ُ ْ م بِ َح فَي ُغْرِقَك ُ ْ
الّري ِ
552
أم أمنتم -أيها الناس -ربكم ،وقد كفرتم به أن يعيدكم في البحر
سر كل ما أتت عليه،حا شديدة ،تك ّمرة أخرى ،فيرسل عليكم ري ً
فيغرقكم بسبب كفركم ،ثم ل تجدوا لكم علينا أي تبعة ومطالبة؛
فإن الله لم يظلمكم مثقال ذرة؟
ن
مه ْ
م ِ م فِههي ال ْب َهّر َوال ْب َ ْ
حهرِ وََرَزقْن َههاهُ ْ مل ْن َههاهُ ْ
ح َ
م وَ َ وَل ََقهد ْ ك َّر ْ
من َهها ب َن ِههي آد َ َ
ضيل ً )(70 خل َْقَنا ت َْف ِ
ن َ
م ْ م عََلى ك َِثيرٍ ِ
م ّ ضل َْناهُ ْ
ت وَفَ ّ الط ّي َّبا ِ
خرنا لهم جميع ما
س ّ
ولقد كّرمنا ذرية آدم بالعقل وإرسال الرسل ،و َ
خرنا لهم الدواب في البر والسفن في البحر
س ّ
في الكون ،و َ
ضلناهم
لحملهم ،ورزقناهم من طيبات المطاعم والمشارب ،وف ّ
ما.
على كثير من المخلوقات تفضيل عظي ً
553
ولقد قارب المشركون أن يصرفوك -أيها الرسول -عن القرآن
الذي أنزله الله إليك؛ لتختلق علينا غير ما أوحينا إليك ،ولو فعلت ما
صا.
أرادوه لتخذوك حبيًبا خال ً
صيرا ً
ك عَل َي َْنا ن َ ِ
جد ُ ل َ َ ت ثُ ّ
م ل تَ ِ ما ِ ف ال ْ َ
م َ ضع ْ َ ف ال ْ َ
حَياةِ وَ ِ ضعْ َ ِإذا ً ل َذ َقَْنا َ
ك ِ
)(75
كنت -أيها الرسول -إلى هؤلء المشركين ركوًنا قليل فيما ولو َر َ
مث َْلي عذاب الحياة في الدنيا ومث َْلي عذاب سألوك ،إ ً
ذا لذقناك ِ
الممات في الخرة؛ وذلك لكمال نعمة الله عليك وكمال معرفتك،
دا ينصرك ويدفع عنك عذابنا. ثم ل تجد أح ً
َ
ن ن ال َْف ْ
ج هرِ إ ِ ّ ق الل ّي ْه ِ
ل وَقُ هْرآ َ س إ ِل َههى غَ َ
سه ِ م ِ
شه ْ ك ال ّصلةَ ل ِهد ُُلو ِم ال ّ أقِ ْ
شُهودا ً )(78م ْن َكا َجرِ َ ن ال َْف ْ
قُْرآ َ
554
أقم الصلة تامة من وقت زوال الشمس عند الظهيرة إلى وقت
ظلمة الليل ،ويدخل في هذا صلة الظهر والعصر والمغرب
ل القراءة فيها؛ إن صلة الفجر َ
والعشاء ،وأقم صلة الفجر ،وأط ِ ِ
تحضرها ملئكة الليل وملئكة النهار.
مههودا ً َ
ح ُ مَقاما ً َ
م ْ ك َرب ّ َ
ك َ ن ي َب ْعَث َ َ
سى أ ْ ة لَ َ
ك عَ َ جد ْ ب ِهِ َنافِل َ ً ن الل ّي ْ ِ
ل فَت َهَ ّ م ْ
وَ ِ
)(79
وقم -أيها النبي -من نومك بعض الليل ،فاقرأ القرآن في صلة
الليل؛ لتكون صلة الليل زيادة لك في علو القدر ورفع الدرجات،
عسى أن يبعثك الله شافًعا للناس يوم القيامة؛ ليرحمهم الله مما
ما يحمدك فيه الولون والخرون. يكونون فيه ،وتقوم مقا ً
جع َ ه ْ
ل ل ِههي ق َوا ْ
ص هد ْ ٍ
ج ِ
خَر َ
م ْ
جِني ُ ق وَأ َ ْ
خرِ ْ صد ْ ٍ خ َ
ل ِ مد ْ َخل ِْني ُ ب أ َد ْ ِ
ل َر ّ وَقُ ْ
صيرا ً )(80 طانا ً ن َ ِ
سل ْ َ ك ُ ن ل َد ُن ْ َ
م ِْ
ب أدخلني فيما هو خير لي مدخل صدق ،وأخرجني مما هو وقل :ر ّ
من لدنك حجة ثابتة ،تنصرني بها
شر لي مخرج صدق ،واجعل لي ِ
من خالفني.
على جميع َ
هوقا ً )(81
ن َز ُ
كا َ ن ال َْباط ِ َ
ل َ حقّ وََزهَقَ ال َْباط ِ ُ
ل إِ ّ جاءَ ال ْ َ وَقُ ْ
ل َ
وقل -أيها الرسول -للمشركين :جاء السلم وذهب الشرك ،إن
الباطل ل بقاء له ول ثبات ،والحق هو الثابت الباقي الذي ل يزول.
555
َ ذا أ َنعمنا عََلى النسا َ
شهّر ك َهها َ
ن ه ال ّ
سه ُ
م ّ جههان ِب ِهِ وَإ ِ َ
ذا َ ض وَن َأى ب ِ َ
ن أعَْر َ
ِ َ ِ وَإ ِ َ ْ َ ْ َ
ي َُئوسا ً )(83
وإذا أنعمنا على النسان من حيث هو بمال وعافية ونحوهما ،توّلى
من فقر أو مرض كان وتباعد عن طاعة ربه ،وإذا أصابته شدة ِ
طا؛ لنه ل يثق بفضل الله تعالى ،إل من عصم الله في حالتي قنو ً
سّرائه وضّرائه.
م ن ال ْعِ ْ
لهه مهه م تتي ل الروح من أ َمر ربي وما ُ
أو ْ ُ ق حروال ن ع َ
ك ن ُ
لو ويسأ َ
ِ ْ ِ ْ ُ ِ َ َ ّ ِ َ ْ ْ ِ ُ ّ ْ ّ ِ َ َ ََ ْ
إ ِل ّ قَِليل ً )(85
ويسألك الكفار عن حقيقة الروح تعنًتا ،فأجبهم بأن حقيقة الروح
وأحوالها من المور التي استأثر الله بعلمها ،وما ُأعطيتم أنتم
وجميع الناس من العلم إل شيًئا قليل.
َ
ك ب ِههِ عَل َي ْن َهها وَ ِ
كيل ً ) جد ُ ل َ َ حي َْنا إ ِل َي ْ َ
ك ثُ ّ
م ل تَ ِ ن ِبال ّ ِ
ذي أوْ َ شئ َْنا ل َن َذ ْهَب َ ّ وَل َئ ِ ْ
ن ِ
(86
حوَ القرآن من قلبك َلقد َْرنا على ذلك ،ثم ل تجد
م ْ
ولئن شئنا َ
لنفسك ناصًرا يمنعنا من فعل ذلك ،أو يرد عليك القرآن.
ك ك َِبيرا ً )(87
ن عَل َي ْ َ
كا َ ضل َ ُ
ه َ ن فَ ْ ن َرب ّ َ
ك إِ ّ م ْ
ة ِ
م ً إ ِل ّ َر ْ
ح َ
ما؛
ن الله رحمك ،فأثبت ذلك في قلبك ،إن فضله كان عليك عظي ً لك ّ
فقد أعطاك هذا القرآن العظيم ،والمقام المحمود ،وغير ذلك مما
دا من العالمين.لم يؤته أح ً
556
ْ َ
ذا ال ُْق هْرآ ِ
نل مث ْه ِ
ل هَ ه َ ن عََلى أ ْ
ن ي َهأُتوا ب ِ ِ ج ّ س َوال ْ ِلن ُ تا ِ مع َ ْجت َ َ
نا ْ ل ل َئ ِ ْ
قُ ْ
ْ
ض ظ َِهيرا ً )(88 م ل ِب َعْ ٍ ضه ُ ْ
ن ب َعْ ُ مث ْل ِهِ وَل َوْ َ
كا َ ن بِ ِ ي َأُتو َ
قل :لو اتفقت النس والجن على محاولة التيان بمثل هذا القرآن
المعجز ل يستطيعون التيان به ،ولو تعاونوا وتظاهروا على ذلك.
َ َ
ل فَأَبى أك َْثههُر الّنهها ِ
س مث َ ٍ ن كُ ّ
ل َ م ْ ذا ال ُْقْرآ ِ
ن ِ س ِفي هَ َ وَل ََقد ْ َ
صّرفَْنا ِللّنا ِ
إ ِل ّ ك ُُفورا ً )(89
وعنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ينبغي العتبار ولقد بي ّّنا ون َ ّ
جا بذلك عليهم؛ ليتبعوه ويعملوا به ،فأبى أكثر الناس إل به؛ احتجا ً
دا للحق وإنكاًرا لحجج الله وأدلته. جحو ً
جيرا ً )(91
خلل ََها ت َْف ِ
جر ا َ
لنَهاَر ِ ب فَت َُف ّ َ
عن َ ٍ
ل وَ ِ
خي ٍ
ن نَ ِ
م ْ
ة ِ
جن ّ ٌ ن لَ َ
ك َ أ َوْ ت َ ُ
كو َ
أو تكون لك حديقة فيها أنواع النخيل والعناب ،وتجعل النهار
تجري في وسطها بغزارة.
َ أ َوْ ي َ ُ
ن
م َ ماِء وَل َه ْ
ن ن ُهؤْ ِ ف أوْ ت َْرقَههى فِههي ال ّ
سه َ خهُر ٍ ن ُز ْ مه ْ ت ِ ك ب َي ْه ٌن ل َه َكو َ
ت إ ِل ّكن ه ُ ل ُ ن َرب ّههي هَه ْ
حا َ
سهب ْ َ ؤه قُه ْ
ل ُ ل عَل َي َْنا ك َِتابا ً ن َْقَر ُحّتى ت ُن َّز َ ك َل ُِرقِي ّ َ
سول ً )(93 شرا ً َر ُ بَ َ
557
أو يكون لك بيت من ذهب ،أو تصعد في درج إلى السماء ،ولن
دقك في صعودك حتى تعود ،ومعك كتاب من الله منشور نقرأ نص ّ
من تعّنت هؤلء
فيه أنك رسول الله حقا .قل -أيها الرسول -متعجًبا ِ
الكفار :سبحان ربي!! هل أنا إل عبد من عباده مبّلغ رسالته؟ فكيف
أقدر على فعل ما تطلبون؟
ن ِفي ال َ
ن
مه ْ ن ل َن َّزل ْن َهها عَل َي ْهِ ه ْ
م ِ مط ْ َ
مئ ِّني َ ن ُ م ُ
شو َ ملئ ِك َ ٌ
ة يَ ْ ض َ
ِ رْ كا َل ل َوْ َ
قُ ْ
سول ً )(95 مَلكا ً َر ُ
ماِء َ س َال ّ
دا على المشركين إنكارهم أن يكون الرسول قل -أيها الرسول -ر ّ
من البشر :لو كان في الرض ملئكة يمشون عليها مطمئنين،
ن أهل الرض بشر ،فالرسول لرسلنا إليهم رسول من جنسهم ،ولك ّ
إليهم ينبغي أن يكون من جنسهم؛ ليمكنهم مخاطبته وفَْهم كلمه.
صيرا ً )(96
خِبيرا ً ب َ ِ
ن ب ِعَِبادِهِ َ ه َ
كا َ شِهيدا ً ب َي ِْني وَب َي ْن َك ُ ْ
م إ ِن ّ ُ ل ك ََفى ِبالل ّهِ َ
قُ ْ
وتي.دقي وحقيقة نب ّ
ص ْ
دا بيني وبينكم على ِ
قل لهم :كفى بالله شهي ً
إنه سبحانه خبير بأحوال عباده ،بصير بأعمالهم ،وسيجازيهم عليها.
558
يسمعون ،مصيرهم إلى نار جهنم الملتهبة ،كلما سكن لهيبها،
وخمدت نارها ،زدناهم ناًرا ملتهبة متأججة.
َ َ
ق
لنَفهها ِ
ةا ِ خ ْ
شههي َ َ سك ْت ُ ْ
م َ مةِ َرّبي ِإذا ً ل ْ
م َ ح َ
ن َر ْ
خَزائ ِ َ
ن َ مل ِ ُ
كو َ ل ل َوْ أنت ُ ْ
م تَ ْ قُ ْ
ن قَُتورا ً )(100 سا ُن ال ِن ْ َ كا َوَ َ
قل -أيها الرسول -لهؤلء المشركين :لو كنتم تملكون خزائن رحمة
ربي التي ل تنفد ول تبيد إ ً
ذا لبخلتم بها ،فلم تعطوا منها غيركم
من نفادها فتصبحوا فقراء .ومن شأن النسان أنه بخيل بما خوًفا ِ
من عصم الله باليمان. في يده إل َ
م
جههاءَهُ ْ سهَراِئي َ
ل إ ِذ ْ َ ل ب َن ِههي إ ِ ْ ت َفا ْ
سأ ْ ت ب َي َّنا ٍ
سعَ آَيا ٍ سى ت ِ ْ مو َ وَل ََقد ْ آت َي َْنا ُ
حورا ً )(101 س ُم ْسى َ مو َك َيا ُ ن إ ِّني ل َظ ُن ّ َ
ه فِْرعَوْ ُ ل لَ ُ فََقا َ
دق نبوتهص ْ
ولقد آتينا موسى تسع معجزات واضحات شاهدات على ِ
وهي :العصا واليد والسنون ونقص الثمرات والطوفان والجراد
559
والقمل والضفادع والدم ،فاسأل -أيها الرسول -اليهود سؤال تقرير
حين جاء موسى أسلفهم بمعجزاته الواضحات ،فقال فرعون
عا مغلوًبا على عقلك
لموسى :إني لظنك -يا موسى -ساحرا ،مخدو ً
بما تأتيه من غرائب الفعال.
صههائ َِر
ض بَ َ
َ
ت َوالْر ِ
وا ِ
م َ
سه َ ؤلء إ ِل ّ َر ّ
ب ال ّ مهها َأنهَز َ
ل ه َه ُ ت َمه َ ل ل ََقهد ْ عَل ِ ْ
َقا َ
مث ُْبورا ً )(102 ن َك َيا فِْرعَوْ ُ وَإ ِّني ل َظ ُن ّ َ
560
َ
ث وَن َّزل َْناهُ َتن ِ
زيل ً )(106 س عََلى ُ
مك ْ ٍ َ ً
وَقُْرآنا فََرقَْناهُ ل ِت َْقَرأهُ عَلى الّنا ِ
صلناه فارًقا بيههن
وأنزلنا إليك -أيها الرسول -قرآًنا بّيناه وأحكمناه وفَ ّ
الهههدى والضههلل والحههق والباطههل؛ لتقههرأه علههى النههاس فههي تههؤدة
وتمهّههل ،ون َّزْلنههاه مفّرقًهها ،شههيًئا بعههد شههيء ،علههى حسههب الحههوادث
ومقتضيات الحوال.
561
دا؛ لن أسهماءه كلهها حسهنى .ول دعوتموه فهإنكم تهدعون رًبها واحه ً
س هّر بههها فل
تجهر بالقراءة في صلتك ،فيسههمعك المشههركون ،ول ت ُ ِ
يسمعك أصحابك ،وكن وس ً
طا بين الجهر والهمس.
مل ْ ه ِ
ك ك فِههي ال ْ ُ
ري ٌ ن لَ ُ
ه َ
شه ِ خذ ْ وََلدا ً وَل َ ْ
م ي َك ُ ْ ذي ل َ ْ
م ي َت ّ ِ مد ُ ل ِل ّهِ ال ّ ِ ل ال ْ َ
ح ْ وَقُ ْ
ل وَك َب ّْرهُ ت َك ِْبيرا ً )(111 ن الذ ّ ّ
م ْ ي ِ ه وَل ِ ّ ن لَ ُ وَل َ ْ
م ي َك ُ ْ
وقل -أيها الرسول : -الحمد لله الذي له الكمال والثناء ،الههذي تن هّزه
من خلقه ي ِعن الولد والشريك في ألوهيته ،ول يكون له سبحانه ول ّ
مها
ظمهه تعظي ً فهو الغني القوي ،وهم الفقهراء المحتهاجون إليهه ،وع ّ
ما بالثناء عليه وعبادته وحده ل شريك له ،وإخلص الدين كله له. تا ً
-18سورة الكهف
جا )(1
عو َ َ ل لَ ُ
ه ِ جع َ ْ ب وَل َ ْ
م يَ ْ ذي َأنَز َ
ل عََلى عَب ْدِهِ ال ْك َِتا َ مد ُ ل ِل ّهِ ال ّ ِ ال ْ َ
ح ْ
الثناء على الله بصفاته التي كّلها أوصههاف كمههال ،وبنعمههه الظههاهرة
ضل فأنزل على عبههده ورسههوله والباطنة ،الدينية والدنيوية ،الذي تف ّ
محمد صلى الله عليه وسلم القرآن ،ولم يجعل فيه شيًئا من الميل
عن الحق.
مل ُههو َ
ن ن ي َعْ َ ن ال ّه ِ
ذي َ م هؤ ْ ِ
مِني َ ش هَر ال ْ ُ ن ل َهد ُن ْ ُ
ه وَي ُب َ ّ م ْديدا ً ِ قَّيما ً ل ُِينذَِر ب َْأسا ً َ
ش ِ
ن ِفيهِ أ ََبدا ً )(3 ماك ِِثي َ سنا ً )َ (2 ح َجرا ً َ
الصال ِحات أ َن ل َه َ
مأ ّْ َ ِ ّ ُ ْ
ما ،ل اختلف فيه ول تناقض؛ لينههذر الكههافرين جعله الله كتاًبا مستقي ً
من عذاب شديد من عنده ،ويبشر المصدقين بالله ورسههوله الههذين
يعملون العمال الصالحات ،بأن لهم ثواًبا جزيل هو الجنههة ،يقيمههون
دا.
في هذا النعيم ل يفارقونه أب ً
ه وََلدا ً )(4
خذ َ الل ّ ُ
ن َقاُلوا ات ّ َ وَُينذَِر ال ّ ِ
ذي َ
562
وينذر به المشركين الذين قالوا :اتخذ الله ولدا.
خهرج مه َ
ن
م إِ ْ ن أف ْ ه َ
واهِهِ ْ ة تَ ْ ُ ُ ِ ْ ت ك َل ِ َ
مه ً عل ْم ٍ َول لَبائ ِهِ ْ
م ك َب َُر ْ ن ِ م ْ ما ل َهُ ْ
م ب ِهِ ِ َ
ذبا )(5ً َ ّ
ن إ ِل ك ِ ُ
ي َُقولو َ
دعونه لله من ليس عند هؤلء المشركين شيء من العلم على ما ي َ ّ
ظمت هذه اتخاذ الولد ،كما لم يكن عند أسلفهم الذين قّلدوهم ،عَ ُ
المقالة الشنيعة التي تخرج من أفواههم ،ما يقولون إل قول كاذًبا.
سههفا ً ) َ
ثأ َدي ِ ذا ال ْ َ
حه ِ مُنوا ب ِهَ َ ن لَ ْ
م ي ُؤْ ِ ك عََلى آَثارِهِ ْ
م إِ ْ س َ
خعٌ ن َْف َ فَل َعَل ّ َ
ك َبا ِ
(6
ما وحزًنا على أثر توّلي قومك
مهِْلك نفسك غ ّ
فلعلك -أيها الرسولُ -
دقوا بهذا القرآن ويعملوا به.
وإعراضهم عنك ،إن لم يص ّ
جُرزا ً )(8
صِعيدا ً ُ
ما عَل َي َْها َ عُلو َ
ن َ وَإ ِّنا ل َ َ
جا ِ
وإّنا لجاعلون ما على الرض من تلك الزينة عند انقضاء الدنيا تراًبا،
ل نبات فيه.
563
ئ ل َن َهها
ة وَهَي ّه ْ
م ً
ح َ ن ل َد ُن ْ َ
ك َر ْ ف فََقاُلوا َرب َّنا آت َِنا ِ
م ْ إ ِذ ْ أ ََوى ال ِْفت ْي َ ُ
ة إ َِلى ال ْك َهْ ِ
شدا ً )(10 مرَِنا َر َ م َ
نأ ْ ِ ْ
اذكر -أيها الرسول -حين لجأ الشّبان المؤمنون إلى الكهف؛ خشية
من فتنة قومهم لهم ،وإرغامهم على عبادة الصنام ،فقالوا :ربنا
سر لنامن عندك رحمة ،تثبتنا بها ،وتحفظنا من الشر ،وي ّ أعطنا ِ
الطريق الصواب الذي يوصلنا إلى العمل الذي تحب ،فنكون
راشدين غير ضالين.
ددا ً )(11
ن عَ َ
سِني َ م ِفي ال ْك َهْ ِ
ف ِ ضَرب َْنا عََلى آ َ
ذان ِهِ ْ فَ َ
فألقينا عليهم النوم العميق ،فبقوا في الكهف سنين كثيرة.
نحن نُقص عل َي َ َ
دى
م ه ُه ً
م وَزِد َْنهاهُ ْ
مُنوا ب َِرب ّهِ ْ
ةآ َ
م فِت ْي َ ٌ م ِبال ْ َ
حقّ إ ِن ّهُ ْ ك ن َب َأهُ ّْ َ ْ َ ْ ُ َ
)(13
ص عليك -أيها الرسول -خبرهم بالصدق .إن أصحاب الكهف نحن نق ّ
دناهم هدى وثباًتا على الحق.
دقوا ربهم وامتثلوا أمره ،وزِ ْ ُ
شّبان ص ّ
َ
ض لَ ْ
ن ت َوالْر ِ
وا ِ
م َ
س َ موا فََقاُلوا َرب َّنا َر ّ
ب ال ّ م إ ِذ ْ َقا ُوََرب َط َْنا عََلى قُُلوب ِهِ ْ
ططا ً )(14 ش َ دون ِهِ إ َِلها ً ل ََقد ْ قُل َْنا ِإذا ً َ
ن ُ
م ْ
ن َد ْعُوَ ِ
وينا قلوبهم باليمان ،وشددنا عزيمتهم به ،حين قاموا بين يدي وق ّ
ك عبادة الصنام فقالوا له :ربناالملك الكافر ،وهو يلومهم على ت َْر ِ
الذي نعبده هو رب السموات والرض ،لن نعبد غيره من اللهة ،لو
دا عن الحق.قلنا غير هذا لك ُّنا قد قلنا قول جائًرا بعي ً
564
س هل ْ َ ْ
ن
ن ب َي ّه ٍ
طا ٍ ن عَل َي ْهِ ه ْ
م بِ ُ ة لَ ْ
ول ي َهأُتو َ دون ِهِ آل ِهَ ً
ن ُ
م ْ خ ُ
ذوا ِ ؤلِء قَوْ ُ
مَنا ات ّ َ هَ ُ
ذبا ً )(15 َ
ن افْت ََرى عََلى الل ّهِ ك َ ِم ْم ّ
م ِ ن أظ ْل َ ُ
م ْ فَ َ
ثم قال بعضهم لبعض :هؤلء قومنا اتخذوا لهم آلهة غير الله ،فهل
ما ممن اختلق وا على عبادتهم لها بدليل واضح ،فل أحد أشد ظل ً
أت َ ْ
على الله الكذب بنسبة الشريك إليه في عبادته.
ْ
ش هْر ل َك ُه ْ
م ه فَأُووا إ ِل َههى ال ْك َهْ ه ِ
ف َين ُ ن إ ِل ّ الل ّ َ
دو َ
ما ي َعْب ُ ُ
م وَ َ وَإ ِذ ْ اعْت ََزل ْت ُ ُ
موهُ ْ
مرَفقا ً )(16 ربك ُم من رحمت ِه ويهيئ ل َك ُم م َ
م ِ مرِك ُ ْ نأ ْ ْ ِ ْ َ ّ ْ ِ ْ َ ْ َ ِ ََُّ ْ
وحين فارقتم قومكم بدينكم ،وتركتم ما يعبدون من اللهة إل عبادة
ط لكمالله ،فالجؤوا إلى الكهف في الجبل لعبادة ربكم وحده ،ي َْبس ْ
ربكم من رحمته ما يستركم به في الدارين ،ويسهل لكم من
أمركم ما تنتفعون به في حياتكم من أسباب العيش.
ن وَإ ِ َ
ذا مي ه ِت ال ْي َ ِ ذا َ م َ ن ك َهِْفهِ ه ْ ت ت َت َهَزاوَُر عَ ه ْ ذا ط َل َعَ ه ْ س إِ َ م َ شه ْ وَت َهَرى ال ّ
ت الل ّ ِ
ه ن آَيا ِ م ْ ك ِ ه ذ َل ِ َ من ْ ُ
جوَةٍ ِ م ِفي فَ ْ ل وَهُ ْ ما ِ ش َ ت ال ّ ذا َ م َضه ُ ْ
ت ت َْقرِ ُ غََرب َ ْ
شدا ً )(17 مْر ِ ه وَل ِي ّا ً ُ
جد َ ل َ ُ
ن تَ ِل فَل َ ْ
ضل ِ ْ
ن يُ ْ م ْدي وَ َ مهْت َ ِه فَهُوَ ال ْ ُن ي َهْدِ الل ّ ُ
م ْ َ
فظهم .وترى -أيها
ح ِ
فلما فعلوا ذلك ألقى الله عليهم النوم و َ
المشاهد لهم -الشمس إذا طلعت من المشرق تميل عن مكانهم
إلى جهة اليمين ،وإذا غربت تتركهم إلى جهة اليسار ،وهم في
متسع من الكهف ،فل تؤذيهم حرارة الشمس ول ينقطع عنهم
الهواء ،ذلك الذي فعلناه بهؤلء الفتية من دلئل قدرة الله .من
يوفقه الله للهتداء بآياته فهو الموّفق إلى الحق ،ومن لم يوفقه
خ ْ
ذلن لذلك فلن تجد له معيًنا يرشده لصابة الحق؛ لن التوفيق وال ِ
بيد الله وحده.
وتحسبه َ
ل ما ِ
شه َت ال ّ ذا َ ن وَ َ مي ه ِ ت ال ْي َ ِ ذا َم َم ُرقُههود ٌ وَن َُقل ّب ُهُ ه ْم أي َْقاظا ً وَهُ ه ْ ََ ْ َ ُُ ْ
م ِفههَرارا ً
من ْهُ ْ
ت ِ م ل َوَل ّي ْ َ ت عَل َي ْهِ ْصيدِ ل َوْ اط ّل َعْ َ ط ذَِراعَي ْهِ ِبال ْوَ ِ
س ٌ م َبا ِ وَك َل ْب ُهُ ْ
عبا ً )(18 م ُر ْمن ْهُ ْت ِمل ِئ ْ َوَل َ ُ
وتظن -أيها الناظر -أهل الكهف أيقا ً
ظا ،وهم في الواقع نيام،
ونتعهدهم بالرعاية ،فن َُقّلبهم حال نومهم مرة للجنب اليمن ومرة
565
حبهم ماد ّ ذراعيه
للجنب اليسر؛ لئل تأكلهم الرض ،وكلبهم الذي صا َ
ت نفسك منهم بفناء الكهف ،لو عاينتهم لدبرت عنهم هارًبا ،ول َ ُ
مل ِئ َ ْ
عا.
فز ً
م َقاُلوا ل َب ِث ْن َهها م ل َب ِث ْت ُ ْ م كَ ْ
من ْهُ ْ
ل ِ ل َقائ ِ ٌ م َقا َ ساَءُلوا ب َي ْن َهُ ْ وَك َذ َل ِ َ
ك ب َعَث َْناهُ ْ
م ل ِي َت َ َ
َ يوما ً أ َو بعض يوم َقاُلوا ربك ُ َ
مم ِبههوَرِقِك ُ ْ حد َك ُ ْ م َفاب ْعَُثوا أ َ ما ل َب ِث ْت ُ ْ
م بِ َ م أعْل َ ُ َ ّ ْ ْ َْ َ َ ْ ٍ َ ْ
ْ َ َ
ه
من ْه ُ ق ِ م ب ِهرِْز ٍ دين َهةِ فَل َْينظ ُهْر أي ّهَهها أْزك َههى ط ََعامها ً فَل ْي َهأت ِك ُ ْ هَهذِهِ إ ِل َههى ال ْ َ
م ِ
حدا ً )(19 شعِرن بك ُ َ وَل ْي َت َل َط ّ ْ
مأ َ ف َول ي ُ ْ َ ّ ِ ْ
من نومهم وكما أنمناهم وحفظناهم هذه المدة الطويلة أيقظناهم ِ
ضا :كم من الوقتعلى هيئتهم دون تغّير؛ لكي يسأل بعضهم بع ً
مكثنا نائمين هنا؟ فقال بعضهم :مكثنا يوما أو بعض يوم ،وقال
عْلم ذلك لله ،فربكم أعلم
وضوا ِ آخرون التبس عليهم المر :فَ ّ
سلوا أحدكم بنقودكم الفضية هذه إلى بالوقت الذي مكثتموه ،فأر ِ
ما؟ فليأتكم بقوت
ل وأطيب طعا ً مدينتنا فلينظر :أيّ أهل المدينة أح ّ
منه ،وليتلطف في شرائه مع البائع حتى ل ننكشف ،ويظهر أمرنا،
دا من الناس. ن بكم أح ً
م ّ
ول ي ُعْل ِ َ
566
طلعهم على كر ،فجعل الله إ ْ من ْ ِ
من ُ مث ْب ِ ٍ
ت لها و ِ من ُ
القيامة :ف ِ
أصحاب الكهف حجة للمؤمنين على الكافرين .وبعد أن انكشف
أمرهم ،وماتوا قال فريق من المط ِّلعين عليهم :ابنوا على باب
الكهف بناًء يحجبهم ،واتركوهم وشأنهم ،ربهم أعلم بحالهم ،وقال
دا للعبادة.
ن على مكانهم مسج ً أصحاب الكلمة والنفوذ فيهم :لنتخذ ّ
وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ قبور النبياء
ل ذلك في آخر وصاياه لمته ،كما من فَعَ َ والصالحين مساجد ،ولعن َ
أنه نهى عن البناء على القبور مطلًقا ،وعن تجصيصها والكتابة
من فيها.عليها؛ لن ذلك من الغلو الذي قد يؤدي إلى عبادة َ
َ
ه َواذ ْك ُهْرشههاَء الل ّه ُ
ن يَ َغدا ً ) (23إ ِل ّ أ ْ
ك َ ل ذ َل ِ َ يٍء إ ِّني َفا ِ
ع ٌ ش ْ َول ت َُقول َ ّ
ن لِ َ
َ
شهدا ً ) ذا َر َهه َن َ مه ْب ِ ن ي َهْدِي َِني َرّبي ل َقَْر َسى أ ْ ت وَقُ ْ
ل عَ َ سي َ ذا ن َ ِ َرب ّ َ
ك إِ َ
(24
دا إل أن
ن لشيء تعزم على فعله :إني فاعل ذلك الشيء غ ً ول تقول ّ
ت ُعَّلق قولك بالمشيئة ،فتقول :إن شاء الله .واذكر ربك عند النسيان
هببقول :إن شاء الله ،وكلما نسيت فاذكر الله; فإن ذِك َْر الله ُيذ ِ
النسيان ،وقل :عسى أن يهديني ربي لقرب الطرق الموصلة إلى
الهدى والرشاد.
567
سعا ً )(25
دوا ت ِ ْ
دا ُ
ن َواْز َ مائ َةٍ ِ
سِني َ ث ِ وَل َب ُِثوا ِفي ك َهِْفهِ ْ
م َثل َ
ما في كهفهم ثلثمائة سنة وتسع سنين. ومكث ال ّ
شّبان نيا ً
ن
مه ْ
ج هد َ ِ مههات ِهِ وَل َه ْ
ن تَ ِ ل ل ِك َل ِ َ
مب َد ّ َ ب َرب ّ َ
كل ُ ن ك َِتا ِ
م ْ ي إ ِل َي ْ َ
ك ِ ما ُأو ِ
ح َ ل ََوات ْ ُ
حدا ً )(27 مل ْت َ َ
دون ِهِ ُ ُ
واتل -أيها الرسول -ما أوحاه الله إليك من القرآن ،فإنه الكتاب
الذي ل مبدل لكلماته لصدقها وعدلها ،ولن تجد من دون ربك ملجأ ً
ّ
تلجأ إليه ،ول معا ً
ذا تعوذ به.
ن
دو َ ري ه ُ
ي ي ُ َِ
شه ّداةِ َوال ْعَ ِ
م ِبال ْغَ ه َ
ن َرب ّهُ ه ْ عو َ ن ي َهد ْ ُذي َ م هعَ ال ّه ِ س َ
ك َ صب ِْر ن َْف َ
َوا ْ
ن أغَْفل ْن َهها م ْ ة ال ْ َ
حَياةِ الد ّن َْيا َول ت ُط ِعْ َ ريد ُ ِزين َ َ ِ م تُك عَن ْهُ ْه َول ت َعْد ُ عَي َْنا َ جه َ ُوَ ْ
مُرهُ فُُرطا ً )(28 كا َ
نأ ْ واهُ وَ َ َ ن ذِك ْرَِنا َوات ّب َعَ هَ َ
ه عَ ْ قَل ْب َ ُ
من فقراء المؤمنين الذين واصبر نفسك -أيها النبي -مع أصحابك ِ
يعبدون ربهم وحده ،ويدعونه في الصباح والمساء ،يريدون بذلك
وجهه ،واجلس معهم وخالطهم ،ول تصرف نظرك عنهم إلى غيرهم
من الكفار لرادة التمتع بزينة الحياة الدنيا ،ول ت ُط ِعْ من جعلنا قلبه
غافل عن ذكرنا ،وآث ََر هواه على طاعة موله ،وصار أمره في جميع
عا وهل ً
كا. أعماله ضيا ً
568
شاَء فَل ْي َك ُْفْر إ ِّنا أ َعْت َد َْنا
ن َ م ْن وَ َم ْ شاَء فَل ْي ُؤْ ِ
ن َ م فَ َ
م ْ ن َرب ّك ُ ْ م ْ
حقّ ِ ل ال ْ َ وَقُ ْ
َ
ل
مْههه ِ كال ْ ُ
ماءٍ َ ست َِغيُثوا ي َُغاُثوا ب ِ َ
ن يَ ْ سَرادِقَُها وَإ ِ ْم ُ ط ب ِهِ ْ حا َ ن َنارا ً أ َمي َ ِلل ّ
ظال ِ ِ
مْرت ََفقا ً )(29 ت ُ ساَء ْ ب وَ َشَرا ُ س ال ّ جوهَ ب ِئ ْ َ وي ال ْوُ ُ ش ِيَ ْ
وقل لهؤلء الغافلين :ما جئتكم به هو الحق من ربكم ،فمن أراد
منكم أن يصدق ويعمل به ،فليفعل فهو خير له ،ومن أراد أن يجحد
فليفعل ،فما ظ ََلم إل نفسه .إنا أعتدنا للكافرين ناًرا شديدة أحاط
من بهم سورها ،وإن يستغث هؤلء الكفار في النار بطلب الماء ِ
كر شديد الحرارة يشوي ت لهم بماء كالزيت العَ ِشدة العطشُ ،يؤ َ
ت وجوههم .قَُبح هذا الشراب الذي ل يروي ظمأهم بل يزيده ،وقَب ُ َ
ح ْ
ما .وفي هذا وعيد وتهديد شديد لمن أعرض النار منزل لهم ومقا ً
عن الحق ،فلم يؤمن برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ،ولم
يعمل بمقتضاها.
مل ً إن ال ّذين آمنوا وعَمُلوا الصال ِحات إنا ل نضيع أ َجر م َ
ن عَ َ
سهه َ
ح َ
نأ ُْ ِ ُ ْ َ َ ْ ّ َ ِ ِّ َ ِ ِ َ َ ُ ِ ّ
)(30
إن الذين آمنوا بالله ورسوله وعملوا العمال الصالحات لهم أعظم
المثوبة ،إنا ل نضيع أجورهم ،ول ننقصها على ما أحسنوه من
العمل.
نمه ْ
ن ِفيهَهها ِ حل ّهوْ َ م ال َن ْهَههاُر ي ُ َ
حت ِهِ ه ْن تَ ْمه ْ ري ِ ج ِن تَ ْت عَد ْ ٍ جّنا ُ م َ أ ُوْل َئ ِ َ
ك ل َهُ ْ
َ
ن
مت ّك ِِئيهه َ
ق ُ
ست َب َْر ٍ
س وَإ ِ ْسند ُ ٍ ن ُم ْ ضرا ً ِ خ ْ ن ث َِيابا ً ُ سو َ ب وَي َل ْب َ ُ ن ذ َهَ ٍ م ْ ساوَِر ِ أ َ
مْرت ََفقا ً )(31 ت ُ سن َ ْح ُ ب وَ َوا ُ م الث ّ َ ك ن ِعْ َ ِفيَها عََلى ال ََرائ ِ ِ
ما ،تجري من تحت أولئك الذين آمنوا لهم جنات يقيمون فيها دائ ً
حّلون فيها بأساور الذهب، غرفهم ومنازلهم النهار العذبة ،ي ُ َ
وي َل َْبسون ثياًبا ذات لون أخضر نسجت من رقيق الحرير وغليظه،
م الثواب
سّرة المزدانة بالستائر الجميلة ،ن ِعْ َ يتكئون فيها على ال ِ
ت الجنة منزل ومكاًنا لهم. سن ِ
ح ُ
ثوابهم ،و َ
ب واضههرب ل َهههم مث َل ً رجل َيههن جعل ْنهها ل َحههدهما جنتيههن مهه َ
ن أعَْنهها ٍ
َ ِ ِ َ َ َّْ ِ ِ ْ َ ُ ْ ِ َ َ َ َ ْ ِ ْ ُ ْ َ
ما َزْرعا ً )(32جعَل َْنا ب َي ْن َهُ َ
ل وَ َ
خ ٍ
ما ب ِن َ ْ
حَفْفَناهُ َ
وَ َ
569
واضرب -أيها الرسول -لكفار قومك مثل رجلين من المم السابقة:
أحدهما مؤمن ،والخر كافر ،وقد جعلنا للكافر حديقتين من أعناب،
عا مختلفة نافعة.
وأحطناهما بنخل كثير ،وأنبتنا وسطهما زرو ً
570
خْلق؟ وفي هذه المحاورة دليل على أن القادر على
القامة وال َ
ابتداء الخلق ،قادر على إعادتهم.
ن ت َُرن ِههي أ َن َههاه ل قُوّةَ إ ِل ّ ِبالل ّهِ إ ِ ْ شاَء الل ّ ُما َ ت َ ك قُل ْ َ جن ّت َ َت َ خل ْ َ
ول إ ِذ ْ د َ َ وَل َ ْ
َ أ َقَ ّ
كجن ّت ِه َن َ مه ْ خي ْههرا ً ِن ي ُهؤْت ِي َِني َسى َرب ّههي أ ْ مال ً وَوََلدا ً ) (39فَعَ َ ك َ من ْ َ ل ِ
َ
ح
ص هب ِ َ صِعيدا ً َزَلقا ً ) (40أوْ ي ُ ْ ح َ صب ِ َماِء فَت ُ ْ
س َن ال ّ م ْ سَبانا ً ِ ح ْل عَل َي َْها ُ س َوَي ُْر ِ
ه ط ََلبا ً )(41 طيعَ ل َ ُ ست َ ِ
ن تَ ْ ورا ً فَل َ ْ
ها غَ ْ ماؤُ َ َ
مدت الله ،وقلت :هذا ما شاء ح ِ
ت حديقتك فأعجبتك َ خل ْ َ
وهل حين د َ
الله لي ،ل قوة لي على تحصيله إل بالله .إن كنت تراني أقل منك
مال وأولًدا ،فعسى ربي أن يعطيني أفضل من حديقتك ،ويسلبك
النعمة بكفرك ،ويرسل على حديقتك عذابا من السماء ،فتصبح
ضا ملساء جرداء ل تثبت عليها قدم ،ول ينبت فيها نبات ،أو يصير أر ً
ماؤها الذي ُتسقى منه غائًرا في الرض ،فل تقدر على إخراجه.
َ َ
ة
خاوِي َه ٌ
ي َ ب ك َّفي ْهِ عَل َههى َ
مهها أنَفهقَ ِفيهَهها وَهِه َ ح ي َُقل ّ ُ مرِهِ فَأ ْ
صب َ َ ط ب ِث َ َ وَأ ُ ِ
حي َ
حدا ً )(42 َ م أُ ْ
شرِ ْ
ك ب َِرّبي أ َ ل َيا ل َي ْت َِني ل َ ْ عََلى عُُرو ِ
شَها وَي َُقو ُ
حّققَ ما قاله المؤمن ،ووقع الدمار بالحديقة ،فهلك كل ما فيها،وت َ
فصار الكافر ي َُقّلب كفيه حسرةً وندامة على ما أنفق فيها ،وهي
م الله
خاوية قد سقط بعضها على بعض ،ويقول :يا ليتني عرفت ن ِعَ َ
دا .وهذا ندم منه حين ل ينفعه الندم.
وقدرته فلم أشرك به أح ً
صرا ً )(43
منت َ ِ
ن ُ
كا َ ن الل ّهِ وَ َ
ما َ دو ِ
ن ُ
م ْ
ه ِ
صُرون َ ُ
ة َين ُ ن لَ ُ
ه فِئ َ ٌ وَل َ ْ
م ت َك ُ ْ
من عقاب الله النازل
ولم تكن له جماعة ممن افتخر بهم يمنعونه ِ
به ،وما كان ممتنًعا بنفسه وقوته.
571
خي ٌْر عُْقبا ً )(44
وابا ً وَ َ
خي ٌْر ث َ َ ة ل ِل ّهِ ال ْ َ
حقّ هُوَ َ ك ال ْ َ
ولي َ ُ هَُنال ِ َ
في مثل هذه الشدائد تكون الولية والنصرة لله الحق ،هو خير
جزاًء ،وخير عاقبة لمن تولهم من عباده المؤمنين.
خت َل َ َ َ
ط ِبهههِ ماِء َفا ْ
س َ
ن ال ّ م ْماٍء أنَزل َْناهُ ِ ل ال ْ َ
حَياةِ الد ّن َْيا ك َ َ مث َ َ
م َب ل َهُ ْ
ضرِ ْ
َوا ْ
ه عََلى ُ َ َ
ي ءٍ
شهه ْ ل َ كهه ّ ن الل ّ ُ ح وَ َ
كا َ شيما ً ت َذ ُْروهُ الّرَيا ُ ح هَ ِ ض فَأ ْ
صب َ َ ت الْر ِ ن ََبا ُ
درا ً )(45 مْقت َ ِ
ُ
واضرب أيها الرسول للناس -وبخاصة ذوو الك ِْبر منهم -صفة الدنيا
التي اغتّروا بها في بهجتها وسرعة زوالها ،فهي كماء أنزله الله من
خضّرا ،وما هي إل مدة م ْ
السماء فخرج به النبات بإذنه ،وصار ُ
سا متكسًرا تنسفه الرياح إلى كل يسيرة حتى صار هذا النبات ياب ً
جهة .وكان الله على كل شيء مقتدًرا ،أي :ذا قدرة عظيمة على
كل شيء.
عن ْد َ َرب ّه َ
ك خي ٌْر ِ
ت َ
حا ُ
صال ِ َ حَياةِ الد ّن َْيا َوال َْباقَِيا ُ
ت ال ّ ة ال ْ َ ل َوال ْب َُنو َ
ن ِزين َ ُ ما ُ ال ْ َ
مل ً )(46 َ وابا ً وَ َ
خي ٌْر أ َ ثَ َ
جمال وقوة في هذه الدنيا الفانية ،والعمال الموال والولد َ
ح والتحميد والتكبير والتهليل -أفضل أجًراالصالحة -وبخاصة التسبي ُ
عند ربك من المال والبنين ،وهذه العمال الصالحة أفضل ما يرجو
مله فيالنسان من الثواب عند ربه ،فينال بها في الخرة ما كان يأ ُ
الدنيا.
َ
م
من ْهُه ْ م فَل َه ْ
م ن ُغَههادِْر ِ ح َ
شْرَناهُ ْ ض َبارَِزةً وَ َ
ل وَت ََرى الْر َ سي ُّر ال ْ ِ
جَبا َ م نُ َ
وَي َوْ َ
حدا ً )(47 َ
أ َ
واذكر لهم يوم ُنزيل الجبال عن أماكنها ،وتبصر الرض ظاهرة،
ليس عليها ما يسترها مما كان عليها من المخلوقات ،وجمعنا
دا.
خرين لموقف الحساب ،فلم نترك منهم أح ًالولين وال ِ
572
م هّرةٍ ب َه ْ
ل م أ َوّ َ
ل َ خل َْقن َههاك ُ ْ مون َهها ك َ َ
مهها َ صّفا ً ل ََق هد ْ ِ
جئ ْت ُ ُ ك َ ضوا عََلى َرب ّ َ وَعُرِ ُ
عدا ً )(48 َ
مو ْ ِ م َ ل ل َك ُ ْ
جع َ َ م أل ّ ْ
ن نَ ْ مت ُ ْ
َزعَ ْ
رضوا جميًعا على ربك مصط َّفين ل ُيحجب منهم أحد ،لقدوعُ ِ
بعثناكم ،وجئتم إلينا فرادى ل مال معكم ول ولد ،كما خلقناكم أول
دا نبعثكم فيه ،ونجازيكم على
مرة ،بل ظننتم أن لن نجعل لكم موع ً
أعمالكم.
ن
جه ّ ن ال ْ ِمه ْ س ك َهها َ
ن ِ دوا إ ِل ّ إ ِب ِْلي ه َ
ج ُس َم فَ َ
دوا لد َ َ ج ُ س ُ ملئ ِك َةِ ا ْ وَإ ِذ ْ قُل َْنا ل ِل ْ َ
ذونه وذ ُريته َ مرِ َرب ّهِ أ َفَت َت ّ ِ فََفسق عَ َ
مم ل َك ُه ْدون ِههي وَهُه ْن ُمه ْ
ه أوْل ِي َههاَء ِ خ ُ َ ُ َ ّ َّ ُ نأ ْ ْ َ َ
ن ب َد َل ً )(50 مي َ ّ
س ِللظال ِ ِ عَد ُوّ ب ِئ ْ َ
واذكر حين أمرنا الملئكة بالسجود لدم ،تحية له ل عبادة ،وأمرنا
مروا به ،فسجد الملئكة جميًعا ،لكن إبليس الذي كان ُ
إبليس بما أ ِ
دا .أفتجعلونه
كبًرا وحس ً
من الجن خرج عن طاعة ربه ،ولم يسجد ِ
-أيها الناس -وذريته أعواًنا لكم تطيعونهم وتتركون طاعتي ،وهم ألد
ت طاعة الظالمين للشيطان بدل عن طاعة الرحمن. أعدائكم؟ قَب ُ َ
ح ْ
جيُبوا ل َهُ ْ
م ست َ ِ م فَل َ ْ
م يَ ْ م فَد َعَوْهُ ْ
مت ُ ْ
ن َزعَ ْ كاِئي ال ّ ِ
ذي َ شَر َ
دوا ُل َنا ُم ي َُقو ُ وَي َوْ َ
موِْبقا ً )(52م َ جعَل َْنا ب َي ْن َهُ ْوَ َ
واذكر لهم إذ يقول الله للمشركين يوم القيامة :نادوا شركائي
الذين كنتم تزعمون أنهم شركاء لي في العبادة؛ لينصروكم اليوم
مني ،فاستغاثوا بهم فلم يغيثوهم ،وجعلنا بين العابدين والمعبودين
كا في جهنم يهلكون فيه جميًعا.مهل ً
َ َ
دوا عَن ْهَهها
جه ُ واقُِعوهَهها وَل َه ْ
م يَ ِ م َ ن الن ّههاَر فَظ َن ّههوا أن ّهُ ه ْ
م ُ مههو َ
جرِ ُ وََرأى ال ْ ُ
م ْ
رفا ً )(53 ص ِ م ْ
َ
وشاهد المجرمون النار ،فأيقنوا أنهم واقعون فيها ل محالة ،ولم
يجدوا عنها معدل للنصراف عنها إلى غيرها.
ن أ َك ْث ََر
سا ُ
لن َ
نا ِ ل وَ َ
كا َ مث َ ٍ ن كُ ّ
ل َ م ْ
س ِ ذا ال ُْقْرآ ِ
ن ِللّنا ِ وَل ََقد ْ َ
صّرفَْنا ِفي هَ َ
جد َل ً )(54يٍء َ
ش ْ َ
عا كثيرة من المثال؛
وعنا في هذا القرآن للناس أنوا ً
ضحنا ون ّ
ولقد و ّ
ليتعظوا بها ويؤمنوا .وكان النسان أكثر المخلوقات خصومة وجدل.
َ َ
م إ ِل ّ أ ْ
ن س هت َغِْفُروا َرب ّهُ ه ْ م ال ْهُ َ
دى وَي َ ْ جاَءهُ ْمُنوا إ ِذ ْ َ ن ي ُؤْ ِ
سأ ْ من َعَ الّنا َ
ما َ
وَ َ
ب قُب ُل ً )(55 م ال ْعَ َ ْ َ ت َأ ْت ِي َهم سن ّ ُ َ
ذا ُ ن أوْ ي َأت ِي َهُ ْ ة الوِّلي َ ُ ْ ُ
وما منع الناس من اليمان -حين جاءهم الرسول محمد صلى الله
عليه وسلم ومعه القرآن ، -واستغفار ربهم طالبين عفوه عنهم ،إل
ديهم للرسول ،وطلبهم أن تصيبهم سنة الله في إهلك السابقين تح ّ
عياًنا.
عليهم ،أو يصيبهم عذاب الله ِ
574
ن ك ََف هُروا ل ال ّه ِ
ذي َ جههادِ ُ
ن وَي ُ َ
من هذِِري َ
ن وَ ُ
ري َِ ش ن إ ِل ّ ُ
مب َ ّ سِلي َ مْر َل ال ْ ُ س ُ ما ن ُْر ِ
وَ َ
ُ
ما أن ْذُِروا هُُزوا ً )(56 ذوا آَياِتي وَ َخ ُ حقّ َوات ّ َ ضوا ب ِهِ ال ْ َح ُ ِبال َْباط ِ ِ
ل ل ِي ُد ْ ِ
وما نبعث الرسل إلى الناس إل ليكونوا مبشرين بالجنة لهل
وفين بالنار لهل الكفر والعصيان ،ومع اليمان والعمل الصالح ،ومخ ّ
وضوح الحق يخاصم الذين كفروا رسلهم بالباطل تعنًتا; ليزيلوا
بباطلهم الحق الذي جاءهم به الرسول ،واتخذوا كتابي وحججي وما
وفوا به من العذاب سخرية واستهزاء.خ ّ
ُ
َ وم َ
داهُت يَ َم ْ ما قَد ّ َ ي َس َ ت َرب ّهِ فَأعَْر َ
ض عَن َْها وَن َ ِ ن ذ ُك َّر ِبآَيا ِ م ْم ّم ِ ن أظ ْل َ ُ َ َ ْ
َ َ
من َتههد ْعُهُ ْم وَْقرا ً وَإ ِ ْ ن ي َْفَقُهوهُ وَِفي آ َ
ذان ِهِ ْ ةأ ْ جعَل َْنا عََلى قُُلوب ِهِ ْ
م أك ِن ّ ً إ ِّنا َ
َ
دوا ِإذا ً أَبدا ً )(57 ن ي َهْت َ ُدى فَل َ ْ إ َِلى ال ْهُ َ
عظ بآيات ربه الواضحة ،فانصرف عنها ما ممن وُ ِ ول أحد أشد ظل ً
دمته يداه من الفعال القبيحة فلم يرجع إلى باطله ،ونسي ما ق ّ
عنها ،إّنا جعلنا على قلوبهم أغطية ،فلم يفهموا القرآن ،ولم يدركوا
ما فيه من الخير ،وجعلنا في آذانهم ما يشبه الصمم ،فلم يسمعوه
عهم إلى اليمان فلن يستجيبوا لك ،ولن ولم ينتفعوا به ،وإن ت َد ْ ُ
دا.
يهتدوا إليه أب ً
ب م ال َْعهه َ
ذا َ ل ل َُههه ْ سُبوا ل َعَ ّ
ج َ ما ك َ َ خذ ُهُ ْ
م بِ َ مةِ ل َوْ ي ُ َ
ؤا ِ ح َذو الّر ْ ك ال ْغَُفوُر ُوََرب ّ َ
موْئ ِل ً )(58دون ِهِ َن ُ م ْ دوا ِ ج ُ عد ٌ ل َ ْ
ن يَ ِ مو ْ ِ ل ل َهُ ْ
م َ بَ ْ
وربك الغفور لذنوب عباده إذا تابوا ،ذو الرحمة بهم ،لو يعاقب
جل لهم
هؤلء المعرضين عن آياته بما كسبوا من الذنوب والثام لع ّ
العذاب ،ولكنه تعالى حليم ل يعجل بالعقوبة ،بل لهم موعد يجازون
فيه بأعمالهم ،ل مندوحة لهم عنه ول محيد.
وتلك القرى القريبة منكم -كقرى قوم هود وصالح ولوط وشعيب-
أهلكناها حين ظلم أهلها بالكفر ،وجعلنا لهلكهم ميقاًتا وأجل حين
بلغوه جاءهم العذاب فأهلكهم الله به.
575
ل موسى ل َِفتاه ل أ َبرح حتى أ َبل ُهغَ مجم هع ال ْبحري ه َ َ
ي
ضه َ
م ِ
ن أوْ أ ْ
َ ْ َ َ َ ْ َ ْ ِ ْ َْ ُ َ ّ َ ُ وَإ ِذ ْ َقا َ ُ َ
حُقبا ً )(60 ُ
واذكر حين قال موسى لخادمه يوشع بن نون :ل أزال أتابع السير
حتى أصل إلى ملتقى البحرين ،أو أسير زمًنا طويل حتى أصل إلى
العبد الصالح؛ لتعلم منه ما ليس عندي من العلم.
سههَربا ً ) ه ِفي ال ْب َ ْ
حرِ َ سِبيل َ ُ ما َفات ّ َ
خذ َ َ حوت َهُ َ
سَيا ُ
ما ن َ ِ
معَ ب َي ْن ِهِ َ
ج َ ما ب َل ََغا َ
م ْ فَل َ ّ
(61
سْير ،فلما وصل ملتقى البحرين جلسا عند صخرة، دا في ال ّ ج ّ
و َ
ونسيا حوتهما الذي ُأمر موسى بأخذه معه قوًتا لهما ،وحمله يوشع
مك َْتل ،فإذا الحوت يصبح حّيا وينحدر في البحر ،ويتخذ له فيه
في ِ
حا.طريًقا مفتو ً
صهبا ً ) هه َ
ذا ن َ َ سهَفرَِنا َ
ن َ داَءَنا ل ََقد ْ ل َِقيَنها ِ
مه ْ ل ل َِفَتاهُ آت َِنا غَ َ
جاوََزا َقا َ فَل َ ّ
ما َ
(62
فلما فارقا المكان الذي نسيا فيه الحوت وشعر موسى بالجوع،
قال لخادمه :أحضر إلينا غداءنا ،لقد لقينا من سفرنا هذا تعًبا.
576
قال موسى :ما حصل هو ما كنا نطلبه ،فإنه علمة لي على مكان
العبد الصالح ،فرجعا يقصان آثار مشيهما حتى انتهيا إلى الصخرة.
عْلما ً
ن ل َد ُّنا ِ
م ْ عن ْدَِنا وَعَل ّ ْ
مَناهُ ِ ن ِ
م ْ
ة ِ
م ً
ح َ
عَبادَِنا آت َي َْناهُ َر ْ
ن ِ دا عَْبدا ً ِ
م ْ فَوَ َ
ج َ
)(65
ضر عليه السلم -وهو خ ِ
حا من عبادنا هو ال َدا صال ً
فوجدا هناك عب ً
من نبي من أنبياء الله توفاه الله ، -آتيناه رحمة من عندنا ،وعَل ّ ْ
مناه ِ
ما.ما عظي ً
لدّنا عل ً
صْبرا ً )(67
مِعي َ
طيعَ َ
ست َ ِ ك لَ ْ
ن تَ ْ ل إ ِن ّ َ
َقا َ
ضر :إنك -يا موسى -لن تطيق أن تصبر على اتباعي
خ ِ
قال له ال َ
وملزمتي.
خْبرا ً )(68 ح ْ
ط ب ِهِ ُ ما ل َ ْ
م تُ ِ صب ُِر عََلى َ وَك َي ْ َ
ف تَ ْ
وكيف لك الصبر على ما سأفعله من أمور تخفى عليك مما علمنيه
الله تعالى؟
577
حبتني فل تسألني عن شيء تنكره،
ن صا َ
ضر وقال له :فإ ْ
خ ِ
فوافق ال َ
حتى أبّين لك من أمره ما خفي عليك دون سؤال منك.
صْبرا ً )(72
مِعي َ
طيعَ َ
ست َ ِ ك لَ ْ
ن تَ ْ م أ َقُ ْ
ل إ ِن ّ َ َقا َ َ
ل أل َ ْ
ضر :لقد قلت لك من أول المر :إنك لن تستطيع الصبرخ ِ
قال له ال َ
على صحبتي.
578
صْبرا ً )(75
مِعي َ
طيعَ َ
ست َ ِ ك لَ ْ
ن تَ ْ ك إ ِن ّ َ م أ َقُ ْ
ل لَ َ َقا َ َ
ل أل َ ْ
ضر لموسى معاتًبا ومذكًرا :ألم أقل لك إنك لن تستطيعخ ِقال ال َ
خب ًْرا؟
معي صبًرا على ما ترى من أفعالي مما لم تحط به ُ
ن ل َهد ُّني
مه ْ حب ِْني قَ هد ْ ب َل َغْه َ
ت ِ ها َفل ت ُ َ
صا ِ يءٍ ب َعْد َ َ ن َ
ش ْ سأ َل ْت ُ َ
ك عَ ْ ن َ َقا َ
ل إِ ْ
ذرا ً )(76
عُ ْ
قال موسى له :إن سألتك عن شيء بعد هذه المرة فاتركني ول
ت العذر في شأني ولم تقصر؛ حيث أخبرَتني أنيتصاحبني ،قد بلغ َ
لن أستطيع معك صبًرا.
ص هْبرا ً ك سأ ُنبئ ُ َ ْ
ست َط ِعْ عَل َي ْهِ َ ما ل َ ْ
م تَ ْ ل َ
ك ب ِت َأِوي ِ ذا فَِراقُ ب َي ِْني وَب َي ْن ِ َ َ َ ّ َقا َ
ل هَ َ
)(78
ضر لموسى :هذا وقت الفراق بيني وبينك ،سأخبرك بما خ ِ
قال ال َ
ي من أفعالي التي فعلتها ،والتي لم تستطع صبًرا علىأنكرت عل ّ
ي فيها.
ترك السؤال عنها والنكار عل ّ
َ
ن أَ ِ
عيب َهَهها َ
تأ ْ ن ِفي ال ْب َ ْ
حهرِ فَهأَرد ْ ُ مُلو َ
ن ي َعْ َ
كي َسا ِم َ ت لِ َ ة فَ َ
كان َ ْ سِفين َ ُ
ما ال ّ
َ
أ ّ
صبا ً )(79 خذ ُ ك ُ ّ كان وراَءهم مل ٌ ْ
سِفين َةٍ غَ ْل َ ك ي َأ ُ وَ َ َ َ َ ُ ْ َ ِ
579
أما السفينة التي خرقتها فإنها كانت لناس مساكين يعملون في
البحر عليها سعًيا وراء الرزق ،فأردت أن أعيبها بذلك الخرق؛ لن
كا يأخذ كل سفينة صالحة غصًبا من أصحابها. أمامهم مل ً
وأ َ
كن هٌز ل َهُ َ
مهها ه َ حت َ ُ
ن تَ ْ دين َةِ وَ َ
كا َ م ِن ِفي ال ْ َ َ ِ ْ ي م
َ تي ِ َ ي ن
ِ ْ يمَ غلُ ِ ل ن
َ َ
كا َ ف ر
ُ دا
َ ج
ِ ما ال ْ ّ َ
مهها جا َ َ
ن ي َب ْل َُغا أ ُ َ
صاِلحا ً فَأَراد َ َرب ّ َ َ وَ َ
كنَزهُ َ خرِ َ سههت َ ْما وَي َ ْشد ّهُ َ كأ ْ َ مان أُبوهُ َ كا َ
س هت َط ِعْ عَل َي ْه ِ
ه م تَ ْ ما ل َ ْل َك ت َأ ِْوي ُ ري ذ َل ِ َ م ِ نأ ْ
ك وما فَعل ْته عَ َ
ْ َ ُ ُ ن َرب ّ َ َ َ م ْة ِ م ًح َ َر ْ
صْبرا ً )(82 َ
مي َْله حتى استوى فإنه كان لغلمين يتيمين ت َدل ُ
وأما الحائط الذي ع ّ
في القرية التي فيها الجدار ،وكان تحته كنز لهما من الذهب
حا ،فأراد ربك أن يكَبرا ويبلغاوالفضة ،وكان أبوهما رجل صال ً
ت ياقوتهما ،ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك بهما ،وما فعل ُ
موسى جميع الذي رأيَتني فعلُته عن أمري ومن تلقاء نفسي ،وإنما
ت لك أسبابه هو عاقبة المور فعلته عن أمر الله ،ذلك الذي ب َي ّن ْ ُ
ي فيها.التي لم تستطع صبًرا على ترك السؤال عنها والنكار عل ّ
580
سَببا ً )(84 ن كُ ّ
ل َ إّنا مك ّّنا ل َه ِفي ال َ
يءٍ َ
ش ْ م ْ
ض َوآت َي َْناهُ ِ
ِ ر
ْ ُ ِ َ
إنا مك ّّنا له في الرض ،وآتيناه من كل شيء أسباًبا وطرًقا ،يتوصل
من فَْتح المدائن وقهر العداء وغير ذلك. بها إلى ما يريد ِ
كرا ً )
ذابا ً ن ُ ْ َقا َ َ
م ي َُرد ّ إ َِلى َرب ّهِ فَي ُعَذ ّب ُ ُ
ه عَ َ ه ثُ ّ
ف ن ُعَذ ّب ُ ُ
سو ْ َ ن ظ َل َ َ
م فَ َ م ْ
ما َ
لأ ّ
(87
من ظلم نفسه منهم فكفر بربه ،فسوف نعذبه ما َ
قال ذو القرنين :أ ّ
ما في نار جهنم.
في الدنيا ،ثم يرجع إلى ربه ،فيعذبه عذاًبا عظي ً
َ
ن
مه ْ ل ل َه ُ
ه ِ س هن َُقو ُ
سهَنى وَ َ جهَزاًء ال ْ ُ
ح ْ صاِلحا ً فَل َه ُ
ه َ م َ
ل َ ن وَعَ ِ
م َ
نآ َ
م ْما َ وَأ ّ
سرا ً )(88 َ
مرَِنا ي ُ ْأ ْ
حده وعمل بطاعته فله الجنة دق به وو ّ
من آمن منهم بربه فص ّوأما َ
سر له
ثواًبا من الله ،وسنحسن إليه ،ونلين له في القول وني ّ
المعاملة.
581
سَببا ً )(89 ثُ َ
م أت ْب َعَ َ
ّ
ثم رجع ذو القرنين إلى المشرق متبًعا السباب التي أعطاه الله
إياها.
ل ل َهُ ه ْ
م جع َ ه ْ ها ت َط ْل ُعُ عََلى قَوْم ٍ ل َه ْ
م نَ ْ جد َ َ
س وَ َ
م ِ مط ْل ِعَ ال ّ
ش ْ ذا ب َل َغَ َ
حّتى إ ِ َ
َ
سْترا ً )(90 دون َِها ِ ن ُ
م ِْ
حتى إذا وصل إلى مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم ليس لهم
بناء يسترهم ،ول شجر يظلهم من الشمس.
خْبرا ً )(91
ما ل َد َي ْهِ ُ َ
حط َْنا ب ِ َ ك َذ َل ِ َ
ك وَقَد ْ أ َ
عل ْ ُ
منا بما عنده من الخير والسباب العظيمة، كذلك وقد أحاط ِ
جه وسار.
حيثما تو ّ
ن
ن ي َْفَقهُههو َ وم ها ً ل ي َك َهها ُ
دو َ مهها قَ ْ
دون ِهِ َ
ن ُ
م ْ
جد َ ِ
ن وَ َ
سد ّي ْ ِ ذا ب َل َغَ ب َي ْ َ
ن ال ّ حّتى إ ِ َ
َ
قَوْل ً )(93
حتى إذا وصل إلى ما بين الجبلين الحاجزين لما وراءهما ،وجد من
ما ،ل يكادون يعرفون كلم غيرهم.دونهما قو ً
ض فَهَ ه ْ
ل ر ن فِههي ال َ دو ه س ف
ْ م ج جو ذا ال َْقرنين إن يأ ْجوج وم هأ ْ َقاُلوا َيا َ
ْ ِ َ ُ ِ ُ َ ُ ْ َْ ِ ِ ّ َ ُ َ َ َ
سد ّا ً )(94 َ
م َ جع َ َ
ل ب َي ْن ََنا وَب َي ْن َهُ ْ خْرجا ً عََلى أ ْ
ن تَ ْ ك َل لَ َ
جع َ ُ
نَ ْ
متان عظيمتان منن يأجوج ومأجوج -وهما أ ّقالوا يا ذا القرنين :إ ّ
بني آدم -مفسدون في الرض بإهلك الحرث والنسل ،فهل نجعل
لك أجًرا ،ونجمع لك مال على أن تجعل بيننا وبينهم حاجًزا يحول
بيننا وبينهم؟
582
َ َ
م ل ب َي ْن َك ُه ْ
م وَب َي ْن َهُه ْ جع َه ْ
عيُنوِني ب ُِقهوّةٍ أ ْ مك ّن َِني ِفيهِ َرّبي َ
خي ْهٌر فَهأ ِ ما َ
ل ََقا َ
دما ً )(95
َر ْ
من
قال ذو القرنين :ما أعطانيه ربي من الملك والتمكين خير لي ِ
دا.
مالكم ،فأعينوني بقوة منكم أجعل بينكم وبينهم س ً
حّتى إ ِ َ
ذا خوا َ ن َقا َ
ل انُف ُ صد َفَي ْ ِ
ن ال ّ
ساَوى ب َي ْ َ ذا َ حّتى إ ِ َديدِ َ آُتوِني ُزب ََر ال ْ َ
ح ِ
طرا ً )(96 ل آُتوِني أ ُفْرِغْ عَل َي ْهِ قِ ْه َنارا ً َقا َ
جعَل َ ُ
َ
أعطوني قطع الحديد ،حتى إذا جاؤوا به ووضعوه وحاذوا به جانبي
ججوا النار ،حتى إذا صار الحديد كله ناًرا،
الجبلين ،قال للعمال :أ ّ
سا ُأفرغه عليه.قال :أعطوني نحا ً
ن وَعْهد ُ جعَل َه ُ
ه د َك ّههاَء وَك َهها َ جاءَ وَعْد ُ َرب ّههي َ ن َرّبي فَإ ِ َ
ذا َ م ْ
ة ِ
م ٌ
ح َ
ذا َر ْ َقا َ
ل هَ َ
حّقا ً )(98 َرّبي َ
قال ذو القرنين :هذا الذي بنيته حاجًزا عن فساد يأجوج ومأجوج
رحمة من ربي بالناس ،فإذا جاء وعد ربي بخروج يأجوج ومأجوج
ما مستوًيا بالرض ،وكان وعد ربي حّقا.
جعله دكاء منهد ً
م
معْن َههاهُ ْ صههورِ فَ َ
ج َ ض وَن ُِف ه َ
خ فِههي ال ّ ج ِفي ب َعْ ٍ
مو ُ
مئ ِذٍ ي َ ُ
م ي َوْ َ وَت ََرك َْنا ب َعْ َ
ضه ُ ْ
معا ً )(99 ج َْ
دنا -يموج بعضهم في بعض وتركنا يأجوج ومأجوج -يوم يأتيهم وَعْ ُ
مختلطين؛ لكثرتهم ،ونفخ في "القرن" للبعث ،فجمعنا الخلق جميًعا
للحساب والجزاء.
583
ن عَْرضا ً )(100
ري َ مئ ِذٍ ل ِل ْ َ
كافِ ِ م ي َوْ َ
جهَن ّ َ
ضَنا َ
وَعََر ْ
وعرضنا جهنم للكافرين ،وأبرزناها لهم لنريهم سوء عاقبتهم.
َ
ن
طيُعو َ ري وَك َههاُنوا ل ي َ ْ
سهت َ ِ م فِههي ِغط َههاٍء عَه ْ
ن ذِك ْه ِ ت أعْي ُن ُهُه ْن ك َههان َ ْ ال ّ ِ
ذي َ
معا ً )(101 س َْ
الذين كانت أعينهم في الدنيا في غطاء عن ذكري فل تبصر آياتي،
وكانوا ل يطيقون سماع حججي الموصلة إلى اليمان بي
وبرسولي.
خسري َ َ
مال ً )(103
ن أعْ َ ل ن ُن َب ّئ ُك ُ ْ
م ِبال ْ َ ِ َ قُ ْ
ل هَ ْ
قل -أيها الرسول -للناس محذًرا :هل ُنخبركم بأخسر الناس أعمال؟
َ ُأول َئ ِ َ
م مههال ُهُ ْ
م َفل ن ُِقي ه ُ حب ِط َه ْ
ت أعْ َ م وَل َِقههائ ِهِ فَ َ ن ك ََفُروا ِبآَيا ِ
ت َرب ّهِ ْ ذي َ ك ال ّ ِ
مةِ وَْزنا ً )(105 م ال ِْقَيا َ م ي َوْ َ ل َهُ ْ
584
أولئك الخسرون أعمال هم الذين جحدوا بآيات ربهم وك ّ
ذبوا بها،
وأنكروا لقاءه يوم القيامة ،فبطلت أعمالهم؛ بسبب كفرهم ،فل
نقيم لهم يوم القيامة قدًرا.
حوَل ً )(108
ن عَن َْها ِ
ن ِفيَها ل ي َب ُْغو َ
دي َ
خال ِ ِ
َ
ول؛ لرغبتهم فيها وحبهم لها.
دا ،ل يريدون عنها تح ّ
خالدين فيها أب ً
-19سورة مريم
كهيعص )(1
)كهيعص( سبق الكلم على الحروف المق ّ
طعة في أول سورة
البقرة.
خِفي ّا ً )(3
داءً َ
ه نِ َ إ ِذ ْ َنا َ
دى َرب ّ ُ
صا لله ,وأرجى للجابة.
إذ دعا ربه سًرا; ليكون أكمل وأتم إخل ً
شهيبا ً ول َه َ ْ
م أك ُه ْ
ن س َ ْ َ ْ شهت َعَ َ
ل الهّرأ ُ من ّههي َوا ْ ن ال ْعَظ ْه ُ
م ِ ب إ ِّني وَهَه َ
ل َر ّ َقا َ
شِقي ّا ً )(4
ب َ
ك َر ّعائ ِ َب ِد ُ َ
ت ,وضعف عظمي ,وانتشر الشيب في رأسي, قال :رب إني ك َب ِْر ُ
ما من إجابة الدعاء.
ولم أكن من قبل محرو ً
ن
مه ْ
ب ل ِههي ِ مَرأ َِتي َ
عاِقرا ً فَهَ ْ تا ْ ن وََراِئي وَ َ
كان َ ْ م ْ
ي ِ
وال ِ َ ت ال ْ َ
م َ خْف ُ وَإ ِّني ِ
ك وَل ِي ّا ً )(5
ل َد ُن ْ َ
من بعد موتي أن ل يقوموا بدينك حق وإني خفت أقاربي وعصبتي ِ
القيام ,ول يدعوا عبادك إليك ,وكانت زوجتي عاقًرا ل تلد ,فارزقني
دا وارًثا ومعيًنا.
من عندك ول ً
ِ
586
ضي ّا ً )(6
ب َر ِ جعَل ْ ُ
ه َر ّ ب َوا ْ
ل ي َعُْقو َ
نآ ِ
م ْ ي َرِث ُِني وَي َرِ ُ
ث ِ
وتي ونبوة آل يعقوب ,واجعل هذا الولد مرضًيا منك ومن
يرث نب ّ
عبادك.
مي ّا ً )
سهه ِ ن قَب ْ ُ
ل َ م ْ ل لَ ُ
ه ِ جع َ ْ حَيى ل َ ْ
م نَ ْ ه يَ ْ
م ُ
س ُ
ك ب ُِغلم ٍ ا ْ َيا َزك َرِّيا إ ِّنا ن ُب َ ّ
شُر َ
(7
ما اسمه يحيى,
يا زكريا إّنا نبشرك بإجابة دعائك ,قد وهبنا لك غل ً
دا قبله بهذا السم.
م أح ًس ّ
لم ن ُ َ
كانت ا َ ب أ َّنى ي َ ُ
ن
مه ْ مَرأِتي عَههاِقرا ً وَقَ هد ْ ب َل َغْ ه ُ
ت ِ م وَ َ َ ْ ْ ن ِلي ُ
غل ٌ كو ُ ل َر ّ َقا َ
عت ِي ّا ً )(8
ال ْك ِب َرِ ِ
ب كيف يكون لي غلم ,وكانت امرأتي عاقًرا لقال زكريا متعجًبا :ر ّ
تلد ,وأنا قد بلغت النهاية في الكبر ورقة العظم؟
ك ل وَل َه ْ
م ت َه ُ ن قَب ْه ُ
مه ْ خل َْقت ُه َ
ك ِ ن وَقَ هد ْ َ ك هُوَ عَل َ ّ
ي هَي ّ ٌ ل َرب ّ َ ل ك َذ َل ِ َ
ك َقا َ َقا َ
شْيئا ً )(9 َ
منجب منه :هكذا المر كما تقول ِ مَلك مجيًبا زكريا ع ّ
ما تع ّ قال ال َ
خل ْ ُ
ق ن ربك قالَ :
كون امرأتك عاقًرا ,وبلوغك من الكبر عتًيا ,ولك ّ
ي ,ثم ذكر الله سبحانهيحيى على هذه الكيفية أمر سهل هّين عل ّ
لزكريا ما هو أعجب مما سأل عنه فقال :وقد خلقتك أنت من قبل
ك شيًئا مذكوًرا ول موجو ً
دا. يحيى ,ولم ت ُ
سهوِي ّا ً ) ل آيت َ َ
ث ل َي َهها ٍ
ل َ س َثل َ ك أل ّ ت ُك َل ّ َ
م الن ّهها َ ة َقا َ َ ُ
جَعل ِلي آي َ ً
با ْ َقا َ
ل َر ّ
(10
ب اجعل لي علمة على تحّقق ماقال زكريا زيادة في اطمئنانه :ر ّ
شَرْتني به الملئكة ,قال :علمتك أن ل تقدر على كلم الناس مدةبَ ّ
ثلث ليال وأيامها ,وأنت صحيح معافى.
587
حوا ب ُك ْهَرةً خرج عََلى قَ هومه م هن ال ْمح هراب فَ هأ َوحى إل َيه ه َ
س هب ّ ُ
ن َ
مأ ِْ ِْ ْ ْ َ ِ ْ َ ِ ْ ِ ِ ِ ْ فَ َ َ َ
شي ّا ً )(11
وَعَ ِ
شر فيهمن مصله ,وهو المكان الذي ب ُ ّ فخرج زكريا على قومه ِ
حا ومساًء شكًرا له تعالى.سّبحوا الله صبا ً
بالولد ,فأشار إليهم :أن َ
صي ّا ً )(14
جّبارا ً عَ ِ وال ِد َي ْهِ وَل َ ْ
م ي َك ُ ْ
ن َ وَب َّرا ً ب ِ َ
وكان باّرا بوالديه مطيًعا لهما ,ولم يكن متكبًرا عن طاعة ربه ,ول
عن طاعة والديه ,ول عاصًيا لربه ,ول لوالديه.
حي ّا ً )(15
ث َ
م ي ُب ْعَ ُ
ت وَي َوْ َ
مو ُ
م يَ ُ م عَل َي ْهِ ي َوْ َ
م وُل ِد َ وَي َوْ َ سل ٌ
وَ َ
وسلم من الله على يحيى وأمان له يوم وُِلد ,ويوم يموت ,ويوم
من قبره حًيا.
ُيبعث ِ
شْرقِي ّا ً )(16
كانا ً َ
م َ واذ ْك ُر في ال ْكتاب مريم إذ ْ انتبذ َت م َ
ن أهْل َِها َ
ََ ْ ِ ْ َِ ِ َ ْ َ َ ِ ْ ِ َ
واذكر -أيها الرسول -في هذا القرآن خبر مريم إذ تباعدت عن
أهلها ,فاتخذت لها مكاًنا مما يلي الشرق عنهم.
588
سوِي ّا ً َ
شرا ً َ
ل ل ََها ب َ َ سل َْنا إ ِل َي َْها ُرو َ
حَنا فَت َ َ
مث ّ َ جابا ً فَأْر َ
ح َ
م ِ
دون ِهِ ْ
ن ُ
م ْ َفات ّ َ
خذ َ ْ
ت ِ
)(17
من دون أهلها ستًرا يسترها عنهم وعن الناس ,فأرسلنا فجعلت ِ
خْلق.
إليها المَلك جبريل ,فتمّثل لها في صورة إنسان تام ال َ
ت ت َِقي ّا ً )(18 ن ُ
كن َ من ْ َ
ك إِ ْ ن ِ
م ِ ت إ ِّني أ َ ُ
عوذ ُ ِبالّر ْ
ح َ َقال َ ْ
قالت مريم له :إني أستجير بالرحمن منك أن تنالني بسوء إن كنت
ممن يتقي الله.
َ
غلما ً َزك ِي ّا ً )(19 ك ل َهَ َ
ب لَ ِ
ك ُ سو ُ
ل َرب ّ ِ ما أَنا َر ُ َقا َ
ل إ ِن ّ َ
مَلك :إنما أنا رسول ربك بعثني إليك؛ لهب لك غل ً
ما قال لها ال َ
طاهًرا من الذنوب.
من ّهها
ة ِ
مه ً
ح َ
س وََر ْ
ة ِللن ّهها ِ جعَل َ ُ
ه آي َه ً ن وَل ِن َ ْ ك هُوَ عَل َ ّ
ي هَي ّ ٌ ل َرب ّ ِك َقا َل ك َذ َل ِ َِقا َ
ضي ّا ً )(21 َ
مْق ِ مرا ً َ نأ ْ وَ َ
كا َ
مَلك :هكذا المر كما تصفين من أنه لم يمسسك بشر, قال لها ال َ
ي سهل; وليكون هذا ولم تكوني ب َغِّيا ,ولكن ربك قال :المر عل ّ
الغلم علمة للناس تدل على قدرة الله تعالى ,ورحمة مّنا به
وبوالدته وبالناس ,وكان وجود عيسى على هذه الحالة قضاء سابًقا
من نفوذه.
مقد ًّرا ,مسطوًرا في اللوح المحفوظ ,فل بد ِ
صي ّا ً )(22
كانا ً قَ ِ
م َ مل َت ْ ُ
ه َفانت َب َذ َ ْ
ت ب ِهِ َ فَ َ
ح َ
589
جْيب قميصها ,فوصلتفحملت مريم بالغلم بعد أن نفخ جبريل في َ
مها ,فوقع الحمل بسبب ذلك ,فتباعدت به إلى مكان
ح ِ
النفخة إلى َر ِ
بعيد عن الناس.
َ
ت قَب ْه َ
ل هَ ه َ
ذا ت ي َهها ل َي ْت َن ِههي ِ
مه ّ خل َهةِ قَههال َ ْ ض إ َِلى ِ
جذ ِْع الن ّ ْ خا ُ م َها ال ْ َ فَأ َ
جاَء َ
سي ّا ً )(23 سيا ً َ
من ْ ِ ت نَ ْكن ُ وَ ُ
جن ِي ّا ً )(25
طبا ً َ
ك ُر َط عَل َي ْ ِ
ساقِ ْ
خل َةِ ت ُ َ
جذ ِْع الن ّ ْ وَهُّزي إ ِل َي ْ ِ
ك بِ ِ
من ساعته.ي ِ
جن ِ َ ضا ُط عليك رطًبا غَ ّ ساقِ ْ حّركي جذع النخلة ت ُ َ و َ
590
ك ب َغِي ّا ً )(28 ُ ما َ كان أ َبوك ا َ َيا أ ُ ْ
م ِ
تأ ّكان َ ْ سوْءٍ وَ َ ما َ َ ُ ِ ْ
مَرأ َ ن َ
هاُرو َ
ت َ
خ َ
يا أخت الرجل الصالح هارون ما كان أبوك رجل سوء يأتي
الفواحش ,وما كانت أمك امرأة سوء تأتي الِبغاء.
شِقي ّا ً )(32
جّبارا ً َ
جعَل ِْني َ وال ِد َِتي وَل َ ْ
م يَ ْ وَب َّرا ً ب ِ َ
وجعلني باّرا بوالدتي ,ولم يجعلني متكبًرا ول شقًيا ,عاصًيا لربي.
ن )(34
مت َُرو َ حق ّ ا ل ّ ِ
ذي ِفيهِ ي َ ْ ل ال ْ َ
م قَوْ َ
مْري َ َ
ن َ
سى اب ْ ُ
عي َ ذ َل ِ َ
ك ِ
591
ذلك الذي قصصنا عليك -أيها الرسول -صفَته وخبَره هو عيسى
ل الحق الذي شك فيهمن غير شك ول مرية ,بل هو قو ُ ابن مريمِ ,
اليهود والنصارى.
َ َ
ل َلهه ُ
ه مرا ً فَإ ِن ّ َ
ما ي َُقههو ُ ذا قَ َ
ضى أ ْ ه إِ َ
حان َ ُ ن وَل َدٍ ُ
سب ْ َ خذ َ ِ
م ْ ن ل ِل ّهِ أ ْ
ن ي َت ّ ِ كا َما َ َ
ن )(35 كو ُ ن فَي َ ُ
كُ ْ
خْلقه ول ً
دا ,تنّزه من عباده و َ
ما كان لله تعالى ول يليق به أن يتخذ ِ
دس عن ذلك ,إذا قضى أمًرا من المور وأراده ,صغيًرا أو كبيًرا, وتق ّ
لم يمتنع عليه ,وإنما يقول له" :كن" ,فيكون كما شاءه وأراده.
م )(36
ست َِقي ٌ
م ْ صَرا ٌ
ط ُ ذا ِ ن الل ّ َ
ه َرّبي وََرب ّك ُ ْ
م َفاعْب ُ ُ
دوهُ هَ َ وَإ ِ ّ
وقال عيسى لقومه :وإن الله الذي أدعوكم إليه هو وحده ربي
وربكم فاعبدوه وحده ل شريك له ,فأنا وأنتم سواء في العبودية
والخضوع له ،هذا هو الطريق الذي ل اعوجاج فيه.
م ْ
شههَدِ ي َهوْم ٍ ن َ ن ك ََفهُروا ِ
مه ْ ل ل ِل ّه ِ
ذي َ م فَوَي ْه ٌ
ن ب َي ْن ِهِه ْ
م ْ
ب ِ ف ال َ ْ
حَزا ُ خت َل َ َ
َفا ْ
ظيم ٍ )(37 عَ ِ
فاختلفت الِفَرق من أهل الكتاب فيما بينهم في أمر عيسى عليه
السلم ,فمنهم غال فيه وهم النصارى ,فمنهم من قال :هو الله,
ومنهم من قال :هو ابن الله ,ومنهم من قال :ثالث ثلثة -تعالى
ف عنه وهم اليهود ,قالوا :ساحر,
الله عما يقولون ،-ومنهم جا ٍ
من شهود يوم عظيم وقالوا :ابن يوسف النجار ,فهلك للذين كفروا ِ
الهول ,وهو يوم القيامة.
592
َ َ
ن م ِفي غَْفل َةٍ وَهُ ْ
م ل ي ُؤْ ِ
مُنو َ مُر وَهُ ْ
ي ال ْ سَرةِ إ ِذ ْ قُ ِ
ض َ م ال ْ َ
ح ْ م ي َوْ َ
وَأنذِْرهُ ْ
)(39
جاءُ
وأنذر -أيها الرسول -الناس يوم الندامة حين ُيقضى المر ,وي ُ َ
بالموت كأّنه كبش أملح ,في ُذ َْبح ,وُيفصل بين الخلق ,فيصير أهل
اليمان إلى الجنة ,وأهل الكفر إلى النار ,وهم اليوم في هذه الدنيا
ما ُأنذروا به ,فهم ل يصدقون ,ول يعملون العمل
في غفلة ع ّ
الصالح.
ديقا ً ن َب ِي ّا ً )(41
ص ّ
ن ِ ه َ
كا َ م إ ِن ّ ُ
هي َ َواذ ْك ُْر ِفي ال ْك َِتا ِ
ب إ ِب َْرا ِ
واذكر -أيها الرسول -لقومك في هذا القرآن قصة إبراهيم -عليه
من أرفع أنبياء الله تعالى منزلة.
السلم -إنه كان عظيم الصدق ,و ِ
َ
ص هُر َول ي ُغْن ِههي عَن ْه َ
ك معُ َول ي ُب ْ ِ
سه َ
مهها ل ي َ ْ
م ت َعْب ُهد ُ َ ل ل َِبيهِ َيا أب َ ِ
ت لِ َ إ ِذ ْ َقا َ
شْيئا ً )(42 َ
إذ قال لبيه آزر :يا أبت لي شيء تعبد من الصنام ما ل يسمع ول
يبصر ,ول يدفع عنك شيًئا من دون الله؟
ص هَراطا ً
ك ِ م ي َأ ْت ِ َ
ك َفات ّب ِعِْني أ َهْ هدِ َ ما ل َ ْ
ن ال ْعِل ْم ِ َ
م ْ ت إ ِّني قَد ْ َ
جاَءِني ِ
َ
َيا أب َ ِ
سوِي ّا ً )(43َ
يا أبت ,إن الله أعطاني من العلم ما لم يعطك ,فاقبل مني,
واتبعني إلى ما أدعوك إليه ,أرشدك إلى الطريق السوي الذي ل
تض ّ
ل فيه.
593
صي ّا ً )(44 ن َ شي ْ َ
ن ال ّ شي ْ َ
ت ل ت َعْب ُد ْ ال ّ َ
ن عَ ِ
م ِ
ح َ
ن ِللّر ْ
كا َ طا َ ن إِ ّ
طا َ َيا أب َ ِ
يا أبت ,ل تطع الشيطان فتعبد هذه الصنام; إن الشيطان كان
للرحمن مخالًفا مستكبًرا عن طاعة الله.
شهي ْ َ خا ُ َ
ت إ ِّني أ َ َ َ
ن
طا ِ ن فَت َك ُههو َ
ن ِلل ّ مه ِ
ح َ
ن الّر ْ
م ْ
ب ِ
ذا ٌ س َ
ك عَ َ م ّ
ن يَ َ
فأ ْ َيا أب َ ِ
وَل ِي ّا ً )(45
سك عذاب من
م ّ
يا أبت ,إني أخاف أن تموت على كفرك ,في َ
الرحمن ,فتكون للشيطان قريًنا في النار.
َ قَهها َ َ
من ّه َ
ك م َتنت َههِ ل َْر ُ
ج َ ن ل َه ْ
م ل َئ ِ ْ
هي ه ُ
ن آل ِهَت ِههي ي َهها إ ِْبرا ِ
ت عَ ه ْب أن ْه َ
ل أَراِغ ه ٌ
مل ِي ّا ً )(46
جْرِني َ
َواهْ ُ
قال أبو إبراهيم لبنه :أمعرض أنت عن عبادة آلهتي يا إبراهيم؟ لئن
سّبها لقتلّنك رمًيا بالحجارة ,واذهب عني فل تلقني ,ول
لم تنته عن َ
تكلمني زماًنا طويل من الدهر.
ن سهى أ َل ّ أ َ ُ
كهو َ ن الّلههِ وَأ َد ْ ُ
عهو َرّبهي عَ َ دو ِ
ن ُ
مه ْ
ن ِ
عو َ
ما َتهد ْ ُم وَ َ
َ
وَأعْت َزِل ُك ُ ْ
شِقي ّا ً )(48 عاِء َرّبي َ ب ِد ُ َ
صا,
وأفارقكم وآلهتكم التي تعبدونها من دون الله ,وأدعو ربي مخل ً
عسى أن ل أشقى بدعاء ربي ,فل يعطيني ما أسأله.
ب
حقَ وَي َعُْقههو َ
سه َ ن الل ّهِ وَهَب ْن َهها ل َه ُ
ه إِ ْ دو ِ
ن ُ
م ْ
ن ِ
دو َ
ما ي َعْب ُ ُ ما اعْت ََزل َهُ ْ
م وَ َ فَل َ ّ
جعَل َْنا ن َب ِي ّا ً )(49
وَك ُل ّ َ
594
فلما فارقهم وآلهتهم التي يعبدونها من دون الله رزقناه من الولد:
إسحاق ,ويعقوب بن إسحاق ,وجعلناهما نبّيين.
ق عَل ِي ّا ً )(50
صد ْ ٍ
ن ِ
سا َ جعَل َْنا ل َهُ ْ
م لِ َ مت َِنا وَ َ
ح َ
ن َر ْ
م ْ وَوَهَب َْنا ل َهُ ْ
م ِ
ووهبنا لهم جميعا من رحمتنا فضل ل يحصى ,وجعلنا لهم ذكًرا
حسًنا ,وثناًء جميل باقًيا في الناس.
سول ً ن َب ِي ّا ً )(51
ن َر ُ خَلصا ً وَ َ
كا َ م ْ
ن ُ ه َ
كا َ سى إ ِن ّ ُ
مو َ َواذ ْك ُْر ِفي ال ْك َِتا ِ
ب ُ
واذكر -أيها الرسول -في القرآن قصة موسى -عليه السلم -إنه
من أولي العزم من الرسل.كان مصطفى مختاًرا ,وكان رسول نبًيا ِ
ن ن َب ِي ّا ً )(53
هاُرو َ مت َِنا أ َ َ
خاهُ َ ح َ
ن َر ْ
م ْ وَوَهَب َْنا ل َ ُ
ه ِ
ووهبنا لموسى من رحمتنا أخاه هارون نبًيا يؤيده ويؤازره.
سول ً ن َب ِّيهها ً
ن َر ُ صادِقَ ال ْوَعْدِ وَ َ
كا َ ن َ ه َ
كا َ عي َ
ل إ ِن ّ ُ ما ِ
س َ َواذ ْك ُْر ِفي ال ْك َِتا ِ
ب إِ ْ
)(54
واذكر -أيها الرسول -في هذا القرآن خبر إسماعيل عليه السههلم,
إنه كان صادًقا في وعده فلم ي َِعد شيًئا إل وّفى به ,وكان رسول نبًيا.
595
مرضًيا عنه.
ديقا ً ن َب ِي ّا ً )(56
ص ّ
ن ِ ه َ
كا َ س إ ِن ّ ُ َواذ ْك ُْر ِفي ال ْك َِتا ِ
ب إ ِد ِْري َ
واذكر -أيها الرسول -في هذا القرآن خبر إدريس عليه السلم ,إنه
كان عظيم الصدق في قوله وعمله ,نبًيا يوحى إليه.
خل ْ ٌ َ خل َ َ
ف ت فَ َ
س هو ْ َ وا ِ صلةَ َوات ّب َعُههوا ال ّ
ش هه َ َ عوا ال ّ
ضا ُ
فأ َ م َ
ن ب َعْدِهِ ْ
م ْ
ف ِ فَ َ
ن غَي ّا ً )(59
ي َل َْقوْ َ
وء تركوا الصههلة كلههها ,أو
س ْ
من بعد هؤلء المنَعم عليهم أتباع َ فأتى ِ
فوتوا وقتها ,أو تركوا أركانها وواجباتها ,واتبعوا ما يوافههق شهههواتهم
ويلئمها ,فسوف يلقون شًرا وضلل وخيبة في جهنم.
ن ة َول ي ُظ ْل َ ُ
مههو َ ن ال ْ َ
جن ّه َ خُلو َ صاِلحا ً فَأ ُوْل َئ ِ َ
ك ي َد ْ ُ م َ
ل َ ن وَعَ ِ
م َ
ب َوآ َ
ن َتا َ إ ِل ّ َ
م ْ
شْيئا ً )(60 َ
596
حا تصديًقا لتوبته,
من ذنبه وآمن بربه وعمل صال ًمن تاب منهم ِ لكن َ
فأولئك يقبل الله توبتهم ,ويدخلون الجنة مع المههؤمنين ول ُينَقصههون
شيًئا من أعمالهم الصالحة.
مأ ْت ِّيهها ً )
عههد ُهُ َ
ن وَ ْ ه َ
كا َ عَباد َهُ ِبال ْغَي ْ ِ
ب إ ِن ّ ُ ن ِ
م ُ ن ال ِّتي وَعَد َ الّر ْ
ح َ ت عَد ْ ٍ
جّنا ِ
َ
(61
جنات خلد وإقامة دائمة ,وهي التي وعد الرحمن بها عبههاده بههالغيب
ت ل محالة. منوا بها ولم يروها ,إن وعد الله لعباده بهذه الجنة آ ٍ
فآ َ
شي ّا ً )(62
م ِفيَها ب ُك َْرةً وَعَ ِ سلما ً وَل َهُ ْ
م رِْزقُهُ ْ ن ِفيَها ل َْغوا ً إ ِل ّ َ
مُعو َ
س َ
ل يَ ْ
ما باطل لكن يسمعون سلما تحية لهههم, ل يسمع أهل الجنة فيها كل ً
مهها ,كلمهها شههاؤوا بكههرة
ولهم رزقهم فيها من الطعههام والشههراب دائ ً
وعشًيا.
ن ت َِقي ّا ً )(63 ن َ
كا َ م ْ
عَبادَِنا َ
ن ِ
م ْ ة ال ِّتي ُنورِ ُ
ث ِ ك ال ْ َ
جن ّ ُ ت ِل ْ َ
تلك الجنة الموصوفة بتلك الصفات ,هي التي نورثها ونعطيها عبادنها
المتقين لنا ,بامتثال أوامرنا واجتناب نواهينا.
ك ل َه ما بي َ َ
مهها ن ذ َل ِ َ
ك وَ َ خل َْفَنا وَ َ
ما ب َي ْ َ ما َ
ديَنا وَ َ مرِ َرب ّ َ ُ َ َ ْ َ
ن أي ْ ِ ل إ ِل ّ ب ِأ ْ
ما ن َت َن َّز ُوَ َ
سي ّا ً )(64 ك نَ ِن َرب ّ َ كا ََ
وقل -يا جبريل -لمحمد :وما نتنزل -نحن الملئكههة -مههن السههماء
إلى الرض إل بأمر ربك لنا ,له ما بين أيدينا ممهها يسههتقبل مههن أمههر
الخرة ,وما خلفنا مما مضى من الدنيا ,وما بين الدنيا والخرة ,فلههه
المر كله في الزمههان والمكههان ,ومهها كههان ربههك ناسهًيا لشههيء مههن
الشياء.
ت وال َ
ل ت َعْل َ ُ
م صط َب ِْر ل ِعَِباد َت ِهِ هَ ْ
ما َفاعْب ُد ْهُ َوا ْ
ما ب َي ْن َهُ َ
ض وَ َ
ِ ر
ْ وا ِ َ
م َ
س َ
ب ال ّ َر ّ
مي ّا ً )(65
س ِ
ه َلَ ُ
597
فهو الله رب السموات والرض وما بينهما ,ومالك ذلك كله وخالقه
منومدبره ,فاعبده وحده -أيها النبي -واصبر على طاعته أنت و َ
تبعك ,ليس كمثله شيء في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله.
حي ّا ً )(66
ج َ ف أُ ْ
خَر ُ ت لَ َ
سو ْ َ م ّ
ما ِ ن أ َئ ِ َ
ذا َ سا ُ
لن َ وَي َُقو ُ
لا ِ
ت وفَِني ُ
ت م ّ
ويقول النسان الكافر منكًرا للبعث بعد الموت :أإذا ما ِ
لسوف ُأخَرج من قبري حًيا؟!
شْيئا ً )(67
ن َ ل وَل َ ْ
م ي َك ُ ْ ن قَب ْ ُ
م ْ ن أ َّنا َ
خل َْقَناهُ ِ سا ُ
َ
أَول ي َذ ْك ُُر ا ِ
لن َ
كيف نسي هذا النسان الكافر نفسه؟ أول ي َذ ْ ُ
كر أنا خلقناه أول
مرة ,ولم ي ُ
ك شيًئا موجو ً
دا؟
جث ِي ّا ً )(68
م ِ
جهَن ّ َ حو ْ َ
ل َ م َ
ضَرن ّهُ ْ م ل َن ُ ْ
ح ِ ن ثُ ّ
طي َ م َوال ّ
شَيا ِ شَرن ّهُ ْ ك ل َن َ ْ
ح ُ فَوََرب ّ َ
عت ِي ّا ً )(69
ن ِ
م ِ
ح َ م أَ َ
شد ّ عََلى الّر ْ
َ
شيعَةٍ أي ّهُ ْ ن كُ ّ
ل ِ م ْ م ل ََننزِعَ ّ
ن ِ ثُ ّ
دا وعصياًنا لله ,فنبدأ بعذابهم.
دهم تمر ً
من كل طائفة أش ّ
ن ِ
ثم لنأخذ ّ
598
وما منكم -أيها الناس -أحد إل وارد النار بالمرور على الصراط
المنصوب على متن جهنم ,كل بحسب عمله ,كان ذلك أمًرا
ما ,قضى الله -سبحانه -وحكم أنه ل بد من وقوعه ل محالة. محتو ً
جث ِي ّا ً )(72
ن ِفيَها ِ
مي َ وا وَن َذ َُر ال ّ
ظال ِ ِ ن ات َّق ْ جي ال ّ ِ
ذي َ ثُ ّ
م ن ُن َ ّ
ثم ننجي الذين اتقوا ربهم بطاعته والبعد عن معصيته ,ونترك
الظالمين لنفسهم بالكفر بالله في النار باركين على ُر َ
كبهم.
َ
ي
من ُههوا أ ّ
نآ َ ن ك ََفهُروا ل ِّله ِ
ذي َ ل ال ّه ِ
ذي َ ت قَهها َ ذا ت ُت َْلهى عَل َي ِْهه ْ
م آَيات ُن َهها ب َي ّن َهها ٍ وَإ ِ َ
ن ن َدِي ّا ً )(73 َ
س ُ ح َ مَقاما ً وَأ ْ خي ٌْر َ ن َ
ريَقي ْ ِ ال َْف ِ
وإذا تتلى على الناس آياتنا المنزلت الواضحات قال الكفار بالله
سا؟
للمؤمنين به :أيّ الفريقين مّنا ومنكم أفضل منزل وأحسن مجل ً
599
ويزيد الله عباده الذين اهتدوا لدينه هدى على هداهم بما يتجدد لهم
ل الباقيات الصالحاتمن اليمان بفرائض الله ,والعمل بها .والعما ُ
خير ثواًبا عند الله في الخرة ,وخير مرجًعا وعاقبة.
ن عَْهدا ً )(78 م ح ر ال د نعِ َ ذخَ تا م َأاط ّل َع ال ْغَيب أ َ
ِ َ ْ ّ َ ْ ّ ْ ْ َ َ
دا ,أم له عند الله عهد بذلك؟ أط َّلع الغيب ,فرأى أن له مال وول ً
مد ّا ً )(79
ب َ ن ال ْعَ َ
ذا ِ م ْ مد ّ ل َ ُ
ه ِ ما ي َُقو ُ
ل وَن َ ُ سن َك ْت ُ ُ
ب َ ك َل ّ َ
ليههس المههر كمهها يزعههم ذلههك الكههافر ,فل علههم لههه ول عهههد عنههده,
من كذب وافتراء على الله ,ونزيده في الخرة من سنكتب ما يقول ِ
ي والضلل.أنواع العقوبات ,كما ازداد من الغ ّ
600
ليس المر كما يزعمون ,لن تكون لهم اللهة عًزا ,بل سههتكفر هههذه
اللهة في الخرة بعبادتهم لها ,وتكون عليهم أعواًنا فههي خصههومتهم
وتكذيبهم بخلف ما ظنوه فيها.
م أ َّزا ً )(83
ن ت َؤُّزهُ ْ
ري َ ن عََلى ال ْ َ
كافِ ِ طي َ سل َْنا ال ّ
شَيا ِ
َ َ
م ت ََرى أّنا أْر َ
َ
أل َ ْ
طنا الشههياطين علههى الكههافرين بههالله ألم تر -أيها الرسول -أّنا سهل ّ ْ
ورسله; لتغويهم ,وتدفعهم عن الطاعة إلى المعصية؟
م عَد ّا ً )(84
ما ن َعُد ّ ل َهُ ْ ل عَل َي ْهِ ْ
م إ ِن ّ َ َفل ت َعْ َ
ج ْ
فل تستعجل -أيها الرسول -بطلب العذاب علههى هههؤلء الكههافرين,
إنما نحصي أعمارهم وأعمالهم إحصاًء ل تفريط فيه ول تأخير.
ن إ َِلى
مي َ
جرِ ِ سوقُ ال ْ ُ
م ْ ن وَْفدا ً ) (85وَن َ ُ
م ِ ن إ َِلى الّر ْ
ح َ شُر ال ْ ُ
مت ِّقي َ ح ُ
م نَ ْي َوْ َ
م وِْردا ً )(86 جهَن ّ ََ
يوم نجمع المتقين إلى ربهم الرحيم بهههم وفههوًدا مكرميههن .ونسههوق
عطا ً
شا. دا إلى النار مشاة ِالكافرين بالله سوًقا شدي ً
ن عَْهدا ً )(87
م ِ
ح َ خذ َ ِ
عن ْد َ الّر ْ ن ات ّ َ ة إ ِل ّ َ
م ْ ن ال ّ
شَفاعَ َ مل ِ ُ
كو َ ل يَ ْ
ن اتخههذ عنههد
مه ِ
ل يملك هؤلء الكفههار الشههفاعة لحههد ,إنمهها يملكههها َ
دا بذلك ,وهم المؤمنون بالله ورسله. الرحمن عه ً
ن وََلدا ً )(88
م ُ وََقاُلوا ات ّ َ
خذ َ الّر ْ
ح َ
دا.
وقال هؤلء الكفار :اتخذ الرحمن ول ً
601
هههد ّا ً )(90 َ
خّر ال ْ ِ
جَبا ُ
ل َ ض وَت َ ِ ه وََتن َ
شقّ الْر ُ من ْ ُ ت ي َت ََفط ّْر َ
ن ِ وا ُم َس َ كاد ُ ال ّ تَ َ
ن وََلدا ً )(91 م ح ر لل
ِ وا َ ع د ن أَ
ِ َ ْ ّ ْ َ ْ
من فظاعة ذلكههم القههول ,وتتصههدع الرض, ن ِتكاد السموات يتشّقْق َ
سب َِتهم لههه الولههد .تعههالى
دا غضًبا لله ل ِن ِ ْ
طا شدي ًوتسقط الجبال سقو ً
وا كبيًرا.
الله عن ذلك عل ً
ن وُد ّا ً )(96
م ُ
ح َ ل ل َهُ ْ
م الّر ْ جع َ ُ
سي َ ْ
ت َ
حا ِ مُلوا ال ّ
صال ِ َ مُنوا وَعَ ِ
نآ َ ن ال ّ ِ
ذي َ إِ ّ
إن الذين آمنوا بالله وات َّبعوا رسله وعملوا الصههالحات وَفْههق شههرعه,
602
سيجعل لهم الرحمن محبة ومودة في قلوب عباده.
وما ً ل ُد ّا ً )(97
ن وَُتنذَِر ب ِهِ قَ ْ شَر ب ِهِ ال ْ ُ
مت ِّقي َ سان ِ َ
ك ل ِت ُب َ ّ سْرَناهُ ب ِل ِ َ فَإ ِن ّ َ
ما ي َ ّ
سرنا هذا القرآن بلسههانك العربههي أيههها الرسههول؛ لتبشههر بهههفإنما ي ّ
وف بههه المكههذبين شههديدي الخصههومة المتقيههن مههن أتباعههك ,وتخهه ّ
بالباطل.
وكثيًرا أهلكنا -أيها الرسول -مههن المههم السههابقة قبههل قومههك ,مهها
دا وما تسمع لهههم صههوًتا ,فكههذلك الكفههار مههن قومههك, ترى منهم أح ً
نهلكهم كما أهلكنهها السههابقين مههن قبلهههم .وفههي هههذا تهديههد ووعيههد
بإهلك المكذبين المعاندين.
-20سورة طله
طه )(1
)طه( سبق الكلم على الحروف المق ّ
طعة في أول سورة البقرة.
ن ل ِت َ ْ
شَقى )(2 ما أ َن َْزل َْنا عَل َي ْ َ
ك ال ُْقْرآ َ َ
ما أنزلنا عليك -أيها الرسول -القرآن; لتشقى بما ل طاقة لههك بههه
من العمل.
خ َ
شى )(3 ن يَ ْ إ ِل ّ ت َذ ْك َِرةً ل ِ َ
م ْ
من يخاف عقاب اللههه ,فيتقيههه بههأداء
لكن أنزلناه موعظة; ليتذكر به َ
603
الفرائض واجتناب المحارم.
وى )(5
ست َ َ
شا ْ ْ م ُ َ
ن عَلى العَْر ِ ح َ
الّر ْ
الرحمن على العههرش اسههتوى أي ارتفههع وعل اسههتواء يليههق بجللههه
وعظمته.
َ
ت الث َّرى )(6
ح َ
ما ت َ ْ
ما وَ َ
ما ب َي ْن َهُ َ
ض وَ َ
ما ِفي الْر ِ
ت وَ َ
وا ِ
م َ
س َ
ما ِفي ال ّ لَ ُ
ه َ
له ما في السموات وما فههي الرض ومهها بينهمهها ومهها تحههت الرض,
مل ْ ً
كا وتدبيًرا. خل ًْقا و ُ
َ
سّر وَأ َ ْ
خَفى )(7 ه ي َعْل َ ُ
م ال ّ جهَْر ِبال َْقوْ ِ
ل فَإ ِن ّ ُ ن تَ ْ
وَإ ِ ْ
وإن تجهر -أيههها الرسههول -بههالقول ,فتعلنههه أو تخفههه ,فههإن اللههه ل
دث به يخفى عليه شيء ,يعلم السر وما هو أخفى من السر مما تح ّ
نفسك.
ماءُ ال ْ ُ َ
سَنى )(8
ح ْ س َ ه إ ِل ّ هُوَ ل َ ُ
ه ال ْ ه ل إ ِل َ َ
الل ّ ُ
الله الههذي ل معبههود بحههق إل هههو ,لههه وحههده السههماء الكاملههة فههي
الحسن.
سى )(9
مو َ
ث ُ
دي ُ
ح ِ ل أ ََتا َ
ك َ وَهَ ْ
وهل أتاك -أيها الرسول -خبر موسى بن عمران عليه السلم؟
حى )(13
ما ُيو َ
مع ْ ل ِ َ
ست َ ِ وَأ ََنا ا ْ
خت َْرت ُ َ
ك َفا ْ
وإني اخترتك يا موسى لرسالتي ,فاستمع لما يوحى إليك مني.
سَعى )(15
ما ت َ ْ
س بِ َ جَزى ك ُ ّ
ل ن َْف ٍ كاد ُ أ ُ ْ
خِفيَها ل ِت ُ ْ ة أَ َ
ة آت ِي َ ٌ
ساعَ َ
ن ال ّ
إِ ّ
إن الساعة التي ُيبعث فيها الناس آتية ل بد من وقوعها ,أكاد أخفيها
من نفسي ,فكيف يعلمها أحد من المخلوقين; لكي ُتجزى كل نفس
بما عملت في الدنيا من خير أو شر.
605
سى )(17
مو َ مين ِ َ
ك َيا ُ ما ت ِل ْ َ
ك ب ِي َ ِ وَ َ
وما هذه التي في يمينك يا موسى؟
َقا َ َ
سى )(19 ل أل ِْقَها َيا ُ
مو َ
قال الله لموسى :ألق عصاك.
َ
سَعى )(20
ة تَ ْ
حي ّ ٌ
ي َ
ذا هِ َ فَأل َْقا َ
ها فَإ ِ َ
فألقاها موسى على الرض ,فانقلبت بإذن الله حيههة تسههعى ,فههرأى
ما وولى هارًبا.
موسى أمًرا عظي ً
ك إ ِل َههى
م ي َد َ َ سيرت َها ا ُ
لوَلى )َ (21وا ْ خذ ْ َ َقا َ
م ْ
ض ُ ها ِ َ َ سن ُِعيد ُ َف َخ ْ ها َول ت َ َ ل ُ
خَرى )(22 ة أُ ْ ن غَي ْرِ ُ
سوٍء آي َ ً م ْضاَء ِ
ج ب َي ْ َ
خُر ْ
ك تَ ْ ح َ
جَنا َِ
صا كمهها
ف منها ,سوف نعيدها ع ًخ ْ
قال الله لموسى :خذ الحية ,ول ت َ َ
ضههد تخههرج
كانت في حالتها الولى .واضمم يدك إلى جنبك تحت العَ ُ
بيضاء كالثلج من غير برص; لتكون لك علمة أخرى.
606
ه ط ََغى )(24 ب إ َِلى فِْرعَوْ َ
ن إ ِن ّ ُ اذ ْهَ ْ
اذهب -يا موسى -إلى فرعون; إنه قههد تجههاوز قههدره وتم هّرد علههى
ربه ,فادعه إلى توحيد الله وعبادته.
حل ُه ْ
ل َ با ْ َقا َ
ري )َ (26وا ْ مه ِ
سهْر ل ِههي أ ْ صهد ِْري ) (25وَي َ ّ ح ل ِههي َ شهَر ْ ل َر ّ
نمه ْل ل ِههي وَِزيههرا ً ِ جع َ ه ْساِني ) (27ي َْفَقُهوا قَهوِْلي )َ (28وا ْ ن لِ َ
م ْعُْقد َةً ِ
َ َ َ َ
ه فِههي شهرِك ْ ُ شهد ُد ْ ب ِههِ أْزِري ) (31وَأ ْ خههي ) (30ا ْ نأ ِ أهِْلي ) (29هَههاُرو َ
ك ك َِثيههرا ً ) (34إ ِن ّه َ ك ك َِثيرا ً ) (33وَن َذ ْك َُر َ َ
ت ك ك ُن ْه َ ح َسب ّ َ
ي نُ َري ) (32ك َ ْ م ِأ ْ
صيرا ً )(35 ب َِنا ب َ ِ
سّهل لي أمري ,وأطلق لساني سع لي صدري ,و َ قال موسى :رب و ّ
بفصيح المنطق; ليفهموا كلمي .واجعل لي معينا من أهلي ,هههارون
أخي .قَ ّ
وني به وشد ّ بههه ظهههري ,وأشههركه معههي فههي النبههوة وتبليههغ
الرسالة; كي ننزهك بالتسبيح كثيًرا ,ونههذكرك كههثيرا فنحمههدك .إنههك
كنت بنا بصيًرا ,ل يخفى عليك شيء من أفعالنا.
سؤْل َ َ ُ
سى )(36
مو َ
ك َيا ُ ل قَد ْ أوِتي َ
ت ُ َقا َ
قال الله :قد أعطيتك كل ما سألت يا موسى.
مّرةً أ ُ ْ
خَرى )(37 من َّنا عَل َي ْ َ
ك َ وَل ََقد ْ َ
ولقد أنعمنا عليك -يا موسى -قبل هذه النعمة نعمههة أخههرى ,حيههن
من بطش فرعون. كنت رضيًعا ,فأنجيناك ِ
607
بذلك محبوًبا بين العباد ,وِلتربى على عيني وفي حفظي .وفي الية
إثبات صفة العين لله -سبحانه وتعالى -كما يليق بجلله وكماله.
ك إ ِل َههى ل هَ ْ َ شي أ ُ ْ
جعْن َهها َ
ه فََر َ ن ي َك ُْفل ُه ُمه ْ م عَل َههى َ ل أد ُل ّك ُ ْ ك فَت َُقو ُ خت ُ َ م ِإ ِذ ْ ت َ ْ
ُ
م وَفَت َن ّهها َ
ك ن ال ْغَ ّ
م ْ ك ِ جي َْنا َ ت ن َْفسا ً فَن َ ّن وَقَت َل ْ َ حَز َي ت ََقّر عَي ْن َُها َول ت َ ْ ك كَ ْ م َ أ ّ
َ
سى )(40 مو َ ت عََلى قَد َرٍ َيا ُ جئ ْ َ ن ثُ ّ
م ِ مد ْي َ َل َ ن ِفي أهْ ِ سِني َ ت ِ فُُتونا ً فَل َب ِث ْ َ
ومنّنا عليك حين تمشي أختك تتبعك ثم تقول لمن أخذوك :هل
مك بعد ماأدلكم على من يكُفله ,ويرضعه لكم؟ فرددناك إلى أ ّ
ت في أيدي فرعون؛ كي تطيب نفسها بسلمتك من الغرق صر َ
والقتل ,ول تحزن على فَْقدك ,وقتلت الرجل القبطي خطأ فنجيناك
م فِْعلك وخوف القتل ,وابتليناك ابتلء ,فخرجت خائًفا إلى من غَ ّ
أهل "مدين" ,فمكثت سنين فيهم ,ثم جئت من "مدين" في الموعد
درناه لرسالك مجيًئا موافًقا لقدر الله وإرادته ,والمر كله
الذي ق ّ
لله تبارك وتعالى.
608
ْ َ خاَفا إنِني معك ُ َ
سهول معُ وَأَرى ) (46فَأت َِياهُ فَُقهول إ ِّنها َر ُ س َ
ما أ ْ َ َ َ ِّ ل ل تَ َ َقا َ
ن َرب ّه َ جئ َْنا َ َ َرب ّ َ
ك مه ْ ك ِبآي َهةٍ ِ م قَد ْ ِ سَراِئي َ
ل َول ت ُعَذ ّب ْهُ ْ معََنا ب َِني إ ِ ْ ل َ س ْك فَأْر ِ
ن ال ْعَه َ َ دى ) (47إ ِن ّهها قَهد ْ ُأو ِ
بذا َ ي إ ِل َي ْن َهها أ ّحه َ ن ات ّب َعَ ال ْهُه َ م عََلى َ
م ْ سل ُ َوال ّ
ب وَت َوَّلى )(48 ن ك َذ ّ َ م ْ عََلى َ
قال الله لموسى وهارون :ل تخافا من فرعون; فإنني معكما أسمع
كلمكما وأرى أفعالكما ,فاذهبا إليه وقول له :إننا رسولن إليك من
ربك أن أطلق بني إسرائيل ,ول تكّلفهم ما ل يطيقون من العمال,
قد أتيناك بدللة معجزة من ربك تدل على صدقنا في دعوتنا,
والسلمة من عذاب الله تعالى لمن اتبع هداه .إن ربك قد أوحى
ذب وأعرض عن دعوته وشريعته. من ك ّإلينا أن عذابه على َ
سى )(49
مو َ ن َرب ّك ُ َ
ما َيا ُ ل فَ َ
م ْ َقا َ
من ربكما يا موسى؟
قال فرعون لهما :ف َ
ل ال ُْقرون ا ُ
لوَلى )(51 ُ ِ ل فَ َ
ما َبا ُ َقا َ
قال فرعون لموسى :فما شأن المم السابقة؟ وما خبر القرون
الماضية ,فقد سبقونا إلى النكار والكفر؟
سى )(52 ض ّ
ل َرّبي َول َين َ ب ل يَ ِ
عن ْد َ َرّبي ِفي ك َِتا ٍ عل ْ ُ
مَها ِ َقا َ
ل ِ
م تلك القرون فيما فَعََلت من ذلك عند عل ْ ُ
قال موسى لفرعونِ :
م لي به ,ل يضل ربي في أفعاله عل ْ َ
ربي في اللوح المحفوظ ,ول ِ
ما علمه منها. وأحكامه ,ول ينسى شيًئا م ّ
609
ن
مه ْ سهب ُل ً وََأنهَز َ
ل ِ ك ل َك ُه ْ
م ِفيهَهها ُ س هل َ َ
مهْههدا ً وَ َ
ض َ
َ
م الْر َ ل ل َك ُه ْ
جع َه َ
ذي َال ّ ِ
َ َ
شّتى )(53 ت َ ن ن ََبا ٍ جَنا ب ِهِ أْزَواجا ً ِ
م ْ ماًء فَأ ْ
خَر ْ ماِء َ
س َال ّ
سرة للنتفاع بها ,وجعل لكم فيهاهو الذي جعل لكم الرض مي ّ
طرًقا كثيرة ,وأنزل من السماء مطًرا ,فأخرج به أنوا ً
عا مختلفة من
النبات.
م َتاَرةً أ ُ ْ
خَرى )(55 جك ُ ْ
خرِ ُ
من َْها ن ُ ْ
م وَ ِ خل َْقَناك ُ ْ
م وَِفيَها ن ُِعيد ُك ُ ْ من َْها َ
ِ
خل َْقناكم -أيها الناس ،-وفيها نعيدكم بعد الموت ,ومنها من الرض َ
نخرجكم أحياء مرة أخرى للحساب والجزاء.
ن َول
حه ُ
ه نَ ْ عههدا ً ل ن ُ ْ
خل ُِف ه ُ مو ْ ِ ل ب َي ْن َن َهها وَب َي ْن َه َ
ك َ مث ْل ِهِ َفا ْ
جع َ ْ حرٍ ِ
س ْ فَل َن َأ ْت ِي َن ّ َ
ك بِ ِ
َ
وى )(58 كانا ً ُ
س ً م َ ت َ أن ْ َ
دا,
دا محد ًفسوف نأتيك بسحر مثل سحرك ,فاجعل بيننا وبينك موع ً
ل نخلفه نحن ول تخلفه أنت ,في مكان مستوٍ معتدل بيننا وبينك.
610
َ
حى )(59
ض ً
س ُ ح َ
شَر الّنا ُ ن يُ ْ
م الّزين َةِ وَأ ْ عد ُك ُ ْ
م ي َوْ ُ مو ْ ِ َقا َ
ل َ
قال موسى لفرعون :موعدكم للجتماع يوم العيد ,حين يتزّين
الناس ,ويجتمعون من كل فج وناحية وقت الضحى.
م أ ََتى )(60
معَ ك َي ْد َهُ ث ُ ّ فَت َوَّلى فِْرعَوْ ُ
ن فَ َ
ج َ
ضا عما أتاه به موسى من الحق ,فجمع سحرته,
فأدبر فرعون معر ً
ثم جاء بعد ذلك لموعد الجتماع.
ب حت َك ُ ْ
م ب ِعَه َ
ذا ٍ ذبا ً فَي ُ ْ
سه ِ م ل ت َْفت َُروا عََلى الّلههِ َ
كه ِ سى وَي ْل َك ُ ْ
مو َ ل ل َهُ ْ
م ُ َقا َ
ن افْت ََرى )(61 م ْ
ب َ خا َ وَقَد ْ َ
قال موسى لسحرة فرعون يعظهم :احذروا ,ل تختلقوا على الله
من عنده وُيبيدكم ,وقد خسر من اختلقالكذب ,فيستأصلكم بعذاب ِ
على الله كذًبا.
َ فَتنههاز ُ َ
نذا ِههه َن َ وى )َ (62قههاُلوا إ ِ ْ جهه َ سههّروا الن ّ ْ م وَأ َ م ب َي ْن َُههه ْ ههه ْمَر ُ عوا أ ْ ََ َ
َ َ
ما وََيههذ ْهََبا حرِهِ َ
سهه ْم بِ ِ ضههك ُ ْن أْر ِ مهه ْ م ِ جههاك ُ ْ خرِ َ ن يُ ْ
نأ ْ ِ دا
ريهه َ ِ ن يُ
ِ حَراسهها ِلَ َ
َ بط َريَقتك ُم ال ْمث َْلى ) (63فَهأ َ
صهّفا ً وَقَهد ْ أفْل َه َ
ح َ هوا
هُ تْ ئا م
ّ هُ ث مْ ُ ك َ دهْ يَ ك عوا ُ م
ِ ج
ْ ُ ِ ِ ِ ْ
ست َعَْلى )(64 نا ْ م ْم َ ال ْي َوْ َ
فتجاذب السحرة أمرهم بينهم وتحادثوا سًرا ,قالوا :إن موسى
وهارون ساحران يريدان أن يخرجاكم من بلدكم بسحرهما ,ويذهبا
بطريقة السحر العظيمة التي أنتم عليها ,فأحكموا كيدكم ,واعزموا
دا ,وألقوا ما في
عليه من غير اختلف بينكم ,ثم ائتوا صًفا واح ً
أيديكم مرة واحدة; لت َب َْهروا البصار ,وتغلبوا سحر موسى وأخيه,
من عل على صاحبه ,فغلبه وقهره. وقد ظفر بحاجته اليوم َ
ن أ َل َْقى )(65
م ْ ن أ َوّ َ
ل َ ن نَ ُ
كو َ
َ
ما أ ْ ن ت ُل ِْق َ
ي وَإ ِ ّ
َ
ما أ ْ
سى إ ِ ّ َقاُلوا َيا ُ
مو َ
611
قال السحرة :يا موسى إما أن تلقي عصاك أول وإما أن نبدأ نحن
فنلقي ما معنا.
م أ َن ّهَهها
حرِهِ ْ
سه ْ
ن ِ ل إ ِل َي ْههِ ِ
مه ْ خي ّه ُ
م يُ َص هي ّهُ ْ
ع ِم وَ ِ حَبال ُهُ ْذا ِل أ َل ُْقوا فَإ ِ َ َقا َ
ل بَ ْ
َ
سى )(67 مو َ ة ُ خيَف ًسهِ ِ س ِفي ن َْف ِ ج َ سَعى ) (66فَأوْ َ تَ ْ
قال لهم موسى :بل ألُقوا أنتم ما معكم أول فألَقوا حبالهم
من قوة سحرهم أنها حيات تسعى ,فشعر وعصّيهم ,فتخيل موسى ِ
موسى في نفسه بالخوف.
ح
حرٍ َول ي ُْفِلهه ُ صن َُعوا ك َي ْد ُ َ
سا ِ ما َ
صن َُعوا إ ِن ّ َ
ما َ ك ت َل َْق ْ
ف َ مين ِ َ
ما ِفي ي َ ِ ق َ وَأ َل ْ
َ ِ
ث أَتى )(69 حي ْ ُ
حُر َ
سا ِ ال ّ
وألق عصاك التي في يمينك تبتلع حبالهم وعصيهم ,فما عملوه
ر ,ول يظفر الساحر
ح ٍ
س ْ
أمامك ما هو إل مكر ساحرٍ وتخييل ِ
بسحره أين كان.
فَأ ُ
سى )(70
مو َ
ن وَ ُ
هاُرو َ
ب َ جدا ً َقاُلوا آ َ
مّنا ب َِر ّ س ّ
حَرةُ ُ
س َ
ي ال ّ
َ ق
ِ ْ ل
فألقى موسى عصاه ,فبلعت ما صنعوا ,فظهر الحق وقامت الحجة
عليهم .فألقى السحرة أنفسهم على الرض ساجدين وقالوا :آمنا
برب هارون وموسى ,لو كان هذا سحًرا ما غُل ِْبنا.
ل آمنتم ل َه قَب َ َ
حَرسه ْ م ال ّ مك ُه ْذي عَل ّ َ
م ال ّه ِ ه ل َك َِبيُرك ُه ْ ن ل َك ُ ْ
م إ ِن ّ ُ ن آذ َ َ لأ ْ َقا َ َ ْ ُ ْ ُ ْ
َ َفلقَط ّع َ
لخه ِذوِع الن ّ ْجه ُم ِفهي ُ صهل ّب َن ّك ُ ْ
ف َول َ خل ٍ ن ِ م ْم ِ جل َك ُ ْ
م وَأْر ُ ن أي ْدِي َك ُ َْ ّ
ذابا ً وَأب َْقى )(71َ َ َ
شد ّ عَ َ ن أي َّنا أ َ وَل َت َعْل َ ُ
م ّ
612
دقتم بموسى ,واتبعتموه ,وأقررتم له قبل قال فرعون للسحرة :أص ّ
أن آذن لكم بذلك؟ إن موسى َلعظيمكم الذي عَّلمكم السحر;
دا من
ن أيديكم وأرجلكم مخالًفا بينها ,ي ًفلذلك تابعتموه ,فلقطع ّ
جل من الجهة الخرى ,ولصلبّنكم -بربط أجسادكم -على جهة ورِ ْ
ن أيها السحرة أينا :أنا أو رب موسى أشد جذوع النخل ,ولتعلم ّ
عذاًبا من الخر ,وأدوم له؟
َ ت َوال ّ ِ
ن ال ْب َي َّنا ِ ك عََلى َ ن ن ُؤْث َِر ََقاُلوا ل َ ْ
مهها ذي فَطَرَنا َفههاقْ ِ
ض َ م ْ جاَءَنا ِ
ما َ
أ َنت َقاض َفاقْض ما أ َ
ضي هَذِهِ ال ْ َ
حَياةَ الد ّن َْيا )(72 ما ت َْق ِ ض إ ِن ّ َ
ٍ قاَ ت
َ ْ ن ِ َ ٍ ْ َ
قال السحرة لفرعون :لن نفضلك ,فنطيعك ,ونتبع دينك ,على ما
جاءنا به موسى من البينات الدالة على صدقه ووجوب متابعته
ضل ربوبيتك المزعومة على ربوبية اللهِ الذي وطاعة ربه ,ولن ن َُف ّ
خلقنا ,فافعل ما أنت فاعل بنا ,إنما سلطانك في هذه الحياة الدنيا,
وما تفعله بنا ,ما هو إل عذاب منتهٍ بانتهائها.
َ
حرِ َوالل ّه ُ
ه سه ْ
ن ال ّ ما أك َْرهْت ََنا عَل َي ْههِ ِ
مه ْ خ َ
طاَياَنا وَ َ مّنا ب َِرب َّنا ل ِي َغِْفَر ل ََنا َإ ِّنا آ َ
خي ٌْر وَأب َْقى )(73 َ َ
إّنا آمنا بربنا وصد ّْقنا رسوله وعملنا بما جاء به; ليعفو رّبنا عن
من عمل السحر في معارضة موسى. ذنوبنا ,وما أكرهتنا عليه ِ
والله خير لنا منك -يا فرعون -جزاء لمن أطاعه ,وأبقى عذاًبا لمن
عصاه وخالف أمره.
إنه من يأ ْ
حَيا )(74
ت ِفيَها َول ي َ ْ
مو ُ
م ل يَ ُ
جهَن ّ َ ن لَ ُ
ه َ رما ً فَإ ِ ّ
ِ ج
ْ م
ُ ه
ُ ّ برَ ت
ِ ِّ ُ َ ْ َ
إنه من يأت ربه كافًرا به فإن له نار جهنم ي ُعَ ّ
ذب بها ,ل يموت فيها
فيستريح ,ول يحيا حياة يتلذذ بها.
ت ال ُْعل )
جا ُم ال هد َّر َ ت فَ هأ ُوْل َئ ِ َ
ك ل َهُ ه ْ حا ِ صههال ِ َل ال ّم َمنا ً قَد ْ عَ ِ
مؤ ْ ِ
ْ
ن ي َأت ِهِ ُ
م ْوَ َ
ن
م ْ
جَزاُء َ ن ِفيَها وَذ َل ِ َ
ك َ دي َخال ِ ِ حت َِها ال َن َْهاُر َن تَ ْ
م ْري ِ ج ِن تَ ْت عَد ْ ٍجّنا ُ َ (75
كى )(76 ت ََز ّ
613
ومن يأت ربه مؤمًنا به قد عمل العمال الصالحة فله المنازل
العالية في جنات القامة الدائمة ,تجري من تحت أشجارها النهار
دا ,وذلك النعيم المقيم ثواب من الله لمن طّهر
ماكثين فيها أب ً
نفسه من الدنس والخبث والشرك ,وعبد الله وحده فأطاعه
دا من خلقه.
واجتنب معاصيه ,ولقي ربه ل يشرك بعبادته أح ً
َ
م )(78 ما غَ ِ
شي َهُ ْ ن ال ْي َ ّ
م َ م ْ
م ِ جُنودِهِ فَغَ ِ
شي َهُ ْ ن بِ ُ فَأت ْب َعَهُ ْ
م فِْرعَوْ ُ
فأسرى موسى ببني إسرائيل ,وعبر بهم طريًقا في البحر ,فأتبعهم
فرعون بجنوده ,فغمرهم من الماء ما ل يعلم كنهه إل الله ,فغرقوا
جميًعا ونجا موسى وقومه.
َ
دى )(79
ما هَ َ
ه وَ َ ن قَوْ َ
م ُ ض ّ
ل فِْرعَوْ ُ وَأ َ
ل فرعون قومه بما زّينه لهم من الكفر والتكذيب ,وما سلك وأض ّ
بهم طريق الهداية.
614
ل عَل َي ْك ُه ْ
م غَ َ
ضهِبي م َول ت َط ْغَه ْ
وا ِفيههِ فَي َ ِ
حه ّ ما َرَزقْن َههاك ُ ْت َن ط َي َّبا ِم ْ ك ُُلوا ِ
وى )(81 ضِبي فََقد ْ هَ َ ل عَل َي ْهِ غَ َ
حل ِ ْ
ن يَ ْ
م ْ
وَ َ
ضا,
كلوا من رزقنا الطيب ,ول تعتدوا فيه بأن يظلم بعضكم بع ً
من ينزل به غضبي فقد هلك وخسر. فينزل بكم غضبي ,و َ
م َ جل َ َ َ
سى )(83
مو َ
ك َيا ُ ن قَوْ ِ
ك عَ ْ ما أعْ َ
وَ َ
وأيّ شيء أعجلك عن قومك -يا موسى -فسبقَتهم إلى جانب
الطور اليمن ,وخّلفَتهم وراءك؟
ت إ ِل َي ْ َ َ ل هُ ُ
ضى )(84
ب ل ِت َْر َ
ك َر ّ جل ْ ُ م أولِء عََلى أث َ ِ
ري وَعَ ِ ْ َقا َ
قال :إنهم خلفي سوف يلحقون بي ,وسبقُتهم إليك -يا ربي -
لتزداد عني رضا.
ك من بعد َ َ
مرِيّ )(85
سا ِ ضل ّهُ ْ
م ال ّ ك وَأ َم َ ِ ْ َْ ِ
ل فَإ ِّنا قَد ْ فَت َّنا قَوْ َ
َقا َ
قال الله لموسى :فإنا قد ابتلينا قومك بعد فراقك إياهم بعبادة
العجل ,وإن السامري قد أضلهم.
615
غضب من ربكم ,فأخلفتم موعدي وعبدتم العجل ,وتركتم اللتزام
بأوامري؟
فَأ َ
سههى
مو َ م وَإ ِل َه ُ
ه ُ ذا إ ِل َهُك ُه ْ
واٌر فََقههاُلوا هَ ه َ
َ ه خ
ُ ه
ُ َ ل ً ا سد
َ ج
َ ً لجْ ع
ِ م
ْ ُ هَ ل ج
َ ر
َ خ
ْ
ي )(88 س َ فَن َ ِ
دا يخور خوار
فصنع السامري لبني إسرائيل من الذهب عجل جس ً
البقر ,فقال المفتونون به منهم للخرين :هذا هو إلهكم وإله
موسى ,نسيه وغََفل عنه.
ن َرب ّك ُه ْ
م مهها فُِتنت ُه ْ
م ب ِههِ وَإ ِ ّ ل ي َهها قَهوْم ِ إ ِن ّ َ
ن قَب ْه ُمه ْ
ن ِهاُرو ُ ل ل َهُ ْ
م َ وَل ََقد ْ َقا َ
َ َ
ري )(90 م ِطيُعوا أ ْن َفات ّب ُِعوِني وَأ ِ
م ُح َالّر ْ
ولقد قال هارون لبني إسرائيل من قبل رجوع موسى إليهم :يا قوم
إنما اخُتبرتم بهذا العجل؛ ليظهر المؤمن منكم من الكافر ,وإن
ربكم الرحمن ل غيره فاتبعوني فيما أدعوكم إليه من عبادة الله,
وأطيعوا أمري في اتباع شرعه.
616
قال عُّباد العجل منهم :لن نزال مقيمين على عبادة العجل حتى
يرجع إلينا موسى.
مرِيّ )(95
سا ِ خط ْب ُ َ
ك َيا َ ل فَ َ
ما َ َقا َ
قال موسى للسامري :فما شأنك يا سامري؟ وما الذي دعاك إلى
ما فعلته؟
ة مه َ
ل ن أث َهرِ الّر ُ
سههو ِ ت قَب ْ َ
ضه ً ِ ْ صهُروا ب ِههِ فََقب َ ْ
ضه ُ ما ل َه ْ
م ي َب ْ ُ ت بِ َ صْر ُ ل بَ ُ َقا َ
سي )(96 ت ِلي ن َْف ِ سوّل َ ْك َ فَن َب َذ ْت َُها وَك َذ َل ِ َ
617
عدا ً ن لَ َ َ
مو ْ ِك َ س وَإ ِ ّ سا َ م َ
لل ِ ن ت َُقو َ حَياةِ أ ْك ِفي ال ْ َ ن لَ َب فَإ ِ ّ ل َفاذ ْهَ ْ َقا َ
مه ث ُه ّ حّرقَن ّه ُكفها ً ل َن ُ َ ت عَل َي ْههِ َ
عا ِ ذي ظ َل َل ْه َ ك ال ّه ِ ه َوانظ ُْر إ َِلى إ ِل َهِه َ خل ََف ُ لَ ْ
ن تُ ْ
سفا ً )(97 م نَ ْه ِفي ال ْي َ ّ سَفن ّ ُ ل ََنن ِ
قال موسى للسامري :فاذهب فإن لك في حياتك أن تعيش منبو ً
ذا
س ,وإن لك موعدا لعذابك وعقابك, ُ َ
م ّ س ول أ َ
م ّ تقول لكل أحد :ل أ َ
خلفك الله إياه ,وسوف تلقاه ,وانظر إلى معبودك الذي أقمت لن ي ُ ْ
م تذرية.
على عبادته لُنحرقّنه بالنار ,ثم لُنذريّنه في الي ّ
عْلما ً )(98
يءٍ ِ
ش ْ سع َ ك ُ ّ
ل َ ذي ل إ ِل َ َ
ه إ ِل ّ هُوَ وَ ِ ه ال ّ ِ
م الل ّ ُ
ما إ ِل َهُك ُ ْ
إ ِن ّ َ
إنما إلهكم -أيها الناس -هو الله الذي ل معبود بحق إل هو ,وسع
علمه كل شيء.
مل ً )(101
ح ْ م ال ِْقَيا َ
مة ِ ِ ساَء ل َهُ ْ
م ي َوْ َ ن ِفيهِ وَ َ
دي َ
خال ِ ِ
َ
خالدين في العذاب ,وساءهم ذلك الحمل الثقيل من الثام حيث
أوردهم النار.
618
ك في "القرن" لصيحة البعث ,ونسوق الكافرين ذلكميوم َينُفخ المل َ ُ
اليوم وهم زرق ,تغّيرت ألوانهم وعيونهم; من شدة الحداث
والهوال.
شرا ً )(103 ن ل َب ِث ْت ُ ْ
م إ ِل ّ عَ ْ م إِ ْ خافَُتو َ
ن ب َي ْن َهُ ْ ي َت َ َ
يتهامسون بينهم ,يقول بعضهم لبعض :ما لبثتم في الحياة الدنيا إل
عشرة أيام.
سفا ً )(105
سُفَها َرّبي ن َ ْ ل فَُق ْ
ل َين ِ ن ال ْ ِ
جَبا ِ سأ َُلون َ َ
ك عَ ْ وَي َ ْ
ويسألك -أيها الرسول -قومك عن مصير الجبال يوم القيامة ،فقل
لهم :يزيلها رّبي عن أماكنها فيجعلها هباء منبًثا.
َ
ن َفل
مه ِ
ح َ
ت ِللّر ْ
وا ُ
صه َ
ت ال ْ خ َ
ش هع َ ْ ج ل َه ُ
ه وَ َ ع هو َ َ
عي ل ِدا ِ
ن ال ّ
مئ ِذٍ ي َت ّب ُِعو َي َوْ َ
مسا ً )(108 معُ إ ِل ّ هَ ْ س َ تَ ْ
في ذلك اليوم يتبع الناس صوت الداعي إلى موقف القيامة ,ل
محيد عن دعوة الداعي; لنها حق وصدق لجميع الخلق ,وسكنت
عا للرحمن ,فل تسمع منها إل صوًتا خفًيا.
الصوات خضو ً
619
ة إل ّ م ه َ
ي ل َه ُ
ه قَهوْل ً ) ضه َ
ن وََر ِ
مه ُ
ح َ ن ل َه ُ
ه الّر ْ ن أذِ َ مئ ِذٍ ل َتنَفعُ ال ّ
شَفاعَ ُ ِ َ ْ ي َوْ َ
(109
دا من الخلق ,إل إذا أذن الرحمن
في ذلك اليوم ل تنفع الشفاعة أح ً
للشافع ,ورضي عن المشفوع له ,ول يكون ذلك إل للمؤمن
المخلص.
ل ظ ُْلما ً )(111
م َ
ح َ
ن َ
م ْ
ب َ ي ال َْقّيوم ِ وَقَد ْ َ
خا َ جوهُ ل ِل ْ َ
ح ّ ت ال ْوُ ُ
وَعَن َ ْ
وخضعت وجوه الخلئق ,وذّلت لخالقها ,الذي له جميع معاني الحياة
ل شيء، الكاملة كما يليق بجلله الذي ل يموت ,القائم على تدبير ك ّ
من أشرك مع الله من سواه .وقد خسر يوم القيامة َالمستغني ع ّ
دا من خلقه.أح ً
ضهما ً )
ف ظ ُْلمها ً َول هَ ْ ن َفل ي َ َ
خها ُ مؤ ْ ِ
م ٌ ت وَهُوَ ُ
حا ِ
صال ِ َ
ن ال ّ
م ْ م ْ
ل ِ ن ي َعْ َ
م ْ
وَ َ
(112
ما
ومن يعمل صالحات العمال وهو مؤمن بربه ,فل يخاف ظل ً
ما بنقص حسناته.
بزيادة سيئاته ,ول هض ً
620
ضى إ ِل َي ْ َ ل بال ُْقرآن من قَب َ
ك ن ي ُْق َ
لأ ْج ْ ِ ْ ِ ِ ْ ْ ِ ك ال ْ َ
حقّ َول ت َعْ َ ه ال ْ َ
مل ِ ُ فَت ََعاَلى الل ّ ُ
عْلما ً )(114 ب زِد ِْني ِ ل َر ّ ه وَقُ ْ
حي ُ ُ
وَ ْ
دس عن كل نقص ,الملك الذي فتنّزه الله -سبحانه -وارتفع ,وتق ّ
قهر سلطانه كل ملك وجبار ,المتصرف بكل شيء ,الذي هو حق,
ووعده حق ,ووعيده حق ,وكل شيء منه حق .ول تعجل -أيها
الرسول -بمسابقة جبريل في ت َل َّقي القرآن قبل أن ي َْفَرغ منه,
ما إلى ما علمتني. ب زدني عل ً
وقل :ر ّ
ه عَْزما ً )(115
جد ْ ل َ ُ ي وَل َ ْ
م نَ ِ ل فَن َ ِ
س َ ن قَب ْ ُ
م ْ وَل ََقد ْ عَهِد َْنا إ َِلى آد َ َ
م ِ
ل أن يأكل من الشجرة ,أل يأكل منها ,وقلنا من َقب ِ
ولقد وصينا آدم ِ
له :إن إبليس عدو لك ولزوجك ,فل يخرجنكما من الجنة ,فتشقى
أنت وزوجك في الدنيا ,فوسوس إليه الشيطان فأطاعه ,ونسي آدم
الوصية ,ولم نجد له قوة في العزم يحفظ بها ما ُأمر به.
س أ ََبى )(116
دوا إ ِل ّ إ ِب ِْلي َ
ج ُ م فَ َ
س َ دوا لد َ َ
ج ُ
س ُ وَإ ِذ ْ قُل َْنا ل ِل ْ َ
ملئ ِك َةِ ا ْ
واذكر -أيها الرسول -إذ قلنا للملئكة :اسجدوا لدم سجود تحية
وإكرام ,فأطاعوا ,وسجدوا ,لكن إبليس امتنع من السجود.
ة ن ال ْ َ
جن ّه ِ مه ْ جن ّك ُ َ
مهها ِ خرِ َ جه َ
ك َفل ي ُ ْ ذا عَهد ُوّ ل َه َ
ك وَل َِزوْ ِ ن هَ ه َ فَُقل َْنا ي َهها آد َ ُ
م إِ ّ
شَقى )(117 فَت َ ْ
فقلنا :يا آدم إن إبليس هذا عدو لك ولزوجتك ,فاحذرا منه ,ول
تطيعاه بمعصيتي ,فيخرجكما من الجنة ,فتشقى إذا ُأخرجت منها.
إن ل َ َ َ
ك أل ّ ت َ ُ
جوعَ ِفيَها َول ت َعَْرى )(118 ِ ّ
إن لك -يا آدم -في هذه الجنة أن تأكل فل تجوع ,وأن ت َل َْبس فل
ت َْعرى.
حى )(119 ك ل تظ ْ ُ
وَأ َن ّ َ
ض َ
مأ ِفيَها َول ت َ ْ
َ َ
621
وأن لك أل تعطش في هذه الجنة ول يصيبك حر الشمس.
خل ْهدِ
جَرةِ ال ْ ُ
شه َ ل أ َد ُل ّه َ
ك عَل َههى َ م هَ ه ْ ن َقا َ
ل َيا آد َ ُ شي ْ َ
طا ُ س إ ِل َي ْهِ ال ّ فَوَ ْ
سو َ َ
ك ل ي َب َْلى )(120 مل ْ ٍ
وَ ُ
فوسوس الشيطان لدم وقال له :هل أدلك على شجرة ,إن أكلت
مل ْ ً
كا ل ينقضي ول ينقطع؟ خّلد َ
ت فلم تمت ,وملكت ُ منها ُ
ق
ن وََر ِ
مه ْ ن عَل َي ْهِ َ
مهها ِ ص هَفا ِ
خ ِ ما وَط َ ِ
فَقهها ي َ ْ وآت ُهُ َ
س ْ ما َ ت ل َهُ َ من َْها فَب َد َ ْ فَأ َ َ
كل ِ
وى )(121 ه فَغَ َ
م َرب ّ ُصى آد َ ُ جن ّةِ وَعَ َال ْ َ
فأكل آدم وحواء من الشجرة التي نهاهما الله عنها ,فانكشفت لهما
عوراتهما ,وكانت مستورةً عن أعينهما ,فأخذا ينزعان من ورق
أشجار الجنة ويلصقانه عليهما; ليسترا ما انكشف من عوراتهما,
وخالف آدم أمر ربه ,فغوى بالكل من الشجرة التي نهاه الله عن
القتراب منها.
ْ
دى
من ّههي هُ ه ً ما ي َهأت ِي َن ّك ُ ْ
م ِ ض عَد ُوّ فَإ ِ ّ
م ل ِب َعْ ٍ ميعا ً ب َعْ ُ
ضك ُ ْ ج ِ
من َْها َ
طا ِل اهْب ِ َ َقا َ
شَقى )(123 ل َول ي َ ْ ض ّ دايَ َفل ي َ ِ ن ات ّب َعَ هُ َ فَ َ
م ْ
قال الله تعالى لدم وحواء :اهبطا من الجنة إلى الرض جميًعا مع
إبليس ,فأنتما وهو أعداء ,فإن يأتكم مني هدى وبيان فمن اتبع
هداي وبياني وعمل بهما فإنه يرشد في الدنيا ,ويهتدي ,ول يشقى
في الخرة بعقاب الله.
وم َ
ة م ال ِْقَيا َ
مهه ِ شُرهُ ي َوْ َ ضنكا ً وَن َ ْ
ح ُ ة َ مِعي َ
ش ً ن لَ ُ
ه َ ن ذِك ْ ِ
ري فَإ ِ ّ ض عَ ْ
ن أعَْر َ
َ َ ْ
مى )(124 َ
أعْ َ
622
ومن توّلى عن ذكري الذي أذ ّ
كره به فإن له في الحياة الولى
معيشة ضّيقة شاقة -وإن ظهر أنه من أهل الفضل واليسار،-
ذب فيه ،ونحشره يوم القيامة أعمى عن وُيضّيق قبره عليه ويع ّ
الرؤية وعن الحجة.
خَرةِ أ َ َ
شد ّ ب ال ِ ت َرب ّهِ وَل َعَ َ
ذا ُ ن ِبآَيا ِ
م ْ ف وَل َ ْ
م ي ُؤْ ِ سَر َ ك نجزي م َ
نأ َْ ْ وَ َك َذ َل ِ َ َ ْ ِ
وَأب َْقى )(127
من أسرف على نفسه فعصى ربه ,ولم يؤمن بآياته وهكذا نعاقب َ
بعقوبات في الدنيا ,وَلعذاب الخرة المعد ّ لهم أشد أل ً
ما وأدوم
وأثبت; لنه ل ينقطع ول ينقضي.
َ
مى )(129
س ّ
م َ
ل ُ ن ل َِزاما ً وَأ َ
ج ٌ ك لَ َ
كا َ ن َرب ّ َ
م ْ
ت ِ
سب ََق ْ
ة َ
م ٌ وَل َ ْ
ول ك َل ِ َ
623
ولول كلمة سبقت من ربك وأجل مسمى عنده للزمهم الهلك
عاجل ،لنهم يستحقونه؛ بسبب كفرهم.
س وَقَب ْه َ
ل م ِ ل ط ُُلوِع ال ّ
ش ْ ك قَب ْ َمدِ َرب ّ َ
ح ْ
ح بِ َ
سب ّ ْن وَ َ ما ي َُقوُلو َ صب ِْر عََلى َ َفا ْ
ف الن َّهارِ ل َعَل ّ َ َ
ح وَأط َْرا َ
ضى )(130 ك ت َْر َ ل فَ َ
سب ّ ْ ن آَناِء الل ّي ْ ِ غُُروب َِها وَ ِ
م ْ
فاصبر -أيها الرسول -على ما يقوله المكذبون بك من أوصاف
وأباطيل ,وسّبح بحمد ربك في صلة الفجر قبل طلوع الشمس,
وصلة العصر قبل غروبها ,وصلة العشاء في ساعات الليل ,وصلة
الظهر والمغرب أطراف النهار; كي تثاب على هذه العمال بما
ت َْرضى به.
َ
دنَيا م َزهْهَرةَ ال ْ َ
حي َههاةِ اله ّ مت ّعَْنا ب ِهِ أْزَواجها ً ِ
من ْهُه ْ ك إ َِلى َ
ما َ ن عَي ْن َي ْ َ
مد ّ َّول ت َ ُ
َ
خي ٌْر وَأب َْقى )(131 ك َم ِفيهِ وَرِْزقُ َرب ّ َ ل ِن َْفت ِن َهُ ْ
مت ّْعنا به هؤلء المشركين وأمثالهم من أنواع المتع, ول تنظر إلى ما َ
فإنها زينة زائلة في هذه الحياة الدنيا ,متعناهم بها; لنبتليهم بها,
ورزق ربك وثوابه خير لك مما متعناهم به وأدوم; حيث ل انقطاع له
ول نفاد.
ن ن َْرُزقُ ه َ
ك حه ُ س هأ َل ُ َ
ك رِْزق ها ً ن َ ْ ص هط َب ِْر عَل َي ْهَهها ل ن َ ْ
صههلةِ َوا ْ
ك ِبال ّ مْر أ َهْل َ َ ْ
وَأ ُ
وى )(132 ة ِللت ّْق ََوال َْعاقِب َ ُ
مْر -أيها النبي -أهلك بالصلة ,واصطبر على أدائها ,ل نسألك ْ
وَأ ُ
مال ،نحن نرزقك ونعطيك .والعاقبة الصالحة في الدنيا والخرة
لهل التقوى.
فا ُ
لوَلى ْ َ ْ
ح ِ
ص ُ
ما ِفي ال ّ
ة َ
م ب َي ّن َ ُ ن َرب ّهِ أوَل َ ْ
م ت َأت ِهِ ْ م ْ وََقاُلوا ل َ ْ
ول ي َأِتيَنا ِبآي َةٍ ِ
)(133
وقال مكذبوك -أيها الرسول :-هل تأتينا بعلمة من ربك تد ّ
ل على
صدقك ,أولم يأتهم هذا القرآن المصدق لما في الكتب السابقة من
الحق؟
624
َ َ َ
ت إ ِل َي َْنا َر ُ
سول ً سل ْ َ ن قَب ْل ِهِ ل ََقاُلوا َرب َّنا ل َ ْ
ول أْر َ م ْب ِ ذا ٍ وَل َوْ أّنا أهْل َك َْناهُ ْ
م ب ِعَ َ
ك من قَب َ
خَزى )(134 ل وَن َ ْن ن َذِ ّ
لأ ْ فَن َت ّب ِعَ آَيات ِ َ ِ ْ ْ ِ
ولو أّنا أهلكنا هؤلء المكذبين بعذاب من قبل أن نرسل إليهم
رسول وننزل عليهم كتاًبا لقالوا :ربنا هل أرسلت إلينا رسول من
من قبل أن َنذ ّ
ل وَنخزى عندك ,فنصدقه ,ونتبع آياتك وشرعكِ ,
بعذابك.
625
الجزء السابع عشر :
-21سورة النبياء
ن )(1
ضو َ م ِفي غَْفل َةٍ ُ
معْرِ ُ م وَهُ ْ
ساب ُهُ ْ
ح َ
س ِ اقْت ََر َ
ب ِللّنا ِ
دموا من عمل ,ومع ذلك فالكفار
دنا وقت حساب الناس على ما ق ّ
يعيشون لهين عن هذه الحقيقة ,معرضين عن هذا النذار.
ْ
م ي َل ْعَُبو َ
ن )(2 مُعوهُ وَهُ ْ ث إ ِل ّ ا ْ
ست َ َ حد َ ٍ
م ْ
م ُ
ن َرب ّهِ ْ ن ذِك ْرٍ ِ
م ْ م ْ
م ِ
ما ي َأِتيهِ ْ
َ
دا لهم التذكير ,إل
ما من شيء ينزل من القرآن يتلى عليهم مجد ّ ً
كان سماعهم له سماع لعب واستهزاء.
َ
مث ْل ُك ُه ْ
م ذا إ ِل ّ ب َ َ
ش هٌر ِ ن ظ َل َ ُ
موا هَ ْ
ل هَ َ وى ال ّ ِ
ذي َ ج َ
سّروا الن ّ ْ م وَأ َ ة قُُلوب ُهُ ْ
لهِي َ ً
َ َ ْ
ن )(3 صُرو َم ت ُب ْ ِ
حَر وَأن ْت ُ ْ
س ْ ن ال ّ أفَت َأُتو َ
قلوبهم غافلة عن القرآن الكريم ,مشغولة بأباطيل الدنيا وشهواتها,
ل يعقلون ما فيه .بل إن الظالمين من قريش اجتمعوا على أمر
دون به الناس عن اليمان بمحمد صلى ي :وهو إشاعة ما يص ّ
خِف ّ
َ
الله عليه وسلم من أنه بشر مثلهم ,ل يختلف عنهم في شيء ,وأن
ما جاء به من القرآن سحر ,فكيف تجيئون إليه وتتبعونه ,وأنتم
تبصرون أنه بشر مثلكم؟
م ن ُ
كنُتهه ْ سأ َُلوا أ َهْ َ
ل الذ ّك ْرِ إ ِ ْ حي إ ِل َي ْهِ ْ
م َفا ْ جال ً ُنو ِ سل َْنا قَب ْل َ َ
ك إ ِل ّ رِ َ
َ
ما أْر َ وَ َ
ن )(7 مو َل ت َعْل َ ُ
وما أرسلنا قبلك -أيها الرسول -إل رجال من البشر نوحي إليهم,
ولم نرسل ملئكة ,فاسألوا -يا كفار "مكة" -أهل العلم بالكتب
المنزلة السابقة ,إن كنتم تجهلون ذلك.
ْ
ن )(8
دي َ
خال ِ ِ ما َ
كاُنوا َ ن الط َّعا َ
م وَ َ سدا ً ل ي َأك ُُلو َ
ج َ جعَل َْناهُ ْ
م َ ما َ
وَ َ
وما جعلنا أولئك المرسلين قبلك خارجين عن طباع البشر ل
يحتاجون إلى طعام وشراب ,وما كانوا خالدين ل يموتون.
َ َ
ن )(9 سرِِفي َ شاُء وَأهْل َك َْنا ال ْ ُ
م ْ ن نَ َ
م ْ
م وَ َ م ال ْوَعْد َ فَأن َ
جي َْناهُ ْ صد َقَْناهُ ْ ثُ ّ
م َ
ثم أنجزنا للنبياء وأتباعم ما وعدناهم به من النصر والنجاة ,وأهل َ ْ
كنا
المسرفين على أنفسهم بكفرهم بربهم.
627
ل ََقد َأنزل ْنا إل َيك ُم كتابا ً فيه ذك ْرك ُ َ
م أَفل ت َعِْقُلو َ
ن )(10 ِ ِ ِ ُ ْ ْ َ َ ِ ْ ْ َِ
لقد أنزلنا إليكم هذا القرآن ,فيه عّزكم وشرفكم في الدنيا والخرة
ضْلتكم به على غيركم؟
إن تذكرتم به ,أفل تعقلون ما فَ ّ
ظالمة وَأن َ ْ
ن )(11
ري َ وما ً آ َ
خ ِ ها قَ ْ
شأَنا ب َعْد َ َ ت َ ِ َ ً َ ن قَْري َةٍ َ
كان َ ْ م ْ
مَنا ِ
ص ْ وَك َ ْ
م قَ َ
وكثير من القرى كان أهلها ظالمين بكفرهم بما جاءتهم به رسلهم,
ما آخرينفأهلكناهم بعذاب أبادهم جميًعا ,وأوجدنا بعدهم قو ً
سواهم.
ْ َ
ن )(12 من َْها ي َْرك ُ ُ
ضو َ م ِ سَنا إ ِ َ
ذا هُ ْ سوا ب َأ َ
ح ّ فَل َ ّ
ما أ َ
فلما رأى هؤلء الظالمون عذابنا الشديد نازل بهم ,وشاهدوا بوادره,
إذا هم من قريتهم يسرعون هاربين.
َ ُ
سههأُلو َ
ن) م ل َعَل ّك ُ ْ
م تُ ْ ساك ِن ِك ُ ْ
م َ جُعوا إ َِلى َ
ما أت ْرِفْت ُ ْ
م ِفيهِ وَ َ ل ت َْرك ُ ُ
ضوا َواْر ِ
(13
فنودوا في هذه الحال :ل تهربوا وارجعوا إلى لذاتكم وتنّعمكم في
دنياكم الملهية ومساكنكم المشّيدة ,لعلكم ُتسألون من دنياكم
شيًئا ,وذلك على وجه السخرية والستهزاء بهم.
ن )(14
مي َ َقاُلوا َيا وَي ْل ََنا إ ِّنا ك ُّنا َ
ظال ِ ِ
فلم يكن لهم من جواب إل اعترافهم بجرمهم وقولهم :يا هلكنا,
فقد ظلمنا أنفسنا بكفرنا.
ن )(15
دي َ
م ِ صيدا ً َ
خا ِ ح ِ جعَل َْناهُ ْ
م َ حّتى َ
م َ
واهُ ْ ت ت ِل ْ َ
ك د َعْ َ ما َزال َ ْ
فَ َ
فما زالت تلك المقالة -وهي الدعاء على أنفسهم بالهلك,
والعتراف بالظلم -د َعْوََتهم يرددونها حتى جعلناهم كالزرع
المحصود ,خامدين ل حياة فيهم .فاحذروا -أيها المخاطبون -أن
628
تستمروا على تكذيب محمد صلى الله عليه وسلم ,فيح ّ
ل بكم ما
ح ّ
ل بالمم قبلكم. َ
َ
ن )(16
عِبي َ
ما ل ِ
ما ب َي ْن َهُ َ
ض وَ َ
ماءَ َوالْر َ خل َْقَنا ال ّ
س َ ما َ
وَ َ
وما خلقنا السماء والرض وما بينهما عبًثا وباطل بل لقامة الحجة
عليكم -أيها الناس -ولتعتبروا بذلك كله ,فتعلموا أن الذي خلق
ذلك ل يشبهه شيء ,ول تصلح العبادة إل له.
َ َ
ن )(17
عِلي َ ن ل َد ُّنا إ ِ ْ
ن ك ُّنا َفا ِ خذ َ ل َْهوا ً لت ّ َ
خذ َْناهُ ِ
م ْ ل َوْ أَرد َْنا أ ْ
ن ن َت ّ ِ
وا من الولد أو الصاحبة لتخذناه من عندنا ل من
لو أردنا أن نتخذ له ً
عندكم ,ما كنا فاعلين ذلك; لستحالة أن يكون لنا ولد أو صاحبة.
م ال ْوَي ْه ُ
ل ذا هُ هوَ َزاهِهقٌ وَل َك ُه ْ
ه فَإ ِ َ حقّ عََلى ال َْباط ِ ِ
ل فَي َد ْ َ
مغ ُ ُ ف ِبال ْ َ بَ ْ
ل ن َْقذِ ُ
ن )(18 صُفو َ
ما ت َ ِم ّ
ِ
بل نقذف بالحق ونبّينه ,فيدحض الباطل ,فإذا هو ذاهب مضمحل.
صفكم ربكم بغير
من وَ ْ
ولكم العذاب في الخرة -أيها المشركون ِ -
صفته اللئقة به.
َ
ه
عب َههاد َت ِ ِ
ن ِ ست َك ْب ُِرو َ
ن عَ ْ عن ْد َهُ ل ي َ ْ
ن ِ
م ْ
ض وَ َ
ت َوالْر ِ
وا ِ
م َ
س َ
ن ِفي ال ّ م ْه َ وَل َ ُ
ن )(19 سُرو َ
ح ِ
ست َ َْول ي َ ْ
من في السموات والرض ,والذين عنده من ولله سبحانه كل َ
الملئكة ل يأن َُفون عن عبادته ول يمّلونها .فكيف يجوز أن يشرك به
ما هو عبده وخلقه؟
ن )(20 ن الل ّي ْ َ
ل َوالن َّهاَر ل ي َْفت ُُرو َ حو َ
سب ّ ُ
يُ َ
ضُعفون ول يسأمون.
ما ,ل ي ْ
يذكرون الله وينّزهونه دائ ً
629
ن )(21 َ خ ُ َ
شُرو َ
م ُين ِ
ض هُ ْ
ن الْر ِ
م ْ
ة ِ
ذوا آل ِهَ ً م ات ّ َ
أ ْ
كيف يصح للمشركين أن يتخذوا آلهة عاجزة من الرض ل تقدر
على إحياء الموتى؟
مهها
ش عَ ّ ن الل ّههِ َر ّ ْ ه ل ََف َ
سد ََتا فَ ُ ة إ ِل ّ الل ّ ُ ل َوْ َ
ب العَهْر ِ حا َ
سهب ْ َ ما آل ِهَ ٌ
ن ِفيهِ َ
كا َ
ن )(22 صُفو َ
يَ ِ
لو كان في السموات والرض آلهة غير الله سبحانه وتعالى تدبر
ما
دس عَ ّ شؤونهما ,لخت ّ
ل نظامهما ,فتنّزه الله رب العرش ,وتق ّ
يصفه الجاحدون الكافرون ,من الكذب والفتراء وكل نقص.
ل وه م ي َ سأ َ ُ
سأُلو َ
ن )(23 ما ي َْفعَ ُ َ ُ ْ ُ ْ
ل عَ ّ ل يُ ْ
إن من دلئل تفّرده سبحانه بالخلق والعبادة أنه ل ُيسأل عن قضائه
في خلقه ,وجميع خلقه ُيسألون عن أفعالهم.
ه إ ِل ّ أ َن َهها
ه ل إ ِل َه َ
َ
حي إ ِل َي ْههِ أن ّه ُ
ل إ ِل ّ ن ُههو ِ
سههو ٍ
ن َر ُ
مه ْ ن قَب ْل ِ َ
ك ِ سل َْنا ِ
م ْ
َ
ما أْر َ وَ َ
ن )(25 دو ِ َفاعْب ُ ُ
وما أرسلنا من قبلك -أيها الرسول -من رسول إل نوحي إليه أنه
خلصوا العبادة له وحده.
ل معبود بحق إل الله ,فأ ْ
يعل َم ما بي َ
م
ضههى وَهُه ْ
ن اْرت َ َ ن إ ِل ّ ل ِ َ
مه ْ شهَفُعو َ خل َْفهُ ْ
م َول ي َ ْ ما َ
م وَ َديهِ ْ
ن أي ْ ِ
َْ ُ َ َْ َ
ن )(28 فُقو َش ِ م ْ خ ْ
شي َت ِهِ ُ ن َ
م ْ
ِ
وما من أعمال الملئكة عمل سابق أو لحق إل يعلمه الله سبحانه
وتعالى ,ويحصيه عليهم ,ول يتقدمون بالشفاعة إل لمن ارتضى الله
شفاعتهم له ,وهم من خوف الله حذرون من مخالفة أمره ونهيه.
زي
جه ِ م ك َهذ َل ِ َ
ك نَ ْ جهَن ّه َ
زيههِ َ
ج ِ دون ِهِ فَذ َل ِ َ
ك نَ ْ ن ُ
م ْ م إ ِّني إ ِل َ ٌ
ه ِ من ْهُ ْ ن ي َُق ْ
ل ِ م ْوَ َ
ن )(29 مي َ ال ّ
ظال ِ ِ
دع من الملئكة أنه إله مع الله -على سبيل الفرض -
ومن ي ّ
فجزاؤه جهنم ,مثل ذلك الجزاء نجزي كل ظالم مشرك.
َ َ
جاجها ً ُ
سهب ُل ً جعَل ْن َهها ِفيهَهها فِ َ
م وَ َ
ميد َ ب ِهِه ْ
ن تَ ِ
يأ ْس َ
ض َرَوا ِ
جعَلَنا ِفي الْر ِ
وَ َ ْ
ن )(31 دو َ
م ي َهْت َ ُل َعَل ّهُ ْ
631
وخلقنا في الرض جبال تثبتها حتى ل تضطرب ,وجعلنا فيها طرًقا
واسعة; رجاء اهتداء الخلق إلى معايشهم ,وتوحيد خالقهم.
ن )(32
ضو َ
معْرِ ُ
ن آَيات َِها ُ حُفوظا ً وَهُ ْ
م عَ ْ سْقفا ً َ
م ْ ماءَ َ جعَل َْنا ال ّ
س َ وَ َ
وجعلنا السماء سقًفا للرض ل يرفعها عماد ,وهي محفوظة ل
تسقط ,ول تخترقها الشياطين ,والكفار عن العتبار بآيات السماء
)الشمس والقمر والنجوم( ,غافلون لهون عن التفكير فيها.
ل فِههي فَل َه ٍ
ك س َوال َْق َ
مهَر ك ُه ّ م َ خل َهقَ الل ّي ْه َ
ل َوالن ّهَههاَر َوال ّ
شه ْ وَهُهوَ ال ّه ِ
ذي َ
ن )(33
حو َ سب َ ُ
يَ ْ
والله تعالى هو الذي خلق الليل; ليسكن الناس فيه ,والنهار;
ليطلبوا فيه المعايش ,وخلق الشمس آية للنهار ,والقمر آية لّليل,
سَبح ل يحيد عنه.
ولكل منهما مدار يجري فيه وَي َ ْ
م ال ْ َ َ
ن )(34
دو َ
خال ِ ُ ت فَهُ ْ
م ّ خل ْد َ أفَإ ِي ْ ْ
ن ِ ك ال ْ ُ
ن قَب ْل ِ َ
م ْ جعَل َْنا ل ِب َ َ
شرٍ ِ ما َ
وَ َ
وما جعلنا لبشر من قبلك -أيها الرسول -دوام البقاء في الدنيا,
ملون الخلود بعدك؟ ل يكون هذا .وفي هذه الية أفإن مت فهم ُيؤ ّ
دليل على أن الخضر عليه السلم قد مات; لنه بشر.
632
وإذا رآك الكفار -أيها الرسول -أشاروا إليك ساخرين منك بقول
ب آلهتكم؟ وجحدوا بالرحمن
بعضهم لبعض :أهذا الرجل الذي يس ّ
ونعمه ,وبما أنزله من القرآن والهدى.
ُ
جُلو ِ
ن )(37 ست َعْ ِ سأِريك ُ ْ
م آَياِتي َفل ت َ ْ ل َ
ج ٍ
ن عَ َ
م ْ
ن ِ
سا ُ
لن َ
خل ِقَ ا ِ
ُ
خلق النسان عجول يبادر الشياء ويستعجل وقوعها .وقد استعجلت ُ
قريش العذاب واستبطأته ,فأنذرهم الله بأنه سيريهم ما يستعجلونه
من العذاب ,فل يسألوا الله تعجيله وسرعته.
ن )(38
صادِِقي َ
م َ
كنت ُ ْ ذا ال ْوَعْد ُ إ ِ ْ
ن ُ مَتى هَ َ وَي َُقوُلو َ
ن َ
ويقول الكفار -مستعجلين العذاب مستهزئين : -متى حصول ما
من اتبعك من الصادقين؟
دنا به يا محمد ,إن كنت أنت و َ
ت َعِ ُ
ن
م الّنهاَر َول عَه ْ
جهوهِهِ ْ
ن وُ ُ
عه ْ ن ل ي َك ُّفههو َ
ن َ حيه َن ك ََفهُروا ِ م ال ّه ِ
ذي َ ل َوْ ي َعْل َ ُ
ن )(39 صُرو َم ي ُن ْ َ
م َول هُ ْ ظ ُُهورِهِ ْ
لو يعلم هؤلء الكفار ما يلقونه عندما ل يستطيعون أن يدفعوا عن
وجوههم وظهورهم النار ,ول يجدون لهم ناصًرا ينصرهم ,لما أقاموا
على كفرهم ,ولما استعجلوا عذابهم.
ب ْ ْ
م ُينظ َُرو َ
ن )(40 ها َول هُ ْ
ن َرد ّ َ
طيُعو َ م َفل ي َ ْ
ست َ ِ ة فَت َب ْهَت ُهُ ْ
م ب َغْت َ ً
ل ت َأِتيهِ َْ
ولسوف تأتيهم الساعة فجأة ,فيتحّيرون عند ذلك ,ويخافون خوًفا
ما ,ول يستطيعون د َفْعَ العذاب عن أنفسهم ,ول ي ُ ْ
مهلون عظي ً
لستدراك توبة واعتذار.
ما َ
كههاُنوا م َ
من ْهُ ْ
خُروا ِ
س ِ
ن َ حاقَ ِبال ّ ِ
ذي َ ن قَب ْل ِ َ
ك فَ َ م ْ
ل ِ
س ٍ وَل ََقد ْ ا ْ
ست ُهْزِئَ ب ُِر ُ
ست َهْزُِئون )(41 ب ِهِ ي َ ْ
من قبلك أيها الرسول ,فح ّ
ل بالذين كانوا ولقد استهزئ برسل ِ
مثار سخريتهم واستهزائهم. يستهزئون العذاب الذي كان َ
633
ن ذِك ْهرِ َرب ّهِ ه ْ
م م ع َه ْ ن بَ ْ
ل هُ ه ْ م ِ
ح َ
ن الّر ْ
م ْ م ِبالل ّي ْ ِ
ل َوالن َّهارِ ِ ن ي َك ْل َؤُك ُ ْم ْ قُ ْ
ل َ
ن )(42 ضو َمعْرِ ُُ
قل -أيها الرسول -لهؤلء المستعجلين بالعذاب :ل أحد يحفظكم
من بأس
ويحرسكم في ليلكم أو نهاركم ,في نومكم أو يقظتكمِ ,
الرحمن إذا نزل بكم .بل هم عن القرآن ومواعظ ربهم لهون
غافلون.
َ َ
م
م َول هُه ْ
س هه ِ ْ
صهَر أنُف ِ
ن نَ ْ
طيُعو َ
سهت َ ِ
دون َِنا ل ي َ ْ
ن ُ
م ْ
م ِ
من َعُهُ ْ
ة تَ ْ
م آل ِهَ ٌم ل َهُ ْ
أ ْ
ن )(43 حُبو َ ص َ مّنا ي ُ ْ ِ
َ
ن آلهتهم ل يستطيعون أن ينصروا أل َهُ ْ
م آلهة تمنعهم من عذابنا؟ إ ّ
أنفسهم ,فكيف ينصرون عابديهم؟ وهم منا ل ُيجارون.
ُ
ن )(45ما ُينذ َُرو َ عاَء إ ِ َ
ذا َ م الد ّ َ
ص ّ
معُ ال ّ
س َي َول ي َ ْ م ِبال ْوَ ْ
ح ِ ما أنذُِرك ُ ْ قُ ْ
ل إ ِن ّ َ
وفكم من العذاب إل ُ ُ
ت إليهم :ما أخ ّ قل -أيها الرسول -لمن أرسل َ
بوحي من الله ,وهو القرآن ,ولكن الكفار ل يسمعون ما ُيلقى إليهم
ذورا ,فل ينتفعون به. ُ
سماع تدبر إذا أن ِ
634
لو أصاب الكفاَر نصيب من عذاب الله لعلموا عاقبة تكذيبهم,
وقابلوا ذلك بالدعاء على أنفسهم بالهلك; بسبب ظلمهم لنفسهم
بعبادتهم غير الله.
ن
كا َ شْيئا ً وَإ ِ ْ
ن َ س َ مةِ َفل ت ُظ ْل َ ُ
م ن َْف ٌ ط ل ِي َوْم ِ ال ِْقَيا َ
س َن ال ِْق ْ
واِزي َ ضع ُ ا ل ْ َ
م َ وَن َ َ
خرد َ
ن )(47 سِبي َ حا ِ ل أت َي َْنا ب َِها وَك ََفى ب َِنا َن َ ْ َ ٍ م ْحب ّةٍ ِل َ مث َْقا َِ
ويضع الله تعالى الميزان العادل للحساب في يوم القيامة ,ول
يظلم هؤلء ول غيرهم شيًئا ,وإن كان هذا العمل قد َْر ذرة ِ
من خير
أو شر اعتبرت في حساب صاحبها .وكفى بالله محصًيا أعمال
عباده ,ومجازًيا لهم عليها.
َ َ ذا ذك ْر مبار ٌ َ
ن )(50
منك ُِرو َ م لَ ُ
ه ُ ك أنَزل َْناهُ أفَأن ْت ُ ْ وَهَ َ ِ ٌ ُ َ َ
وهذا القرآن الذي أنزله الله على رسوله محمد صلى الله عليه
وسلم ذِك ٌْر لمن تذ ّ
كر به ,وعمل بأوامره واجتنب نواهيه ,كثير الخير,
عظيم النفع ,أفتنكرونه وهو في غاية الجلء والظهور؟
ن )(51
مي َ ل وَك ُّنا ب ِهِ َ
عال ِ ِ ن قَب ْ ُ
م ْ م ُر ْ
شد َهُ ِ وَل ََقد ْ آت َي َْنا إ ِب َْرا ِ
هي َ
ولقد آتينا إبراهيم هداه ,الذي دعا الناس إليه من قبل موسى
وهارون ,وكّنا عالمين أنه أهل لذلك.
َ
ن )(52 م ل ََها َ
عاك ُِفو َ ل ال ِّتي أن ْت ُ ْ
ماِثي ُ
ما هَذِهِ الت ّ َ ل ل َِبيهِ وَقَوْ ِ
مه ِ َ إ ِذ ْ َقا َ
635
حين قال لبيه وقومه :ما هذه الصنام التي صنعتموها ,ثم أقمتم
على عبادتها ملزمين لها؟
ن )(53
دي َ جد َْنا آَباَءَنا ل ََها َ
عاب ِ ِ َقاُلوا وَ َ
قالوا :وجدنا آباءنا عابدين لها ,ونحن نعبدها اقتداء بهم.
كنت َ
ن )(54
مِبي ٍ
ل ُ
ضل ٍ م َوآَباؤُك ُ ْ
م ِفي َ ل ل ََقد ْ ُ ُ ْ
م أن ْت ُ ْ َقا َ
قال لهم إبراهيم :لقد كنتم أنتم وآباؤكم في عبادتكم لهذه الصنام
في ب ُْعد واضح بّين عن الحق.
636
فحطم إبراهيم الصنام وجعلها قطًعا صغيرة ,وترك كبيرها; كي
يرجع القوم إليه ويسألوه ،فيتبين عجزهم وضللهم ,وتقوم الحجة
عليهم.
ن )(59
مي َ ن ال ّ
ظال ِ ِ ه لَ ِ
م ْ ذا ِبآل ِهَت َِنا إ ِن ّ ُ ن فَعَ َ
ل هَ َ َقاُلوا َ
م ْ
ضا:
ورجع القوم ,ورأوا أصنامهم محطمة مهانة ,فسأل بعضهم بع ً
من فعل هذا بآلهتنا؟ إنه لظالم في اجترائه على اللهة المستحقة
َ
للتعظيم والتوقير.
م )(60
هي ُ ل لَ ُ
ه إ ِب َْرا ِ معَْنا فًَتى ي َذ ْك ُُرهُ ْ
م ي َُقا ُ َقاُلوا َ
س ِ
من سمع إبراهيم يحلف بأنه سيكيد أصنامهم :سمعنا فتى يقالقال َ
له إبراهيم ,يذكر الصنام بسوء.
ََ
م )(62
هي ُ
ذا ِبآل ِهَت َِنا َيا إ ِب َْرا ِ ت فَعَل ْ َ
ت هَ َ َقاُلوا أأن ْ َ
ت آلهتنا؟ يعنون
سْر َ
وجيء بإبراهيم وسألوه منكرين :أأنت الذي ك ّ
أصنامهم.
ذا َفا َ
ن )(63 ن َ
كاُنوا َينط ُِقو َ سأُلوهُ ْ
م إِ ْ ْ م هَ َ ل فَعَل َ ُ
ه ك َِبيُرهُ ْ َقا َ
ل بَ ْ
م لبراهيم ما أراد من إظهار سفههم على مرأى منهم .فقال وت ّ
سرها هذا الصنم الكبير, ضا بغباوتهم :بل الذي ك ّ
جا عليهم معّر ً
محت ً
فاسألوا آلهتكم المزعومة عن ذلك ,إن كانت تتكلم أو ُتحير جواًبا.
ن )(65 ما هَ ُ
ؤلِء َينط ُِقو َ ت َ م ل ََقد ْ عَل ِ ْ
م َ سوا عََلى ُرُءو ِ
سه ِ ْ ثُ ّ
م ن ُك ِ ُ
سرعان ما عاد إليهم عنادهم بعد إفحامهم ,فانقلبوا إلى الباطل,و ُ
جوا على إبراهيم بما هو حجة له عليهم ,فقالوا :كيف نسألها,واحت ّ
ت أنها ل تنطق؟وقد علم َ
َقا َ َ
م )(66 شهْيئا ً َول ي َ ُ
ضهّرك ُ ْ م َمهها ل َينَفعُك ُه ْ ن الل ّههِ َ
دو ِن ُ
م ْ ن ِ دو َ ل أفَت َعْب ُ ُ
َ أُ ّ
ن )(67 ن الل ّهِ أَفل ت َعِْقُلو َدو ِ
ن ُ م ْن ِ
دو َما ت َعْب ُ ُ
م وَل ِ َ ف ل َك ُ ْ
ما ل تنفع إذا
قال إبراهيم محّقًرا لشأن الصنام :كيف تعبدون أصنا ً
حا لكم وللهتكم التي تعبدونها من عبدت ,ول تضّر إذا ُتركت؟ قب ً
ُ
دون الله تعالى ,أفل تعقلون فتدركون سوء ما أنتم عليه؟
م ال َ ْ َ
ن )(70
ري َ
س ِ
خ َ جعَل َْناهُ ْ
دوا ب ِهِ ك َْيدا ً فَ َ
وَأَرا ُ
وأراد القوم بإبراهيم الهلك فأبطل الله كيدهم ,وجعلهم المغلوبين
السفلين.
638
طا الذي آمن به من "العراق" ،وأخرجناهما إلى ونجينا إبراهيم ولو ً
أرض "الشام" التي باركنا فيها بكثرة الخيرات ,وفيها أكثر النبياء
عليهم الصلة والسلم.
ن )(72
حي َ جعَل َْنا َ
صال ِ ِ ب َنافِل َ ً
ة وَك ُل ّ َ حقَ وَي َعُْقو َ
س َ وَوَهَب َْنا ل َ ُ
ه إِ ْ
وأنعم الله على إبراهيم ,فوهب له ابنه إسحاق حين دعاه ,ووهب
له من إسحاق يعقوب زيادة على ذلك ,وك ّ
ل من إبراهيم وإسحاق
حا مطيًعا له.
ويعقوب جعله الله صال ً
مه ُ
ل ن ال َْقْري َهةِ ال ّت ِههي ك َههان َ ْ
ت ت َعْ َ مه ْ عْلمها ً وَن َ ّ
جي ْن َههاهُ ِ كمها ً وَ ِ
ح ْوَُلوطا ً آت َي ْن َههاهُ ُ
ن )(74 سوٍْء َفا ِ
سِقي َ م َ كاُنوا قَوْ َم َث إ ِن ّهُ ْ ال ْ َ
خَبائ ِ َ
ما بأمر الله وآتينا لو ً
طا النبوة وفصل القضاء بين الخصوم وعل ً
ودينه ,ونجيناه من قريته "سدوم" التي كان يعمل أهلها الخبائث.
إنهم كانوا بسبب الخبائث والمنكرات التي يأتونها أهل سوء وقُْبح,
خارجين عن طاعة الله.
ن )(75
حي َ
صال ِ ِ
ن ال ّ
م ْ
ه ِ
مت َِنا إ ِن ّ ُ
ح َ وَأ َد ْ َ
خل َْناهُ ِفي َر ْ
ما ح ّ
ل بقومه; م الله عليه النعمة فأدخله في رحمته بإنجائه م ّ
وأت ّ
لنه كان من الذين يعملون بطاعة الله.
َ
ن ال ْك َهْر ِ
ب مه ْ جي ْن َههاهُ وَأهْل َه ُ
ه ِ جب َْنا ل َه ُ
ه فَن َ ّ ل َفا ْ
سهت َ َ ن قَب ْه ُ
مه ْ وَُنوحا ً إ ِذ ْ َنا َ
دى ِ
639
ال ْعَ ِ
ظيم ِ )(76
من قبلمن قبلك و ِواذكر -أيها الرسول -نوحا حين نادى ربه ِ
إبراهيم ولوط ,فاستجبنا له دعاءه ,فنجيناه وأهله المؤمنين به من
الغم الشديد.
داُوود َ ال ْ ِ
جَبهها َ
ل مههعَ َ
خْرَنا َ عْلما ً وَ َ
س ّ كما ً وَ ِ
ح ْ
ن وَك ُل ّ آت َي َْنا ُ سل َي ْ َ
ما َ ها ُ فََفهّ ْ
مَنا َ
ن )(79 عِلي َ ن َوالط ّي َْر وَك ُّنا َفا ِح َ سب ّ ْ
يُ َ
فََفّهمنا سليمان مراعاة مصلحة الطرفين مع العدل ,فحكم على
صاحب الغنم بإصلح الزرع التالف في فترة يستفيد فيها صاحب
الزرع بمنافع الغنم من لبن وصوف ونحوهما ,ثم تعود الغنم إلى
صاحبها والزرع إلى صاحبه; لمساواة قيمة ما تلف من الزرع
ما ,ومنّنا
ما وعل ً
لمنفعة الغنم ,وكل من داود وسليمان أعطيناه حك ً
على داود بتطويع الجبال تسّبح معه إذا سّبح ,وكذلك الطير تسّبح,
وكنا فاعلين ذلك.
َ
م
معَهُه ْ مث ْل َهُه ْ
م َ ضهّر َوآت َي ْن َههاهُ أهْل َه ُ
ه وَ ِ ن ُ
مه ْمهها ب ِههِ ِ شْفَنا َه فَك َ َ جب َْنا ل َ ُ
ست َ ََفا ْ
ن )(84 عن ْدَِنا وَذِك َْرى ل ِل َْعاب ِ ِ
دي َ ن ِ م ْ ة ِ م ًح َ
َر ْ
641
فاستجبنا له دعاءه ,ورفعنا عنه البلء ,ورددنا عليه ما فقده من أهل
وولد ومال مضاعًفا ,فَعَْلنا به ذلك رحمة مّنا ,وليكون قدوة لكل
ج رحمة ربه ,عابد له. صابر على البلء ,را ٍ
ن )(85
ري َ
صاب ِ ِ
ن ال ّ
م ْ
ل ِ ذا ال ْك ِْف ِ
ل كُ ّ س وَ َ عي َ
ل وَإ ِد ِْري َ ما ِ
س َ
وَإ ِ ْ
واذكر إسماعيل وإدريس وذا الكفل ,كل هؤلء من الصابرين على
طاعة الله سبحانه وتعالى ,وعن معاصيه ,وعلى أقداره ,فاستحقوا
الذكر بالثناء الجميل.
ن )(86
حي َ
صال ِ ِ
ن ال ّ
م ْ
م ِ
مت َِنا إ ِن ّهُ ْ
ح َ
م ِفي َر ْ وَأ َد ْ َ
خل َْناهُ ْ
وأدخلناهم في رحمتنا ,إنهم ممن صلح باطنه وظاهره ,فأطاع الله
وعمل بما أمره به.
ن )(88
مِني َ جي ال ْ ُ
مؤ ْ ِ ك ن ُن ْ ِ ن ال ْغَ ّ
م وَك َذ َل ِ َ م ْ
جي َْناهُ ِ جب َْنا ل َ ُ
ه وَن َ ّ َفا ْ
ست َ َ
فاستجبنا له دعاءه ,وخّلصناه ِ
من َ
غم هذه الشدة ,وكذلك ننجي
دقين العاملين بشرعنا. المص ّ
642
َ
ن )(89 خي ُْر ال ْ َ
وارِِثي َ ب ل ت َذ َْرِني فَْردا ً وَأن ْ َ
ت َ ه َر ّ وََزك َرِّيا إ ِذ ْ َنا َ
دى َرب ّ ُ
واذكر -أيها الرسول -قصة عبد الله زكريا حين دعا ربه أن يرزقه
دا ل عقب لي ,هب الذرية لما ك َِبرت سّنه قائل رب ل تتركني وحي ً
لي وارًثا يقوم بأمر الدين في الناس من بعدي ,وأنت خير الباقين
من خلفني بخير. وخير َ
َ
ن
عو َ
سارِ ُ م َ
كاُنوا ي ُ َ ه إ ِن ّهُ ْ
ج ُ
ه َزوْ َ حَنا ل َ ُصل َ ْ
حَيى وَأ ْ ه يَ ْه وَوَهَب َْنا ل َ ُ جب َْنا ل َ ُ
ست َ ََفا ْ
ن )(90 شِعي َ خا ِكاُنوا ل ََنا َ هبا ً وَ َغبا ً وََر َ
عون ََنا َر َ ت وَي َد ْ ُ خي َْرا ِ ِفي ال ْ َ
فاستجبنا له دعاءه ووهبنا له على الكبر ابنه يحيى ,وجعلنا زوجته
صالحة في أخلقها وصالحة للحمل والولدة بعد أن كانت عاقًرا,
إنهم كانوا يبادرون إلى كل خير ,ويدعوننا راغبين فيما عندنا,
خائفين من عقوبتنا ,وكانوا لنا خاضعين متواضعين.
َ
ن )(93 ل إ ِل َي َْنا َرا ِ
جُعو َ م كُ ّ
م ب َي ْن َهُ ْ وَت ََقط ُّعوا أ ْ
مَرهُ ْ
643
لكن الناس اختلفوا على رسلهم ,وتفّرق كثير من أتباعهم في الدين
شيًعا وأحزاًبا ,فعبدوا المخلوقين والهواء ,وكلهم راجعون إلينا
ومحاسبون على ما فعلوا.
644
ن )(99
دو َ
خال ِ ُ ها وَك ُ ّ
ل ِفيَها َ دو َ
ما وََر ُ
ة َ ن هَ ُ
ؤلِء آل ِهَ ً ل َوْ َ
كا َ
لو كان هؤلء الذين عبدتموهم من دون الله تعالى آلهة تستحق
ن كل من
العبادة ما دخلوا نار جهنم معكم أيها المشركون ,إ ّ
العابدين والمعبودين خالدون في نار جهنم.
ن )(100
مُعو َ
س َ
م ِفيَها ل ي َ ْ ل َهُ ْ
م ِفيَها َزِفيٌر وَهُ ْ
لهؤلء المعذبين في النار آلم ينبئ عنها زفيرهم الذي تتردد فيه
أنفاسهم ,وهم في النار ل يسمعون; من هول عذابهم.
ن )(101
دو َ
مب ْعَ ُ سَنى أ ُوْل َئ ِ َ
ك عَن َْها ُ مّنا ال ْ ُ
ح ْ ت ل َهُ ْ
م ِ سب ََق ْ
ن َ ن ال ّ ِ
ذي َ إِ ّ
إن الذين سبقت لهم منا سابقة السعادة الحسنة في علمنا بكونهم
من أهل الجنة ,أولئك عن النار مبعدون ,فل يدخلونها ول يكونون
قريًبا منها.
م ال ّه ِ َ
م
كنت ُه ْ ذي ُ مك ُ ْ ملئ ِك َه ُ
ة هَ ه َ
ذا ي َهوْ ُ م ال ْ َم ال َْفَزعُ الك ْب َُر وَت َت َل َّقاهُ ْ حُزن ُهُ ْ
ل يَ ْ
مهها ب َهد َأ َْنا
ب كَ َ ل ل ِل ْك ُت ُه ِ
ج ّ
س ِي ال ّ ماَء ك َط َ ّ س َوي ال ّ م ن َط ْ ِ ن ) (103ي َوْ َ دو َ ُتوعَ ُ
ن )(104 عِلي َ عدا ً عَل َي َْنا إ ِّنا ك ُّنا َفا ِ ق ن ُِعيد ُهُ وَ ْخل ٍ
ل َ ْ أ َوّ َ
ل يخيفهم الهول العظيم يوم القيامة ,بل تبشرهم الملئكة :هذا
عدُتم فيه الكرامة من الله وجزيل الثواب .يوم نطوي
يومكم الذي وُ ِ
كتب فيها ,ونبعث فيه الخلقطوى الصحيفة على ما ُ السماء كما ت ُ ْ
خْلقنا لهم أول مرة كما ولدتهم أمهاتهم ,ذلك وعد الله على هيئة َ
645
ما ما
دا حًقا علينا ,إنا كنا فاعلين دائ ً الذي ل يتخّلف ,وَعَ ْ
دنا بذلك وع ً
ن َعِد ُ به.
َ
ن )(107 ة ل ِل َْعال َ ِ
مي َ م ً
ح َ سل َْنا َ
ك إ ِل ّ َر ْ ما أْر َ
وَ َ
وما أرسلناك -أيها الرسول -إل رحمة لجميع الناس ,فمن آمن بك
سِعد ونجا ,ومن لم يؤمن خاب وخسر. َ
646
ن )(110 ما ت َك ْت ُ ُ
مو َ ل وَي َعْل َ ُ
م َ ن ال َْقوْ ِ
م ْ م ال ْ َ
جهَْر ِ ه ي َعْل َ ُ
إ ِن ّ ُ
إن الله يعلم ما تجهرون به من أقوالكم ,وما تكتمونه في
سرائركم ,وسيحاسبكم عليه.
ن)
ص هُفو َ ن عَل َههى َ
مهها ت َ ِ ست ََعا ُ ن ال ْ ُ
م ْ م ُ
ح َ م ِبال ْ َ
حقّ وََرب َّنا الّر ْ حك ُ ْ
با ْ َقا َ
ل َر ّ
(112
ب افصل بيننا وبين قومنا
قال النبي صلى الله عليه وسلم :ر ّ
المكذبين بالقضاء الحق .ونسأل ربنا الرحمن ,ونستعين به على ما
صفونه -أيها الكفار -من الشرك والتكذيب والفتراء عليه ،وما
تَ ِ
تتوعدونا به من الظهور والغلبة .
-22سورة الحلج
ل ض هعُ ك ُه ّ
ل َ َ ل كُ ّ
م ت ََروْن ََها ت َذ ْهَ ُ
مه ٍ
ح ْ
ت َ
ذا ِ ت وَت َ َ
ض هع َ ْ
مهها أْر َ
ضعَةٍ عَ ّ
مْر ِ
ل ُ ي َوْ َ
647
ب الل ّههِ
ذا َ كاَرى وَل َك ِه ّ
ن عَه َ سه َ
م بِ ُ
مهها هُه ْ سه َ
كاَرى وَ َ مل ََها وَت ََرى الن ّهها َ
س ُ ح ْ َ
ديد ٌ )(2 ش َِ
يوم ترون قيام الساعة تنسى الوالدةُ رضيَعها الذي ألقمته ثديها؛
سقط الحامل حملها من الرعب ,وتغيب ما نزل بها من الكرب ,وت ُ ْ
لِ َ
عقول للناس ,فهم كالسكارى من شدة الهول والفزع ,وليسوا
بسكارى من الخمر ,ولكن شدة العذاب أفقدتهم عقولهم وإدراكهم.
ري هدٍ )
م ِ
ن َ شي ْ َ
طا ٍ عل ْم ٍ وَي َت ّب ِعُ ك ُ ّ
ل َ ل ِفي الل ّهِ ب ِغَي ْرِ ِ
جادِ ُ
ن يُ َ
م ْ
س َ
ن الّنا ِ
م ْ
وَ ِ
(3
وبعض رؤوس الكفر من الناس يخاصمون ويشككون في قدرة الله
عا لئمة الضلل
على البعث; جهل منهم بحقيقة هذه القدرة ,واتبا ً
من كل شيطان متمرد على الله ورسله.
َ
ب ن ت ُهَرا ٍ مه ْ م ِ خل َْقن َههاك ُ ْ
ث فَإ ِّنا َ ن ال ْب َعْ ِ م ْ ب ِ م ِفي َري ْ ٍ ن ك ُن ْت ُ ْ س إِ ْ َيا أي َّها الّنا ُ
ن خل َّق هةٍ ل ِن ُب َي ّه َم َخل َّقةٍ وَغَي ْرِ ُ م َ ضغَةٍ ُ م ْ ن ُ م ْ
م ِ ن عَل ََقةٍ ث ُ ّ م ْ م ِ ن ن ُط َْفةٍ ث ُ ّ م ْ م ِ ثُ ّ
َ
م ط ِْفل ً جك ُه ْ خرِ ُ م نُ ْ مى ث ُه ّ س ّ م َ ل ُ ج ٍ شاُء إ َِلى أ َ ما ن َ َحام ِ َ م وَن ُِقّر ِفي ال َْر َ ل َك ُ ْ
َ م ل ِت َب ْل ُُغوا أ َ ُ
ر
م ِ ل ال ْعُ ُ ن ي َُرد ّ إ َِلى أْرذ َ ِ م ْ م َ من ْك ُ ْن ي ُت َوَّفى وَ ِ م ْ م َ من ْك ُ ْ م وَ ِ شد ّك ُ ْ ثُ ّ
ذا َأنَزل ْن َهها عَل َي ْهَهها مهد َةً فَهإ ِ َها ِ ض َ َ
شْيئا ً وَت ََرى الْر َ عل ْم ٍ َ ن ب َعْدِ ِ م ْ م ِ ل ِك َْيل ي َعْل َ َ
َ
ج )(5 ج ب َِهي ٍ ل َزو ٍْ ن كُ ّم ْ ت ِ ت وَأن ْب َت َ ْ ت وََرب َ ْ ماَء اهْت َّز ْ ال ْ َ
يا أيها الناس إن كنتم في شك من أن الله ُيحيي الموتى فإّنا خلقنا
ي يقذفه أباكم آدم من تراب ,ثم تناسلت ذريته من نطفة ,هي المن ّ
الرجل في رحم المرأة ,فيتحول بقدرة الله إلى علقة ,وهي الدم
در ما الحمر الغليظ ,ثم إلى مضغة ,وهي قطعة لحم صغيرة قَ ْ
ضغ ,فتكون تارة مخّلقة ,أي تامة الخلق تنتهي إلى خروح الجنين
م َ يُ ْ
حًيا ,وغير تامة الخلق تارة أخرى ,فتسقط لغير تمام؛ لنبّين لكم
648
تمام قدرتنا بتصريف أطوار الخلق ,ونبقي في الرحام ما نشاء,
وهو المخّلق إلى وقت ولدته ,وتكتمل الطوار بولدة الجّنة أطفال
صغاًرا تكب َُر حتى تبلغ الشد ,وهو وقت الشباب والقوة واكتمال
العقل ,وبعض الطفال قد يموت قبل ذلك ,وبعضهم يكب َُر حتى يبلغ
مر شيًئا مما كان يعلمه ضْعف العقل; فل يعلم هذا المع ّسن الهرم و َ
ة ميتة ل نبات فيها ,فإذا أنزلنا عليهاقبل ذلك .وترى الرض يابس ً
الماء تحركت بالنبات تتفتح عنه ,وارتفعت وزادت لرتوائها ,وأنبتت
سّر الناظرين.من كل نوع من أنواع النبات الحسن الذي ي َ ُ
مِنيههرٍ )ب ُدى َول ك َِتا ٍ عل ْم ٍ َول هُ ًب ِغَي ْرِ ِ ل ِفي الل ّهِجادِ ُ
ن يُ َ م ْس َ ن الّنا ِ م ْ وَ ِ
م
ه َيههوْ َ
ذيُق ُ
خْزيٌ وَن ُ ِ الل ّهِ ل َ ُ
ه ِفي الد ّن َْيا ِ ل
سِبي ِن َل عَ ْض ّعط ِْفهِ ل ِي ُ ِ ي َِ (8ثان ِ َ
ق )(9 ري ِ ب ال ْ َ
ح ِ ذا َ ال ِْقَيا َ
مة ِ ع َ َ
من يجادل بالباطل في الله وتوحيده واختياره رسوله ومن الكفار َ
صلى الله عليه وسلم وإنزاله القرآن ،وذلك الجدال بغير علم ،ول
بيان ،ول كتاب من الله فيه برهان وحجة واضحة ،لوًيا عنقه في
ضا عن الحق ؛ ليصد غيره عن الدخول في دين الله، تكبر ،معر ً
فسوف يلقى خزًيا في الدنيا باندحاره وافتضاح أمره ،ونحرقه يوم
القيامة بالنار.
حت َِها
ن تَ ْ
م ْ
ري ِ
ج ِ
ت تَ ْ
جّنا ٍ
ت َ
حا ِ مُلوا ال ّ
صال ِ َ مُنوا وَعَ ِ نآ َ ل ال ّ ِ
ذي َ خ ُ ن الل ّ َ
ه ي ُد ْ ِ إِ ّ
ريد ُ )(14 ما ي ُ ِ
ل َه ي َْفعَ ُن الل ّ َ ال َن َْهاُر إ ِ ّ
إن الله يدخل الذين آمنوا بالله ورسوله ،وثبتوا على ذلك ،وعملوا
الصالحات ،جنات تجري من تحت أشجارها النهار ،إن الله يفعل ما
يريد من ثواب أهل طاعته تفضل وعقاب أهل معصيته عدل.
كان يظ ُ َ
ب
س هب َ ٍ خَرةِ فَل ْي َ ْ
مههد ُد ْ ب ِ َ ه ِفي الد ّن َْيا َوال ِ صَرهُ الل ّ ُ ن لَ ْ
ن َين ُ نأ ْن َ َ َ ّ م ْ
َ
ُ
ما ي َِغيظ )(15 ن ك َي ْد ُهُ َ ُ ْ َ
م ل ِي َْقطعْ فَلَينظْر هَ ْ
ل ي ُذ ْهِب َ ّ ماِء ث ُ ّ إ َِلى ال ّ
س َ
دا بالنصر فيمن كان يعتقد أن الله تعالى لن يؤيد رسوله محم ً
من ك ّ
ذبه، ب َ
الدنيا بإظهار دينه ,وفي الخرة بإعلء درجته ,وعذا ِ
فل َْيمد ُد ْ حبل إلى سقف بيته وليخنق به نفسه ,ثم ليقطع ذلك الحبل،
650
ن ذلك ما يجد في نفسه من الغيظ؟ فإن الله ثم لينظر :هل ي ُذ ْ ِ
هب ّ
دا صلى الله عليه وسلم ل محالة.
تعالى ناصٌر نبيه محم ً
َ وك َذ َل ِ َ َ
ريد ُ )(16
ن يُ ِ
م ْ
دي َ ن الل ّ َ
ه ي َهْ ِ ت وَأ ّ ك أنَزل َْناهُ آَيا ٍ
ت ب َي َّنا ٍ َ
وكما أقام الله الحجة من دلئل قدرته على الكافرين بالبعث أنزل
من أراد
القرآن ،آياته واضحة في لفظها ومعناها ,يهدي بها الله َ
هدايته؛ لنه ل هادي سواه.
س
جههو َ صههاَرى َوال ْ َ
م ُ ن َوالن ّ َ صههاب ِِئي َدوا َوال ّ ن هَهها ُ
ذي َ مُنههوا َواّلهه ِ نآ َ ذي َ ن ال ّ ه ِ إِ ّ
ه عََلهى ُ َ
لكه ّ ن الّله َ
مهةِ إ ِ ّ م ال ِْقَيا َم ي َوْ َ ص ُ
ل ب َي ْن َهُ ْ ن الل ّ َ
ه ي َْف ِ كوا إ ِ ّشَر ُنأ ْ ذي َ َوال ّ ِ
شِهيد ٌ )(17 يٍء َ ش ْ َ
إن الذين آمنوا بالله ورسوله محمدٍ صلى الله عليه وسلم واليهود
والصابئين وهم) :قوم باقون على فطرتهم ول دين مقرر لهم
يتبعونه( والنصارى والمجوس )وهم عبدة النار( والذين أشركوا
ن الله يفصل بينهم جميًعا يوم القيامة فيدخل
وهم :عبدة الوثان ،إ ّ
المؤمنين الجنة ،ويدخل الكافرين النار ،إن الله على كل شيء
شهيد ،شهد أعمال العباد كّلها ،وأحصاها وحفظها ،وسيجازي كل بما
يستحق جزاء وفاًقا للعمال التي عملوها.
651
بم ث َِيهها ٌت ل َُههه ْن ك ََفُروا قُط ّعَ ْ ذي َم َفال ّ ِ موا ِفي َرب ّهِ ْ ص ُ
خت َ َ
نا ْ ما ِ ص َخ ْ ن َ ذا ِهَ َ
مها ِفهي صههَُر ِبههِ َ م ) (19ي ُ ْ ميه ُ
ح ِ م ال ْ َ سههِ ْ ق ُرُءو ِ ن َفهوْ ِ مه ْب ِ ص ّ ن َنارٍ ي ُ َم ْ ِ
َ َ
ن
دوا أ ْ مهها أَرا ُ ديهدٍ ) (21ك ُل ّ َ ح ِ ن َ مه ْ مع ُ ِ مَقا ِ جُلود ُ ) (20وَل َهُ ْ
م َ م َوال ْ ُ طون ِهِ ْبُ ُ
ق )(22 ري ِ
ح ِب ال ْ َ
ذا َذوُقوا عَ َ دوا ِفيَها وَ ُ عي ُ م أُ ِ
ن غَ ّ م ْ من َْها ِ جوا ِ خُر ُ يَ ْ
هذان فريقان اختلفوا في ربهم :أهل اليمان وأهل الكفر ,كل
ق ،فالذين كفروا يحيط بهم العذاب في هيئة ثياب دعي أنه مح ّي ّ
ب علىجعلت لهم من نار ي َل َْبسونها ,فتشوي أجسادهم ،وُيص ّ ُ
زل إلى أجوافهم فيذيب ما رؤوسهم الماء المتناهي في حره ،وَين ِ
فيها ،حتى ينُفذ إلى جلودهم فيشويها فتسقط ،وتضربهم الملئكة
على رؤوسهم بمطارق من حديد .كلما حاولوا الخروج من النار
مهم وكربهم -أعيدوا للعذاب فيها ,وقيل لهم :ذوقوا عذاب -لشدة غ ّ
النار المحرق.
حت َِها
ن تَ ْ
م ْ
ري ِ ج ِ ت تَ ْجّنا ٍ ت َ حا ِ مُلوا ال ّ
صال ِ َ مُنوا وَعَ ِنآ َ ل ال ّ ِ
ذي َ خ ُ ن الل ّ َ
ه ي ُد ْ ِ إِ ّ
َ
ريٌر ) ح ِ
م ِفيَها َ سه ُ ْب وَل ُؤُْلؤا ً وَل َِبا ُ ن ذ َهَ ٍ
م ْ
ساوَِر ِ نأ َ م ْن ِفيَها ِ حل ّوْ َال َن َْهاُر ي ُ َ
(23
إن الله تعالى يدخل أهل اليمان والعمل الصالح جنات نعيمها دائم،
من تحت أشجارها النهار ،ي َُزّينون فيها بأساور الذهب
تجري ِ
وباللؤلؤ ،ولباسهم المعتاد في الجنة الحرير رجال ونساًء.
ميدِ )(24 ط ال ْ َ
ح ِ دوا إ َِلى ِ
صَرا ِ ن ال َْقوْ ِ
ل وَهُ ُ م ْ دوا إ َِلى الط ّي ّ ِ
ب ِ وَهُ ُ
مد
ح ْلقد هداهم الله في الدنيا إلى طيب القول :من كلمة التوحيد و َ
الله والثناء عليه ،وفي الخرة إلى حمده على حسن العاقبة ,كما
هداهم من قبل إلى طريق السلم المحمود الموصل إلى الجنة.
واذكر -أيها النبي -إذ ب َّينا لبراهيم -عليه السلم -مكان البيت،
وهّيأناه له وقد كان غير معروف ،وأمرناه ببنائه على تقوى من الله
وتوحيده وتطهيره من الكفر والبدع والنجاسات ؛ ليكون رحاًبا
للطائفين به ,والقائمين المصلين عنده.
653
الحج والعمرة والهدايا ،وليطوفوا بالبيت العتيق القديم ،الذي أعتقه
من تسّلط الجبارين عليه ،وهو الكعبة. الله ِ
ك بههالل ّه فَك َأ َ
ن
ْ ه م
ِ ر
ّ ه خ
َ هاه م
َ ّ ن ِ شهرِ ْ ِن يُ ْ
مه ْن ب ِههِ وَ َكي َ شهرِ ِ حن ََفاَء ل ِل ّههِ غَي ْهَر ُ
م ْ ُ
َ
ق )(31 حي ٍ س ِ ن َ م َ
كا ٍ ح ِفي َ وي ب ِهِ الّري ُه الط ّي ُْر أوْ ت َهْ ِ
خط َُف ُماِء فَت َ ْ س َال ّ
مستقيمين لله على إخلص العمل له ،مقبلين عليه بعبادته وحده
وإفراده بالطاعة ،معرضين عما سواه بنبذ الشرك ،فإّنه من يشرك
بالله شيًئا ،فمثله -في ب ُْعده عن الهدى ،وفي هلكه وسقوطه من
طف الشياطين له من كل رفيع اليمان بل حضيض الكفر ،وتخ ّ
من سقط من السماء :فإما أن تخطفه الطير فتقطع جانب -كمثل َ
أعضاءه ،وإما أن تأخذه عاصفة شديدة من الريح ،فتقذفه في
مكان بعيد.
وى ال ُْقُلو ِ
ب )(32 ن ت َْق َ شَعائ َِر الل ّهِ فَإ ِن َّها ِ
م ْ ن ي ُعَظ ّ ْ
م َ م ْ ذ َل ِ َ
ك وَ َ
من توحيده وإخلص العبادة له .ومن يمتثل أمر ذلك ما أمر الله به ِ
ظم معالم الدين ،ومنها أعمال الحج وأماكنه ،والذبائح التيالله وي ُعَ ّ
من أفعال ت ُذ َْبح فيه ،وذلك باستحسانها واستسمانها ،فهذا التعظيم ِ
أصحاب القلوب المتصفة بتقوى الله وخشيته.
654
حل َّها إ َِلى ال ْب َي ْ ِ ْ َ
ق )(33
ت العَِتي ِ م ِ مى ث ُ ّ
م َ س ّ
م َ
ل ُ مَنافِعُ إ َِلى أ َ
ج ٍ ل َك ُ ْ
م ِفيَها َ
لكم في هذه الهدايا منافع تنتفعون بها من الصوف واللبن
والركوب ،وغير ذلك مما ل يضرها إلى وقت ذبحها عند البيت
العتيق ،وهو الحرم كله.
ول ِك ُ ّ ُ
ة
م ِ
ن ب َِهي َ
م ْ ما َرَزقَهُ ْ
م ِ م الل ّهِ عََلى َ سكا ً ل ِي َذ ْك ُُروا ا ْ
س َ جعَل َْنا َ
من ْ َ مة ٍ َلأ ّ َ
ْ َ َ َ ُ َ َ
ن )(34 خب ِِتي َ
م ْ موا وَب َ ّ
شْر ال ُ سل ِ ُ
هأ ْحد ٌ فَل ُ ه َوا ِ الن َْعام ِ فَإ ِلهُك ْ
م إ ِل ٌ
ن الذبح وإراقة
م َ
ولكل جماعة مؤمنة سلفت ،جعلنا لها مناسك ِ
من هذه الدماء؛ وذلك ليذكروا اسم الله تعالى عند ذبح ما رزقهم ِ
النعام ويشكروا له .فإلهكم -أيها الناس -إله واحد هو الله فانقادوا
شر -أيها النبي -المتواضعين الخاضعين لمره وأمر رسوله .وب ّ
لربهم بخيَري الدنيا والخرة.
َ
م
صههاب َهُ ْ ن عَل َههى َ
مهها أ َ ري َ
صههاب ِ ِ
م َوال ّت قُل ُههوب ُهُ ْ جل َه ْ ذا ذ ُك ِهَر الل ّه ُ
ه وَ ِ ن إِ َ ال ّه ِ
ذي َ
ن )(35 فُقو َ ما َرَزقَْناهُ ْ
م ي ُن ْ ِ م ّصلةِ وَ ِ مِقيم ِ ال َّوال ْ ُ
من صفاتهم أنهم إذا ذ ُ ِ
كر الله وحده هؤلء المتواضعون الخاشعون ِ
ذروا مخالفته ،وإذا أصابهم بأس وشدة صبروا على ح ِخافوا عقابه ,و َ
ذلك مؤملين الثواب من الله عز وجل ،وأد ّْوا الصلة تامة ،وهم مع
من زكاة ونفقة ذلك ينفقون مما رزقهم الله في الواجب عليهم ِ
ت عليهم نفقته ,وفي سبيل الله ,والنفقات جب َ ْ
من وَ َ
عيال ،و َ
المستحبة.
م ك َهذ َل ِ َ
ك من ْك ُه ْ
وى ِ ه الت ّْق ه َن ي َن َههال ُ ُماؤُهَهها وَل َك ِه ْ
مَها َول دِ َ حو ُ ه لُ ُ ل الل ّ َ ن ي ََنا َلَ ْ
ن )(37 سِني َ
ح ِ م ْشْر ال ْ ُ م وَب َ ّ داك ُ ْ
ما هَ َ ه عََلى َ م ل ِت ُك َب ُّروا الل ّ َها ل َك ُ ْ
خَر َ س َّ
من لحوم هذه الذبائح ول من دمائها شيء ،ولكن يناله ه ِ
لن ينال الل َ
الخلص فيها ،وأن يكون القصد بها وجه الله وحده ،كذلك ذللها
لكم -أيها المتقربون-؛ لتعظموا الله ،وتشكروا له على ما هداكم
من الحق ،فإنه أه ٌ
ل لذلك .وب ّ
شر -أيها النبي -المحسنين بعبادة الله
وحده والمحسنين إلى خلقه بكل خير وفلح.
ن ك َُفههورٍ )
وا ٍ
خه ّ ب ك ُه ّ
ل َ حه ّ ن الل ّه َ
ه ل يُ ِ مُنوا إ ِ ّ
نآ َ ن ال ّ ِ
ذي َ دافِعُ عَ ْ ن الل ّ َ
ه يُ َ إِ ّ
(38
إن الله تعالى يدفع عن المؤمنين عدوان الكفار ،وكيد الشرار; لنه
وان لمانة ربه ،جحود لنعمته.
عز وجل ل يحب كل خ ّ
َ ُ
م ل ََق ِ
ديٌر )(39 ه عََلى ن َ ْ
صرِهِ ْ ن الل ّ َ م ظ ُل ِ ُ
موا وَإ ِ ّ ن ي َُقات َُلو َ
ن ب ِأن ّهُ ْ ن ل ِل ّ ِ
ذي َ أذِ َ
)كان المسلمون في أول أمرهم ممنوعين من قتال الكفار،
مأمورين بالصبر على أذاهم ،فلما بلغ أذى المشركين مداه وخرج
النبي صلى الله عليه وسلم من "مكة" مهاجًرا إلى "المدينة"،
ن الله للمسلمين في القتال؛ بسبب ما وقع َ
وأصبح للسلم قوة( أذِ َ
عليهم من الظلم والعدوان ،وإن الله تعالى قادر على نصرهم
وإذلل عدّوهم.
َ ن أُ ْ
ول د َفْ ُ
ع ه وَل َ ْن ي َُقوُلوا َرب َّنا الل ّ ُ حقّ إ ِل ّ أ ْ م ب ِغَي ْرِ َن دَِيارِهِ ْم ْ جوا ِ خرِ ُ ال ّ ِ
ذي َ
جد ُسهها ِم َ ت وَ َ وا ٌ ص هل َ َ
معُ وَب ِي َهعٌ وَ َ وا ِصه َت َ م ْض ل َهُد ّ َم ب ِب َعْ ٍضه ُ ْ
س ب َعْ َالل ّهِ الّنا َ
ه ل ََق هوِ ّ
ي ن الل ّه َ ص هُرهُ إ ِ ّن َين ُ مه ْه َ ن الل ّ ُ
صَر ّم الل ّهِ ك َِثيرا ً وَل ََين ُس ُي ُذ ْك َُر ِفيَها ا ْ
زيٌز )(40 عَ ِ
656
الذين ُألجئوا إلى الخروج من ديارهم ،ل لشيء فعلوه إل لنهم
أسلموا وقالوا :ربنا الله وحده .ولول ما شرعه الله من د َْفع الظلم
دمت زم الحقّ في كل أمة ولخربت الرض ،وهُ ّ والباطل بالقتال ل َهُ ِ
فيها أماكن العبادة من صوامع الرهبان ،وكنائس النصارى ،ومعابد
اليهود ،ومساجد المسلمين التي يصّلون فيها ،ويذكرون اسم الله
فيها كثيًرا .ومن اجتهد في نصرة دين الله ،فإن الله ناصره على
عدوه .إن الله َلقوي ل يغاَلب ،عزيز ل يرام ،قد قهر الخلئق وأخذ
بنواصيهم.
657
دمة
فكثيًرا من القرى الظالمة بكفرها أهلكنا أهلها ،فديارهم مه ّ
من سكانها ،وآبارها ل ُيستقى منها ،وقصورها العالية
ت ِخل َ ْ
َ
المزخرفة لم تدفع عن أهلها سوء العذاب.
ومها ً ِ
عن ْهد َ َرب ّه َ
ك ن يَ ْ ف الل ّه ُ
ه وَعْهد َهُ وَإ ِ ّ خل ِه َ ب وَل َ ْ
ن يُ ْ ذا ِك ِبال ْعَ َجُلون َ َست َعْ ِوَي َ ْ
َ
ن )(47 دو َما ت َعُ ّم ّسن َةٍ ِف َ ك َأل ْ ِ
ويستعجلك -أيها الرسول -كفار قريش -لشدة جهلهم -بالعذاب
ما أصروا على الكفر ،ولن يخلف الله ما وعدهم الذي أنذرتهم به له ّ
جل لهم في الدينا ذلك فيبه من العذاب فل بد ّ من وقوعه ،وقد ع ّ
ما من اليام عند الله -وهو يوم القيامة -كألفيوم "بدر" .وإن يو ً
دون من سني الدنيا. سنة مما ت َعُ ّ
َ
صههيُر ) ي ال ْ َ
م ِ م أَ َ
خ هذ ْت َُها وَإ ِل َه ّ ة ثُ ّ
م ٌ ي َ
ظال ِ َ ت ل ََها وَهِ َ
مل َي ْ ُ
َ
ن قَْري َةٍ أ ْ
م ْ وَك َأي ّ ْ
ن ِ
(48
وكثير من القرى كانت ظالمة بإصرار أهلها على الكفر ،فأمهلتهم
خذ ُْتهم بعذابي في الدنيا ،وإل ّ
ي ولم أعاجلهم بالعقوبة فاغتروا ،ثم أ َ
مرجعهم بعد هلكهم ،فأعذبهم بما يستحقون.
658
قل -أيها الرسول : -يا أيها الناس ما أنا إل منذر لكم مبّلغ عن الله
رسالته .فالذين آمنوا بالله ورسوله ،واستقر ذلك في قلوبهم،
وعملوا العمال الصالحة ،لهم عند الله عفو عن ذنوبهم ومغفرة
يستر بها ما صدر عنهم من معصية ،ورزق حسن ل ينقطع وهو
الجنة .والذين اجتهدوا في الكيد لبطال آيات القرآن بالتكذيب
مشاقين مغالبين ،أولئك هم أهل النار الموقدة ،يدخلونها ويبقون
دا.
فيها أب ً
مّنههى أ َل َْقههى ي إ ِل ّ إ ِ َ
ذا ت َ َ ل َول ن َِبهه ّ
سههو ٍ ن َر ُ مهه ْ
ك ِ ن قَب ِْلهه َ مهه ْ سههل َْنا ِ
َ
مهها أْر َ وَ َ
ُ
م الل ّه ُ
ه حك ِه ُ
م يُ ْ ن ث ُه ّ طا ُ ش هي ْ َقي ال ّ ما ي ُل ْ ِ
ه َخ الل ّ ُ من ِي ّت ِهِ فَي َن ْ َ
س ُ ن ِفي أ ْ طا ُ شي ْ َال ّ
م )(52 كي ٌ
ح ِ م َ ه عَِلي ٌ آَيات ِهِ َوالل ّ ُ
وما أرسلنا من قبلك -أيها الرسول -من رسول ول نبي إل إذا قرأ
كتاب الله ألقى الشيطان في قراءته الوساوس والشبهات؛ ليصد ّ
الناس عن اتباع ما يقرؤه ويتلوه ،لكن الله يبطل كيد الشيطان،
فيزيل وساوسه ،ويثبت آياته الواضحات .والله عليم بما كان
ويكون ,ل تخفى عليه خافية ,حكيم في تقديره وأمره.
659
قلوبهم .وإن الله لهادي الذين آمنوا به وبرسوله إلى طريق الحق
الواضح ،وهو السلم ينقذهم به من الضلل.
ة أ َْو ْ
ة ب َغْت َه ً
سههاعَ ُ
م ال ّ
حت ّههى ت َهأت ِي َهُ ْ
ه َ
من ْه ُ ن ك ََفُروا ِفي ِ
مْري َةٍ ِ ذي َ ل ال ّ َِول ي ََزا ُ
ب ي َوْم ٍ عَِقيم ٍ )(55 م عَ َ ْ
ذا ُ ي َأت ِي َهُ ْ
ول يزال الكافرون المكذبون في شك مما جئتهم به من القرآن
إلى أن تأتيهم الساعة فجأة ،وهم على تكذيبهم ،أو يأتيهم عذاب
يوم ل خير فيه ،وهو يوم القيامة.
ت فِههي حا ِ
صههال ِ َهوا ال ّ مل ُه
مُنوا وَعَ ِ نآ َ َ م َفال ّ ِ
ذي م ب َي ْن َهُ ْحك ُ ُ مئ ِذٍ ل ِل ّهِ ي َ ْ مل ْ ُ
ك ي َوْ َ ال ْ ُ
ب
ذا ٌ ك ل َهُ ه ْ
م ع َه َ ن ك ََفُروا وَك َذ ُّبوا ِبآَيات ِن َهها فَ هأ ُوْل َئ ِ َ ذي َ ت الن ِّعيم ِ )َ (56وال ّ ِ جّنا ِ َ
ن )(57 مِهي ٌ ُ
ملك والسلطان في هذا اليوم لله وحده ،وهو سبحانه يقضي بين ال ُ
المؤمنين والكافرين .فالذين آمنوا بالله ورسوله وعملوا العمال
الصالحة ،لهم النعيم الدائم في الجنات .والذين جحدوا وحدانية الله
وكذبوا رسوله وأنكروا آيات القرآن ،فأولئك لهم عذاب يخزيهم
ويهينهم في جهنم.
ه رِْزقا ً َ
م الل ّ ُ
ماُتوا ل َي َْرُزقَن ّهُ ْ
م قُت ُِلوا أوْ َ
ل الل ّهِ ث ُ ّ
سِبي ِ
جُروا ِفي َ ها َن َ ذي َ َوال ّ ِ
ن )(58 خي ُْر الّرازِِقي َه ل َهُوَ َ
ن الل ّ َ
سنا ً وَإ ِ ّ ح َ َ
والذين خرجوا من ديارهم طلًبا لرضا الله ،ونصرة لدينه ،من ُقتل
من غير قتالَ ،ليرزقَّنهم
منهم وهو يجاهد الكفار ،ومن مات منهم ِ
الله الجنة ونعيمها الذي ل ينقطع ول يزول ،وإن الله سبحانه وتعالى
لهو خير الرازقين.
م )(59
حِلي ٌ ه ل َعَِلي ٌ
م َ ن الل ّ َ
ه وَإ ِ ّ خل ً ي َْر َ
ضوْن َ ُ مد ْ َ خل َن ّهُ ْ
م ُ ل َي ُد ْ ِ
دخل الذي يحبونه وهو الجنة .وإن الله َلعليم بمن
م ْلُيدخلّنهم الله ال ُ
يخرج في سبيله ،ومن يخرج طلًبا للدنيا ،حليم عمن عصاه ،فل
يعاجلهم بالعقوبة.
660
ن ه الّلهه ُ
ه إِ ّ ي عَل َي ْهِ ل ََين ُ
صههَرن ّ ُ ب ب ِهِ ث ُ ّ
م ب ُغِ َ عوقِ َ
ما ُ مث ْ ِ
ل َ عاقَ َ
ب بِ ِ ن َ
م ْ ذ َل ِ َ
ك وَ َ
ه ل َعَُفوّ غَُفوٌر )(60الل ّ َ
ذلك المر الذي قصصنا عليك من إدخال المهاجرين الجنة ،ومن
ظلم فقد أ ُِذن له أن يقابل الجاني بمثل فعلته ،ولدي عليه و ُ
اعت ُ ِ
حرج عليه ،فإذا عاد الجاني إلى إيذائه وبغى ،فإن الله ينصر
المظلوم المعتدى عليه; إذ ل يجوز أن ي ُعَْتدى عليه بسبب انتصافه
لنفسه .إن الله لعفوٌ غفور ،يعفو عن المذنبين فل يعاجلهم
بالعقوبة ,ويغفر ذنوبهم.
َ ذ َل َ َ
ن الّلهه َ
ه ج الن َّهاَر ِفي الل ّي ْ ِ
ل وَأ ّ ج الل ّي ْ َ
ل ِفي الن َّهارِ وَُيول ِ ُ ن الل ّ َ
ه ُيول ِ ُ ك ب ِأ ّ ِ
صيٌر )(61 ميعٌ ب َ ِ
س َِ
ذلك الذي شرع لكم تلك الحكام العادلة هو الحق ،وهو القادر على
من قدرته أنه يدخل ما ينقص من ساعات الليل في ما يشاء ,و ِ
ساعات النهار ،ويدخل ما انتقص من ساعات النهار في ساعات
الليل ،وأن الله سميع لكل صوت ،بصير بكل فعل ،ل يخفى عليه
شيء.
ن
ض هّرةً إ ِ ّ
خ َ
م ْ
ض ُ
من السماءِ مههاءً فَت ُص هب ُ َ
ح الْر ُْ ِ َ ّ َ ه َأنَز َ
ل ِ ْ ن الل ّ َ
َ
م ت ََرى أ ّأل َ ْ
َ
خِبيٌر )(63 ف َ ه لَ ِ
طي ٌ الل ّ َ
661
ألم تَر -أيها النبي -أن الله أنزل من السماء مطًرا ،فتصبح الرض
مخضرة بما ينبت فيها من النبات؟ إن الله لطيف بعباده باستخراج
النبات من الرض بذلك الماء ،خبير بمصالحهم.
ي ال ْ َ ت وما ِفي ال َ
ميهد ُ )
ح ِ ه ل َهُهوَ ال ْغَن ِه ّ
ن الل ّه َ
ض وَإ ِ ّ
ِ ر
ْ وا ِ َ َ
م َ
س َ
ما ِفي ال ّ لَ ُ
ه َ
(64
لله سبحانه وتعالى ما في السموات والرض خلًقا ومل ً
كا وعبودية،
ك ّ
ل محتاج إلى تدبيره وإفضاله .إن الله لهو الغني الذي ل يحتاج
إلى شيء ،المحمود في كل حال.
662
لكل أمة من المم الماضية جعلنا شريعة وعبادة أمرناهم بها ،فهم
عاملون بها ،فل ينازعنك -أيها الرسول -مشركو قريش في
شريعتك ،وما أمرك الله به في المناسك وأنواع العبادات كلها,
وادع إلى توحيد ربك وإخلص العبادة له واتباع أمره ,إنك لعلى دين
قويم ،ل اعوجاج فيه.
ل الل ّ َ
مُلو َ
ن )(68 ما ت َعْ َ ه أعْل َ ُ
م بِ َ ُ جاد َُلو َ
ك فَُق ْ ن َ
وَإ ِ ْ
وإن أصّروا على مجادلتك بالباطل فيما تدعوهم إليه فل تجادلهم،
بل قل لهم :الله أعلم بما تعملونه من الكفر والتكذيب ،فهم
معاندون مكابرون.
ن )(69
خت َل ُِفو َ ما ك ُن ْت ُ ْ
م ِفيهِ ت َ ْ م ال ِْقَيا َ
مةِ ِفي َ م ب َي ْن َك ُ ْ
م ي َوْ َ حك ُ ُ الل ّ ُ
ه يَ ْ
الله تعالى يحكم بين المسلمين والكافرين يوم القيامة في أمر
من
اختلفهم في الدين .وفي هذه الية أدب حسن في الرد على َ
جادل تعنًتا واستكباًرا.
عل ْ ٌ
م س ل َهُ ْ
م ب ِهِ ِ ما ل َي ْ َ
طانا ً وَ َ
سل ْ َ م ي ُن َّز ْ
ل ب ِهِ ُ ما ل َ ْ
ن الل ّهِ َ
دو ِن ُم ْ
ن ِ دو َوَي َعْب ُ ُ
صيرٍ )(71 ن نَ ِ
م ْ
ن ِمي َظال ِ ِما ِلل ّ وَ َ
ويصر كفار قريش على الشرك بالله مع ظهور بطلن ما هم عليه،
من كتب الله برهان بأنها
زل في كتاب ِ فهم يعبدون آلهة ،لم ي َن ْ ِ
تصلح للعبادة ،ول علم لهم فيما اختلقوه ،وافتروه على الله ،وإنما
هو أمر اتبعوا فيه آباَءهم بل دليل .فإذا جاء وقت الحساب في
الخرة فليس للمشركين ناصر ينصرهم ،أو يدفع عنهم العذاب.
663
ن ك ََف هُروا ال ْ ُ
من ْك َهَر جوهِ ال ّه ِ
ذي ُ َ ف ِفي وُ ُ ت ت َعْرِ ُ م آَيات َُنا ب َي َّنا ٍذا ت ُت َْلى عَل َي ْهِ ْ وَإ ِ َ
َ
نمه ْ ش هّر ِ ل أفَ هأن َب ّئ ُك ُ ْ
م بِ َ ن عَل َي ْهِ ْ
م آَيات ِن َهها قُ ه ْ ن ي َت ُْلو َذي َ ن ِبال ّ ِ طو َ س ُ ن يَ ْدو َ كا ُ يَ َ
صيُر )(72 م ِ س ال ْ َ
ن ك ََفُروا وَب ِئ ْ َ ذي َ ه ال ّ ِها الل ّ ُ م الّناُر وَعَد َ َ ذ َل ِك ُ ْ
وإذا تتلى آيات القرآن الواضحة على هؤلء المشركين ترى الكراهة
ظاهرة على وجوههم ،يكادون يبطشون بالمؤمنين الذين يدعونهم
إلى الله تعالى ،ويتلون عليهم آياته .قل لهم -أيها الرسول :-أفل
أخبركم بما هو أشد كراهة إليكم من سماع الحق ورؤية الداعين
دها الله للكافرين في الخرة ،وبئس المكان الذي إليه؟ النار أع ّ
يصيرون إليه.
َ
ن
دو ِ ن ُ مه ْ
ن ِعو َ ن ت َهد ْ ُذي َ ن ال ّه ِ
ه إِ ّ مُعوا ل َه ُ ل َفا ْ
ست َ ِ مث َ ٌ
ب َ ضرِ َ س ُ َيا أي َّها الّنا ُ
ش هْيئا ً ل
ب َم ال هذ َّبا ُ س هل ُب ْهُ ْ
ن يَ ْ معُههوا ل َه ُ
ه وَإ ِ ْ خل ُُقوا ذ َُبابا ً وَل َهوْ ا ْ
جت َ َ ن يَ ْالل ّهِ ل َ ْ
ب )(73 مط ُْلو ُ ب َوال ْ َ ف ال ّ
طال ِ ُ ضع ُ َ ه َ من ْ ُ
ذوهُ ِ سَتنِق ُ يَ ْ
رب مثل فاستمعوا له وتدبروه :إن الصنام والنداد ض ِ
يا أيها الناس ُ
خْلق ذبابة
التي تعبدونها من دون الله لن تقدر مجتمعة على َ
واحدة ،فكيف بخلق ما هو أكبر؟ ول تقدر أن تستخلص ما يسلبه
فضع ُ َ
جز؟ فهما ضعيفان مًعاَ :
من عَ ْ
الذباب منها ،فهل بعد ذلك ِ
الطالب الذي هو المعبود من دون الله أن يستنقذ ما أخذه الذباب
ف المطلوب الذي هو الذباب ،فكيف ت ُّتخذ هذه الصنام ضع ُ َ
منه ,و َ
والنداد آلهة ,وهي بهذا الهوان؟
ه ل ََقوِيّ عَ ِ
زيٌز )(74 ن الل ّ َ
حقّ قَد ْرِهِ إ ِ ّ ما قَد َُروا الل ّ َ
ه َ َ
ظموا الله حق تعظيمه ,إذ جعلوا له شركاء، هؤلء المشركون لم يع ّ
وهو القوي الذي خلق كل شيء ،العزيز الذي ل يغاَلب.
صههيٌر )
ميعٌ ب َ ِ
س ِه َن الل ّ َ
س إِ ّ ِ ن الّنام ْسل ً وَ ِ ملئ ِك َةِ ُر ُن ال ْ َ م ْصط َِفي ِ الل ّ ُ
ه يَ ْ
ُ (75يعل َم ما بي َ
موُر )(76 جعُ ال ُ م وَإ َِلى الل ّهِ ت ُْر َخل َْفهُ ْما َم وَ َ ديهِ ْن أي ْ َِْ ُ َ َْ َ
الله سبحانه وتعالى يختار من الملئكة رسل إلى أنبيائه ,ويختار من
الناس رسل لتبليغ رسالته إلى الخلق ،إن الله سميع لقوال عباده،
664
من خلقه .وهو سبحانه بصير بجميع الشياء ،وبمن يختاره للرسالة ِ
يعلم ما بين أيدي ملئكته ورسله من قبل أن يخلقهم ،ويعلم ما هو
كائن بعد فنائهم .وإلى الله وحده ترجع المور.
665
الجزء الثامن عشر :
-23سورة المؤمنون
َ
ن )(1 ح ال ْ ُ
مؤ ْ ِ
مُنو َ قَد ْ أفْل َ َ
دقون بالله وبرسوله العاملون بشرعه.
قد فاز المص ّ
ن )(2
شُعو َ
خا ِ
م َ
صلت ِهِ ْ
م ِفي َ
ن هُ ْ ال ّ ِ
ذي َ
الذين من صفاتهم أنهم في صههلتهم خاشههعون ,ت َْف هُرغُ لههها قلههوبهم,
وتسكن جوارحهم.
ن )(3
ضو َ ن الل ّغْوِ ُ
معْرِ ُ م عَ ْ
ن هُ ْ َوال ّ ِ
ذي َ
والذين هم تاركون لكل ما ل خير فيه من القوال والفعال.
عُلو َ
ن )(4 م ِللّز َ
كاةِ َفا ِ ن هُ ْ َوال ّ ِ
ذي َ
مط َّهرون لنفوسهم وأموالهم بههأداء زكههاة أمههوالهم علههى والذين هم ُ
اختلف أجناسها.
ن )(5 حافِ ُ
ظو َ م َ
جه ِ ْ
م ل ُِفُرو ِ
ن هُ ْ َوال ّ ِ
ذي َ
والذين هم لفروجهم حافظون مما ح هّرم اللههه مههن الزنههى واللههواط
وكل الفواحش.
َ َ
ن )(6 مُلو ِ
مي َ م غَي ُْر َ
م فَإ ِن ّهُ ْ
مان ُهُ ْ مل َك َ ْ
ت أي ْ َ ما َ
م أو ْ َ إ ِل ّ عََلى أْزَوا ِ
جه ِ ْ
666
إل على زوجاتهم أو ما ملكت أيمانهم من الماء ,فل لوم عليهههم ول
حرج في جماعهن والستمتاع بهن; لن الله تعالى أحّلهن.
ن )(7 م ال َْعا ُ
دو َ ك فَأ ُوْل َئ ِ َ
ك هُ ْ ن اب ْت ََغى وََراءَ ذ َل ِ َ فَ َ
م ْ
مت ِههه فهههو مههن المجههاوزين الحلل
فمن طلب التمتع بغير زوجتههه أو أ َ
إلى الحرام ,وقد عّرض نفسه لعقاب الله وسخطه.
ن )(8
عو َ
م َرا ُ َ َوال ّ ِ
م وَعَهْدِهِ ْ
ماَنات ِهِ ْ
مل َن هُ ْ
ذي َ
والذين هم حافظون لكل ما اؤتمنوا عليه ,موّفون بكل عهودهم.
ن )(9 حافِ ُ
ظو َ م يُ َ صل َ َ
وات ِهِ ْ م عََلى َ
ن هُ ْ َوال ّ ِ
ذي َ
والههذين هههم يههداومون علههى أداء صههلتهم فههي أوقاتههها علههى هيئتههها
المشروعة ,الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
م ال ْ َ
وارُِثو َ
ن )(10 أ ُوْل َئ ِ َ
ك هُ ْ
هؤلء المؤمنون هم الوارثون الجنة.
ن )(11
دو َ
خال ِ ُ
م ِفيَها َ ن ال ِْفْرد َوْ َ
س هُ ْ ن ي َرُِثو َ ال ّ ِ
ذي َ
الذين يرثهون أعلهى منهازل الجنهة وأوسهطها ,ههم فيهها خالهدون ,ل
ينقطع نعيمهم ول يزول.
ن )(12
طي ٍ
ن ِ سلل َةٍ ِ
م ْ ن ُ
م ْ
ن ِ
سا َ خل َْقَنا ا ِ
لن َ وَل ََقد ْ َ
ولقد خلقنا آدم من طين مأخوذ من جميع الرض.
ن )(13
كي ٍ
م ِ جعَل َْناهُ ن ُط َْف ً
ة ِفي قََرارٍ َ ثُ ّ
م َ
667
مههن نطفههة :هههي منههي الرجههال تخههرج مههن
ثم خلقنا بنيه متناسههلين ِ
أصلبهم ,فتستقر متمكنة في أرحام النساء.
ن )(15 ك لَ َ
مي ُّتو َ م إ ِن ّك ُ ْ
م ب َعْد َ ذ َل ِ َ ثُ ّ
ثم إنكم أيها البشر بعد أطوار الحياة وانقضاء العمار َلميتون.
ن )(16 م ال ِْقَيا َ
مةِ ت ُب ْعَُثو َ م إ ِن ّك ُ ْ
م ي َوْ َ ثُ ّ
ثم إنكم بعد الموت وانقضاء الدنيا ت ُْبعثههون يههوم القيامههة أحيههاء مههن
قبوركم للحساب والجزاء.
ن )(17 ق َ
غافِِلي َ ن ال ْ َ ْ سب ْعَ ط ََرائ ِقَ وَ َ
ما ك ُّنا عَ ْ خل َْقَنا فَوْقَك ُ ْ
وَل ََقد ْ َ
خل ِ م َ
ولقد خلقنا فوقكم سبع سموات بعضههها فههوق بعههض ,ومهها كنهها عههن
ل مخلوًقا ,ول ننساه.
الخلق غافلين ,فل ن ُغِْف ُ
668
َ فََأن َ ْ
ه ك َِثيهَرةٌ ب ل َك ُه ْ
م ِفيهَهها فَه َ
واك ِ ُ ل وَأعْن َهها ٍ
خيه ٍ
ن نَ ِ
مه ْ
ت ِ
جّنا ٍ
م ب ِهِ َشأَنا ل َك ُ ْ
ْ
ن )(19 من َْها ت َأك ُُلو َوَ ِ
فأنشأنا بهذا الماء لكم بساتين النخيل والعناب ,لكم فيها فواكه
كثيرة النواع والشكال ,ومنها تأكلون.
ن )(20
صب ٍْغ ِللك ِِلي َ
ن وَ ِ ن ُ وَ َ
ت ِبالد ّهْ ِ
سي َْناءَ ت َن ْب ُ ُ
طورِ َ م ْ
ج ِ
خُر ُ
جَرةً ت َ ْ
ش َ
وأنشأنا لكم به شجرة الزيتون التي تخرج حول جبل طور "سيناء",
دهن ويؤتدم به. يعصر منها الزيت ,في ّ
َ
طون ِهَهها وَل َك ُه ْ
م ِفيهَهها مهها فِههي ب ُ ُ
م ّ م ِفي الن َْعام ِ ل َعِب ْهَرةً ُنسهِقيك ُ ْ
م ِ ن ل َك ُ ْ
وَإ ِ ّ
ْ
ن )(21 من َْها ت َأك ُُلو َمَنافِعُ ك َِثيَرةٌ وَ ِ َ
وإن لكم -أيها الناس -في البل والبقر والغنم َلعبرة تعتبرون
بخلقها ,نسقيكم مما في بطونها من اللبن ,ولكم فيها منافع أخرى
كثيرة كالصوف والجلود ,ونحوهما ,ومنها تأكلون.
مُلو َ
ن )(22 ح َ وَعَل َي َْها وَعََلى ال ُْفل ْ ِ
ك تُ ْ
ملون.
ح َ
وعلى البل والسفن في البر والبحر ت ُ ْ
َ
ن
مه ْ مهها ل َك ُه ْ
م ِ دوا الل ّه َ
ه َ ل َيا قَوْم ِ اعْب ُ ُ سل َْنا ُنوحا ً إ َِلى قَوْ ِ
مهِ فََقا َ وَل ََقد ْ أْر َ
َ
ن )(23 إ ِل َهٍ غَي ُْرهُ أَفل ت َت ُّقو َ
حا إلى قومه ,بدعوة التوحيد فقال لهم :اعبدوا الله
ولقد أرسلنا نو ً
وحده ,ليس لكم من إله يستحق العبادة غيره جل وعل ،فأخلصوا
له العبادة ،أفل تخشون عذابه؟
َ
ن
ريهد ُ أ ْ مث ْل ُك ُه ْ
م يُ ِ شهٌر ِ ذا إ ِل ّ ب َ َمهها هَه َ مه ِ َ ن قَوْ ِ م ْ ن ك ََفُروا ِ ذي َ مل ال ّ ِ ل ال ْ َفََقا َ
شاَء الل ّه َ م وَل َوْ َ
ذا ِفهي آَبائ َِنها معَْنا ب َِهه َ
سه ِ ما َ ة َ ملئ ِك َ ً
ل َ لنَز َ ُ ل عَل َي ْك ُ ْ ض َ ي َت ََف ّ
ن هُوَ إ ِل ّ َر ُ َ
ن )(25 حي ٍ حّتى ِ صوا ب ِهِ َ ة فَت ََرب ّ ُ جن ّ ٌ ج ٌ
ل ب ِهِ ِ ن ) (24إ ِ ْ الوِّلي َ
669
ذبه أشراف قومه ,وقالوا لعامتهم :إنه إنسان مثلكم ل يتمّيزفك ّ
عنكم بشيء ,ول يريد بقوله إل رئاسة وفضل عليكم ،ولو شاء الله
أن يرسل إلينا رسول لرسله من الملئكة ,ما سمعنا بمثل هذا
س من الجنون, م ّمن سبقنا من آباء وأجداد .وما نوح إل رجل به َفي َ
فانتظروا حتى ُيفيق ،فيترك دعوته ,أو يموت ,فتستريحوا منه.
ما ك َذ ُّبو ِ
ن )(26 صْرِني ب ِ َ
ب ان ُ َقا َ
ل َر ّ
قال نوح :رب انصرني على قومي; بسبب تكذيبهم إياي فيما
بّلغتهم من رسالتك.
مُرن َهها وَفَههاَر َ حي ِن َهها فَ هإ ِ َ فَأ َوحينا إل َيه أ َن اصنع ال ُْفل ْه َ َ
جههاَء أ ْذا َ ك ب ِأعْي ُن ِن َهها وَوَ ْ ْ َ ْ ْ َ َْ ِ ْ ِ ْ
َ
س هب َقَ عَل َي ْههِن َ ك إ ِل ّ َ
مه ْ ن وَأهْل َه َ ن اث ْن َي ْ ِجي ْ ِ ن كُ ّ
ل َزوْ َ م ْ ك ِفيَها ِ سل ُ ْ
الت ّّنوُر َفا ْ
ن )(27 مغَْرُقو َم ُ موا إ ِن ّهُ ْ ن ظ َل َ ُ ذي َ خاط ِب ِْني ِفي ال ّ ِ م َول ت ُ َمن ْهُ ْ ال َْقوْ ُ
ل ِ
فأوحينا إليه أن اصنع السفينة بمرأى منا وبأمرنا لك ومعونتنا ,وأنت
في حفظنا وكلءتنا ،فإذا جاء أمرنا بعذاب قومك بالغرق ،وبدأ
الطوفان ،فنبع الماء بقوة من التنور -وهو المكان الذي يخبز فيه-
ل في السفينة من كل الحياء ذكًرا خ ْ
علمة على مجيء العذاب ,فأد ِ
ن استحق العذاب لكفره م ِ
وأنثى; ليبقى النسل ،وأدخل أهلك إل َ
كزوجتك وابنك ,ول تسألني نجاة قومك الظالمين ،فإنهم مغرقون ل
محالة .وفي هذه الية إثبات صفة العين لله سبحانه بما يليق به
تعالى دون تشبيه ول تكييف.
َ
جاَنا مد ُ ل ِل ّهِ ال ّ ِ
ذي ن َ ّ ل ال ْ َ
ح ْ ك عََلى ال ُْفل ْ ِ
ك فَُق ْ مع َ َ
ن َ
م ْ
ت وَ َت أن ْ َ ست َوَي ْ َ فَإ ِ َ
ذا ا ْ
ن )(28 مي َ ن ال َْقوْم ال ّ
ظال ِ ِ م ْ ِ
ِ
فإذا علوت السفينة مستقًرا عليها أنت ومن معك آمنين من الغرق،
جانا من القوم الكافرين.
فقل :الحمد لله الذي ن ّ
َ َ
ن )(29 خي ُْر ال ْ ُ
منزِِلي َ مَباَركا ً وَأن ْ َ
ت َ ب أنزِل ِْني ُ
من َْزل ً ُ وَقُ ْ
ل َر ّ
670
سر لي النزول المبارك المن ،وأنت خير المنزلين .وفي وقل :رب ي ّ
هذا تعليم من الله عز وجل لعباده إذا نزلوا أن يقولوا هذا.
ن )(30 ن ك ُّنا ل َ ُ
مب ْت َِلي َ ت وَإ ِ ْ ن ِفي ذ َل ِ َ
ك لَيا ٍ إِ ّ
إن في إنجاء المؤمنين وإهلك الكافرين َلدللت واضحات على
صدق رسل الله فيما جاؤوا به من الله ،وإن كنا لمختبرين المم
بإرسال الرسل إليهم قبل وقوع العقوبة بهم.
ث ُم َأن َ ْ
ن )(31
ري َ م قَْرنا ً آ َ
خ ِ ن ب َعْدِهِ ْ
م ْ
شأَنا ِ ّ
ثم أنشأنا من بعد قوم نوح جيل آخر هم قوم عاد.
ن إ ِل َهٍ غَي ْهُرهُ أ ََفل فَأ َرسل ْنا فيهم رسول ً منه َ
م ْ ما ل َك ُ ْ
م ِ دوا الل ّ َ
ه َ ن اعْب ُ ُ
مأ ِْ ُْ ْ ْ َ َ ِ ِ ْ َ ُ
ن )(32ت َت ُّقو َ
فأرسلنا فيهم رسول منهم هو هود عليه السلم ،فقال لهم :اعبدوا
الله وحده ليس لكم معبود بحق غيره ،أفل تخافون عقابه إذا عبدتم
غيره؟
َ
مخهَرةِ وَأت َْرفَْنهاهُ ْكهذ ُّبوا ب ِل َِقهاِء ال ِ ن ك ََفُروا وَ َ َ م ه ِ ال ّ ِ
ذي ن قَوْ ِ ْ م
مل ِ ل ال ْ َ وََقا َ
ْ ْ
ه
من ْه ُ
ن ِمهها ت َهأك ُُلو َم ّ م ي َأك ُه ُ
ل ِ مث ْل ُك ُه ْشهٌر ِذا إ ِل ّ ب َ َ
مهها هَه َ حي َههاةِ الهد ّن َْيا َِفي ال ْ َ
ن )(33 شَرُبو َ ما ت َ ْ
م ّ
ب ِ شَر ُ وَي َ ْ
وقال الشراف والوجهاء من قومه الذين كفروا بالله ,وأنكروا
الحياة الخرة ,وأطغاهم ما ُأنعم به عليهم في الدنيا من ترف
العيش :ما هذا الذي يدعوكم إلى توحيد الله تعالى إل بشر مثلكم
يأكل من جنس طعامكم ,ويشرب من جنس شرابكم.
م ِإذا ً ل َ َ ول َئ ِ َ
ن )(34
سُرو َ
خا ِ مث ْل َك ُ ْ
م إ ِن ّك ُ ْ شرا ً ِ ن أط َعْت ُ ْ
م بَ َ َ ْ
دا مثلكم إنكم إ ً
ذا لخاسرون بترككم آلهتكم واتباعكم ولئن اتبعتم فر ً
إياه.
671
َ أ َيعِدك ُ َ
ن )(35
جو َ
خَر ُ
م ْ ظاما ً أن ّك ُ ْ
م ُ ع َ
م ت َُرابا ً وَ ِ م وَ ُ
كنت ُ ْ مت ّ ْ
ذا ِ م أن ّك ُ ْ
م إِ َ َ ُ ْ
ما
دكم به من أنكم إذا مّتم ،وصرتم تراًبا وعظا ً
دقون ما ي َعِ ُ
ص ّكيف ت ُ َ
خَرجون من قبوركم أحياء؟ مفتتة ،ت ُ ْ
ن )(36
دو َ
ما ُتوعَ ُ
ت لِ َ
ت هَي َْها َ
هَي َْها َ
خَرجون
بعيد حًقا ما توعدون به أيها القوم من أنكم بعد موتكم ت ُ ْ
أحياء من قبوركم.
ن )(37
مب ُْعوِثي َ
ن بِ َ
ح ُ
ما ن َ ْ
حَيا وَ َ
ت وَن َ ْ
مو ُ ي إ ِل ّ َ
حَيات َُنا الد ّن َْيا ن َ ُ ن هِ َ
إِ ْ
ما حياتنا إل في هذه الدنيا ،يموت الباء منا ويحيا البناء ،وما نحن
بمخرجين أحياء مرة أخرى.
ن )(38 مؤ ْ ِ
مِني َ ن لَ ُ
ه بِ ُ ح ُ ذبا ً وَ َ
ما ن َ ْ ل افْت ََرى عََلى الل ّهِ ك َ ِ ن هُوَ إ ِل ّ َر ُ
ج ٌ إِ ْ
وما هذا الداعي لكم إلى اليمان إل رجل اختلق على الله كذًبا,
ولسنا بمصدقين ما قاله لنا.
ما ك َذ ُّبو ِ
ن )(39 صْرِني ب ِ َ
ب ان ُ َقا َ
ل َر ّ
فدعا رسولهم ربه قائل رب انصرني عليهم بسبب تكذيبهم لي.
ن )(40
مي َ
ن َنادِ ِ
ح ّ ل ل َي ُ ْ
صب ِ ُ ما قَِلي ٍ َقا َ
ل عَ ّ
ن نادمين ,أي :بعد زمن
ح ّ
ما قليل ليصب ُ
وقال الله مجيًبا لدعوته :ع ّ
قريب سيصير هؤلء المكذبون نادمين.
َ
ن) م غُث َههاًء فَب ُعْههدا ً ل ِل َْقهوْم ِ الظ ّههال ِ ِ
مي َ جعَل ْن َههاهُ ْ ة ِبال ْ َ
حق ّ ف َ َ ح ُ
صي ْ َ فَأ َ
خذ َت ْهُ ْ
م ال ّ
(41
672
ولم يلبثوا أن جاءتهم صيحة شديدة مع ريح ،أهلكهم الله بها ،فماتوا
جميًعا ،وأصبحوا كغثاء السيل الذي يطفو على الماء ،فهل ً
كا لهؤلء
دا لهم من رحمة الله ,فليحذر السامعون أن يكذبوا الظالمين وب ُعْ ً
رسولهم ،فيحل بهم ما حل بسابقيهم.
ن ) (45إ ِل َههى
مِبي ه ٍ
ن ُ س هل ْ َ
طا ٍ ن ِبآَيات ِن َهها وَ ُ سى وَأ َ َ
خاهُ هَههاُرو َ مو َ سل َْنا ُ
ثُ َ
م أْر َّ
ن )(46 عاِلي َ
وما ًَ َ ْ
ست َكب َُروا وَكاُنوا قَ ْ َ
ملئ ِهِ َفا ْن وَ َ
فِْرعَوْ َ
ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا التسع وهي :العصا واليد
مل والضفادع والدم والطوفان والسنون ونقص من والجراد والُق ّ
ة بّينة تقهر القلوب فتنقاد لها قلوب المؤمنين ,وتقوم
الثمرات ,حج ً
الحجة على المعاندين ,أرسلناهما إلى فرعون حاكم "مصر"
ما
وأشراف قومه ،فاستكبروا عن اليمان بموسى وأخيه ،وكانوا قو ً
متطاولين على الناس قاهرين لهم بالظلم.
673
ما ل ََنا َ َ
ن )(47
دو َ
عاب ِ ُ مث ْل َِنا وَقَوْ ُ
مه ُ َ ن ِ ن ل ِب َ َ
شَري ْ ِ فََقاُلوا أن ُؤْ ِ
م ُ
دق فَْرد َْين مثلنا ،وقومهما من بني إسرائيل تحت إمرتنا
فقالوا :أنص ّ
مطيعون متذللون لنا؟
ن )(48 مهْل َ ِ
كي َ ن ال ْ ُ
م ْ ما فَ َ
كاُنوا ِ فَك َذ ُّبوهُ َ
فكذبوهما فيما جاءا به ،فكانوا من المهلكين بالغرق في البحر.
ن )(49
دو َ ب ل َعَل ّهُ ْ
م ي َهْت َ ُ سى ال ْك َِتا َ وَل ََقد ْ آت َي َْنا ُ
مو َ
ولقد آتينا موسى التوراة؛ ليهتدي بها قومه إلى الحق.
َ
مل ُههو َ
ن صههاِلحا ً إ ِن ّههي ب ِ َ
مهها ت َعْ َ مل ُههوا َ ن الط ّي َّبا ِ
ت َواعْ َ ل ك ُُلوا ِ
م ْ س ُ
َيا أي َّها الّر ُ
م )(51 عَِلي ٌ
يا أيها الرسل كلوا من طيب الرزق الحلل ،واعملوا العمال
ي شيء من أعمالكم. الصالحة ,إني بما تعملون عليم ,ل يخفى عل ّ
والخطاب في الية عام للرسل -عليهم السلم -وأتباعهم ،وفي
الية دليل على أن أكل الحلل عون على العمل الصالح ،وأن عاقبة
الحرام وخيمة ,ومنها رد الدعاء.
674
ن دينكم -يا معشر النبياء -دين واحد وهو السلم ,وأنا ربكم
وإ ّ
فاتقوني بامتثال أوامري واجتناب زواجري.
َ
ن )(53
حو َ ما ل َد َي ْهِ ْ
م فَرِ ُ ب بِ َ
حْز ٍ م ُزُبرا ً ك ُ ّ
ل ِ م ب َي ْن َهُ ْ فَت ََقط ُّعوا أ ْ
مَرهُ ْ
فتفّرق التباع في الدين إلى أحزاب وشيع ،جعلوا دينهم أدياًنا بعدما
ُأمروا بالجتماع ،كل حزب معجب برأيه زاعم أنه على الحق وغيره
على الباطل .وفي هذا تحذير من التحزب والتفرق في الدين.
ن )(54
حي ٍ
حّتى ِ
م َ م ِفي غَ ْ
مَرت ِهِ ْ فَذ َْرهُ ْ
فاتركهم -أيها الرسول -في ضللتهم وجهلهم بالحق إلى أن ينزل
العذاب بهم.
أ َيحسبو َ
سههارِعُ ل َهُه ْ
م فِههي ن ) (55ن ُ َ
ل وَب َِنيه َ
مهها ٍ
ن َ
مه ْ
م ب ِههِ ِمهد ّهُ ْ
ما ن ُ ِ
ن أن ّ َ
َ ْ َ ُ َ
ن )(56 شعُُرو َ ت َبل ل ي َ ْ ال ْ َ
خي َْرا ِ
دهم به من أموال وأولد في الدنيا هو أيظن هؤلء الكفار أن ما نم ّ
ل خيرٍ لهم يستحقونه؟ إنما نعجل لهم الخير فتنة لهم تعجي ُ
سون بذلك. ح ّجا ,ولكنهم ل ي ُ ِ
واستدرا ً
ن )(57
فُقو َ م ْ
ش ِ م ُ خ ْ
شي َةِ َرب ّهِ ْ ن َ
م ْ
م ِ
ن هُ ْ ن ال ّ ِ
ذي َ إِ ّ
وفهم الله
جلون مما خ ّ
ن الذين هم من خشية ربهم مشفقون وَ ِ
إ ّ
تعالى به.
ن )(58 م ي ُؤْ ِ
مُنو َ ت َرب ّهِ ْ
م ِبآَيا ِ
ن هُ ْ َوال ّ ِ
ذي َ
دقون بآيات الله في القرآن ،ويعملون بها.
والذين هم يص ّ
ن )(59 شرِ ُ
كو َ م ل يُ ْ
م ب َِرب ّهِ ْ
ن هُ ْ َوال ّ ِ
ذي َ
675
والذين هم يخلصون العبادة لله وحده ،ول يشركون به غيره.
ن )(61 م ل ََها َ
ساب ُِقو َ ت وَهُ ْ ن ِفي ال ْ َ
خي َْرا ِ عو َ
سارِ ُ أ ُوْل َئ ِ َ
ك يُ َ
أولئك المجتهدون في الطاعة ,دأبهم المسارعة إلى كل عمل
صالح ،وهم إلى الخيرات سابقون.
مل
ههه ْ طههقُ ِبههال ْ َ
حقّ وَ ُ سههعََها وََلههد َي َْنا ك َِتهها ٌ
ب َين ِ ف ن َْفسهها ً إ ِل ّ وُ ْ
َول ن ُك َّلهه ُ
ن )(62 مو َ ي ُظ ْل َ ُ
دا من عبادنا إل بما يسعه العمل به ,وأعمالهمول نكلف عب ً
مسطورة عندنا في كتاب إحصاء العمال الذي ترفعه الملئكة
ينطق بالحق عليهم ،ول ي ُ ْ
ظلم أحد منهم.
م ل َهَهها ذا ول َه َ
ن ذ َل ِه َ
ك هُ ه ْ دو ِ
ن ُ
مه ْ مهها ٌ
ل ِ ن هَ َ َ ُ ْ
م أعْ َ م ْ
مَرةٍ ِ ل قُُلوب ُهُ ْ
م ِفي غَ ْ بَ ْ
ن )(63 مُلو َعا َِ
لكن قلوب الكفار في ضلل غامر عن هذا القرآن وما فيه ،ولهم
مهلهم الله ليعملوها ،فينالوا غضب الله
مع شركهم أعمال سيئة ،ي ُ ْ
وعقابه.
ذا هم ي َ
ن )(64 ب إِ َ ُ ْ َ ْ
جأُرو َ م ِبال ْعَ َ
ذا ِ مت َْرِفيهِ ْ ذا أ َ َ
خذ َْنا ُ حّتى إ ِ َ
َ
حتى إذا أخذنا المترفين وأهل البطر منهم بعذابنا ,إذا هم يرفعون
أصواتهم يتضرعون مستغيثين.
لت َ
ن )(65
صُرو َ
مّنا ل ُتن َ
م ِ جأُروا ال ْي َوْ َ
م إ ِن ّك ُ ْ َ ْ
676
فيقال لهم :ل تصرخوا ،ول تستغيثوا اليوم ،إنكم ل تستطيعون نصر
أنفسكم ،ول ينصركم أحد من عذاب الله.
َ
ن )(66
صو َ م عََلى أعَْقاب ِك ُ ْ
م َتنك ِ ُ كنت ُ ْ ت آَياِتي ت ُت َْلى عَل َي ْك ُ ْ
م فَ ُ قَد ْ َ
كان َ ْ
قد كانت آيات القرآن ُتقرأ عليكم؛ لتؤمنوا بها ،فكنتم تنفرون من
سماعها والتصديق بها ،والعمل بها كما يفعل الناكص على عقبيه
برجوعه إلى الوراء.
َ
ن )(69
منك ُِرو َ م لَ ُ
ه ُ سول َهُ ْ
م فَهُ ْ م لَ ْ
م ي َعْرُِفوا َر ُ أ ْ
دا صلى الله عليه وسلم
أم منعهم من اتباع الحق أن رسولهم محم ً
غير معروف عندهم ،فهم منكرون له؟
َ َ
ن )(70
هو َ
كارِ ُ م ل ِل ْ َ
حقّ َ م ِبال ْ َ
حقّ وَأك ْث َُرهُ ْ جاَءهُ ْ ة بَ ْ
ل َ جن ّ ٌ م ي َُقوُلو َ
ن ب ِهِ ِ أ ْ
بل أحسبوه مجنوًنا؟ لقد ك َ
ذبوا؛ فإنما جاءهم بالقرآن والتوحيد
دا وبغًيا.
والدين الحق ,وأكثرهم كارهون للحق حس ً
َ َ
ن ب َه ْ
ل ن ِفيهِ ه ّ
م ْ
ض وَ َ
ت َوالْر ُ
وا ُ
م َ
س َ
ت ال ّ م ل ََف َ
سد َ ْ واَءهُ ْ وَل َوْ ات ّب َعَ ال ْ َ
حقّ أهْ َ
677
َ
ن )(71
ضو َ
معْرِ ُ ن ذِك ْرِهِ ْ
م ُ م عَ ْ م ب ِذِك ْرِهِ ْ
م فَهُ ْ أت َي َْناهُ ْ
ولو شرع الله لهم ما يوافق أهواءهم لفسدت السموات والرض
من فيهن ،بل أتيناهم بما فيه عزهم وشرفهم ،وهو القرآن ،فهم
و َ
عنه معرضون.
أ َم ت َ
ن )(72خي ُْر الّرازِِقي َ
خي ٌْر وَهُوَ َ ج َرب ّ َ
ك َ خْرجا ً فَ َ
خَرا ُ سأل ُهُ ْ
م َ ْ َ ْ
منعهم من اليمان أنك -أيها الرسول -تسألهم أجًرا على َ
بل أ َ
دعوتك لهم فبخلوا؟ لم تفعل ذلك ،فإن ما عند الله من الثواب
والعطاء خير ،وهو خير الرازقين ،فل َيقدر أحد أن َيرزق مثل رزقه
سبحانه وتعالى.
ن قويم ،وهو
وإنك -أيها الرسول -لتدعو قومك وغيرهم إلى دي ٍ
دين السلم.
ط ل ََناك ُِبو َ
ن )(74 صَرا ِ
ن ال ّ
خَرةِ عَ ْ
ن ِبال ِ ن ل ي ُؤْ ِ
مُنو َ ن ال ّ ِ
ذي َ وَإ ِ ّ
دقون بالبعث والحساب ،ول يعملون لهما ،عن ص ّ
وإن الذين ل ي ُ َ
طريق الدين القويم لمائلون إلى غيره.
ن)
مُهو َ جوا ِفي ط ُغَْيان ِهِ ْ
م ي َعْ َ ضّر ل َل َ ّ
ن ُ
م ْ
م ِ
ما ب ِهِ ْ م وَك َ َ
شْفَنا َ مَناهُ ْ وَل َوْ َر ِ
ح ْ
(75
من قحط وجوع َلتمادوا في
ولو رحمناهم وكشفنا عنهم ما بهم ِ
الكفر والعناد ،يتحّيرون ويتخبطون.
ن )(76
عو َ
ضّر ُ
ما ي َت َ َ
م وَ َ ست َ َ
كاُنوا ل َِرب ّهِ ْ ب فَ َ
ما ا ْ م ِبال ْعَ َ
ذا ِ وَل ََقد ْ أ َ َ
خذ َْناهُ ْ
ولقد ابتليناهم بصنوف المصائب فما خضعوا لربهم ,وما دعوه
خاشعين عند نزولها.
678
ن )(77
سو َ
مب ْل ِ ُ
م ِفيهِ ُ ديدٍ إ ِ َ
ذا هُ ْ ب َ
ش ِ ذا ٍ م َبابا ً َ
ذا عَ َ حَنا عَل َي ْهِ ْ
ذا فَت َ ْ
حّتى إ ِ َ
َ
حتى إذا فتحنا عليهم باًبا من العذاب الشديد في الخرة ،إذا هم فيه
آيسون من كل خير ،متحيرون ل يدرون ما يصنعون.
َ
ل َوالن َّهارِ أَفل ت َعِْقُلو َ
ن )(80 ف الل ّي ْ ِ
خِتل ُ ت وَل َ ُ
ها ْ مي ُ
ي وَي ُ ِ
ح ِ وَهُوَ ال ّ ِ
ذي ي ُ ْ
وهو وحده الذي يحيي من العدم ،ويميت بعد الحياة ,وله تعاقب
الليل والنهار وتفاوتهما ,أفل تعقلون قدرته ووحدانيته؟
ل ال َوُّلو َ
ن )(81 ما َقا َ ل َقاُلوا ِ
مث ْ َ
ل َ بَ ْ
ددوا مقولة أسلفهم المنكرين.
لكن الكفار لم يصدقوا بالبعث ،بل ر ّ
َ َقاُلوا أ َئ ِ َ
ظاما ً أئ ِّنا ل َ َ
مب ُْعوُثو َ
ن )(82 ع َ
مت َْنا وَك ُّنا ت َُرابا ً وَ ِ
ذا ِ
قالوا :أإذا متنا وتحللت أجسامنا وعظامنا في تراب الرض نحيا
مرة ُأخرى؟ هذا ل يكون ول ُيتصور.
679
َ َ ل ََقد ْ وُ ِ
ن)
طيُر الوِّليه َ ذا إ ِل ّ أ َ
سهها ِ ن ه َه َ ن قَب ْه ُ
ل إِ ْ مه ْ ن َوآَباؤَُنا هَ َ
ذا ِ ح ُ
عد َْنا ن َ ْ
(83
لقد قيل هذا الكلم لبائنا من قبل ,كما تقوله لنا يا محمد ،فلم نره
حقيقة ,ما هذا إل أباطيل الولين.
َ
ن )(84 م ت َعْل َ ُ
مو َ ن ُ
كنت ُ ْ ن ِفيَها إ ِ ْ
م ْ
ض وَ َ
ن الْر ُ
م ْ قُ ْ
ل لِ َ
من فيها إن كان لديكم علم؟
قل لهم :لمن هذه الرض و َ
سيُقوُلون ل ِل ّه قُ ْ َ
ل أَفل ت َذ َك ُّرو َ
ن )(85 ِ َ َ َ
ما بأنها لله ،هو خالقها ومالكها ،قل لهم :أل يكون
سيعترفون حت ً
كر بأنه قادر على البعث والنشور؟ لكم في ذلك تذ ّ
ش ال ْعَ ِ
ظيم ِ )(86 سب ْع وََر ّ ْ
ب العَْر ِ ت ال ّ ِ
وا ِ
م َ
س َ
ب ال ّ
ن َر ّ
م ْ قُ ْ
ل َ
من رب السموات السبع ورب العرش العظيم ,الذي هو أعظمقل َ
المخلوقات وأعلها؟
سيُقوُلون ل ِل ّه قُ ْ َ
ل أَفل ت َت ُّقو َ
ن )(87 ِ َ َ َ
ما :هو الله ،فقل لهم :أفل تخافون عذابه إذا عبدتم
سيقولون حت ً
غيره؟
م
كنت ُه ْ جههاُر عَل َي ْههِ إ ِ ْ
ن ُ جي هُر َول ي ُ َ
يءٍ وَهُ هوَ ي ُ ِ
ش ْ ت كُ ّ
ل َ مل َ ُ
كو ُ ن ب ِي َدِهِ َ
م ْل َقُ ْ
ن )(88 مو َت َعْل َ ُ
من يجير
من بيده خزائن كل شيء ،و َ من مالك كل شيء و َ قل َ :
من أراد الله إهلكه،
ن استجار به ،ول يقدر أحد أن ُيجير ويحمي َم ِ
َ
دره الله ،إن كنتم تعلمون ذلك؟
ول يدفع الشر الذي ق ّ
680
سيُقوُلون لل ّه قُ ْ َ
ن )(89
حُرو َ ل فَأّنا ت ُ ْ
س َ َ ِ ِ َ َ
سيجيبون :بأن ذلك كّله لله ,قل لهم :كيف تذهب عقولكم
صرفون عن توحيد الله وطاعته ،وتصديق أمر البعثدعون وت ُ ْ
خ َ
وت ُ ْ
والنشور؟
م لَ َ ب ْ َ
ن )(90
كاذُِبو َ م ِبال ْ َ
حقّ وَإ ِن ّهُ ْ ل أت َي َْناهُ ْ َ
دا صلى الله
بل أتينا هؤلء المنكرين بالحق فيما أرسلنا به محم ً
عليه وسلم ،وإنهم َلكاذبون في شركهم وإنكارهم البعث.
ل إ ِل َههٍ ب ِ َ
مهها ب ك ُه ّن إ ِل َههٍ ِإذا ً ل َهذ َهَ َ
م ْه ِ
مع َ ُن َ ما َ
كا َ ن وَل َدٍ وَ َم ْ خذ َ الل ّ ُ
ه ِ ما ات ّ ََ
ن )(91 صُفو َ ما ي َ ِ ّ
ن اللهِ عَ ّ حا َسب ْ َض ُ َ َ َ
م عَلى ب َعْ ٍ ضه ُ ْ
خلقَ وَلَعل ب َعْ ُ َ
دا ،ولم يكن معه من معبود آخر; لنه لو لم يجعل الله لنفسه ول ً
من معبود لنفرد كل معبود بمخلوقاته ،ولكان بينهم كان ثمة أكثر ِ
ل نظام الكون ،تنّزه الله سبحانه مغالبة كشأن ملوك الدنيا ،فيخت ّ
دا. دس عن وصفهم له بأن له شري ً
كا أو ول ً وتعالى وتق ّ
ن )(92 شرِ ُ
كو َ شَهاد َةِ فَت ََعاَلى عَ ّ
ما ي ُ ْ عال ِم ِ ال ْغَي ْ ِ
ب َوال ّ َ
هو وحده يعلم ما غاب عن خلقه وما شاهدوه ،فتنّزه الله تعالى عن
الشريك الذي يزعمون.
دهم
ب إما تريّني في هؤلء المشركين ما ت َعِ ُ
قل -أيها الرسول :-ر ّ
من عذابك فل تهلكني بما تهلكهم به ،ونجني من عذابك وسخطك، ِ
فل تجعلني في القوم المشركين الظالمين ،ولكن اجعلني ممن
ت عنهم.رضي َ
َ
م ل ََقادُِرو َ
ن )(95 ما ن َعِد ُهُ ْ
ك َ وَإ ِّنا عََلى أ ْ
ن ن ُرِي َ َ
681
وإننا َلقادرون على أن نريك ما ن َعِ ُ
دهم من العذاب.
ة نح َ َ
ن )(96
صُفو َ
ما ي َ ِ ن أعْل َ ُ
م بِ َ سي ّئ َ َ َ ْ ُ
ن ال ّ
س ُ
ح َ
يأ ْاد ْفَعْ ِبال ِّتي هِ َ
إذا أساء إليك أعداؤك -أيها الرسول -بالقول أو الفعل فل تقابلهم
بالساءة ،ولكن ادفع إساءتهم بالحسان منك إليهم ،نحن أعلم بما
يصفه هؤلء المشركون من الشرك والتكذيب ،وسنجازيهم عليه
أسوأ الجزاء.
َ
ن )(99
جُعو ِ
ب اْر ِ ت َقا َ
ل َر ّ م ال ْ َ
مو ْ ُ حد َهُ ْ
جاَء أ َ حّتى إ ِ َ
ذا َ َ
يخبر الله تعالى عن حال المحتضر من الكافرين أو المفرطين في
أمره تعالى ،حتى إذا أشرف على الموت ،وشاهد ما أ ُ ِ
عد ّ له من
دوني إلى الدنيا.
العذاب قال :رب ر ّ
َ
م
ن وََرائ ِِههه ْ ة هُوَ َقائ ِل َُها وَ ِ
م ْ ت ك َل ّ إ ِن َّها ك َل ِ َ
م ٌ صاِلحا ً ِفي َ
ما ت ََرك ْ ُ ل َ م ُ ل َعَّلي أعْ َ
ن )(100 خ إ َِلى ي َوْم ِ ي ُب ْعَُثو َ
ب َْرَز ٌ
ت من اليمان والطاعة .ليس له ذلك ،فل لعلي أستدرك ما ضي ّعْ ُ
مَهل .فإنما هي كلمة هو قائلها قول ل يجاب إلى ما طلب ول ي ُ ْ
ينفعه ،وهو فيه غير صادق ،فلو ُرد ّ إلى الدنيا لعاد إلى ما ُنهي عنه،
وسيبقى المتوّفون في الحاجز والب َْرزخ الذي بين الدنيا والخرة إلى
يوم البعث والنشور.
َ
ساَءُلو َ
ن )(101 مئ ِذٍ َول ي َت َ َ
م ي َوْ َ
ب ب َي ْن َهُ ْ صورِ َفل أن َ
سا َ خ ِفي ال ّ فَإ ِ َ
ذا ن ُِف َ
682
مَلك المكّلف في "القرن" ،وب ُعِ َ
ث فإذا كان يوم القيامة ،ونفخ ال َ
خَر بالنساب حينئذ كما كانوا يفتخرون الناس من قبورهم ،فل َتفا ُ
دا.
بها في الدنيا ,ول يسأل أحد أح ً
ن )(102 حو َ م ال ْ ُ
مْفل ِ ُ ك هُ ْه فَأ ُوْل َئ ِ َ
واِزين ُ ُ
م َ ن ث َُقل َ ْ
ت َ فَ َ
م ْ
ت بها موازين أعماله عند الحساب، فمن كثرت حسناته وث َُقل َ ْ
فأولئك هم الفائزون بالجنة.
م
جهَن ّه َ
م فِههي َ
س هه ُ ْ
َ
س هُروا أنُف َ
خ ِ
ن َ
ذي َ ه فَ هأ ُوْل َئ ِ َ
ك ال ّه ِ واِزين ُ ُ
مه َ
ت َخّف ه ْ
ن َمه ْوَ َ
ن )(103 دو َخال ِ ُ
َ
ت حسناته في الميزان ،ورجحت سيئاته ،وأعظمها الشرك، ومن قَل ّ ْ
فأولئك هم الذين خابوا وخسروا أنفسهم ،في نار جهنم خالدون.
ن )(104
حو َ م ِفيَها َ
كال ِ ُ م الّناُر وَهُ ْ
جوهَهُ ْ ت َل َْف ُ
ح وُ ُ
ت شفاههم ،وبرزت حرقُ النار وجوههم ،وهم فيها عابسون ت ََقل ّ َ
ص ْ تَ ْ
أسنانهم.
َ
م ب َِها ت ُك َذ ُّبو َ
ن )(105 ن آَياِتي ت ُت َْلى عَل َي ْك ُ ْ
م فَ ُ
كنت ُ ْ أل َ ْ
م ت َك ُ ْ
يقال لهم :ألم تكن آيات القرآن تتلى عليكم في الدنيا ،فكنتم بها
تكذبون؟
ضاّلي َ
ن )(106 وما ً َ ت عَل َي َْنا ِ
شْقوَت َُنا وَك ُّنا قَ ْ َقاُلوا َرب َّنا غَل َب َ ْ
لما بّلغتهم رسلهم وأنذرتهم قالوا يوم القيامة :ربنا غلبت علينا
درة علينا في سابق علمك ،وكنا في فعلنا لذاتنا وأهواؤنا المق ّ
ضالين عن الهدى.
ن )(107
مو َ ن عُد َْنا فَإّنا َ
ظال ِ ُ ِ من َْها فَإ ِ ْ
جَنا ِ َرب َّنا أ َ ْ
خرِ ْ
683
ربنا أخرجنا من النار ،وأعدنا إلى الدنيا ،فإن رجعنا إلى الضلل فإنا
ظالمون نستحق العقوبة.
َ
ت
مَنا وَأْنهه َ مّنا َفاغِْفْر ل ََنا َواْر َ
ح ْ عَباِدي ي َُقوُلو َ
ن َرب َّنا آ َ ن ِ
م ْ ن فَ ِ
ريقٌ ِ ه َ
كا َ إ ِن ّ ُ
ن )(109 مي َ
ح ِخي ُْر الّرا ِ َ
دعون :ربنا آمنا فاستر
إنه كان فريق من عبادي -وهم المؤمنون -ي َ ْ
ذنوبنا ،وارحمنا ،وأنت خير الراحمين.
َ
ن) ح ُ
كو َ ضه َ
م تَ ْ
من ْهُه ْ
م ِ ري وَ ُ
كنت ُه ْ م ذِك ْه ِ
سوْك ُ ْ خرِي ّا ً َ
حّتى أن َ س ْ
م ِ
موهُ ْ َفات ّ َ
خذ ْت ُ ُ
(110
فاشتغلتم بالستهزاء بهم حتى نسيتم ذكر الله ,فبقيتم على
تكذيبكم ،وقد كنتم تضحكون منهم سخرية واستهزاء.
َ
م ال َْفائ ُِزو َ
ن )(111 م هُ ْ
صب َُروا أن ّهُ ْ
ما َ م ال ْي َوْ َ
م بِ َ جَزي ْت ُهُ ْ
إ ِّني َ
إني جزيت هذا الفريق من عبادي المؤمنين الفوز بالجنة؛ بسبب
صبرهم على الذى وطاعة الله.
ل ك َم ل َبث ْت ُم ِفي ال َ
ن )(112
سِني َ
ض عَد َد َ ِ
ِ ر
ْ َقا َ ْ ِ ْ
سأ ُ
ل الشقياء في النار :كم بقيتم في الدنيا من السنين؟ وكم وي ُ ْ
ضّيعتم فيها من طاعة الله؟
ن )(113
دي َ سأ َ ْ
ل ال َْعا ّ ض ي َوْم ٍ َفا ْ
َ
وما ً أوْ ب َعْ َ
َقاُلوا ل َب ِث َْنا ي َ ْ
684
ما أو بعض يوم،
قالوا ِلهول الموقف وشدة العذاب :بقينا فيها يو ً
دون الشهور واليام. ساب الذين يع ّ
ح ّ
فاسأل ال ُ
َ
ن )(114 م ت َعْل َ ُ
مو َ كنت ُ ْ م إ ِل ّ قَِليل ً ل َوْ أن ّك ُ ْ
م ُ ن ل َب ِث ْت ُ ْ َقا َ
ل إِ ْ
قال لهم :ما لبثتم إل وقًتا قليل لو صبرتم فيه على طاعة الله
لفزتم بالجنة ،لو كان عندكم علم بذلك؛ وذلك لن مدة مكثهم في
الدنيا قليلة جدا بالنسبة إلى طول مدتهم خالدين في النار.
َ أ َفَحسبت َ
ن )(115 م إ ِل َي َْنا ل ت ُْر َ
جُعو َ م عََبثا ً وَأن ّك ُ ْ
خل َْقَناك ُ ْ
ما َ
م أن ّ َ
َ ِ ُْ ْ
أفحسبتم -أيها الخلق -أنما خلقناكم مهملين ,ل أمر ول نهي ول
ثواب ول عقاب ،وأنكم إلينا ل ترجعون في الخرة للحساب
والجزاء؟
ش ال ْك َ ِ
ريم ِ )(116 ه إ ِل ّ هُوَ َر ّ ْ
ب العَْر ِ حقّ ل إ ِل َ َ
ك ال ْ َ ه ال ْ َ
مل ِ ُ فَت ََعاَلى الل ّ ُ
فتعالى الله الملك المتصرف في كل شيء ،الذي هو حق ،ووعده
دس عن أن يخلق شيًئا حق ،ووعيده حق ،وكل شيء منه حق ،وت ََق ّ
م ،الذي هو أعظم
ش الكري ِ عبًثا أو سفًها ،ل إله غيره ر ّ
ب العر ِ
المخلوقات.
ه
عن ْد َ َرب ّهِ إ ِّنهه ُ
ه ِ
ساب ُ ُ
ح َ
ما ِ ن لَ ُ
ه ب ِهِ فَإ ِن ّ َ ها َ معَ الل ّهِ إ َِلها ً آ َ
خَر ل ب ُْر َ ن ي َد ْعُ َ م ْوَ َ
ن )(117 كافُِرو َ ح ال ْ َ
ل ي ُْفل ِ ُ
ومن يعبد مع الله الواحد إلًها آخر ،ل حجة له على استحقاقه
العبادة ،فإنما جزاؤه على عمله السّيئ عند ربه في الخرة .إنه ل
فلح ول نجاة للكافرين يوم القيامة.
َ
ن )(118
مي َ
ح ِ
خي ُْر الّرا ِ
ت َ
م وَأن ْ َ ب اغِْفْر َواْر َ
ح ْ وَقُ ْ
ل َر ّ
ب تجاوَْز عن الذنوب وارحم؛ وأنت خير منوقل -أيها النبي :-ر ّ
رحم ذا ذنب ،فقبل توبته ولم يعاقبه على ذنبه.
685
-24سورة النللور
ْ
مام ب ِهِ َخذ ْك ُ ْ جل ْد َةٍ َول ت َأ ُ
ة َ مائ َ َ
ما ِ من ْهُ َ
حدٍ ِ ل َوا ِ دوا ك ُ ّ جل ِ ُة َوالّزاِني َفا ْ الّزان ِي َ ُ
ش ههَد ْ خ هرِ وَل ْي َ ْ ن ب ِههالل ّهِ َوال ْي َهوْم ِ ال ِ م ت ُؤْ ِ
من ُههو َ كنت ُه ْن ُ ن الل ّههِ إ ِ ْ ة ِفي ِدي ه ِ َرأ ْفَ ٌ
ن )(2 مِني َمؤ ْ ِ ن ال ْ ُ
م ْ ة ِ ما َ
طائ َِف ٌ ذاب َهُ َ عَ َ
ة كل منهما مائة الزانية والزاني اللذان لم يسبق لهما الزواج ,عقوب ُ
جلدة بالسوط ,وثبت في السنة مع هذا الجلد التغريب لمدة عام.
ول تحملكم الرأفة بهما على ترك العقوبة أو تخفيفها ,إن كنتم
مصدقين بالله واليوم الخر عاملين بأحكام السلم ،وليحضر
ة عدد من المؤمنين; تشنيًعا وزجًرا وعظة واعتباًرا.العقوب َ
ن أ َْو
حهَهها إ ِل ّ َزا ٍ
ة ل َينك ِ ُ ش هرِك َ ً
ة َوالّزان ِي َه ُ م ْ الزان ِههي ل ينك هح إل ّ زان ِي ه ً َ
ة أو ْ ُ َ َ َ ِ ُ ّ
ن )(3 مؤ ْ ِ
مِني َ ك عََلى ال ْ ُ م ذ َل ِ َ
حّر َ شرِ ٌ
ك وَ ُ م ْ
ُ
الزاني ل يرضى إل بنكاح زانية أو مشركة ل ت ُِقّر بحرمة الزنى،
والزانية ل ترضى إل بنكاح زان أو مشرك ل ي ُِقّر بحرمة الزنى ,أما
حّرم ذلك النكاح علىالعفيفون والعفيفات فإنهم ل يرضون بذلك ،و ُ
المؤمنين .وهذا دليل صريح على تحريم نكاح الزانية حتى تتوب,
وكذلك تحريم إنكاح الزاني حتى يتوب.
م
دوهُ ْ داَء َفا ْ
جل ِه ُ م ي َهأ ُْتوا ب ِأ َْرب َعَ هةِ ُ
ش هه َ َ م ل َه ْت ث ُه ّصَنا ِ ح َم ْ ن ال ْ ُ
مو َن ي َْر ُذي ََوال ّ ِ
ن )(4 سُقو َم ال َْفا ِ
ك هُ ْشَهاد َةً أ ََبدا ً وَأ ُوْل َئ ِ َم َ جل ْد َةً َول ت َْقب َُلوا ل َهُ ْ
ن َ ماِني َ ثَ َ
686
من
سا عفيفة من النساء والرجال ِ
والذين يتهمون بالفاحشة أنف ً
دون أن يشهد معهم أربعة شهود عدول ,فاجلدوهم بالسوط ثمانين
دا ,وأولئك هم الخارجون عن طاعةجلدة ,ول تقبلوا لهم شهادة أب ً
الله.
ن ال ْك َههاذِِبي َ
ن) ه لَ ِ
م ْ ت ِبالل ّهِ إ ِن ّ ُ
دا ٍ شَها َشهَد َ أ َْرب َعَ َ ن تَ ْ َ
بأ ْ وَي َد َْرأ ُ عَن َْها ال ْعَ َ
ذا َ
خامس َ َ
ن )(9 صادِِقي َ ن ال ّ م ْ
ن ِ ن َ
كا َ ب الل ّهِ عَل َي َْها إ ِ ْض َ ن غَ َ
ةأ ّ َ (8وال ْ َ ِ َ
وبشهادته تستوجب الزوجة عقوبة الزنى ،وهي الرجم حتى الموت،
ول يدفع عنها هذه العقوبة إل أن تشهد في مقابل شهادته أربع
شهادات بالله إنه لكاذب في اتهامه لها بالزنى ،وتزيد في الشهادة
الخامسة الدعوة على نفسها باستحقاقها غضب الله ،إن كان زوجها
صادًقا فى اتهامه لها ،وفي هذه الحال يفرق بينهما.
َ
م )(10
كي ٌ
ح ِ
ب َ
وا ٌ ن الل ّ َ
ه تَ ّ ه وَأ ّ
مت ُ ُ
ح َ ل الل ّهِ عَل َي ْك ُ ْ
م وََر ْ وَل َ ْ
ول فَ ْ
ض ُ
ضل الله عليكم ورحمته -أيها المؤمنون -بهذا التشريع
ولول تف ّ
ل بالكاذب من المتلعنين ما دعا به علىللزواج والزوجات ،لح ّ
687
من عباده ،حكيم في شرعه
نفسه ،وأن الله تواب لمن تاب ِ
وتدبيره.
خي ٌْر
ل هُوَ َ م بَ ْ شّرا ً ل َك ُ ْ
سُبوهُ َ ح َم ل تَ ْ من ْك ُ ْ
ة ِصب َ ٌ
ك عُ ْ جاُءوا ِبال ِفْ ِ ن َ ذي َن ال ّ ِإِ ّ
م ذي ت َهوَّلى ك ِب ْهَرهُ ِ
من ْهُ ه ْ ن ال ِث ْم ِ َوال ّ ِ
م ْ ب ِ س َما اك ْت َ َ
م َ من ْهُ ْ
ئ ِ مرِ ٍلا ْم ل ِك ُ ّل َك ُ ْ
م )(11 ظي ٌب عَ ِ ذا ٌه عَ َ لَ ُ
إن الذين جاؤوا بأشنع الكذب ،وهو اتهام أم المؤمنين عائشة رضي
الله عنها بالفاحشة ،جماعة منتسبون إليكم -معشر المسلمين -ل
من تبرئةتحسبوا قولهم شّرا لكم ,بل هو خير لكم ،لما تضمن ذلك ِ
أم المؤمنين ونزاهتها والتنويه بذكرها ,ورفع الدرجات ،وتكفير
السيئات ،وتمحيص المؤمنين .لكل فرد تكلم بالفك جزاء فعله من
ي بن سلول كبير ُ
مل معظمه ،وهو عبد الله بن أب ّ الذنب ،والذي تح ّ
المنافقين -لعنه الله -له عذاب عظيم في الخرة ،وهو الخلود في
الدرك السفل من النار.
مهها سهك ُ ْ
م فِههي َ خَرةِ ل َ َ
م ّ ه ِفي الد ّن َْيا َوال ِ
مت ُ ُ
ح َ
م وََر ْل الل ّهِ عَل َي ْك ُ ْ
ض ُول فَ ْ وَل َ ْ
َ
م )(14 ظي ٌب عَ ِ ذا ٌ م ِفيهِ عَ َ
ضت ُ ْأفَ ْ
688
ض ُ
ل الله عليكم ورحمته لكم بحيث شملكم إحسانه في ولول فَ ْ
من تاب منكم,
جل عقوبتكم ،وتاب على َ
دينكم ودنياكم فلم يع ّ
لصابكم بسبب ما خضتم فيه عذاب عظيم.
َ َ
عل ْه ٌ
م س ل َك ُه ْ
م ب ِههِ ِ مهها ل َي ْه َ واهِك ُ ْ
م َ ن ب ِهأفْ َم وَت َُقول ُههو َ ه ب ِأل ْ ِ
س هن َت ِك ُ ْ إ ِذ ْ ت َل َّق هوْن َ ُ
م )(15 عن ْد َ الل ّهِ عَ ِ
ظي ٌ ه هَّينا ً وَهُوَ ِ سُبون َ ُح َ وَت َ ْ
حين تتلقفون الفك وتتناقلونه بأفواهكم ،وهو قول باطل ،وليس
عندكم به علم ،وهما محظوران :التكلم بالباطل ،والقول بل علم،
وتظنون ذلك شيًئا هي ًّنا ،وهو عند الله عظيم .وفي هذا زجر بليغ عن
التهاون في إشاعة الباطل.
َ
ذا حان َ َ
ك هَ ه َ س هب ْ َ
ذا ُ ن ن َت َك َل ّه َ
م ب ِهَ ه َ ن ل َن َهها أ ْ ما ي َ ُ
كو ُ موهُ قُل ْت ُ ْ
م َ معْت ُ ُ
س ِول إ ِذ ْ َوَل َ ْ
م )(16 ظي ٌ
ن عَ ِ ب ُهَْتا ٌ
ح ّ
ل لنا الكلم بهذا الكذب ,تنزيًها وهل قلتم عند سماعكم إياه :ما ي َ ِ
من قول ذلك على زوجة رسولك محمد صلى الله لك -يارب ِ -
عليه وسلم ،فهو كذب عظيم في الوزر واستحقاق الذنب.
م )(18
كي ٌ
ح ِ
م َ ت َوالل ّ ُ
ه عَِلي ٌ ه ل َك ُ ْ
م الَيا ِ ن الل ّ ُ
وَي ُب َي ّ ُ
ويبين الله لكم اليات المشتملة على الحكام الشرعية والمواعظ،
والله عليم بأفعالكم ،حكيم في شرعه وتدبيره.
َ حبو َ
م
ب أِلي ٌ
ذا ٌ مُنوا ل َهُ ْ
م عَ َ نآ َ
ذي َة ِفي ال ّ ِ ش ُح َ شيعَ ال َْفا ِ ن تَ ِ نأ ْ ن يُ ِ ّ َ
ذي َ ن ال ّ ِ
إِ ّ
َ
ن )(19 مو َ م ل ت َعْل َ ُم وَأن ْت ُ ْ ه ي َعْل َ ُ
خَرةِ َوالل ّ ُ
ِفي الد ّن َْيا َوال ِ
689
ذف بالزنى أو إن الذين يحبون شيوع الفاحشة في المسلمين من قَ ْ
أي قول سّيئ لهم عذاب أليم في الدنيا بإقامة الحد عليهم ،وغيره
من البليا الدنيوية ,ولهم في الخرة عذاب النار إن لم يتوبوا ،والله-
وحده -يعلم كذبهم ,ويعلم مصالح عباده ،وعواقب المور ،وأنتم ل
تعلمون ذلك.
َ
م )(20
حي ٌ
ف َر ِ ن الل ّ َ
ه َرُءو ٌ ه وَأ ّ
مت ُ ُ
ح َ ل الل ّهِ عَل َي ْك ُ ْ
م وََر ْ وَل َ ْ
ول فَ ْ
ض ُ
من وقع في حديث الفك ورحمته بهم ,وأن ل الله على َ ولول فَ ْ
ض ُ
الله يرحم عباده المؤمنين رحمة واسعة في عاجلهم وآجلهم ,لما
بّين هذه الحكام والمواعظ ،وَلعاجل َ
من خالف أمره بالعقوبة.
َ
ت وا ِخط ُه َ ن ي َت ّب ِهعْ ُ
مه ْن وَ َ طا ِش هي ْ َ ت ال ّ وا ِ خط ُ َ مُنوا ل ت َت ّب ُِعوا ُ
ْ
نآ َ َ َيا أي َّها ال ّ ِ
ذي
م ل الّلههِ عَل َي ْ ُ
كه ْ ضه ُ ول فَ ْ كهرِ وَل َه ْ شهاِء َوال ْ ُ
من ْ َ ح َ مُر ِبال َْف ْه َيهأ ُ ن فَهإ ِن ّ ُ طا ِ شهي ْ َ ال ّ
َ َ
شههاُء َوالّلهه ُ
ه ن يَ َ م ْكي َ ه ي َُز ّن الل ّ َ حدٍ أَبدا ً وَل َك ِ ّ نأ َ م ْ م ِمن ْك ُ ْ
كا ِ ما َز َ ه َ مت ُ ُ
ح َ وََر ْ
م )(21 ميعٌ عَِلي ٌ س َِ
دقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه ل تسلكوا طرق يا أيها الذين ص ّ
من يسلك طرق الشيطان فإنه يأمره بقبيح الفعال الشيطان ،و َ
ل الله على المؤمنين ورحمته بهم ما ط َهَُر ومنكراتها ،ولول فَ ْ
ض ُ
من دنس ذنبه ،ولكن الله -بفضله -يطهر من يشاء. دا ِ
منهم أحد أب ً
والله سميع لقوالكم ،عليم بنياتكم وأفعالكم.
690
ت ل ُعِن ُههوا فِههي الهد ّن َْيا ت ال ْ ُ
مؤ ْ ِ
من َهها ِ ت ال ْغَههاِفل ِ
صَنا ِح َ ن ال ْ ُ
م ْ مو َ
ن ي َْر ُ ن ال ّ ِ
ذي َ إِ ّ
م )(23 ظي ٌ
ب عَ ِ ذا ٌ م عَ َخَرةِ وَل َهُ ْ َوال ِ
إن الذين يقذفون بالزنى العفيفات الغافلت المؤمنات اللتي لم
يخطر ذلك بقلوبهن ،مطرودون من رحمة الله في الدنيا والخرة,
ولهم عذاب عظيم في نار جهنم .وفي هذه الية دليل على كفر من
ب ،أو اتهم زوجة من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم بسوء.س ّ
ن َوالط ّي ُّبو َ
ن ت ِللط ّي ِّبي َ
ت َوالط ّي َّبا ُ ن ل ِل ْ َ
خِبيَثا ِ ن َوال ْ َ
خِبيُثو َ ت ل ِل ْ َ
خِبيِثي َ خِبيَثا ُ ال ْ َ
م )(26 مغِْفَرةٌ وَرِْزقٌ ك َ ِ
ري ٌ م َ ن ل َهُ ْ
ما ي َُقوُلو َ م ّن ِ مب َّرُءو َ
ك ُ ت أ ُوْل َئ ِ َِللط ّي َّبا ِ
كل خبيث من الرجال والنساء والقوال والفعال مناسب للخبيث
وموافق له ,وكل طّيب من الرجال والنساء والقوال والفعال
مناسب للطيب وموافق له ,والطيبون والطيبات مبرؤون مما
يرميهم به الخبيثون من السوء ،لهم من الله مغفرة تستغرق
الذنوب ،ورزق كريم في الجنة.
ْ َ
سههوا
ست َأن ِ ُ
حت ّههى ت َ ْ خُلوا ب ُُيوتها ً غَي ْهَر ب ُي ُههوت ِك ُ ْ
م َ من ُههوا ل ت َهد ْ ُ نآ َ ي َهها أي ّهَهها ال ّه ِ
ذي َ
َ
ن )(27 م ت َذ َك ُّرو َ م ل َعَل ّك ُ ْ
خي ٌْر ل َك ُ ْ
م َ موا عََلى أهْل َِها ذ َل ِك ُ ْ سل ّ ُ وَت ُ َ
691
دقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه ،ل تدخلوا بيوًتا يا أيها الذين ص ّ
غير بيوتكم حتى تستأذنوا أهلها في الدخول وتسلموا عليهم وصيغة
ذلك من السنة :السلم عليكم أأدخل؟ ذلكم الستئذان خير لكم ؛
لعلكم تتذكرون -بفعلكم له -أوامر الله ،فتطيعوه.
َ
ل ل َك ُه ْ
م ن ِقي ه َ
م وَإ ِ ْن ل َك ُ ْ
حّتى ي ُؤْذ َ َ ها َ خُلو َ حدا ً َفل ت َد ْ ُأ َ دوا ِفيَها
ج ُ ن لَ ْ
م تَ ِ فَإ ِ ْ
م )(28 ن عَِلي ٌ مُلو َ ما ت َعْ َه بِ َم َوالل ّ ُ كى ل َك ُ ْأ َْز َ جُعوا هُوَجُعوا َفاْر ِ اْر ِ
مندا فل تدخلوها حتى يوجد َ فإن لم تجدوا في بيوت الخرين أح ً
حوا,يأذن لكم ،فإن لم يأذن ،بل قال لكم :ارجعوا فارجعوا ،ول ُتل ّ
فإن الرجوع عندئذ أطهر لكم؛ لن للنسان أحوال يكره اطلع أحد
عليها .والله بما تعملون عليم ،فيجازي كل عامل بعمله.
ك أ َْز َ
كهى م ذ َِله َ
جُهه ْ حَف ُ
ظهوا فُُرو َ م وَي َ ْ
صهارِهِ ْ
ل ل ِل ْمؤْمِنين يغُضوا م َ
ن أب ْ َِ ْ ُ ِ َ َ ّ قُ ْ
ن )(30 صن َُعو َ
ما ي َ ْ
خِبيٌر ب ِ َ ن الل ّ َ
ه َ م إِ ّل َهُ ْ
ل لهم منما ل يح ّ
من أبصارهم ع ّضوا ِ
قل -أيها النبي -للمؤمنين ي َغُ ّ
حّرم الله من الزنى
ما َ
النساء والعورات ،ويحفظوا فروجهم ع ّ
واللواط ،وكشف العورات ،ونحو ذلك ،ذلك أطهر لهم .إن الله خبير
بما يصنعون فيما يأمرهم به وينهاهم عنه.
َ
ن دي َ ن َول ي ُب ْ ِجه ُ ّن فُُرو َ حَفظ ْ َ ن وَي َ ْ صارِهِ ّ ن أب ْ َ م ْ ن ِ ض َض ْ ت ي َغْ ُ مَنا ِ مؤ ْ ِل ل ِل ْ ُوَقُ ْ
ندي َ ن َول ي ُب ْه ِ جي ُههوب ِهِ ّ ن عَل َههى ُ مرِهِ ّ خ ُ ن بِ ُ ضرِب ْ َمن َْها وَل ْي َ ْما ظ َهََر ِ ن إ ِل ّ َ ِزين َت َهُ ّ
َ َ َ َ َ َ
ن أوْ أب ْن َههاِء ن أوْ أب ْن َههائ ِهِ ّ ن أوْ آب َههاِء ب ُعُههول َت ِهِ ّ ن أوْ آب َههائ ِهِ ّ ن إ ِل ّ ل ِب ُعُههول َت ِهِ ّ ِزين َت َهُه ّ
692
ن أ َْو
سههائ ِهِ ّ
خ هوات ِه َ
ن أو ْ ن ِ َ
َ
ن أوْ ب َن ِههي أ َ َ ِ ّ
خوان ِه َ
ن أوْ ب َِني إ ِ ْ َ ِ ّ
خوان ِه َ
ن أو ْ إ ِ ْ َ ِ ّ
بعول َت ِه َ
ِ ّ ُُ
َ ُ َ َ
ل ل أوْ الط ّْف ه ِ جا ِ ن الّر َ
َ ْ ن غَي ْرِ أوِْلي ال ِْرب َةِ ِ
م َ ن أوْ الّتاب ِِعي ّ ُ مان ُه
ت أي ْ َ مل َك َ ْ ما َ َ
مهها م َ َ
ن ل ِي ُعْل َجل ِهِ ّ ن ب ِأْر ُ ضرِب ْ َ ساِء َول ي َ ْت الن ّ َ َ
م ي َظهَُروا عَلى عَوَْرا ِ ْ نل َْ ذي َ ّ
ال ِ
َ
ن ل َعَل ّك ُه ْ
م من ُههو َ مؤ ْ ِ ميع ها ً أي ّهَهها ال ْ ُج ِن وَُتوب ُههوا إ ِل َههى الل ّههِ َ ن ِزين َت ِهِه ّ م ْ ن ِ خِفي َ يُ ْ
ن )(31 حو َ ت ُْفل ِ ُ
ل لهن من ما ل يح ّ
وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ع ّ
حّرم الله ،ول ُيظهرن زينتهن ما َالعورات ،ويحفظن فروجهن ع ّ
للرجال ،بل يجتهدن في إخفائها إل الثياب الظاهرة التي جرت
العادة بل ُْبسها ،إذا لم يكن في ذلك ما يدعو إلى الفتنة بها ،وليلقين
بأغطية رؤوسهن على فتحات صدورهن مغطيات وجوههن؛ ليكمل
ن الزينة الخفية إل لزواجهن ؛ إذ يرون منهن ما سترهن ،ول ي ُظ ْهِْر َ
ل يرى غيرهم .وبعضها ،كالوجه ،والعنق ،واليدين ،والساعدين يباح
رؤيته لبائهن أو آباء أزواجهن أو أبنائهن أو أبناء أزواجهن أو
إخوانهن أو أبناء إخوانهن أو أبناء أخواتهن أو نسائهن المسلمات
ن العبيد ،أو التابعين من الرجال الذين م َدون الكافرات ,أو ما ملكن ِ
ل غرض ول حاجة لهم في النساء ،مثل الب ُْله الذين يتبعون غيرهم
للطعام والشراب فحسب ،أو الطفال الصغار الذين ليس لهم علم
بأمور عورات النساء ،ولم توجد فيهم الشهوة بعد ،ول يضرب
مْعن صوت ما خفي من زينتهن س ِ
سْيرهن بأرجلهن لي ُ ْ النساء عند َ
كالخلخال ونحوه ،وارجعوا -أيها المؤمنون -إلى طاعة الله فيما
أمركم به من هذه الصفات الجميلة والخلق الحميدة ،واتركوا ما
كان عليه أهل الجاهلية من الخلق والصفات الرذيلة؛ رجاء أن
تفوزوا بخيري الدنيا والخرة.
ن يَ ُ َ َ
كون ُههوا مههائ ِك ُ ْ
م إِ ْ عب َههادِك ُ ْ
م وَإ ِ َ ن ِ
م ْن ِ حي َ صال ِ ِ
م َوال ّمن ْك ُ ْمى ِ حوا الَيا َ وَأنك ِ ُ
م )(32 سعٌ عَِلي ٌه َوا ِ ضل ِهِ َوالل ّ ُ
ن فَ ْ م ْ ه ِم الل ّ ُفَُقَراَء ي ُغْن ِهِ ْ
من ل زوج له من الحرار والحرائروزّوجوا -أيها المؤمنونَ -
من عبيدكم وجواريكم ،إن يكن الراغب في الزواج والصالحين ِ
للعفة فقيًرا يغنه الله من واسع رزقه .والله واسع كثير الخير عظيم
الفضل ،عليم بأحوال عباده.
ن فَ ْ
ض هل ِهِ مه ْ م الل ّه ُ
ه ِ كاح ها ً َ
حت ّههى ي ُغْن ِي َهُ ه ْ ن نِ َ
دو َ
جه ُ
ن ل يَ ِ ف ال ّه ِ
ذي َ وَل ْي َ ْ
ست َعِْف ْ
693
َ
مم ِفيهِ ْ مت ُ ْ
ن عَل ِ ْ م إِ ْ م فَ َ
كات ُِبوهُ ْ مان ُك ُ ْ
ت أي ْ َ مل َك َ ْما َ م ّب ِ ن ال ْك َِتا َن ي َب ْت َُغو َ ذي َ َوال ّ ِ
م عََلى ال ْب َِغاءِ هوا فَت ََيات ِك ُ ْم َول ت ُك ْرِ ُ ذي آَتاك ُ ْ ل الل ّهِ ال ّ ِما ِن َ م ْم ِ خْيرا ً َوآُتوهُ ْ َ
َ
ن م ْ
ه ِ ن الل ّ َ ن فَإ ِ ّ ن ي ُك ْرِهّ ّم ْ حَياةِ الد ّن َْيا وَ َ ض ال ْ َ صنا ً ل ِت َب ْت َُغوا عََر َح ّ ن تَ َ ن أَرد ْ َ إِ ْ
م )(33 حي ٌن غَُفوٌر َر ِ ب َعْدِ إ ِك َْراهِهِ ّ
ما
والذين ل يستطيعون الزواج لفقرهم أو غيره فليطلبوا العفة ع ّ
م الله حتى يغنيهم الله من فضله ,وييسر لهم الزواج .والذين حّر َ
َ
يريدون أن يتحرروا من العبيد والماء بمكاتبة أسيادهم على بعض
المال يؤدونه إليهم ،فعلى مالكيهم أن يكاتبوهم على ذلك إن علموا
من رشد وقدرة على الكسب وصلح في الدين، فيهم خيًراِ :
وعليهم أن يعطوهم شيًئا من المال أو أن يحطوا عنهم مما ُ
كوتبوا
عليه .ول يجوز لكم إكراه جواريكم على الزنى طلًبا للمال ،وكيف
دن العفة وأنتم تأبونها؟ وفي هذا غاية
يقع منكم ذلك وهن ي ُرِ ْ
ن على الزنى فإن الله تعالىالتشنيع لفعلهم القبيح .ومن يكرهه ّ
كرههن. من أ ْ
من بعد إكراههن غفور لهن رحيم بهن ،والثم على َ
َ
ن قَب ْل ِك ُه ْ
م مه ْ خل َه ْ
وا ِ ن َ ن ال ّه ِ
ذي َ مث َل ً ِ
مه ْ ت وَ َ
مب َي ّن َهها ٍ
ت ُ
آي َهها ٍ وَل ََقد ْ أنَزل َْنا إ ِل َي ْك ُ ْ
م
)(34 نمت ِّقي َ ة ل ِل ْ ُ
عظ َ ًمو ْ ِ
وَ َ
ولقد أنزلنا إليكم -أيها الناس -آيات القرآن دللت واضحات على
الحق ,ومثل من أخبار المم السابقة المؤمنين منهم والكافرين،
وما جرى لهم وعليهم ما يكون مثل وعبرة لكم ,وموعظة يتعظ بها
حذ َُر عذابه.
من يتقي الله وي َ ْ
ت وال َ
ح صههَبا ٌ م ْ كاةٍ ِفيَههها ِ شهه َ
م ْ ل ُنههورِهِ ك َ ِ مَثهه ُ
ض َ ِ ر
ْ َ وا ِ َ م
سهه َه ُنههوُر ال ّ الّلهه ُ
َ
ة
جَر ٍ شه َ ن َ مه ْ ب د ُّريّ ُيوقَهد ُ ِ ة ك َأن ّهَهها ك َهوْك َ ٌ جه ُ جا َ جةٍ الّز َ جا َح ِفي ُز َ صَبا ُم ْ ال ْ ِ
هسهه ُس ْ م َ م تَ ْضيُء وَل َوْ ل َ ْ كاد ُ َزي ْت َُها ي ُ ِشْرقِي ّةٍ َول غَْرب ِي ّةٍ ي َ َ مَباَرك َةٍ َزي ُْتون ِةٍ ل َ ُ
َ
ل مث َهها َه ال ْ ب الل ّه ُ ض هرِ ُ
شههاُء وَي َ ْ ن يَ َ مه ْ ه ل ُِنورِهِ َ دي الل ّ ُ َناٌر ُنوٌر عََلى ُنورٍ ي َهْ ِ
م )(35 يٍء عَِلي ٌ ش ْ ل َ س َوالل ّ ُ
ه ب ِك ُ ّ ِللّنا ِ
الله نور السموات والرض يدبر المر فيهما ويهدي أهلهما ،فهو-
سبحانه -نور ،وحجابه نور ،به استنارت السموات والرض وما
فيهما ،وكتاب الله وهدايته نور منه سبحانه ،فلول نوره تعالى
لتراكمت الظلمات بعضها فوق بعض .مثل نوره الذي يهدي إليه,
694
وة فيوهو اليمان والقرآن في قلب المؤمن كمشكاة ,وهي الك ُ ّ
وة نور المصباح فل الحائط غير النافذة ،فيها مصباح ،حيث تجمع الك ّ
يتفرق ،وذلك المصباح في زجاجة ،كأنها -لصفائها -كوكب مضيء
در ،يوَقد المصباح من زيت شجرة مباركة ،وهي شجرة الزيتون، كال ّ
ل شرقية فقط ،فل تصيبها الشمس آخر النهار ،ول غربية فقط فل
تصيبها الشمس أول النهار ،بل هي متوسطة في مكان من الرض
ل إلى الشرق ول إلى الغرب ،يكاد زيتها -لصفائه -يضيء من نفسه
سْته النار أضاء إضاءة بليغة ،نور على
م ّ
قبل أن تمسه النار ،فإذا َ
نور ،فهو نور من إشراق الزيت على نور من إشعال النار ،فذلك
مثل الهدى يضيء في قلب المؤمن .والله يهدي ويوفق لتباع
من يشاء ،ويضرب المثال للناس؛ ليعقلوا عنه أمثاله القرآن َ
وحكمه .والله بكل شيء عليم ,ل يخفى عليه شيء.
ل ِيجزيهم الل ّ َ
ن
مه ْ ضل ِهِ َوالل ّ ُ
ه ي َهْرُزقُ َ ن فَ ْ
م ْ
م ِ مُلوا وَي َ ِ
زيد َهُ ْ ما عَ ِ
ن َ
س َ
ح َهأ ُْ َ ْ َُِ ْ
ب )(38 سا ٍح َ يَ َ
شاُء ب ِغَي ْرِ ِ
695
ليعطيهم الله ثواب أحسن أعمالهم ،ويزيدهم من فضله بمضاعفة
ن الجر
م َ
من يشاء بغير حساب ،بل يعطيه ِ حسناتهم .والله يرزق َ
ما ل يبلغه عمله ،وبل عد ّ ول كيل.
َ
حّتههى إ ِ َ
ذا ماءً َ ن َمآ ُ ه الظ ّ ْ
سب ُ ُ
ح َب ب ِِقيعَةٍ ي َ ْ سَرا ٍم كَ َ مال ُهُ ْ
ن ك ََفُروا أعْ َ ذي َ َوال ّ ِ
ع
ري ُ سه ِ
ه َ ه َوالّله ُسههاب َ ُح َعن ْهد َهُ فَوَفّههاهُ ِ
ه ِ جهد َ الّله َ
شهْيئا ً وَوَ َ
جد ْهُ َ
م يَ ِجاَءهُ ل َ ْ َ
ب )(39 سا ِ ح َ ال ْ ِ
ذبوا رسله ،أعمالهم التي ظنوها نافعة لهم والذين كفروا بربهم وك ّ
في الخرة ،كصلة الرحام وفك السرى وغيرها ،كسراب ،وهو ما
هد كالماء على الرض المستوية في الظهيرة ،يظنه العطشان يشا َ
ماء ،فإذا أتاه لم يجده ماء .فالكافر يظن أن أعماله تنفعه ,فإذا
كان يوم القيامة لم يجد لها ثواًبا ،ووجد الله سبحانه وتعالى له
بالمرصاد فوّفاه جزاء عمله كامل .والله سريع الحساب ،فل
من إتيانه.
يستبطئ الجاهلون ذلك الوعد ،فإنه ل بد ّ ِ
َ
ن فَ هوْقِهِ
مه ْ ج ِ م هو ْ ٌن فَ هوْقِهِ َ مه ْج ِ مو ْ ٌشاهُ َ ي ي َغْ َج ّحرٍ ل ُ ّت ِفي ب َ ْ ما ٍ أوْ ك َظ ُل ُ َ
نمه ْ ج ي َد َهُ ل َ ْ
م ي َك َهد ْ ي ََراهَهها وَ َ خَر َذا أ َ ْ ضَها فَوْقَ ب َعْ ٍ
ض إِ َ ت ب َعْ ُ ما ٌ ب ظ ُل ُ َ حا ٌس ََ
ن ُنورٍ )(40 م ْه ِ َ
ما ل ُ ً
ه ُنورا فَ َ َ
هل ُ ّ
ل الل ُ جع َ ْ لَ ْ
م يَ ْ
أو تكون أعمالهم مثل ظلمات في بحر عميق يعلوه موج ,من فوق
من فوقه سحاب كثيف ،ظلمات شديدة بعضها الموج موج آخر ،و ِ
فوق بعض ،إذا أخرج الناظر يده لم يقارب رؤيتها من شدة
الظلمات ،فالكفار تراكمت عليهم ظلمات الشرك والضلل وفساد
العمال .ومن لم يجعل الله له نوًرا من كتابه وسنة نبيه يهتدي به
من هاد.
فما له ِ
ض َوالط ّي ْهُر ر ت وال َ وا م ه س ال هي ه ف ن ه م ه ه ح لَ به س ي ه هن الل ّ أ َل َهم تهرى أ َ
ِ ْ َ ِ َ َ ّ ِ ْ َ ُ ُ ّ َ ُ َ ّ ْ َ َ
ن )(41 ما ي َْفعَُلو َم بِ َ ه َوالل ّ ُ
ه عَِلي ٌ ح ُ سِبي َه وَت َ ْصلت َ ُ م َ ل قَد ْ عَل ِ َ ت كُ ّصاّفا ٍ
َ
من في السموات والرض سّبح له َ
ألم تعلم -أيها النبي -أن الله ي ُ َ
من المخلوقات ،والطير صافات أجنحتها في السماء تسبح ربها؟
كل مخلوق قد أرشده الله كيف يصلي له ويسبحه .وهو سبحانه
696
مط ِّلع على ما يفعله كل عابد ومسّبح ،ل يخفى عليه منها
عليمُ ،
شيء ،وسيجازيهم بذلك.
ت وال َ
صيُر )(42 ض وَإ َِلى الل ّهِ ال ْ َ
م ِ ِ ر
ْ وا ِ َ
م َ
س َ مل ْ ُ
ك ال ّ وَل ِل ّهِ ُ
ولله وحده ملك السموات والرض ،له السلطان فيهما ،وإليه
المرجع يوم القيامة.
َ ُ
ك ل َعِب َْرةً لوِْلي الب ْ َ
صارِ )(44 ن ِفي ذ َل ِ َ ه الل ّي ْ َ
ل َوالن َّهاَر إ ِ ّ ب الل ّ ُ
ي َُقل ّ ُ
ومن دلئل قدرة الله سبحانه وتعالى أنه يقلب الليل والنهار بمجيء
صًرا ,إن في ذلك َلدللة يعتبر
أحدهما بعد الخر ,واختلفهما طول وقِ َ
من له بصيرة.بها كل َ
َ
ست َِقيم ٍ )
م ْ
ط ُ شاُء إ َِلى ِ
صَرا ٍ ن يَ َ
م ْ
دي َ ت َوالل ّ ُ
ه ي َهْ ِ مب َي َّنا ٍ ل ََقد ْ أنَزل َْنا آَيا ٍ
ت ُ
(46
لقد أنزلنا في القرآن علمات واضحات مرشدات إلى الحق .والله
من عباده إلى الطريق المستقيم ،وهو
من يشاء ِ
يهدي ويوفق َ
السلم.
َ
ن ب َعْدِ
م ْ
م ِ
من ْهُ ْ م ي َت َوَّلى فَ ِ
ريقٌ ِ ل وَأط َعَْنا ث ُ ّ مّنا ِبالل ّهِ وَِبالّر ُ
سو ِ نآ َ وَي َُقوُلو َ
ن )(47 مؤ ْ ِ
مِني َ ما أ ُوْل َئ ِ َ
ك ِبال ْ ُ ذ َل ِ َ
ك وَ َ
دقنا بالله وبما جاء به الرسول ،وأطعنا
ص ّ
ويقول المنافقونَ :
ض طوائف منهم من بعد ذلك فل تقبل حكم أمرهما ،ثم ت ُعْرِ ُ
الرسول ،وما أولئك بالمؤمنين.
ن
ضههو َ
معْرِ ُ
م ُ
من ْهُ ه ْ ذا فَ ِ
ريقٌ ِ م إِ َ حك ُ َ
م ب َي ْن َهُ ْ عوا إ َِلى الل ّهِ وََر ُ
سول ِهِ ل ِي َ ْ وَإ ِ َ
ذا د ُ ُ
)(48
دعوا في خصوماتهم إلى ما في كتاب الله وإلى رسوله؛ وإذا ُ
كم بينهم ،إذا فريق منهم معرض ل يقبل حكم الله وحكم لَيح ُ
رسوله ,مع أنه الحق الذي ل شك فيه.
ْ
ن )(49 حقّ ي َأُتوا إ ِل َي ْهِ ُ
مذ ْ ِ
عِني َ م ال ْ َ
ن ل َهُ ْ
ن ي َك ُ ْ
وَإ ِ ْ
وإن يكن الحق في جانبهم فإنهم يأتون إلى النبي عليه الصلة
والسلم طائعين منقادين لحكمه ؛ لعلمهم أنه يقضي بالحق.
698
ب العراض ما في قلوبهم من مرض النفاق ,أم ش ّ
كوا في نبوة سب َ ُ
أ َ
محمد صلى الله عليه وسلم ،أم السبب خوفهم أن يكون حكم الله
ورسوله جائًرا؟ كل إنهم ل يخافون جوًرا ،بل السبب أنهم هم
الظالمون الفجرة.
م ال َْفههائ ُِزو َ
ن) ه وَي َت ِّقيهِ فَهأ ُوْل َئ ِ َ
ك هُ ه ْ ش الل ّ َ
خ َ سول َ ُ
ه وَي َ ْ ن ي ُط ِعْ الل ّ َ
ه وََر ُ م ْوَ َ
(52
ف عواقب العصيان،خ ْومن يطع الله ورسوله في المر والنهي ،وي َ َ
ذر عذاب الله ،فهؤلء هم الفائزون بالنعيم في الجنة.ح َ
وي ْ
َ قُ ْ َ
لمه َ
ح ّ مهها ُ مهها عَل َي ْههِ َ
ن ت َوَل ّههوا فَإ ِن ّ َ
ل فَإ ِ ْ سو َ طيُعوا الّر ُه وَأ ِ طيُعوا الل ّ َ
لأ ِ
ل إ ِل ّ ال َْبلغُسههو ِ مهها عَل َههى الّر ُ دوا وَ َ طيُعوهُ ت َهْت َه ُ
ن تُ ِ مل ْت ُ ْ
م وَإ ِ ْ ح ّ
ما ُ
م َ وَعَل َي ْك ُ ْ
ن )(54 مِبي ُ ال ْ ُ
قل -أيها الرسول -للناس :أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ،فإن
ل ما ُأمر به من تبليغ الرسالة،
تعرضوا فإنما على الرسول فِعْ ُ
699
ل ما ك ُّلفوه من المتثال ،وإن تطيعوه ترشدوا إلى وعلى الجميع فِعْ ُ
الحق ،وليس على الرسول إل أن يبلغ رسالة ربه بل ً
غا بيًنا.
َ َ
ن )(56
مو َ
ح ُ ل ل َعَل ّك ُ ْ
م ت ُْر َ سو َ
طيُعوا الّر ُ صلةَ َوآُتوا الّز َ
كاةَ وَأ ِ موا ال ّ
وَأِقي ُ
وأقيموا الصلة تامة ،وآتوا الزكاة لمستحقيها ,وأطيعوا الرسول
صلى الله عليه وسلم؛ رجاء أن يرحمكم الله.
701
ض ري ه ِ م ِج َول عَل َههى ال ْ َ ح هَر ٌ
ج َ ِ ج َول عَل َههى ال َعْهَر حَر ٌ
مى َ َ
س عََلى العْ َ َ ل َي ْ
ت حرج ول عََلى َأنُفسك ُم أ َن تأ ْك ُُلوا من بيوت ِك ُم أ َو بيوت آبائ ِك ُ َ
م أوْ ب ُُيو ِ ْ ْ ْ ُُ ِ َ ِ ْ ُُ ِ ْ ْ َ َ َ ٌ َ
خ هوات ِك ُم أ َو بيههوت أ َعْمههامك ُم أوَ خوان ِك ُم أ َو بيههوت أ ََ َ ُ
َ ِ ْ ْ ِ ْ ْ ُُ َ ِ ْ ْ ُُ ت إِ ْ َ م أوْ ب ُُيو ِ مَهات ِك ُ ْ أ ّ
خههالت ِك ُ َ خ هوال ِك ُ َ ت أَ ْ بيههوت عَمههات ِك ُ َ
م مل َك ْت ُه ْ مهها َ م أو ْ َ ْ ت َ م أوْ ب ُي ُههو ِ ْ َ م أوْ ب ُي ُههو ِ ْ ّ ِ ُُ
شَتاتا ً فَإ ِ َ َ َ
ميعا ً أوْ أ ْ ْ َ َ
ذا ج ِ ن ت َأك ُُلوا َ حأ ْ جَنا ٌ م ُ س عَل َي ْك ُ ْ م ل َي ْ َ ديِقك ُ ْ ص ِ
ه أو ْ َ ح ُمَفات ِ َ َ
َ َ ّ ُ َ َ ّ ً ْ
ة
ة طي ّب َه ً مَباَرك ه ً عن ْدِ الل ههِ ُ ن ِ م ْ ة ِ حي ّ ًم تَ ِ سك ْ موا عَلى أنُف ِ سل ُ م ب ُُيوتا فَ َ خلت ُ ْ دَ َ
ن )(61 م ت َعِْقُلو َ ت ل َعَل ّك ُ ْ م الَيا ِ ه ل َك ُ ْ ن الل ّ ُ ك ي ُب َي ّ ُ ك َذ َل ِ َ
ميان وذوي العرج والمرضى إثم ليس على أصحاب العذار من العُ ْ
في ترك المور الواجبة التي ل يقدرون على القيام بها ,كالجهاد
ونحوه ،مما يتوقف على بصر العمى أو سلمة العرج أو صحة
المريض ،وليس على أنفسكم -أيها المؤمنون -حرج في أن تأكلوا
من بيوت أولدكم ،أو من بيوت آبائكم ،أو أمهاتكم ،أو إخوانكم ،أو
أخواتكم ،أو أعمامكم ،أو عماتكم ,أو أخوالكم ,أو خالتكم ,أو من
البيوت التي وُك ّْلتم بحفظها في غيبة أصحابها بإذنهم ،أو من بيوت
الصدقاء ,ول حرج عليكم أن تأكلوا مجتمعين أو متفرقين ،فإذا
دخلتم بيوًتا مسكونة أو غير مسكونة فليسّلم بعضكم على بعض
بتحية السلم ،وهي :السلم عليكم ورحمة الله وبركاته ,أو السلم
علينا وعلى عباد الله الصالحين ،إذا لم يوجد أحد ،وهذه التحية
مي المودة والمحبة ,طيبة محبوبة شرعها الله ،وهي مباركة ت ُن ْ ِ
للسامع ،وبمثل هذا التبيين يبّين الله لكم معالم دينه وآياته؛
لتعقلوها ،وتعملوا بها.
َ
ر
مه ٍ ه عَل َههى أ ْ مع َ ه ُ كاُنوا َ ذا َ سول ِهِ وَإ ِ َ مُنوا ِبالل ّهِ وََر ُ نآ َ َ ن ال ّ ِ
ذي مُنو َ ما ال ْ ُ
مؤ ْ ِ إ ِن ّ َ
ُ ْ ْ
نذي َ ك ال ّه ِ
ك أوْل َئ ِ َ سهت َأذُِنون َ َ ن يَ ْ َ ن ال ّه ِ
ذي سهت َأذُِنوهُ إ ِ ّ حت ّههى ي َ ْ م ي َذ ْهَُبوا َ مٍع ل َ ْ جا ِ َ
ْ ْ ْ
ت شئ ْ َ ن ِم ْن لِ َ م فَأذ َ ْ شأن ِهِ ْ ض َ ك ل ِب َعْ ِ ست َأذ َُنو َ ذا ا ْ سول ِهِ فَإ ِ َ ن ِبالل ّهِ وََر ُ مُنو َ ي ُؤْ ِ
م )(62 حي ٌه غَُفوٌر َر ِ ن الل ّ َه إِ ّ م الل ّ َ
ست َغِْفْر ل َهُ ْ
م َوا ْ من ْهُ ْ ِ
دقوا الله ورسوله ،وعملوا بشههرعه، إنما المؤمنون حًقا هم الذين ص ّ
وإذا كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم على أمر جمعهههم لهه فههي
مصلحة المسلمين ،لم ينصرف أحد منهم حههتى يسههتأذنه ،إن الههذين
يستأذنونك -أيها النبي -هم الذين يؤمنون بالله ورسوله حًقهها ،فههإذا
استأذنوك لبعض حاجتهم َفهأ َْذن لمهن شههئت ممهن طلهب الذن فهي
النصههراف لعههذر ،واطلههب لهههم المغفههرة مههن اللههه .إن اللههه غفههور
702
لذنوب عباده التائبين ،رحيم بهم.
م الل ّه ُ
ه م ب َْعض ها ً قَ هد ْ ي َعْل َه ُض هك ُ ْ
عاِء ب َعْ ِم ك َد ُ َ ل ب َي ْن َك ُ ْسو ِ عاَء الّر ُ جعَُلوا د ُ َ ل تَ ْ
َ َ
نم هرِهِ أ ْ
نأ ْ ن ع َه ْ خههال ُِفو َن يُ َذي َح هذ َْر ال ّه ِواذا ً فَل ْي َ ْ من ْك ُ ْ
م ل ِه َ ن ِ سل ُّلو َ ن ي َت َ َ ال ّ ِ
ذي َ
م )(63 َ م عَ َ تصيبهم فتن ٌ َ
ب أِلي ٌ ذا ٌ صيب َهُ ْ
ة أو ْ ي ُ ِ ُ ِ َُ ْ ِ َْ
ل تقولوا -أيها المؤمنون -عند ندائكم رسول اللههه :يهها محمههد ،ول يهها
محمد بن عبد الله ،كما يقول ذلك بعضههكم لبعههض ,ولكههن ش هّرفوه،
وقولوا :يا نبي الله ,يا رسول الله .قههد يعلههم اللههه المنههافقين الههذين
يخرجون من مجلس النبي صلى الله عليه وسلم خفيههة بغيههر إذنههه،
ذر الذين يخالفون أمر رسول الله أن تنزل ح َ
يلوذ بعضهم ببعض ،فلي َ ْ
بهم محنة وشر ،أو يصيبهم عذاب مؤلم موجع في الخرة.
-25سورة الفرقان
ذيرا ً )(1
ن نَ ِ ن ل ِل َْعال َ ِ
مي َ ن عََلى عَب ْدِهِ ل ِي َ ُ
كو َ ل ال ُْفْرَقا َ ك ال ّ ِ
ذي ن َّز َ ت ََباَر َ
َ
ري ٌ
ك شهه ِ ن لَ ُ
ه َ خذ ْ وََلدا ً وَل َ ْ
م ي َك ُ ْ ض وَل َ ْ
م ي َت ّ ِ ت َوالْر ِ
وا ِ
م َ
س َ مل ْ ُ
ك ال ّ ذي ل َ ُ
ه ُ ال ّ ِ
703
ديرا ً )(2
يءٍ فََقد َّرهُ ت َْق ِ خل َقَ ك ُ ّ
ل َ
ش ْ مل ْ ِ
ك وَ َ ِفي ال ْ ُ
دا ,ولم يكن له شريك الذي له ملك السموات والرض ,ولم يتخذ ول ً
واه علههى مهها يناسههبه مههنفي ملكه ,وهو الذي خلق كل شيء ,فس ه ّ
الخلق وَْفق ما تقتضيه حكمته دون نقص أو خلل.
مل ِك ُههو َ
ن خل َُقههو َ
ن َول ي َ ْ ش هْيئا ً وَهُ ه ْ
م يُ ْ ن َخل ُُقههو َ
ة ل يَ ْ دون ِهِ آل ِهَ ً
ن ُم ْ
ذوا ِ خ َُوات ّ َ
شورا ً )(3 وتا ً َول َ َ
حَياةً َول ن ُ ُ م ْن َكو َ ضّرا ً َول ن َْفعا ً َول ي َ ْ
مل ِ ُ م َسه ِ ْلنُف ِ
خْلق
واتخذ مشركو العرب معبودات من دون الله ل تستطيع َ
شيء ،والله خلقها وخلقهم ,ول تملك لنفسها د َفْعَ ضر أو جلب نفع,
ول تستطيع إماتة حي أو إحياء ميت ,أو بعث أحد من الموات حًيا
من قبره.
ن
خههُرو َ ه عَل َي ْهِ َقههوْ ٌ
مآ َ ك افْت ََراهُ وَأ َ َ
عان َ ُ ذا إ ِل ّ إ ِفْ ٌ ن ك ََفُروا إ ِ ْ
ن هَ َ ل ال ّ ِ
ذي َ وََقا َ
جاُءوا ظ ُْلما ً وَُزورا ً )(4 فََقد ْ َ
وقال الكافرون بالله :ما هذا القرآن إل كذب وبهتان اختلقه محمد,
ما فظيًعا ,وأتوا زوًرا
وأعانه على ذلك أناس آخرون ,فقد ارتكبوا ظل ً
شنيًعا؛ فالقرآن ليس مما يمكن لبشر أن يختلقه.
704
ولق ل َه ْوا ِسه َ
َ
شههي فِههي ال ْ م ِم وَي َ ْ ل الط َّعا َ ل ي َأ ْك ُ ُ سو ِذا الّر ُ ل هَ َ ما ِ وََقاُلوا َ
َ ذيرا ً ) (7أ َوْ ي ُل َْقى إ ِل َي ْهِ َ ُأنزِ َ
ن ل َه ُ
ه كن هٌز أوْ ت َك ُههو ُ ه نَ ِ مع َ ُن َكو َك فَي َ ُمل َ ٌ ل إ ِل َي ْهِ َ
حورا ً )(8 س ُ
م ْجل ً َ
ن إ ِل ّ َر ُ ن ت َت ّب ُِعو َ
ن إِ ْ
مو َ ظال ِ ُ ل ال ّمن َْها وََقا َ ل ِ ة ي َأ ْك ُ ُجن ّ ٌ
َ
دا
وقال المشركون :ما لهذا الذي يزعم أنه رسول الله )يعنون محم ً
صلى الله عليه وسلم( يأكل الطعام مثلنا ،ويمشي في السواق
كا يشهد على صدقه ،أو مل َ ً
لطلب الرزق؟ فهل أرسل الله معه َ
يهبط عليه من السماء كنز من مال ,أو تكون له حديقة عظيمة
يأكل من ثمرها ,وقال هؤلء الظالمون المكذبون :ما تتبعون أيها
المؤمنون إل رجل به سحر غلب على عقله.
ضرُبوا ل َ َ َ
سِبيل ً )(9
ن َ
طيُعو َ ضّلوا َفل ي َ ْ
ست َ ِ ل فَ َ
مَثا َ
ك ال ْ انظ ُْر ك َي ْ َ
ف َ َ
انظر -أيها الرسول -كيف قال المكذبون في حقك تلك القوال
العجيبة التي تشبه -لغرابتها -المثال؛ ليتوصلوا إلى تكذيبك؟ فب َُعدوا
بذلك عن الحق ,فل يجدون سبيل إليه؛ ليصححوا ما قالوه فيك من
الكذب والفتراء.
حت َِههها
ن تَ ْ
م ْ
ري ِ
ج ِ
ت تَ ْ
جّنا ٍ ن ذ َل ِ َ
ك َ خْيرا ً ِ
م ْ ل لَ َ
ك َ جع َ َ ن َ
شاَء َ ذي إ ِ ْ ك ال ّ ِ
ت ََباَر َ
صورا ً )(10 ل لَ َ
ك قُ ُ ال َن َْهاُر وَي َ ْ
جع َ ْ
ت خيراته ,الذي إن شاء جعل لك -أيهات بركات الله ,وك َث َُر ْ عَظ ُ َ
م ْ
الرسول -خيًرا مما تمّنوه لك ،فجعل لك في الدنيا حدائق كثيرة
تتخللها النهار ،وجعل لك فيها قصوًرا عظيمة.
705
إذا رأت النار هؤلء المكذبين يوم القيامة من مكان بعيد ،سمعوا
صوت غليانها وزفيرها ،من شدة تغيظها منهم.
َ ل أ َذ َل ِ َ
ج هَزاًء ت ل َهُ ه ْ
م َ ن ك َههان َ ْ ع هد َ ال ْ ُ
مت ُّقههو َ خل ْدِ ال ّت ِههي وُ ِ
ة ال ْ ُ
جن ّ ُ
م َ
خي ٌْر أ ْ
ك َ قُ ْ
صيرا ً )(15 م ِوَ َ
ت لكم خيٌر أم جنة
صف ْ
قل لهم -أيها الرسول :-أهذه النار التي وُ ِ
عد بها الخائفون من عذاب ربهم ،كانت لهم النعيم الدائم التي وُ ِ
ثواًبا على عملهم ،ومآل يرجعون إليه في الخرة؟
ل أ َأ َنته َ
ضهل َل ْت ُ ْ
م مأ ْن الل ّههِ فَي َُقههو ُ ْ ُ ْ
دو ِ
ن ُ
مه ْ
ن ِ دو َ
مهها ي َعْب ُه ُ
م وَ َ
شهُرهُ ْح ُم يَ ْ
وَي َوْ َ
َ
ل )(17سِبي َضّلوا ال ّ م َ م هُ ْ عَباِدي هَ ُ
ؤلِء أ ْ ِ
ويوم القيامة يحشر الله المشركين وما كانوا يعبدونه من دونه,
فيقول لهؤلء المعبودين :أأنتم أضللتم عبادي هؤلء عن طريق
منالحق ،وأمرتموهم بعبادتكم ،أم هم ضلوا السبيل ،فعبدوكم ِ
تلقاء أنفسهم؟
706
كم َ َ
ن ن أوْل َِياءَ وَل َ ِ
كهه ْ دون ِ َ ِ ْن ُ م ْخذ َ ِ ن ي َن ْب َِغي ل ََنا أ ْ
ن ن َت ّ ِ ما َ
كا َ ك َ حان َ َ َقاُلوا ُ
سب ْ َ
وما ً ُبورا ً )(18كاُنوا قَ ْ سوا الذ ّك َْر وَ َ حّتى ن َ ُم َم َوآَباَءهُ ْ مت ّعْت َهُ ْ
َ
ما فعل هؤلء، قال المعبودون من دون الله :تنزيًها لك -يا ربنا -عَ ّ
ت هؤلء خذ سواك أولياء نواليهم ,ولكن متع َ ح أن ن َت ّ ِ
فما يص ّ
المشركين وآباءهم بالمال والعافية في الدنيا ،حتى نسوا ذكرك
خ ْ
ذلن . ما هلكى غلب عليهم الشقاء وال ِ فأشركوا بك ،وكانوا قو ً
ن ي َظ ْل ِ ْ
م صرا ً وَ َ
م ْ صْرفا ً َول ن َ ْ
ن َ
طيُعو َ
ست َ ِ
ما ت َ ْ ما ت َُقوُلو َ
ن فَ َ م بِ َفََقد ْ ك َذ ُّبوك ُ ْ
ذابا ً ك َِبيرا ً )(19ه عَ َ من ْك ُ ْ
م ن ُذِقْ ُ ِ
دعائكم
ذبكم هؤلء الذين عبدتموهم في ا ّ فيقال للمشركين :لقد ك ّ
عليهم ،فها أنتم أولء ل تستطيعون د َفًْعا للعذاب عن أنفسكم ،ول
من يشرك بالله فيظلم نفسه ويعبد غير الله ،ويمت نصًرا لها ،و َ
دا.
على ذلك ،يعذبه الله عذاًبا شدي ً
ْ َ
ن م ُ
شههو َ م وَي َ ْ ن الط ّعَهها َ م ل َي َأك ُُلو َن إ ِل ّ إ ِن ّهُ ْ
سِلي َ ن ال ْ ُ
مْر َ م ْ سل َْنا قَب ْل َ َ
ك ِ َوما أْر َ
صههيرا ً ن َرب ّ َ ن وَ َ في ال َسواق وجعل ْنا بعضك ُم ل ِبعض فتن ً َ
ك بَ ِ كا َ صب ُِرو َة أت َ ْ ْ َ ِ َ َ َ َ َْ َ ْ َْ ٍ ِ َْ ِ
)(20
من رسلنا إل كانوا بشًرا،
دا ِ
وما أرسلنا قبلك -أيها الرسول -أح ً
يأكلون الطعام ،ويمشون في السواق .وجعلنا بعضكم -أيها الناس-
لبعض ابتلء واختباًرا بالهدى والضلل ،والغنى والفقر ،والصحة
والمرض ،هل تصبرون ،فتقوموا بما أوجبه الله عليكم ،وتشكروا
له ،فيثيبكم مولكم ،أو ل تصبرون فتستحقوا العقوبة؟ وكان ربك -
أيها الرسول -بصيًرا بمن يجزع أو يصبر ،وبمن يكفر أو يشكر.
707
الجزء التاسع عشر:
ل عَل َينا ال ْملئ ِك َ ُ َ
ول ُأنزِ َ
ة أوْ ن ََرى َرب َّنا ل ََقد ْ َ َْ ن ل َِقاَءَنا ل َ ْ
جو َ ن ل ي َْر ُ ل ال ّ ِ
ذي َ وََقا َ
وا عُت ُوّا ً ك َِبيرا ً )(21 َ
م وَعَت َ ْ ست َك ْب َُروا ِفي أنُف ِ
سه ِ ْ ا ْ
ملون لقاء ربهم بعد موتهم لنكارهم له :هل ُأنزل وقال الذين ل يؤ ّ
عياًنا ،فيخبرنا
دا صادق ،أو نرى ربنا ِخِبرنا بأن محم ًعلينا الملئكة ,فت ُ ْ
ُ
وا حيث اجترؤوا جبوا بأنفسهم واستعل َ ْ
بصدقه في رسالته .لقد أع ِ
على هذا القول ,وتجاوزوا الحد ّ في طغيانهم وكفرهم.
جههرا ً
ح ْ ن وَي َُقول ُههو َ
ن ِ ميه َ
جرِ ِ مئ ِذٍ ل ِل ْ ُ
م ْ ة ل بُ ْ
شهَرى ي َهوْ َ ن ال ْ َ
ملئ ِك َه َ م ي َهَروْ َ
ي َهوْ َ
جورا ً )(22 ح ُم َْ
يوم يرون الملئكة عند الحتضار ،وفي القبر ،ويوم القيامة ،على
غير الصورة التي اقترحوها ل لتبشرهم بالجنة ,ولكن لتقول لهم:
ما عليكم.
جعل الله الجنة مكاًنا محر ً
َ َ
مِقيل ً )(24
ن َ
س ُ ست ََقّرا ً وَأ ْ
ح َ م ْ
خي ٌْر ُ
مئ ِذٍ َ ب ال ْ َ
جن ّةِ ي َوْ َ حا ُ
ص َ
أ ْ
أصحاب الجنة يوم القيامة خير مستقًرا من أهل النار وأحسن
منازل في الجنة ,فراحتهم تامة ،ونعيمهم ل يشوبه كدر.
708
زيل ً )(25
ة َتن ِ ل ال ْ َ
ملئ ِك َ ُ ماءُ ِبال ْغَ َ
مام ِ وَن ُّز َ س َ م تَ َ
شّققُ ال ّ وَي َوْ َ
واذكر -أيها الرسول -ذلك اليوم الذي تتشقق فيه السماء ،ويظهر
من فتحاتها السحاب البيض الرقيق ،وينزل الله ملئكة السموات
يومئذ ،فيحيطون بالخلئق في المحشر ،ويأتي الله تبارك وتعالى
لفصل القضاء بين العباد ،إتياًنا يليق بجلله.
سيرا ً )(26
ن عَ ِ
ري َ وما ً عََلى ال ْ َ
كافِ ِ ن يَ ْ ن وَ َ
كا َ م ِ
ح َ
حقّ ِللّر ْمئ ِذٍ ال ْ َ مل ْ ُ
ك ي َوْ َ ال ْ ُ
من سواه ،وكان هذا مْلك الحق في هذا اليوم للرحمن وحده دون َ ال ُ
دا على الكافرين ،لما ينالهم من العقاب والعذاب اليوم صعًبا شدي ً
الليم.
لسههو ِ
م هعَ الّر ُ
ت َ ل ي َهها ل َي ْت َن ِههي ات ّ َ
خ هذ ْ ُ م عََلى ي َد َي ْهِ ي َُقو ُ ظال ِ ُ ض ال ّ م ي َعَ ّ وَي َوْ َ
ضل ِّني َ َ م أ َت ّ ِ
ن
عهه ْ خِليل ً ) (28ل ََقد ْ أ َ خذ ْ ُفلنا ً َ سِبيل ً )َ (27يا وَي ْل َِتي ل َي ْت َِني ل َ ْ َ
ذول ً )(29 خ ُ ن َ
سا ِ لن َ ن لِ ِ طا ُشي ْ َ ن ال ّ كا َ جاَءِني وَ َ الذ ّك ْرِ ب َعْد َ إ ِذ ْ َ
ما
ض الظالم لنفسه على يديه ند ً واذكر -أيها الرسول -يوم ي َعَ ّ
دا صلى الله عليهوتحسًرا قائل يا ليتني صاحبت رسول الله محم ً
سر قائل ياوسلم واتبعته في اتخاذ السلم طريًقا إلى الجنة ،ويتح ّ
ليتني لم أتخذ الكافر فلًنا صديًقا أتبعه وأوده .لقد أضّلني هذا
الصديق عن القرآن بعد إذ جاءني .وكان الشيطان الرجيم خذول
ما .وفي هذه اليات التحذير من مصاحبة قرين السوء؛ للنسان دائ ً
فإنه قد يكون سبًبا لدخال قرينه النار.
جورا ً )(30
مه ْ ُ ذا ال ُْقْرآ َ
ن َ ذوا هَ َ
خ ُ ن قَوْ ِ
مي ات ّ َ ب إِ ّ سو ُ
ل َيا َر ّ وََقا َ
ل الّر ُ
ب إن قومي تركوا هذا وقال الرسول شاكًيا ما صنع قومه :يا ر ّ
ك تدّبره والعمل به
القرآن وهجروه ،متمادين في إعراضهم عنه وت َْر ِ
وتبليغه .وفي الية تخويف عظيم لمن هجر القرآن فلم يعمل به.
709
وكما جعلنا لك -أيها الرسول -أعداء من مجرمي قومك ،جعلنا
ي من النبياء عدًوا من مجرمي قومه ،فاصبر كما صبروا. لكل نب ّ
دا ومعيًنا يعينك على أعدائك .وفي هذا
وكفى بربك هادًيا ومرش ً
تسلية لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
سيرا ً )(33
ن ت َْف ِ
س َ
ح َ
َ
ك ِبال ْ َ
حقّ وَأ ْ جئ َْنا َ
ل إ ِل ّ ِ
مث َ ٍ َول ي َأ ُْتون َ َ
ك بِ َ
ول يأتيك -أيها الرسول -المشركون بحجة أو شبهة إل جئناك
بالجواب الحق وبأحسن بيان له.
َ م أ ُوْل َئ ِ َ
ل كان ها ً وَأ َ
ضه ّ م َ ك َ
ش هّر َ م إ َِلى َ
جهَن ّه َ ن عََلى وُ ُ
جوهِهِ ْ ح َ
شُرو َ ن يُ ْ ال ّ ِ
ذي َ
سِبيل ً )(34 َ
أولئك الكفار هم الذين ُيسحبون على وجوههم إلى جهنم ,وأولئك
هم شر الناس منزلة ،وأبعدهم طريًقا عن الحق.
710
ة وَأ َعْت َهد َْنا
س آي َ ً جعَل َْناهُ ْ
م ِللّنا ِ م وَ َ
وقَوم نوح ل َما ك َذ ّبوا الرس َ َ
ل أغَْرقَْناهُ ْ ّ ُ ُ َ ْ َ ُ ٍ ّ
َ
ذابا ً أِليما ً )(37
ن عَ َ ِلل ّ
مي َ
ظال ِ ِ
ذبوه .ومن كذب رسول فقد وأغرقنا قوم نوح بالطوفان حين ك ّ
كذب الرسل جميًعا .وجعلنا إغراقهم للناس عبرة ،وجعلنا لهم ولمن
سلك سبيلهم في التكذيب يوم القيامة عذاًبا موجًعا.
711
َ َ َ َ
ن عَل َي ْهِ وَ ِ
كيل ً )(43 ت تَ ُ
كو ُ واهُ أفَأن ْ َ خذ َ إ ِل َهَ ُ
ه هَ َ ن ات ّ َ
م ْ
ت َ
أَرأي ْ َ
من أطاع هواه كطاعة الله،انظر -أيها الرسول -متعجًبا إلى َ
ده إلى اليمان؟ أفأنت تكون عليه حفي ً
ظا حتى تر ّ
شورا ً ) سَباتا ً وَ َ
جع َ َ
ل الن َّهاَر ن ُ ُ ل ل َِباسا ً َوالن ّوْ َ
م ُ م الل ّي ْ َ
ل ل َك ُ ْ
جع َ َ وَهُوَ ال ّ ِ
ذي َ
(47
والله تعالى هو الذي جعل لكم الليل ساتًرا لكم بظلمه كما
يستركم اللباس ،وجعل النوم راحة لبدانكم ،وجعل لكم النهار؛
لتنتشروا في الرض ،وتطلبوا معايشكم.
َ َ
ماءِ سه َ
ن ال ّ مه ْ مت ِهِ وَأنَزل ْن َهها ِ ح َ
ن ي َد َيْ َر ْشرا ً ب َي ْ َح بُ ْل الّرَيا َ س َ
ذي أْر َوَهُوَ ال ّ ِ
خل َْقن َهها أ َن َْعام ها ًمهها َ م ّ ه ِ مْيتها ً وَن ُ ْ
س هِقي َ ُ ي ب ِههِ ب َل ْهد َةً َ
حي ِه َماًء ط َُهورا ً ) (48ل ِن ُ ْ َ
ً
ي كِثيرا )(49 َ َ
س ّ وَأَنا ِ
712
وهو الذي أرسل الرياح التي تحمل السحاب ،تبشر الناس بالمطر
رحمة منه ،وأنزلنا من السماء ماء ي ُت َط َّهر به ؛ لنخرج به النبات في
سقي ذلك مكان ل نبات فيه ،فيحيا البلد الجدب بعد موات ،ون ُ ْ
خل ِْقنا كثيًرا من النعام والناس.من َ الماء ِ
س إ ِل ّ ك ُُفورا ً )(50 نا ال ر َ ثْ كول ََقد صرفْناه بينهم ل ِيذ ّك ّروا فَأ َبى أ َ
ِ ّ ُ َ َ ْ َ ّ َ ُ ََُْ ْ َ ُ
ولقد أنزلنا المطر على أرض دون أخرى؛ ليذكر الذين أنزلنا عليهم
منعوا منه، المطر نعمة الله عليهم ،فيشكروا له ،وليذكر الذين ُ
فيسارعوا بالتوبة إلى الله -جل وعل -ليرحمهم ويسقيهم ،فأبى
وء كذا وكذا.
دا لنعمنا عليهم ،كقولهم :مطرنا بن َ ْ
أكثر الناس إل جحو ً
ن
ري َ طههعْ ال ْ َ
كههافِ ِ ذيرا ً )َ (51فل ت ُ ِ
ل قَْرَيههةٍ َنهه ِ شههئ َْنا ل َب َعَث َْنهها ِفههي ُ
كهه ّ وََلههوْ ِ
جَهادا ً ك َِبيرا ً )(52م ب ِهِ ِ جاهِد ْهُ ْ
وَ َ
ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيًرا ،يدعوهم إلى الله عز وجل،
وينذرهم عذابه ،ولكنا جعلناك -أيها الرسول -مبعوًثا إلى جميع
أهل الرض ،وأمرناك أن تبلغهم هذا القرآن ،فل تطع الكافرين في
ت به ،بل ابذل جهدك في تبليغ الرسالة, ترك شيء مما أرسل َ
دا كبيًرا ،ل يخالطه فتور.
وجاهد الكافرين بهذا القرآن جها ً
ذا مل ْه ُ
جع َه َ
ل ج وَ َ
جهها ٌ
حأ َ ب فُهَرا ٌ
ت وَهَه َ ِ ٌ ذا عَهذ ْ ٌ
ن هَ َ ج ال ْب َ ْ
حَري ْ ِ مَر َذي َ وَهُوَ ال ّ ِ
جورا ً )(53 ح ُ م ْجرا ً َ ما ب َْرَزخا ً وَ ِ
ح ْ ب َي ْن َهُ َ
والله هو الذي خلط البحرين :العذب السائغ الشراب ،والملح
الشديد الملوحة ،وجعل بينهما حاجًزا يمنع كل واحدٍ منهما من
من أن يصل أحدهما إلى الخر. إفساد الخر ،ومانًعا ِ
ن َرّبه َ
ك صهْهرا ً وَ َ
كها َ سهبا ً وَ ِ جعََله ُ
ه نَ َ شهرا ً فَ َ ن ال ْ َ
مهاءِ ب َ َ خل َقَ ِ
مه ْ ذي َوَهُوَ ال ّ ِ
ديرا ً )(54 قَ ِ
713
ي الرجل والمرأة ذرية ذكوًرا وإناًثا ،فنشأ من
من من ّ
وهو الذي خلق ِ
هذا قرابة النسب وقرابة المصاهرة .وكان ربك قديًرا على خلق ما
يشاء.
714
َ َ
وى
س هت َ َ ست ّةِ أي ّههام ٍ ث ُه ّ
ما ْ ما ِفي ِ
ما ب َي ْن َهُ َ
ض وَ َت َوالْر َ َ وا ِم َس َخل َقَ ال ّ ال ّ ِ
ذي َ
خِبيرا ً )(59 سأ ْ
ل ب ِهِ َ ن َفا ْ
م ُح َ ش الّر ْ ْ َ
عَلى العَْر ِ
الذي خلق السموات والرض وما بينهما في ستة أيام ،ثم استوى
على العرش -أي عل وارتفع -استواًء يليق بجلله ،هو الرحمن،
فاسأل -أيها النبي -به خبيًرا ،يعني بذلك سبحانه نفسه الكريمة،
فهو الذي يعلم صفاته وعظمته وجلله .ول أحد من البشر أعلم
بالله ول أخبر به من عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
مِنيرا ً
مرا ً ُ
سَراجا ً وَقَ َ ماءِ ب ُُروجا ً وَ َ
جع َ َ
ل ِفيَها ِ س َ جع َ َ
ل ِفي ال ّ ك ال ّ ِ
ذي َ ت ََباَر َ
)(61
ت بركات الرحمن وكثر خيره ،الذي جعل في السماء النجوم م ْعَظ ُ َ
سا تضيء وقمًرا ينير.
الكبار بمنازلها ،وجعل فيها شم ً
َ َ َ ة ل ِم ه َ
ن ي َهذ ّك َّر أوْ أَراد َ خل َْف ه ً َ ْ
ن أَراد َ أ ْ ل الل ّي ْه َ
ل َوالن ّهَههاَر ِ جع َ ه َ
ذي َوَهُ هوَ ال ّه ِ
كورا ً )(62 ش ُ ُ
خُلف أحدهما الخر لمن وهو الذي جعل الليل والنهار متعاقب َْين ي َ ْ
أراد أن يعتبر بما في ذلك إيماًنا بالمدّبر الخالق ،أو أراد أن يشكر
لله تعالى على نعمه وآلئه.
َ
خههاط َب َهُ ْ
م ونهها ً وَإ ِ َ
ذا َ ض هَ ْ شههو َ َ
ن عَلههى الْر ِ م ُ
ن يَ ْ ن اّلهه ِ
ذي َ مهه ِ
ح َ
عَبههاد ُ الّر ْ
وَ ِ
سلما ً )(63 ن َقاُلوا َ جاهُِلو َ ال ْ َ
715
وعباد الرحمن الصالحون يمشون على الرض بسكينة متواضعين,
وإذا خاطبهم الجهلة السفهاء بالذى أجابوهم بالمعروف من القول,
سَلمون فيه من الثم ،ومن مقابلة الجاهل
وخاطبوهم خطاًبا ي َ ْ
بجهله.
716
خل ُد ْ فيه ذليل حقيًرا) .والوعيد بالخلود لمن
العذاب يوم القيامة ،وي َ ْ
من هذه الذنوب من تاب ِفعلها كّلها ،أو لمن أشرك بالله( .لكن َ
ما مقروًنا بالعمل الصالح ،فأولئك يمحو حا وآمن إيماًنا جاز ً توبة نصو ً
الله عنهم سيئاتهم ويجعل مكانها حسنات ؛ بسبب توبتهم وندمهم .
ما بعباده حيث دعاهم إلى التوبة بعد وكان الله غفوًرا لمن تاب ،رحي ً
ما ارتكب من الذنوب ،وعمل مبارزته بأكبر المعاصي .ومن تاب ع ّ
حا ،فيقبل الله
عا صحي ً
عمل صالحا فإنه بذلك يرجع إلى الله رجو ً
توبته ويكفر ذنوبه.
مَيانا ً )(73
ما ً وَعُ ْ خّروا عَل َي َْها ُ
ص ّ م لَ ْ
م يَ ِ ذا ذ ُك ُّروا ِبآَيا ِ
ت َرب ّهِ ْ ن إِ َ َوال ّ ِ
ذي َ
ظوا بآيات القرآن ودلئل وحدانية الله لم يتغافلوا ع ُوالذين إذا وُ ِ
ي لم يبصروها ،بل وَعَْتها م ٌم لم يسمعوها ،وعُ ْ عنها ،كأنهم ص ّ
قلوبهم ،وتفّتحت لها بصائرهم ،فخّروا لله ساجدين مطيعين.
سههلما ً )(75
ة وَ َ
حي ّه ً
ن ِفيهَهها ت َ ِصب َُروا وَي ُل َّق هوْ َما َ ة بِ َن ال ْغُْرفَ َجَزوْ َ أ ُوْل َئ ِ َ
ك يُ ْ
مَقاما ً )(76 ست ََقّرا ً وَ ُم ْ ت ُ سن َ ْح ُن ِفيَها َ دي َخال ِ ِ َ
أولئك الذين اتصفوا بالصفات السابقة من عباد الرحمن ،يثابون
أعلى منازل الجنة ؛ برحمة الله وبسبب صبرهم على الطاعات,
717
ون في الجنة التحية والتسليم من الملئكة ,والحياة الطيبة سي ُل َّق ْ
و َ
تسن َ ْ
ح ُ
من غير موتَ ،دا ِ
ن الفات ،خالدين فيها أب ًم َ
والسلمة ِ
ما يقيمون به ،ل يبغون عنها تحول. مستقًرا ي َِقّرون فيه ومقا ً
ن ل َِزامها ً ) ُ
ف ي َك ُههو ُ م فََقد ْ ك َذ ّب ْت ُ ْ
م فَ َ
سو ْ َ عاؤُك ُ ْ م َرّبي ل َ ْ
ول د ُ َ ما ي َعْب َأ ب ِك ُ ْ قُ ْ
ل َ
(77
أخبر الله تعالى أنه ل يبالي ول يعبأ بالناس ،لول دعاؤهم إياه دعاء
ذبتم-أيها الكافرون -فسوف يكون العبادة ودعاء المسألة ،فقد ك َ ّ
ضًيا لعذاب يلزمكم لزوم الغريم لغريمه ,ويهلككم في مْف ِ
تكذيبكم ُ
الدنيا والخرة.
-26سورة الشعراء
طسم )(1
)طسم( سبق الكلم على الحروف المقطعة في أول سورة
البقرة.
ن )(2 ب ال ْ ُ
مِبي ِ ت ال ْك َِتا ِ ت ِل ْ َ
ك آَيا ُ
ضح لكل شيء الفاصل بين الهدى والضلل.
هذه آيات القرآن المو ّ
ن )(3 مؤ ْ ِ
مِني َ ك أ َل ّ ي َ ُ
كوُنوا ُ س َ
خعٌ ن َْف َ ل َعَل ّ َ
ك َبا ِ
مهِْلك
لعلك -أيها الرسول -من شدة حرصك على هدايتهم ُ
دقوا بك ولم يعملوا بهديك ،فل تفعل ذلك.
نفسك ؛ لنهم لم يص ّ
ن)
ضههِعي َ م ل ََها َ
خا ِ
َ
ة فَظ َل ّ ْ
ت أعَْناقُهُ ْ ماءِ آي َ ً
س َ
ن ال ّ
م ْ
م ِ شأ ْ ن ُن َّز ْ
ل عَل َي ْهِ ْ ن نَ َ
إِ ْ
718
(4
وفة
إن نشأ ننزل على المكذبين من قومك من السماء معجزة مخ ّ
لهم تلجئهم إلى اليمان ،فتصير أعناقهم خاضعة ذليلة ،ولكننا لم
نشأ ذلك; فإن اليمان النافع هو اليمان بالغيب اختياًرا.
ث إ ِل ّ َ ْ
ن )(5ضي َمعْرِ ِ
ه ُ
كاُنوا عَن ْ ُ حد َ ٍ
م ْ
ن ُ
م ِ
ح َ
ن الّر ْ ن ذِك ْرٍ ِ
م ْ م ْ
م ِ
ما ي َأِتيهِ ْ
وَ َ
دث
ح َ
م ْمن ذِك ْرٍ من الرحمن ُ وما يجيء هؤلء المشركين المكذبين ِ
إنزاله ،شيًئا بعد شيء ،يأمرهم وينهاهم ،ويذكرهم بالدين الحق
إل أعرضوا عنه ,ولم يقبلوه.
َ
ن ن ) (10قَهوْ َ
م فِْرعَهوْ َ م الظ ّههال ِ ِ
مي َ ت ال َْقوْ َ
ن ائ ْ ِ
سى أ ْ
مو َ
ك ُدى َرب ّ َوَإ ِذ ْ َنا َ
ن )(11 َ
أل ي َت ُّقو َ
719
واذكر -أيها الرسول -لقومك إذ نادى ربك موسى :أن ائت القوم
الظالمين ,قوم فرعون ،وقل لهم :أل يخافون عقاب الله تعالى،
ويتركون ما هم عليه من الكفر والضلل؟
خهها ُ َ ب إ ِّني أ َ َ
ص هد ِْري َول ي َن ْط َل ِه ُ
ق ضههيقُ ََ ن ) (12وَي َ ِ ن ي ُك َهذ ُّبو ِ
فأ ْ ل َر َّقا َ
خا ُ َ َ
نن ي َْقت ُل ُههو ِ
فأ ْ ب فَأ َ م عَل َ ّ
ي ذ َن ْ ٌ ن ) (13وَل َهُ ْ هاُرو َ ل إ َِلى َ ساِني فَأْر ِ
س ْ لِ َ
)(14
قال موسى :رب إني أخاف أن يكذبوني في الرسالة ,ويمل صدري
س ْ
ل جبريل م لتكذيبهم إياي ،ول ينطلق لساني بالدعوة فأر ِ
الغ ّ
بالوحي إلى أخي هارون ؛ ليعاونني .ولهم علي ذنب في قتل رجل
منهم ,وهو القبطي ,فأخاف أن يقتلوني به.
ْ
ن فَُقههول
ن ) (15فَأت َِيا فِْرعَوْ َ مُعو َست َ ِ
م ْم ُ معَك ُ ْ
ل ك َل ّ َفاذ ْهََبا ِبآَيات َِنا إ ِّنا َ
َقا َ
َ َ
ل )(17 سَراِئي َ
معََنا ب َِني إ ِ ْ
ل َس ْن أْر ِ ن ) (16أ ْ مي َ ب ال َْعال َ ِ ل َر ّ سو ُ إ ِّنا َر ُ
قال الله لموسى :كل لن يقتلوك ,وقد أجبت طلبك في هارون,
فاذهبا بالمعجزات الدالة على صدقكما ،إنا معكم بالعلم والحفظ
سلن إليك وإلى والنصرة مستمعون .فأت َِيا فرعون فقول له :إنا مر َ
قومك من رب العالمين :أن اترك بني إسرائيل ؛ ليذهبوا معنا.
َقا َ َ
ن ) (18وَفَعَل ْه َ
ت سِني َ مرِ َ
ك ِ ن عُ ُ
م ْ
ت ِفيَنا ِ ك ِفيَنا وَِليدا ً وَل َب ِث ْ َ ل أل َ ْ
م ن َُرب ّ َ
ن ال ْ َ َ
ن )(19 ري َ
كافِ ِ م ْ ت ِ ت وَأن ْ َك ال ِّتي فَعَل ْ َ فَعْل َت َ َ
َ
خْفت ُك ُه ْ
م مهها ِ م لَ ّ
من ْك ُه ْ ن ) (20فََف هَرْر ُ
ت ِ ضههاّلي َ
ن ال ّ م ْ ل فَعَل ْت َُها ِإذا ً وَأَنا َِقا َ
من َّها
ة تَ ُ
م ٌ
ك ن ِعْ َن ) (21وَت ِل ْ َ سِلي َ ن ال ْ ُ
مْر َ م ْجعَل َِني ِكما ً وَ َح ْ ب ِلي َرّبي ُ فَوَهَ َ
ل )(22 سَراِئي َ عَل َ َ
ت ب َِني إ ِ ْ ن عَب ّد ْ َ يأ ْ ّ
720
ت قبههل أن يههوحي اللههه ت مهها ذكههر َقال موسى مجيًبا لفرعون :فعله ُ
ما
إلي ،ويبعثني رسول فخرجههت مههن بينكههم فههاّرا إلههى "مههدين" ،له ه ّ
مهد ،فهوهب لههي ربهي تفضهل ت من غير عَ ْخفت أن تقتلوني بما فعل ُ
منه النبوة والعلم ,وجعلني من المرسلين .وتلههك التربيههة فههي بيتههك
دا تذبههح أبنههاءهم
ي ،وقد جعلت بني إسرائيل عبي ً دها نعمة منك عل ّ
ت َعُ ّ
وتستحيي نساءهم؟
ن )(23 ب ال َْعال َ ِ
مي َ ما َر ّ
ن وَ َ َقا َ
ل فِْرعَوْ ُ
دعي أنك رسوله؟
قال فرعون لموسى :وما رب العالمين الذي ت ّ
ل ل ِمن حول َ َ
ن )(25
مُعو َ
ست َ ِ َقا َ َ ْ َ ْ ُ
ه أل ت َ ْ
مههن أشههراف قههومه :أل تسههمعون مقالههة
قههال فرعههون لمههن حههوله ِ
موسى العجيبة بوجود رب سواي؟
َ
ن )(26 ب آَبائ ِك ُ ْ
م الوِّلي َ ل َرب ّك ُ ْ
م وََر ّ َقا َ
قال موسى :الرب الذي أدعوكم إليه هو الذي خلقكم وخلق آبههاءكم
من هههو مخلههوق مثلكههم ,ولههه آبههاء قههد فنههوا
الولين ,فكيف تعبدون َ
كآبائكم؟
ُ
ن )(27
جُنو ٌ م لَ َ
م ْ ل إ ِل َي ْك ُ ْ
س َ م ال ّ ِ
ذي أْر ِ سول َك ُ ْ
ن َر ُ َقا َ
ل إِ ّ
قههال فرعههون لخاصههته يسههتثير غضههبهم ؛ لتكههذيب موسههى إيههاه :إن
ما ل ي ُعَْقل!
رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون ,يتكلم كل ً
721
م ت َعِْقُلو َ
ن )(28 ن ك ُن ْت ُ ْ
ما إ ِ ْ
ما ب َي ْن َهُ َ
ب وَ َ ق َوال ْ َ
مغْرِ ِ شرِ ِ ب ال ْ َ
م ْ َقا َ
ل َر ّ
قال موسى :رب المشرق والمغرب وما بينهما وما يكون فيهما من
نور وظلمة ,وهههذا يسههتوجب اليمههان بههه وحههده إن كنتههم مههن أهههل
العقل والتدبر!
ن )(29
جوِني َ
س ُ ن ال ْ َ
م ْ م ْ
ك ِ ري ل َ ْ
جعَل َن ّ َ ت إ ِل َهَا ً غَي ْ ِ
خذ ْ َ ل ل َئ ِ ْ
ن ات ّ َ َقا َ
دا له :لئن اتخذت إلًها غيري لسههجننك مههع
قال فرعون لموسى مهد ً
من سجنت.َ
َقا َ َ
ن )(30
مِبي ٍ
يءٍ ُ
ش ْ ل أوَل َوْ ِ
جئ ْت ُ َ
ك بِ َ
قال موسى :أتجعلنههي مههن المسههجونين ,ولههو جئتههك ببرهههان قههاطع
يتبين منه صدقي؟
َقا َ ْ
ن )(31
صادِِقي َ
ن ال ّ
م ْ ن ك ُن ْ َ
ت ِ ل فَأ ِ
ت ب ِهِ إ ِ ْ
قال فرعون :فأت به إن كنت من الصادقين في دعواك.
َ
ضههاءُ
ي ب َي ْ َ ن ) (32وَن ََزعَ ي َد َهُ فَ هإ ِ َ
ذا هِه َ مِبي ٌ ي ث ُعَْبا ٌ
ن ُ ذا هِ َ فَأل َْقى عَ َ
صاهُ فَإ ِ َ
ن )(33 ري َ
ِللّناظ ِ ِ
فألقى موسى عصاه فتحولت ثعباًنا حقيقًيا ,ليس تمويًها كمهها يفعههل
من جيبه فإذا هي بيضاء كالثلج من غير بههرص، السحرة ,وأخرج يده ِ
ت َب َْهر الناظرين.
َ
ن
مه ْ جك ُه ْ
م ِ خرِ َ
ن يُ ْ
ري هد ُ أ ْ
م ) (34ي ُ ِ
حٌر عَِلي ه ٌ ذا ل َ َ
سا ِ ن هَ َ حوْل َ ُ
ه إِ ّ ل ل ِل ْ َ
مل ٍ َ َقا َ
ن )(35 أ َرضك ُم بسحره فَما َ ْ
مُرو َذا ت َأ ُ ْ ِ ْ ِ ِ ْ ِ ِ َ
قال فرعون لشراف قههومه خشههية أن يؤمنههوا :إن موسههى َلسههاحر
ماهر ،يريد أن يخرجكم بسحره من أرضكم ،فأي شيء تشيرون به
في شأنه أتبع رأيكم فيه؟
722
ن ) (36ي َهأ ُْتو َ
ك ب ِك ُه ّ
ل ري َ
شه ِ
حا ِ
ن َ
دائ ِ ِ ث فِههي ال ْ َ
مه َ جهِ وَأ َ َ
خاهُ َواب ْعَ ْ َ
َقاُلوا أْر ِ
حارٍ عَِليم ٍ )(37 س ّ َ
دا س ْ
ل فههي المههدائن جن ه ً خر أمر موسى وهارون ,وأر ِ قال له قومه :أ ّ
وق في معرفته. من أجاد السحر ،وتف ّ جامعين للسحرة ,يأتوك بك ّ
ل َ
ل ِللنههاس هَ ه ْ َ
م
ل أن ْت ُه ْ ِ معْل ُههوم ٍ ) (38وَِقي ه َ ّ
ت ي َهوْم ٍ َ
ميَقا ِ
حَرةُ ل ِ ِ
س َ
معَ ال ّج ِفَ ُ
ن )(39 مُعو َ
جت َ ِ
م ُْ
دد لهم وقت معلوم ،هو وقت الضههحى مههن يههوم ح ّ
جمع السحرة ،و ُفَ ُ
الزينة الذي يتفرغون فيه من أشغالهم ،ويجتمعون ويتزّينون؛ وذلههك
ث النههاس علههى الجتمههاع; أمل فههي أن تكههون
ح ّ
للجتماع بموسى .و ُ
الغلبة للسحرة.
م ال َْغال ِِبي َ
ن )(40 ن َ
كاُنوا هُ ْ حَرةَ إ ِ ْ ل َعَل َّنا ن َت ّب ِعُ ال ّ
س َ
إننا نطمع أن تكون الغلبة للسحرة ،فنثبت على ديننا.
ن )(42 ن ال ْ ُ
مَقّرِبي َ م ِإذا ً ل َ ِ
م ْ م وَإ ِن ّك ُ ْ َقا َ
ل ن َعَ ْ
من أجههر ،وإنكههم حينئذ لمههن
قال فرعون :نعم لكم عندي ما طلبتم ِ
ي.
المقربين لد ّ
َ َ
مل ُْقو َ
ن )(43 م ُ سى أل ُْقوا َ
ما أن ْت ُ ْ مو َ ل ل َهُ ْ
م ُ َقا َ
دا إبطال سحرهم وإظهههار أن مهها جههاء بههه
قال موسى للسحرة مري ً
723
ليس سحًرا :ألقوا ما تريدون إلقاءه من السحر.
َ
ن ال ْغَههال ُِبو َ
ن) ن إ ِن ّهها ل َن َ ْ
حه ُ م وََقاُلوا ب ِعِهّزةِ فِْرعَهوْ َ
صي ّهُ ْ
ع ِ حَبال َهُ ْ
م وَ ِ فَأل َْق ْ
وا ِ
(44
خّيل للناس أنها حي ّههات تسههعى ,وأقسههموا
فألَقوا حبالهم وعصّيهم ,و ُ
بعزة فرعون قائلين :إننا لنحن الغالبون.
ُ
ب
ن )َ (47ر ّ ب ال ْعَههال َ ِ
مي َ ن )َ (46قاُلوا آ َ
مّنا ب ِهَر ّ دي َ
ج ِ
سا ِ
حَرةُ َ
س َي ال ّفَأل ِْق َ
ن )(48 هاُرو َ
سى وَ َ مو َ ُ
فلما شاهدوا ذلك ،وعلموا أنه ليس من تمويه السحرة ,آمنههوا بههالله
وسجدوا له ،وقالوا :آمّنا برب العالمين رب موسى وهارون.
ل آمنتم ل َه قَب َ َ
حَر سه ْ م ال ّ مك ُه ْذي عَل ّ َم ال ّه ِه ل َك َِبيُرك ُه ْ ن ل َك ُ ْ
م إ ِن ّ ُ ن آذ َ َ لأ ْ َقا َ َ ْ ُ ْ ُ ْ
َ َ
مص هل ّب َن ّك ُ ْ
ف َول َ خل ٍ ن ِ
مه ْ م ِ جل َك ُه ْ
م وَأْر ُ ن أي ْهدِي َك ُ ْ ن لقَط ّعَ ه ّ ف ت َعْل َ ُ
مو َ سو ْ َفَل َ َ
ن )(49 َ
مِعي َج َأ ْ
قال فرعون للسحرة مستنكًرا :آمنتم لموسى بغير إذن مني ،وقههال
ن فِْعل موسى سهحر :إنهه لكهبيركم الهذي عّلمكهم السهحر، ما أ ّ
موه ً
ن أيديكم وأرجلكههم
فلسوف تعلمون ما ينزل بكم من عقاب :لقطع ّ
مههن خلف :بقطههع اليههد اليمنههى والرجههل اليسههرى أو عكههس ذلههك،
ولصلبّنكم أجمعين.
َ
ن )(53
ري َ
ش ِ
حا ِ
ن َ
دائ ِ ِ ن ِفي ال ْ َ
م َ ل فِْرعَوْ ُ فَأْر َ
س َ
فأرسل فرعون جنههده -حيههن بلغههه مسههير بنههي إسههرائيل -يجمعههون
جيشه من مدائن مملكته.
َ
ن )(60 م ْ
شرِِقي َ فَأت ْب َُعوهُ ْ
م ُ
من معه وقت شروق الشمس.
فلحق فرعون وجنده موسى و َ
725
فَل َما تراَءى ال ْجمعان َقا َ َ
ن )(61
كو َ سى إ ِّنا ل َ ُ
مد َْر ُ مو َ
ب ُ
حا ُ
ص َ
لأ ْ َ ْ َ ِ ّ ََ
ن
فلما رأى كل واحد مههن الفريقيههن الخههر قههال أصههحاب موسههى :إ ّ
مد ِْركنا ومهلكنا.
معَ فرعون ُ
ج ْ
َ
ن )(62
دي ِ
سي َهْ ِ
مِعي َرّبي َ ل ك َل ّ إ ِ ّ
ن َ َقا َ
قال موسى لهم :كل ليس المر كما ذكرتههم فلههن ت ُهد َْركوا; إن معههي
ربي بالنصر ،سيهديني لما فيه نجاتي ونجاتكم.
كا َ
ن )(67 مؤ ْ ِ
مِني َ ن أك ْث َُرهُ ْ
م ُ ما َ َ
ة وَ َ ن ِفي ذ َل ِ َ
ك لي َ ً إِ ّ
إن في ذلك الذي حدث َلعبرة عجيبة دالة على قدرة الله ،وما صههار
أكثر أتباع فرعون مؤمنين مع هذه العلمة الباهرة.
م )(68
حي ُ ك ل َهُوَ ال ْعَ ِ
زيُز الّر ِ ن َرب ّ َ
وَإ ِ ّ
وإن ربههك لهههو العزيههز الرحيههم ,بعزتههه أهلههك الكههافرين المكههذبين،
726
من معه أجمعين.
جى موسى و َ
وبرحمته ن ّ
َ
ن )(70
دو َ
ما ت َعْب ُ ُ ل ل َِبيهِ وَقَوْ ِ
مه ِ َ م ) (69إ ِذ ْ َقا َ
هي َ ل عَل َي ْهِ ْ
م ن َب َأ إ ِب َْرا ِ َوات ْ ُ
واقصص على الكافرين -أيها الرسول -خبر إبراهيم حين قال لبيه
وقومه :أي شيء تعبدونه؟
ل ل ََها َ
صَناما ً فَن َظ َ ّ َ
ن )(71
عاك ِِفي َ َقاُلوا ن َعْب ُد ُ أ ْ
ما ،فن َعْ ُ
كف على عبادتها. قالوا :نعبد أصنا ً
ك ي َْفعَُلو َ
ن )(74 جد َْنا آَباَءَنا ك َذ َل ِ َ َقاُلوا ب َ ْ
ل وَ َ
قالوا :ل يكون منهم شيء من ذلك ،ولكننهها وجههدنا آباءنهها يعبههدونهم,
فقّلدناهم فيما كانوا يفعلون.
ن )(83
حي َ
صال ِ ِ كما ً وَأ َل ْ ِ
حْقِني ِبال ّ ح ْ
ب ِلي ُ
ب هَ ْ
َر ّ
ب امنحنههي العلههم والفهههم ،وألحقنههي
قههال إبراهيههم داعًيهها ربههه :ر ّ
بالصالحين ،واجمع بيني وبينهم في الجنة.
ن )(84
ري َ
خ ِ
ق ِفي ال ِ
صد ْ ٍ
ن ِ
سا َ جع َ ْ
ل ِلي ل ِ َ َوا ْ
واجعل لي ثناء حسًنا وذكًرا جميل في الذين يههأتون بعههدي إلههى يههوم
القيامة.
ن وََرث َةِ َ
جن ّةِ الن ِّعيم ِ )(85 جعَل ِْني ِ
م ْ َوا ْ
واجعلني من عبادك الذين تورثهم نعيم الجنة.
َ
ضاّلي َ
ن )(86 ن ال ّ
م ْ
ن ِ ه َ
كا َ َواغِْفْر لِبي إ ِن ّ ُ
وهذا دعاء من إبراهيم عليه السلم أن ينقهذ اللهه أبهاه مهن الضهلل
إلى الهدى ،فيغفر له ويتجاوز عنه ،كما وعد إبراهيم أباه بالدعاء له،
فلما تبّين له أنه مسههتمر فههي الكفههر والشههرك إلههى أن يمههوت تههبّرأ
منه .
ن ن ) (88إ ِل ّ َ
مه ْ ما ٌ
ل َول ب َُنو َ م ل ي َن َْفعُ َ م ي ُب ْعَُثو َ
ن ) (87ي َوْ َ خزِِني ي َوْ َ َول ت ُ ْ
َ
سِليم ٍ )(89 ب َ ه ب َِقل ْ ٍ
أَتى الل ّ َ
ول ت ُْلحق بي الذل ،يوم يخرج الناس من القبور للحسههاب والجههزاء،
مههن أتههى اللههه بقلههب
دا من العبههاد ،إل َ
يوم ل ينفع المال والبنون أح ً
سليم من الكفر والنفاق والرذيلة.
728
ُ
ن )(90 ة ل ِل ْ ُ
مت ِّقي َ ت ال ْ َ
جن ّ ُ وَأْزل َِف ْ
وقُّربت الجنة للههذين اجتنبهوا الكفههر والمعاصههي ،وأقبلههوا علهى اللهه
بالطاعة.
ن الل ّههِ هَ ه ْ ل ل َه َ
ص هُرون َك ُ ْ
م ل ي َن ْ ُ دو ِ
ن ُ
م ْ
ن )ِ (92
دو َ ما ك ُن ْت ُ ْ
م ت َعْب ُ ُ ن َ
م أي ْ َوَِقي َ ُ ْ
ن )(93 َ
صُرو َأوْ ي َن ْت َ ِ
مههن دون اللههه،
خا :أيههن آلهتكههم الههتي كنتههم تعبههدونها ِ
وقيل لهم توبي ً
وتزعمون أنها تشفع لكم اليوم؟ هل ينصههرونكم ,فيههدفعون العههذاب
عنكم ,أو ينتصرون بدفع العذاب عن أنفسهم؟ ل شيء من ذلك.
َ
ن )(95
مُعو َ
ج َ
سأ ْجُنود ُ إ ِب ِْلي َ م َوال َْغاُوو َ
ن ) (94وَ ُ فَك ُب ْك ُِبوا ِفيَها هُ ْ
معوا وألُقوا في جهنم ،هم والذين أضلوهم وأعوان إبليس الههذين ج ِ
ف ُ
زّينوا لهم الشر ,لم ي ُْفِلت منهم أحد.
ن )(97
مِبي ٍ
ل ُ
ضل ٍن ك ُّنا ل َِفي َ ن )َ (96تالل ّهِ إ ِ ْ
مو َص ُخت َ ِِفيَها ي َ ْ َقاُلوا وَهُ ْ
م
َ
ن )(99 مو َجرِ ُ ضل َّنا إ ِل ّ ال ْ ُ
م ْ ما أ َ ن ) (98وَ َ ب ال َْعال َ ِ
مي َ ب َِر ّ مويك ُ ْ إ ِذ ْ ن ُ َ
س ّ
مههن أضههلوهم،قالوا معترفين بخطئهم ،وهم يتنازعون في جهنم مع َ
تالله إننا كنا في الدنيا فههي ضههلل واضههح ل خفههاء فيههه; إذ نسههويكم
برب العالمين المستحق للعبادة وحده .وما أوقعنا في هههذا المصههير
السّيئ إل المجرمون الذين دعونا إلى عبادة غير الله فاتبعناهم.
ميم ٍ )(101
ح ِ
ق َ
دي ٍ
ص ِ
ن )َ (100ول َ ن َ
شافِِعي َ ما ل ََنا ِ
م ْ فَ َ
729
دق فههي مودتنهها
صه ُ فل أحد َ يشفع لنا ،ويخّلصنا من العذاب ،ول َ
مههن ي َ ْ
ويشفق علينا.
َ
ن )(102
مِني َ ن ال ْ ُ
مؤ ْ ِ م ْ
ن ِ ن ل ََنا ك َّرةً فَن َ ُ
كو َ فَل َوْ أ ّ
فليت لنا رجعة إلى الدنيا ,فنصير من جملة المؤمنين الناجين.
ة ومهها ك َهها َ
ك ل َهُ ه َ
و ن َرب ّه َ
ن ) (103وَإ ِ ّ م هؤ ْ ِ
مِني َ ن أك ْث َُرهُ ه ْ
م ُ َ ك لي َ ً َ َن ِفي ذ َل ِ َ إِ ّ
م )(104 حي ُ
زيُز الّر ِ ال ْعَ ِ
إن في نبأ إبراهيم السابق َلعبرة ِلمن يعتههبر ,ومهها صههار أكههثر الههذين
سمعوا هذا النبأ مؤمنين .وإن ربك لهو العزيز القههادر علههى النتقههام
من المكذبين ,الرحيم بعباده المؤمنين.
خوهُم نو َ م أَ ُ
ن
ح أل ت َت ُّقو َ ْ ُ ٌ ل ل َهُ ْ ن ) (105إ ِذ ْ َقا َ سِلي َ مْر َ ح ال ْ ُ ٍ م ُنو ت قَوْ ُ ك َذ ّب َ ْ
َ ) (106إني ل َك ُم رسو ٌ َ
ن )(108 طيعُههو ِ ه وَأ ِ ن ) (107فَههات ُّقوا الل ّه َ مي ٌ لأ ِ ْ َ ُ ِّ
ن )(109 مي َ ل ها
ه عْ ل ا ب ر هى ه َ ل ع ّ ل إ ري ه ج َ أ ن إ ر ه ج َ أ ن م ه يَ ل ع م ُ كُ لوما أ َسأ َ
َ ِ َ ّ َ َ ِ ِ ْ ْ ٍ ِ ْ ْ ِ ِ ْ َ ْ ْ َ َ
َ
ن )(110 طيُعو ِ ه وَأ ِ َفات ُّقوا الل ّ َ
ذبت قوم نوح رسالة نبيهم ،فكانوا بهههذا مكههذبين لجميههع الرسههل; كَ ّ
لن كل رسول يأمر بتصديق جميع الرسل .إذ قال لهم أخوهم نوح:
أل تخشون اللهه بهترك عبهادة غيهره؟ إنهي لكهم رسهول أميهن فيمها
أبلغكم ،فاجعلوا اليمان وقاية لكم من عذاب اللههه وأطيعههوني فيمهها
آمركم بههه مههن عبههادته وحههده .ومهها أطلههب منكههم أجهًرا علههى تبليههغ
الرسالة ،مهها أجههري إل علههى رب العههالمين ،المتصههرف فههي خلقههه،
فاحذروا عقابه ,وأطيعوني بامتثال أوامره ،واجتناب نواهيه.
َ
ك ال َْرذ َُلو َ
ن )(111 ن لَ َ
ك َوات ّب َعَ َ َقاُلوا أن ُؤْ ِ
م ُ
دقك ونتبعههك ,والههذين اتبعههوك أراذل النههاس
قال له قومه :كيف نص ّ
وأسافلهم؟
730
مُلو َ
ن )(112 ما َ
كاُنوا ي َعْ َ عل ْ ِ
مي ب ِ َ ما ِ َقا َ
ل وَ َ
فأجابهم نوح عليه السلم بقوله :لست مكلًفا بمعرفة أعمالهم ,إنما
ُ
كلفههت أن أدعههوهم إلههى اليمههان .والعتبههار باليمههان ل بالحسههب
حرف والصنائع. والنسب وال ِ
ن )(116
مي َ
جو ِ ن ال ْ َ
مْر ُ م ْ
ن ِ ح ل َت َ ُ
كون َ ّ ن لَ ْ
م ت َن ْت َهِ َيا ُنو ُ َقاُلوا ل َئ ِ ْ
عدل قوم نوح عن المحاورة إلى التهديد ,فقالوا له :لئن لههم ترجههع-
ن المقتولين رمًيا بالحجارة.
م َن ِ
يا نوح -عن دعوتك لتكون ّ
م فَْتح ها ً وَن َ ّ
جن ِههي ح ب َي ِْني وَب َي ْن َهُ ه ْ مي ك َذ ُّبو ِ
ن )َ (117فافْت َ ْ ن قَوْ ِ
ب إِ ّ َقا َ
ل َر ّ
ن )(118مِني َ ن ال ْ ُ
مؤ ْ ِ م ْمِعي ِن َ م ْ
وَ َ
فلما سمع نوح قهولهم ههذا دعها ربهه بقهوله :رب إن قهومي أصهروا
من جحههد توحيههدك
ما ُتهلك به َ
على تكذيهبي ،فاحكم بيني وبينهم حك ً
مهن معهي مهن المهؤمنين ممها تعهذب بهه ذب رسهولك ،ونجنهي و َوك ّ
الكافرين.
َ
ن )(119
حو ِ
ش ُ ك ال ْ َ
م ْ ه ِفي ال ُْفل ْ ِ
مع َ ُ
ن َ
م ْ فَأن َ
جي َْناهُ وَ َ
من معه في السفينة المملوءة بصنوف المخلوقههات الههتي
فأنجيناه و َ
حملها معه.
731
ثُ َ
م أغَْرقَْنا ب َعْد ُ ال َْباِقي َ
ن )(120 ّ
مههن
ثم أغرقنا بعد إنجاء نوح ومن معههه البههاقين ،الههذين لههم يؤمنههوا ِ
دوا عليه النصيحة.قومه ور ّ
كا َ
ن )(121 مؤ ْ ِ
مِني َ ن أك ْث َُرهُ ْ
م ُ ما َ َ
ة وَ َ ن ِفي ذ َل ِ َ
ك لي َ ً إِ ّ
إن في نبأ نوح وما كان من إنجاء المؤمنين وإهلك المكذبين َلعلمة
وعبرة ً عظيمة لمن بعدهم ,وما كان أكثر الذين سمعوا هذه القصههة
مؤمنين بالله وبرسوله وشرعه.
م )(122
حي ُ ك ل َهُوَ ال ْعَ ِ
زيُز الّر ِ ن َرب ّ َ
وَإ ِ ّ
وإن ربك لهو العزيز في انتقامه ممن كفر به وخالف أمره ,الرحيههم
بعباده المؤمنين.
ن )(123
سِلي َ عاد ٌ ال ْ ُ
مْر َ ك َذ ّب َ ْ
ت َ
دا -عليه السههلم -فكههانوا بهههذا مكه ّ
ذبين ك ّ
ذبت قبيلة عاد رسولهم هو ً
لجميع الرسل؛ لتحاد دعوتهم في أصولها وغايتها.
َ
ن خل ُه ُ
دو َ صان ِعَ ل َعَل ّك ُه ْ
م تَ ْ م َ
ن َ خ ُ
ذو َ ة ت َعْب َُثو َ
ن ) (128وَت َت ّ ِ ن ب ِك ُ ّ
ل ِريٍع آي َ ً أت َب ُْنو َ
732
ن )(130
جّباِري َ
م َ م ب َط َ ْ
شت ُ ْ ذا ب َط َ ْ
شت ُ ْ ) (129وَإ ِ َ
ن
مه َ
أتبنون بكل مكان مرتفع بنههاء عالي ًهها تشههرفون منههه فتسههخرون ِ
المارة؟ وذلك عبث وإسههراف ل يعهود عليكهم بفههائدة فهي الههدين أو
الدنيا ,وتتخذون قصوًرا منيعة وحصوًنا مشّيدة ،كههأنكم تخلههدون فههي
الدنيا ول تموتون ،وإذا بطشتم بأحد من الخلق قتل أو ضرًبا ،فعلتههم
ذلك قاهرين ظالمين.
َ َ
ن )(132 ما ت َعْل َ ُ
مو َ مد ّك ُ ْ
م بِ َ ذي أ َن )َ (131وات ُّقوا ال ّ ِ طيُعو ِ
ه وَأ ِ َفات ُّقوا الل ّ َ
َ َ
ن )(134 ت وَعُُيو ٍجّنا ٍ ن ) (133وَ َ مد ّك ُ ْ
م ب ِأن َْعام ٍ وَب َِني َ أ َ
فخافوا الله ،وامتثلوا ما أدعوكم إليه فإنه أنفههع لكههم ،واخشههوا اللههه
الذي أعطههاكم مههن أنههواع النعههم مهها ل خفههاء فيههه عليكههم ،أعطههاكم
النعههام :مههن البههل والبقههر والغنههم ،وأعطههاكم الولد ،وأعطههاكم
جر لكم الماء من العيون الجارية. البساتين المثمرة ,وف ّ
ظيم ٍ )(135
ب ي َوْم ٍ عَ ِ
ذا َ ف عَل َي ْك ُ ْ
م عَ َ إ ِّني أ َ َ
خا ُ
سلم -محذًرا لهم :إني أخاف إن أصررتم على مهها قال هود -عليه ال ّ
أنتم عليه من التكذيب والظلم وك ُْفر الّنعم ،أن ينزل الله بكم عههذاًبا
في يوم تعظم شدته من هول عذابه.
َ َ
ن )(136
ظي َ
ع ِ ن ال ْ َ
وا ِ م ْ
ن ِ م لَ ْ
م ت َك ُ ْ تأ ْواءٌ عَل َي َْنا أوَعَظ ْ َ َقاُلوا َ
س َ
قالوا له :يستوي عندنا تذكيرك وتخويفك لنا وتركه ,فلن نؤمن لك.
َ
معَذ ِّبي َ
ن )(138 ن بِ ُ
ح ُ
ما ن َ ْ خل ُقُ الوِّلي َ
ن ) (137وَ َ ذا إ ِل ّ ُ
ن هَ َ
إِ ْ
وقالوا :ما هذا الذي نحن عليه إل دين الولين وعاداتهم ،وما نحن
حذ ّْرتنا منه من العذاب.
بمعذبين على ما نفعل مما َ
ن )(141
سِلي َ مود ُ ال ْ ُ
مْر َ ك َذ ّب َ ْ
ت ثَ ُ
حا في رسالته ودعوته إلى توحيد الله،
ذبت قبيلة ثمود أخاهم صال ً ك ّ
ذبين لجميع الرسل; لنهم جميًعا يدعون إلى توحيدفكانوا بهذا مك ّ
الله.
َ
ن )(147 ت وَعُي ُههو ٍ جن ّهها ٍن ) (146فِههي َ مِني ه َ
هاهُن َهها آ ِ
مهها َ
ن فِههي َ أت ُت َْرك ُههو َ
ن ل ب ُُيوتا ً َفارِ ِ
هي َ جَبا ِن ال ْ ِ
م ْن ِ
حُتو َ
م ) (148وَت َن ْ ِ ضي ٌل ط َل ْعَُها هَ ِ
خ ٍ
وَُزُروٍع وَن َ ْ
)(149
أيترككم ربكم فيما أنتم فيه من النعيم مستقرين في هذه الدنيا
آمنين من العذاب والزوال والموت؟ في حدائق مثمرة وعيون
جارية وزروع كثيرة ونخل ثمرها يانع لين نضيج ،وتنحتون من
طرين. َ
شرين ب َ ِ
الجبال بيوًتا ماهرين بنحتها ,أ ِ
َ َ
ن )(151
سهرِِفي َ مهَر ال ْ ُ
م ْ طيعُههوا أ ْ
ن )َ (150ول ت ُ ِ طيعُههو ِ فَههات ُّقوا الل ّه َ
ه وَأ ِ
ن )(152 حو َ صل ِ ُ َ ال ّ ِ
ض َول ي ُ ْ
ن ِفي الْر ِ دو َس ُن ي ُْف ِ
ذي َ
734
فخافوا عقوبة الله ,واقبلوا نصحي ،ول تنقادوا لمر المسرفين على
أنفسهم المتمادين في معصية الله الذين دأبوا على الفساد في
دا ل إصلح فيه.
الرض إفسا ً
َ
ن )(157
مي َ
حوا َنادِ ِ ها فَأ ْ
صب َ ُ فَعََقُرو َ
735
م )(159
حي ُ ك ل َهُوَ ال ْعَ ِ
زيُز الّر ِ ن َرب ّ َ
وَإ ِ ّ
وإن ربك لهو العزيز القاهر المنتقم من أعدائه المكذبين ،الرحيم
بمن آمن من خلقه.
ن )(160
سِلي َ ط ال ْ ُ
مْر َ م ُلو ٍ ك َذ ّب َ ْ
ت قَوْ ُ
كَ ّ
ذبت قوم لوط برسالته ,فكانوا بهذا مكذبين لسائر رسل الله؛ لن
ما جاؤوا به من التوحيد وأصول الشرائع واحد.
ن م م ُ ك بر م ُ كَ ل قَ ل خ ما ن روَ ذ تو (165 ) ن مي َ ل عا ْ ل ا ن م ن را ْ كّ ذال ن تو أ َتأ ْ
ْ ِ ْ ّ َ ْ َ َ َ َ َ ُ َ َ ِ َ ْ ِ َ َ َ ُ َ
َ َ
ن )(166 دو َ عا ُ م َ م قَوْ ٌل أن ْت ُ ْ م بَ ْجك ُ ْأْزَوا ِ
من بني آدم ،وتههتركون مهها خلههق اللههه لسههتمتاعكم
أتنكحون الذكور ِ
من أزواجكم؟ بل أنتم قوم -بهههذه المعصههية -متجههاوزون وتناسلكم ِ
ما أباحه الله لكم من الحلل إلى الحرام.
ن )(167
جي َ
خَر ِ ن ال ْ ُ
م ْ م ْ
ن ِ ط ل َت َ ُ
كون َ ّ م ت َن ْت َهِ َيا ُلو ُ
ن لَ ْ
َقاُلوا ل َئ ِ ْ
قال قوم لوط :لئن لم تترك يا لوط ن َهَْينا عن إتيههان الههذكور وتقبيههح
فعله ،لتكونن من المطرودين من بلدنا.
ن ال َْقاِلي َ
ن )(168 م ْ مل ِك ُ ْ
م ِ َقا َ
ل إ ِّني ل ِعَ َ
736
قال لوط لهم :إني ِلعملكم الذي تعملههونه مههن إتيههان الههذكورَ ،لمههن
دا.
ضا شدي ً
المبغضين له بغ ً
َ
مُلو َ
ن )(169 ما ي َعْ َ
م ّ
جِني وَأهِْلي ِ
ب نَ ّ
َر ّ
ب أنقههذنيثم دعا لوط ربه حينمهها يئس مههن اسههتجابتهم لههه قههائل ر ّ
مهن
مهن ههذه المعصهية القبيحههة ,و ِ وأنقذ أهلهي ممهها يعملهه قههومي ِ
عقوبتك التي ستصيبهم.
فَنجيناه وأ َهْل َ َ
ن )(171 جوزا ً ِفي ال َْغاب ِ ِ
ري َ ن ) (170إ ِل ّ عَ ُ
مِعي َ
ج َ
هأ ُْ َ ّ َْ ُ َ
فنجيناه وأهههل بيتههه والمسههتجيبين لههدعوته أجمعيههن إل عجههوًزا مههن
أهله ،وهي امرأته ،لم تشاركهم في اليمان ،فكانت من الباقين في
العذاب والهلك.
م َ َ
طههُر طههرا ً فَ َ
سههاءَ َ م َ مط َْرَنهها عَل َي ِْههه ْ
م َ ن ) (172وَأ ْ
ريهه َ
خ ِمْرَنهها ال َم دَ ُّثهه ّ
ن )(173 منذ َِري َال ْ ُ
من عداهم من الكفرة أشد ّ إهلك ،وأنزلنا عليهههم حجههارة ثم أهلكنا َ
ح مطُر مههن أنههذرهم رسهلهم ولهم من السماء كالمطر أهلكتهم ,فَقب ُ َ
يستجيبوا لهم؛ فقد ُأنزل بهم أشد ّ أنواع الهلك والتدمير.
كا َ
ن )(174 مؤ ْ ِ
مِني َ ن أك ْث َُرهُ ْ
م ُ ما َ َ
ة وَ َ ن ِفي ذ َل ِ َ
ك لي َ ً إِ ّ
إن في ذلك العقاب الذي نزل بقوم لوط َلعبرة وموعظة ,يتعظ بههها
المكذبون .وما كان أكثرهم مؤمنين.
م )(175
حي ُ ك ل َهُوَ ال ْعَ ِ
زيُز الّر ِ ن َرب ّ َ
وَإ ِ ّ
وإن ربك لهو العزيز الغهالب الهذي يقهههر المكههذبين ,الرحيههم بعبهاده
المؤمنين.
737
َ َ َ
ن
ب أل ت َت ُّقو َ شعَي ْ ٌم ُ ل ل َهُ ْن ) (176إ ِذ ْ َقا َ سِلي َمْر َ ب الي ْك َةِ ال ْ ُ حا ُ
ص َبأ ْ ك َذ ّ َ
َ ) (177إني ل َك ُم رسو ٌ َ
ن )(179 طيعُههو ِ ه وَأ ِ ن ) (178فَههات ُّقوا الل ّه َ مي ٌلأ ِ ْ َ ُ ِّ
َ َ وما أ َ َ
ن )(180 مي َ ب ال َْعال َ ِ ري إ ِل ّ عََلى َر ّج ِ
نأ ْ جرٍ إ ِ ْنأ ْ م ْ م عَل َي ْهِ ِ
سأل ُك ُ ْ ْ َ َ
ذب أصههحاب الرض ذات الشههجر الملتههف رسههولهم شههعيًبا فههي كه ّ
ذبين لجميع الرسالت .إذ قال لهههم شههعيب: رسالته ،فكانوا بهذا مك ّ
سل إليكههم أل تخشون عقاب الله على شرككم ومعاصيكم؟ إني مر َ
ي مههن الرسههالة,ن الله لهدايتكم ،حفيظ على ما أوحى الله بههه إله ّ م َ
ِ
من هداية الله؛ لترشدوا, فخافوا عقاب الله ,واتبعوا ما دعوتكم إليه ِ
وما أطلب منكم على دعائي لكم إلههى اليمههان بههالله أيّ جههزاء ،مهها
جزائي إل على رب العالمين.
س سه َ
طا ق ن ) (181وَزِن ُههوا ِبال ْ ري ه س خ
ْ م ْ ل ا ن ه م نوا ُ
كو ت ول َ
ل يَ ك ْ ل ا فواُ وأَ
َ ِ ْ ِ َ ِ ِ ُ ْ ِ ُ َ َ ْ ْ
َ
ض
وا ِفههي الْر ِ َ
م َول ت َعْثهه ْ
شَياَءهُ ْ سأ ْ سوا الّنا َ خ ُ ست َِقيم ِ )َ (182ول ت َب ْ َ م ْ ال ْ ُ
ن )(183 دي َ س ِمْف ِ ُ
مههوا الكيههلقصون الكيل والميههزان :-أت ّ قال لهم شعيب -وقد كانوا ي ُن ْ ِ
قصههون النههاس حقههوقهم ,وَِزنههوا للناس وافًيا لهم ،ول تكونوا ممن ي ُن ْ ِ
من حقوقهم فههي بالميزان العدل المستقيم ،ول تنقصوا الناس شيًئا ِ
كيل أو وزن أو غير ذلههك ،ول تكههثروا فههي الرض الفسههاد ،بالشههرك
والقتل والنهب وتخويف الناس وارتكاب المعاصي.
َ َ
مث ْل ُن َهها وَإ ِ ْ
ن ت إ ِل ّ ب َ َ
ش هٌر ِ ما أن ْه َ ن ) (185وَ َ ري ََ
ح ِ
س ّ ن ال ْ ُ
م َ م ْت ِ ما أن ْ ََقاُلوا إ ِن ّ َ
نماءِ إ ِ ْ
سه َ ن ال ّمه ْسههفا ً ِ ط عَل َي ْن َهها ك ِ َ
سهِق ْ
ن ) (186فَأ ْ ن ال ْك َههاذِِبي َم ْك لَ ِ ن َظ ُن ّ َ
ن )(187 صادِِقي َ ن ال ّ م ْ ت ِ ك ُن ْ َ
ن الذين أصابهم السحر إصابة شديدة، م َقالوا :إنما أنت -يا شعيبِ -
فذهب بعقولهم ،وما أنت إل واحد مثلنا في البشرية ،فكيف تختههص
دعيه مههن
دوننا بالرسالة؟ وإن أكبر ظننا أنههك مههن الكههاذبين فيمهها ته ّ
الرسالة .فإن كنت صادًقا في دعوى النبههوة ،فههادع اللههه أن يسههقط
738
علينا قطع عذاب من السماء تستأصلنا.
َ
مُلو َ
ن )(188 ما ت َعْ َ ل َرّبي أعْل َ ُ
م بِ َ َقا َ
ن الشههرك والمعاصههي،
مه َ
قال لهم شعيب :ربي أعلههم بمهها تعملههونه ِ
وبما تستوجبونه من العقاب.
َ
ظيهم ٍ )
ب ي َهوْم ٍ عَ ِ ن عَه َ
ذا َ ب ي َهوْم ِ الظ ّل ّهةِ إ ِن ّه ُ
ه ك َهها َ م عَ َ
ذا ُ فَك َذ ُّبوهُ فَأ َ
خذ َهُ ْ
(189
مّروا على تكذيبه ،فأصابهم الحر الشديد ،وصاروا يبحثههون عههن فاست َ
ما ،فلمهادا ونسههي ً
ملذ يستظلون به ،فأظلتهم سحابة ،وجدوا لهها بههر ً
اجتمعوا تحتها ،التهبت عليهم ناًرا فههأحرقتهم ،فكههان هلكهههم جميعًهها
في يوم شديد الهول.
كا َ
ن )(190 مؤ ْ ِ
مِني َ ن أك ْث َُرهُ ْ
م ُ ما َ َ
ة وَ َ ن ِفي ذ َل ِ َ
ك لي َ ً إِ ّ
إن في ذلك العقاب الذي نزل بهمَ ،لدللة واضحة علههى قههدرة اللههه
في مؤاخذة المكذبين ،وعبرة لمن يعتبر ،وما كان أكههثرهم مههؤمنين
متعظين بذلك.
م )(191
حي ُ ك ل َهُوَ ال ْعَ ِ
زيُز الّر ِ ن َرب ّ َ
وَإ ِ ّ
وإن ربك -أيها الرسول -لهو العزيز في نقمته ممن انتقم منه مههن
أعدائه ،الرحيم بعباده الموحدين.
ن ) (193عََلى
مي ُح ال َ ِ ن ) (192ن ََز َ
ل ب ِهِ الّرو ُ مي َب ال َْعال َ ِل َر ّ ل َت َن ْ ِ
زي ُ ه
وَإ ِن ّ ُ
ن )(195مِبي ٍي ُن عََرب ِ ّ
سا ٍن ) (194ب ِل ِ َمنذِِري َ ن ال ْ ُم ْ
ن ِ ل ِت َ ُ
كو َ كقَل ْب ِ َ
َ
ن )(196 ه ل َِفي ُزب ُرِ الوِّلي َوَإ ِن ّ ُ
ت
ش هَر ْ ن ذِك َْر هذا القرآن َلمثب ٌ
ت في كتب النبياء السههابقين ,قههد ب َ ّ وإ ّ
صد ّقَْته.
به و َ
أ َول َم يك ُن ل َهم آي ً َ
سَراِئي َ
ل )(197 ه عُل َ َ
ماءُ ب َِني إ ِ ْ ن ي َعْل َ َ
م ُ ةأ ْ َ ْ َ ْ ُ ْ َ
أولم ي َك ْ ِ
ف هؤلء -فهي الدللهة علهى أنههك رسهول اللهه ,وأن القههرآن
من آمن منهم كعبد اللهههم علماء بني إسرائيل صحة ذلك ،و َ عل ْ ُ
حقِ -
بن سلم؟
َ
مهها ك َههاُنوا ب ِههِ
م َن ) (198فََقَرأهُ عَل َي ْهِ ه ْ مي َ ج ِض ال َعْ َ َ ْ َ
وَلوْ ن َّزلَناهُ عَلى ب َعْ ِ
ن ) (200ل ميهه َ
جرِ ِ م ْ ب ال ْ ُ
سههل َك َْناهُ ِفههي قُُلههو ِك َ ن )َ (199
كههذ َل ِ َ مههؤْ ِ
مِني َ ُ
م )(201 َ حّتى ي ََرْوا ال ْعَ َ ي ُؤْ ِ
ب الِلي َ ذا َ ن ب ِهِ َمُنو َ
ولو ن َّزلنا القرآن على بعض الذين ل يتكلمون بالعربية ,فقههرأه علههى
ضهها ،وانتحلههوا
كفههار قريههش قههراءة عربيههة صههحيحة ,لكفههروا بههه أي ً
لجحودهم عذًرا .كذلك أدخلنا في قلوب المجرميههن جحههود القههرآن،
وصار متمكًنا فيها؛ وذلك بسبب ظلمهم وإجرامهههم ،فل سههبيل إلههى
ما هم عليههه مههن إنكههار القههرآن ،حههتى يعههاينوا العههذاب أن يتغيروا ع ّ
عدوا به.
الشديد الذي وُ ِ
740
جُلو َ
ن )(204 ست َعْ ِ أ َفَب ِعَ َ
ذاب َِنا ي َ ْ
أ َغَّر هؤلء إمهالي ،فيستعجلون نزول العذاب عليهم من السماء؟
َ َ
ن) مهها ك َههاُنوا ُيوعَه ُ
دو َ م َ
جههاَءهُ ْ ن ) (205ث ُه ّ
م َ سِني َ
م ِ
مت ّعَْناهُ ْ
ن َ أفََرأي ْ َ
ت إِ ْ
(206
مّتعناهم بالحيههاة سههنين طويلههة بتههأخير
أفعلمت -أيها الرسول -إن َ
آجالهم ،ثم نزل بهم العذاب الموعود؟
ما َ َ
ن )(207
مت ُّعو َ
كاُنوا ي ُ َ ما أغَْنى عَن ْهُ ْ
م َ َ
ما أغنى عنهم تمتعهم بطول العمر ،وطيب العيش ،إذا لم يتوبوا
من شركهم؟ فعذاب الله واقع بهم عاجل أم آجل.
ن)
طيُعو َ
س هت َ ِ
مهها ي َ ْ ما ي َن ْب َِغي ل َهُ ه ْ
م وَ َ ن ) (210وَ َ طي ُ شَيا ِت ب ِهِ ال ّما ت َن َّزل َ ْ
وَ َ
ن )(212 معُْزوُلو َ
مِع ل َ َس ْ
ن ال ّم عَ ْ (211إ ِن ّهُ ْ
وما ت َن َّزل َ ْ
ت بالقرآن على محمد الشياطين -كما يزعم الكفرة -ول
يصح منهم ذلك ،وما يستطيعونه؛ لنهم عن استماع القرآن من
السماء محجوبون مرجومون بالشهب.
ن ال ْ ُ
معَذ ِّبي َ
ن )(213 م ْ
ن ِ
كو َ معَ الل ّهِ إ َِلها ً آ َ
خَر فَت َ ُ َفل ت َد ْعُ َ
دا غيره ,فينزل بك من العذاب ما نزل بهؤلء
فل تعبد مع الله معبو ً
الذين عبدوا مع الله غيره.
741
شيرت َ َ َ َ
ك القَْرِبي َ
ن )(214 وَأنذِْر عَ ِ َ
من عذابنا ،أن
من قومكِ ، وح ّ
ذر -أيها الرسول -القرب فالقرب ِ
ينزل بهم.
ن )(215 ن ال ْ ُ
مؤ ْ ِ
مِني َ م ْ ن ات ّب َعَ َ
ك ِ م ْ ح َ
ك لِ َ جَنا َ
ض َ
خِف َْوا ْ
ن جانبك وكلمك تواضًعا ورحمة لمن ظهر لك منه إجابة دعوتك. َ
وأ ل ِ ْ
مُلو َ
ن )(216 ما ت َعْ َ
م ّ
ريءٌ ِ
ل إ ِّني ب َ ِ صو ْ َ
ك فَُق ْ فَإ ِ ْ
ن عَ َ
فإن خالفوا أمرك ولم يتبعوك ،فتبّرأ من أعمالهم ،وما هم عليه من
الشرك والضلل.
م )(218
ن ت َُقههو ُ
حي ه َ
ك ِ ذي ي َهَرا َحيم ِ ) (217ال ّه ِ زيزِ الّر ِل عََلى ال ْعَ ِ
وَت َوَك ّ ْ
م )(220 ميعُ ال ْعَِلي ُ
س ِ
ه هُوَ ال ّن ) (219إ ِن ّ ُدي َج ِ
سا ِك ِفي ال ّ وَت ََقل ّب َ َ
ض أمرك إلى الله العزيز الذي ل يغاَلب ول ي ُْقَهر ,الرحيم الذي وفَوّ ْ
ل يخذل أولياءه ،وهو الذي يراك حين تقوم للصلة وحدك في جوف
الليل ،ويرى تقّلبك مع الساجدين في صلتهم معك قائ ً
ما وراكًعا
سا ,إنه -سبحانه -هو السميع لتلوتك وذكرك ,العليم دا وجال ً
وساج ً
بنيتك وعملك.
ن
مه ْ ه ك َِثيههرا ً َوانت َ َ
ص هُروا ِ ت وَذ َك َُروا الل ّ َحا ِ صال ِ َمُلوا ال ّ مُنوا وَعَ ِ
نآ َ إ ِل ّ ال ّ ِ
ذي َ
َ
ن )(227 ب َينَقل ُِبو َ منَقل َ ٍموا أيّ ُ ن ظ َل َ ُ ذي َم ال ّ ِ
سي َعْل َ ُ
موا وَ َما ظ ُل ِ ُ ب َعْدِ َ
استثنى الله من الشعراِء الشعراَء الذين اهتد َْوا باليمان وعملوا
كر الله فقالوا الشعر في توحيد الله - من ذِ ْ
الصالحات ,وأكثروا ِ
ل ذكره ,والدفاع عن رسوله محمد صلى سبحانه -والثناء عليه ج ّ
الله عليه وسلم ،وتكلموا بالحكمة والموعظة والداب الحسنة،
من يهجوه أو يهجو رسوله ,رّدا على وانتصروا للسلم ،يهجون َ
الشعراء الكافرين .وسيعلم الذين ظلموا أنفسهم بالشرك
والمعاصي ،وظلموا غيرهم بغمط حقوقهم ,أو العتداء عليهم ,أو
بالّتهم الباطلة ,أي مرجع من مراجع الشر والهلك يرجعون إليه؟
إّنه منقلب سوء ,نسأل الله السلمة والعافية.
-27سورة النمل
ن )(1
مِبي ٍ
ب ُ ت ال ُْقْرآ ِ
ن وَك َِتا ٍ طس ت ِل ْ َ
ك آَيا ُ
طعة في أول سورة البقرة. الحروف المق ّ
هذه آيات القرآن وهي آيات الكتاب العزيز بينة المعنى ,واضحة
الدللة ,على ما فيه من العلوم والحكم والشرائع .فالقرآن هو
الكتاب ،جمع الله له بين السمين.
743
ن الّزك َههاةَ
صههلةَ وَي ُؤْت ُههو َ
ن ال ّ
مو َ
ن ي ُِقي ُ ن ) (2ال ّ ِ
ذي َ مِني َ شَرى ل ِل ْ ُ
مؤ ْ ِ دى وَب ُ ْهُ ً
ن )(3
م ُيوقُِنو َ خَرةِ هُ ْم ِبال ِوَهُ ْ
وهي آيات ترشد إلى طريق الفوز في الدنيا والخرة ,وتبشر بحسن
دقوا بها ,واهتد َْوا بهديها ,الذين يقيمون
ص ّ
الثواب للمؤمنين الذين َ
الصلوات الخمس كاملة الركان ,مستوفية الشروط ,ويؤدون
الزكاة المفروضة لمستحقيها ,وهم يوقنون بالحياة الخرة ,وما فيها
من ثواب وعقاب. ِ
خرة زينهها ل َه ه َ
ن )(4
مهُههو َ
م ي َعْ َم فَهُ ه ْمههال َهُ ْم أعْ َ
ُ ْ ن ِبال ِ َ ِ َ ّ ّ مُنو َن ل ي ُؤْ ِذي َ ن ال ّ ِإِ ّ
ن )(5
سُرو َ خ َ
َ
م ال ْ خَرةِ هُ ْ م ِفي ال ِ ب وَهُ ْ سوُء ال ْعَ َ
ذا ِ م ُ ن ل َهُ ْذي َك ال ّ ِ أ ُوْل َئ ِ َ
سّنا لهم
دقون بالدار الخرة ,ول يعملون لها ح ّ ص ّ
إن الذين ل ي ُ َ
أعمالهم السيئة ,فرأوها حسنة ,فهم يترددون فيها متحّيرين .أولئك
ة ,وهم سًرا و ُ
ذل وهزيم ً َ
الذين لهم العذاب السّيئ في الدنيا قتل وأ ْ
في الخرة أشد الناس خسراًنا.
َ َ
خب َهرٍ أوْ آِتيك ُه ْ
م من ْهَهها ب ِ َ
م ِ ت ن َههارا ً َ
سههآِتيك ُ ْ س ُسى لهْل ِهِ إ ِّني آن َ ْ مو َل ُإ ِذ ْ َقا َ
ن )(7 صط َُلو َم تَ ْ س ل َعَل ّك ُ ْ
ب قَب َ ٍشَها ٍ
بِ ِ
اذكر قصة موسى حين قال لهله في مسيره من "مدين" إلى
ت ناًرا سآتيكم منها بخبر يدلنا على الطريق ,أو
صْر ُ
"مصر" :إني أب َ
آتيكم بشعلة نار; كي تستدفئوا بها من البرد.
َ
ن الّلهههِ حا َسههب ْ َحوْل ََها وَ ُ ن َ م ْ ن ِفي الّنارِ وَ َ م ْك َن ُبورِ َ ها ُنودِيَ أ ْ جاَء َما َفَل َ ّ
ق َْ زيهُز ال ْ َ ه ال ْعَ ِ
رب ال ْعال َمين ) (8يا موسى إنه َ
ه أن َهها الل ّه ُ
م ) (9وَأله ِ كيه ُ ح ِ ِّ ُ َ ُ َ
َ َ ِ َ َ ّ
سههى ل مو َ ب ي َهها ُ م ي ُعَّق ْ مد ِْبرا ً وَل َ ْن وَّلى ُ جا ّ ها ت َهْت َّز ك َأن َّها َ
ما َرآ َ ك فَل َ ّ
صا َ عَ َ
سههنا ً
ح ْل ُ م ب َد ّ َ م ثُ ّن ظ َل َ َ م ْ ن ) (10إ ِل ّ َ سُلو َ مْر َ ف ل َد َيّ ال ْ ُ خا ُ ف إ ِّني ل ي َ َ خ ْ تَ َ
744
ضاءَ ج ب َي ْ َ
خُر ْ جي ْب ِ َ
ك تَ ْ ك ِفي َ ل ي َد َ َ م ) (11وَأ َد ْ ِ
خ ْ حي ٌسوٍء فَإ ِّني غَُفوٌر َر ِب َعْد َ ُ
وم ها ًم ك َههاُنوا قَ ْ ن وَقَ هوْ ِ
مهِ إ ِن ّهُه ْ ت إ َِلى فِْرعَهوْ َ
سِع آَيا ٍسوٍء ِفي ت ِ ْ ن غَي ْرِ ُ
م ِْ
ن )(12 َفا ِ
سِقي َ
دسه الله نق ّفلما جاء موسى الناَر ناداه الله وأخبره أن هذا مكا ٌ
منوباركه فجعله موضًعا لتكليم موسى وإرساله ,وأن الله بارك َ
ن الملئكة ,وتنزيًها لله رب الخلئق عما ل م َمن حولها ِ في النار و َ
يليق به .يا موسى إنه أنا الله المستحق للعبادة وحدي ,العزيز
الغالب في انتقامي من أعدائي ,الحكيم في تدبير خلقي .وألق
حّر َ
ك الحية عصاك فألقاها فصارت حية ,فلما رآها تتحرك في خفة ت َ َ
السريعة وّلى هارًبا ولم يرجع إليها ,فطمأنه الله بقوله :يا موسى ل
من تجاوز ف ,إني ل يخاف لديّ من أرسلتهم برسالتي ,لكن َ خ ْتَ َ
سن التوبة بعد قبح الذنب ,فإني غفور ح ْ
دل ُالحد ّ بذنب ,ثم تاب فب ّ
له رحيم به ,فل ييئس أحد ٌ من رحمة الله ومغفرته .وأدخل يدك في
جيبك تخرج بيضاء كالثلج من غير ب ََرص في جملة تسع معجزات،
وهي مع اليد :العصا ،والسنون ،ونقص الثمرات ،والطوفان،
مل ،والضفادع ،والدم؛ لتأييدك في رسالتك إلى والجراد ،والُق ّ
ما خارجين عن أمر الله كافرين به. فرعون وقومه ,إنهم كانوا قو ً
ن )(13
مِبي ٌ
حٌر ُ
س ْ صَرةً َقاُلوا هَ َ
ذا ِ مب ْ ِ
م آَيات َُنا ُ
جاَءت ْهُ ْ فَل َ ّ
ما َ
من نظر إليها
فلما جاءتهم هذه المعجزات ظاهرة بّينة يبصر بها َ
ح بّين.
ة ما دلت عليه ,قالوا :هذا سحٌر واض ٌ
حقيق َ
ة
عاقِب َ ُ
ن َ م ظ ُْلما ً وَعُل ُوّا ً َفانظ ُْر ك َي ْ َ
ف َ َ
كا َ سه ُ ْ
ست َي َْقن َت َْها أن ُْف ُ
دوا ب َِها َوا ْح ُج َ
وَ َ
ن )(14 دي َس ِمْف ِال ْ ُ
ذبوا بالمعجزات التسع الواضحة الدللة على صدق موسى في وك ّ
نبوته وصدق دعوته ,وأنكروا بألسنتهم أن تكون من عند الله ,وقد
استيقنوها في قلوبهم اعتداًء على الحق وتكبًرا على العتراف به,
فانظر -أيها الرسول -كيف كان مصير الذين كفروا بآيات الله
وأفسدوا في الرض ,إذ أغرقهم الله في البحر؟ وفي ذلك عبرة
لمن يعتبر.
745
ضهل ََنا عَل َههى مد ُ ل ِّلههِ ال ّه ِ
ذي فَ ّ عْلما ً وََقال ال ْ َ
ح ْ ن ِ
ما َسل َي ْ َداُوود َ وَ ُ وَل ََقد ْ آت َي َْنا َ
ن )(15 مِني َ عَبادِهِ ال ْ ُ
مؤ ْ ِ ن ِ م ْ ك َِثيرٍ ِ
ضلنا
ما فعمل به ,وقال الحمد لله الذي ف ّ
ولقد آتينا داود وسليمان عل ً
بهذا على كثير من عباده المؤمنين .وفي الية دليل على شرف
العلم ,وارتفاع أهله.
َ َ
ن ال َْغههائ ِِبي َ
ن )(20 م ْ
ن ِ كا َم َ ما ِلي ل أَرى ال ْهُد ْهُد َ أ ْ ل َ وَت ََفّقد َ الط ّي َْر فََقا َ
شديدا ً أ َو ل َذ ْبحنه أ َو ل َيأ ْ
ن )(21 بي
ِ م
ُ نٍ طاسل ْ َ
ُ ِ ب نيِ َ يِ ت َ َ ّ ُ ْ َ ْ ذابا ً َ ِ ه عَ َ
لعَذ ّب َن ّ ُ
ٍ
وتفقد سليمان حال الطير المسخرة له وحال ما غاب منها ,وكان
عنده هدهد متميز معروف فلم يجده ,فقال :ما لي ل أرى الهدهد
سَتره ساتر عني ,أم أنه كان من الغائبين عني ,فلم الذي أعهده؟ أ َ
ن هذا الهدهد عذاًبا
أره لغيبته؟ فلما ظهر أنه غائب قال :لعذب ّ
دا لغيابه تأديًبا له ,أو لذبحّنه عقوبة على ما فعل حيث أخ ّ
ل بما شدي ً
خر له ,أو ليأتيّني بحجة ظاهرة ,فيها عذر لغيبته.س ّ
ُ
ن ل َُههه ْ
م ن الّلهههِ وََزّيهه َ دو ِ ن ُ
مهه ْس ِم ِ ن ِلل ّ
شهه ْ دو َ
ج ُسهه ُ
مَههها ي َ ْ جههد ْت َُها وَقَوْ َ
وَ َ
َ
ن )(24 دو َ ل فَهُ ْ
م ل ي َهْت َ ُ سِبي ِ
ن ال ّ
م عَ ْ م فَ َ
صد ّهُ ْ مال َهُ ْن أعْ َطا ُ شي ْ َ ال ّ
وجدُتها هي وقومها يعبدون الشمس معرضين عن عبادة الله,
سن لهم الشيطان أعمالهم السيئة التي كانوا يعملونها,
وح ّ
747
فصرفهم عن اليمان بالله وتوحيده ,فهم ل يهتدون إلى الله
وتوحيده وعبادته وحده.
ت وال َ أَ
ما ض وَي َعْل َ ُ
م َ ِ ر
ْ َ ِ وا
َ م
َ س
ّ ال في ِ َ ء ب ْ خ
َ ج ال ْ ُ ِ رخْ ُ ي ذي
ِ دوا ل ِل ّهِ ال ُّ ج
ُ س
ْ َ ي ّ ل
ظيم ِ )(26 ش ال ْعَ ِ ه إ ِل ّ هُوَ َر ّ ْ
ب العَْر ِ ه ل إ ِل َ َ ن ) (25الل ّ ُ ما ت ُعْل ُِنو َ ن وَ َ خُفو َ تُ ْ
سن لهم الشيطان ذلك; لئل يسجدوا لله الذي ُيخرج المخبوءح ّ
المستور في السموات والرض من المطر والنبات وغير ذلك,
ويعلم ما ُتسّرون وما تظهرون .الله الذي ل معبود يستحق العبادة
سواه ,رب العرش العظيم.
ن ال ْ َ َ َ
ههه َ
ذا ن ) (27اذ ْ َ
هب ب ِك َِتاِبي َ كاذِِبي َ م ْ
ت ِ كن َم ُتأ ْ سَننظ ُُر أ َ
صد َقْ َ ل َ َقا َ
َ
ن )(28 جُعو َ ما َ
ذا ي َْر ِ م َفانظ ُْر َ م ت َوَ ّ
ل عَن ْهُ ْ فَأل ِْقهِ إ ِل َي ْهِ ْ
م ثُ ّ
قال سليمان للهدهد :سنتأمل فيما جئتنا به من الخبر أصدقت في
ذلك أم كنت من الكاذبين فيه؟ اذهب بكتابي هذا إلى أهل "سبأ"
ح عنهم قريًبا منهم بحيث تسمع كلمهم ,فتأملفأعطهم إياه ,ثم تن ّ
ما يتردد بينهم من الكلم.
ُ َ
م )(29 ب كَ ِ
ري ٌ ي إ ِل َ ّ
ي ك َِتا ٌ مل إ ِّني أل ِْق َ َقال َ ْ
ت َيا أي َّها ال َ
ذهب الهدهد وألقى الكتاب إلى الملكة فقرأته ,فجمعت أشراف
ي كتاب جليل المقدار من
قومها ,وسمعها تقول لهم :إني وصل إل ّ
شخص عظيم الشأن.
َ
حيم ِ ) (30أل ّ ت َعُْلوا عَل َ ّ
ي ن الّر ِ
م ِ سم ِ الل ّهِ الّر ْ
ح َ ه بِ ْ
ن وَإ ِن ّ ُ
ما َسل َي ْ َن ُ م ْ
ه ِ
إ ِن ّ ُ
ن )(31 ْ
مي َسل ِ ِ م ْوَأُتوِني ُ
ثم بّينت ما فيه فقالت :إنه من سليمان ,وإنه مفتتح به "بسم الله
الرحمن الرحيم" أل تتكبروا ول تتعاظموا عما دعوتكم إليه ,وأقِْبلوا
ي منقادين لله بالوحدانية والطاعة مسلمين له.
إل ّ
748
كنهت َقاطعه ً َ َ َ َ
مههرا ً َ
حت ّههى ةأ ْ ِ َ مهها ُ ُ
ري َ مل أفْت ُههوِني فِههي أ ْ
مه ِ ت َيا أي َّها ال ََقال َ ْ
ن )(32 دو ِشه َ ُتَ ْ
ي في هذا المر ,ما كنت لفصل قالت :يا أيها الشراف أشيروا عل ّ
في أمر إل بمحضركم ومشورتكم.
َ ْ ُ ُ ح ُ ُ ُ
مهها َ
ذا ك فَههانظ ُ ِ
ري َ مُر إ ِل َي ْه ِ
ديدٍ َوال ْ س َ
ش ِ ن أوْلوا قُوّةٍ وَأولوا ب َأ ٍ َقاُلوا ن َ ْ
ْ
ن )(33 ري َ
م ِ
ت َأ ُ
دة وأصحاب قالوا مجيبين لها :نحن أصحاب قوة في العدد والعُ ّ
ت
ك ,وأن ِ
النجدة والشجاعة في شدة الحرب ,والمر موكول إلي ِ
صاحبة الرأي ,فتأملي ماذا تأمريننا به؟ فنحن سامعون لمرك
مطيعون لك.
749
ْ
من ْهَهها أ َذِل ّه ً
ة م ِ
جن ّهُ ه ْ م ب ِهَهها وَل َن ُ ْ
خرِ َ ل ل َهُ ه ْ
جُنودٍ ل قِب َ َ م فَل َن َأت ِي َن ّهُ ْ
م بِ ُ جعْ إ ِل َي ْهِ ْ
اْر ِ
ن )(37 صاِغُرو َ م َ وَهُ ْ
وقال سليمان عليه السلم لرسول أهل "سبأ" :ارجع إليهم ,فوالله
منلنأتيّنهم بجنود ل طاقة لهم بمقاومتها ومقابلتها ,ولنخرجّنهم ِ
أرضهم أذلة وهم صاغرون مهانون ,إن لم ينقادوا لدين الله وحده,
ويتركوا عبادة من سواه.
750
َ َ
ن)
دو َ
ن ل ي َهَْتهه ُ ن ال ّ ِ
ذي َ م ْ
ن ِ م تَ ُ
كو ُ شَها َننظ ُْر أت َهْت َ ِ
دي أ ْ ل ن َك ُّروا ل ََها عَْر َ
َقا َ
(41
قال سليمان لمن عنده :غّيروا سرير ملكها الذي تجلس عليه إلى
حال تنكره إذا رأته; لنرى أتهتدي إلى معرفته أم تكون من الذين ل
يهتدون؟
َ
سههاقَي َْها
ن َ ت عَ ه ْ ة وَك َ َ
شَف ْ ه لُ ّ
ج ً سب َت ْ ُح ِ ه َ ما َرأت ْ ُ ح فَل َ ّصْر َخِلي ال ّ ل ل ََها اد ْ ُ ِقي َ
سههي ت ن َْف ِ
مه ُ ب إ ِن ّههي ظ َل َ ْ
ت َر ّ واِريَر قَههال َ ْ ن قَ ه َمه ْ مهّرد ٌ ِم َ ح ُ صهْر ٌه َ ل إ ِن ّه َُقا َ
َ
ن )(44 مي َب ال َْعال َ ِ ن ل ِل ّهِ َر ّ
ما َ سل َي ْ َ
مع َ ُ ت َ م ُ سل َ ْوَأ ْ
من زجاج تحته ماء ,فلما رأته
قيل لها :ادخلي القصر ,وكان صحنه ِ
ظنته ماء تتردد أمواجه ,وكشفت عن ساقيها لتخوض الماء ,فقال
لها سليمان :إنه صحن أملس من زجاج صاف والماء تحته .فأدركت
عظمة ملك سليمان ,وقالت :رب إني ظلمت نفسي بما كنت عليه
751
ت متابعة لسليمان داخلة في دين رب العالمين
من الشرك ,وانقد ُ
أجمعين.
َ مود َ أ َ َ َ
ن م فَ ِ
ريَقا ِ ذا هُ ْ دوا الل ّ َ
ه فَإ ِ َ صاِلحا ً أ ْ
ن اعْب ُ ُ م َ
خاهُ ْ سل َْنا إ َِلى ث َ ُ
وَل ََقد ْ أْر َ
ن )(45 مو َ ص ُ
خت َ ِيَ ْ
حدوا الله ,ول تجعلوا معه
حا :أن و ّ
ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صال ً
ح داعًيا إلى توحيد الله وعبادته وحده صار
إلًها آخر ,فلما أتاهم صال ٌ
قومه فريقين :أحدهما مؤمن به ,والخر كافر بدعوته ,وكل منهم
يزعم أن الحق معه.
ن
س هت َغِْفُرو َ س هن َةِ ل َه ْ
ول ت َ ْ ل ال ْ َ
ح َ س هي ّئ َةِ قَب ْه َ جُلو َ
ن ِبال ّ ست َعْ ِ ل َيا قَوْم ِ ل ِ َ
م تَ ْ َقا َ
ن )(46 مو َح ُم ت ُْر َه ل َعَل ّك ُ ْ
الل ّ َ
م تبادرون الكفر وعمل السيئات الذي قال صالح للفريق الكافر :ل ِ َ
يجلب لكم العذاب ,وتؤخرون اليمان وفِْعل الحسنات الذي يجلب
لكم الثواب؟ هل تطلبون المغفرة من الله ابتداء ,وتتوبون إليه؛
رجاء أن ترحموا.
َ
ن)
حو َ
ص هل ِ ُ
ض َول ي ُ ْ
ن فِههي الْر ِ
دو َ
سه ُ
ط ي ُْف ِ
ة َرهْ ٍ
سع َ ُ
دين َةِ ت ِ ْ ن ِفي ال ْ َ
م ِ وَ َ
كا َ
(48
جر" الواقعة في شمال غرب
ح ْ
وكان في مدينة صالح -وهي "ال ِ
جزيرة العرب -تسعة رجال ,شأنهم الفساد في الرض ,الذي ل
يخالطه شيء من الصلح.
752
َ
مهِْلهه َ
ك ما َ
شهههِد َْنا َ م ل َن َُقول َ ّ
ن ل ِوَل ِي ّهِ َ ه وَأهْل َ ُ
ه ثُ ّ موا ِبالل ّهِ ل َن ُب َي ّت َن ّ ُ
س َُقاُلوا ت ََقا َ
َ
ن )(49 صادُِقو َأهْل ِهِ وَإ ِّنا ل َ َ
قال هؤلء التسعة بعضهم لبعض :تقاسموا بالله بأن يحلف كل
حا بغتة في الليل فنقتله ونقتل أهله ,ثم
ن صال ً
واحد للخرين :لنأتي ّ
من قرابته :ما حضرنا قتلهم ,وإنا لصادقون فيما ي الدم ِ لنقول َ ّ
ن لول ّ
قلناه.
َ
ن )(53 مُنوا وَ َ
كاُنوا ي َت ُّقو َ نآ َ جي َْنا ال ّ ِ
ذي َ وَأن َ
حا والمؤمنين به ,الذين كانوا وأنجينا مما ح ّ
ل بثمود من الهلك صال ً
يتقون بإيمانهم عذاب الله.
َ شه َ َ َ ْ
ن ) (54أئ ِن ّك ُه ْ
م ص هُرو َ
م ت ُب ْ ِ
ة وَأن ْت ُه ْ ن ال َْفا ِ
ح َ مهِ أت َهأُتو َ وَُلوطا ً إ ِذ ْ َقا َ
ل ل َِقوْ ِ
753
شهوةً من دون النساءِ ب ْ َ ْ
جهَُلو َ
ن )(55 م قَوْ ٌ
م تَ ْ ل أن ْت ُ ْ َ جا َ
ل َ ْ َ ِ ْ ُ ِ ّ َ ل َت َأُتو َ
ن الّر َ
واذكر لو ً
طا إذ قال لقومه :أتأتون الفعلة المتناهية في القبح ,وأنتم
ضا عنتعلمون قبحها؟ أإنكم لتأتون الرجال في أدبارهم للشهوة عو ً
النساء؟ بل أنتم قوم تجهلون حقّ الله عليكم ,فخالفتم بذلك أمره,
صي ُْتم رسوله بفعلتكم القبيحة التي لم يسبقكم بها أحد من وعَ َ
العالمين.
754
الجزء العشرون :
م ن قَْري َت ِك ُ ْ
م إ ِن ُّههه ْ م ْ ل ُلو ٍ
ط ِ جوا آ َ ن َقاُلوا أ َ ْ
خرِ ُ
َ
مهِ إ ِل ّ أ ْ
ب قَوْ ِوا َ
ج َ
ن َ كا َ ما َ
فَ َ
ُ
ن )(56 س ي َت َط َهُّرو َ
أَنا ٌ
خرجوا آلفما كان لقوم لوط جواب له إل قول بعضهم لبعض :أ َ ْ
لوط من قريتكم ,إنهم أناس يتنزهون عن إتيان الذكران .قالوا لهم
ذلك استهزاًء بهم.
فََأنجيناه وأ َهْل َه إل ّ ا َ
ن )(57 ن ال َْغاب ِ ِ
ري َ م ْ ه قَد ّْرَنا َ
ها ِ مَرأت َ ُ
ْ ُ ِ َ َْ ُ َ
طا وأهله من العذاب الذي سيقع بقوم لوط ,إل امرأته فأنجينا لو ً
درناها من الباقين في العذاب حتى تهلك مع الهالكين; لنها كانت ق ّ
عوًنا لقومها على أفعالهم القبيحة راضية بها.
َ
مط َُر ال ْ ُ
منذ َِري َ
ن )(58 طرا ً فَ َ
ساءَ َ م َ مط َْرَنا عَل َي ْهِ ْ
م َ وَأ ْ
ح مطر
من طين مهلكة ,فَقب ُ َوأمطرنا عليهم من السماء حجارة ِ
المن َ
ذرين ,الذين قامت عليهم الحجة.
َ َ
مهها
خي ْهٌر أ ّ ص هط ََفى أالل ّه ُ
ه َ نا ْ عب َههادِهِ ال ّه ِ
ذي َ م عَل َههى ِ مد ُ ل ِل ّهِ وَ َ
سل ٌ ل ال ْ َ
ح ْ قُ ْ
ن )(59 كو َ شرِ ُيُ ْ
ة علىمن َ ٌ َ
قل -أيها الرسول :-الثناء والشكر لله ,وسلم منه ,وأ َ
عباده الذين تخيرهم لرسالته ,ثم اسأل مشركي قومك هل الله
الذي يملك النفع والضر خير أو الذي يشركون من دونه ,ممن ل
يملك لنفسه ول لغيره نفًعا ول ضًرا؟
755
معَ الل ّهِ ب َه ْ شجر َ َ كان ل َك ُ َ
م
ل هُ ه ْ ها أئ ِل َ ٌ
ه َ ن ت ُن ْب ُِتوا َ َ َ
مأ ْْ ما َ َ
جة ٍ َ
ت ب َهْ َ دائ ِقَ َ
ذا َ ح َ
َ
ن )(60 م ي َعْدُِلو َ
قَوْ ٌ
من خلق السموات والرض ,وأنزل لكم من السماء ماء, واسألهم َ
فأنبت به حدائق ذات منظر حسن؟ ما كان لكم أن تنبتوا شجرها,
لول أن الله أنزل عليكم الماء من السماء .إن عبادته سبحانه هي
الحق ,وعبادة ما سواه هي الباطل .أمعبود مع الله فعل هذه
الفعال حتى ُيعبد معه وُيشرك به؟ بل هؤلء المشركون قوم
ينحرفون عن طريق الحق واليمان ,فيسوون بالله غيره في
العبادة والتعظيم.
َ
شههرا ً ب َي ْه َ
ن ح بُ ْ س ُ
ل الّرَيا َ ن ي ُْر ِم ْ ت ال ْب َّر َوال ْب َ ْ
حرِ وَ َ م ِفي ظ ُل ُ َ
ما ِ ديك ُ ْن ي َهْ ِ
م ْ
أ ّ
َ
ن )(63 كو َشرِ ُ ما ي ُ ْه عَ ّمعَ الل ّهِ ت ََعاَلى الل ّ ُ مت ِهِ أئ ِل َ ٌ
ه َ ح َي َد َيْ َر ْ
أعبادة ما تشركون بالله خير أم الذي يرشدكم في ظلمات البر
والبحر إذا ضللتم فأظلمت عليكم السبل ,والذي يرسل الرياح
756
من غيث يحيي موات الرض؟ أمعبود مبشرات بما يرحم به عباده ِ
مع الله يفعل بكم شيًئا من ذلك فتدعونه من دونه؟ تنّزه الله
دس عما يشركون به غيره. وتق ّ
َ
ن
شههعُُرو َ ما ي َ ْ
ه وَ َب إ ِل ّ الل ّ ُ
ض ال ْغَي ْ َ
ت َوالْر ِ وا ِ
م َ
س َ
ن ِفي ال ّ م ْ م َل ل ي َعْل َ ُ قُ ْ
َ
من َْها ش ّ
ك ِ م ِفي َ ل هُ ْ خَرةِ ب َ ْم ِفي ال ِ عل ْ ُ
مه ُ ْ ك ِداَر َ ن ) (65ب َ ْ
لا ّ ن ي ُب ْعَُثو َ أّيا َ
ن )(66 مي َمن َْها عَ ِم ِ ل هُ ْ بَ ْ
قل -أيها الرسول -لهم :ل يعلم أحد في السموات ول في الرض ما
مناستأثر الله بعلمه من المغّيبات ,ول يدرون متى هم مبعوثون ِ
قبورهم عند قيام الساعة؟ بل تكامل علمهم في الخرة ,فأيقنوا
من أهوال حين عاينوها ,وقد كانوا في الدنيابالدار الخرة ,وما فيها ِ
في شك منها ,بل عميت عنها بصائرهم.
َ ن ك ََفُروا أ َئ ِ َ
ن )(67
جو َ
خَر ُ ذا ك ُّنا ت َُرابا ً َوآَباؤَُنا أئ ِّنا ل َ ُ
م ْ ل ال ّ ِ
ذي َ وََقا َ
وقال الذين جحدوا وحدانية الله :أنحن وآباؤنا مبعوثون أحياء كهيئتنا
من بعد مماتنا بعد أن صرنا تراًبا؟
757
سيروا ِفي ال َ
ن )(69
مي َ
جرِ ِ ة ال ْ ُ
م ْ عاقِب َ ُ
ن َ
كا َ ض َفانظ ُُروا ك َي ْ َ
ف َ
ِ ر
ْ قُ ْ
ل ِ ُ
قل -أيها الرسول -لهؤلء المكذبين :سيروا في الرض ,فانظروا
من كان قبلكم من المجرمين ,كيف كان عاقبة المكذبين إلى ديار َ
للرسل؟ أهلكهم الله بتكذيبهم ,والله فاعل بكم مثلهم إن لم
تؤمنوا.
مك ُُرو َ
ن )(70 ما ي َ ْ
م ّ
ق ِ
ضي ْ ٍ
ن ِفي َ ن عَل َي ْهِ ْ
م َول ت َك ُ ْ حَز ْ
َول ت َ ْ
ق
ض ْ
ول تحزن على إعراض المشركين عنك وتكذيبهم لك ,ول ي َ ِ
من مكرهم بك ,فإن الله ناصرك عليهم.
صدرك ِ
ن )(71
صادِِقي َ
م َ
كنت ُ ْ ذا ال ْوَعْد ُ إ ِ ْ
ن ُ مَتى هَ َ وَي َُقوُلو َ
ن َ
ويقول مشركو قومك -أيها الرسول :-متى يكون هذا الوعد بالعذاب
دنا به أنت وأتباعك إن كنتم صادقين فيما تعدوننا به؟
الذي ت َعِ ُ
َ
جُلو َ
ن )(72 ست َعْ ِ ض ال ّ ِ
ذي ت َ ْ ف ل َك ُ ْ
م ب َعْ ُ ن َردِ َ ن يَ ُ
كو َ سى أ ْ قُ ْ
ل عَ َ
قل لهم -أيها الرسول :-عسى أن يكون قد اقترب لكم بعض الذي
تستعجلون من عذاب الله.
ن )(74
ما ي ُعْل ُِنو َ
م وَ َ
دوُرهُ ْ
ص ُ
ن ُ
ما ت ُك ِ ّ ك ل َي َعْل َ ُ
م َ ن َرب ّ َ
وَإ ِ ّ
وإن ربك َليعلم ما تخفيه صدور خلقه وما يظهرونه.
758
غائ ِب َةٍ ِفي السماءِ وال َ
ن )(75
مِبي ٍ ض إ ِل ّ ِفي ك َِتا ٍ
ب ُ ِ ر
ْ َ ّ َ ن َ
م ْ
ما ِ
وَ َ
من شيء غائب عن أبصار الخلق في السماء والرض إل في وما ِ
كتاب واضح عند الله .قد أحاط ذلك الكتاب بجميع ما كان وما
يكون.
ن )(77
مِني َ ة ل ِل ْ ُ
مؤ ْ ِ م ٌ
ح َ ه ل َهُ ً
دى وََر ْ وَإ ِن ّ ُ
دق
وإن هذا القرآن لهداية من الضلل ورحمة من العذاب ,لمن ص ّ
به واهتدى بهداه.
زيُز ال ْعَِلي ُ
م )(78 مهِ وَهُوَ ال ْعَ ِ
حك ْ ِ
م بِ ُ
ضي ب َي ْن َهُ ْ ن َرب ّ َ
ك ي َْق ِ إِ ّ
إن ربك يقضي بين المختلفين من بني إسرائيل وغيرهم بحكمه
فيهم ,فينتقم من المبطل ,ويجازي المحسن .وهو العزيز الغالب,
فل ي َُرد ّ قضاؤه ,العليم ,فل يلتبس عليه حق بباطل.
ن )(79 حقّ ال ْ ُ
مِبي ِ ك عََلى ال ْ َ
ل عََلى الل ّهِ إ ِن ّ َ
فَت َوَك ّ ْ
فاعتمد -أيها الرسول -في كل أمورك على الله ,وثق به; فإنه
كافيك ,إنك على الحق الواضح الذي ل شك فيه.
ن )(80
ري َ
مد ْب ِ ِ ذا وَل ّ ْ
وا ُ عاءَ إ ِ َ
م الد ّ َ
ص ّ
معُ ال ّ
س ِ مع ُ ا ل ْ َ
موَْتى َول ت ُ ْ س ِ إ ِن ّ َ
ك ل تُ ْ
من طبع الله على قلبه
إنك -أيها الرسول -ل تقدر أن ُتسمع الحق َ
م الله سمعه عن سماع الحق عند من أص ّ
فأماته ,ول ُتسمع دعوتك َ
759
إدبارهم معرضين عنك ،فإن الصم ل يسمع الدعاء إذا كان مقبل،
ضا عنه مولًيا مدبًرا؟
فكيف إذا كان معر ً
َ
ن ِبآَيات ِن َهها ن ي ُهؤْ ِ
م ُ معُ إ ِل ّ َ
مه ْ سه ِ
ن تُ ْ ضلل َت ِهِ ْ
م إِ ْ ن َ
ي عَ ْ ت ب َِهاِدي ال ْعُ ْ
م ِ ما أن ْ َ
وَ َ
ن )(81 مو َ سل ِ ُم ْم ُفَهُ ْ
من أعماه الله عن الهدى
وما أنت -أيها الرسول -بهادٍ عن الضللة َ
دق بآياتنا ,فهم مسلمونمن يص ّوالرشاد ,ول يمكنك أن ُتسمع إل َ
مطيعون ,مستجيبون لما دعوتهم إليه.
شر من ك ُ ّ ُ
ن)
م ُيوَزعُههو َ ن ي ُك َهذ ّ ُ
ب ِبآَيات ِن َهها فَهُه ْ مه ْ وجا ً ِ
م ّ مةٍ فَ ْ
لأ ّ ح ُ ُ ِ ْ
م نَ ْ
وَي َوْ َ
(83
ويوم نجمع يوم الحشر من كل أمة جماعة ,ممن يكذب بأدلتنا
حَبس أولهم على آخرهم; ليجتمعوا كلهم ,ثم يساقون
وحججنا ,ي ُ ْ
إلى الحساب.
760
عليهم كلمة العذاب بسبب ظلمهم وتكذيبهم ,فهم ل ينطقون بحجة
ل بهم من سوء العذاب.يدفعون بها عن أنفسهم ما ح ّ
َ َ
صههرا ً إ ِ ّ
ن فِههي ذ َل ِه َ
ك سك ُُنوا ِفي ههِ َوالن ّهَههاَر ُ
مب ْ ِ جعَل َْنا الل ّي ْ َ
ل ل ِي َ ْ م ي ََرْوا أّنا َ أل َ ْ
ن )(86 مُنو َ ت ل َِقوْم ٍ ي ُؤْ ِ
لَيا ٍ
ألم ير هؤلء المكذبون بآياتنا أنا جعلنا الليل يستقّرون فيه وينامون,
والنهار يبصرون فيه للسعي في معاشهم؟ إن في تصريفهما َلدللة
لقوم يؤمنون بكمال قدرة الله ووحدانّيته وعظيم نعمه.
ض إ ِل ّ َ
ن فِههي الْر ِ
م ْ
ت وَ َ
وا ِ
م َ
س َ
ن ِفي ال ّ
م ْصورِ فََفزِعَ َ خ ِفي ال ّ م ُينَف ُوَي َوْ َ
ن )(87 شاَء الل ّه وك ُ ّ َ ن َ
ري َ
خ ِ
دا ِ
ل أت َوْهُ َ ُ َ م ْ َ
من في واذكر -أيها الرسول -يوم َينفخ المَلك في "القرن" ففزع َ
نم ِ
من هول النفخة ,إل َ
دا ِ
عا شدي ً
من في الرض فز ًالسموات و َ
استثناه الله ممن أكرمه وحفظه من الفزع ,وكل المخلوقات يأتون
إلى ربهم صاغرين مطيعين.
ن )(89
مُنو َ ن فََزٍع ي َوْ َ
مئ ِذٍ آ ِ م ْ
م ِ
من َْها وَهُ ْ
خي ٌْر ِ سن َةِ فَل َ ُ
ه َ جاَء ِبال ْ َ
ح َ ن َ
م ْ
َ
من جاء بتوحيد الله واليمان به وعبادته وحههده ,والعمههال الصههالحة
يوم القيامههة ,فلههه عنههد اللههه مههن الجههر العظيههم مهها هههو خيههر منههها
وأفضل ,وهو الجنة ,وهم يوم الفزع الكبر آمنون.
761
م مها ُ
كنُته ْ ن إ ِل ّ َ
جهَزوْ َ م ِفي الّنارِ هَ ْ
ل تُ ْ جوهُهُ ْ سي ّئ َةِ فَك ُب ّ ْ
ت وُ ُ جاَء ِبال ّ
ن َم ْ وَ َ
ن )(90 مُلو َ
ت َعْ َ
ومن جاء بالشرك والعمال السههيئة المنكههرة ,فجزاؤهههم أن يكّبهههم
خهها :هههل
الله على وجوههم في النار يههوم القيامههة ,ويقههال لهههم توبي ً
تجزون إل ما كنتم تعملون في الدنيا؟
إنما أ ُمرت أ َ َ
يءٍ
شه ْ ل َه ك ُه ّمهَهها وَل َه ُ حّر َذي َ ب هَهذِهِ ال ْب َل ْهد َةِ ال ّه ِ ن أعْب ُد َ َر ّ ِّ َ ِ ْ ُ ْ
ْ ُ َ َ ْ ن أَ ُ َ ُ
دى ن اهْت َه َ
مه ْ ن فَ َ ن أت ْلوَ الُقْرآ َ ن ) (91وَأ ْ مي َسل ِ ِ
م ْ
ن ال ُ م ْن ِ كو َ تأ ْ مْر ُ وَأ ِ
َ
ن )(92 منذِِري َ ن ال ْ ُم ْ ما أَنا ِ ل فَُق ْ
ل إ ِن ّ َ ض ّ ن َ م ْ سه ِ و َ َ
دي ل ِن َْف ِ فَإ ِن ّ َ
ما ي َهْت َ ِ
قل -أيها الرسول -للناس :إنما ُأمرت أن أعبد رب هذه البلدة ,وهي
مها ,أو مها حرا ً
حّرمهها علههى خلقهه أن يسههفكوا فيهها د ً "مكة" ,الهذي َ
دا ,أو يصههيدوا صههيدها ,أو يقطعههوا شههجرها ,ولههه يظلمههوا فيههها أح ه ً
ُ
من سهواه ,وأمهرت ُ
سبحانه كل شيء ,وأمرت أن أعبده وحده دون َ
أن أكون من المنقادين لمره ,المبادرين لطاعته ,وأن أتلههو القههرآن
على الناس ,فمن اهتدى بما فيه واتبع ما جئت به ,فإنمهها خيههر ذلههك
ل عن الحق فقل -أيههها الرسههول :-إنمهها أنهها وجزاؤه لنفسه ,ومن ض ّ
نذير لكههم مههن عههذاب اللههه وعقههابه إن لههم تؤمنههوا ،فأنهها واحههد مههن
الرسل الذين أنذروا قومهم ,وليس بيدي من الهداية شيء.
مها
ل عَ ّ مها َرّبه َ
ك ب َِغاِفه ٍ ريك ُ ْ
م آَيهات ِهِ فَت َعْرُِفون ََهها وَ َ مهد ُ ل ِّلههِ َ
سهي ُ ِ ل ال ْ َ
ح ْ وَُقه ْ
ن )(93 مُلو َ
ت َعْ َ
وقل -أيها الرسول :-الثناء الجميل لله ,سيريكم آيههاته فههي أنفسههكم
وفي السماء والرض ,فتعرفونها معرفة تههدلكم علههى الحههق ،وتههبّين
لكم الباطل ,وما ربك بغافل عما تعملون ,وسيجازيكم على ذلك.
762
-28سورة القصص
طسم )(1
الحروف المق ّ
طعة في أول سورة البقرة.
ن )(2 ب ال ْ ُ
مِبي ِ ت ال ْك َِتا ِ ت ِل ْ َ
ك آَيا ُ
هذه آيات القرآن الذي أنزلته إليههك -أيههها الرسههول ,-مبين ًهها لكههل مهها
يحتاج إليه العباد في دنياهم وأخراهم.
ن )(3 ن ِبال ْ َ
حقّ ل َِقوْم ٍ ي ُؤْ ِ
مُنو َ سى وَفِْرعَوْ َ
مو َ
ن ن َب َإ ِ ُ
م ْ ن َت ُْلو عَل َي ْ َ
ك ِ
ص عليك من خبر موسى وفرعههون بالصههدق لقههوم يؤمنههون بهههذا نق ّ
دقون بأنه من عند الله ,ويعملون بهديه.
القرآن ,ويص ّ
ة
مه ً ونريد أ َن نمن عَل َههى ال ّهذين استض هعُِفوا فههي ال َرض ونجعل َه ه َ
م أئ ِ ّ
ْ ِ ََ ْ َ ُ ْ ِ ِ َ ْ ُ ْ َُ ِ ُ ْ َ ُ ّ
ن )(5 م ال ْ َ
وارِِثي َ جعَل َهُ ْ
وَن َ ْ
ونريههد أن نتفضههل علههى الههذين استضههعفهم فرعههون فههي الرض,
ونجعلهم قادةً في الخيهر ودعههاةً إليهه ,ونجعلههم يرثهون الرض بعههد
هلك فرعون وقومه.
َ
مهها
م َ
من ْهُه ْ
مهها ِ
جُنود َهُ َ
ن وَ ُ
مهها َ
ها َ
ن وَ َ
ري فِْرعَوْ َ
ض وَن ُ ِ
م ِفي الْر ِن ل َهُ ْمك ّ َوَن ُ َ
حذ َُرو َ
ن )(6 كاُنوا ي َ ْ َ
763
ونمكن لهم في الرض ,ونجعل فرعون وهامان وجنودهما يرون من
من هلكهم وذهاب هذه الطائفة المستضعفة ما كانوا يخافونه ِ
ملكهم ,وإخراجهم من ديارهم على يد مولود من بني إسرائيل.
ن )(11 م ل يَ ْ
شعُُرو َ ب وَهُ ْ
جن ُ ٍ
ن ُ
ت ب ِهِ عَ ْ صيهِ فَب َ ُ
صَر ْ ت لُ ْ
خت ِهِ قُ ّ وََقال َ ْ
764
وقالت أم موسى لخته حين ألقته في اليم :ات ِّبعي أثر موسى كيف
صَنع به؟ فتتبعت أثره فأبصرته عن ب ُْعد ,وقوم فرعون ل يعرفون يُ ْ
أنها أخته ,وأنها تتبع خبره.
ن
سِني َ
ح ِ زي ال ْ ُ
م ْ ج ِ عْلما ً وَك َذ َل ِ َ
ك نَ ْ كما ً وَ ِ
ح ْ
وى آت َي َْناهُ ُ
ست َ َ ما ب َل َغَ أ َ ُ
شد ّهُ َوا ْ وَل َ ّ
)(14
ما يعرف
ما وعل ً
ولما بلغ موسى أشد قوته وتكامل عقله ,آتيناه حك ً
بهما الحكام الشرعية ,وكما جزينا موسى على طاعته وإحسانه
من عبادنا.
من أحسن ِ
نجزي َ
765
ودخل موسى المدينة مستخفًيا وقت غفلة أهلها ,فوجد فيها رجلين
يقتتلن :أحدهما من قوم موسى من بني إسرائيل ,والخر من قوم
فرعون ,فطلب الذي من قوم موسى النصر على الذي من عدوه,
مع كّفه فمات ,قال موسى حين قتله :هذا من ج ْ
فضربه موسى ب ُ
نزغ الشيطان ,بأن هّيج غضبي ,حتى ضربت هذا فهلك ,إن
الشيطان عدو لبن آدم ,مضل عن سبيل الرشاد ,ظاهر العداوة.
وهذا العمل من موسى عليه السلم كان قبل النبوة.
ههوَ ال ْغَُفهوُر
ه ُ سهي َفهاغِْفْر ِلهي فَغََفهَر َله ُ
ه إ ِّنه ُ ت ن َْف ِ ب إ ِّني ظ َل َ ْ
م ُ َقا َ
ل َر ّ
م )(16 حي ُالّر ِ
قال موسى :رب إني ظلمت نفسي بقتل النفس التي لم تأمرني
بقتلها فاغفر لي ذلك الذنب ,فغفر الله له .إن الله غفور لذنوب
عباده ,رحيم بهم.
ن )(17
مي َ
جرِ ِ ن ظ َِهيرا ً ل ِل ْ ُ
م ْ ن أَ ُ
كو َ ي فَل َ ْ
ت عَل َ ّ
م َ
َ
ما أن ْعَ ْ
ب بِ َ َقا َ
ل َر ّ
ي بالتوبة والمغفرة والنعم الكثيرة,
ب بما أنعمت عل ّ
قال موسى :ر ّ
فلن أكون معيًنا لحد على معصيته وإجرامه.
766
فلما أن أراد موسى أن يبطش بالقبطي ,قال :أتريد أن تقتلني كما
سا بالمس؟ ما تريد إل أن تكون طاغية في الرض ,وما قتلت نف ً
تريد أن تكون من الذين يصلحون بين الناس.
ن ال ْمل َ ل مه َ
َ سههى إ ِ ّمو َ
ُ ل ي َههاسهَعى قَهها َدين َهةِ ي َ ْ صههى ال ْ َ
م ِ ن أقْ َ
جه ٌ ِ ْ جههاَء َر ُوَ َ
ج إ ِّني ل َ َ ك ل ِي َْقت ُُلو َ
ن بِ َ ْ
)(20 ن
حي َ ص ِن الّنا ِ
م ْ
ك ِ ك َفا ْ
خُر ْ مُرو َي َأت َ ِ
وجاء رجل من آخر المدينة يسعى ,قال يا موسى :إن أشراف قوم
فرعون يتآمرون بقتلك ,ويتشاورون ,فاخرج من هذه المدينة ,إني
لك من الناصحين المشفقين عليك.
ن )(21
مي َ ن ال َْقوْم ال ّ
ظال ِ ِ م ْ
جِني ِ
ب نَ ّ
ل َر ّ خاِئفا ً ي َت ََرقّ ُ
ب َقا َ من َْها َ
ج ِ فَ َ
خَر َ
ِ
فخرج موسى من مدينة فرعون خائًفا ينتظر الطلب أن يدركه
فيأخذه ,فدعا الله أن ينقذه من القوم الظالمين.
َ
ل)
سهِبي ِ
واءَ ال ّ
سه َ
ن ي َهْهدِي َِني َ
سى َرّبي أ ْ ن َقا َ
ل عَ َ ه ت ِل َْقاَء َ
مد ْي َ َ ج َ وَل َ ّ
ما ت َوَ ّ
(22
ولما قصد موسى بلد "مدين" وخرج من سلطان فرعون قال:
عسى ربي أن يرشدني خير طريق إلى "مدين".
ُ
نمه ْ
ج هد َ ِن وَوَ َس هُقو َ
س يَ ْ ن الن ّهها ِ مه ْ ة ِ جد َ عَل َي ْهِ أ ّ
م ً ن وَ َمد ْي َ َماَء َ ما وََرد َ َوَل َ ّ
ص هدَِر
حت ّههى ي ُ ْ
س هِقي َ ما َقال َت َهها ل ن َ ْخط ْب ُك ُ َ ما َ ل َ ن َقا َدا ِ
ذو َ ن تَ ُم ََرأت َي ْ ِ
ما ْ
دون ِهِ ْ ُ
خ ك َِبيٌر )(23 شي ْ ٌعاُء وَأُبوَنا َ الّر َ
ولما وصل ماء "مدين" وجد عليه جماعة من الناس يسقون
مواشيهم ,ووجد من دون تلك الجماعة امرأتين منفردتين عن
الناس ,تحبسان غنمهما عن الماء; لعجزهما وضعفهما عن مزاحمة
در عنه مواشي الناس ,ثم تسقيان ص ُ
الرجال ,وتنتظران حتى ت َ ْ
ماشيتهما ,فلما رآهما موسى -عليه السلم -رقّ لهما ,ثم قال :ما
شأنكما؟ قالتا :ل نستطيع مزاحمة الرجال ,ول نسقي حتى يسقي
767
الناس ,وأبونا شيخ كبير ,ل يستطيع أن يسقي ماشيته؛ لضعفه
وكبره.
َ
ن
مه ْ ت إ ِل َه ّ
ي ِ ما أنَزل ْ َ
ب إ ِّني ل ِ َ
ل َر ّ م ت َوَّلى إ َِلى الظ ّ ّ
ل فََقا َ سَقى ل َهُ َ
ما ث ُ ّ فَ َ
خي ْرٍ فَِقيٌر )(24 َ
فسقى موسى للمرأتين ماشيتهما ,ثم تولى إلى ظل شجرة
من أي خير
ي ِ فاستظ ّ
ل بها وقال :رب إني مفتقر إلى ما تسوقه إل ّ
كان ,كالطعام .وكان قد اشتد به الجوع.
جزِي َ َ
ك عو َ
ك ل ِي َ ْ ن أ َِبي ي َد ْ ُ حَياٍء َقال َ ْ
ت إِ ّ شي عََلى ا ْ
ست ِ ْ م ِما ت َ ْداهُ َح َه إِ ْ
جاَءت ْ ُ فَ َ
َ
فخه ْ ل ل تَ َ ص َقها َ صه َ ص عَل َْيههِ ال َْق َ
جهاَءهُ وََقه ّمها َ ت ل ََنها فَل َ ّسهَقي ْ َ ما َ جَر َ أ ْ
ن )(25مي َ
ظال ِ ِن ال َْقوْم ال ّ م ْ
ت ِ جو ْ َنَ َ
ِ
فجاءت إحدى المرأتين اللتين سقى لهما تسير إليه في حياء,
قالت :إن أبي يدعوك ليعطيك أجر ما سقيت لنا ,فمضى موسى
ص عليه قصصه مع فرعون معها إلى أبيها ,فلما جاء أباها وق ّ
ف نجوت من القوم الظالمين ,وهم خ ْ
وقومه ,قال له أبوها :ل ت َ َ
فرعون وقومه؛ إذ ل سلطان لهم بأرضنا.
768
أكملت عشر سنين فإحسان من عندك ,وما أريد أن أشق عليك
بجعلها عشرا ,ستجدني إن شاء الله من الصالحين في حسن
ت.
الصحبة والوفاء بما قل ُ
ك أ َي ّمهها ال َ
ي َوالل ّه ُ
ه ن عَل َه ّ
ت َفل عُهد َْوا َ ن قَ َ
ضهي ْ ُ ِ هْ يجل َ
َ َ ك ب َي ِْني وَب َي ْن َ َ
ل ذ َل ِ َ
َقا َ
ل )(28 كي ٌ ما ن َُقو ُ
ل وَ ِ عََلى َ
َ
قال موسى :ذلك الذي قلته قائم بيني وبينك ,أي المدتين أقْ ِ
ضها
في العمل أكن قد وفيتك ,فل ُأطاَلب بزيادة عليها ,والله على ما
نقول وكيل حافظ يراقبنا ,ويعلم ما تعاقدنا عليه.
ل وسار بأ َ
ب الط ّههورِ ن َههارا ًجههان ِ ِن َ ْ ه م
ِ سَ َ نآ ِ هِ لْ ه ج َ َ َ َ ِسى ال َ َ مو َ ضى ُ ما قَ َ فَل َ ّ
َ َقا َ َ
ن جذ ْوَةٍ ِ
م ْ خب َرٍ أوْ َ
من َْها ب ِ َ
م ِ ت َنارا ً ل َعَّلي آِتيك ُ ْ مك ُُثوا إ ِّني آن َ ْ
س ُ ل لهْل ِهِ ا ْ
ن )(29 صط َُلو َ م تَ ْالّنارِ ل َعَل ّك ُ ْ
فلما وفى نبي الله موسى -عليه السلم -صاحبه المدة عشر
سنين ,وهي أكمل المدتين ,وسار بأهله إلى "مصر" أبصر من
جانب الطور ناًرا ,قال موسى لهله :تمهلوا وانتظروا إني أبصرت
ناًرا; لعلي آتيكم منها بنبأ ,أو آتيكم بشعلة من النار لعلكم
تستدفئون بها.
ن
مهه ْ مَباَرك َةِ ِن ِفي ال ْب ُْقعَةِ ال ْ ُ ِ م َ
واِدي الي ْ َ ئ ال ْ َشاط ِ ِ ن َ م ْ ها ُنوِدي ِ ما أ ََتا َفَل َ ّ
ق ن ) (30وَأ َ ْ َ ْ ب ال َْعهال َ ِ
َ
سهى إ ِّنهي أَنها الّله ُ
َ ال ّ
ن أله ِ مي َ ه َر ّ
َ
مو َ ن َيها ُ جَرةِ أ ْ شه َ
سههى مو َ ب ي َهها ُ م ي ُعَّقه ْ مهد ِْبرا ً وَل َه ْ ن وَّلى ُ جا ّ ها ت َهْت َّز ك َأن َّها َ ما َرآ َ ك فَل َ ّ صا َ عَ َ
ن )(31 مِني َ
ن ال ِ م ْك ِ ف إ ِن ّ َ
خ ْ ل َول ت َ َ أ َقْب ِ ْ
فلما أتى موسى النار ناداه الله من جانب الوادي اليمن لموسى
في البقعة المباركة من جانب الشجرة :أن يا موسى إني أنا الله
رب العالين ,وأن ألق عصاك ,فألقاها موسى ,فصارت حية تسعى,
ن من الحيات وّلى هارًبا منها, فلما رآها موسى تضطرب كأنها جا ّ
ف;خ ْي ول ت َ َ
ولم يلتفت من الخوف ,فناداه ربه :يا موسى أقبل إل ّ
إنك من المنين من كل مكروه.
769
كم إ ِل َي ْه َ
م ْضه ُ سههوٍء َوا ْ ن غَي ْهرِ ُمه ْ ضههاَء ِ
ج ب َي ْ َخهُر ْ ك تَ ْجي ْب ِه َك ِفي َ ك ي َد َ َ سل ُ ْا ْ
مل َئ ِهِ إ ِن ُّههه ْ
م ن وَ َك إ َِلى فِْرعَوْ َ
ن َرب ّ َم ْ
ن ِ هاَنا ِ ك ب ُْر َذان ِ َ
ب فَ َ ن الّرهْ ِم ْك ِ ح َ جَنا َ َ
ن )(32 سِقي َ ً
وما َفا ِ كاُنوا قَ ْ َ
من غير أدخل يدك في فتحة قميصك وأخرجها تخرج بيضاء كالثلج ِ
مرض ول برص ,واضمم إليك يدك لتأمن من الخوف ,فهاتان اللتان
ل يدك بيضاء تلمع جع ْ ِ
ول العصا حية ,و َ من تح ّ أريت ُ َ
كهما يا موسىِ :
من غير مرض ول برص ,آيتان من ربك إلى فرعون وأشراف
ما كافرين.
قومه .إن فرعون ومله كانوا قو ً
َ
ن ) (33وَأ َ ِ
خههي ن ي َْقت ُل ُههو ِ
خهها ُ َ
فأ ْ م ن َْفسها ً فَأ َ من ْهُه ْ ب إ ِن ّههي قَت َل ْه ُ
ت ِ ل َر ّ َقا َ
َ َ َ
ف
خهها ُ صد ّقُِني إ ِّني أ َدءا ً ي ُ َمِعي رِ ْه َسل ْ ُ
سانا ً فَأْر ِمّني ل ِ َ
ح ِ ن هُوَ أفْ َ
ص ُ هاُرو ُ َ
َ
ن )(34 ن ي ُك َذ ُّبو ِ
أ ْ
سا فأخاف أن
ب إني قتلت من قوم فرعون نف ً قال موسى :ر ّ
يقتلوني ,وأخي هارون هو أفصح مني نطًقا ,فأرسله معي عوًنا
يصدقني ,ويبين لهم عني ما أخاطبهم به ,إني أخاف أن يكذبوني
في قولي لهم :إني ُأرسلت إليهم.
شد عضد َ َ
ن إ ِل َي ْك ُ َ
مهها ص هُلو َ
طانا ً َفل ي َ ِ
س هل ْ َ ل ل َك ُ َ
ما ُ جع َ ُ خي َ
ك وَن َ ْ ك ب ِأ ِ سن َ ُ ّ َ ُ َ ل َ َقا َ
َ
ن )(35 ما ال َْغال ُِبو َن ات ّب َعَك ُ َ
م ْ
ما وَ َ
ِبآَيات َِنا أن ْت ُ َ
ويك بأخيك ,ونجعل لكما حجة على فرعون قال الله لموسى :سنق ّ
من آمنوقومه فل يصلون إليكما بسوء .أنتما -يا موسى وهارون -و َ
ت عليهبكما المنتصرون على فرعون وقومه; بسبب آياتنا وما دل ّ ْ
من الحق.
مهها
مْفَتههًرى وَ َ
حٌر ُ ذا إ ِل ّ ِ
س ْ ت َقاُلوا َ
ما هَ َ سى ِبآَيات َِنا ب َي َّنا ٍ
مو َم ُجاَءهُ ْ ما َ فَل َ ّ
ن )(36 َ معَْنا ب ِهَ َ
ذا ِفي آَبائ َِنا الوِّلي َ س ِ َ
فلما جاء موسى فرعون ومله بأدلتنا وحججنا شاهدة بحقيقة ما
من عند ربه ,قالوا لموسى :ما هذا الذي جئتنا به إل جاء به موسى ِ
سحر افتريته كذًبا وباطل وما سمعنا بهذا الذي تدعونا إليه في
أسلفنا الذين مضوا قبلنا.
770
َ
ن ل َه ُ
ه ن ت َك ُههو ُ
مه ْ
عن ْدِهِ وَ َ
ن ِ
م ْ جاَء ِبال ْهُ َ
دى ِ ن َ م ْ سى َرّبي أعْل َ ُ
م بِ َ مو َ ل ُوََقا َ
ن )(37 مو َظال ِ ُح ال ّ ه ل ي ُْفل ِ ُ
دارِ إ ِن ّ ُ
ة ال ّعاقِب َ ُ
َ
وقال موسى لفرعون :ربي أعلم بالمحقّ مّنا الذي جاء بالرشاد من
من الذي له العقبى المحمودة في الدار الخرة ,إنه ل يظفرعنده ,و َ
الظالمون بمطلوبهم.
َ
ة
عاقَِبهه ُ
ن َ
كهها َ م َفههانظ ُْر ك َْيهه َ
ف َ م ِفههي ال َْيهه ّ
جُنههود َهُ فَن ََبههذ َْناهُ ْ
خههذ َْناهُ وَ ُ فَأ َ
ن )(40 مي َ ال ّ
ظال ِ ِ
فأخذنا فرعون وجنوده ,فألقيناهم جميًعا في البحر وأغرقناهم,
فانظر -أيها الرسول -كيف كان نهاية هؤلء الذين ظلموا أنفسهم,
فكفروا بربهم؟
وجعل ْناهُ َ
ن )(41
صُرو َ م ال ِْقَيا َ
مةِ ل ُين َ ن إ َِلى الّنارِ وَي َوْ َ
عو َ
ة ي َد ْ ُ
م ً
م أئ ِ ّ
َ َ َ َ ْ
771
وجعلنا فرعون وقومه قادة إلى النارَ ,يقتدي بهم أهل الكفر
والفسق ,ويوم القيامة ل ينصرون; وذلك بسبب كفرهم وتكذيبهم
رسول ربهم وإصرارهم على ذلك.
َ
ن)
حي َ ن ال ْ َ
مْقب ُههو ِ مه ْ
م ِ م ال ِْقَيا َ
م هة ِ ه ُ ه ْ م ِفي هَذِهِ الد ّن َْيا ل َعْن َ ً
ة وَي َوْ َ وَأت ْب َعَْناهُ ْ
(42
وأتبعنا فرعون وقومه في هذه الدنيا خزًيا وغضًبا منا عليهم ,ويوم
القيامة هم من المستقذرة أفعالهم ,المبعدين عن رحمة الله.
َ
ن
مه ْ
ت ِ مهها ُ
كنه َ مهَر وَ َ
سى ال ْ ضي َْنا إ َِلى ُ
مو َ ب ال ْغَْرب ِ ّ
ي إ ِذ ْ قَ َ جان ِ ِ
ت بِ َكن َما ُ
وَ َ
ن )(44 دي َ
شاهِ ِال ّ
وما كنت -أيها الرسول -بجانب الجبل الغربي من موسى إذ كّلفناه
مرنا ون َْهينا ,وما كنت من الشاهدين لذلك ,حتى يقال :إنه وصل َ
أ ْ
إليك من هذا الطريق.
772
وما ً َ
ما ن َرب ّ َ
ك ل ُِتنذَِر قَ ْ م ْ
ة ِ
م ً
ح َ
ن َر ْطورِ إ ِذ ْ َناد َي َْنا وَل َك ِ ْ ب ال ّ جان ِ ِ
ت بِ َ ما ُ
كن َ وَ َ
َ
ن )(46 ك ل َعَل ّهُ ْ
م ي َت َذ َك ُّرو َ ن قَب ْل ِ َ
م ْ
ذيرٍ ِ ن نَ ِ
م ْم ِأَتاهُ ْ
وما كنت -أيها الرسول -بجانب جبل الطور حين نادينا موسى ,ولم
تشهد شيًئا من ذلك فتعلمه ,ولكنا أرسلناك رحمة من ربك; لتنذر
ت
من قبلك من نذير; لعلهم يتذكرون الخير الذي جئ َ ما لم يأتهم ِ
قو ً
ت عنه فيجتنبوه.به فيفعلوه ,والشّر الذي َنهي َ
ُ ُ
سههى مو َ ي ُمهها أوت ِه َ
ل َمث ْ َ
ي ِول أوت ِ َعن ْدَِنا َقاُلوا ل َ ْ
ن ِم ْحقّ ِ م ال ْ َ جاَءهُ ْما َ فَل َ ّ
ظاهََرا وََقههاُلوان تَ َ ُ َ
حَرا ِس ْ ل َقاُلوا ِن قَب ْ ُ
م ْسى ِ مو َ ي ُما أوت ِ َ م ي َك ُْفُروا ب ِ َ أوَل َ ْ
ن )(48 كافُِرو َ ل َ إ ِّنا ب ِك ُ ّ
فلما جاء محمد هؤلء القوم نذيًرا لهم ,قالوا :هل أوتي هذا الذي
ب نزل ُ
أرسل إلينا مثل ما أوتي موسى من معجزات حسية ,وكتا ٍ
جملة واحدة! قل -أيها الرسول -لهم :أولم يكفر اليهود بما أوتي
موسى من قبل؟ قالوا :في التوراة والقرآن سحران تعاونا في
سحرهما ,وقالوا :نحن بكل منهما كافرون.
773
ن )(50
مي َ م ال ّ
ظال ِ ِ دي ال َْقوْ َ ن الل ّ َ
ه ل ي َهْ ِ ن الل ّهِ إ ِ ّ
م ْ
دى ِ
واهُ ب ِغَي ْرِ هُ ً
ات ّب َعَ هَ َ
فإن لم يستجيبوا لك بالتيان بالكتاب ,ولم تبق لهم حجة ,فاعلم
أنما يتبعون أهواءهم ,ول أحد أكثر ضلل ممن اتبع هواه بغير هدى
من الله .إن الله ل يوّفق لصابة الحق القوم الظالمين الذين
خالفوا أمر الله ,وتجاوزوا حدوده.
ل ل َعَل ّهُ ْ
م ي َت َذ َك ُّرو َ
ن )(51 م ال َْقوْ َ
صل َْنا ل َهُ ْ
وَل ََقد ْ وَ ّ
صلنا وبّينا القرآن رحمة بقومك أيها الرسول؛ لعلهم
ولقد ف ّ
يتذكرون ,فيتعظوا به.
ن )(52
مُنو َ ن قَب ْل ِهِ هُ ْ
م ب ِهِ ي ُؤْ ِ م ْ م ال ْك َِتا َ
ب ِ ن آت َي َْناهُ ْ ال ّ ِ
ذي َ
الذين آتيناهم الكتاب من قبل القرآن -وهم اليهود والنصارى الذين
دلوا -يؤمنون بالقرآن وبمحمد عليه الصلة والسلم. لم يب ّ
ن قَب ْل ِه ِ
ه ن َرب ّن َهها إ ِن ّهها ك ُن ّهها ِ
مه ْ مه ْ ه ال ْ َ
حقّ ِ م َقاُلوا آ َ
مّنا ب ِهِ إ ِن ّ ُ ذا ي ُت َْلى عَل َي ْهِ ْ وَإ ِ َ
ن )(53 مي َ سل ِ ِ م ْ ُ
دقنا به,
وإذا يتلى هذا القرآن على الذين آتيناهم الكتاب ,قالوا :ص ّ
وعملنا بما فيه ,إنه الحق من عند ربنا ,إنا كنا من قبل نزوله
مسلمين موحدين ،فدين الله واحد ,وهو السلم.
ك يؤْتون أ َ أ ُوْل َ
س هي ّئ َ َ
ة س هن َةِ ال ّح َن ِبال ْ َ ص هب َُروا وَي َهد َْرُءو َ ما َ ن بِ َِ ْ يَ ترّ م
َ م
ْ ُ ه ر َ ج
ْ َ ْ َ ُ َ ِ ئ
ُ َ َ ّ
ه وَقههالوا ضههوا عَن ْه ُ مُعوا اللغْوَ أعَْر ُ س ِذا َ ن ) (54وَإ ِ َ فُقو َ م ُين ِ ما َرَزقَْناهُ ْ م ّ وَ ِ
َ َ
ن )(55 جاهِِلي َ م ل ن َب ْت َِغي ال ْ َ
م عَل َي ْك ُ ْ سل ٌ م َ مال ُك ُ ْ م أعْ َ مال َُنا وَل َك ُ ْ
ل ََنا أعْ َ
ون ثواب عملهم مرتين :على ت صفُتهم ُيؤت َ ْ
م ْ
هؤلء الذين تقد ّ َ
اليمان بكتابهم ,وعلى إيمانهم بالقرآن بما صبروا ,ومن أوصافهم
أنهم يدفعون السيئة بالحسنة ,ومما رزقناهم ينفقون في سبيل
صغوا
الخير والبر .وإذا سمع هؤلء القوم الباطل من القول لم ي ُ ْ
إليه ,وقالوا :لنا أعمالنا ل نحيد عنها ,ولكم أعمالكم ووزرها عليكم,
774
فنحن ل نشغل أنفسنا بالرد عليكم ,ول تسمعون مّنا إل الخير ,ول
نخاطبهم بمقتضى جهلكم; لننا ل نريد طريق الجاهلين ول نحبها.
وهذا من خير ما يقوله الدعاة إلى الله.
َ ك ل تهدي مه َ
شههاُء وَهُهوَ أعْل َه ُ
م ن يَ َ
مه ْ
دي َ ن الل ّه َ
ه ي َهْه ِ ت وَل َك ِه ّ
حب َب ْه َ
نأ َْ ْ َْ ِ إ ِن ّ َ
ن )(56دي َ
مهْت َ ِِبال ْ ُ
من أحببت هدايته ,ولكنإنك -أيها الرسول -ل تهدي هداية توفيق َ
من يشاء أن يهديه لليمان ,ويوفقه إليه ,وهو ذلك بيد الله يهدي َ
أعلم بمن يصلح للهداية فيهديه.
وك َ َ
س هك َ ْ
ن م ل َه ْ
م تُ ْ سههاك ِن ُهُ ْ
م َ شهت ََها فَت ِل ْه َ
ك َ مِعي َ ت َن قَْري َةٍ ب َط َِر ْ
م ْ م أهْل َك َْنا َِ ْ
ن )(58 وارِِثي َ ْ
ن ال َح ُ ُ
م إ ِل ّ قَِليل ً وَكّنا ن َ ْ
ن ب َعْدِهِ ْ
م ْ
ِ
وكثير من أهل القرى أهلكناهم حين أ َل َْهتهم معيشتهم عن اليمان
وا ,فتلك مساكنهم لم ُتسكن من بعدهم إل بالرسل ,فكفروا وطغَ ْ
قليل منها ,وكنا نحن الوارثين للعباد نميتهم ,ثم يرجعون إلينا,
فنجازيهم بأعمالهم.
ُ
سول ً ي َت ْل ُههوا عَل َي ْهِ ه ْ
م مَها َر ُث ِفي أ ّ ك ال ُْقَرى َ
حّتى ي َب ْعَ َ مهْل ِ َك ُن َرب ّ َ
كا َما َ وَ َ
َ
كي ال ُْقَرى إ ِل ّ وَأهْل َُها َ
ن )(59 مو َ ظال ِ ُ ما ك ُّنا ُ
مهْل ِ ِ آَيات َِنا وَ َ
775
وما كان ربك -أيها الرسول -مهلك القرى التي حول "مكة" في
زمانك حتى يبعث في أمها -وهي "مكة" -رسول يتلو عليهم آياتنا,
وما كنا مهلكي القرى إل وأهلها ظالمون لنفسهم بكفرهم بالله
ومعصيته ,فهم بذلك مستحقون للعقوبة والنكال.
َ
مَتاعَ ال ْ َ
حي َههاةِ ال هد ّن َْيا مت ّعَْناهُ َ
ن َ
م ْسنا ً فَهُوَ لِقيهِ ك َ َح َعدا ً َ
ن وَعَد َْناهُ وَ ْ م ْأفَ َ
ن )(61 ري َ
ض ِ
ح َ ن ال ْ ُ
م ْ م ْ م ال ِْقَيا َ
مة ِ ِ م هُوَ ي َوْ َثُ ّ
د,
ع َ خْلقنا على طاعته إيانا الجنة ,فهو مل ٍ
ق ما وُ ِ من َ
من وعدناه ِأف َ
وصائر إليه ,كمن متعناه في الحياة الدنيا متاعها ,فتمتع به ,وآثر لذة
عاجلة على آجلة ,ثم هو يوم القيامة من المحضرين للحساب
والجزاء؟ ل يستوي الفريقان ,فليختر العاقل لنفسه ما هو أولى
بالختيار ,وهو طاعة الله وابتغاء مرضاته.
776
قال الذين حقّ عليهم العذاب ,وهم دعاة الكفر :ربنا هؤلء الذين
من وليتهم ونصرتهم ,ما أضللنا ,أضللناهم كما ضللنا ,تبرأنا إليك ِ
كانوا إيانا يعبدون ,وإنما كانوا يعبدون الشياطين.
ب ل َه ْ
و م وََرأ َْوا ال ْعَ َ
ذا َ جيُبوا ل َهُ ْ
ست َ ِ م فَل َ ْ
م يَ ْ كاَءك ُ ْ
م فَد َعَوْهُ ْ شَر َعوا ُ وَِقي َ
ل اد ْ ُ
ن )(64 م َ َ
دو َ
كاُنوا ي َهْت َ ُ أن ّهُ ْ
وقيل للمشركين بالله يوم القيامة :ادعوا شركاءكم الذين كنتم
تعبدونهم من دون الله ,فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ,وعاينوا
العذاب ,لو أنهم كانوا في الدنيا مهتدين للحق لما عُ ّ
ذبوا.
ل ما َ َ
ن )(65
سِلي َ م ال ْ ُ
مْر َ جب ْت ُ ْ
ذا أ َ م فَي َُقو ُ َ
م ي َُناِديهِ ْ
وَي َوْ َ
ويوم ينادي الله هؤلء المشركين ,فيقول :بأيّ شيء أجبتم
المرسلين فيما أرسلناهم به إليكم؟
ساَءُلو َ َ
ن )(66 مئ ِذٍ فَهُ ْ
م ل ي َت َ َ ت عَل َي ْهِ ْ
م الن َْباُء ي َوْ َ فَعَ ِ
مي َ ْ
دروا ما يحتجون به ,فهم ل يسأل
فخفيت عليهم الحجج ,فلم ي َ ْ
ضا عما يحتجون به سؤال انتفاع. بعضهم بع ً
َ َ
ن)
حيهه َ ن ال ْ ُ
مْفل ِ ِ م ْ
ن ِ ن يَ ُ
كو َ صاِلحا ً فَعَ َ
سى أ ْ م َ
ل َ ن وَعَ ِ
م َ
ب َوآ َ
ن َتا َ
م ْ فَأ ّ
ما َ
(67
فأما من تاب من المشركين ,وأخلص لله العبادة ,وعمل بما أمره
الله به ورسوله ,فهو من الفائزين في الدارين.
قُ ْ َ َ
ن
مه ْ مدا ً إ َِلى ي َهوْم ِ ال ِْقَيا َ
م هة ِ َ سْر َ
ل َم الل ّي ْ َ ه عَل َي ْك ُ ْ
ل الل ّ ُجع َ َن َ م إِ ْل أَرأي ْت ُ ْ
َ ْ
ن )(71 مُعو َ س َ ضَياٍء أَفل ت َ ْ م بِ ِه غَي ُْر الل ّهِ ي َأِتيك ُ ْإ ِل َ ٌ
قل -أيها الرسول :-أخبروني -أيها الناس -إن جعل الله عليكم الليل
من إله غير الله يأتيكم بضياء تستضيئون به؟
ما إلى يوم القيامةَ ,
دائ ً
أفل تسمعون سماع فهم وَقبول؟
قُ ْ َ َ
ن
مه ْ مدا ً إ َِلى ي َهوْم ِ ال ِْقَيا َ
م هة ِ َ سْر َ ه عَل َي ْك ُ ْ
م الن َّهاَر َ ل الل ّ ُ جع َ َن َ م إِ ْ
ل أَرأي ْت ُ ْ
َ َ إل َه غَير الل ّه يأ ْ
ن )(72 صُرو َ ن ِفيهِ أَفل ت ُب ْ ِسك ُُنو َ ل تَ ْ ٍ ْ ي لِ ب مْ ُ كتي
ِ ِ َ ِ ٌ ُْ
ما إلى يوم القيامة,
قل لهم :أخبروني إن جعل الله عليكم النهار دائ ً
من إله غير الله يأتيكم بليل تستقرون وتهدؤون فيه؟ أفل ترون َ
بأبصاركم اختلف الليل والنهار؟
ن فَ ْ
ضل ِهِ سك ُُنوا ِفيهِ وَل ِت َب ْت َُغوا ِ
م ْ م الل ّي ْ َ
ل َوالن َّهاَر ل ِت َ ْ ل ل َك ُ ْ
جع َ َ
مت ِهِ َح َ
ن َر ْ م ْ وَ ِ
ن )(73 شك ُُرو َ م تَ ْ وَل َعَل ّك ُ ْ
ومن رحمته بكم -أيها الناس -أن جعل لكم الليل والنهار فخالف
ما؛ لتستقروا فيه وترتاح أبدانكم ,وجعل
بينهما ,فجعل هذا الليل ظل ً
لكم النهار ضياًء; لتطلبوا فيه معايشكم ,ولتشكروا له على إنعامه
عليكم بذلك.
778
ويوم يناديهم فَيُقو ُ َ
ن )(74
مو َ
م ت َْزعُ ُ ن ُ
كنت ُ ْ كاِئي ال ّ ِ
ذي َ شَر َ
ن ُ
ل أي ْ َ ََ ْ َ َُ ِ ِ ْ َ
ويوم ينادي الله هؤلء المشركين ,فيقول لهم :أين شركائي الذين
كنتم تزعمون في الدنيا أنهم شركائي؟
َ ونزعْنا من ك ُ ّ ُ
حقّ ل ِل ّهِ
ن ال ْ َ
موا أ ّ هان َك ُ ْ
م فَعَل ِ ُ شِهيدا ً فَُقل َْنا َ
هاُتوا ب ُْر َ مة ٍ َ لأ ّ َََ َ ِ ْ
ن )(75 ما َ
كاُنوا ي َْفت َُرو َ م َ ض ّ
ل عَن ْهُ ْ وَ َ
ونزعنا من كل أمة من المم المكذبة شهيدا -وهو نبّيهم ,-يشهد
على ما جرى في الدنيا من شركهم وتكذيبهم لرسلهم ,فقلنا لتلك
المم التي كذبت رسلها وما جاءت به من عند الله :هاتوا حجتكم
على ما أشركتم مع الله ,فعلموا حينئذ أن الحجة البالغة لله عليهم,
وأن الحق لله ,وذهب عنهم ما كانوا يفترون على ربهم ,فلم ينفعهم
ذلك ,بل ضّرهم وأوردهم نار جهنم.
ن ال ْك ُُنههوزِ َ
مهها م ْ سى فَب ََغى عَل َي ْهِ ْ
م َوآت َي َْناهُ ِ مو َ ن قَوْم ِ ُ م ْ ن ِكا َ ن َ ن َقاُرو َ إِ ّ
ُ
ن
ح إِ ّ
ه ل ت َْف هَر ْ م ُ ل ل َه ُ
ه ق َ هو ْ ُ صب َةِ أوِلي ال ُْقوّةِ إ ِذ ْ قَهها َه ل َت َُنوُء ِبال ْعُ ْ
ح ُمَفات ِ َ
ن َ إِ ّ
ن )(76 حي َ ب ال َْفرِ ِ ح ّ ه ل يُ ِالل ّ َ
ده
إن قارون كان من قوم موسى -عليه الصلة والسلم -فتجاوز ح ّ
في الك ِْبر والتجبر عليهم ,وآتينا قارون من كنوز الموال شيًئا
ن مفاتحه َليثقل حملها على العدد الكثير من القوياء, ما ,حتى إ ّعظي ً
حا بما أنت فيه من المال ,إن الله ل
إذ قال له قومه :ل تبطر فر ً
طرين الذين ل يشكرون لله تعالى ما أعطاهم. من خلقه الب َ ِ يحب ِ
َ
ن
س ْح ِ ن الد ّن َْيا وَأ ْم ْك ِصيب َ َ س نَ ِ
خَرةَ َول َتن َ داَر ال ِ ك الل ّ ُ
ه ال ّ ما آَتا َ َواب ْت َِغ ِفي َ
ك ول ت َب ْهغ ال َْفسههاد َ فِههي ال َ ك َما أ َ
بحه ّه ل يُ ِن الل ّه َ ض إِ ّ
ِ رْ َ ِ َ َ هْ يه إ ِل َ
ُ هن الل ّ
َ س
َ ح
ْ َ
ن )(77 دي َ س ِ مْف ِ ال ْ ُ
والتمس فيما أتاك الله من الموال ثواب الدار الخرة ,بالعمل فيها
بطاعة الله في الدنيا ,ول تترك حظك من الدنيا ,بأن تتمتع فيها
بالحلل دون إسراف ,وأحسن إلى الناس بالصدقة ,كما أحسن الله
779
إليك بهذه الموال الكثيرة ,ول تلتمس ما حّرم الله عليك من البغي
على قومك ,إن الله ل يحب المفسدين.
ن
مه ْ ه قَ هد ْ أ َهْل َه َ
ك ِ ن الل ّه َ
عندي أ َول َم يعل َه َ
مأ ّ َ ْ َْ ْ عل ْم ٍ ِ ِ
ه عََلى ِ ُ
ما أوِتيت ُ ُ َقا َ
ل إ ِن ّ َ
َ َ َ
نل عَه ْ معها ً َول ي ُ ْ
س هأ ُ ه قُهوّةً وَأك ْث َهُر َ
ج ْ من ْ ُ ن هُوَ أ َ
شد ّ ِ م ْ
ن َن الُقُرو ِ م ْ قَب ْل ِهِ ِ
ن )(78 مو َ جرِ ُ م ْ م ال ْ ُ ذ ُُنوب ِهِ ْ
ت هذه الكنوز بما ُ
قال قارون لقومه الذين وعظوه :إنما أعطي ُ
من
عندي من العلم والقدرة ,أولم يعلم قارون أن الله قد أهلك ِ
شا ,وأكثر جمًعا للموال؟ ول من هو أشد منه بط ًقبله من المم َ
سألون ُيسأل عن ذنوبهم المجرمون; لعلم الله تعالى بها ,إنما ي ُ ْ
سؤال توبيخ وتقرير ,ويعاقبهم الله على ما علمه منهم.
َ
ن
دو ِ
ن ُ
مه ْ
ه ِ ن فِئ َةٍ َين ُ
ص هُرون َ ُ مه ْ ن ل َه ُ
ه ِ ما َ
كا َ ض فَ َ
دارِهِ الْر َ سْفَنا ب ِهِ وَب ِ َخ َ فَ َ
ن )(81 ري َ
ص ِ
من ْت َ ِ
ن ال ُ
م ْ ن ِ كا َ ما َ الل ّهِ وَ َ
780
فخسفنا بقارون وبداره الرض ,فما كان له من جند ينصرونه من
دون الله ,وما كان ممتنًعا من الله إذا أح ّ
ل به نقمته.
ن ج هَزى ال ّه ِ
ذي َ س هي ّئ َةِ َفل ي ُ ْ
جاءَ ِبال ّ
ن َ
م ْمن َْها وَ َ
خي ٌْر ِ
ه َسن َةِ فَل َ ُ
ح َجاَء ِبال ْ َ
ن َ
م ْ َ
ن )(84مُلو َ ما َ
كاُنوا ي َعْ َ ت إ ِل ّ َ مُلوا ال ّ
سي َّئا ِ عَ ِ
من جاء يوم القيامة بإخلص التوحيد لله وبالعمال الصالحة وَْفق
ما شرع الله ,فله أجر عظيم خير من ذلك ,وذلك الخير هو الجنة
جزى الذين عملواوالنعيم الدائم ,ومن جاء بالعمال السيئة ,فل ي ُ ْ
السيئات على أعمالهم إل بما كانوا يعملون.
َ
ن
مه ْ ل َرب ّههي أعْل َه ُ
م َ إ َِلى َ
معَههادٍ قُه ْ ن ل ََراد ّ َ
ك ك ال ُْقْرآ َ
ض عَل َي ْ َذي فََر َ ن ال ّ ِإِ ّ
)(85 نمِبي ٍ
ل ُ ضل ٍن هُوَ ِفي َ م ْ جاَء ِبال ْهُ َ
دى وَ َ َ
إن الذي أنزل عليك -أيههها الرسههول -القههرآن ,وفههرض عليههك تبليغههه
سك به ,لمرجعك إلى الموضع الذي خرجت منه ,وهو "مكههة", والتم ّ
781
مهن جهاء بالههدى,
قل -أيها الرسول -لهؤلء المشركين :ربهي أعلهم َ
ح عن الحق.
ب واض ٍ
ومن هو في ذها ٍ
َ
ن ك َفل ت َ ُ
كههون َ ّ ن َرب ّ َ
م ْ
ة ِ
م ً
ح َ ك ال ْك َِتا ُ
ب إ ِل ّ َر ْ ن ي ُل َْقى إ ِل َي ْ َ
جوا أ ْ
ت ت َْر ُكن َ ما ُ وَ َ
ن )(86 ري َ
كافِ ِظ َِهيرا ً ل ِل ْ َ
مل نزول القرآن عليك ,لكن الله سبحانه وما كنت -أيها الرسول -تؤ ّ
ن
وتعالى رحمك فأنزله عليك ,فاشكر لله تعالى على ن َِعمه ,ول تكون ّ
عوًنا لهل الشرك والضلل.
ه َله ُ
ه ك إ ِل ّ وَ ْ
جَهه ُ هاِله ٌ
يءٍ َ ل َ
شه ْ خَر ل إ ِل َ َ
ه إ ِل ّ هُوَ ك ُ ّ معَ الل ّهِ إ َِلها ً آ َ َول ت َد ْعُ َ
ن )(88 جُعو َ م وَإ ِل َي ْهِ ت ُْر َ ال ْ ُ
حك ْ ُ
ول تعبد مع الله معبوًدا أخر; فل معبود بحق إل الله ,كل شيء هالك
ن إل وجهه ,له الحكم ,وإليه ترجعون من بعههد مههوتكم للحسههاب وفا ٍ
والجزاء .وفي هذه اليههة إثبههات صههفة الههوجه للههه تعههالى كمهها يليههق
بكماله وعظمة جلله.
-29سورة العنكبوت
الم )(1
الحروف المق ّ
طعة في أول سورة البقرة.
أ َحسب الناس أ َن يتر ُ َ
ن )(2
م ل ي ُْفت َُنو َ ن ي َُقوُلوا آ َ
مّنا وَهُ ْ كوا أ ْ َ ِ َ ّ ُ ْ َُْ
782
أظ َ ّ
ن الناس إذ قالوا :آمنا ,أن الله يتركهم بل ابتلء ول اختبار؟
َ َ
ن )(4 حك ُ ُ
مو َ ما ي َ ْ
ساءَ َ
سب ُِقوَنا َ
ن يَ ْ
تأ ْسي َّئا ِ مُلو َ
ن ال ّ ن ي َعْ َ ب ال ّ ِ
ذي َ س َ
ح ِ
م َ
أ ْ
مههن شههرك وغيهره أن يعجزونها,
ن الههذين يعملههون المعاصهي ِ
بل أظ ّ
فيفوتونا بأنفسهم فل نقدر عليهم؟ بئس حكمهم الذي يحكمون به.
ن )(6 ن ال َْعال َ ِ
مي َ ه ل َغَن ِ ّ
ي عَ ْ ن الل ّ َ
سهِ إ ِ ّ
جاهِد ُ ل ِن َْف ِ جاهَد َ فَإ ِن ّ َ
ما ي ُ َ ن َ
م ْ
وَ َ
ومن جاهد في سبيل إعلء كلمة الله تعههالى ,وجاهههد نفسههه بحملههها
على الطاعة ,فإنما يجاهد لنفسه؛ لنه يفعل ذلك ابتغاء الثواب على
جهاده .إن الله لغني عههن أعمههال جميههع خلقههه ,لههه الملههك والخلههق
والمر.
م م وَل َن َ ْ
جزِي َن ُّههه ْ سههي َّئات ِهِ ْ
م َ ت ل َن ُك َّفَر ّ
ن عَن ْهُ ْ حا ِ
صال ِ َمُلوا ال ّ مُنوا وَعَ ِ
نآ َ ذي ََوال ّ ِ
َ
ن )(7 مُلو َ ذي َ
كاُنوا ي َعْ َ ن ال ّ ِس َح َ أ ْ
ن عنهم دقوا الله ورسوله ,وعملوا الصالحات لنمحو ّ
والذين ص ّ
خطيئاتهم ,ولنثيبّنهم على أعمالهم الصالحة أحسن ما كانوا يعملون.
783
س لَ َ
ك ما ل َي ْ َك ِبي َ شرِ َ ك ل ِت ُ ْدا َجاهَ َ ن َ سنا ً وَإ ِ ْح ْ وال ِد َي ْهِ ُ
ن بِ َسا َ صي َْنا ال ِن ْ َ
وَوَ ّ
ُ
ن )(8 مُلو َ ما ك ُن ْت ُ ْ
م ت َعْ َ م بِ َم فَأن َب ّئ ُك ُ ْ جعُك ُ ْمْر ِي َما إ ِل َ ّ م َفل ت ُط ِعْهُ َ عل ْ ٌ
ب ِهِ ِ
ووصينا النسان بوالديه أن يبرهما ,ويحسن إليهما بالقول والعمل,
وإن جاهداك -أيها النسان -على أن تشرك معي في عبادتي ,فل
تمتثل أمرهما .ويلحق بطلب الشراك بالله ,سائر المعاصي ,فل
طاعة لمخلوق كائًنا من كان في معصية الله سبحانه ,كما ثبت ذلك
ي مصيركم يوم القيامة,عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .إل ّ
فأخبركم بما كنتم تعملون في الدنيا من صالح العمال وسيئها,
وأجازيكم عليها.
ن )(9
حي َ
صال ِ ِ خل َن ّهُ ْ
م ِفي ال ّ ت ل َن ُد ْ ِ
حا ِ مُلوا ال ّ
صال ِ َ مُنوا وَعَ ِ
نآ َ َوال ّ ِ
ذي َ
دقوا الله ورسوله وعملوا الصالحات من العمال,
والذين ص ّ
لندخلنهم الجنة في جملة عباد الله الصالحين.
ن )(11 ن ال ْ ُ
مَنافِِقي َ مُنوا وَل َي َعْل َ َ
م ّ نآ َ ه ال ّ ِ
ذي َ ن الل ّ ُ وَل َي َعْل َ َ
م ّ
دقوا الله ورسوله وعملوا
ما ظاهًرا للخلق الذين ص ّ
ن الله عل ً
وليعلم ّ
ن المنافقين; ليميز كل فريق من الخر. بشرعه ،وليعلم ّ
784
مهها
م وَ َ خ َ
طاي َههاك ُ ْ م ْ
ل َ ح ِسِبيل ََنا وَل ْن َ ْ
مُنوا ات ّب ُِعوا َ
نآ َ ن ك ََفُروا ل ِل ّ ِ
ذي َ ل ال ّ ِ
ذي َ وََقا َ
ن )(12 كاذُِبو َ م لَ َ يٍء إ ِن ّهُ ْ ن َ
ش ْ م ْ م ِ
طاَياهُ ْخ َ ن َم ْ ن ِمِلي َ
حا ِم بِ َ
هُ ْ
وقال الذين جحدوا وحدانية الله من قريش ,ولم يؤمنوا بوعيد الله
دقوا الله منهم وعملوا بشرعه :اتركوا دين محمد, ووعده ,للذين ص ّ
واتبعوا ديننا ,فإنا نتحمل آثام خطاياكم ,وليسوا بحاملين من آثامهم
من شيء ,إنهم لكاذبون فيما قالوا.
عاما ً
ن َ
سي َ
م ِ سن َةٍ إ ِل ّ َ
خ ْ م أ َل ْ َ
ف َ مهِ فَل َب ِ َ
ث ِفيهِ ْ سل َْنا ُنوحا ً إ َِلى قَوْ ِ
َ
وَل ََقد ْ أْر َ
م َ م ال ّ َ
ن )(14 مو َ ظال ِ ُ ن وَهُ ْ طوَفا ُ خذ َهُ ْفَأ َ
حا إلى قومه فمكث فيهم ألف سنة إل خمسين ولقد أرسلنا نو ً
ما ,يدعوهم إلى التوحيد وينهاهم عن الشرك ,فلم يستجيبوا له,عا ً
فأهلكهم الله بالطوفان ,وهم ظالمون لنفسهم بكفرهم وطغيانهم.
َ َ
ن )(15 ة ل ِل َْعال َ ِ
مي َ جعَل َْنا َ
ها آي َ ً سِفين َةِ وَ َ
ب ال ّ
حا َ
ص َ فَأن َ
جي َْناهُ وَأ ْ
من تبعه ممن كان معه في السفينة ,وجعلنا ذلك
حا و َ
فأنجينا نو ً
عبرة وعظة للعالمين.
ن ك ُن ْت ُه ْ
م خي ٌْر ل َك ُه ْ
م إِ ْ م َ دوا الل ّ َ
ه َوات ُّقوهُ ذ َل ِك ُ ْ مهِ اعْب ُ ُ م إ ِذ ْ َقا َ
ل ل َِقوْ ِ هي َوَإ ِب َْرا ِ
ن )(16 مو َ ت َعْل َ ُ
واذكر -أيها الرسول -إبراهيم عليه السلم حين دعا قومه :أن
أخلصوا العبادة لله وحده ,واتقوا سخطه بأداء فرائضه واجتناب
785
معاصيه ,ذلكم خير لكم ,إن كنتم تعلمون ما هو خير لكم مما هو
شر لكم.
نم ْ
ن ِ دو َ ن ت َعْب ُ ُ ن ال ّ ِ
ذي َ ن إ ِْفكا ً إ ِ ّ
خل ُُقو َ ن الل ّهِ أ َوَْثانا ً وَت َ ْ دو ِن ُ م ْ ن ِ دو َ ما ت َعْب ُ ُإ ِن ّ َ
دوهُعن ْهد َ الل ّههِ الهّرْزقَ َواعْب ُه ُ م رِْزقها ً فَههاب ْت َُغوا ِ ن ل َك ُه ْمل ِك ُههو َ ن الل ّهِ ل ي َ ْ دو ِ ُ
ن )(17 جُعو َ ه إ ِل َي ْهِ ت ُْر َ
شك ُُروا ل َ ُ َوا ْ
ما ,وتفترون كذًبا
من دون الله إل أصنا ً
ما تعبدون -أيها القومِ -
ن أوثانكم التي تعبدونها من دون الله ل تقدربتسميتكم إياها آلهة ,إ ّ
أن ترزقكم شيًئا ,فالتمسوا عند الله الرزق ل من عند أوثانكم,
وأخلصوا له العبادة والشكر على رزقه إياكم ,إلى الله ُترّدون من
بعد مماتكم ,فيجازيكم على ما عملتم.
ل إ ِل ّ ال َْبلغُ ُ
مهها عَل َههى الّر ُ
سههو ِ ن قَب ْل ِك ُه ْ
م وَ َ م ْ
م ِ
م ٌ
بأ َن ت ُك َذ ُّبوا فََقد ْ ك َذ ّ َ
وَإ ِ ْ
ن )(18 ال ْ ُ
مِبي ُ
دا صلى الله عليه وسلم فيما وإن تك ّ
ذبوا -أيها الناس -رسولنا محم ً
دعاكم إليه من عبادة الله وحده ,فقد كذبت جماعات من قبلكم
رسلها فيما دعتهم إليه من الحق ,فحل بهم سخط الله ,وما على
الّرسول محمد إل أن يبلغكم عن الله رسالته البلغ الواضح ,وقد
فََعل.
َ
ك عََلى الل ّهِ ي َ ِ
سيٌر ) ن ذ َل ِ َ خل ْقَ ث ُ ّ
م ي ُِعيد ُهُ إ ِ ّ ه ال ْ َ
ف ي ُب ْدِئُ الل ّ ُ أوَل َ ْ
م ي ََرْوا ك َي ْ َ
(19
أولم يعلم هؤلء كيف ينشئ الله الخلق من العدم ,ثم يعيده من
دا ,ل يتعذر عليه ذلك؟ إن
بعد فنائه ,كما بدأه أول مرة خلًقا جدي ً
ذلك على الله يسير ,كما كان يسيًرا عليه إنشاؤه.
ئ
شه ُ م الل ّه ُ
ه ُين ِ ف ب َهد َأ َ ال ْ َ
خل ْهقَ ث ُه ّ ض فَههان ْظ ُُروا ك َي ْه َ َ
سيُروا فِههي الْر ِ ل ِ قُ ْ
ه عََلى ك ُ ّ َ
ديٌر )(20 يٍء قَ ِ
ش ْ ل َ ن الل ّ َ
خَرةَ إ ِ ّ
شأةَ ال ِالن ّ ْ
786
قل -أيها الرسول -لمنكري البعث بعد الممات :سيروا في الرض,
فانظروا كيف أنشأ الله الخلق ,ولم يتعذر عليه إنشاؤه مبتد ًَأ؟
فكذلك ل يتعذر عليه إعادة إنشائه النشأة الخرة .إن الله على كل
شيء قدير ,ل يعجزه شيء أراده.
َ َ
ن
دو ِ
ن ُ
مه ْ مهها ل َك ُه ْ
م ِ ماِء وَ َ
سه َ
ض َول فِههي ال ّ
ن ِفي الْر ِزي َج ِمع ْ ِ
م بِ ُما أن ْت ُ ْ وَ َ
صيرٍ )(22
ي َول ن َ ِ ن وَل ِ ّم ْ الل ّهِ ِ
وما أنتم -أيها الناس -بمعجزي الله في الرض ول في السماء إن
ي يلي أموركم ,ول
من ول ّ عصيتموه ,وما كان لكم من دون الله ِ
نصير ينصركم من الله إن أراد بكم سوًءا.
787
َ
حي َههاةِ ال هد ّن َْيام ِفي ال ْ َ ن الل ّهِ أوَْثانا ً َ
موَد ّةَ ب َي ْن ِك ُ ْ دو ِ
ن ُ م ْم ِ خذ ْت ُ ْ
ما ات ّ َل إ ِن ّ َوََقا َ
ضهك ُ ْ
م مهةِ ي َك ُْفهُر ب َعْ ُ م ال ِْقَيا َ ض ث ُه ّ
م ي َهوْ َ م ب ِب َْعْ ٍضك ُ ْ
مةِ ي َك ُْفُر ب َعْ ُ م ال ِْقَيا َ ثُ ّ
م ي َوْ َ
ن )(25 ري َص ِ ن َنا ِ م ْم ِ ما ل َك ُ ْ م الّناُر وَ َ مأَواك ُ ْ م ب َْعضا ً وَ َضك ُ ْن ب َعْ ُ ض وَي َل ْعَ ُ ب ِب َعْ ٍ
وقال إبراهيم لقومه :يا قوم إنما عبدتم من دون الله آلهة باطلة,
اتخذتموها مودة بينكم في الحياة الدنيا ,تتحابون على عبادتها,
وتتوادون على خدمتها ,ثم يوم القيامة ,يتبرأ بعضكم من بعض,
ضا ,ومصيركم جميًعا النار ,وليس لكم ناصر ويلعن بعضكم بع ً
يمنعكم من دخولها.
م)
كي ه ُ زي هُز ال ْ َ
ح ِ ه هُ هوَ ال ْعَ ِ
جٌر إ َِلى َرّبي إ ِن ّه ُ
مَها ِ
ل إ ِّني ُ ه ُلو ٌ
ط وََقا َ ن لَ ُ َفآ َ
م َ
(26
م وتبع ملته .وقال إبراهيم :إني تارك دار قومي دق لو ٌ
ط إبراهي َ فص ّ
إلى الرض المباركة وهي "الشام" ،إن الله هو العزيز الذي ل
ي َُغاَلب ,الحكيم في تدبيره.
ن )(30
دي َ
س ِ صْرِني عََلى ال َْقوْم ِ ال ْ ُ
مْف ِ ب ان ُ َقا َ
ل َر ّ
قال :رب انصرني على القوم المفسدين بإنزال العذاب عليهم;
حيث ابتدعوا الفاحشة وأصّروا عليها ,فاستجاب الله دعاءه.
َ
ه
ل هَهذِ ِ شهَرى قَههاُلوا إ ِن ّهها ُ
مهْل ِك ُههو أهْه ِ م ِبال ْب ُ ْهيه َسهل َُنا إ ِب َْرا ِ
ت ُر ُ جههاَء ْ ما َ وَل َ ّ
ن )(31 مي َ كاُنوا َ
ظال ِ ِ ن أ َهْل ََها َ
ال َْقْري َةِ إ ِ ّ
ولما جاءت الملئكة إبراهيم بالخبر الساّر من الله بإسحاق ,ومن
وراء إسحاق ولده يعقوب ,قالت الملئكة لبراهيم :إنا مهلكو أهل
ن أهلها كانوا ظالمي أنفسهمقرية قوم لوط ,وهي "سدوم"; إ ّ
بمعصيتهم لله.
789
جو أهلك معك إل أمرأتك,
جوك من العذاب النازل بقومك ومن ّ
إّنا من ّ
من قومها.
فإنها هالكة فيمن يهلك ِ
َ
مهها ك َههاُنوا
ماءِ ب ِ َ
سه َ
ن ال ّ جههزا ً ِ
مه ْ ل هَهذِهِ ال َْقْري َهةِ رِ ْ
ن عَل َههى أهْه ِ
منزِل ُههو َ
إ ِّنا ُ
ن )(34 سُقو َ ي َْف ُ
إنا منزلون على أهل هذه القرية عذاًبا من السماء; بسبب
معصيتهم لله وارتكابهم الفاحشة.
ة ل َِقوْم ٍ ي َعِْقُلو َ
ن )(35 ة ب َي ّن َ ً وَل ََقد ت ََرك َْنا ِ
من َْها آي َ ً
من ديار قوم لوط آثاًرا بينة لقوم يعقلون العبر,ولقد أبقينا ِ
فينتفعون بها.
جههوا ال ْي َهوْ َ
م دوا الل ّه َ
ه َواْر ُ ل ي َهها قَهوْم ِ اعْب ُه ُشعَْيبا ً فََقا َ م ُ ن أَ َ
خاهُ ْ وَإ َِلى َ
مد ْي َ َ
ن )(36 خر ول ت َعْث َوا ِفي ال َ
دي َ س ِ
مْف ِ ض ُِ ر
ْ ْ ال ِ َ َ
وأرسلنا إلى "مدين" أخاهم شعيًبا ,فقال لهم :يا قوم اعبدوا الله
وحده ,وأخلصوا له العبادة ,ما لكم من إله غيره ,وارجوا بعبادتكم
جزاء اليوم الخر ,ول تكثروا في الرض الفساد والمعاصي ,ول
تقيموا عليها ,ولكن توبوا إلى الله منها وأنيبوا.
ن )(37 مي ثجا م ه ر دا في حوا بص فَك َذ ّبوه فَأ َخذ َتهم الرجَفة فَأ َ
َ ِ ِ َ ْ ِ ِ َ ِ ُ َ ْ َ ُْ ْ ّ ْ ُ ُ ُ
فك ّ
ذب أهل "مدين" شعيًبا فيما جاءهم به عن الله من الرسالة,
صْرعى هالكين.
فأخذتهم الزلزلة الشديدة ,فأصبحوا في دارهم َ
ن شهي ْ َ
طا ُ ن ل َهُه ْ
م ال ّ م وََزي ّه َسههاك ِن ِهِ ْ
م َن َ
مه ْ م ِن ل َك ُه ْ عادا ً وَث َ ُ
مود َ وَقَهد ْ ت َب َي ّه َ وَ َ
َ
ن )(38 ري َ
ص ِست َب ْ ِم ْ ل وَ َ
كاُنوا ُ سِبي ِ ن ال ّ م عَ ْ صد ّهُ ْم فَ َ مال َهُ ْ
أعْ َ
خراُبها وخلؤها
دا وثمود ,وقد تبين لكم من مساكنهم َ وأهلكنا عا ً
سن لهم الشيطان أعمالهممنهم ,وحلول نقمتنا بهم جميًعا ,وح ّ
دهم عن سبيل الله وعن طريق اليمان به وبرسله, القبيحة ,فص ّ
790
وكانوا مستبصرين في كفرهم وضللهم ,معجبين به ,يحسبون أنهم
على هدى وصواب ,بينما هم في الضلل غارقون.
خهذ َت ْ ُ
ه ن أَ َ
مه ْم َمن ْهُه ْصههبا ً وَ ِحا ِ سل َْنا عَل َي ْهِ َ
خذ ْنا بذ َنبه فَمنهم م َ
ن أْر َفَك ُل ّ أ َ َ ِ ْ ِ ِ ِ ْ ُ ْ َ ْ
َ
ض َ
س هْفَنا ب ِههِ الْر َ خ َ ن َ مه ْ م َ من ْهُ ه ْ ة وَ ِ ح ُص هي ْ َ
ه ال ّ ن أَ َ
خ هذ َت ْ ُ مه ْ م َمن ْهُ ْة وَ ِح ُ صي ْ َال ّ
َ َ
م س هه ُ ْ ن ك َههاُنوا أن ُْف َم وَل َك ِه ْ ه ل ِي َظ ْل ِ َ
مه ُ ه ْ ن الل ّه ُ مهها ك َهها َ ن أغَْرقْن َهها وَ َ مه ْ م َ من ْهُ ْ وَ ِ
ن )(40 مو َ ي َظ ْل ِ ُ
فأخذنا كل من هؤلء المذكورين بعذابنا بسبب ذنبه :فمنهم الذين
منأرسلنا عليهم حجارة من طين منضود ,وهم قوم لوط ,ومنهم َ
من خسفنا به أخذته الصيحة ,وهم قوم صالح وقوم شعيب ,ومنهم َ
مه,
ن وقو ُ م نوح وفرعو ُمن أغرقنا ,وهم قو ُ
الرض كقارون ,ومنهم َ
ولم يكن الله ليهلك هؤلء بذنوب غيرهم ,فيظلمهم بإهلكه إياهم
بغير استحقاق ,ولكنهم كانوا أنفسهم يظلمون بتنعمهم في ن َِعم
ربهم وعبادتهم غيره.
ت ب َْيت ها ً َ
خ هذ َ ْ ل ال َْعنك َُبو ِ
ت ات ّ َ ن الل ّهِ أوْل َِياَء ك َ َ
مث َ ِ دو ِ ن ُم ْذوا ِ خ ُ
ن ات ّ َ
ذي َل ال ّ ِمث َ ُ
َ
َ ت لو ْ ََ ْ َ ْ َ
ن )(41 مو َ كاُنوا ي َعْل ُ ت العَن ْك َُبو ِت لب َي ْ ُ
ن الب ُُيو ِن أوْهَ َ وَإ ِ ّ
مثل الذين جعلوا الوثان من دون الله أولياء يرجون نصرها ,كمثل
العنكبوت التي عملت بيًتا لنفسها ليحفظها ,فلم ُيغن عنها شيًئا عند
حاجتها إليه ,فكذلك هؤلء المشركون لم ي ُْغن عنهم أولياؤهم الذين
اتخذوهم من دون الله شيًئا ,وإن أضعف البيوت َلبيت العنكبوت ,لو
كانوا يعلمون ذلك ما اتخذوهم أولياء ,فهم ل ينفعونهم ول
يضرونهم.
791
م)
كي ه ُ زي هُز ال ْ َ
ح ِ يءٍ وَهُ هوَ ال ْعَ ِ ن َ
شه ْ م ْ
دون ِهِ ِ
ن ُ
م ْ
ن ِ
عو َ
ما ي َد ْ ُ ه ي َعْل َ ُ
م َ ن الل ّ َ
إِ ّ
(42
إن الله يعلم ما يشركون به من النداد ,وأنها ليست بشيء في
موها ,ل تنفع ول تضر .وهو العزيز
س ّ
الحقيقة ,بل هي مجرد أسماء َ
في انتقامه ممن كفر به ,الحكيم في تدبيره وصنعه.
ك ال َ
ن )(43 ما ي َعِْقل َُها إ ِل ّ ال َْعال ِ ُ
مو َ س وَ َ
ِ نا
ّ لل
ِ ها
َ ُ بِ رضْ َ ن ُ
ل َ
ثا م
ْ وَت ِل ْ َ
وهذه المثال نضربها للناس; لينتفعوا بها ويتعلموا منها ,وما يعقلها
إل العالمون بالله وآياته وشرعه.
َ
ن) ة ل ِل ْ ُ
م هؤ ْ ِ
مِني َ ن فِههي ذ َل ِه َ
ك لي َه ً ض ب ِههال ْ َ
حقّ إ ِ ّ ت َوالْر َ
وا ِ
م َ
س َ خل َقَ الل ّ ُ
ه ال ّ َ
(44
خلق الله السموات والرض بالعدل والقسط ,إن في خلقه ذلك
ص المؤمنين؛ لنهم
خ ّ
لدللة عظيمة على قدرته ،وتفرده باللهية ،و َ
الذين ينتفعون بذلك.
792
الجزء الحادي والعشرون :
َ جادُِلوا أ َهْ َ
ممن ْهُه ْ
مههوا ِ ن ظ َل َ ُذي َن إ ِل ّ ال ّه ِ س ُ ح َ يأ ْ ب إ ِل ّ ِبال ِّتي هِ َ ل ال ْك َِتا ِ َول ت ُ َ
ُ ُ
ن
حه ُ ح هد ٌ وَن َ ْم َوا ِم وَإ ِل َهَُنا وَإ ِل َهُك ُ ْل إ ِل َي ْك ُ ْ
ل إ ِل َي َْنا وَأن ْزِ َ
ذي أن ْزِ َ مّنا ِبال ّ ِ
وَُقوُلوا آ َ
ن )(46 مو َ سل ِ ُ
م ْ لَ ُ
ه ُ
ول تجادلوا -أيها المؤمنون -اليهوَد والنصييارى إل بالسييلوب الحسيين ,والقييول الجميييل,
والدعوة إلى الحق بأيسر طريق موصل لذلك ,إل الذين حادوا عين وجيه الحيق وعانيدوا
وكابروا وأعلنوا الحرب عليكم فجالدوهم بالسيف حتى يؤمنوا ,أو يعطوا الجزية عيين ييٍد
وهم صاغرون ,وقولوا :آمنا بالقرآن الييذي ُأنييزل إلينييا ,وآمنييا بييالتوراة والنجيييل الليَذْين
ُأنزل إليكم ,وإلهنا وإلهكم واحد ل شريك له في ألوهيته ,ول في ربوبيته ,ول في أسييمائه
وصفاته ,ونحن له خاضعون متذللون بالطاعة فيما أمرنا به ,ونهانا عنه.
ن
مه ْ
ن ب ِههِ وَ ِ
من ُههو َ م ال ْك َِتا َ
ب ي ُؤْ ِ ن آت َي َْناهُ ْذي َ ب َفال ّ ِ ك ال ْك َِتا َك أ َن َْزل َْنا إ ِل َي ْ َوَك َذ َل ِ َ
ن )(47 كافُِرو َ حد ُ ِبآَيات َِنا إ ِل ّ ال ْ َ ج َما ي َ ْ
ن ب ِهِ وَ َ م ُ ن ي ُؤْ ِ م ْؤلء َ هَ ُ
وكما أنزلنا -أيها الرسول -الكتب علييى َميين قبلييك ميين الرسييل ,أنزلنييا إليييك هييذا الكتيياب
المصدق للكتب السابقة ,فالذين آتينيياهم الكتيياب ميين بنييي إسييرائيل فعرفييوه حييق معرفتييه
يؤمنون بالقرآن ,وِمن هؤلء العرب من قريش وغيرهم َمن يؤمن بييه ,ول ينكيير القييرآن
أو يتشكك في دلئله وبراهينه البينة إل الكافرون الذين َدْأُبهم الجحود والعناد.
ك ِإذا ً لْرَتها َ
ب ميِنه َ
ه ب ِي َ ِ خ ّ
طه ُ ب َول ت َ ُ
ن ك َِتها ٍ ن قَب ِْلههِ ِ
مه ْ ت ت َت ُْلهو ِ
مه ْ ما ك ُْنه َوَ َ
ن )(48 مب ْط ُِلو َ
ال ْ ُ
من معجزاتك البينة -أيها الرسول -أنك لم تقرأ كتاًبا ولم تكتب حروًفا بيمينك قبييل نييزول
القرآن عليك ,وهم يعرفون ذلك ,ولو كنت قارًئا أو كاتًبا من قبل أن يوحى إليك لشك فييي
ذلك المبطلون ,وقالوا :تعّلمه من الكتب السابقة أو استنسخه منها.
793
بل القرآن آيات بينات واضحة في الدللة على الحق يحفظييه العلميياء ,ومييا يكيّذب بآياتنييا
ويردها إل الظالمون المعاندون الذين يعلمون الحق ويحيدون عنه.
ة
مهه ً ك ل ََر ْ
ح َ ن ِفي ذ َل ِ َ ب ي ُت َْلى عَل َي ْهِ ْ
م إِ ّ م أ َّنا أ َن َْزل َْنا عَل َي ْ َ
ك ال ْك َِتا َ م ي َك ِْفهِ ْ
َ
أوَل َ ْ
ن )(51 مُنو َ وَذِك َْرى ل َِقوْم ٍ ي ُؤْ ِ
أولم يكف هؤلء المشركين في علمهم بصدقك -أيهييا الرسييول -أّنييا أنزلنييا عليييك القييرآن
يتلى عليهم؟ إن في هذا القرآن َلرحمة للمؤمنين في الدنيا والخرة ,وذكرى يتذكرون بما
فيه من عبرة وعظة.
ت وال َ
ض
ِ ر
ْ وا ِ َ
م َسه َ
مهها فِههي ال ّ م َ شِهيدا ً ي َعْل َ ُ م َل ك ََفى ِبالل ّهِ ب َي ِْني وَب َي ْن َك ُ ْقُ ْ
ن )(52 سُرو َ م ال ْ َ
خا ِ ك هُ ْل وَك ََفُروا ِبالل ّهِ أ ُوْل َئ ِ َ مُنوا ِبال َْباط ِ ِ نآ َ
ذي ََوال ّ ِ
قل :كفى بال بيني وبينكم شاهًدا علييى صييدقي أنييي رسييوله ,وعلييى تكييذيبكم لييي وردكييم
ت به من عند ال ,يعلم ما فييي السييموات والرض ,فل يخفييى عليييه شيييء الحق الذي جئ ُ
فيهمييا .والييذين آمنييوا بالباطييل وكفييروا بييال -مييع هييذه الييدلئل الواضييحة -أولئك هييم
الخاسرون في الدنيا والخرة.
ْ َ
ب وَل ََيههأت ِي َن ّهُ ْ
م م ال ْعَ َ
ذا ُ مى ل َ َ
جاَءهُ ْ س ّ
م َ ج ٌ
ل ُ ب وَل َ ْ
ول أ َ ذا ِك ِبال ْعَ َجُلون َ َست َعْ ِ
وَي َ ْ
ن )(53 شعُُرو َ م ل يَ ْ ة وَهُ ْ ب َغْت َ ً
ويستعجلك -أيها الرسول -هؤلء المشركون من قومك بالعييذاب اسييتهزاء ,ولييول أن الي
جعل لعذابهم في الدنيا وقًتا ل يتقدم ول يتييأخر ,لجيياءهم العييذاب حييين طلبييوه ,وليييأتينهم
سون.حّ
فجأة ,وهم ل يشعرون به ول ُي ِ
794
ن )(54
ري َ ة ِبال ْ َ
كافِ ِ حيط َ ٌ م لَ ُ
م ِ جهَن ّ َ
ن َ
ب وَإ ِ ّ ك ِبال ْعَ َ
ذا ِ جُلون َ َ
ست َعْ ِ
يَ ْ
يستعجلونك بالعذاب في الدنيا ,وهو آتيهم ل محالة إّما فييي الييدنيا وإمييا فييي الخييرة ,وإن
عذاب جهنم في الخرة لمحيط بهم ,ل مفّر لهم منه.
ن
مهه ْ
ري ِ جن ّةِ غَُرفا ً ت َ ْ
ج ِ ن ال ْ َ
م ْ
م ِت ل َن ُب َوّئ َن ّهُ ْحا ِ مُلوا ال ّ
صال ِ َ مُنوا وَعَ ِ
نآ َ َوال ّ ِ
ذي َ
خال ِدين فيها ن ِع َ َ
ن )(58 جُر ال َْعا ِ
مِلي َ مأ ْحت َِها الن َْهاُر َ ِ َ ِ َ ْ َ تَ ْ
والذين صّدقوا بال ورسوله وعملوا ما ُأمروا به من الصالحات لننزلّنهم من الجنة غرًفييا
عالية تجري من تحتها النهار ،ماكثين فيهييا أبيًداِ ,نْعيَم جييزاء العيياملين بطاعيية الي هييذه
الغرف في جنات النعيم.
م ي َت َوَك ُّلو َ
ن )(59 صب َُروا وَعََلى َرب ّهِ ْ
ن َ ال ّ ِ
ذي َ
إن تلك الجنات المذكورة للمؤمنين الذين صبروا على عبادة ال ,وتمسكوا بدينهم ,وعلييى
ال يعتمدون في أرزاقهم وجهاد أعدائهم.
795
َ
ع
مي ُ
سه ِ
م وَهُهوَ ال ّ ل رِْزقَهَهها الل ّه ُ
ه ي َْرُزقُهَهها وَإ ِي ّههاك ُ ْ مه ُ
ح ِ
داب ّةٍ ل ت َ ْ
ن َ وَك َأّين ِ
م ْ
ال ْعَِلي ُ
م )(60
وكم من دابة ل تّدخر غذاءها لغد ,كما يفعل ابيين آدم ,فييال سيبحانه وتعيالى يرزفهيا كميا
يرزقكم ,وهو السميع لقوالكم ,العليم بأفعالكم وخطرات قلوبكم.
َ َ
س َوال َْق َ
م هَر م َ خَر ال ّ
شه ْ س ّ
ض وَ َ
ت َوالْر َ
وا ِ
م َ خل َقَ ال ّ
س َ ن َم ْ م َ سأل ْت َهُ ْن َ ْ وَل َئ ِ
ن )(61 ه فَأ َّنا ي ُؤْفَ ُ
كو َ ن الل ّ ُ ل َي َُقول ُ ّ
ولئن سألت -أيها الرسول -المشركين :من الذي خلق السموات والرض على هذا النظام
ن :خلقهن ال وحده ,فكيف يصرفون عن اليمان بييال البديع ,وذّلل الشمس والقمر؟ ليقوُل ّ
خالق كل شيء ومدبره ,ويعبدون معه غيره؟ فاعجب من إفكهم وكذبهم!!
ي ءٍ
ش ْ ن الل ّ َ
ه ب ِك ُ ّ
ل َ عَبادِهِ وَي َْقدُِر ل َ ُ
ه إِ ّ ن ِ
م ْ ن يَ َ
شاُء ِ م ْ س ُ
ط الّرْزقَ ل ِ َ ه ي َب ْ ُالل ّ ُ
م )(62 عَِلي ٌ
ال سبحانه وتعالى يوسع الرزق لمن يشاء من خلقه ,ويضيق علييى آخرييين منهييم; لعلمييه
بما يصلح عباده ,إن ال بكل شيء من أحوالكم وأموركم عليم ,ل يخفى عليه شيء.
ن
وا ُ ي ال ْ َ
حي َه َ خَرةَ ل َهِ ه َ
داَر ال ِ
ن ال ّ حَياةُ الد ّن َْيا إ ِل ّ ل َهْوٌ وَل َعِ ٌ
ب وَإ ِ ّ ما هَذِهِ ال ْ َ وَ َ
ن )(64 مو َ كاُنوا ي َعْل َ ُ
ل َوْ َ
وما هذه الحياة الدنيا إل لهههو ولعههب ,تلهههو بههها القلههوب وتلعههب بههها
البدان; بسبب ما فيها من الزينة والشهوات ,ثم تزول سههريًعا ,وإن
796
الدار الخرة لهي الحياة الحقيقية الدائمة التي ل موت فيها ,لو كان
الناس يعلمون ذلك لما آثروا دار الفناء على دار البقاء.
م إ َِلههىجاهُ ْ ن فَل َ ّ
ما ن َ ّ دي َ
ه ال ّ ن لَ ُ صي َ خل ِ ِم ْ
ه ُوا الل ّ َ ذا َرك ُِبوا ِفي ال ُْفل ْ ِ
ك د َعَ ْ فَإ ِ َ
ف
س هو ْ َمت ّعُههوا فَ َم وَل ِي َت َ َ ن ) (65ل ِي َك ُْفهُروا ب ِ َ
مهها آت َي ْن َههاهُ ْ كو َ شرِ ُم يُ ْ
ذا هُ ْ ال ْب َّر إ ِ َ
ن )(66 مو َ ي َعْل َ ُ
حههدوا اللههه,فإذا ركب الكفار السفن فههي البحههر ,وخههافوا الغههرق ,و ّ
جاهم إلههى الههبر ,وزالههت وأخلصوا له في الدعاء حال شدتهم ,فلما ن ّ
حدون الله عنهم الشدة ,عادوا إلى شركهم ,إنهم بهذا يتناقضون ,يو ّ
شهْركهم بعههد نعمتنهها ساعة الشدة ,ويشههركون بههه سههاعة الرخههاء .و ِ
ن عاقبته الكفر بما أنعمنا عليهههم فههي عليهم بالنجاة من البحر; ليكو َ
أنفسهم وأموالهم ,وليكملوا تمتعهم في هذه الدنيا ,فسوف يعلمون
ده الله لهم من عذاب أليم يوم القيامهة .وفهي فساد عملهم ,وما أع ّ
ذلك تهديد ووعيد لهم.
خ ّ
منهها ً وَي ُت َ َ َ َ
م
حههوْل ِهِ ْ
ن َ
مهه ْ
س ِ
ف الّنهها ُ
طهه ُ حَرمهها ً آ ِ
جعَل َْنهها َ م َيههَرْوا أّنهها َ أوََلهه ْ
َ
ن )(67 مةِ الل ّهِ ي َك ُْفُرو َ
ن وَب ِن ِعْ َ
مُنو َ أفَِبال َْباط ِ ِ
ل ي ُؤْ ِ
مهها آمن ًهها يههأمن
حَر ً
أولم يشاهد كفار "مكة" أن الله جعل "مكة" لهم َ
من حولهم خههارج الحههرم, س ِ
فيه أهله على أنفسهم وأموالهم ,والنا ُ
صهههم
طفون غير آمنين؟ أفبالشرك يؤمنون ,وبنعمة الله الههتي خ ّ خ ّ
ي ُت َ َ
بها يكفرون ,فل يعبدونه وحده دون سواه؟
َ وم َ
جههاءَهُ حقّ ل َ ّ
مهها َ ب ب ِههال ْ َ
ذبا ً أوْ ك َهذ ّ َ
ن افْت ََرى عََلى الل ّههِ ك َه ِ م ْم ّ م ِن أظ ْل َ َُ َ ْ
وى ل ِل ْ َ َ
ن )(68 ري َ
كافِ ِ مث ْ ً
م َجهَن ّ َ
س ِفي َ أل َي ْ َ
ذب علهى اللهه ,فنسهب مها ههو عليهه مهن ما ممن كه َل أحد أشد ظل ً
ذب بالحق الذي بعث الله به رسههوله الضلل والباطل إلى الله ,أو ك ّ
دا صلى الله عليه وسلم ،إن في النار لمسكًنا لمن كفههر بههالله, محم ً
دا صلى الله عليه وسلم.ذب رسوله محم ً وجحد توحيده وك ّ
ن )(69
سِني َ
ح ِ مع َ ا ل ْ ُ
م ْ ه لَ َ
ن الل ّ َ
سب ُل ََنا وَإ ِ ّ دوا ِفيَنا ل َن َهْدِي َن ّهُ ْ
م ُ جاهَ ُ
ن َ َوال ّ ِ
ذي َ
797
والمؤمنون الذين جاهدوا أعداء الله ,والنفس ,والشههيطان ,وصههبروا
علههى الفتههن والذى فههي سههبيل اللههه ,سههيهديهم اللههه سههبل الخيههر,
من هذه صفته فهو محسههن إلههى ويثبتهم على الصراط المستقيم ,و َ
مههنمههن أحسههن ِنفسه وإلى غيره .وإن اللههه سههبحانه وتعههالى لمههع َ
قه بالنصرة والتأييد والحفظ والهداية. خل ْ ِ
َ
-30سورة الروم
الم )(1
الحروف المق ّ
طعة في أول سورة البقرة.
غُل ِب َت الروم )ِ (2في أ َد َْنى ال َ
ن )(3 سي َغْل ُِبو َ
م َ ن ب َعْدِ غَل َب ِهِ ْ م ْ م ِ ض وَهُ ْ ِ رْ ّ ُ ْ
ن
من ُههو َمؤ ْ ِ ْ ن قَب ْ ُ َ ّ
ح ال ُ مئ ِذٍ ي َْف هَر ُ
ن ب َعْد ُ وَي َوْ َم ْ ل وَ ِ م ْ مُر ِ ن ل ِلهِ ال ْ سِني َضِع ِ ِفي ب ِ ْ
م )(5 حي ُ زيُز الّر ِ شاُء وَهُوَ ال ْعَ ِ ن يَ َ
م ْ صرِ الل ّهِ َين ُ
صُر َ ) (4ب ِن َ ْ
م في أدنى أرض "الشام" إلى "فههارس" ,وسههوف غََلبت فار ُ
س الرو َ
س في مدة من الزمن ,ل تزيد على عشر سنوات م الفر َ ي َغِْلب الرو ُ
ول تنقص عن ثلث .لله سبحانه وتعالى المر كله قبل انتصار الروم
وبعده ,ويوم ينتصر الروم على الفرس يفرح المؤمنههون بنصههر اللههه
للروم على الفرس .والله سبحانه وتعالى ينصر مههن يشههاء ,ويخههذل
من يشاء ,وهو العزيز الذي ل يغاَلب ,الرحيم بمن شههاء مههن خلقههه.
س بعههد سههبع سههنين ,وفههرح وقههد تحقههق ذلههك فغَل َب َههت الههرو ُ
م الفههر َ
المسلمون بذلك; لكون الروم أهل كتاب وإن حّرفوه.
798
َ َ َ
مهها
ض وَ َ ت َوالْر َ وا ِ
م َ سه َ
ه ال ّخل َهقَ الل ّه ُ مهها َ
م َ م ي َت ََفك ُّروا فِههي أنُف ِ
س هه ِ ْ أوَل َ ْ
َ
م
س ب ِل َِقههاِء َرب ّهِه ْ
ن الن ّهها ِ ن ك َِثيههرا ً ِ
مه ْ مى وَإ ِ ّسه ّم َ ل ُجه ٍ ما إ ِل ّ ِبال ْ َ
حقّ وَأ َ ب َي ْن َهُ َ
ن )(8 كافُِرو َ لَ َ
أولم يتفكر هؤلء المكّذبون برسل ال ولقائه في خلق ال إياهم ,وأنه خلقهييم ,ولييم يكونييوا
شيًئا .ما خلييق الي السيموات والرض وميا بينهمييا إل لقامية العييدل والثييواب والعقيياب,
والدللة على توحيده وقدرته ,وأجل مسمى تنتهي إليه وهو ييوم القياميية؟ وإن كيثيًرا مين
الناس بلقاء ربهم لجاحدون منكرون; جهل منهم بأن معادهم إلى الي بعيد فنيائهم ,وغفليًة
منهم عن الخرة.
799
ن )(12
مو َ
جرِ ُ س ال ْ ُ
م ْ ة ي ُب ْل ِ ُ
ساعَ ُ
م ال ّ
م ت َُقو ُ
وَي َوْ َ
ويوم تقوم السيياعة ييئس المجرميون ميين النجياة مين العييذاب ,وتصيييبهم الحَْيييرة فتنقطييع
حجتهم.
ن )(13
ري َ م َ
كافِ ِ شَر َ
كائ ِهِ ْ شَفَعاُء وَ َ
كاُنوا ب ِ ُ م ُ شَر َ
كائ ِهِ ْ ن ُ
م ْ ن ل َهُ ْ
م ِ وَل َ ْ
م ي َك ُ ْ
ولم يكن للمشركين في ذلك اليوم من آلهتهم التي كانوا يعبدونها من دون الي شيفعاء ,بيل
إنها تتبرأ منهم ,ويتبرؤون منها .فالشفاعة ل وحده ,ول ُتطَلب من غيره.
مُلههوا َ
مُنههوا وَعَ ِ
نآ َ ما ال ّ ِ
ذي َ ن ) (14فَأ ّ
مئ ِذٍ ي َت ََفّرُقو َ
ة ي َوْ َ
ساعَ ُ
م ال ّ م ت َُقو ُ وَي َوْ َ
ن )(15حب َُرو َ
ضةٍ ي ُ ْ م ِفي َروْ َ ت فَهُ ْحا ِ صال ِ َ
ال ّ
ويوم تقوم الساعة يفيترق أهيل اليميان بيه وأهيل الكفير ,فأميا المؤمنيون بيال ورسيوله,
العاملون الصالحات فهم في الجنة ,يكّرمون ويسّرون وينّعمون.
ب
ذا ِ خهَرةِ َفهأ ُوْل َئ ِ َ
ك فِههي ال َْعه َ ن ك ََفُروا وَك َذ ُّبوا ِبآَيات َِنا وَل َِقههاِء ال ِ
ذي َما ال ّ ِ
َ
وَأ ّ
ن )(16 ضُرو َ ح َ م ْ
ُ
وأما الذين كفروا بال وكّذبوا بما جاءت به الرسل وأنكروا البعث بعد الموت ,فأولئك في
العذاب مقيمون; جزاء ما كّذبوا به في الدنيا.
مهد ُ فِههي ه ال ْ َ
ح ْ ن ) (17وَل َه ُ
حو َ
صهب ِ ُ
ن تُ ْ
حيه َن وَ ِسو َ م ُن تُ ْ ن الل ّهِ ِ
حي َ حا َسب ْ َفَ ُ
ن )(18ن ت ُظ ْهُِرو َ شي ّا ً وَ ِ َ
حي َ ض وَعَ ِت َوالْر ِ وا ِم َس َال ّ
صيفوه بصييفات فيا أيها المؤمنون سّبحوا ال ونّزهوه عين الشيريك والصيياحبة والولييدَ ,و ِ
الكمال بألسنتكم ,وحّققوا ذلييك بجيوارحكم كلهيا حيين تمسييون ,وحييين تصيبحون ,ووقييت
العشي ,ووقت الظهيرة .وله -سبحانه -الحمد والثناء فييي السييموات والرض وفييي الليييل
والنهار.
َ ن ال ْ َ
ض ب َْعههد َ
ي الْر َ
حهه ِ
ي وَي ُ ْ
ح ّ م ْ
ت ِ ج ال ْ َ
مي ّ َ خرِ ُت وَي ُ ْ ن ال ْ َ
مي ّ ِ م ْ ي ِح ّ ج ال ْ َ
خرِ ُ يُ ْ
ن )(19 جو َ خَر ُ موْت َِها وَك َذ َل ِ َ
ك تُ ْ َ
800
يخرج ال الحي من الميت كالنسان من النطفة والطير من البيضة ,ويخييرج الميييت ميين
الحي ,كالنطفيية ميين النسييان والبيضيية ميين الطييير .ويحيييي الرض بالنبييات بعييد ُيْبسييها
وجفافها ,ومثل هذا الحياء تخرجون -أيها الناس -من قبوركم أحياء للحساب والجزاء.
ن ِفههي ذ َِلهه َ
ك ن فَ ْ
ضل ِهِ إ ِ ّ م ْ ل َوالن َّهارِ َواب ْت َِغاؤُك ُ ْ
م ِ م ِبالل ّي ْ ِ
مك ُ ْمَنا ُآَيات ِهِ َ ن
م ْوَ ِ
ن )(23 مُعو َ س َ ل َِقوْم ٍ ي َ ْ تلَيا ٍ
ومن دلئل هذه القدرة أن جعييل الي النييوم راحيية لكييم فييي الليييل أو النهييار; إذ فييي النييوم
حصول الراحة وذهاب التعب ,وجعل لكم النهار تنتشرون فيه لطلب الرزق ,إن في ذلك
لدلئل على كمال قدرة الي ونفييوذ مشيييئته لقييوم يسييمعون المييواعظ سييماع تأمييل وتفكيير
واعتبار.
801
ت ل َِقوْم ٍ ي َعِْقُلو َ
ن )(24 ن ِفي ذ َل ِ َ
ك لَيا ٍ موْت َِها إ ِ ّ َ
ض ب َعْد َ َ
ب ِهِ الْر َ
وميين دلئل قييدرته سييبحانه أن يريكييم الييبرق ,فتخييافون ميين الصييواعق ,وتطمعييون فييي
الغيث ,وينزل من السحاب مطًرا فيحيي به الرض بعد جدبها وجفافها ,إن في هذا لدليل
على كمال قدرة ال وعظيم حكمته وإحسانه لكل َمن لديه عقل يهتدي به.
ت وال َ
ل لَ ُ
ه َقان ُِتو َ
ن )(26 ض كُ ّ
ِ ر
ْ وا ِ َ
م َ
س َ
ن ِفي ال ّ
م ْ وَل َ ُ
ه َ
ول وحده كل َمن في السموات والرض من الملئكة والنس والجن والحيييوان والنبييات
والجماد ,كل هؤلء منقادون لمره خاضعون لكماله.
َ ضرب ل َك ُم مث َل ً م َ
ن
مه ْ م ِمههان ُك ُ ْت أي ْ َمل َك َه ْمهها َن َ مه ْ م ِ ل ل َك ُ ْم هَ ْسك ُ ْ ن أن ُْف ِ
ِ ْ ْ َ َ َ َ
َ َ
مسك ُ ْم أنُف َ خيَفت ِك ُ ْم كَ ِ خاُفون َهُ ْ
واٌء ت َ َ
س َ م ِفيهِ َ م فَأن ْت ُ ْ ما َرَزقَْناك ُ ْ
كاَء ِفي َ شَر َ ُ
ن )(28 ت ل َِقوْم ٍ ي َعِْقُلو َ ل الَيا ِص ُ ك َذ َل ِ َ
ك ن َُف ّ
ضرب ال مثل لكييم -أيهييا المشييركون -مين أنفسييكم :هييل لكييم ميين عبيييدكم وإمييائكم َمين
يشارككم في رزقكم ,وترون أنكم وإياهم متساوون فيه ,تخافونهم كمييا تخييافون الحييرار
الشركاء في مقاسمة أموالكم؟ إنكم لن ترضوا بذلك ,فكيف ترضون بييذلك فييي جنييب الي
802
بأن تجعلوا له شريًكا ميين خلقييه؟ وبمثييل هييذا البيييان نييبّين الييبراهين والحجييج لصييحاب
العقول السليمة الذين ينتفعون بها.
س عَل َي ْهَهها ل حِنيف ها ً فِط ْهَرةَ الل ّههِ ال ّت ِههي فَط َهَر جه َ َ َ
الن ّهها َ ن َ ِ دي
ك ِلل ّ م وَ ْفَأقِ ْ
ك الدين ال َْقيم ول َكن أ َ
ن )(30 مو َل ي َعْل َ ُ س
ِ نا
ّ ال ر
َ َ ثْ ك ّ ُ َ ِ ّ ّ ُ ق الل ّهِ ذ َل ِ َ ل لِ َ ْ
خل ِ دي َ ت َب ْ ِ
فأقم -أيها الرسول أنت ومن اتبعك -وجهك ,واسييتمر علييى الييدين الييذي شييرعه الي لييك,
وهو السلم الذي فطر ال الناس عليه ,فبقاؤكم عليه ,وتمسككم به ,تمسك بفطرة ال من
اليمان بال وحده ,ل تبديل لخلق ال ودينه ,فهو الطريق المستقيم الموصل إلى رضا ال
رب العالمين وجنته ,ولكن أكثر الناس ل يعلمون أن الذي أمرتك به -أيها الرسييول -هييو
الدين الحق دون سواه.
َ
ن )(31
كي َ
شرِ ِ ن ال ْ ُ
م ْ م ْ صلةَ َول ت َ ُ
كوُنوا ِ ن إ ِل َي ْهِ َوات ُّقوهُ وَأِقي ُ
موا ال ّ مِنيِبي َ
ُ
وكونوا راجعييين إلييى الي بالتوبيية وإخلص العمييل لييه ,واتقييوه بفعييل الواميير واجتنيياب
النواهي ,وأقيموا الصلة تامة بأركانها وواجباتها وشروطها ,ول تكونوا ميين المشييركين
مع ال غيره في العبادة.
ن)
حههو َ ما ل َهد َي ْهِ ْ
م فَرِ ُ ب بِ َ
حْز ٍ شَيعا ً ك ُ ّ
ل ِ م وَ َ
كاُنوا ِ ن فَّرُقوا ِدين َهُ ْ ن ال ّ ِ
ذي َ م ْ
ِ
(32
ول تكونوا من المشييركين وأهييل الهييواء والبييدع الييذين بيّدلوا دينهييم ,وغّيييروه ,فأخييذوا
بعضييه ,وتركييوا بعضييه; تبًعييا لهييوائهم ,فصيياروا فرًقييا وأحزاًبييا ,يتشيييعون لرؤسييائهم
ضيا عليى الباطيل ,كيل حيزب بميا ليديهم فرحيون وأحزابهيم وآرائهيم ,يعيين بعضيهم بع ً
مسرورون ,يحكمون لنفسهم بأنهم على الحق وغيرهم على الباطل.
803
ه
من ْه ُ
م ِ ذا أ َ َ
ذاقَهُ ه ْ ن إ ِل َي ْههِ ث ُه ّ
م إِ َ مِنيِبيه َ
م ُوا َرب ّهُه ْ
ضّر د َعَه ْ س ُ س الّنا َم ّ ذا َ وَإ ِ َ
ن )(33 شرِ ُ
كو َ م يُ ْم ب َِرب ّهِ ْ
من ْهُ ْ
ريقٌ ِذا فَ ِ
ة إِ َم ً
ح َ َر ْ
عيوا ربهيم مخلصيين ليه أن يكشيف عنهيم الضير ,فيإذا
س شيدة وبلء د َ
وإذا أصياب النيا َ
رحمهم وكشف عنهم ضرهم إذا فريق منهم يعودون إليى الشيرك ميرة أخيرى ,فيعبيدون
مع ال غيره.
ن )(34 ف ت َعْل َ ُ
مو َ مت ُّعوا فَ َ
سو ْ َ م فَت َ َ ل ِي َك ُْفُروا ب ِ َ
ما آت َي َْناهُ ْ
ليكفروا بما آتيناهم ومنّنا به عليهم من كشف الضر ,وزوال الشييدة عنهييم ,فتمتعييوا -أيهييا
سيَعة فييي هييذه الييدنيا ,فسييوف تعلمييون مييا تلقييونه ميين العييذاب
المشييركون -بالرخيياء وال ّ
والعقاب.
أَ َ
ن )(35 شرِ ُ
كو َ ما َ
كاُنوا ب ِهِ ي ُ ْ طانا ً فَهُوَ ي َت َك َل ّ ُ
م بِ َ سل ْ َ م أنَزل َْنا عَل َي ْهِ ْ
م ُ ْ
أم أنزلنييا علييى هييؤلء المشييركين برهاًنييا سيياطًعا وكتاًبييا قاطًعييا ,ينطيق بصييحة شييركهم
وكفرهم بال وآياته.
وإ َ َ
ت مهها قَهد ّ َ
م ْ سهي ّئ َ ٌ
ة بِ َ م َ
صهب ْهُ ْ
ن تُ ِ ة فَرِ ُ
حههوا ب ِهَهها وَإ ِ ْ مه ًح َ ذا أذ َقَْنا الّنا َ
س َر ْ َ َِ
ن )(36 ُ
م ي َْقن َطو َ م إِ َ
ذا هُ ْ ديهِ ْ
أي ْ ِ
شيٍر ,لوإذا أذقنا الناس منا نعمة ِمن صحة وعافية ورخيياء ,فرحييوا بييذلك فييرح بطيٍر وَأ َ
فرح شكر ,وإن يصبهم مرض وفقر وخوف وضيييق بسييبب ذنييوبهم ومعاصيييهم ,إذا هييم
َيْيَئسون من زوال ذلك ,وهذا طبيعة أكثر الناس في الرخاء والشدة.
س ُ َ َ
ت ن ِفي ذ َل ِ َ
ك لَيا ٍ ن يَ َ
شاُء وَي َْقدُِر إ ِ ّ م ْ
ط الّرْزقَ ل ِ َ ن الل ّ َ
ه ي َب ْ ُ م ي ََرْوا أ ّ أوَل َ ْ
ن )(37 ل َِقوْم ٍ ي ُؤْ ِ
مُنو َ
أولم يعلموا أن ال يوسع الرزق لمن يشاء امتحاًنا ,هل يشكر أو يكفر؟ ويضّيقه على ميين
يشاء اختباًرا ,هل يصبر أو يجزع؟ إن في ذلك التوسيع والتضيييق لييات لقيوم يؤمنيون
بال ويعرفون حكمة ال ورحمته.
ن خْيهٌر ل ِل ّه ِ
ذي َ ل ذ َِله َ
ك َ سهِبي ِ
ن ال ّ
ن َواْبه َ
كي َ
سه ِ ه َوال ْ ِ
م ْ ذا ال ُْقْرَبهى َ
حّقه ُ َفهآ ِ
ت َ
804
ن )(38
حو َ م ال ْ ُ
مْفل ِ ُ ه الل ّهِ وَأ ُوْل َئ ِ َ
ك هُ ْ ج َ
ن وَ ْ
دو َ
ري ُ
يُ ِ
فأعط -أيها المؤمن -قريبك حقه من الصلة والصدقة وسييائر أعمييال الييبر ,وأعييط الفقييير
والمحتاج الذي انقطع به السبيل من الزكاة والصدقة ,ذلك العطيياء خييير للييذين يريييدون
بعملهم وجه اليي ,والييذين يعملييون هييذه العمييال وغيرهييا ميين أعمييال الخييير ,أولئك هييم
الفائزون بثواب ال الناجون ِمن عقابه.
َ
عن ْهد َ الل ّههِ وَ َ
مهها س َفل ي َْرب ُههوا ِ ل ُ الن ّهها ِوا ِ
م َوا ِفي أ ْ ن ِربا ً ل ِي َْرب ُ َ م ْم ِ ما آت َي ْت ُ ْوَ َ
ن )(39 ضعُِفو َ م ْ م ال ْ ُ ه الل ّهِ فَأوْل َئ ِ َ
ك هُ ْ ج َ
ن وَ ْدو َ ري ُ ن َز َ
كاةٍ ت ُ ِ م ْ م ِ آت َي ْت ُ ْ
ضا من المال بقصد الربا ,وطلب زيييادة ذلييك القييرض; ليزيييد وينمييو فييي وما أعطيتم قر ً
أمييوال النيياس ,فل يزيييد عنييد اليي ,بييل يمحقييه ويبطلييه .ومييا أعطيتييم ميين زكيياة وصييدقة
للمستحقين ابتغاء مرضاة ال وطلًبا لثوابه ,فهذا هو الذي يقبله ال ويضاعفه لكم أضييعاًفا
كثيرة.
ن
مه ْ ل ِ حِييك ُه ْ
م هَ ه ْ م يُ ْ ميت ُك ُه ْ
م ث ُه ّ م يُ ِم ث ُه ّم َرَزقَك ُه ْ خل ََقك ُه ْ
م ث ُه ّ ذي َ ه ال ّه ِ الل ّه ُ
ه وَت َعَههاَلى عَ ّ
مهها حان َ ُ
سهب ْ َيٍء ُ شه ْ ن َ مه ْم ِ ن ذ َل ِك ُه ْ
مه ْل ِ ن ي َْفعَه ُمه ْ كائ ِك ُ ْ
م َ شهَر َ ُ
ن )(40 كو َ شرِ ُ يُ ْ
ال وحده هو الذي خلقكم -أيها الناس -ثم رزقكم في هذه الحياة ,ثم يميتكم بانتهاء آجالكم,
ثم يبعثكم من القبور أحياء للحساب والجزاء ,هل من شييركائكم َميين يفعييل ميين ذلكييم ميين
شيء؟ تنّزه ال وتقّدس عن شرك هؤلء المشركين به.
َ
ض
م ب َعْه َ
ذيَقهُ ْ
س ل ِي ُ ِ
دي الّنا ِ
ت أي ْ ِ ما ك َ َ
سب َ ْ ساد ُ ِفي ال ْب َّر َوال ْب َ ْ
حرِ ب ِ َ ظ َهََر ال َْف َ
ن )(41 جُعو َ م ي َْر ِمُلوا ل َعَل ّهُ ْ
ذي عَ ِ ال ّ ِ
ظهر الفساد في البر والبحر ,كالجدب وقليية المطييار وكييثرة المييراض والوبئة; وذلييك
بسبب المعاصي التي يقترفها البشر; ليصيبهم بعقوبية بعييض أعمييالهم الييتي عملوهيا فييي
الدنيا; كي يتوبوا إلى ال -سبحانه -ويرجعوا عن المعاصييي ,فتصييلح أحييوالهم ,وتسييتقيم
أمورهم.
ن ل َ
كا َ ن قَب ْ ُ ة ال ّ ِ ض َفانظ ُُروا ك َي ْ َ
ف َ سيروا ِفي ال َ قُ ْ
م ْ
ن ِ
ذي َ عاقِب َ ُ
ن َ
كا َ ِ ر
ْ ل ِ ُ
َ
ن )(42 كي َ م ْ
شرِ ِ م ُأك ْث َُرهُ ْ
805
قل -أيها الرسول -للمكذبين بما جئت به :سيروا في أنحيياء الرض سييير اعتبييار وتأمييل,
فانظروا كيف كان عاقبة المم السابقة المكذبة كقوم نوح ,وعيياد وثمييود ,تجييدوا عيياقبتهم
شر العواقب ومآلهم شر مآل؟ فقد كان أكثرهم مشركين بال.
ل صاِلحا ً فَ َ
ن )(44
دو َ
مه َ ُ
م يَ ْ
سه ِ ْ
لنُف ِ م َ َ
ن عَ ِ ن ك ََفَر فَعَل َي ْهِ ك ُْفُرهُ وَ َ
م ْ م ْ
َ
حا فلنفسييهم
من كفر فعليه عقوبة كفره ,وهي خلييوده فييي النييار ,وميين آمين وعمييل صييال ً
يهيئون منازل الجنة; بسبب تمسكهم بطاعة ربهم.
ب
حه ّ
ه ل يُ ِ ن فَ ْ
ض هل ِهِ إ ِن ّه ُ مه ْ
ت ِ
حا ِ مل ُههوا ال ّ
صههال ِ َ من ُههوا وَعَ ِ
نآ َ ج هزِيَ ال ّه ِ
ذي َ ل ِي َ ْ
ن )(45 ري َ
كافِ ِال ْ َ
ليجزي ال الذين آمنوا بال ورسوله وعملوا الصالحات من فضله وإحسانه .إنه ل يحييب
الكافرين لسخطه وغضبه عليهم.
َ
ي
ج هرِ َ
مت ِهِ وَل ِت َ ْ
ح َ
ن َر ْ
م ْ
م ِذيَقك ُ ْت وَل ِي ُ ِ شَرا ٍ مب َ ّ
ح ُ س َ
ل الّرَيا َ ن ي ُْر ِ ن آَيات ِهِ أ ْم ْوَ ِ
َ
ن )(46 شك ُُرو َ م تَ ْ ضل ِهِ وَل َعَل ّك ُ ْ
ن فَ ْ م ْمرِهِ وَل ِت َب ْت َُغوا ِ
ك ب ِأ ْال ُْفل ْ ُ
ومن آيات ال الدالة على أنه الله الحق وحده ل شريك لييه وعلييى عظيييم قييدرته إرسييال
الرياح أمام المطيير مبشييرات بإثارتهييا للسييحاب ,فتستبشيير بييذلك النفييوس; وليييذيقكم ميين
رحمته بإنزاله المطر الذي تحيا به البلد والعبيياد ,ولتجييري السييفن فييي البحيير بييأمر الي
ومشيئته ,ولتبتغوا من فضله بالتجارة وغيرها; فعل ال ذلك من أجل أن تشكروا له نعمه
وتعبدوه وحده.
َ
من َهها م ِبال ْب َي َّنا ِ
ت َفانت ََق ْ م فَ َ
جاُءوهُ ْ سل ً إ َِلى قَوْ ِ
مه ِ ْ ن قَب ْل ِ َ
ك ُر ُ سل َْنا ِ
م ْ وَل ََقد ْ أْر َ
806
من ال ّذي َ
ن )(47 صُر ال ْ ُ
مؤ ْ ِ
مِني َ حّقا ً عَل َي َْنا ن َ ْ
ن َ موا وَ َ
كا َ جَر ُ
نأ ِْ َ ِ ْ
ولقد أرسلنا ِمن قبلك -أيها الرسول -رسل إلى قييومهم مبشييرين ومنييذرين يييدعونهم إلييى
التوحيد ,ويحذرونهم من الشرك ,فجاؤوهم بالمعجزات والبراهين الساطعة ,فكفر أكثرهم
بربهم ,فانتقمنا من الييذين اكتسييبوا السيييئات منهييم ,فأهلكنيياهم ,ونصييرنا المييؤمنين أتبيياع
الرسل ,وكذلك نفعل بالمكذبين بك إن استمروا على تكذيبك ,ولم يؤمنوا.
فماءِ ك َي ْه َ
سه َ س هط ُ ُ
ه فِههي ال ّ حابا ً فَي َب ْ ُسه َ ح فَت ُِثيهُر َ ل الّرَيا َ س ُذي ي ُْر ِ ه ال ّ ِ
الل ّ ُ
خلل ِه فَإ َ َ سفا ً فَت ََرى ال ْوَد ْقَ ي َ ْ
ن
مهه ْب ب ِهِ َ صا َ
ذا أ َن ِ ِ ِ م ْ ج ِ خُر ُ جعَل ُ ُ
ه كِ َ شاُء وَي َ ْ يَ َ
ن )(48 شُرو َ ست َب ْ ِ
م يَ ْذا هُ ْعَبادِهِ إ ِ َن ِ م ْ شاُء ِ يَ َ
ال -سبحانه -هو الذي يرسل الرياح فتييثير سيحاًبا مثقل بالمياء ,فينشيره الي فيي السييماء
كيف يشاء ,ويجعله قطًعا متفرقة ,فترى المطر يخرج من بين السحاب ,فإذا ساقه ال إلى
عباده إذا هم يستبشرون ويفرحون بأن ال صرف ذلك إليهم.
كانوا من قَب َ
ن )(49
سي َ ن قَب ْل ِهِ ل َ ُ
مب ْل ِ ِ م ْ ل عَل َي ْهِ ْ
م ِ ن ي ُن َّز َ
لأ ِْ ْ ْ ِ ن َ ُ
وَإ ِ ْ
ن كانوا من قبل نزول المطر لفي يأس وقنوط; بسبب احتباسه عنهم.
وإ ْ
ن ذ َل ِه َ
ك موْت ِهَهها إ ِ ّ َ مةِ الل ّههِ ك َي ْه َ َفانظ ُْر إ َِلى آَثارِ َر ْ
ض ب َعْ هد َ َ
ي الْر َ
حه ِ ف يُ ْ ح َ
يٍء قَ ِ
ديٌر )(50 ش ْل َ موَْتى وَهُوَ عََلى ك ُ ّ حِيي ال ْ َ لَ ُ
م ْ
فانظر -أيها المشاهد -نظر تأمل وتدبر إلى آثيار المطير فيي النبيات واليزروع والشيجر,
كيف يحيي به ال الرض بعد موتها ,فينبتهييا ويعشييبها؟ إن الييذي َقيَدر علييى إحييياء هييذه
الرض لمحيي الموتى ,وهو على كل شيء قدير ل يعجزه شيء.
َ ول َئ ِ َ
ن ب َعْدِهِ ي َك ُْفُرو َ
ن )(51 صَفّرا ً ل َظ َّلوا ِ
م ْ سل َْنا ِريحا ً فََرأوْهُ ُ
م ْ ن أْر َ
َ ْ
حا مفسدة ,فرأوا نباتهم قد فسد بتلك الريييح ,فصييار
ولئن أرسلنا على زروعهم ونباتهم ري ً
من بعد خضرته مصفًرا ,لمكثوا من بعد رؤيتهم له يكفرون بال ويجحدون نعمه.
ن)
ري َ
مهد ْب ِ ِ ذا وَل ّه ْ
وا ُ عاَء إ ِ َ
م الهد ّ َ
صه ّ
معُ ال ّ
سه ِ مع ُ ا ل ْ َ
موَْتى َول ت ُ ْ س ِ فَإ ِن ّ َ
ك ل تُ ْ
(52
807
فإنك -أيها الرسول -ل تسمع من مات قلبه ,أو سّد أذنه عن سييماع الحييق ,فل تجييزع ول
تحزن على عدم إيميان هيؤلء المشيركين بيك ,فيإنهم كالصيم والميوتى ل يسيمعون ,ول
يشعرون ولو كانوا حاضرين ,فكيف إذا كانوا غائبين عنك مدبرين؟
َ
ن ِبآَيات ِن َهها ن ي ُهؤْ ِ
م ُ معُ إ ِل ّ َ
مه ْ سه ِ
ن تُ ْ ضلل َت ِهِ ْ
م إِ ْ ن َ
ي عَ ْ ت ب َِهاِدي ال ْعُ ْ
م ِ ما أن ْ َ
وَ َ
ن )(53 مو َ سل ِ ُم ْم ُفَهُ ْ
وما أنت -أيها الرسول -بمرشد َمن أعماه ال عن طريق الهدى ,مييا ُتسييمع سييماع انتفيياع
إل َمن يؤمن بآياتنا ,فهم خاضعون ممتثلون لمر ال.
جَعه َ
ل ف ُقهوّةً ُثه ّ
م َ ضعْ ٍ ن ب َعْدِ َ م ْل ِجع َ َ
م َف ثُ ّضع ْ ٍ ن َ م ْ
م ِ خل ََقك ُ ْ ه ال ّ ِ
ذي َ الل ّ ُ
ديُر )(54 م ال َْق ِشاءُ وَهُوَ ال ْعَِلي ُ خل ُقُ َ
ما ي َ َ ة يَ ْ ضْعفا ً وَ َ
شي ْب َ ً ن ب َعْدِ قُوّةٍ َ م ْ
ِ
ال تعالى هو الذي خلقكم من ماء ضعيف مهين ,وهو النطفة ,ثييم جعييل ميين بعييد ضييعف
الطفولة قوة الرجولة ,ثم جعل من بعد هذه القوة ضعف الكبر والهرم ,يخلق ال ما يشيياء
من الضعف والقوة ,وهو العليم بخلقه ,القادر على كل شيء.
ويوم تجيء القيامة ويبعث ال الخلق من قبييورهم يقسييم المشييركون مييا مكثييوا فييي الييدنيا
غير فترة قصيرة من الزمن ,كذبوا في قسمهم ,كما كييانوا يكييذبون فييي الييدنيا ,وينكييرون
الحق الذي جاءت به الرسل.
ن )(57
ست َعْت َُبو َ
م يُ ْ
م َول هُ ْ
معْذَِرت ُهُ ْ ن ظ َل َ ُ
موا َ مئ ِذٍ ل َينَفعُ ال ّ ِ
ذي َ فَي َوْ َ
808
فيوم القيامة ل ينفع الظالمين ما يقدمونه من أعذار ,ول ُيطلييب منهييم إرضيياء الي تعييالى
بالتوبة والطاعة ,بل ُيعاقبون بسيئاتهم ومعاصيهم.
ن )(59 ن ل ي َعْل َ ُ
مو َ ب ال ّ ِ
ذي َ ه عََلى قُُلو ِ
ك ي َط ْب َعُ الل ّ ُ
ك َذ َل ِ َ
ومثل ذلك الختم يختم ال على قلوب الذين ل يعلمون حقيقة ما تأتيهم بييه -أيهييا الرسييول-
من عند ال من هذه العبر واليات البينات.
ن )(60
ن ل ُيوقُِنو َ ك ال ّ ِ
ذي َ خّفن ّ َ
ست َ ِ ن وَعْد َ الل ّهِ َ
حقّ َول ي َ ْ َفا ْ
صب ِْر إ ِ ّ
فاصبر -أيها الرسول -على ما ينالك ِمن أذى قومك وتكذيبهم لك ,إن ما وعدك ال به من
نصر وتمكين وثواب حق ل شك فيه ,ول يستفّزّنك عن دينك الييذين ل يوقنييون بالميعيياد,
ول يصّدقون بالبعث والجزاء.
-31سورة لقمان
الم )(1
الحروف المق ّ
طعة في أول سورة البقرة.
كيم ِ )(2 ب ال ْ َ
ح ِ ت ال ْك َِتا ِ ت ِل ْ َ
ك آَيا ُ
هذه اليات آيات القرآن ذي الحكمة البالغة.
ن )(3
سِني َ
ح ِ ة ل ِل ْ ُ
م ْ م ً
ح َ
دى وََر ْ
هُ ً
809
هذه اليات هدى ورحمة للذين أحسنوا العمل بما أنييزل الي فييي القييرآن ,ومييا أمرهييم بييه
رسوله محمد صلى ال عليه وسلم.
ن )(4
م ُيوقُِنو َ
خَرةِ هُ ْ
م ِبال ِ ن الّز َ
كاةَ وَهُ ْ صلةَ وَي ُؤُْتو َ
ن ال ّ
مو َ
ن ي ُِقي ُ ال ّ ِ
ذي َ
الذين يؤدون الصلة كاملة في أوقاتها ويؤتون الزكاة المفروضة عليهم لمستحقيها ,وهييم
بالبعث والجزاء في الدار الخرة يوقنون.
ن )(5
حو َ م ال ْ ُ
مْفل ِ ُ م وَأ ُوْل َئ ِ َ
ك هُ ْ ن َرب ّهِ ْ
م ْ
دى ِ أ ُوْل َئ ِ َ
ك عََلى هُ ً
أولئك المتصفون بالصفات السابقة على بيان ِمن ربهم ونييور ,وأولئك هييم الفييائزون فييي
الدنيا والخرة.
810
م )(9
كي ُ زيُز ال ْ َ
ح ِ حّقا ً وَهُوَ ال ْعَ ِ
ن ِفيَها وَعْد َ الل ّهِ َ
دي َ
خال ِ ِ
َ
وحياتهم في تلك الجنات حياة أبديٌة ل تنقطع ول تزول ,وعدهم ال بذلك وعًدا حًقا .وهييو
سبحانه ل ُيخلف وعده ,وهو العزيز في أمره ,الحكيم في تدبيره.
ل ال ّ َ
ن ِفههي
مو َ
ظههال ِ ُ دون ِهِ ب َ ْ
ن ُ
م ْ
ن ِ خل َقَ ال ّ ِ
ذي َ ذا َ خل ْقُ الل ّهِ فَأُروِني َ
ما َ ذا َهَ َ
ن )(11 مِبي ٍ
ل ُ ضل ٍ َ
وكل ما تشيياهدونه هييو خلييق اليي ,فييأروني -أيهييا المشييركون :-ميياذا خلقييت آلهتكييم الييتي
تعبدونها من دون ال؟ بل المشركون في ذهاب بّين عن الحق والستقامة.
حك ْم َ َ
ش هك ُُر ش هك ُْر فَإ ِن ّ َ
مهها ي َ ْ ن يَ ْ ش هك ُْر ل ِل ّههِ وَ َ
مه ْ نا ْ ةأ ْ ن ال ْ ِ َ ما َوَل ََقد ْ آت َي َْنا ل ُْق َ
ميد ٌ )(12 ح ِ
ي َ ه غَن ِ ّن الل ّ َ
ن ك ََفَر فَإ ِ ّ م ْ
سه ِ و َ َ ل ِن َْف ِ
حا من عبادنا )وهو لقمان( الحكمة ,وهي الفقه فييي الييدين وسييلمة ولقد أعطينا عبًدا صال ً
العقل والصابة في القول ,وقلنا له :اشكر ل ِنَعَمه عليك ,وَمن يشكر لربه فإنما يعود َنْفع
ذلك عليه ,ومن جحد ِنَعَمه فإن ال غني عن شكره ,غير محتيياج إليييه ,لييه الحمييد والثنيياء
على كل حال.
ش هْر َ
ك ك ب ِههالل ّهِ إ ِ ّ
ن ال ّ ش هرِ ْ
ي ل تُ ْ ن لب ْن ِهِ وَهُوَ ي َعِظ ُ ُ
ه َيا ب ُن َه ّ ل ل ُْق َ
ما ُ وَإ ِذ ْ َقا َ
م )(13 ظي ٌم عَ ِ ل َظ ُل ْ ٌ
ي ل تشيرك بيال
ظيا :ييا بني ّ
واذكر -أيها الرسول -نصيحة لقمان لبنيه حيين قيال ليه واع ً
فتظلم نفسك؛ إن الشرك لعظم الكبائر وأبشعها.
811
ووصينا النسان بوال ِديه حمل َت ُ
صههال ُ ُ
ه فِههي ن وَفِ َ ه وَ ْ ً َ
هنها عَلههى وَهْه ٍ مه ُهأ ّ ِ َ َ ِ َ َْ ِ َ َ ْ ُ َ َ ّ َْ
َ
صيُر )(14 م ِي ال ْ َك إ ِل َ ّ شك ُْر ِلي وَل ِ َ
وال ِد َي ْ َ نا ْ
نأ ْ مي ْ ِ
عا َ
َ
حَمَلْتييه أمييه ضييعًفا علييى ضييعف ,وحملييه
وَأَمْرنا النسان ببّر والييديه والحسييان إليهميياَ ,
ي المرجييع
وِفطامه عن الرضاعة في مدة عامين ,وقلنا له :اشكر ل ,ثم اشكر لوالديك ,إل ّ
فُأجازي ُكل بما يستحق.
َ
م َفل ت ُط ِعْهُ َ
مهها عل ْه ٌ
ك ب ِههِ ِس ل َه َما ل َي ْ َ
ك ِبي َ شرِ َ ن تُ ْ على أ ْ ك َ دا َ جاهَ َ ن َ وَإ ِ ْ
َ
م إ ِل َه ّ
ي ب إ ِل َه ّ
ي ث ُه ّ ن أن َهها َ
مه ْل َ معُْروفها ً َوات ّب ِهعْ َ
سهِبي َ ما ِفي الد ّن َْيا َ
ُ
حب ْهُ َ
صا ِ وَ َ
ن )(15 مُلو َم ت َعْ َ ما ُ
كنت ُ ْ م بِ َم فَأن َب ّئ ُك ُ ْ جعُك ُ ْ مْر ِ َ
وإن جاهدك -أيها الولد المؤمن -والداك على أن تشرك بي غيري في عبادتييك إييياي ممييا
علم ,أو أمراك بمعصية ِمن معاصي ال فل تطعهما؛ لنه ل طاعيية لمخلييوق ليس لك به ِ
في معصية الخالق ,وصاحبهما في الدنيا بالمعروف فيما ل إثم فيييه ,واسييلك -أيهييا البيين
ي وآمن برسولي محمد صلى ال عليه وسلم، المؤمن -طريق َمن تاب من ذنبه ,ورجع إل ّ
ل عامل بعمله. ي مرجعكم ,فأخبركم بما كنتم تعملونه في الدنيا ,وأجازي ك ّثم إل ّ
ْ َ
صب ِْر عََلى َ
مهها ن ال ْ ُ
منك َرِ َوا ْ ه عَ ْ
ف َوان ْ َ مْر ِبال ْ َ
معُْرو ِ صلةَ وَأ ُم ال ّ ي أقِ َْيا ب ُن َ ّ
مورِ )(17 ُ ن ذ َل ِ َ صاب َ َ َ
ن عَْزم ِ ال ُ م ْ
ك ِ ك إِ ّ أ َ
يا بنيّ أقم الصلة تامة بأركانها وشروطها وواجباتها ,وْأمر بالمعروف ,واْنه عن المنكر
ن وحكمة بحسب جهدك ,وتحّمل ما يصيبك من الذى مقابل أمرك بييالمعروف ف ولي ٍ
بلط ٍ
ونهيك عين المنكير ,واعلييم أن هيذه الوصيايا ممييا أميير الي بيه مين المييور اليتي ينبغييي
الحرص عليها.
َ
ب
حه ّ ن الل ّه َ
ه ل يُ ِ مَرح ها ً إ ِ ّ
ض َ
ش ِفي الْر ِ
م ِ
س َول ت َ ْ خد ّ َ
ك ِللّنا ِ صعّْر َ
َول ت ُ َ
812
ل فَ ُ
خورٍ )(18 خَتا ٍ
م ْ كُ ّ
ل ُ
ل وجهك عن الناس إذا كّلمتهم أو كلموك؛ احتقاًرا منك لهم واسييتكباًرا عليهييم ,ول ول ُتِم ْ
تمش في الرض بين الناس مختال متبختًرا ,إن ال ل يحب كييل متكييبر متبيياه فييي نفسييه
وهيئته وقوله.
ت ت لَ َ
صهوْ ُ وا ِ
صه َ
َ ن َأن َ
كهَر ال ْ صهوْت ِ َ
ك إِ ّ ن َ
م ْ
ض ِ
ض ْ شي ِ َ
ك َواغْ ُ م ْ َواقْ ِ
صد ْ ِفي َ
ميرِ )(19 ال ْ َ
ح ِ
وتواضييع فييي مشيييك ,واخفييض ميين صييوتك فل ترفعييه ,إن أقبييح الصييوات وأبغضييها
لصوت الحمير المعروفة ببلدتها وأصواتها المرتفعة.
وإذا قيل لهؤلء المجادلين في توحيد ال وإفراده بالعبادة :اتبعوا ما أنييزل ال ي علييى نييبيه
محمد صلى ال عليه وسلم قالوا :بل نتبع ما كان عليه آباؤنا من الشرك وعبادة الصنام,
أيفعلون ذلك ,ولو كان الشيطان يدعوهم؛ بتزيينه لهييم سييوء أعمييالهم ,وكفرهييم بييال إلييى
عذاب النار المستعرة؟
ك ب ِههال ْعُْروَةِ
سه َ
م َ ن فََقهدِ ا ْ
ست َ ْ سه ٌ
ح ِ
م ْه إ ِل َههى الل ّههِ وَهُهوَ ُ
جه َ ُ
م وَ ْ
سل ِ ْ
ن يُ ْ
م ْ
وَ َ
مورِ )(22 ُ ال ْوُث َْقى وَإ َِلى الل ّهِ َ
ة ال ُ عاقِب َ ُ
813
خلص عبادته ل وقصده إلى ربه تعالى ,وهو محسن في أقواله ,متقن لعماله ,فقد ومن ُي ْ
أخذ بأوثق سبب موصل إلى رضوان الي وجنتييه .وإلييى الي وحييده تصييير كييل المييور,
فيجازي المحسن على إحسانه ,والمسيء على إساءته.
ن الل ّه َ
ه مُلوا إ ِ ّ
ما عَ ِ م فَن ُن َب ّئ ُهُ ْ
م بِ َ جعُهُ ْ ك ك ُْفُرهُ إ ِل َي َْنا َ
مْر ِ حُزن ْ َن ك ََفَر َفل ي َ ْم ْوَ َ
دورِ )(23 ص ُ ت ال ّذا ِم بِ َعَِلي ٌ
س علييه -أيهيا الرسيول -ول تحيزن؛ لنيك أّدييت ميا علييك مين اليدعوة ومن كفر فل تأ َ
والبلغ ,إلينا مرجعهم ومصيرهم يوم القيامة ,فنخييبرهم بأعمييالهم الخبيثيية الييتي عملوهييا
في الدنيا ,ثم نجازيهم عليها ,إن ال عليم بما ُتِكّنه صدورهم من الكفر بال وإيثييار طاعيية
الشيطان.
ب غَِلي ٍ
ظ )(24 م إ َِلى عَ َ
ذا ٍ ضط َّرهُ ْ م قَِليل ً ث ُ ّ
م نَ ْ مت ّعُهُ ْ
نُ َ
نمتعهم في هذه الدنيا الفانية مدة قليلة ,ثم يوم القيامة ُنلجئهم ونسييوقهم إلييى عيذاب فظيييع,
وهو عذاب جهنم.
َ َ
مهد ُ ل ال ْ َ
ح ْ ن الّله ُ
ه ق ُه ْ ض ل َي َُقههول ُ ّ
ت َوالْر َ
وا ِ
م َ خل َقَ ال ّ
س َ ن َ م ْ
م َسأل ْت َهُ ْن َ وَل َئ ِ ْ
ل ِل ّه ب ْ َ
ن )(25 مو َم ل ي َعْل َ ُل أك ْث َُرهُ ْ ِ َ
ولئن سألت -أيها الرسول -هؤلء المشركين بالَ :من خلييق السييموات والرض؟ ليقييوُلنّ
ال ,فإذا قالوا ذلك فقل لهم :الحمد ل الذي أظهر الستدلل عليكم ميين أنفسييكم ,بييل أكييثر
هؤلء المشركين ل ينظرون ول يتدبرون َمن الذي له الحمد والشكر ,فلذلك أشركوا معه
غيره.
ي ال ْ َ َ
ميد ُ )(26
ح ِ ه هُوَ ال ْغَن ِ ّ
ن الل ّ َ
ض إِ ّ
ت َوالْر ِ
وا ِ
م َ
س َ ل ِل ّهِ َ
ما ِفي ال ّ
ل -سبحانه -كل ما فييي السييموات والرض ملًكييا وعبييًدا وإيجيياًدا وتقييديًرا ,فل يسييتحق
العبادة أحد غيره .إن ال هو الغني عن خلقه ,له الحمد والثناء على كل حال.
814
ولو أن أشجار الرض كلها ُبريت أقلًما والبحيير مييداد لهييا ,وُيَمييد بسييبعة أبحيير أخييرى,
وُكِتب بتلك القلم وذلك المداد كلمات ال ,لتكسرت تلك القلم ,ولنِفيد ذليك الميداد ,وليم
تنفد كلمات ال التامة التي ل يحيط بها أحد .إن الي عزيييز فييي انتقييامه مميين أشييرك بييه,
حكيم في تدبير خلقه .وفي الية إثبات صفة الكلم ليي -تعييالى -حقيقيية كمييا يليييق بجللييه
وكماله سبحانه.
صيٌر )(28
ميعٌ ب َ ِ
س ِ ن الل ّ َ
ه َ حد َةٍ إ ِ ّ م إ ِل ّ ك َن َْف ٍ
س َوا ِ خل ُْقك ُ ْ
م َول ب َعْث ُك ُ ْ ما َ
َ
خْلييق نفييس واحيدة
خْلُقكم -أيها الناس -ول َبْعُثكم يوم القيامة في السييهولة واليسير إل ك َ
ما َ
وَبْعثها ,إن ال سميع لقوالكم ,بصير بأعمالكم ,وسيجازيكم عليها.
َ َ
ج الن ّهَههاَر فِههي الل ّي ْه ِ
ل ل فِههي الن ّهَههارِ وَُيول ِه ُج الل ّي ْه َ
ه ُيول ِه ُ ن الل ّه َم ت ََرى أ ّ أل َ ْ
َ َ
مهها
ه بِ َن الل ّه َ
مى وَأ ّ سه ّم َ ل ُ جه ٍري إ ِل َههى أ َج ِ
ل يَ ْ س َوال َْق َ
مَر ك ُ ّ م َ ش ْ خَر ال ّ
س ّ وَ َ
خِبيٌر )(29 ن َمُلو َت َعْ َ
ألم تر أن ال يأخذ من ساعات الليل ,فيطول النهييار ,ويقصيير الليييل ,ويأخييذ مين سيياعات
النهار ,فيطول الليل ,ويقصر النهار ,وذّليل لكيم الشييمس والقمير ,يجييري كييل منهمييا فييي
طلع على كل أعمييال الخلييق ِميين خييير أو شيير ,لمداره إلى أجل معلوم محدد ,وأن ال ُم ّ
يخفى عليه منها شيء؟
َ َ
ن
ن آَيههات ِهِ إ ِ ّ
م ْ مةِ الل ّهِ ل ِي ُرِي َك ُ ْ
م ِ ري ِفي ال ْب َ ْ
حرِ ب ِن ِعْ َ ج ِ ك تَ ْن ال ُْفل ْ َ
م ت ََرى أ ّ أل َ ْ
كورٍ )(31 ش ُ
صّبارٍ َ
ل َ ت ل ِك ُ ّ ِفي ذ َل ِ َ
ك لَيا ٍ
815
ألم تر -أيها المشاهد -أن السفن تجري في البحر بأمر ال نعمة منييه علييى خلقييه؛ ليريكييم
من عبره وحججه عليكم ما تعتبرون به؟ إن فييي جيْري السييفن فييي البحيير َلييدللت لكييل
صّبار عن محارم ال ,شكور لنعمه.
م
جههاهُ ْ ن فَل َ ّ
ما ن َ ّ دي َ ن لَ ُ
ه ال ّ صي َخل ِ ِ م ْ ه ُ وا الل ّ َل د َعَ ْ كالظ ّل َ ِ
ج َ مو ْ ٌم َ ذا غَ ِ
شي َهُ ْ وَإ ِ َ
خّتارٍ ك َُفورٍ )(32 ل َ حد ُ ِبآَيات َِنا إ ِل ّ ك ُ ّ
ج َ ما ي َ ْ
صد ٌ وَ َمْقت َ ِم ُ إ َِلى ال ْب َّر فَ ِ
من ْهُ ْ
عَلْتهييم المييواج ِميين حييولهم كالسييحب والجبييال ,أصييابهم
وإذا ركب المشركون السييفن و َ
الخوف والذعر من الغرق ففزعوا إلى ال ،وأخلصوا دعاءهم له ،فلمييا نجيياهم إلييى الييبر
فمنهم متوسط لم يقم بشكر ال على وجه الكمال ,ومنهم كافر بنعميية الي جاحييد لهييا ,ومييا
يكفر بآياتنا وحججنا الداليية علييى كمييال قييدرتنا ووحييدانيتنا إل كييل غيّدار نيياقض للعهييد,
جحود لنعم ال عليه.
816
-32سورة السجدة
الم )(1
الحروف المق ّ
طعة في أول سورة البقرة.
ن )(2 ب ال َْعال َ ِ
مي َ ن َر ّ
م ْ
ب ِفيهِ ِ ل ال ْك َِتا ِ
ب ل َري ْ َ زي ُ
َتن ِ
هذا القرآن الذي جاء به محمد صلى ال عليه وسلم ل شك أنه منييزل ميين عنييد اليي ،رب
الخلئق أجمعين.
َ َ
ن
مه ْ
م ِ ومها ً َ
مهها أت َههاهُ ْ ن َرب ّ َ
ك ل ُِتنهذَِر قَ ْ م ْ
حقّ ِل هُوَ ال ْ َ ن افْت ََراهُ ب َ ْ م ي َُقوُلو َ
أ ْ
ن )(3دو َ م ي َهْت َ ُك ل َعَل ّهُ ْ
ن قَب ْل ِ َ
م ْ
ذيرٍ ِ نَ ِ
بل أيقول المشركون :اختلق محمد صلى ال عليييه وسييلم القييرآن؟ كيَذبوا ,بييل هييو الحييق
سييا لييم يييأتهم نييذير ميين قبلييك,
الثابت المنزل عليك -أيها الرسول -من ربك; لتنييذر بييه أنا ً
لعلهم يهتدون ,فيعرفوا الحق ويؤمنوا به ويؤثروه ,ويؤمنوا بك.
َ َ
سهت ّةِ أي ّههام ٍ ُثه ّ
م مها فِههي ِ مها ب َي ْن َهُ َ
ض وَ َ
ت َوالْر َ وا ِ م َ خل َهقَ ال ّ
سه َ ذي َ ه ال ّ ِ الل ّ ُ
شهِفيٍع أ ََفل ي َول َ مههن وَل ِه ّدون ِههِ ِ ن ُمه ْ
م ِ مهها ل َك ُه ْ
ش َ ْ َ
وى عَلههى العَهْر ِ سهت َ َ ا ْ
ن )(4ت َت َذ َك ُّرو َ
ال الذي خلق السموات والرض وما بينهما في ستة أيييام لحكميية يعلمهييا ,وهييو قييادر أن
يخلقها بكلمة "كن" فتكون ,ثييم اسييتوى سييبحانه وتعييالى -أي عل وارتفييع -علييى عرشييه
استواء يليق بجلله ,ل يكّيف ,ول يشّبه باستواء المخلوقين .لييس لكيم -أيهيا النياس -مين
ي يلي أموركم ,أو شفيع يشفع لكم عند ال؛ لتنجوا من عذابه ,أفل تتعظييون وتتفكييرون ول ّ
-أيها الناس ,-فُتفردوا ال باللوهية وُتخلصوا له العبادة؟
817
م )(6
حي ُ شَهاد َةِ ال ْعَ ِ
زيُز الّر ِ م ال ْغَي ْ ِ
ب َوال ّ عال ِ ُ ذ َل ِ َ
ك َ
ذلك الخالق المدّبر لشؤون العالمين ,عالم بكل ما يغيب عن البصار ,مما ُتِكّنييه الصييدور
ي الظاهر الذي ل يغيياَلب ,الرحيييم
وتخفيه النفوس ,وعالم بما شاهدته البصار ,وهو القو ّ
بعباده المؤمنين.
ن )(7
طي ٍ
ن ِ
م ْ
ن ِ
سا ِ
لن َ ه وَب َد َأ َ َ
خل ْقَ ا ِ خل ََق ُ
يءٍ َ
ش ْ ن كُ ّ
ل َ س َ
ح َ
َ
ال ّ ِ
ذي أ ْ
ق النسان ,وهو آدم عليه السلم من طين.
خْل َ
ال الذي أحكم خلق كل شيء ,وبدأ َ
ن )(8
مِهي ٍ
ماٍء َ
ن َ سلل َةٍ ِ
م ْ ن ُ
م ْ سل َ ُ
ه ِ جع َ َ
ل نَ ْ ثُ ّ
م َ
ثم جعل ذرية آدم متناسلة من نطفة ضعيفة رقيقة مهينة.
م
م ب ِل َِقاءِ َرب ِّههه ْ ديدٍ ب َ ْ
ل هُ ْ ج ِ
ق َ ضل َل َْنا ِفي ال َْرض أ َئ ِّنا ل َِفي َ ْ وََقاُلوا أ َئ ِ َ
خل ٍ ِ ذا َ
ن )(10 كافُِرو ََ
وقال المشركون بال المكذبون بالبعث :أإذا صارت لحومنا وعظامنييا تراًبييا فييي الرض
أُنبَعث خلًقا جديًدا؟ يستبعدون ذلك غير طالبين الوصول إلى الحق ,وإنما هييو منهييم ظلييم
وعناد؛ لنهم بلقاء ربهم -يوم القيامة -كافرون.
ن)
جعُههو َ م إ ِل َههى َرب ّك ُه ْ
م ت ُْر َ ل ب ِك ُ ْ
م ث ُه ّ ت ال ّ ِ
ذي وُك ّ َ ك ال ْ َ
مو ْ ِ مل َ ُ ل ي َت َوَّفاك ُ ْ
م َ قُ ْ
(11
818
قييل -أيهييا الرسيول -لهييؤلء المشيركين :يتوفيياكم ملييك الميوت الييذي ُوّكييل بكيم ,فيقبييض
أرواحكم إذا انتهت آجالكم ,ولن تتأخروا لحظة واحدة ,ثييم ُتييرّدون إلييى ربكييم ,فيجييازيكم
على جميع أعمالكم :إن خيًرا فخير وإن شًرا فشر.
َ
صهْرَنا
م َرب ّن َهها أب ْ َ
عن ْهد َ َرب ّهِه ْ
م ِ
س هه ِ ْ
سههوا ُرُءو ِ ن َناك ِ ُمههو َ
جرِ ُ م ْوَل َهوْ ت َهَرى إ ِذ ْ ال ْ ُ
ن )(12 موقُِنو َصاِلحا ً إ ِّنا ُل َ م ْجعَْنا ن َعْ َمعَْنا َفاْر ِ س ِوَ َ
ولو ترى -أيها المخاطب -إذ المجرمون الذين أنكروا البعييث قييد خفضييوا رؤوسييهم عنييد
ربهم من الخزي والعار قائلين :ربنييا أبصييرنا قبائحنييا ,وسييمعنا منييك تصييديق مييا كييانت
رسلك تأمرنا به في الدنيا ,وقد ُتْبنا إليك ,فارجعنا إلى الدنيا لنعمل فيهييا بطاعتييك ,إنييا قييد
أيقّنا الن ما كنا به في الدنيا مكذبين من وحدانيتك ,وأنك تبعث من في القبور .ولو رأيت
-أيها الخاطب -ذلك كله ,لرأيت أمًرا عظيًما ,وخطًبا جسيًما.
م
جهَن ّه َ مل َ ّ
ن َ َ
من ّههي ل ْ حقّ ال َْقوْ ُ
ل ِ ها وَل َك ِ ْ
ن َ دا َ
س هُ َ شئ َْنا لت َي َْنا ك ُ ّ
ل َ ن َْف ٍ وَل َوْ ِ
ن )(13 مِعي َ
ج َ
سأ ْ جن ّةِ َوالّنا ِ ن ال ْ ِ
م ِْ
ولو شئنا لتينا هؤلء المشركين بال رشدهم وتييوفيقهم لليمييان ,ولكيين حييق القييول منييي
جّنيية والنيياس أجمعييين؛ وذلييك
ن جهنييم ميين أهييل الكفيير والمعاصييي ,ميين ال ِ
ووجييب لمل ّ
لختيارهم الضللة على الهدى.
خل ْدِ
ب ال ْ ُ ذوُقوا عَ َ
ذا َ سيَناك ُ ْ
م وَ ُ مك ُ ْ
م هَ َ
ذا إ ِّنا ن َ ِ م ل َِقاءَ ي َوْ ِ
سيت ُ ْما ن َ ِذوُقوا ب ِ َ فَ ُ
ن )(14 مُلو َ م ت َعْ َما ك ُن ْت ُ ْ
بِ َ
يقال لهؤلء المشركين -عند دخولهم النار :-فذوقوا العذاب؛ بسييبب غفلتكييم عيين الخييرة
وانغماسكم في لذائذ الدنيا ,إنا تركناكم اليييوم فييي العييذاب ,وذوقييوا عييذاب جهنييم الييذي ل
ينقطع؛ بما كنتم تعملون في الدنيا من الكفر بال ومعاصيه.
مهدِ
ح ْ
حوا ب ِ َ جدا ً وَ َ
سهب ّ ُ سه ّ ذا ذ ُك ّهُروا ب ِهَهها َ
خهّروا ُ ن إِ َ ن ِبآَيات َِنا ال ّ ِ
ذي َ م ُما ي ُؤْ ِإ ِن ّ َ
ن )(15 ست َك ْب ُِرو َ
م ل يَ ْ م وَهُ ْ َرب ّهِ ْ
عظوا بها أو ُتليييت عليهييم سييجدوا لربهييم
إنما يصدق بآيات القرآن ويعمل بها الذين إذا ُو ِ
خاشعين مطيعيين ,وسيّبحوا الي فيي سيجودهم بحميده ,وهيم ل يسيتكبرون عين السيجود
والتسبيح له ,وعبادته وحده ل شريك له.
819
مهها معها ً وَ ِ
م ّ وفها ً وَط َ َ
خ ْ
م َ
ن َرب ّهُه ْ
عو َ
جِع ي َهد ْ ُ
ضها ِ ن ال ْ َ
م َ عه ْ
م َ جاَفى ُ
جن ُههوب ُهُ ْ ت َت َ َ
ن )(16 فُقو َ َرَزقَْناهُ ْ
م ُين ِ
ترتفع جنوب هؤلء الذين يؤمنون بآيات ال عن فراش النوم ,يتهجدون لربهم في صييلة
الليل ,يدعون ربهم خوًفا من العذاب وطمًعا في الثواب ,ومما رزقناهم ينفقون في طاعيية
ال وفي سبيله.
َ
ن )(18
وو َ سقا ً ل ي َ ْ
ست َ ُ ن َفا ِ ن َ
كا َ منا ً ك َ َ
م ْ مؤ ْ ِ
ن ُ ن َ
كا َ أفَ َ
م ْ
أفمن كان مطيًعا ل ورسوله مصدًقا بوعده ووعييده ,مثيل مين كفير بيال ورسيله وكيذب
باليوم الخر؟ ل يستوون عند ال.
َ ب ال َد َْنى ُ
ن)
جعُههو َ ب الك ْب َرِ ل َعَل ُّههه ْ
م ي َْر ِ ن ال ْعَ َ
ذا ِ دو َ ن ال ْعَ َ
ذا ِ م ْ
م ِ وَل َن ُ ِ
ذيَقن ّهُ ْ
820
(21
ولنذيقن هؤلء الفاسقين المكذبين من العذاب الدنى ميين البلء والمحيين والمصييائب فييي
اليدنيا قبيل العيذاب الكيبر ييوم القيامية ,حييث ُيعيّذبون فيي نيار جهنيم؛ لعلهيم يرجعيون
ويتوبون من ذنوبهم.
جعَل َْناهُ هُ ً
دى ن ل َِقائ ِهِ وَ َ
م ْ
مْري َةٍ ِ
ن ِفي ِ سى ال ْك َِتا َ
ب َفل ت َك ُ ْ مو َوَل ََقد ْ آت َي َْنا ُ
سَراِئي َ
ل )(23 ل ِب َِني إ ِ ْ
ولقد آتينا موسى التوراة كما آتيناك -أيهييا الرسييول -القييرآن ,فل تكيين فييي شييك ميين لقيياء
موسى ليلة السراء والمعراج ,وجعلنا التوراة هداية لبني إسييرائيل ,تييدعوهم إلييى الحييق
وإلى طريق مستقيم.
ن )(25
خت َل ُِفو َ ما َ
كاُنوا ِفيهِ ي َ ْ م ال ِْقَيا َ
مةِ ِفي َ م ي َوْ َ ص ُ
ل ب َي ْن َهُ ْ ن َرب ّ َ
ك هُوَ ي َْف ِ إِ ّ
إن ربك -أيها الرسول -يقضي بين المؤمنين والكافرين ميين بنييي إسييرائيل وغيرهييم يييوم
القيامة بالعدل فيما اختلفوا فيه من أمور الدين ,ويجييازي كييل إنسييان بعملييه بإدخييال أهي ِ
ل
ل الناِر الناَر.
الجنِة الجنَة وأه ِ
821
أ َول َهم يههد ل َههم ك َه َ
ن فِههي م ُ
شههو َ ن ال ُْقهُرو ِ
ن يَ ْ مه ْ
م ِن قَب ْل ِهِه ْ م أهْل َك ْن َهها ِ
مه ْ ْ َ ْ َْ ِ ُ ْ
َ ن ِفي ذ َل ِ َ
ن )(26 مُعو َس َ ت أَفل ي َ ْ
ك لَيا ٍ م إِ ّ
ساك ِن ِهِ ْ
م َ
َ
أولم يتبين لهؤلء المكذبين للرسول :كم أهلكنا من قبلهييم ميين المييم السييابقة يمشييون فييي
عياًنا كقوم هود وصالح ولوط؟ إن في ذلك ليات وعظييات ُيسييتَد ّ
ل مساكنهم ,فيشاهدونها ِ
بها على صدق الرسل التي جاءتهم ,وبطلن ما هم عليه مين الشييرك ,أفل يسييمع هييؤلء
المكذبون بالرسل مواعظ ال وحججه ,فينتفعون بها؟
ج ب ِههِ َزْرع ها ً ت َأ ْك ُه ُ
ل ض ال ْ ُ
جُرزِ فَن ُ ْ
خرِ ُ ِ ر
ْ
أ َول َم ي َروا أ َّنا ن َسوقُ ال ْماَء إَلى ال َ
ََ ِ ُ َ ْ َ ْ
َ من َ
ن )(27 صُرو َ م أَفل ي ُب ْ ِ
سه ُ ْ
م وَأنُف ُ
مه ُ ْه أن َْعا ُ
ِ ْ ُ
أولم ير المكذبون بالبعث بعد الموت أننا نسوق الماء إلى الرض اليابسة الغليظة التي ل
عا مختلًفا ألوانه تأكل منه أنعامهم ,وتتغذى به أبدانهم فيعيشييون
نبات فيها ,فنخرج به زر ً
به؟ أفل يرون هذه النعم بأعينهم ,فيعلموا أن ال الذي فعل ذلك قادر على إحياء الموات
شرهم من قبورهم؟ وَن ْ
ن )(28
صادِِقي َ ن ك ُن ْت ُ ْ
م َ ذا ال َْفت ْ ُ
ح إِ ْ مَتى هَ َ وَي َُقوُلو َ
ن َ
يستعجل هؤلء المشيركون بيال العيذاب ,فيقوليون :ميتى هيذا الحكيم اليذي يقضيي بيننيا
وبينكم بتعذيبنا على زعمكم إن كنتم صادقين في دعواكم؟
م ي ُن ْظ َُرو َ
ن )(29 م َول هُ ْ ن ك ََفُروا ِإي َ
مان ُهُ ْ ح ل َينَفعُ ال ّ ِ
ذي َ ل ي َوْ َ ْ
م الَفت ْ ِ قُ ْ
قل لهم -أيها الرسول :-يوم القضاء الذي يقع فيه عقييابكم ,وتعيياينون فيييه المييوت ل ينفييع
الكفار إيمانهم ,ول هم يؤخرون للتوبة والمراجعة.
َ
ن )(30
منت َظ ُِرو َ
م ُ
م َوان ْت َظ ِْر إ ِن ّهُ ْ فَأعْرِ ْ
ض عَن ْهُ ْ
فأعرض -أيها الرسول -عن هؤلء المشركين ,ول تبال بتكذيبهم ,وانتظر ما ال ي صييانع
بهم ,إنهم منتظرون ومتربصييون بكييم دوائر السييوء ،فسيييخزيهم الي ويييذلهم ،وينصييرك
عليهم .وقد فعل فله الحمد والمنة.
822
-33سورة الحزاب
َ
ن ن الل ّه َ
ه ك َهها َ ن إِ ّ ن َوال ْ ُ
من َههافِِقي َ ه َول ت ُط ِهعْ ال ْك َههافِ ِ
ري َ ق الل ّه َ
ي ات ّ ِ
َيا أي َّها الن ّب ِ ّ
كيما ً )(1 ح ِ عَِليما ً َ
يا أيها النبي ُدم على تقوى ال بالعمل بأوامره واجتناب محييارمه ,وليقتييد بييك المؤمنييون؛
لنهم أحوج إلى ذلك منك ,ول تطع الكافرين وأهل النفاق .إن ال كان عليًما بكييل شيييء,
حكيًما في خلقه وأمره وتدبيره.
م الل ِّئي ج ُ ل الل ّه ل ِرجل من قَل ْبين في جوفه وما جعهه َ َ جع َ َ
كهه ْ ل أْزَوا َ َ ْ ِ ِ َ َ َ َ َْ ِ ِ ُ َ ُ ٍ ِ ْ ما َ َ
ُ َ َ ُ َ
م قَ هوْلك ُ ْ
م م ذ َل ِك ُه ْ
م أب ْن َههاَءك ُ ْ عي َههاَءك ُ ْ
ل أد ْ ِ جع َ َما َ م وَ َمَهات ِك ُ ْ
نأ ّ من ْهُ ّن ِت ُظاهُِرو َ
بأ َ
ل )(4 سِبي َ دي ال ّ حقّ وَهُوَ ي َهْ ِ ل ال ْ َ ه ي َُقو ُم َوالل ّ ُواهِك ُ ِْ َْ ف
ما جعل ال لحد من البشر من قلبين في صدره ,وما جعييل زوجيياتكم اللتييي تظيياهرون
ي كظهييرمنهن )في الحرمة( كحرمة أمهاتكم )والظهار أن يقول الرجل لمرأته :أنت عل ّ
أمي ,وقد كان هذا طلًقا في الجاهلية ,فبّين ال أن الزوجة ل تصير ُأّما بحال( وما جعييل
ن أبناء في الشرع ,بل إن الظهييار والتبنييي ل حقيقيية لهمييا فييي التحريييمال الولد المَتَبّنْي َ
البدي ,فل تكون الزوجة المظاَهر منها كالم في الحرمة ,ول يثبت النسييب بييالتبني ميين
ي :هذا ابني ,فهو كلم بالفم ل حقيقيية لييه ,ول ُيعَتيّد بييه ,والي سييبحانه
عّقول الشخص للّد ِ
يقول الحق ويبّين لعباده سبيله ,ويرشدهم إلى طريق الرشاد.
823
َ
وان ُك ُ ْ
م م فَإ ِ ْ
خ َ موا آَباَءهُ ْ م ت َعْل َ ُ
ن لَ ْعن ْد َ الل ّهِ فَإ ِ ْ ط ِس ُ م هُوَ أقْ َ م لَبائ ِهِ ْ عوهُ ْ اد ْ ُ
ْ َ
مههان َ م ب ِههِ وَل َك ِه ْ
خط َهأت ُ ْ ما أ ْ ح ِفي َجَنا ٌم ُ س عَل َي ْك ُ ْم وَل َي ْ َ واِليك ُ ْم َن وَ َدي ِِفي ال ّ
حيما ً )(5 ه غَُفورا ً َر ِ ن الل ّ ُ كا َم وَ َت قُُلوب ُك ُ ْ مد َ ْت َعَ ّ
انسبوا أدعييياءكم لبييائهم ,هييو أعييدل وأقييوم عنييد اليي ,فييإن لييم تعلمييوا آبيياءهم الحقيقيييين
فادعوهم إًذا بأخّوة الدين التي تجمعكم بهم ,فإنهم إخوانكم في الدين ومواليكم فيييه ,وليييس
عليكم إثم فيما وقعتم فيه من خطأ لم تتعمدوه ,وإنما يؤاخذكم ال ي إذا تعمييدتم ذلييك .وكييان
ال غفوًرا لمن أخطأ ,رحيًما لمن تاب من ذنبه.
سههى
مو َ
م وَ ُ
هيه َ
ح وَإ ِب َْرا ِن ن ُههو ٍ
مه ْ من ْه َ
ك وَ ِ م وَ ِميَثاقَهُ ْ ن ِ ن الن ّب ِّيي َم ْ وَإ ِذ ْ أ َ َ
خذ َْنا ِ
ميَثاقا ً غَِليظا ً )(7 م ِ م وَأ َ َ
خذ َْنا ِ
من ْهُ ْ مْري َ َن َ سى اب ْ ِ عي َ وَ ِ
واذكر -أيها النبي -حين أخذنا من النبيين العهييد المؤكييد بتبليييغ الرسييالة ,وأخييذنا الميثيياق
منك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم )وهييم أولييو العييزم ميين الرسييل علييى
صيّدق بعضييهم المشهور( ,وأخذنا منهم عهًدا مؤكًدا بتبليييغ الرسييالة وأداء المانيية ,وأن ُي َ
ضا.
بع ً
824
)أخذ ال ذلك العهد من أولئك الرسل( ليسأل المرسلين عّما أجابتهم به أممهم ,فيجزي ال
المؤمنين الجنة ,وأعد للكافرين يوم القيامة عذاًبا شديًدا في جهنم.
825
ن
دو َ
ري ه ُ
ن يُ ِ
ي ب ِعَوَْرةٍ إ ِ ْ
ما هِ َ
ن ب ُُيوت ََنا عَوَْرةٌ وَ َ ي ي َُقوُلو َ
ن إِ ّ م الن ّب ِ ّ
من ْهُ ْ فَ ِ
ريقٌ ِ
إ ِل ّ فَِرارا ً )(13
واذكر -أيها النبي -قول طائفة من المنافقين منادين المؤمنين من أهل "المدينة" :يييا أهييل
"يثرب" )وهو السم القديم "للمدينة"( ل إقاميية لكييم فييي معركيية خاسييرة ,فييارجعوا إلييى
منازلكم داخل "المدينة" ,ويستأذن فريق آخر من المنافقين الرسول صلى ال عليه وسييلم
بالعودة إلى منازلهم بحجة أنها غير محصنة ,فيخشون عليها ,والحق أنهييا ليسييت كييذلك,
وما قصدوا بذلك إل الفرار من القتال.
ل وَِإذا ً ل َ
ت أوْ ال َْقت ْه ِ ن ال ْ َ
م هو ْ ِ مه ْ م ال ِْف هَراُر إ ِ ْ
ن فََرْرت ُه ْ
م ِ ل ل َه ْ
ن ي َن َْفعَك ُه ْ قُ ه ْ
ن إ ِل ّ قَِليل ً )(16 مت ُّعو َتُ َ
قل -أيها النبي -لهؤلء المنافقين :ليين ينفعكييم الفييرار ميين المعركيية خوًفييا ميين المييوت أو
القتل; فإن ذلك ل يؤخر آجالكم ,وإن فررتم فلن تتمتعوا في هذه الدنيا إل بقييدر أعميياركم
المحدودة ,وهو زمن يسير جًدا بالنسبة إلى الخرة.
826
قل -أيها النبي -لهمَ :ميين ذا الييذي يمنعكييم ميين اليي ,أو يجيركييم ِميين عييذابه ,إن أراد بكييم
سوًءا ,أو أراد بكم رحمة ,فإنه المعطي المانع الضاّر النييافع؟ ول يجييد هييؤلء المنييافقون
لهم من دون ال ولّيا يواليهم ,ول نصيًرا ينصرهم.
ْ
م إ ِل َي َْنا َول ي َأُتو َ
ن م هَل ُ ّ
وان ِهِ ْ
خ َ م َوال َْقائ ِِلي َ
ن لِ ْ من ْك ُ ْ
ن ِ ه ال ْ ُ
معَوِّقي َ م الل ّ ُ
قَد ْ ي َعْل َ ُ
ْ
س إ ِل ّ قَِليل ً )(18 ال ْب َأ َ
إن ال يعلم المثبطين عن الجهاد في سبيل ال ,والقائلين لخوانهم :تعالوا وانضموا إلينييا,
واتركوا محمًدا ,فل تشهدوا معه قتال؛ فإنا نخاف عليكم الهلك بهلكه ,وهم مع تخذيلهم
هذا ل يأتون القتال إل نادًرا؛ رياء وسمعة وخوف الفضيحة.
خلء عليكم -أيها المؤمنون -بالمال والنفس والجهد والمودة لما في نفوسهم ميين العييداوة ُب َ
والحقد؛ حًبا في الحياة وكراهة للموت ,فإذا حضر القتال خافوا الهلك ورأيتهم ينظييرون
إليك ,تدور أعينهم لذهاب عقولهم؛ خوًفا من القتل وفراًرا منه كدوران عين َميين حضييره
الموت ,فإذا انتهت الحرب وذهب الرعب رموكم بألسنة حداد مؤذية ,وتراهم عند قسييمة
الغنائم بخلء وحسدة ,أولئك لم يؤمنوا بقلييوبهم ,فييأذهب الي ثييواب أعمييالهم ,وكييان ذلييك
على ال يسيًرا.
َ ْ
ن
دو َ م َبا ُدوا ل َوْ أن ّهُ ْ
ب ي َوَ ّ ت ال َ ْ
حَزا ُ ن ي َأ ِ ب لَ ْ
م ي َذ ْهَُبوا وَإ ِ ْ حَزا َن ال َ ْ
سُبو َ
ح َيَ ْ
ما َقات َُلوا إ ِل ّ قَِليل ً ) م وَل َوْ َ َ
في ال َعْراب يسأُلون عَ َ
م َ كاُنوا ِفيك ُ ْ ن أن َْبائ ِك ُ ْ
ْ َ َ ِ َ ْ ِ
(20
يظن المنافقون أن الحزاب الذين هزمهم ال تعالى شر هزيمة لم يذهبوا؛ ذلييك ميين شييدة
الخوف والجبن ,ولييو عيياد الحييزاب إلييى "المدينيية" لتمّنييى أولئك المنييافقون أنهييم كييانوا
غائبين عن "المدينة" بين أعراب البادية ,يستخبرون عن أخباركم ويسألون عن أنبييائكم,
ولو كانوا فيكم ما قاتلوا معكم إل قليل لكثرة جبنهم وذلتهم وضعف يقينهم.
ُ
جههو الل ّه َ
ه ن ك َهها َ
ن ي َْر ُ مه ْ
ة لِ َ
سهن َ ٌ
ح َ ل الل ّههِ أ ْ
سهوَةٌ َ سو ِ ن ل َك ُ ْ
م ِفي َر ُ ل ََقد ْ َ
كا َ
827
ه ك َِثيرا ً )(21
خَر وَذ َك ََر الل ّ َ َوال ْي َوْ َ
م ال ِ
لقد كان لكم -أيها المؤمنون -في أقوال رسول ال صلى ال عليه وسييلم وأفعيياله وأحييواله
قدوة حسنة تتأسون بها ,فالزموا سنته ,فإنما يسلكها ويتأسى بها َمن كان يرجو ال واليوم
الخر ,وأكثَر ِمن ذكر ال واستغفاره ,وشكره في كل حال.
َ
سههول ُ ُ
ه مهها وَعَهد ََنا الل ّه ُ
ه وََر ُ ذا َ ب قَههاُلوا هَه َ حهَزا َ ن ال َ ْمن ُههو َ ما َرأى ال ْ ُ
مؤ ْ ِ وَل َ ّ
سِليما ً )(22 مانا ً وَت َ ْ
م إ ِل ّ ِإي َ
ما َزاد َهُ ْ سول ُ ُ
ه وَ َ ه وََر ُ صد َقَ الل ّ ُوَ َ
ولّما شاهد المؤمنون الحزاب الذين تحّزبوا حييول "المدينيية" وأحيياطوا بهييا ,تييذكروا أن
موعد النصر قد قرب ,فقالوا :هذا ما وعدنا ال ورسوله ,من البتلء والمحنيية والنصيير,
شر به ,وما زادهم النظر إلييى الحييزاب إل إيماًنييا فأنجز ال وعده ,وصدق رسوله فيما ب ّ
بال وتسليًما لقضائه وانقياًدا لمره.
ن قَ َ
ضهى مه ْ
م َ ه عَل َي ْهِ فَ ِ
من ُْهه ْ دوا الل ّ َ
عاهَ ُ ما َصد َُقوا َ ل َ جا ٌ ن رِ َمِني َمؤ ْ ِن ال ْ ُم ْ ِ
ديل ً )(23 ما ب َد ُّلوا ت َب ْ ِ
ن ي َن ْت َظ ُِر وَ َ
م ْم َمن ْهُ ْ
ه وَ ِ حب َ ُ
نَ ْ
من المؤمنين رجال أوفوا بعهودهم مع ال تعالى ,وصبروا على البأساء والضراء وحين
البأس :فمنهم من َوّفى بنذره ،فاستشييهد فييي سييبيل اليي ،أو مييات علييى الصييدق والوفيياء,
ومنهم َمن ينتظر إحدى الحسنيين :النصر أو الشهادة ,وما غّيييروا عهييد اليي ,ول نقضييوه
ول بّدلوه ,كما غّير المنافقون.
َ
ب ن َ
شهاءَ أوْ ي َُتهو َ ن إِ ْ ب ال ْ ُ
مَنافِِقي َ م وَي ُعَذ ّ َ
صد ْقِهِ ْ
ن بِ ِ
صادِِقي َ
ه ال ّ جزِيَ الل ّ ُ ل ِي َ ْ
حيما ً )(24 ن غَُفورا ً َر ِ
كا َ ن الل ّ َ
ه َ عَل َي ْهِ ْ
م إِ ّ
ليثيب ال أهل الصدق بسبب صدقهم وبلئهم وهم المؤمنييون ,ويعييذب المنييافقين إن شيياء
تعذيبهم ,بأن ل يوفقهم للتوبة النصوح قبل الموت ,فيموتوا على الكفر ,فيستوجبوا النييار,
أو يتوب عليهم بأن يوفقهم للتوبة والنابيية ,إن الي كييان غفييوًرا لييذنوب المسييرفين علييى
أنفسهم إذا تابوا ,رحيًما بهم; حيث وفقهم للتوبة النصوح.
ن ه ال ْ ُ
م هؤ ْ ِ
مِني َ خْيرا ً وَك ََفههى الل ّه ُ
م ي ََناُلوا َم لَ ْ
ن ك ََفُروا ب ِغَي ْظ ِهِ ْ ه ال ّ ِ
ذي َ وََرد ّ الل ّ ُ
زيزا ً )(25 ه قَوِي ّا ً عَ ِ
ن الل ّ ُكا َل وَ َ ال ِْقَتا َ
828
ورّد ال أحزاب الكفر عن "المدينة" خائبين خاسرين مغتاظين ,لم ينالوا خيًرا فييي الييدنيا
ول في الخرة ،وكفى ال المؤمنين القتال بما أيدهم به ميين السييباب .وكييان ال ي قوًيييا ل
ُيغاَلب ول ُيْقَهر ,عزيًزا في ملكه وسلطانه.
ه أَ َ
عههد ّ ن الّلهه َ
خههَرةَ َفههإ ِ ّ
داَر ال ِ سههول َ ُ
ه َوالهه ّ ن الّلهه َ
ه وََر ُ ن ك ُن ُْتهه ّ
ن ُتههرِد ْ َ وَإ ِ ْ
ظيما ً )(29 َ
جرا ً عَ ِ نأ ْ من ْك ُ ّ
ت ِسَنا ِ ح ِم ْل ِل ْ ُ
ن فييي الييدار الخييرة ,فاصييبْرنَ
ن رضا ال ورضا رسوله وما أعّد الي لُكي ّ وإن كنتن ترْد َ
ن ثواًبا عظيًما) .وقييد
ن عليه ,وأطعن ال ورسوله ,فإن ال أعد للمحسنات منك ّ على ما أنُت ّ
اخترن ال ورسوله ,وما أعّد ال لهن في الدار الخرة(.
829
ف ل َهَهها ال ْعَ ه َ ْ
ب
ذا ُ ضههاعَ ْ
مب َي ّن َهةٍ ي ُ َ ح َ
ش هة ٍ ُ من ْك ُه ّ
ن ب َِفا ِ ت ِ
ن ي َأ ِ
م ْ ي َ ساَء الن ّب ِ ّ َيا ن ِ َ
سيرا ً )(30 ك عََلى الل ّهِ ي َ ِ ن ذ َل ِ َ
كا َ ن وَ َ ضعَْفي ْ ِ
ِ
عف لهييا العييذاب مرتييين .فلمييا كييانت
يا نساء النبي َمن يأت منكن بمعصية ظيياهرة ُيضييا َ
مكانتهن رفيعة ناسب أن يجعل ال الذنب الواقع منهن عقييوبته مغلظيية؛ صيييانة لجنييابهن
وجناب رسول ال صلى ال عليه وسلم .وكان ذلك العقاب على ال يسيًرا.
830
الجزء الثاني والعشرون :
َ
ن
مّرت َي ْه ِ صههاِلحا ً ن ُؤْت ِهَهها أ ْ
جَرهَهها َ مه ْ
ل َ ن ل ِل ّهِ وََر ُ
سههول ِهِ وَت َعْ َ من ْك ُ ّ
ت ِن ي َْقن ُ ْ م ْ وَ َ
ريما ً )(31 َ
وَأعْت َد َْنا ل ََها رِْزقا ً ك َ ِ
ومن تطع منكن ال ورسوله ,وتعمل بما أمر ال بهُ ,نْعطها ثواب عملها مثَلي ثواب عمل
غيرها من سائر النساء ,وأعددنا لها رزًقا كريًما ,وهو الجنة.
َ ُ
صههلةَ ن ال ّمه َجاهِل ِي ّةِ الول َههى وَأقِ ْ ج ال ْ َ ن ت َب َّر َج َ ن َول ت َب َّر ْ ن ِفي ب ُُيوت ِك ُ ّ وَقَْر َ
َ
مب عَن ْك ُه ْ ريهد ُ الّله ُ
ه ل ُِيهذ ْهِ َ مها ي ُ ِ
ه إ ِن ّ َ سهول َ ُه وََر ُ ن الّله َ كهاةَ وَأط ِْعه َ ن الّز َ َوآِتي َ
م ت َط ِْهيرا ً )(33 ت وَي ُط َهَّرك ُ ْ ل ال ْب َي ْ ِس أ َهْ َ
ج َ الّر ْ
ن بيوتكن ,ول تخرجن منها إل لحاجة ,ول ُتظهرن محاسنكن ,كما كان يفعل نسيياء واْلَزْم َ
الجاهلية الولى في الزمنة السابقة على السلم ,وهو خطاب للنساء المؤمنات فييي كييل
عصر .وأّدين -يا نساء النبي -الصلة كاملة في أوقاتها ,وأعطين الزكاة كما شييرع اليي,
ن ,ويبعيد عنكي ّ
ن وأطعن ال ورسوله في أمرهما ونهيهما ,إنما أوصاكن ال بهذا؛ ليزكيكي ّ
الذى والسوء والشر يا أهل بيت النبي -ومنهم زوجاته وذريته عليييه الصييلة والسييلم,-
ويطّهر نفوسكم غاية الطهارة.
ن ن الّله َ
ه ك َهها َ م هة ِ إ ِ ّ ت الّلههِ َوال ْ ِ
حك ْ َ ن آي َهها ِ
م ْ ما ي ُت َْلى ِفي ب ُُيوت ِك ُ ّ
ن ِ َواذ ْك ُْر َ
ن َ
خِبيرا ً )(34 طيفا ً َ لَ ِ
831
واذكرن ما يتلى في بيوتكن من القرآن وحديث الرسول صلى الي عليييه وسييلم ،واعمليين
ن فييي
ن؛ إذ جعلكي ّق َقْدره ,فهو من ِنَعم الي عليكين ,إن الي كييان لطيًفييا بكي ّ
به ,واقُدْرنه ح ّ
جا.
ن لرسوله أزوا ً ن إذ اختارك ّ
البيوت التي تتلى فيها آيات ال والسنة ,خبيًرا بك ّ
نت َوال َْقهههان ِِتي َمن َههها ِمؤ ْ ِن َوال ْ ُ مِني َ ت َوال ْ ُ
مهههؤْ ِ ما ِسهههل ِ َ م ْ ن َوال ْ ُ مي َ سهههل ِ ِ م ْ ن ال ْ ُ إِ ّ
ن
شِعي َ خا ِ ت َوال ْ َصاب َِرا ِ ن َوال ّ ري َ صاب ِ ِت َوال ّ صادَِقا ِ ن َوال ّ صادِِقي َ ت َوال ّ َوال َْقان َِتا ِ
ت ما ِ صههائ ِ َ
ن َوال ّ مي َ صههائ ِ ِ ت َوال ّ صههد َّقا ِ مت َ َ ن َوال ْ ُصههد ِّقي َ مت َ َت َوال ْ ُ شههَعا ِ خا ِ َوال ْ َ
ت ذاك َِرا ِه ك َِثيههرا ً َواله ّ ن الل ّه َ ري َ ذاك ِ ِت َواله ّ ظا ِ حافِ َ م َوال ْ َ جه ُ ْ ن فُُرو َ ظي َ حافِ ِ َوال ْ َ
ظيما ً )(35 َ َ
جرا ً عَ ِ مغِْفَرةً وَأ ْ م َ ه ل َهُ ْ أعَد ّ الل ّ ُ
صيّدقين والمصيّدقات والمطيعييين لي ورسييوله إن المنقادين لوامر ال والمنقييادات ,والم َ
والمطيعييات ,والصييادقين فييي أقييوالهم والصييادقات ,والصييابرين عيين الشييهوات وعلييى
الطاعييات وعلييى المكيياره والصييابرات ,والخييائفين ميين ال ي والخائفييات ,والمتصييدقين
بالفرض والّنْفل والمتصدقات ,والصائمين في الفييرض والّنْفييل والصييائمات ,والحييافظين
فروجهم عن الزنى ومقدماته ,وعن كشف العييورات والحافظييات ,والييذاكرين ال ي كييثيًرا
بقلوبهم وألسنتهم والذاكرات ,أعّد ال لهؤلء مغفرة لذنوبهم وثواًبا عظيًما ,وهو الجنة.
832
لزوجه وزواجك منها ,وال تعالى مظهر ما أخفيت ,وتخاف المنافقين أن يقولييوا :تييزوج
محمد مطلقة متبناه ,وال تعالى أحيق أن تخيافه ,فلميا قضيى زييد منهيا حياجته ,وطلقهيا,
وانقضت عدتها ,زوجناكها; لتكون أسوة في إبطال عادة تحريم الييزواج بزوجيية المتبنييى
بعد طلقها ,ول يكون على المؤمنين إثم وذنب في أن يتزوجوا ميين زوجييات ميين كييانوا
يتبّنْونهم بعد طلقهن إذا قضوا منهيين حيياجتهم .وكييان أميير الي مفعييول ل عييائق لييه ول
مانع.
ش هو َ
حههدا ً إ ِل ّ الل ّه َ
ه نأ َخ َ ْ َ
ه َول ي َ ْ
شهوْن َ ُ ت الل ّههِ وَي َ ْ
خ َ سههال ِ
ن رِ َن ي ُب َل ّغُههو َ ال ّه ِ
ذي َ
سيبا ً )(39
ح ِوَك ََفى ِبالل ّهِ َ
ت الي إلييى
ثم ذكر سبحانه النبياء الماضييين وأثنييى عليهييم بييأنهم :الييذين ُيَبّلغييون رسييال ِ
الناس ,ويخافون ال وحده ,ول يخافون أحًدا سواه .وكفى بال محاسًبا عباده علييى جميييع
أعمالهم ومراقًبا لها.
ل الل ّهِ وَ َ َ َ
ن
م الن ّب ِّييهه َ
خههات َ َ سو َ م وَل َك ِ ْ
ن َر ُ جال ِك ُ ْ
ن رِ َم ْ
حدٍ ِ
مد ٌ أَبا أ َح ّم َ
ن ُ ما َ
كا َ َ
ً
يٍء عَِليما )(40 ش ْل َ ُ
ه ب ِك ّ ّ
ن الل ُ َ
وَكا َ
ما كان محمد أًبا لحد من رجالكم ,ولكنه رسول ال وخاتم النبيين ,فل نبوة بعده إلى يوم
القيامة .وكان ال بكل شيء من أعمالكم عليًما ,ل يخفى عليه شيء.
َ
حوهُ ب ُك ْهَرةً كهرا ً ك َِثيهرا ً ) (41وَ َ
سهب ّ ُ من ُههوا اذ ْك ُهُروا الّله َ
ه ذِ ْ نآ َ َيا أي َّها اّله ِ
ذي َ
صيل ً )(42 َ
وَأ ِ
ص يّدقوا ال ي ورسييوله وعملييوا بشييرعه ,اذكييروا ال ي بقلييوبكم وألسيينتكم
يييا أيهييا الييذين َ
وجوارحكم ِذْكًرا كثيًرا ,واشغلوا أوقاتكم بذكر ال تعالى عنييد الصييباح والمسيياء ,وأدبييار
833
الصلوات المفروضات ,وعند العوارض والسباب ,فإن ذلك عبادة مشروعة ,تدعو إلييى
محبة ال ,وكف اللسان عن الثام ,وتعين على كل خير.
هييو الييذي يرحمكييم ويثنييي عليكييم وتييدعو لكييم ملئكتييه؛ ليخرجكييم ميين ظلمييات الجهييل
والضلل إلى نور السلم ,وكييان بييالمؤمنين رحيًمييا فييي الييدنيا والخييرة ,ل يعييذبهم مييا
داموا مطيعين مخلصين له.
ت يمينييك حنا لك ما َمَلَك ي ْ حنا لك أزواجك اللتي أعطيتهن مهورهن ,وأَب ْ يا أيها النبي إّنا أَب ْ
من الماء ,مما أنعم ال به عليك ,وأبحنا لك الزواج من بنات عمك وبنات عماتك وبنات
ت نفسيها لييك ميين حي ْ
خالك وبنات خالتك اللتي هاجرن معك ,وأبحنا لك امرأة مؤمنة َمَن َ
غير مهر ,إن كنت تريد الزواج منها خالصة لك ,وليس لغيرك أن يتزوج امييرأة بالِهَبيية.
قد علمنا ما أوجبنا على المؤمنين في أزواجهم وإمائهم بأل يتزوجوا إل أربع نسوة ,ومييا
ي والمهر والشهود عليهم ,ولكنييا رخصيينا لييك فييي ذلييك, شاؤوا من الماء ,واشتراط الول ّ
سع عليى غييرك؛ لئل يضييق صيدرك فيي نكياح َمين نكحيت ِمين سْعنا عليك ما لم ُيو ّ وو ّ
هؤلء الصناف .وكان ال غفوًرا لذنوب عباده المؤمنين ,رحيًما بالتوسعة عليهم.
ن
مه ْ م ّت ِن اب ْت َغَي ْه َمه ْ شههاُء وَ َن تَ َ مه ْ ك َ ن وَت ُؤِْوي إ ِل َي ْه َ من ْهُ ّ شاُء ِ ن تَ َ م ْ جي َ ت ُْر ِ
َ َ َ ح عَل َي ْ َ
نض هو ْ َ
ن وَي َْر َح هَز ّ ن َول ي َ ْ ن ت ََقّر أعْي ُن ُهُ ّ ك أد َْنى أ ْ ك ذ َل ِ َ جَنا َ ت َفل ُ عََزل ْ َ
حِليمها ً )ه عَِليمها ً َ ن الل ّ ُ م وَ َ
كا َ ما ِفي قُُلوب ِك ُ ْ م َه ي َعْل َ ُن َوالل ّ ُ ن ك ُل ّهُ ّ ما آت َي ْت َهُ ّبِ َ
(51
طَلْبييتَ
سم في المبيت ,وتضم إليك َمن تشاء منهن ,وَمن َ تؤخر َمن تشاء ِمن نسائك في الَق ْ
ن,
سمها ,فل إثم عليك في هذا ,ذلك التخيير أقرب إلى أن يفرحيين ول يحييز ّ خرت َق ْ
ممن أ ّ
ن ,وال يعلييم مييا فييي قلييوب الرجييال ِميين َمْيلهييا إلييى بعييض ويرضين كلهن بما قسمت له ّ
835
النساء دون بعض .وكان ال عليًما بمييا فييي القلييوب ,حليًمييا ل يعجييل بالعقوبيية عليى ميين
عصاه.
836
ظِهروا شيًئا على ألسنتكم -أيها الناس -مما يؤذي رسول ال ممييا نهيياكم الي عنيه ,أو إن ُت ْ
تخفوه في نفوسكم ,فإن ال تعالى يعلم ما فييي قلييوبكم ومييا أظهرتمييوه ,وسيييجازيكم علييى
ذلك.
ن
وان ِهِ ّ
خهه َن َول أ َب َْناِء إ ِ ْوان ِهِ ّ خ َ ن َول إ ِ ْ َ
ن َول أب َْنائ ِهِ ّن ِفي آَبائ ِهِ ّ ح عَل َي ْهِ ّجَنا َ ل ُ
َ َول أ َب َْناِء أ َ
َ
ن ن الل ّه َ
ه إِ ّ ن َوات ِّقي ه َ مههان ُهُ ّ
ت أي ْ َ مل َك َ ْ
ما َ ن َول َ سائ ِهِ ّ
ن َول ن ِ َ وات ِهِ ّ
خ َ
شِهيدا ً )(55 يٍء َ ش ْ ل َن عََلى ك ُ ّ ه َ
كا َ الل ّ َ
ل إثم على النساء في عيدم الحتجيياب مين آبييائهن وأبنيائهن وإخييوانهن وأبنيياء إخييوانهن
وأبناء أخواتهن والنساء المؤمنات والعبيد المملوكين لهن؛ لشدة الحاجة إليهم في الخدمة.
ن أن تبدينه,
ن ,فتبدين من زينتكن ما ليس لُك ّ حّد لك ّ
وخفن ال -أيتها النساء -أن تتعّدْين ما َ
أو تتركن الحجاب أمام َميين يجييب عليكيين الحتجيياب منيه .إن الي كييان علييى كييل شيييء
شهيًدا ,يشهد أعمال العباد ظاهرها وباطنها ,وسيجزيهم عليها.
َ
ص هّلوا عَل َي ْه ِ
ه من ُههوا َ
نآ َ ي َيا أي َّها ال ّ ِ
ذي َ ن عََلى الن ّب ِ ّ
صّلو َ ملئ ِك َت َ ُ
ه يُ َ ن الل ّ َ
ه وَ َ إِ ّ
سِليما ً )(56 موا ت َ ْ سل ّ ُوَ َ
إن ال تعالى يثني على النبي صييلى الي عليييه وسييلم عنييد الملئكيية المقربييين ,وملئكتييه
يثنون على النبي ويدعون له ,يا أيها الذين صّدقوا ال ورسييوله وعملييوا بشييرعه ,صيّلوا
على رسول ل ,وسّلموا تسليًما ,تحية وتعظيًما له .وصفة الصلة علييى النييبي صييلى ال ي
ل على محمد وعلى آل محمد ,كما عليه وسلم ثبتت في السنة على أنواع ,منها" :اللهم ص ّ
صليت على آل إبراهيم ,إنك حميد مجيد ,اللهم بارك علييى محمييد وعلييى آل محمييد ,كمييا
باركت على آل إبراهيم ,إنك حميد مجيد".
َ
خ هَرةِ وَأعَ هد ّ م الل ّ ُ
ه ِفي ال هد ّن َْيا َوال ِ ه ل َعَن َهُ ْ
سول َ ُ ن الل ّ َ
ه وََر ُ ن ي ُؤْ ُ
ذو َ ذي َن ال ّ ِإِ ّ
مِهينا ً )(57 ذابا ً ُ
م عَ َ ل َهُ ْ
إن الذين يؤذون ال بالشييرك أو غيييره مين المعاصييي ,ويييؤذون رسييول الي بييالقوال أو
الفعال ,أبعدهم ال وطردهم ِمن كل خير في الدنيا والخرة ,وأعّد لهم في الخيرة عيذاًبا
يذلهم ويهينهم.
مل ُههوا
حت َ َ ما اك ْت َ َ
س هُبوا فََق هدِ ا ْ ت ب ِغَي ْرِ َ
مَنا ِ ن َوال ْ ُ
مؤ ْ ِ ن ال ْ ُ
مؤ ْ ِ
مِني َ ذو َن ي ُؤْ ُ
ذي َ َوال ّ ِ
مِبينا ً )(58 ب ُهَْتانا ً وَإ ِْثما ً ُ
837
والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنييات بقييول أو فعييل ميين غييير ذنييب عملييوه ,فقييد ارتكبييوا
أفحش الكذب والزور ,وأتوا ذنًبا ظاهر القبح يستحقون به العذاب في الخرة.
ن فِههيجُفههو َ ض َوال ْ ُ
مْر ِ م هَر ٌم َ ن ِفي قُُلوب ِهِ ْ ذي َ ن َوال ّ ِ مَنافُِقو َ م ي َن ْت َهِ ال ْ ُن لَ ْ ل َئ ِ ْ
مل ْعُههوِني َ
ن ك ِفيهَهها إ ِل ّ قَِليل ً )َ (60 جاوُِرون َه َم ل يُ َ م ث ُه ّ
ك ب ِهِه ْدين َةِ ل َن ُغْرِي َن ّ َم ِ ال ْ َ
ذوا وَقُت ُّلوا ت َْقِتيل ً )(61 خ ُقُفوا أ ُ ِ ما ث ُ ِ
َ
أي ْن َ َ
ف الذين يضمرون الكفيير ويظهييرون اليمييان والييذين فييي قلييوبهم شييك وريبيية, لئن لم يك ّ
والذين ينشرون الخبار الكاذبة في مدينية الرسيول صييلى الي علييه وسييلم عين قبييائحهم
وشرورهم ,لنسّلطّنك عليهم ,ثم ل يسكنون معك فيها إل زمًنا قليل .مطرودين من رحمة
سيروا وُقّتليوا تقيتيل ميا داميوا مقيميين عليى النفياق ونشيرجدوا فيه ُأ ِ
ال ,في أي مكان ُو ِ
الخبار الكاذبة بين المسلمين بغرض الفتنة والفساد.
ك ل ََعهه ّ
ل عن ْد َ الل ّهِ وَ َ
ما ي ُد ِْري َ عل ْ ُ
مَها ِ ما ِ ساعَةِ قُ ْ
ل إ ِن ّ َ ن ال ّس عَ ْك الّنا ُ سأ َل ُ َ
يَ ْ
ريبا ً )(63
ن قَ ِ ة تَ ُ
كو ُ ساعَ َ ال ّ
يسألك الناس -أيها الرسول -عن وقت القيامة استبعاًدا وتكذيًبا ,قل لهم :إنما علييم السيياعة
عند ال ,وما يدريك -أيها الرسول -لعل زمانها قريب؟
838
ن ِفيهَهها أ َب َههدا ً ل
دي َ س هِعيرا ً )َ (64
خال ِه ِ م َ
َ
ن وَأعَد ّ ل َهُ ْ
ري َ كافِ ِن ال ْ َ ه ل َعَ َن الل ّ َإِ ّ
م ِفي الّنارِ ي َُقول ُههو َ
ن ي َهها جوهُهُ ْ م ت َُقل ّ ُ
ب وُ ُ صيرا ً ) (65ي َوْ َ ن وَل ِي ّا ً َول ن َ ِ دو َج ُيَ ِ
َ َ
ل )(66 سو َ ه وَأط َعَْنا الّر ُ ل َي ْت ََنا أط َعَْنا الل ّ َ
إن ال طرد الكافرين من رحمته في الدنيا والخييرة ,وأعيّد لهييم فييي الخييرة نيياًرا موقييدة
شيديدة الحيرارة ,مياكثين فيهييا أبيًدا ,ل يجيدون ولّيييا يتيولهم وييدافع عنهيم ,ول نصييًرا
ينصييرهم ,فيخرجهييم ميين النييار .يييوم ُتَقّلييب وجييوه الكييافرين فييي النييار يقولييون نييادمين
متحّيرين :يا ليتنا أطعنا ال وأطعنا رسوله في الدنيا ,فكنا من أهل الجنة.
َ َ
ضهّلوَنا ال ّ
سهِبي َ
ل )َ (67رب ّن َهها سههاد َت ََنا وَك ُب ََراَءن َهها فَأ َوََقاُلوا َرب َّنا إ ِّنا أط َعْن َهها َ
م ل َْعنا ً ك َِبيرا ً )(68 ب َوال ْعَن ْهُ ْ ن ال ْعَ َ
ذا ِ م ْن ِ ضعَْفي ْ ِم ِ آت ِهِ ْ
طْعنييا أئمتنييا فييي الضييلل وكبراءنييا فييي الشييرك,
وقال الكافرون يوم القياميية :ربنييا إنييا أ َ
ي عذابنا الذي تعييذبنا بييه,
فأزالونا عن طريق الُهدى واليمان .ربنا عّذبهم من العذاب مثَل ْ
واطردهم من رحمتك طرًدا شديًدا .وفي هذا دليييل عليى أن طاعية غييير الي فييي مخالفية
أمييره وأميير رسييوله ,موجبيية لسييخط اليي وعقييابه ,وأن التييابع والمتبييوع فييي العييذاب
مشتركون ,فليحذر المسلم ذلك.
َ َ
مهها
م ّ سههى فَب َهّرأهُ الل ّه ُ
ه ِ ن آذ َْوا ُ
مو َ كال ّه ِ
ذي َ كون ُههوا َ
من ُههوا ل ت َ ُنآ َ َيا أي َّها ال ّ ِ
ذي َ
جيها ً )(69 عن ْد َ الل ّهِ وَ ِ
ن ِكا َ َقاُلوا وَ َ
يا أيها الذين صّدقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه ل تؤذوا رسول ال ي بقييول أو فعييل ,ول
ي ال موسى ,فبّرأه ال مما قالوا فيه من الكذب والزور ,وكييان
تكونوا أمثال الذين آذوا نب ّ
عند ال عظيم القدر والجاه.
يصل ِح ل َك ُ َ
سول َ ُ
ه فََقد ْ ن ي ُط ِعْ الل ّ َ
ه وََر ُ م ْ
م وَ َ م وَي َغِْفْر ل َك ُ ْ
م ذ ُُنوب َك ُ ْ مال َك ُ ْ
م أعْ َ
ْ ُ ْ ْ
839
ظيما ً )(71
وزا ً عَ ِ
َفاَز فَ ْ
إذا اتقيتم ال وقلتم قيول سيديًدا أصيلح الي لكيم أعميالكم ,وغفير ذنيوبكم .ومين يطيع الي
ورسوله فيما أمر ونهى فقد فاز بالكرامة العظمى في الدنيا والخرة.
ن ة عََلههى السههموات وال َرض وال ْجبههال َفههأ َبي َ َ
نأ َْْ َ ّ َ َ ِ َ ْ ِ َ ِ َ ِ ماَنهه َ
ضههَنا ال َ إ ِّنهها عََر ْ
َ
جُهول ً )(72ن ظ َُلوما ً َ ه َ
كا َ ن إ ِن ّ ُ مل ََها ال ِن ْ َ
سا ُ ح َ
من َْها وَ َ
ن ِ مل ْن ََها وَأ ْ
شَفْق َ ح ِ
يَ ْ
إنا عرضنا المانة -التي ائتمن ال عليها المكّلفين من امتثال الوامر واجتنياب النييواهي-
على السموات والرض والجبال ,فأبين أن يحملنها ,وخفيين أن ل يقميين بأدائهييا ,وحملهييا
النسان والتزم بها على ضعفه ,إنه كان شديد الظلم والجهل لنفسه.
ب
ت وَي َُتو َ شرِ َ
كا ِ م ْن َوال ْ ُ كي َ م ْ
شرِ ِ ت َوال ْ ُ ن َوال ْ ُ
مَنافَِقا ِ ه ال ْ ُ
مَنافِِقي َ ب الل ّ ُ
ل ِي ُعَذ ّ َ
حيما ً )(73 ه غَُفورا ً َر ِن الل ّ ُ ت وَ َ
كا َ مَنا ِمؤ ْ ِن َوال ْ ُ
مِني َ ه عََلى ال ْ ُ
مؤ ْ ِ الل ّ ُ
)وحمل النسان المانة( ليعذب الي المنييافقين الييذين ُيظهييرون السييلم وُيخفييون الكفيير,
والمنافقات ,والمشركين في عبادة الي غيييره ,والمشييركات ,ويتييوب الي علييى المييؤمنين
والمؤمنات بستر ذنوبهم وترك عقابهم .وكان ال غفوًرا للتائبين من عباده ,رحيًما بهم.
-34سورة سبأ
ه ال ْ َ َ
مهد ُ فِههي
ح ْ ض وَل َ ُ
ما ِفي الْر ِ
ت وَ َ
وا ِ
م َ
س َ
ما ِفي ال ّ ه َذي ل َ ُ مد ُ ل ِل ّهِ ال ّ ِ
ح ْال ْ َ
م ال ْ َ
خِبيُر )(1 كي ُ خَرةِ وَهُوَ ال ْ َ
ح ِ ال ِ
الثناء على الي بصيفاته الييتي كّلهييا أوصيياف كمييال ،وبنعميه الظياهرة والباطنية ،الدينيية
والدنيوية ،الذي له ملك ما في السموات وميا فيي الرض ,وليه الثنياء التيام فيي الخيرة,
وهو الحكيم في فعله ,الخبير بشؤون خلقه.
َ
مهها
ماءِ وَ َ
سه َ
ن ال ّ
مه ْ ما َينهزِ ُ
ل ِ من َْها وَ َ
ج ِ
خُر ُ
ما ي َ ْ
ض وَ َ
ج ِفي الْر ِ ما ي َل ِ ُ ي َعْل َ ُ
م َ
م ال ْغَُفوُر )(2 حي ُ ج ِفيَها وَهُوَ الّر ِ ي َعُْر ُ
840
يعلم كل ما يدخل في الرض من قطرات الماء ,وميا يخيرج منهيا مين النبيات والمعيادن
والمياه ,وما ينييزل مين السييماء مين المطييار والملئكيية والكتييب ,ومييا يصييعد إليهييا ميين
الملئكة وأفعال الخلق .وهو الرحيم بعباده فل يعاجل عصاتهم بالعقوبة ,الغفييور لييذنوب
التائبين إليه المتوكلين عليه.
َ ن أ ُوْل َئ ِ َ
م)
ج هزٍ أِلي ه ٌ
ن رِ ْ
م ْ
ب ِ
ذا ٌ ك ل َهُ ْ
م عَ َ زي َ
ج ِ
مَعا ِ
وا ِفي آَيات َِنا ُ
سع َ ْ
ن َ َوال ّ ِ
ذي َ
(5
والذين سعوا في الصّد عن سبيل ال وتكذيب رسييله وإبطييال آياتنييا مشيياقين الي مغييالبين
أمره ,أولئك لهم أسوأ العذاب وأشده ألًما.
دي ك هُوَ ال ْ َ
حههقّ وَي َْههه ِ ن َرب ّ َ
م ْ
ك ِ ذي ُأنزِ َ
ل إ ِل َي ْ َ م ال ّ ِ
ويرى ال ّذي ُ
ن أوُتوا ال ْعِل ْ َ ِ َ َََ
ميدِ )(6 ح ِزيزِ ال ْ َط ال ْعَ ِ إ َِلى ِ
صَرا ِ
ويعلم الذين ُأعطوا العلم أن القرآن الذي ُأنزل إليك من ربك هو الحق ,ويرشد إلى طريق
ال ,العزيز الذي ل يغيياَلب ول يمييانع ,بييل قهيير كييل شيييء وغلبييه ,المحمييود فييي أقييواله
وأفعاله وشرعه.
م ك ُه ّ
ل مّزقْت ُه ْ ل ي ُن َب ّئ ُك ُه ْ
م إِ َ
ذا ُ م عَل َههى َر ُ
جه ٍ ل ن َهد ُل ّك ُ ْ
ن ك ََفهُروا هَه ْ
ذي َ ل ال ّه ِ وََقا َ
ديدٍ )(7 ج ِق َ م ل َِفي َ ْق إ ِن ّك ُ ْ
خل ٍ مّز ٍم َ
ُ
841
وقال الذين كفروا بعضهم لبعض استهزاء :هل ندلكم على رجل )يريييدون محميًدا صييلى
ال عليه وسلم( يخبركم أنكم إذا متم وتفرقت أجسامكم كل تفّرق ,إنكم سُتحيون وُتبعثييون
من قبوركم؟ قالوا ذلك ِمن فرط إنكارهم.
َ َ
خَرةِ فِههي
ن ب ِههال ِ ن ل ي ُؤْ ِ
من ُههو َ ل ال ّه ِ
ذي َ ة بَ ْ
جن ّ ٌ ذبا ً أ ْ
م ب ِهِ ِ أافْت ََرى عََلى الل ّهِ ك َ ِ
ل ال ْب َِعيدِ )(8 ضل ِب َوال ّ
ذا ِال ْعَ َ
هذا الرجل أختلق على ال كذًبا أم به جنون ,فهو يتكلم بما ل يدري؟ ليس المر كما قييال
الكفار ,بل محمد أصدق الصادقين .والذين ل يصدقون بالبعث ول يعملون من أجلييه فييي
العذاب الدائم في الخرة ,والضلل البعيد عن الصواب في الدنيا.
أفلم ير هؤلء الكفار الذين ل يؤمنون بالخرة عظيم قدرة ال فيما بين أيديهم وما خلفهييم
ميين السييماء والرض ممييا يبهيير العقييول ,وأنهمييا قيد أحاطتييا بهييم؟ إن نشييأ نخسيف بهييم
الرض ,كما فعلنا بقارون ,أو ننزل عليهم قطًعا من العذاب ,كما فعلنا بقييوم شييعيب ,فقييد
أمطرت السماء عليهم ناًرا فأحرقتهم .إن في ذلك الذي ذكرنا ميين قييدرتنا َلدلليية ظيياهرة
لكل عبد راجع إلى ربه بالتوبة ,ومقر له بتوحيده ,ومخلص له في العبادة.
َ
مُلو َ
ن صاِلحا ً إ ِّني ب ِ َ
ما ت َعْ َ مُلوا َ ت وَقَد ّْر ِفي ال ّ
سْردِ َواعْ َ ساب َِغا ٍ
ل َم ْ
ن اعْ َ
أ ْ
صيٌر )(11 بَ ِ
حَلييق الييدروع ,فل تعمييل الحلقيية
عا تامييات واسييعات وقيّدر المسييامير فييي ِ
أن اعمل درو ً
ضُعف ,فل تقوى الدروع على الدفاع ,ول تجعلهيا كيبيرة فتثُقيل عليى لبسيها, صغيرة فَت ْ
ي شيء منها. واعمل يا داود أنت وأهلك بطاعة ال ,إني بما تعملون بصير ل يخفى عل ّ
842
َ
ن ال ْ َِقط ْه ِ
ر سل َْنا ل َه ُ
ه عَي ْه َ شهٌْر وَأ َ حَها َ شهٌْر وََرَوا ُ ها َ ح غُد ُوّ َ ن الّري َ ما َ سل َي ْ َ
وَل ِ ُ
مرِن َهها
نأ ْ م ع َه ْ ن ي َهزِغْ ِ
من ْهُه ْ م ْن َرب ّهِ وَ َ ن ي َد َي ْهِ ب ِإ ِذ ْ ِ م ُ
ل ب َي ْ َ ن ي َعْ َ
م ْ
ن َ ج ّن ال ْ ِ م ْوَ ِ
سِعيرِ )(12 ب ال ّ ذا ِن عَ َم ْ ه ِ ن ُذِقْ ُ
خرنا لسليمان الريح تجري من أول النهار إلى انتصافه مسيرة شييهر ,وميين منتصييف وس ّ
النهار إلى الليل مسيرة شهر بالسير المعتاد ,وأسلنا له النحاس كما يسيل الماء ,يعمييل بييه
خرنا له من الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ,ومن يعييدل منهييم عيين أمرنييا
ما يشاء ,وس ّ
الذي أمرناه به من طاعة سليمان نذقه من عذاب النار المستعرة.
ب وَقُه ُ
دوٍر وا ِ ن ك َههال ْ َ
ج َ جَفهها ٍ
ل وَ ِماِثي َ
ب وَت َ َ
حاِري َم َن َم ْ
شاُء ِما ي َ َ
ه َن لَ ُ
مُلو َي َعْ َ
كوُر )(13 ش ُ عَباِدي ال ّ ن ِم ْ ل ِكرا ً وَقَِلي ٌ
ش ْداُوود َ ُ مُلوا آ َ
ل َ ت اعْ َ سَيا ٍَرا ِ
صيياع
يعمل الجن لسليمان ما يشاء من مسيياجد للعبييادة ,وصييور ميين نحيياس وزجيياج ,وِق َ
كبيرة كالحواض التي يجتمع فيها الماء ,وقدور ثابتات ل تتحرك من أماكنهييا لعظمهيين,
وقلنا يا آل داود :اعملوا شكًرا ل على ما أعطاكم ,وذلييك بطيياعته وامتثييال أمييره ,وقليييل
من عبادي من يشكر ال كثيًرا ,وكان داود وآله من القليل.
ض ت َأ ْك ُه ُ
ل ِ ر
ْ
ة ال َ
داب ّه ُمهوْت ِهِ إ ِل ّ َ م عَل َههى َ ما د َل ّهُه ْ
ت َ ضي َْنا عَل َي ْهِ ال ْ َ
مو ْ َ ما قَ َ فَل َ ّ
ما ل َب ُِثوا ِفي خر تبينت ال ْج َ من َ
ب َن ال ْغَي ْ َمو َ كاُنوا ي َعْل َ ُ
ن ل َوْ َ
نأ ْ ِ ّ ما َ ّ َ َ ّ َ ْ ه فَل َ ّ سأت َ ُِ َ
ن )(14 ْ ال ْعَ َ
مِهي ِب ال ُ ذا ِ
ضيُة تأكيل عصياه الييتي ل الجن علييى ميوته إل الَر َ فلما قضينا على سليمان بالموت ما د ّ
كان متكًئا عليها ,فوقع سليمان على الرض ,عند ذلك علمت الجن أنهم لو كانوا يعلمييون
ل والعمل الشاق لسليمان؛ ظنا منهم أنه من الحياء .وفي الغيب ما أقاموا في العذاب المذ ّ
الية إبطال لعتقاد بعض النيياس أن الجيين يعلمييون الغيييب; إذ لييو كييانوا يعلمييون الغيييب
لعلموا وفاة سليمان عليه السلم ,ولما أقاموا في العذاب المهين.
ن ل ك ُل ُههوا ِ
مه ْ ما ٍ
شه َ
ن وَ ِ
مي ٍ
ن يَ ِ
ن عَ ْجن َّتا ِ
ة َ سك َن ِهِ ْ
م آي َ ٌ م ْ سب َإ ٍ ِفي َ
ن لِ َ كا َل ََقد ْ َ
ب غَُفوٌر )(15 ة وََر ّ ه ب َل ْد َةٌ ط َي ّب َ ٌ
شك ُُروا ل َ ُ
م َوا ْق َرب ّك ُ ْرِْز ِ
لقد كان لقبيلة سبأ بي "اليمن" في مسكنهم دللة على قدرتنا :بسييتانان عيين يميين وشيمال,
كلوا من رزق ربكم ,واشكروا له نعمه عليكم; فإن بلييدتكم كريميية التربيية حسيينة الهييواء,
وربكم غفور لكم.
843
َ َ
نجن ّت َي ْه ِ
م َ
جن ّت َي ْهِه ْ ل ال ْعَهرِم ِ وَب َهد ّل َْناهُ ْ
م بِ َ سهي ْ َ
م َسهل َْنا عَل َي ْهِه ْ ضههوا فَأْر َ فَأعَْر ُ
َ ُ
م
جَزي ْن َههاهُ ْك َل ) (16ذ َل ِه َ سهد ْرٍ قَِليه ٍ ن ِ م ْيٍء ِ
ش ْل وَ َ ط وَأث ْ ٍم ٍ خ ْل َذ ََواَتى أك ُ ٍ
جاِزي إ ِل ّ ال ْك َُفوَر )(17 ما ك ََفُروا وَهَ ْ
ل نُ َ بِ َ
فأعرضوا عن أمر ال وشكره وكذبوا الرسل ,فأرسلنا عليهم السيل الجارف الشديد الذي
ي أكييل خمييط ,وهييوخّرب السد وأغرق البساتين ,وبّدلناهم بجنتيهم المثمرتين جنتين ذواَت ْ
طْرفيياء ل ثميير لييه ,وقليييل ميين شييجر
الثمر المر الكريه الطعم ,وأْثل وهو شجر شييبيه بال ّ
الّنْبق كثير الشوك .ذلك التبديل من خير إلى شر بسبب كفرهيم ,وعيدم شيكرهم ِنَعيَم الي,
جحود المبالغ في الكفر ,يجازى بفعله مثل بمثل. وما نعاقب بهذا العقاب الشديد إل ال َ
ن )(20 ن ال ْ ُ
مؤ ْ ِ
مِني َ ريقا ً ِ
م ْ س ظ َن ّ ُ
ه َفات ّب َُعوهُ إ ِل ّ فَ ِ صد ّقَ عَل َي ْهِ ْ
م إ ِب ِْلي ُ وَل ََقد ْ َ
ولقد ظن إبليس ظًنا غير يقين أنه سيضييل بنييي آدم ,وأنهييم سيييطيعونه فييي معصييية اليي,
فصّدق ظنه عليهم ,فأطاعوه وعصوا ربهم إل فريًقا من المؤمنين بال ,فإنهم ثبتييوا علييى
طاعة ال.
844
و
ن هُ َ
م ْ
م ّ
خَرةِ ِ
ن ِبال ِ ن ي ُؤْ ِ
م ُ م ْ
م َ ن إ ِل ّ ل ِن َعْل َ َ سل ْ َ
طا ٍ ن ُم ْم ِه عَل َي ْهِ ْن لَ ُ ما َ
كا َ وَ َ
ظ )(21 حِفي ٌ يٍء َ ش ْ ل َ ك عََلى ك ُ ّك وََرب ّ َ ش ّ من َْها ِفي َِ
وما كان لبليس على هؤلء الكفار ِمن قهر على الكفر ,ولكن حكمة ال اقتضييت تسييويله
لبني آدم; ليظهر ما علمه سبحانه في الزل؛ لنميز َمن يصّدق بالبعث والثييواب والعقيياب
ممن هو في شك من ذلك .وربك على كل شيء حفيظ ,يحفظه ويجازي عليه.
عنده إل ّ ل ِم َ
ن قُل ُههوب ِهِ ْ
م ذا فُ هّزعَ عَه ْ
حت ّههى إ ِ َ
ه َن لَ ُن أذِ ََ ْ ة ِ ْ َ ُ ِ شَفاعَ ُ َول َتنَفعُ ال ّ
ي ال ْك َِبيُر )(23حقّ وَهُوَ ال ْعَل ِ ّ م َقاُلوا ال ْ َل َرب ّك ُ ْ
ذا َقا َ َقاُلوا َ
ما َ
ول تنفع شفاعة الشافع عند ال تعالى إل لمن أذن له .ومن عظمته وجلله عز وجييل أنييه
إذا تكلم سبحانه بالوحي فسمع أهل السموات كلمه ُأرعدوا من الهيبة ,حتى يلحقهييم مثييل
ضا :ماذا قييال ربكييم؟ قييالت الملئكيية:
الغشي ,فإذا زال الفزع عن قلوبهم سأل بعضهم بع ً
ي بذاته وقهره وعلّو قْدره ,الكبير على كل شيء.
قال الحق ,وهو العل ّ
845
مُلو َ
ن )(25 ما ت َعْ َ سأ َ ُ
ل عَ ّ مَنا َول ن ُ ْ
جَر ْ
َ
ما أ ْ
ن عَ ّ
للت َ
سأُلو َ
ُ ْ قُ ْ
قل :ل ُتسألون عن ذنوبنا ,ول ُنسأل عن أعمالكم; لننا بريئون منكم وِمن كفركم.
ح ال ْعَِلي ُ
م )(26 حقّ وَهُوَ ال َْفّتا ُ
ح ب َي ْن ََنا ِبال ْ َ معُ ب َي ْن ََنا َرب َّنا ث ُ ّ
م ي َْفت َ ُ ج َ قُ ْ
ل يَ ْ
قل :ربنا يجمع بيننا وبينكم يوم القيامة ,ثم يقضي بيننييا بالعييدل ,وهييو الفّتيياح الحيياكم بييين
خلقه ,العليم بما ينبغي أن ُيْقضى به ,وبأحوال خلقه ,ل تخفى عليه خافية.
ل أ َروِني ال ّذي َ
م)
كيهه ُ زيُز ال ْ َ
ح ِ ه ال ْعَ ِ
ل هُوَ الل ّ ُ
كاَء ك َل ّ ب َ ْ
شَر َ
م ب ِهِ ُ ن أل ْ َ
حْقت ُ ْ ِ َ قُ ْ ُ
(27
قل :أروني بالحجة والدليل الذين ألحقتموهم بال وجعلتموهم شركاء له فييي العبييادة ,هييل
خلقوا شيًئا؟ ليس المر كما وصفوا ,بل هو المعبود بحق الذي ل شريك لييه ,العزيييز فييي
انتقامه ممن أشرك به ،الحكيم في أقواله وأفعاله وتدبير أمور خلقه.
سل ها
ه نال ر هَ ثْ كة ِللنههاس بشههيرا ً ونهذيرا ً ول َكهن أ َ
ً ه ّ ف َ
كا ّ ل إ َ
ك نا ْ لس ر وما أ َ
ِ ّ َ ّ ِ َ ِ َ َ ِ َ ِ ّ ِ َ َ ْ َ َ
ن )(28 مو َ ي َعْل َ ُ
وما أرسلناك -أيها الرسول -إل للناس أجمعين مبشًرا بثواب اليي ,ومنييذًرا عقييابه ,ولكيين
أكثر الناس ل يعلمون الحق ,فهم معرضون عنه.
ن )(29
صادِِقي َ
م َ
كنت ُ ْ ذا ال ْوَعْد ُ إ ِ ْ
ن ُ مَتى هَ َ وَي َُقوُلو َ
ن َ
ويقول هؤلء المشركون مستهزئين :متى هذا الوعد الذي َتِعدوننا أن يجمعنا ال فيييه ,ثييم
يقضي بيننا ,إن كنتم صادقين فيما تعدوننا به؟
ْ
ن )(30
مو َ
ست َْقدِ ُ
ة َول ت َ ْ
ساعَ ً
ه َ
ن عَن ْ ُ
خُرو َ
ست َأ ِ
ميَعاد ُ ي َوْم ٍ ل ت َ ْ ل ل َك ُ ْ
م ِ قُ ْ
قييل لهييم -أيهييا الرسييول :-لكييم ميعيياد هييو آتيكييم ل محاليية ,وهييو ميعيياد يييوم القياميية ,ل
تستأخرون عنه ساعة للتوبية ,ول تسيتقدمون سيياعًة قبلييه للعييذاب .فاحييذروا ذلييك اليييوم,
عّدوا له عدته. وَأ ِ
846
ن ي َهد َي ْهِ وَل َه ْ
و ذي ب َي ْه َ ن َول ِبال ّه ِ ذا ال ُْق هْرآ ِ ن ب ِهَ َ ن ك ََفُروا ل َ ْ
ن ن ُؤْ ِ
م َ ذي َ ل ال ّ ِ وََقا َ
ض ض هه ُ ْ َ موُْقوفُههو َ ت ََرى إ ِذ ْ الظ ّههال ِ ُ
م إ ِلههى ب َعْه ٍ جهعُ ب َعْ ُ
َ
م ي َْر ِ عن ْهد َ َرب ّهِه ْن ِ ن َ مو َ
نمِني َ م ل َك ُّنا ُ
مؤ ْ ِ ول أن ْت ُ ْ ست َك ْب َُروا ل َ ْ
نا ْ ذي َضعُِفوا ل ِل ّ ِست ُ ْنا ْ ل ال ّ ِ
ذي َ ل ي َُقو ُ ال َْقوْ َ
)(31
وقييال الييذين كفييروا :ليين نص يّدق بهييذا القييرآن ول بالييذي َتَق يّدَمه ميين التييوراة والنجيييل
والزبور ,فقد كّذبوا بجميع كتب ال .ولييو تييرى -أيهييا الرسييول -إذ الظييالمون محبوسييون
عند ربهم للحساب ,يتراجعون الكلم فيما بينهم ,كل ُيْلقييي بالعتيياب علييى الخيير ,لرأيييت
شيييًئا فظيعييا ,يقييول المستضييعفون للييذين اسييتكبروا -وهييم القييادة والرؤسيياء الضييالون
المضلون :-لول أنتم أضللتمونا عن الهدى لكنا مؤمنين بال ورسوله.
َ
ن ال ُْهه َ
دى عه ْ صهد َد َْناك ُ ْ
م َ ن َ
حه ُ
ضعُِفوا أن َ ْ
ست ُ ْنا ْ ذي َست َك ْب َُروا ل ِل ّ ِ
نا ْ ل ال ّ ِ
ذي َ َقا َ
ن )(32 مي َ
جرِ ِم ْ م ُ ل ُ
كنت ُ ْ م بَ ْجاَءك ُ ْب َعْد َ إ ِذ ْ َ
قال الرؤساء للذين اسُتضِعفوا :أنحن منعناكم من الهدى بعد إذ جاءكم؟ بل كنتم مجرمييين
إذ دخلتم في الكفر بإرادتكم مختارين.
وقال المستضعفون لرؤسائهم في الضلل :بل تيدبيركم الشير لنييا فييي الليييل والنهييار هييو
الذي أوقعنا في التهلكة ,فكنتم تطلبون منا أن نكفر بال ,ونجعييل لييه شييركاء فييي العبييادة,
ل من الفريقين الحسييرة حييين رأوا العييذاب الييذي ُأعيّد لهييم ,وجعلنييا الغلل فييي
وأسّر ُك ّ
أعناق الذين كفروا ,ل يعاَقبون بهذا العقاب إل بسبب كفرهييم بييال وعملهييم السيييئات فييي
الدنيا .وفي الية تحذير شديد من متابعة دعاة الضلل وأئمة الطغيان.
ُ َ
ه س هل ْت ُ ْ
م ب ِه ِ مت َْرُفوهَهها إ ِن ّهها ب ِ َ
مهها أْر ِ ذيرٍ إ ِل ّ َقا َ
ل ُ ن نَ ِ سل َْنا ِفي قَْري َةٍ ِ
م ْ ما أْر َوَ َ
ن )(34 كافُِرو ََ
وما أرسلنا في قرية من رسول يدعو الى توحيد ال وإفراده بالعبادة ,إل قال المنغمسييون
في اللذات والشهوات من أهلها :إّنا بالذي جئتم به -أيها الرسل -جاحدون.
847
َ َ وَقاُلوا نح َ
معَذ ِّبي َ
ن )(35 ن بِ ُ
ح ُ وال ً وَأْولدا ً وَ َ
ما ن َ ْ ن أك ْث َُر أ ْ
م َ َ ْ ُ َ
وقالوا :نحن أكثر منكم أموال وأولًدا ,وال لم يعطنا هذه النعم إل لرضاه عنا ,وميا نحين
بمعّذبين في الدنيا ول في الخرة.
َ َ
ن
مه َ
نآ َمه ْعن ْهد ََنا ُزل َْفههى إ ِل ّ َ م ب ِههال ِّتي ت َُقّرب ُك ُه ْ
م ِ م َول أْولد ُك ُه ْ وال ُك ُ ْ
َ م
ما أ ْ وَ َ
ُ
مل ُههوا وَهُ ه ْ
م فِههي مهها عَ ِف بِ َ ض هع ْ ِ
ج هَزاُء ال ّ م َ ك ل َهُ ه ْصههاِلحا ً فَ هأوْل َئ ِ َل َ مه َوَعَ ِ
ن )(37 مُنو َ تآ ِ ال ْغُُرَفا ِ
وليست أموالكم ول أولدكم بالتي تقربكم عندنا قربى ,وترفع درجاتكم ,لكن َمن آمن بال
حا فهؤلء لهم ثواب الضعف مين الحسينات ,فالحسينة بعشير أمثالهيا إليى ميا
وعمل صال ً
يشاء ال من الزيادة ,وهم في أعالي الجنة آمنون من العذاب والموت والحزان.
ن)
ضهُرو َ
ح َ
م ْ
ب ُ
ذا ِ ن أ ُوْل َئ ِ َ
ك فِههي ال ْعَه َ زي َ
ج ِ
مَعا ِ
ن ِفي آَيات َِنا ُ
سعَوْ َ
ن يَ ْ َوال ّ ِ
ذي َ
(38
والذين يسعون في إبطال حججنا ,ويصدون عن سبيل الي مشيياقين مغييالبين ,هييؤلء فييي
عذاب جهنم يوم القيامة ,تحضرهم الزبانية ,فل يخرجون منها.
848
أمركم به فهو يعوضه لكم في الدنيا بالبدل ,وفي الخييرة بييالثواب ,وهييو -سييبحانه -خييير
الرازقين ,فاطلبوا الرزق منه وحده ,واسَعوا في السباب التي أمركم بها.
م ن أ َك ْث َُر ُ
ههه ْ ن ال ْ ِ
جهه ّ دو َ ل َ
كاُنوا ي َعْب ُ ُ م بَ ْ
دون ِهِ ْ
ن ُ
م ْ
ت وَل ِي َّنا ِ
َقاُلوا سبحان َ َ
ك أن ْ َ ُ ْ َ َ
ن )(41 مُنو َ مؤ ْ ِ
م ُ
ب ِهِ ْ
قالت الملئكة :ننزهك يا أل عن أن يكون لك شريك في العبادة ,أنت ولّينييا الييذي نطيعييه
ونعبده وحده ,بل كان هؤلء يعبدون الشياطين ,أكثرهم بهم مصدقون ومطيعون.
ن ظ َل َ ُ
مهوا ل ل ِّله ِ
ذي َ ضهّرا ً وَن َُقهو ُ
ض ن َْفعها ً َول َ م ل ِب َعْ ٍ ضك ُ ْ مل ِ ُ
ك ب َعْ ُ م ل يَ ْ َفال ْي َوْ َ
ن )(42 م ب َِها ت ُك َذ ُّبو َ ب الّنارِ ال ِّتي ُ
كنت ُ ْ ذا َذوُقوا عَ َ ُ
ففي يوم الحشر ل يملك المعبودون للعابدين نفًعا ول ضّرا ,ونقول للييذين ظلمييوا أنفسييهم
بالشرك والمعاصي :ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون.
َ
صهد ّك ُ ْ
م ن يَ ُ
ريهد ُ أ ْ جه ٌ
ل يُ ِ ذا إ ِل ّ َر ُ
ما هَ َ ت َقاُلوا َ ذا ت ُت َْلى عَل َي ْهِ ْ
م آَيات َُنا ب َي َّنا ٍ وَإ ِ َ
نذي َل ال ّه ِ
مْفت َهًرى وَقَهها َ
ك ُذا إ ِل ّ إ ِفْه ٌ
مهها هَه َم وَقَههاُلوا َ ن ي َعْب ُد ُ آب َههاؤُك ُ ْ كا َ ما َ عَ ّ
ن )(43 مِبي ٌ حٌر ُ س ْذا إ ِل ّ ِ
ن هَ َم إِ ْ جاَءهُ ْ ما َ حقّ ل َ ّ ك ََفُروا ل ِل ْ َ
وإذا تتلى على كفيار "مكية" آييات الي واضيحات قيالوا :ميا محميد إل رجيل يرغيب أن
يمنعكم عن عبادة اللهة التي كان يعبدها آباؤكم ,وقالوا :ما هذا القرآن الييذي تتلييوه علينييا
ت به من عند نفسك ,وليس ِمن عند ال ,وقال الكفييار عيين -يا محمد -إل كذب مختلق ,جئ َ
القرآن لما جاءهم :ما هذا إل سحر واضح.
م قَب ْل َه َ َ
ذيرٍ )
ن ن َه ِ
مه ْ
ك ِ سل َْنا إ ِل َي ْهِ ْ
ما أْر َ
سون ََها وَ َ ن ك ُت ُ ٍ
ب ي َد ُْر ُ م ْ
م ِ
ما آت َي َْناهُ ْ
وَ َ
(44
849
وما أنزلنا على الكفار ِمن ُكُتب يقرؤونها قبل القرآن فتدلهم على ما يزعمييون ميين أن مييا
جاءهم به محمد سحر ,وما أرسلنا إليهم قبلك -أيها الرسول -من رسول ينذرهم بأسنا.
َ ما أ َ ِ
م ت َت ََفك ُّروا َ
ما موا ل ِل ّهِ َ
مث َْنى وَفَُراَدى ث ُ ّ ن ت َُقو ُ حد َةٍ أ ْ
وا ِ م بِ َ عظ ُك ُ ْ ل إ ِن ّ َقُ ْ
ديدٍ )(46 ش ِ ب َ ن ي َد َيْ عَ َ
ذا ٍ ذيٌر ل َك ُ ْ
م ب َي ْ َ ن هُوَ إ ِل ّ ن َ ِجن ّةٍ إ ِ ْن ِ م ْم ِ حب ِك ُ ْ صا ِبِ َ
قل -أيها الرسول -لهؤلء المكذبين المعاندين :إنما أنصح لكم بخصلة واحدة أن تنهضييوا
في طاعة ال اثنين اثنين وواحًدا واحًدا ,ثم تتفكروا في حال صيياحبكم رسييول الي صييلى
ال عليه وسلم وفيما نسب إليه ,فما به مين جنيون ,وميا هيو إل مخيّوف لكيم ,ونيذير مين
عذاب جهنم قبل أن تقاسوا حرها.
ري إ ِل ّ عََلى الل ّههِ وَهُهوَ عَل َههى ل ما سأ َل ْتك ُم من أ َجر فَهو ل َك ُم إن أ َ
ِ ج
ْ ْ ِ ْ قُ ْ َ َ ُ ْ ِ ْ ْ ٍ ُ َ
يٍء َ
شِهيد ٌ )(47 ل َ
ش ْ كُ ّ
قل -أيها الرسول -للكفار :ما سألتكم على الخير الييذي جئتكييم بييه مين أجيير فهييو لكييم ,مييا
طِلع على أعمالي وأعمالكم ,ل يخفى عليه شيييء فهييو أجري الذي أنتظره إل على ال الم ّ
ل بما يستحقه.
يجازي الجميع ,ك ّ
م ال ْغُُيو ِ
ب )(48 ف ِبال ْ َ
حقّ عَل ّ ُ ن َرّبي ي َْقذِ ُ قُ ْ
ل إِ ّ
قل -أيها الرسول -لمن أنكر التوحيد ورسالة السلم :إن ربي يقذف الباطييل بحجييج ميين
الحق ,فيفضحه ويهلكيه ,والي علم الغيييوب ,ل يخفيى علييه شييء فيي الرض ول فيي
السماء.
850
قل -أيها الرسول :-جههاء الحههق والشههرع العظيههم مههن اللههه ,وذهههب
ل سلطانه ,فلم يبق للباطل شيء يبدؤه ويعيده. الباطل واضمح ّ
َ
حي إ َِلهه ّ
ي ت فَب ِ َ
ما ُيو ِ ن اهْت َد َي ْ ُ ل عََلى ن َْف ِ
سي وَإ ِ ْ ض ّ
ما أ ِ ضل َل ْ ُ
ت فَإ ِن ّ َ ن َل إِ ْ قُ ْ
ب )(50 ري ٌ ميعٌ قَ ِ س ِ ه ََرّبي إ ِن ّ ُ
مْلت عن الحههق فههإثم ضههللي علههى نفسههي ,وإن اسههتقمت قل :إن ِ
ي ,إن ربههي سههميع لمهها أقههول لكههم,
عليه فبوحي الله الذي يوحيه إل ّ
قريب ممن دعاه وسأله.
ب )(51 ن قَ ِ
ري ٍ م َ
كا ٍ ن َ
م ْ
ذوا ِ ت وَأ ُ ِ
خ ُ وَل َوْ ت ََرى إ ِذ ْ فَزِ ُ
عوا َفل فَوْ َ
ولو ترى -أيها الرسول -إذ فَزِع َ الكفههار حيههن معههاينتهم عههذاب اللههه,
ما ,فل نجاة لهم ول مهرب ,وُأخذوا إلههى النههار مههن لرأيت أمًرا عظي ً
موضع قريب التناول.
َ
ن ب َِعيدٍ )(52 م َ
كا ٍ ن َ
م ْ
ش ِ مّنا ب ِهِ وَأّنى ل َهُ ْ
م الت َّناوُ ُ وََقاُلوا آ َ
وقههال الكفههار -عنههدما رأوا العههذاب فههي الخههرة :-آمنهها بههالله وكتبههه
ورسله ,وكيف لهم تناول اليمان في الخرة ووصولهم له من مكان
بعيد؟ قد حيل بينهم وبينه ,فمكانه الدنيا ,وقد كفروا فيها.
ن ب َِعيدٍ )(53 م َ
كا ٍ ن َ
م ْ ن ِبال ْغَي ْ ِ
ب ِ ل وَي َْقذُِفو َ
ن قَب ْ ُ وَقَد ْ ك ََفُروا ب ِهِ ِ
م ْ
وقد كفروا بالحق في الدنيا ,وكههذبوا الرسههل ,ويرمههون بههالظن مههن
جهة بعيدة عن إصابة الحق ,ليس لهم فيها مستند لظنهههم الباطههل,
فل سبيل لصابتهم الحق ,كما ل سبيل للرامي إلههى إصههابة الغههرض
من مكان بعيد.
م ن قَب ْه ُ
ل إ ِن ّهُه ْ مه ْ
م ِ
عه ِ ْ ل ب ِأ َ ْ
شهَيا ِ ن كَ َ
مهها فُعِه َ ما ي َ ْ
شت َُهو َ ن َم وَب َي ْ َ حي َ
ل ب َي ْن َهُ ْ وَ ِ
ب )(54 ري ٍ
م ِك ُ ش ّكاُنوا ِفي َ َ
وحيل بين الكفار وما يشتهون من التوبة والعودة إلى الدنيا ليؤمنوا,
851
كما فعل الله بأمثالهم مههن كفههرة المههم السههابقة ,إنهههم كههانوا فههي
دث للريبههةحه ِ
م ْ
ك من أمر الرسههل والبعههث والحسههابُ , ش ّ
الدنيا في َ
والقلق ,فلذلك لم يؤمنوا.
-35سورة فاطر
سه ْ
ك َفل م ِ ك ل َهَهها وَ َ
مها ي ُ ْ سه َ
م ِ مهةٍ َفل ُ
م ْ ح َ
ن َر ْ مه ْس ِه ِللن ّهها ِح الّله ُمها ي َْفَته ْ
َ
م )(2كي ُ
ح ِ ْ
زيُز ال َ ْ
ن ب َعْدِهِ وَهُوَ العَ ِم ْه ِ َ
لل ُ س َ مْر ُِ
ما يفتح الله للناس من رزق ومطههر وصههحة وعلههم وغيههر ذلههك مههن
النعم ,فل أحد يقدر أن يمسك هههذه الرحمههة ,ومهها يمسههك منههها فل
أحد يستطيع أن يرسلها بعده سبحانه وتعههالى .وهههو العزيههز القههاهر
لكل شيء ,الحكيم الذي يرسل الرحمة ويمسكها وَْفق حكمته.
852
صَرفون عن توحيده وعبادته؟
له ,فكيف ت ُ ْ
َ
حَياةُ ال هد ّن َْيا َول ي َغُّرن ّك ُه ْ
م م ال ْ َ حقّ َفل ت َغُّرن ّك ُ ْ ن وَعْد َ الل ّهِ َ س إِ ّ
َيا أي َّها الّنا ُ
عومهها ي َهد ْ ُذوهُ عَهد ُوّا ً إ ِن ّ َ
خه ُم عَهد ُوّ َفات ّ ِ ن ل َك ُ ْطا َشي ْ َن ال ّ ِبالل ّهِ ال ْغَُروُر ) (5إ ِ ّ
كونوا م َ
سِعيرِ )(6 ب ال ّ حا ِص َنأ ْ ِ ْ ه ل ِي َ ُ ُ
حْزب َ ُ
ِ
يا أيها الناس إن و