You are on page 1of 74

‫‪http://www.sonsofi.org/templates/fekh%201.

html‬‬

‫فقه الرهاب‬
‫مقدمة‬

‫الصوليون في كل مكان يرفضون مكتشفات علم البيولوجيا والفيزياء‬


‫بشأن أصل الحياة ونشأتها ويرفضون البداع الحر ‪ ..‬والحوار الموضوعي ‪..‬‬
‫والفن الجميل ‪ ..‬والدب الراقي والختيار الحر والنقد الجريء للتابوهات‬
‫(المقدسات)‪.‬‬

‫يرفضون أعظم حقيقة في الوجود حقيقة النسان العاقل !! النسان الذي‬


‫يسأل ‪ ..‬ويصغي ‪ ..‬ويفكر ويبحث ‪ ..‬ونبدع ‪ ..‬ونقلق ‪ ..‬ونسهر ويختلف ‪..‬‬
‫ويتألم ‪ ..‬ويبكي ‪ ..‬لكي يصل إلى الجابات على أسئلته العادية والمألوفة‬
‫والغير مألوفة ‪ ..‬الكونية والفوق كونية ‪ 00‬أسئلته المصيرية يرفضون أن الله‬
‫كلي العقل ‪ ..‬خلق النسان عاقل وهذا ما يميزنا عن بقية الكائنات‪.‬‬
‫الصوليون هم الصوليون في كل مكان وفي كل زمان رمز لمن ل يسمع ‪..‬‬
‫من ل يتكلم ‪ ..‬من ل يرى !!‬

‫وإليك بعض من هذه الشذرات الصولية التي حاولنا أن نرصدها بكل‬


‫موضوعية ونزاهة ومحايدة لكي ل يأتيها باطل من بين أيدينا أو من خلفنا‬
‫فينيرها ‪.‬‬

‫هذا الكتاب محاولة تسجيلية لرصد مناطق في الخريطة الصولية في‬


‫مجتمعنا العربي والمجتمع العالمي ‪.‬‬

‫محاولة منا أن نلقي الضوء على أسباب رجعيتنا وتخلفنا ومستقبلنا‬


‫المنتظر‪ ..‬هذا المهدي الذي إذا أتى سوف ل نُبقي على أخضر ول يابس‬
‫رصد يحمل صرخة تحذير من هذا المارد المخبأ أسفل جلودنا ‪..‬تحت أسرتنا‬
‫‪ ..‬في الطعمة الحلل وعبر الثير الذي مازال يلوث بيئتنا ولن يهدأ إل‬
‫عندما تصبح الرؤية معتمة ‪ ..‬والهواء نقي نبحث عنه ول نجده في أسواقنا‬
‫التي دُنست وبيعت في مزاد الرقيق ‪ ..‬حيث حصار الجنة بأسوار الترغيب ‪..‬‬
‫وحصار النار بأنياب الترهيب ‪ ..‬حيث المسيخ الدجال ‪ ..‬والنبياء الكذبة ‪..‬‬
‫وجحور الثعابين المليئة بالسم ‪ ..‬المـقنعة بثياب الحملن‪ .‬انتبهوا ‪ ..‬و‬
‫أحذروا فشبح الماضي يستجمع قواه الن يستنهض الن ‪ ..‬يلملم رياحه‬
‫الربعة ‪ ..‬فسر الثم على وشك القيامة ‪..‬‬

‫فاسهروا وصلوا وابدعوا وابنوا لنه حان الوقت !!‬

‫إهداء‬

‫للباحثين عن الحقيقة !!‬


‫إذا كنت ممن هواه الخروج عن العادي والمألوف‬
‫إذا كنت من محترفي تعدي الخطوط الحمراء ‪ ..‬والرقص على اللغام‬
‫ومداعبة الشواك المتعصبة والمعصومة‬
‫إذا كنت ل تخاف التابوهات والهالت المزيفة والحقيقية‬
‫إذا كنت مخلوقا ً حرا ً ‪ ..‬تعشق التحليق والجنات التي بل أسوار وتجذبك‬
‫الهاوية والمغامرة والخطار‬
‫إذا كنت باحث عن الحقيقة الغير متوارثة ‪ ..‬بل ترهيب وبل أدنى ترغيب‬
‫إذا كنت تعرف قيمة الحوار الموضوعي ‪ ..‬والبحث المحايد‬
‫إذا كنت تعلم إن كل ما نجهله نحاربه ‪ ..‬ونخاف منه ولذلك ما أتعس الجهلء‬
‫إذا كنت تؤمن بالحلم الموقوتة التي تنفجر بين الحين والخر‬
‫إذا كنت تعرف أنه ل فائدة لو ربح النسان العالم كله وخسر نفسه ‪..‬‬
‫إذا كنت تؤمن بالحرية والعدالة والمساواة ‪ ..‬ثالوث الحياة الحرة والشريفة‬
‫والكريمة ‪ ..‬التي ينبغي أن تعاش‬
‫إذا كنت تؤمن إن الجهل في الوطن غربة وإن العلم في الغربة وطن إن‬
‫النتهاك في الوطن غربة وأن حقوقك وكرامتك في الغربة وطن‬
‫إن القيود في الوطن غربة والحرية في الغربة وطن الوطن شئ عظيم …‬
‫والنسان عظيم جدا ً والله كلي العظمة‬
‫إذا كنت تؤمن إن الوطن الحقيقي ل يمكن أن يكون ضد مواطنيه وإن الله‬
‫الحقيقي ل يمكن أن يكون ضد خلئقه ‪ ..‬مؤمنين أو كفار طائعين أو‬
‫متمردين الوطن الحقيقي يساوي بين الجميع والله الحقيقي يحب الجميع‬
‫إذا كنت تؤمن ببعض أو كل هذا ‪ ..‬أو تبحث عنه فتعال وانظر ……‬

‫*************‬

‫مقدمة الكتاب‬

‫النفاق‪ ،‬الرهاب‪ ،‬العنصرية‪ .‬ثلثة آفات ذميمة وخطيرة قام عليها وانتشر‬
‫من خللها السلم‪.‬‬

‫النفاق في السلم وسيلة ‪ ,‬والرهاب لغة حوار‪ ,‬والعنصرية نمط عيش‪.‬‬

‫من المؤكد أن الذين ل يعرفون حقيقة السلم‪ ،‬ول حقيقة علومه الشرعية‬
‫المختلفة سيتهمونني بالفتراء والتهجم على السلم‪ .‬لهؤلء جميعا ً أقول‪:‬‬
‫ليس هدفي التقبيح والتجريح في السلم ول الطعن والتشكيك في رموزه‬
‫الدينية‪ ،‬بل هدفي هو إظهار السلم كما هو في حقيقته وجوهره دون‬
‫زيادة ول نقصان‪.‬‬

‫الذين لم يذوقوا مرارة السلم ل يعرفون السلم‪ .‬السلم مر المذاق‪.‬‬


‫مرارة السلم ل يعادلها إل مرارة الموت‪ .‬الموت والسلم لهما نفس‬
‫الطعم ونفس المذاق‪ .‬لم تحمل البشرية بجميع ويلتها ونكباتها حمل ً أثقل‬
‫من السلم‪ .‬إنه حمل البشرية الثقل‪ .‬إنها الحقيقة؛ حقيقة أعلنها السلم‬
‫بنفسه عن نفسه بشكل واضح وصريح وذلك من خلل قرآنه وعلى لسان‬
‫نبيه‪ .‬ولكي ل يتهمني أحد قليلي المعرفة بالفتراء والتهجم على السلم‪،‬‬
‫دعوني أبين وأبرهن لكم حقيقة دعواي معتمدا ً في ذلك على القرآن وعلى‬
‫السنة والسيرة النبوية وعلى آراء وأقوال أكبر وأشهر علماء المسلمين‬
‫قديما ً وحديثاً‪ .‬فلصحاب الفضيلة في هذا الخصوص المقام الول بعد‬
‫القرآن والسنة‪ .‬فعليهم اعتمدنا وإليهم رجعنا وبهم استعنا‪.‬‬

‫الشيخ المقديسي‬
‫الفصل الول‬

‫ـ النفاق ـ‬

‫‪ .1‬موقف القرآن والسنة من الكذب‬


‫‪ .2‬معنى التقية‬
‫‪ .3‬نماذج من التقية‬
‫ـ المثل الول‪ :‬في من آذى الرسول ـ نماذج من أحكام الذين آذوا‬
‫الرسول‬
‫ـ المثل الثاني‪ :‬كيف يتم ترويج سلعة السلم‬
‫‪ .4‬اليات المنسوخة‬
‫‪ .5‬مراحل تشريع القتال‬
‫ـ موقف القرآن والسنة من الكذب ـ‬
‫اعلم هداك الله وحماك من شر المنافقين أن القرآن أباح للمسلمين‬
‫الكذب والنفاق خصوصا ً إذا كان في ذلك مصلحة ونصرة للسلم‬
‫وللمسلمين‪ .‬وقد جاءت الرخصة القرآنية بالكذب والنفاق في أكثر من‬
‫سورة منها‪:‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن{‬
‫ن باليما ِ ْ‬ ‫مط ْ َ‬
‫مئ ٌ‬ ‫ه ُ‬ ‫و َ‬
‫قلب ُ ُ‬ ‫ن أك ْ ِ‬
‫رهَ َ‬ ‫ه إل ّ َ‬
‫م ْ‬ ‫د إيمان ِ ِ‬
‫ع ِ‬
‫ن بَ ْ‬
‫م ْ‬
‫ه ِ‬ ‫ن كَ َ‬
‫فَر بالل ِ‬ ‫م ْ‬
‫‪َ } .6‬‬
‫سورة النحل ‪.106‬‬

‫أجمع علماء السلم أن هذه الية نزلت في عمار بن ياسر حين أعطى‬
‫الكافرين ما أرادوا بلسانه مكرهاً‪.‬‬

‫قال ابن عباس‪ :‬أخذه المشركون (عمار بن ياسر) وأخذوا أباه وأمه‬
‫سمية وصهيب وبلل وخباب وسالم فعذبوهم‪ ،‬وربطت سمية بين بعيرين‪،‬‬
‫وقيل لها إنك أُسلمت من أجل الرجال‪ .‬فقتلت وقتل زوجها ياسر‪ ،‬وهما‬
‫أول قتيلين في السلم‪ .‬وأما عمار فأعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرهاً‪،‬‬
‫فشكا ذلك إلى رسول الله‪ ،‬فقال له رسول الله‪( :‬كيف تجد قلبك؟) قال‪:‬‬
‫مطمئن باليمان‪ .‬فقال رسول الله‪( :‬فإن عادوا فعد) ‪ -‬راجع تفسير آية‬
‫سورة النحل للطبري‪.‬‬

‫قفت عليه من كتب التفسير وغيرها متفق‬ ‫وبالجملة‪ ،‬فإن جميع ما و َ‬


‫على نزول الية بشأن عمار بن ياسر وأصحابه الذين وافقوا المشركين على‬
‫ما أرادوا‪ .‬راجع‪ :‬تفسير الواحدي ‪ 466 :1‬مطبوع بهامش تفسير النووي ‪-‬‬
‫والمبسوط للسرخسي ‪ - 25 :24‬والكشاف للزمخشري (باب حقائق التنزيل)‬
‫‪ – 550 - 449- 432 :2‬والمحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لبن عطية‬
‫الندلسي ‪ 234 :10‬ـ ‪ - 235‬وأحكام القرآن لبن العربي ‪ 1177 :2‬ـ ‪( 1182‬وفيه‬
‫كلم طويل عن التقية)‪.‬‬

‫قالوا‪" :‬لما سمح الله عز وجل بالكفر به وهو أصل الشريعة عند الكراه‪،‬‬
‫فإذا وقع الكراه لم يؤاخذ به ولم يترتب عليه حكم‪ ،‬وبه جاء الثر المشهور‬
‫عن النبي‪( :‬رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)" متفق عليه‬
‫‪ -‬راجع تفسير الطبري في شرحه لية النحل ‪.106‬‬

‫أجمع علماء المسلمين على أن من أكره على الكفر حتى خشي على‬
‫نفسه القتل‪ ،‬أنه ل إثم عليه إن كفر وقلبه مطمئن باليمان‪ .‬إذن لقد أباح‬
‫القرآن للمسلمين الكذب والنفاق في حالة وقوع الكراه على المسلم‪.‬‬
‫ودليلنا قوله‪:‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ن باليما ِ‬ ‫مطْ َ‬
‫مئ ٌ‬ ‫ه ُ‬ ‫و َ‬
‫قلب ُ ُ‬ ‫ن أك ْ ِ‬
‫رهَ َ‬ ‫ه إل ّ َ‬
‫م ْ‬ ‫د إيمان ِ ِ‬
‫ع ِ‬
‫ن بَ ْ‬
‫م ْ‬
‫ه ِ‬ ‫ن كَ َ‬
‫فَر بالل ِ‬ ‫م ْ‬
‫} َ‬
‫{ النحل ‪.106‬‬
‫ونحن إذ نتعرض هنا للدلة القرآنية الدالة على مشروعية الكذب‬
‫والنفاق في السلم‪ ،‬نود التذكير بأن الدليل الواحد المعتبر الدال على صحة‬
‫فرت مع إثباتها أدلة قرآنية كثيرة لم‬‫قضية يكفي لثباتها‪ ،‬فكيف لو تو ّ‬
‫يُختَلَف في تفسيرها لنها محكمة (أي واضحة المعنى والحكم) يُنبئ ظاهرها‬
‫عن حقيقتها ول مجال للتأويل فيها ؟!‬
‫ل ذل ِ َ‬
‫ك‬ ‫ع ْ‬‫ف َ‬‫من ي َ ْ‬ ‫و َ‬
‫ن َ‬
‫مني َ‬ ‫مؤ ِ‬‫ن ال ُ‬ ‫دو ِ‬‫ن ُ‬ ‫م ْ‬‫ن أوليَاءَ ِ‬ ‫فري َ‬‫ن الكا ِ‬‫منُو َ‬
‫مؤ ِ‬
‫ذ ال ُ‬ ‫‪ } .7‬ل يَت َّ ِ‬
‫خ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه…‬ ‫س ُ‬‫ف َ‬ ‫ه نَ ْ‬
‫م الل ُ‬ ‫ُ‬
‫ذُّرك ُ‬
‫ح ِ‬‫وي ُ َ‬
‫ة َ‬‫قي ً‬‫م تُ َ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫ن تَت ّ ُ‬
‫قوا ِ‬ ‫ّ‬
‫ء إل أ ْ‬‫ه في شي ٍ‬ ‫ن الل ِ‬ ‫م َ‬ ‫فلَي ْ َ‬
‫س ِ‬ ‫َ‬
‫{ آل عمران‪28 :‬‬

‫إنها التقية بحسب المصطلح السلمي‪.‬‬

‫وهي الهم لكونها القاعدة الساسية والشرعية الذي ينطلق منها‬


‫المسلمون في تعاملهم مع غير المسلمين‪.‬‬

‫لقد أخرج الطبري في تفسير هذه الية من عدة طرق‪ ،‬عن ابن عباس‪،‬‬
‫والحسن البصري‪ ،‬والسدي‪ ،‬وعكرمة مولى ابن عباس‪ ،‬ومجاهد ابن جبر‪،‬‬
‫والضحاك بن مزاحم‪ ،‬جواز التقية في ارتكاب المعصية عند الكراه عليها‬
‫كاتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين في حالة كون المتقي في‬
‫سلطان الكافرين ويخافهم على نفسه‪ ،‬وكذلك جواز التلفظ بما هو لله‬
‫معصية بشرط أن يكون القلب مطمئنا ً باليمان‪ ،‬فهنا ل إثم عليه ‪ -‬تفسير‬
‫الطبري (جامع البيان عن تأويل آيات القرآن) ‪ 313 :6‬ـ ‪. 317‬‬

‫هذا مع اعتراف سائر المسلمين بأن الية لم تُنسخ فهي على حكمها‬
‫ن التقية‬‫منذ نزولها وإلى يوم القيامة‪ ،‬ولهذا كان الحسن البصري يقول‪( :‬إ َّ‬
‫جائزة إلى يوم القيامة) ‪ -‬حكاه الفقيه السرخسي الحنفي‪ ،‬وقال معقباً‪:‬‬
‫(وبه نأخذ‪ ،‬والتقية أن يقي نفسه من العقوبة بما يظهره وإن كان يضمر‬
‫خلفه) ‪ -‬المبسوط للسرخسي ‪ 45 : 24‬من كتاب الكراه‪.‬‬

‫قبل أن أستكمل استعراضي لقوال مفسري القرآن في شرحهم لية‬


‫(التقية) سورة آل عمران ‪ .28‬دعوني أبين لكم المعنى اللغوي والشرعي‬
‫للتقية (النفاق الشرعي)‪ .‬وبعض الحالت التي أُجيز فيها للمسلم استعمال‬
‫التقية‪.‬‬

‫***‬

‫ـ تعريف التقية (النفاق الشرعي) ـ‬

‫‪ .8‬التقية في اللغة‪ :‬الحيطة والحذر من الضرر والتوقي منه ‪ -‬راجع‪ :‬تاج‬


‫العروس ‪.396 : 10‬‬

‫‪ .9‬قال ابن منظور‪ :‬ويظهرون الصلح والتفاق وباطنهم بخلف ذلك ‪-‬‬
‫لسان العرب ‪ -‬راجع أيضا ً المصباح المنير للفيومي ‪ - 669 :2‬وأساس البلغة‬
‫للزمخشري ‪.686‬‬

‫وفي الصطلح فقد عّرفها جمع من علماء المسلمين بألفاظ متقاربة ‪:‬‬

‫‪ .10‬عّرفها الشيخ النصاري بـ (الحفظ عن ضرر الغير بموافقته في قول‬


‫أو فعل مخالف للحق) – تصحيح العتقاد للشيخ المفيد‪ – 66 :‬التقية للشيخ‬
‫النصاري‪.37 :‬‬

‫‪ .11‬وقال السرخسي الحنفي‪( :‬والتقية‪ :‬أن يقي نفسه من العقوبة وإن‬


‫كان يضمر خلفه) ‪ -‬المبسوط للسرخسي ‪ .45 :24‬وبهذا النحو عّرفها آخرون‬
‫‪ -‬راجع تعريف التقية عند ابن حجر العسقلني في فتح الباري بشرح صحيح‬
‫البخاري ‪ - 136 :12‬وعز الدين عبد العزيز بن عبد السلم السلمي في قواعد‬
‫الحكام في مصالح النام ‪ - 107 :1‬واللوسي في روح المعاني ‪- 121 :3‬‬
‫والمراغي في تفسيره ‪ - 137 :3‬ومحمد رشيد رضا في تفسير المنار ‪280 :3‬‬
‫وغيرهم‪ .‬وأيضا ً راجع التقية في إطارها الفقهي ص ‪.17‬‬

‫‪ .12‬قال الرازي في تفسيره لية سورة آل عمران ‪} :28‬إل أن تتقوا منهم‬


‫تقية{ اعلم أن للتقية أحكاما ً كثيرة نذكر منها‪ :‬أن التقية إنما تكون إذا كان‬
‫الرجل في قوم كفار‪ ،‬يخاف منهم على نفسه وماله فيداريهم باللسان بأن‬
‫ل يظهر العداوة باللسان بل يجوز أيضا ً أن يظهر الكلم الموهم للمحبة‬
‫والموالة‪ ،‬ولكن بشرط أن يضمر خلفه وأن يعرض في كل ما يقول‪ ،‬فإن‬
‫للتقية تأثيرها في الظاهر ل في أحوال القلوب ‪ -‬راجع تفسير الرازي ‪. 8/13‬‬

‫كما وافقه في ذلك الزمخشري‪ ،‬راجع تفسير الكشاف ‪ - 1/422‬وتفسير‬


‫غريب القرآن للنيسابوري بهامش تفسير الطبري ‪ .1/277‬وأيضا ً النسفي ‪-‬‬
‫راجع تفسير النسفي بهامش تفسير الخازن ‪.1/27‬‬

‫وقد ذهبت طائفة من علماء المسلمين إلى أن الرخصة إنما جاءت في‬
‫القول‪ ،‬وأما الفعل فل رخصة فيه‪.‬‬

‫واحتج من قصر الرخصة على القول بقول ابن مسعود‪ :‬ما من كلم يدرأ‬
‫عني سوطين من ذي سلطان إل كنت متكلما ً به فقصر الرخصة على القول‬
‫ولم يذكر الفعل‪ .‬قال أبو العالية‪ :‬التقية باللسان وليس بالعمل‪ .‬عن الحسن‬
‫قال‪ :‬سمعت أبا معاذ قال‪ :‬إن التقية باللسان من حمل على أمر يتكلم به‬
‫وهو لله معصية فتكلم مخافة على نفسه }وقلبه مطمئن باليمان{ فل إثم‬
‫عليه ‪ -‬راجع‪ :‬جامع البيان ‪.3/153‬‬

‫وقالت طائفة‪ :‬الكراه في الفعل والقول سواء‪ُ .‬روي ذلك عن عمر بن‬
‫الخطاب‪.‬‬

‫ه)‪ ،‬والسم‪( :‬الكَرهُ) ويُراد‬‫ة مأخوذ من الفعل (كََر َ‬ ‫أصل الكراه في اللغ ً‬
‫ُ‬
‫به كل ما أكرهك غيرك عليه‪ ،‬بمعنى‪ :‬أقهرك عليه‪ .‬وأما (الكْره) فهو‬
‫ه‪ ،‬أي‪ :‬على مشقة ‪ -‬راجع لسان العرب لبن‬ ‫المشقة‪ ،‬يُقال‪ :‬قمت على كُْر ٍ‬
‫منظور ‪12:80‬‬

‫ما في الصطلح‪ :‬فقد عّرفه التفتازاني بأنه‪( :‬حمل الغير على أن‬ ‫‪ .13‬وأ ّ‬
‫يفعل ما ل يرضاه) ‪ -‬التلويح على التوضيح لسعد الدين التفتازاني ‪196 : 2‬‬
‫طبعة مصر‪ ،‬وأيضا ً السرخسي الحنفي ‪ -‬راجع المبسوط للسرخسي ‪38 :24‬‬
‫من كتاب الكراه‪ .‬كما عّرفه عبد العزيز البخاري الحنفي بقوله‪ :‬هو (حمل‬
‫ر يمتنع عنه بتخويف يقدر الحامل على إيقاعه‪ ،‬ويصير الغير‬ ‫الغير على أم ٍ‬
‫خائفا ً به) ‪ -‬كشف السرار لعبد العزيز البخاري ‪.4/1503‬‬

‫‪ .14‬روى ابن القاسم عن مالك أن من أُكره على شرب الخمر وترك الصلة‬
‫أو الفطار في رمضان‪ ،‬يكون الثم عنه مرفوع‪.‬‬
‫‪ .15‬وقال إسماعيل حقي في تفسيره روح البيان ‪ 5/84‬في تفسيره لية }‬
‫إل من أكره{ أي من أُجبر على ذلك التلفظ بأمر يخاف على نفسه‪ ،‬أو على‬
‫عضو من أعضائه لن الكفر اعتقاد والكراه على القول دون العتقاد‪،‬‬
‫مكره على الكفر باللسان }وقلبه مطمئن باليمان{ لم‬ ‫والمعنى لكن ال ُ‬
‫تتغير عقيدته‪ .‬وفيه دليل على أن اليمان المنجي المعتبر عند الله هو‬
‫التصديق بالقلب ‪ -‬راجع المصدر المذكور‪.‬‬

‫‪ .16‬والتقية‪ :‬هي أيضا ً الحذر من إظهار ما في النفس من معتقد للغير‪.‬‬


‫راجع‪ :‬فتح الباري ‪ – 136 /12‬راجع تفسير آيات الحكام للصابوني ‪.1/40‬‬

‫‪ .17‬قال المراغي في تفسيره لية آل عمران ‪ :28‬التقية هي أن تقول أو‬


‫تفعل غير ما تعتقد لتدفع الضرر عن نفسك أو مالك أو لتحتفظ بكرامتك‬
‫والتقية اسم مصدر من تقى يتقي‪ ،‬أو من اتقى يتقي ‪ -‬راجع‪ :‬روح البيان ‪/5‬‬
‫‪ .137– 136‬الموالة) ‪ -‬أضواء البيان ‪.111 /2‬‬

‫‪ .18‬قال ابن حجر (التقيــة‪ :‬الحــذر من إظهــار ما في النفــس من‬


‫معتقــد وغيــره للغـير) ‪ -‬فتح الباري ‪314 /12‬‬

‫‪ .19‬وقال ابن القيم (ومعلــوم أن التقــية ليســت بمــوالة ولكـن لما‬


‫نهاهــم اللـه عن مـوالة الكفار اقتضى ذلك معاداتهم والبراءة منهم‬
‫ومجاهرتهم بالعدوان في كل حال إل إذا خافوا من شرهم فأباح لهم‬
‫التقية‪ ،‬وليست التقية بموالة) ‪ -‬بدائع الفوائد لبن القيم‪.69 /3 ،‬‬

‫‪ .20‬وقال الشيــخ عبد اللطيــف بن عبد الرحمــن آل الشــيخ‪( :‬ومسألــة‬


‫إظهــار العــداوة غيـر مسألـة وجود العداوة‪( ،‬فالول) يعذر به مع الخوف‬
‫والعجز لقوله تعالى }إل أن تتقوا منهم تقاة{‪( ،‬والثاني) لبد منه لنه يدخل‬
‫ي ل ينفك عن‬ ‫في الكفر بالطاغوت‪ ،‬وبينه وبين حب الله ورسوله تلزم كُل ِ ّ‬
‫المؤمن) ‪ -‬الرسائل المفيدة للشيخ عبد اللطيف‪ ،‬جمع سليمان بن سحمان‬
‫صـ ‪ .284‬يريد الشيخ أن وجود معاداة الكفار في قلب المؤمن (المسلم)‬
‫وإظهار هذه المعاداة للكفار واجبان‪ ،‬والواجب الول – وهو وجود العداوة –‬
‫لبد منه في كل حال‪ ،‬أما الخر – وهو إظهار العداوة ‪ -‬فيجوز تركه عند‬
‫م بذلك أن التقية تجيز إخفاء معاداة‬‫عل ِ َ‬
‫الخوف منهم للية المذكورة‪ .‬ف ُ‬
‫الكفار‪ ،‬وهو نفس كلم ابن القيم‪ ،‬وهو يرجع إلى ما ذكره ابن حجر من أن‬
‫التقية هي الحذر من إظهار ما في النفس‪ ،‬وهو هنا معاداة الكفار‪ ،‬فالتقية‬
‫إخفاء معاداة الكفار‪.‬‬

‫‪ .21‬وقيل أيضاً‪ :‬إن المؤمن إذا كان قائما ً بين الكفار فله أن يداريهم‬
‫باللسان إذا كان خائفا ً على نفسه وقلبه مطمئن باليمان‪ .‬والتقية ل تحل‬
‫إل مع خوف القتل أو القطع أو اليذاء العظيم) ‪ -‬تفسير القرطبي ‪.57 /4‬‬

‫‪ .22‬وهكذا ذهب ابن كثير أيضاً‪ ،‬كما قال البخاري عن أبي الدرداء أنه قال‬
‫شُر في وجوه أقوام وقلوبنا تلعنهم"‪ .‬وقال البخاري‪ :‬قال الحسن‪:‬‬ ‫"إنا لنُك ْ ِ‬
‫التقية إلى يوم القيامة) ‪ -‬تفسير ابن كثير ‪.1/357‬‬

‫‪ .23‬ولقد اختلف المسلمون في مقدار الضرر (الكراه) الذي يبيح للمسلم‬


‫العمل بالتقية فقالوا‪ :‬إن القتل وإتلف العضاء والضرب الشديد والحبس‬
‫الطويل مبيح للعمل بالتقية‪ .‬لكنهم اختلفوا في الضرب اليسير والحبس‬
‫كيوم أو يومين ‪ -‬راجع‪ :‬فتح الباري ‪.12/262‬‬

‫‪ .24‬لم تقف رخصة النفاق الشرعي (التقية) عند حد السماح للمسلم أن‬
‫يكفر بالله وقلبه مطمئن باليمان عند الكراه‪ ،‬بل شملت التقية حالت غير‬
‫الكفر بالله‪ ،‬مثال على ذلك‪ :‬تجويزهم السجود إلى الصنم في ما لو أُكره‬
‫المسلم عليه ‪ -‬راجع الجامع لحكام القرآن للقرطبي ‪ - 180 : 10‬وتفسير ابن‬
‫جزي الكلبي المالكي‪ 366 :‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪.‬‬

‫‪ .1‬جواز ترك الصلة تقية ‪ :‬تفق المالكية والحنفية والشافعية على جواز‬
‫ترك الصلة المفروضة في ما لو أُكره المسلم على تركها ‪ -‬راجع‪ :‬الجامع‬
‫لحكام القرآن للقرطبي المالكي ‪ 180 :10‬وما بعدها ‪ -‬والمبسوط‬
‫للسرخسي الحنفي ‪ - 4 : 24‬والشباه والنظائر للسيوطي الشافعي ‪.208-207‬‬

‫‪ .2‬جوازها في الزنا ‪ :‬إذا أُكره الرجل على ارتكاب هذه الجريمة‪ ،‬واتقى‬
‫على نفسه بارتكابها فهل يسقط الحد عليه أو ل؟‬

‫اختلفوا على قولين‪ :‬أحدهما سقوط الحد عنه‪ ،‬وهو قول القرطبي‬
‫المالكي – راجع الجامع لحكام القرآن ‪ – 180 :10‬وابن العربي المالكي‪،‬‬
‫أحكام القرآن لبن العربي ‪ 1177 :3‬و ‪ – 1182‬والفرغاني الحنفي‪ ،‬بدائع‬
‫الصنائع ‪ 175 :7‬ـ ‪ - 191‬وابن قدامة الحنبلي‪ ،‬المغني لبن قدامة ‪412 :5‬‬
‫مسألة‪ - 3971 :‬وابن حزم‪ ،‬المحلّى ‪ 331 :8‬مسألة ‪.1405‬‬

‫وقال أبو حنيفة‪ :‬يسقط الحد إن كان الكراه من السلطان‪ ،‬وإل ّ ُ‬


‫حدّ‬
‫استحسانا ً ‪ -‬راجع بدائع الصنائع ‪191 175 :7‬‬

‫وأما الخر‪ :‬إقامة الحد على الزاني تقية ويغّرم مهرها‪ ،‬وهو قول مالك‬
‫بن أنس‪ ،‬والشافعي‪ .‬وقال أبو حنيفة ل يجب المهر – المغني لبن قدامة‬
‫‪ 155‬مسألة ‪.7167‬‬

‫‪ .3‬جواز الفطار في شهر رمضان تقية ‪ :‬صرحت المالكية والحنفية‬


‫والشافعية بعدم ترتب الثم على من أفطر في شهر رمضان تقية بسبب‬
‫ضغط الكراه عليه ‪ -‬الجامع لحكام القرآن ‪ - 10:180‬والمبسوط للسرخسي‬
‫‪ - 48 :24‬وفتاوى قاضيخان الفرغاني الحنفي ‪ - 487 :5‬والشباه والنظائر‬
‫للسيوطي الشافعي ‪ 207‬ـ ‪208‬‬

‫‪ .4‬جوازها في اليمين الكاذبة ‪ :‬لو حلف إنسان بالله كاذبا ً فل كفارة عليه‬
‫إن كان مكرها ً على اليمين‪ ،‬وله ذلك تقية على نفسه‪ ،‬وتكون يمينه غير‬
‫ملزمة عند مالك والشافعي وأبي ثور‪ ،‬وأكثر العلماء على حد تعبير النووي‬
‫الشافعي‪ .‬واستدل بحديث‪( :‬ليس على مقهور يمين) ‪ -‬راجع المجموع شرح‬
‫المهذب للنووي الشافعي ‪ ،3 :18‬دار الفكر بيروت ‪ -‬وأحكام القرآن لمحمد‬
‫بن إدريس الشافعي ‪ 114 :2‬ـ ‪.115‬‬

‫ونقل القرطبي عن ابن الماجشون‪ :‬إنّه ل فرق في ذلك بين أن تكون‬


‫اليمين طاعة لله أو معصية‪ ،‬وإنه ل حنث عند الكراه على اليمين الكاذبة ‪-‬‬
‫راجع الجامع لحكام القرآن للقرطبي المالكي ‪ .191 :10‬وقد أفتى به غير‬
‫واحد من فقهاء المالكية ‪ -‬راجع أحكام القرآن لبن العربي المالكي ‪1177 : 3‬‬
‫و ‪ 1182‬وتفسير ابن جزي المالكي‪.36 :‬‬
‫وقد كان مالك بن أنس يقول لهل المدينة في شأن بيعتهم المنصور‬
‫العباسي‪ :‬إنكم بايعتم مكرهين وليس على مكره يمين ‪ -‬تقريرات الرافعي‬
‫على حاشية ابن عابدين لمحمد رشيد الرافعي ‪ ،278 :2‬ط‪ ،3‬دار إحياء التراث‬
‫العربي‪ ،‬بيروت ‪ -‬يحثهم بهذه الفتوة على الخروج مع إبراهيم بن عبد الله‬
‫بن الحسن للثورة على المنصور ‪ -‬راجع‪ :‬رد المحتار على الدر المختار لبن‬
‫عابدين ‪ ، :5‬ط‪ ،2‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت ‪ -‬شرح فتح الغدير لبن‬
‫همام هذا هو محل اتفاق فقهاء الحناف ‪ -‬بدائع الصنائع ‪ .175 : 7‬راجع أيضاً‬
‫تفصيل فتاوى الحنفية بشأن موارد التقية في اليمين الكاذبة وغيرها في‬
‫مصادرهم التالية‪ :‬البحر الرائق لبن نجيم ‪ - 70 :8‬تحفة الفقهاء للسمرقندي‬
‫‪ ، 273 :3‬ط‪ ،1‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬

‫‪ .5‬جواز التقية في حكم الطعمة والشربة المحرمة ‪ :‬أفتى القرطبي‬


‫المالكي بجواز التقية في شرب الخمر ‪ -‬راجع الجامع لحكام القرآن ‪:10‬‬
‫‪ .180‬وقالت الحنفية‪ :‬تجوز التقية إذا كان القدام على الفعل أولى من‬
‫ُ‬
‫ره على أكل لحم الميتة أو‬ ‫الترك‪ ،‬وقد تجب إذا صار بالترك آثماً‪ ،‬كما لو أك ِ‬
‫أكل لحم الخنزير‪ ،‬أو شرب الخمرة ‪ -‬فتاوى قاضيخان ‪ - 489 :5‬وانظر أحكام‬
‫القرآن للجصاص الحنفي ‪ - 127 :1‬والمبسوط للسرخسي ‪ - 48 :24‬وبدائع‬
‫الصنائع ‪ - 175 :7 :7‬التفسير الكبير للفخر الرازي الشافعي ‪ , .12 :20‬وقال‬
‫ابن حزم الظاهري‪ :‬فمن أُكره على شرب الخمر أو أكل الخنزير أو الميتة أو‬
‫الدم أو بعض المحرمات‪ ،‬أو أكل مال مسلم أو ذمي‪ ،‬فمباح له أن يأكل‬
‫ويشرب ول شيء عليه لحد ول ضمان ‪ -‬المحلّى لبن حزم ‪ 330 :8‬مسألة‪:‬‬
‫‪.1404‬‬

‫‪ .6‬جوازها في شهادة الزور‪ :‬صّرح السيوطي الشافعي بجواز شهادة‬


‫الزور عند الكراه عليها‪ ،‬فيما لو كانت تلك الشهادة في إتلف الموال ‪-‬‬
‫الشباه والنظائر للسيوطي ‪.208- 207‬‬

‫وز فيها فقهاء‬ ‫ملحظة ‪ :‬ولقد تركنا الكثير جدا ً من المسائل التي ج ّ‬
‫المسلمين التقية بغية للختصار؛ كتجويزهم التقية مثل ً في الصدقة‪،‬‬
‫والقرار‪ ،‬والنكاح‪ ،‬والجارة‪ ،‬والمباراة‪ ،‬والكفالة‪ ،‬والشفقة‪ ،‬والعهود‪،‬‬
‫والتدبير‪ ،‬والرجعة بعد الطلق‪ ،‬والظهار‪ ،‬والنذر‪ ،‬واليلء‪ ،‬والسرقة‪ ،‬وغيرها‬
‫من الفروع الشرعية – راجع في ذلك بدائع الصنائع ‪ – 191 – 175 :7‬والمحلّى‬
‫‪ ،335 – 331 :8‬مسألة‪ - 1406 :‬وغيرهما مما ذكرناه من مصادر الفقه‪.‬‬

‫ولقد أجازت شريعة السلم للمسلمين الخداع والكذب في أحوال‬


‫وحالت كثيرة مختلفة عما ذكرنا‪ .‬حالت وقع فيها الكراه وأخرى لم يقع‬
‫الكراه فيها‪ .‬من بين تلك الحالت‪ :‬حالة الحرب‪.‬‬

‫خدْعة) ‪ -‬متفق عليه‪.‬‬


‫قال رسول الله (الحرب ُ‬

‫‪ .1‬قال النووي‪ :‬اتفق العلماء على جواز خداع الكفار في الحرب‪ ،‬وكيف‬
‫أمكن الخداع إل أن يكون فيه نقض عهد أو أمان فل يحل ‪ -‬صحيح مسلم‬
‫بشرح النووي ‪.12/45‬‬

‫‪ .2‬وقال ابن حجر‪ :‬وأصل الخداع إظهار أمر وإضمار خلفه‪ ،‬وفيه التحريض‬
‫قظ‬‫على أخذ الحذر في الحرب والندب إلى خداع الكفار‪ ،‬وأن من لم يَتَي َ َّ‬
‫لذلك لم يأمن أن ينعكس عليه‪.‬‬
‫‪ .3‬قال ابن المنير‪ :‬معنى الحرب خدعة أي الحرب الجيدة لصاحبها الكاملة‬
‫في مقصدها إنما هي المخادعة ل المواجهة‪ ،‬وذلك لخطر المواجهة وحصول‬
‫الظَّ َ‬
‫فر مع المخادعة بغير خطر ‪ -‬فتح الباري ‪.6/58‬‬

‫‪ .4‬قال النووي‪ :‬صح في الحديث جواز الكذب في ثلثة أشياء أحدها في‬
‫الحرب‪ .‬قال الطبري إنما يجوز من الكذب في الحرب المعارض دون حقيقة‬
‫الكذب فإنه ل يحل‪ ،‬هذا كلمه‪ ،‬والظاهر‪ ،‬إباحة حقيقة نفس الكذب لكن‬
‫القتصار على التعريض أفضل والله أعلم ‪ -‬صحيح مسلم بشرح النووي‬
‫‪.12/45‬‬

‫خص في شيء‬ ‫م كلثوم بنت عقبة قالت‪" :‬لم أسمع رسول الله ير ّ‬‫‪ .5‬عن أ ّ‬
‫من الكذب مما تقول الناس إل في الحرب والصلح بين الناس وحديث‬
‫الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها ‪ -‬رواه أحمد ومسلم وأبو داود‪ ،‬وروى‬
‫الترمذي مثله عن أسماء بنت يزيد‪.‬‬

‫‪ .6‬وقال ابن حجر‪ :‬قال النووي‪ :‬الظاهر إباحة حقيقة الكذب في المور‬
‫الثلثة لكن التعريض أولى‪.‬‬
‫‪ .7‬وقال ابن العربي‪ :‬الكذب في الحرب من المستثنى الجائز بالنص رفقاً‬
‫بالمسلمين لحاجتهم إليه وليس للعقل فيه مجال‪ ،‬ولو كان تحريم الكذب‬
‫بالعقل ما انقلب حلل ً ‪ -‬فتح باري ‪.6/159‬‬

‫‪ .8‬وأما الكذب على العدو في غير حالة الحرب فيجوز لسباب منها ما فيه‬
‫مصلحة دينية أو مصلحة دنيوية للمؤمن أو تخلص من أذى الكافرين ودليله‪:‬‬
‫علَط حين استأذن النبي أن يقول عنه ما شاء لمصلحته‬ ‫قصة الحجاج بن ِ‬
‫ن له النبي ‪ -‬فتح الباري ‪ - 6/159‬والبداية‬ ‫ذ‬ ‫في استخلص ماله من أهل مكة وأ َ‬
‫ِ َ‬
‫والنهاية لبن كثير ‪4/215‬‬

‫‪ .9‬قال ابن حجر في شرحه‪( :‬وإل فالكذب المحض في مثل تلك المقامات‬
‫يجوز‪ ،‬وقد يجب لتحمل أخف الضررين دفعا ً لعظمهما‪ ،‬وأما تسميته إياها‬
‫خل َّ لكنّه قد يحسن في‬ ‫كذبات فل يريد أنها تُذم‪ ،‬فإن الكذب وإن كان قبيحا ً ُ‬
‫م ِ‬
‫مواضع) ‪ -‬فتح الباري ‪.6/392‬‬

‫الخلصة ‪ :‬يجوز للمسلم الكذب على الكافر لجل مصلحة دينية أو‬
‫دنيوية‪ ،‬عامة كانت أم خاصة‪ ،‬في حالة الحرب وفي غير حالة الحرب‪.‬‬

‫من بين تلك الحالت التي أبيح فيها للمسلم أن يكذب‪:‬‬

‫إذا كان المسلمون أفرادا ً أو مجموعات في حالة ضعف ناتجة عن قلة‬


‫في العدد والعتاد‪ ،‬أو ضعف في القوة والمكانيات‪ ،‬أو ضعف ناتج عن غربة‬
‫وابتعاد عن دار السلم‪ ،‬بحسب المصطلح السلمي ُرخص لهم بالكذب‪.‬‬

‫‪ .10‬يقول ابن تيمية في الصارم والمسلول في شاتم الرسول ص ‪ :223‬إن‬


‫كان المؤمن بأرض هو فيها مستضعف أو في وقت هو فيه مستضعف‬
‫فالعمل بآية الصبر والصفح والعفو عمن يؤذي الله ورسوله من الذين أوتوا‬
‫الكتاب والمشركين‪ ،‬وأما أهل القوة فإنما يعملون بآية قتال أئمة الكفر‬
‫الذين يطعنون في الدين‪ ،‬وبآية قتال الذين أوتوا الكتاب ‪ -‬راجع الصارم‬
‫والمسلول في شاتم الرسول ‪ .223‬وله مثله في مجموع الفتاوى ‪- 224 /19‬‬
‫‪.12 -‬‬ ‫‪121 /5‬‬ ‫‪ ،225‬ومنهاج السنة)‬

‫ن‬‫منُو َ‬ ‫م ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫خذْ َال ْ ُ‬
‫لقد بنى ابن تيمية رأيه هذا على الواقع القرآني‪ } :‬ل يَت ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ء‬
‫ي ٍ‬
‫ش ْ‬ ‫في َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ن الل ِ‬ ‫م ْ‬ ‫فلَي ْ َ‬
‫س ِ‬ ‫ل ذَل ِ َ‬
‫ك َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ن يَ ْ‬
‫ف َ‬ ‫م ْ‬‫و َ‬
‫ن َ‬
‫منِي َ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ن دُو ِ‬ ‫م ْ‬‫ولِيَاءَ ِ‬
‫نأ ْ‬ ‫ري َ‬ ‫ف ِ‬‫الْكَا ِ‬
‫قية{ آل عمران ‪.28‬‬ ‫م تُ َ‬ ‫ن تَت َّ ُ‬ ‫َ‬
‫ه ْ‬‫من ْ ُ‬
‫قوا ِ‬ ‫إِل أ ْ‬
‫‪ .11‬يقول الشيخ المراغي‪" :‬ويدخل في التقية مداراة الكفرة‪ ،‬والظلمة‪،‬‬
‫والفسقة‪ ،‬وإلنة الكلم لهم‪ ،‬والتبسم في وجوههم‪ ،‬وبذل المال لهم لكف‬
‫أذاهم‪ ،‬وصيانة العرض منهم‪ ،‬ول يُعد هذا من الموالة المنهي عنها‪ ،‬بل هو‬
‫مشروع" ‪ -‬تفسير المراغي ‪ 136 : 3‬ـ ‪.137‬‬

‫إذن يتبين مما ذُكر أن شريعة السلم قد أباحت للمسلمين الكذب في‬
‫حالت كثيرة‪.‬‬

‫سؤال‪ :‬هل إظهار الكلم الموهم للمحبة والموالة‪ ،‬والقلب مطمئن بالعداوة‬
‫والبغضاء يعتبر صدق مع النفس أم تراه من مكارم الخلق والسلوك‬
‫المثالي؟ أليس هذا هو النفاق بعينه؟!‬

‫لقد ربط فقهاء المسلمين بشكل أو بآخر ما بين التقية وبين الكراه رغم‬
‫أن الفرق ما بين آية الكراه (سورة النحل ‪ )106‬وبين آية التقية (آل عمران‬
‫‪ )28‬واضح‪ ،‬كما أن المساحة الزمنية والمكانية للكراه أضيق من المساحة‬
‫التي يُعمل فيها بالتقية؛ فالكراه تكون صورته حمل المرء بالقوة في‬
‫موقف معين وساعة معينة على فعل أو قول شيء معين هو ل يرضاه ‪..‬‬
‫فإذا انتهى هذا الموقف انتهت حالة الكراه الذي أظهر المكره من خللها‬
‫والكفر أو ما فيه مخالفة شرعية‪ .‬بينما التقية‪ :‬فمساحتها الزمانية والمكانية‬
‫أوسع فهي تشمل جميع المساحة الزمانية التي يقيمها المسلم مضطرا ً في‬
‫دار الكفر والحرب بحسب المصطلح السلمي‪ ،‬وهو يلجأ إليها كلما اضطرته‬
‫الظروف إلى ذلك حتى يدفع شر القوم عنه‪.‬‬

‫وقد تختلف التقية عن الكراه كذلك أيضا ً الكراه يكون مباشرا ً ونتائجه‬
‫فورية‪ .‬بينما التقية قد يكون عنصر الكراه فيها غير مباشر ‪ -‬أو غير واقع‬
‫أصل ً ‪ -‬وبالتالي قد تأتي نتائجه متأخرة عن الحدث إلى حين‪.‬‬

‫من هنا نقول أن التقية لم تُشرع فقط من أجل دفع الذى عن المؤمنين‬
‫والحذر من الضرر والتوقي منه في حالت الكراه الواقع عليهم كما يدعي‬
‫شرعت التقية أيضا ً في حالت كثيرة لم‬‫علماء السلم ومفسرو القرآن‪ ،‬بل ُ‬
‫يقع فيها إكراه‪ ،‬بل كان الغرض منها خداع الخرين من أجل تحقيق مصلحة‬
‫قد تكون دينية وقد تكون شخصية ل علقة لها بالدين‪.‬‬

‫لنأخذ مسألة (آذى الرسول) كمثال نبين من خلله حقيقة ما نقول‪.‬‬

‫ـ من آذى الرسول ـ‬

‫اعلم هداك الله وكفاك شر المنافقين أن نصوص الكتاب والسنة وكذلك‬


‫أقوال علماء المة قد دلت دللة صريحة قطعية ل تحتمل صرفا ً ول تأويلً‬
‫على أن من آذى الرسول كافر مرتد‪ ،‬خارج عن الملة السلمية‪ ،‬تجري عليه‬
‫جميع الحكام المتعلقة بالردة ويُقتل ول تُقبل توبة منه‪ ،‬مسلما ً كان أم‬
‫كافر‪ .‬هذا ما أجمع عليه علماء السلم‪.‬‬
‫ملحظة‪ :‬المقصود بالذى هنا هو كل من عاب الرسول أو انتقده أو انتقص‬
‫من قدره بأي شكل من الشكال‪ ،‬فجميع ما ذكرنا يندرج تحت باب (آذى‬
‫للرسول) وإليكم الدلة على ذلك‪:‬‬
‫َ‬
‫في‬ ‫وطَ َ‬
‫عنُوا ِ‬ ‫م َ‬
‫ه ْ‬
‫د ِ‬
‫ه ِ‬‫ع ْ‬ ‫د َ‬ ‫ع ِ‬‫ن بَ ْ‬ ‫م ْ‬
‫هم ِ‬ ‫ن نَكَثُوا أي ْمان َ ُ‬‫وإ ِ ْ‬‫جاء في سورة التوبة‪َ } :‬‬
‫َ َ ْ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫ة الْك ُ ْ‬ ‫قاتِلُوا أَئ ِ َّ‬
‫هون{ التوبة‪.12:‬‬ ‫م يَنْت َ ُ‬‫ه ْ‬ ‫عل ُ‬ ‫مل َ‬ ‫ه ْ‬
‫نل ُ‬ ‫ما َ‬‫م ل إي ْ َ‬ ‫ر إِن ّ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫م َ‬ ‫ف َ‬ ‫ِدينِك ُ ْ‬
‫م َ‬
‫سمي الطاعن في الدين إماما ً في الكفر‪ ،‬وهو زائد عن الكفر المجرد ‪..‬‬ ‫ف ُ‬
‫فدل أن الطعن بالدين كفر مغلظ‪.‬‬

‫‪ .1‬قال القرطبي في التفسير‪ :‬استدل بعض العلماء بهذه الية على‬


‫وجوب قتل كل من طعن في الدين إذ هو كافر‪.‬‬

‫‪ .2‬قال ابن كثير في التفسير ‪ :2/352‬ومن هنا أُخذ قتل من سب الرسول‬


‫أو من طعن في دين السلم أو ذكره بنقص‪.‬‬

‫ومن الطعن ما يكون خفيا ً وبالتلميح دون التصريح‪ ،‬لكن له نفس حكم‬
‫الطعن الصريح‪.‬‬

‫‪ .3‬وقال القرطبي في التفسير ‪ :8/206‬قال القشيري‪ :‬كلمة الكفر سب‬


‫النبي والطعن في السلم‪ } ،‬وكفروا بعد إسلمهم { أي بعد الحكم‬
‫بإسلمهم‪.‬‬

‫‪ .4‬قال ابن القاسم ‪(:‬من سبه (سب النبي) أو شتمه أو عابه أو تنقصه‬
‫فإنه يقتل كالزنديق)‪.‬‬

‫‪ .5‬وقال أبو بكر بن المنذر‪ :‬أجمع عوام أهل العلم على أن من سب النبي‬
‫يُقتل‪ .‬ول نعلم خلفا ً في استباحة دمه بين علماء المصار وأئمة المة ‪-‬‬
‫راجع‪ :‬الشفاء للقاضي عياض ‪.2/474‬‬

‫‪ .6‬من يعيب نبينا ‪ ...‬أو يلعنه أو يسبه أو يستخف أو يستهزئ به أو بشيء‬


‫من أفعاله كلحس الصابع‪ ،‬أو يلحق به نقصا ً في نفسه أو نسبه أو دينه أو‬
‫فعله أو يعرض بذلك‪ ،‬أو يشبهه بشيء على طريق الزراء أو التصغير لشأنه‬
‫أو الغض منه‪ ،‬أو تمني له مضرة أو نسب إليه ما ل يليق بمنصبه على طريق‬
‫الذم‪ ،‬أو عبث في جهته العزيزة بسخف من الكلم وهجر ومنكر من القول‬
‫وزور أو غيره بشيء مما جرى من البلء والمحنة عليه‪ ،‬أو غمزه ببعض‬
‫العوارض البشرية الجائزة والمعهودة لديه‪ ،‬فيكفر بواحد مما ذكر إجماعا‪ً،‬‬
‫فيقتل ول تقبل توبته عند أكثر العلماء‪ ،‬وقد قتل خالد بن الوليد من قال‬
‫له"عند صاحبكم" ‪ -‬المقصود بصاحبكم النبي ‪ -‬وعد هذه الكلمة تنقيصا ً له ‪-‬‬
‫راجع‪ :‬الزواجر عن اقتراف الكبائر لبن الهيتمي ‪ - 30-1/29‬القاضي عياض‪،‬‬
‫الشفاء بتعريف حقوق المصطفى ‪ - 474-2/473‬وهذا ما أجمع عليه علماء‬
‫المسلمين وأصحاب المذاهب الربعة‪.‬‬

‫‪ .7‬وقد روي أن رجل ً قال في مجلس علي‪ :‬ما قتل كعب بن الشرف إل‬
‫غدراً! فأمر علي بضرب عنقه‪ .‬قال القرطبي في الجامع ‪ :8/84‬قال علماؤنا‬
‫هذا يُقتل ول يُنتسب إن نسب الغدر للنبي لن ذلك زندقة‪.‬‬

‫‪ .8‬وفي "الشفا" للقاضي عياض‪ :‬من أضاف إلى نبينا تعمد الكذب فيما‬
‫بلغه وأخبر به‪ ،‬أو شك في صدقة‪ ،‬أو سبه‪ ،‬أو قال‪ :‬إنه لم يبلغ أو استخف‬
‫‪ 608‬و‪ 630‬و‪633‬‬ ‫و‬ ‫‪582‬‬ ‫به‪ ،‬فهو كافر بالجماع ‪ -‬الشفا للقاضي عياض صفحة‬
‫و‪.636‬‬

‫‪ .9‬وفي "المحلى" لبن حزم قال‪ :‬أن كل من آذى رسول الله فهو كافر‬
‫مرتد يقتل ول بد ‪ -‬المحلى لبن حزم ‪.12/438‬‬

‫‪ .10‬قال الخطابي‪ :‬ل أعلم أحدا ً من المسلمين اختلف في وجوب قتله‪.‬‬

‫‪ .11‬وقال حنبل‪ :‬سمعت أبا عبد الله ـ وهو المام أحمد بن حنبل ـ يقول‪:‬‬
‫من يشتم النبي أو ينتقصه ـ مسلما ً كان أو كافرا ً ـ فعليه القتل وأرى أنه‬
‫يُقتل ول يستتاب‪.‬‬

‫وقد روي عن رجال من أهل العلم‪ ،‬منهم ابن عمر‪ ،‬ومحمد بن كعب‪،‬‬
‫ويزيد بن أسلم‪ ،‬وقتادة أنه قال رجل من المنافقين في غزوة تبوك‪ :‬ما‬
‫رأيت مثل قرائنا هؤلء أرغب بطوناً‪ ،‬ول أكذب ألسناً‪ ،‬ول أجبن عند اللقاء؛‬
‫يعني الرسول وأصحابه القراء‪ .‬فقال له عوف بن مالك‪ :‬كذبت ولكنك‬
‫منافق‪ ،‬لخبرن رسول الله‪ .‬فذهب عوف إلى رسول الله ليخبره‪ ،‬فوجد‬
‫القرآن قد سبقه‪ .‬فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله وقد ارتحل وركب ناقته‪،‬‬
‫فقال‪ :‬يا رسول الله إنما كنا نلعب ونتحدث حديث الركب نقطع به عناء‬
‫الطريق! قال ابن عمر‪ :‬كأني أنظر إليه متعلقا ً بنسعة ناقة رسول الله وإن‬
‫الحجارة لتنكب رجليه‪ ،‬وهو يقول‪ :‬إنما كنا نخوض ونلعب‪ ،‬فيقول له رسول‬
‫الله‪" :‬أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون"‪ ،‬ما يلتفت إليه ول يزيد عليه ‪-‬‬
‫الصارم والمسلول في شاتم الرسول ‪31‬‬

‫‪ .12‬قال القرطبي في التفسير‪ :‬قيل كانوا ثلثة نفر‪ ،‬هزأ اثنان وضحك‬
‫واحد‪ ،‬فالمعفو عنه هو الذي ضحك ولم يتكلم‪ .‬قال خليفة بن خياط في‬
‫تاريخه‪:‬اسمه "مخاشن بن حمير"‪ ،‬وقيل أنه كان مسلما ً ‪ -‬تفسير القرطبي‬
‫‪.8/199‬‬

‫‪ .13‬قال ابن العربي في الحكام ‪ :2/976‬ل يخلو أن يكون ما قالوه من ذلك‬


‫جدا ً أو هزلً‪ ،‬وهو كيفما كان كفر فإن الهزل بالكفر كفر‪ ،‬ل خلف فيه بين‬
‫المة‪ .‬فإن التحقيق أخو الحق والعلم‪ ،‬والهزل أخ والباطل والجهل‪.‬‬

‫‪ .14‬وقال أبو بكر الجصاص في كتابه" أحكام القرآن" ‪ :4/348‬فيه الدللة‬


‫على أن اللعب والجاد سواء في إظهار كلمة الكفر على غير وجه الكراه‪،‬‬
‫لن هؤلء المنافقين ذكروا أنهم قالوا ما قالوا لعبا ً فأخبر الله عن كفرهم‬
‫باللعب بذلك‪.‬‬

‫‪ .15‬وقال الكشميري في كتابه إكفار الملحدين ص‪ :59‬والحاصل أن من‬


‫تكلم بكلمة الكفر هازل ً أو لعباً‪ ،‬كفر عند الكل ول اعتبار باعتقاده‪ ،‬كما‬
‫صرح به في"الخيانة" و"رد المختار"‬

‫سب الرسول أعظم من الردة‬

‫‪ .1‬قاله ابن تيمية في كتابه الصارم المسلول في شاتم الرسول‪ :‬إن سب‬
‫رسول الله مع كونه من جنس الكفر والحراب أعظم من مجرد الردة عن‬
‫السلم ‪ -‬راجع المصدر السابق ‪.‬‬

‫‪" .2‬لن من آذى الرسول فقد آذى الله لن حق الله وحق رسوله‬
‫متلزمان" وفي هذا وغيره بيان لتلزم الحقين‪ ،‬وأن جهة حرمة الله تعالى‬
‫ورسوله جهة واحدة‪ ،‬فمن آذى الرسول فقد آذى الله‪ ،‬ومن أطاعه فقد‬
‫أطاع الله‪ ،‬لن الئمة ل يصلون ما بينهم و بين ربهم إل بواسطة الرسول‪،‬‬
‫ليس لحد منهم طريق غيره‪ ،‬ول سبب سواه‪ ،‬وقد أقامه الله مقام نفسه‬
‫في أمره ونهيه وإخباره وبيانه‪ ،‬فل يجوز أن يُفرق بين الله ورسوله في‬
‫شيء من هذه المور ‪ -‬الصارم المسلول في شاتم الرسول لبن تيميه ص‬
‫‪.41-40‬‬

‫وقد اختلفوا في حكم من كذب على الرسول على قولين‪:‬‬

‫أحدهما‪ :‬الخذ بظاهره في قتل من تعمد الكذب على رسول الله‪ ،‬ومن‬
‫هؤلء من قال‪ :‬يكفر بذلك‪ ،‬قال ذلك جماعة منهم أبو محمد الجويني‪ ،‬حتى‬
‫قال ابن عقيل عن شيخه أبي الفضل الهمداني‪ :‬مبتدعة السلم والكذابون‬
‫والواضعون للحديث أشد من الملحدين‪ ،‬قصدوا إفساد الدين من خارج‪،‬‬
‫وهؤلء قصدوا إفساده من داخل‪ .‬فهم كأهل بلد سعوا في فساد أحواله‪،‬‬
‫والملحدون كالمحاصرين من خارج‪ ،‬فالدخلء يفتحون الحصن‪ ،‬فهم شر على‬
‫السلم من غير الملبسين له ‪ -‬الصارم المسلول في شاتم الرسول لبن‬
‫تيميه ص ‪.175-169‬‬
‫ً‬ ‫كذبا‬ ‫ووجه هذا القول أن الكذب عليه كذب على الله‪ ،‬ولهذا قال‪( :‬إن‬
‫ي ليس ككذب على أحدكم) فإن ما أمر به الرسول فقد أمر الله به يجب‬ ‫عل ّ‬
‫اتباعه كوجوب اتباع أمر الله‪ ،‬وما أخبر به وجب تصديقه كما يجب تصديق ما‬
‫أخبر الله به‪( .‬ومعلوم أن من كذب على الله بأن زعم أنه رسول الله أو نبيه‬
‫أو أخبر عن الله خبرا ً كذب فيه كمسيلمة والعنسي ونحوها من المتنبئين‬
‫فإنه كافر حلل الدم) فكذلك من تعمد الكذب على رسوله‪.‬‬

‫‪ .3‬عن ابن بريدة عن أبيه أن النبي بلغه أن رجل قال لقوم‪ :‬إن النبي‬
‫أمرني أن أحكم فيكم برأيي وفي أموالكم كذا وكذا‪ ،‬وكان قد خطب امرأة‬
‫منهم في الجاهلية فأبوا أن يزوجوه‪ ،‬ثم ذهب حتى نزل على المرأة‪ ،‬فبعث‬
‫القوم إلى رسول الله‪ ،‬فقال‪ :‬كذب عدو الله ‪ .‬ثم أرسل رجل ً فقال‪ :‬إن‬
‫وجدته حيا ً فاقتله‪ ،‬وإن أنت وجدته ميتا ً فاحرقه بالنار‪ .‬فانطلق فوجدوه قد‬
‫ي متعمداً‬‫لدغ فمات فحرقه بالنار‪ ،‬فعند ذلك قال رسول الله‪ :‬من كذب عل ّ‬
‫فليتبوأ مقعده من النار‪.‬‬

‫‪ .4‬وقد روى أبو بكر بن مردويه من حديث الوازع عن أبي سلمة عن‬
‫ي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار‪.‬‬
‫أسامة قال رسول الله‪ :‬من تقول عل ّ‬
‫ً‬
‫وذلك لنه بعث رجل ً فكذب عليه‪ ،‬فوجد ميتا قد انشق بطنه ولم تقبله الرض‬

‫‪ .5‬وروى أن رجل ً كذب عليه‪ ،‬فبعث عليا ً والزبير إليه ليقتله ‪ -‬راجع‪:‬‬
‫الصارم المسلول في شاتم الرسول لبن تيميه ص ‪.175-169‬‬

‫من يرفض حكم الرسول يقتل‪:‬‬

‫عن ابن عباس أن منافقا ً خاصم يهوديا ً فدعاه اليهودي إلى النبي ودعاه‬
‫المنافق إلى كعب بن الشرف‪ .‬ثم إنهما احتكما إلى رسول الله فحكم‬
‫ض المنافق وقال‪ :‬نتحاكم إلى عمر‪ .‬فقال اليهودي لعمر‪:‬‬ ‫لليهودي فلم ير َ‬
‫ض بقضائه وخاصم إليك‪ .‬فقال عمر للمنافق‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ير‬ ‫فلم‬ ‫الله‬ ‫قضى لي رسول‬
‫أكذلك؟ فقال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬ألزما مكانكما حتى أخرج إليكما‪ .‬فدخل وأخذ‬
‫بسيفه ثم خرج فضرب به عنق المنافق حتى برد وقال‪ :‬هكذا أقضي لمن لم‬
‫ض بقضاء الله ورسوله‪ .‬فنزلت‪ :‬وقال جبريل‪ :‬إن عمر فّرق بين الحق‬ ‫ير َ‬
‫والباطل فسمى الفاروق – الدر المنثور ‪ /‬ج‪ 2 :‬ص ‪ - 179 :‬والصارم لبن‬
‫تيمية ‪.48‬‬

‫ـ نماذج من روايات حكم من آذى الرسول ـ‬

‫العمى الذي قتل اليهودية‪ :‬روى الشعبي عن أن اليهودية كانت تشتم النبي‬
‫وتقع فيه‪ ،‬فخنقها رجل حتى ماتت‪ ،‬فأطل رسول الله دمها (أي أهدره)‪.‬‬
‫هكذا رواه أبو داود في سننه وابن بطة في سننه‪ .‬وهو من جملة ما استدل‬
‫به المام أحمد في رواية ابنه عبد الله ‪ -‬الصارم المسلول في شاتم‬
‫الرسول لبن تيميه ص‪ .66 - 61‬وهذا ما جاء في رواية أخرى عن ابن عباس ‪-‬‬
‫أخرجه النسائي وأبو داود ‪.3665‬‬

‫قال ابن تيمية في الصارم‪ ،‬ص‪ :62‬وهذا الحديث نص في جواز قتلها لجل‬
‫شتم النبي‪ ،‬ودليل على قتل الرجل الذمي‪ ،‬وقتل المسلم والمسلمة إذا سبا‬
‫بطريق الولى‪.‬‬

‫وعن أبي بكر الصديق أنه كتب إلى المهاجر بن أبي ربيعة في المرأة التي‬
‫غنت بهجاء النبي‪" :‬لول ما سبقتني فيها لمرتك بقتلها‪ ،‬لن حد النبياء‬
‫ليس يشبه الحدود‪ ،‬فمن تعاطى ذلك من مسلم فهو مرتد أو معاهد فهو‬
‫محارب غادر" ‪ -‬الصارم المسلول في شتم الرسول ‪.418‬‬

‫قتل اليهودي ابن أبي حقيق‪ :‬عن البراء بن عازب قال‪ :‬بعث رسول الله إلى‬
‫أبي رافع اليهودي رجال ً من النصار‪ ،‬وأمر عليهم عبد الله بن عتيك‪ ،‬وكان‬
‫أبو رافع يؤذي رسول الله‪ ،‬وكان في حصن له بأرض الحجاز ‪ ..‬قال عبد الله‬
‫لصحابه‪ :‬أجلسوا مكانكم فإني منطلق ‪ ..‬فدخلت فكمنت ‪ ..‬وكان أبو رافع‬
‫يسمر عنده‪ ،‬وكان في علية له‪ ،‬فلما ذهب عنه أهل سمره صعدت إليه ‪..‬‬
‫قلت‪ :‬أبا رافع‪ ،‬قال من هذا؟ فأهويت نحو الصوت فأضربه ضربة بالسيف ‪..‬‬
‫ثم وضعت ضبيب السيف في بطنه حتى أخذ في ظهره‪ ،‬فعرفت أني قتلته‬
‫‪ - ..‬رواه البخاري في صحيحه ‪.4039‬‬

‫قال ابن حجر‪" :‬وفي هذا الحديث من الفوائد‪ :‬جواز اغتيال المشرك الذي‬
‫بلغته الدعوة وأصر‪ ،‬وقتل من أعان على رسول الله بيده أو ماله أو لسانه‬
‫ُ‬
‫وجواز التجسس على أهل الحرب وتَطَل ّب غرتهم‪ ،‬والخذ بالشدة في محاربة‬
‫المشركين‪ ،‬وجواز إبهام القول للمصلحة‪ ،‬وتعرض القليل من المسلمين‬
‫للكثير من المشركين" ‪ -‬فتح الباري ‪.7/345‬‬

‫وقد أخرجه البخاري في كتاب الجهاد "باب قتل النائم المشرك"‪.‬‬

‫وفي هذه المسألة يقول الشيخ عبد الرحمن الدوسري عند ذكره لمراتب‬
‫العبودية في تفسيره لقول الله تعالى‪ } :‬إياك نعبد وإياك نستعين { ‪..‬‬
‫وُره التسويف في هذا فضل ً عن تركه أو التساهل‬ ‫عت َ ِ‬‫فالعابد الصحيح لله ل ي َ ْ‬
‫فيه‪ ،‬وأيضا ً فالعابد لله المصمم على الجهاد في ذاته يكون منفذا للغيلة في‬
‫ً‬
‫أئمة الكفر من دعاة اللحاد والباحية وكل طاعن في وحي الله أو مسخر‬
‫قلمه أو دعايتَه ضد الدين الحنيف لن هذا مؤٍذ لله ورسوله‪ .‬ل يجوز‬
‫للمسلمين في بقاع الرض من خصوص وعموم أن يدعوه على قيد الحياة‪،‬‬
‫ق وغيره ممن ندب رسول الله إلى اغتيالهم‬ ‫ح َ‬
‫قي ْ‬ ‫لنه أضُّر من ابن أبي ال ُ‬
‫ك اغتيال ورثتهم في هذا الزمان تعطيل لوصية المصطفى وإخلل‬ ‫فتَْر ُ‬
‫فظيع بعبودية الله وسماح صارخ شنيع للمعاول الهدامة في دين الله ‪..‬‬
‫ص عظيم في حب الله ورسوله وتعظيمهما ‪ -‬من صفوة الثار‬ ‫وذلك نق ٌ‬
‫والمفاهيم من تفسير القرآن العظيم ‪ .1/268‬طبعة دار الرقم ‪1404‬هـ‬
‫عن أبي هريرة قال‪ :‬بعثنا رسول الله في بعث فقال‪ :‬إن وجدتم فلنا ً وفلناً‬
‫فاحرقوهما بالنار ‪ -‬صحيح البخاري ‪.3016‬‬

‫قال شيخ السلم (ابن تيمية) في الصارم المسلول في شاتم الرسول‪ :‬أمر‬
‫الله قتال الطاعنين في الدين‪ ،‬وضمن لنا – إن فعلنا ذلك – أن يعذبهم‬
‫بأيدينا ويخزيهم وينصرنا عليهم‪ ،‬ويشفي صدور المؤمنين الذين تأذوا من‬
‫نقضهم وطعنهم وأن يذهب غيظ قلوبهم‪.. ،‬‬

‫النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط‪ :‬ومن ذلك أن النبي لما قفل من بدر‬
‫راجعا ً إلى المدينة قتل النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط‪ ،‬ولم يقتل‬
‫من أساري بدر غيرهما‪ ،‬وقصتهما معروفة‪.‬‬

‫قال ابن إسحاق‪ :‬وكان من الساري عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث‬
‫فلما كان رسول الله بالصفراء قتل النضر بن الحارث قتله علي بن أبي‬
‫طالب كما أخبرت‪ ،‬ثم مضى رسول الله فلما كان بعرق الظبية قتل عقبة‬
‫بن أبي معيط‪ ،‬قتله عاصم بن ثابت ‪ -‬وهكذا قال موسى بن عقبة –‬
‫والواقدي‪.‬‬

‫وقد روى البزار عن ابن عباس أن عقبة بن أبي معيط نادى‪ :‬يا معشر‬
‫قريش مالي أقتل من بينكم صبراً؟ فقال النبي‪ :‬بكفرك وافترائك على‬
‫رسول الله‪ .‬قال رسول الله‪ :‬النار‪ ،‬قدمه يا عاصم فأضرب عنق عقبة ابن‬
‫أبي معيط فقدمه عاصم فضرب عنقه‪ ،‬فقال رسول الله‪ :‬بئس الرجل كنت‬
‫– والله – ما علمت كافرا ً بالله وبكتابه وبرسوله‪ ،‬مؤذيا ً لنبيه‪ ،‬فأحمد الله‬
‫الذي هو قتلك وأقر عيني منك – راجع‪ :‬الصارم والمسلول في شاتم‬
‫الرسول ‪ - 143‬الترمذي ‪.2686‬‬

‫الحويرث بن نقيذ‪ :‬ومن ذلك أنه أمر يوم الفتح بقتل الحويرث بن نقيذ‪ ،‬وهو‬
‫معروف عند أهل السير‪ ،‬قال‪ :‬وأمرهم رسول الله أن يكفوا أيديهم فل‬
‫يقاتلوا أحدا ً إل من قاتلهم‪ ،‬وأمرهم بقتل أربعة نفر؛ منهم الحويرث بن‬
‫نقيذ‪.‬‬

‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وكان رسول الله عهد إلى المسلمين في قتل نفر‬
‫ونسوة‪ ،‬وقال‪ :‬إن وجدتموهم تحت أستار الكعبة فاقتلوهم‪ ،‬وسماهم‬
‫بأسمائهم ستة‪ ،‬وهم‪ :‬عبد الله بن سعد بن أبي سرح‪ ،‬وعبد الله بن خطل‪،‬‬
‫والحويرث بن نقيذ‪ ،‬ومقيس بن صبابة‪ ،‬ورجل من بني تيم بن غالب‪.‬‬

‫ابن الزبعري‪ :‬ومما ل خفاء فيه أن ابن الزبعرى إنما ذنبه أنه كان شديد‬
‫العداوة لرسول الله بلسانه‪ ،‬فإنه كان من أشعر الناس‪ ،‬وكان يهجي شعراء‬
‫السلم مثل حسان وكعب ابن مالك‪ ،‬ثم إن ابن الزبعرى فر إلى نجران‪ ،‬ثم‬
‫قدم على النبي تائبا ً مسلما ً وله أشعار حسنة في التوبة والعتذار‪ ،‬فأهدر‬
‫دمه للسب‪.‬‬

‫ومن ذلك أن النبي كان يتوجه إلى قتل من يهجو‪ ،‬ويقول‪ :‬من يكفيني‬
‫عدوي؟ قال الموي سعيد بن يحيى بن سعيد في مغازية ‪ :‬حدثنا أبي قال‪:‬‬
‫أخبرني عبد الملك بن جريح عن عكرمة عن عبد الله بن عباس أن رجل ً من‬
‫المشركين شتم رسول الله‪ ،‬فقال رسول الله‪ :‬من يكفيني عدوي ؟ فقام‬
‫الزبير بن العوام‪ ،‬فقال‪ :‬أنا‪ ،‬فبارزه‪ ،‬فأعطاه رسول الله سلبه‪.‬‬

‫وروى أن رجل ً كان يسب النبي فقال‪ :‬من يكفيني عدوي؟ فقال خالد‪ :‬أنا‪،‬‬
‫فبعثه النبي إليه‪ ،‬فقتله‪.‬‬

‫مقتل ابن سنية اليهودي‪ :‬روى بإسناده عن محيصة أن رسول الله قال‪ :‬من‬
‫ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه‪ ،‬فوثب محيصة بن مسعود على ابن سنية‬
‫رجل من تجار يهود كان يلبسهم ويبايعهم‪ ،‬فقتله‪.‬‬

‫قصة ابن خطل وقتله وهو متعلق بأستار الكعبة‪ :‬في الصحيحين من حديث‬
‫الزهري عن أنس أن النبي دخل مكة عام الفتح‪ ،‬وعلى رأسه المغفر‪ ،‬فلما‬
‫نزعه جاء رجل فقال‪ :‬ابن خطل متعلق بأستار الكعبة‪ .‬فقال‪ :‬اقتلوه‪ .‬كما‬
‫ذكره أيضا ً الواقدي‬

‫قصة جماعة أمر النبي بقتلهم حيثما وجدوا‪ :‬كان في السنة الثانية عشرة‬
‫أن النبي أمر بقتل جماعة لجل سبه‪ ،‬وقتل جماعة لجل ذلك مع كفه‬
‫وإمساكه عمن هو بمنزلتهم في كونه كافرا ً حربياً‪ ،‬فمن ذلك ما قدمناه عن‬
‫سعيد بن المسيب أن النبي أمر يوم الفتح بقتل ابن الزبعرى وسعيد بن‬
‫المسيب ‪ -‬الصارم المسلول في شاتم الرسول لبن تيمية‪.‬‬

‫وأيضا ً عن قتل أنس بن زنيم الديلى ‪ -‬راجع الصارم المسلول في شاتم‬


‫الرسول ص ‪106‬‬

‫العصماء بنت مروان‪ :‬روى عن ابن عباس قال‪ :‬هجت امرأة من خطمة‬
‫النبي‪ ،‬فقال‪ :‬من لي بها؟ فقال عمير بن عدي من‬

‫قومها‪ :‬أنا يا رسول الله‪ ،‬فنهض فقتلها‪ ..‬فالتفت النبي إلى من حوله‬
‫فقال‪ :‬إذا أحببتم أن تنظروا إلى رجل نصر الله ورسوله بالغيب فانظروا‬
‫إلى عمير بن عدي ‪ -‬راجع الصارم المسلول في شاتم الرسول ص ‪96 - 95‬‬

‫المهجر ابن أبي أمية‪ :‬ذكر سيف بن عمر التميمي في كتاب الردة والفتوح‬
‫عن شيوخه‪ ،‬قال‪ :‬وُرفع إلى المهاجر ‪ -‬يعني المهاجر بن أبي أمية‪ ،‬وكان‬
‫أميرا ً على اليمامة ونواحيها ‪ -‬امرأتان مغنيتان غنت إحداهما بشتم النبي‪،‬‬
‫فقطع يدها‪ ،‬ونزع ثنيتيها‪ ،‬وغنت الخرى بهجاء المسلمين‪ ،‬فقطع يدها‪،‬‬
‫ونزع ثنيتها‪ ،‬فكتب إليه أبو بكر‪ :‬بلغني الذي سرت به في المرأة التي تغنت‬
‫وزمزمت بشتم النبي‪ ،‬فلول ما سبقتني لمرتك بقتلها ‪ -‬راجع الصارم‬
‫المسلول في شاتم الرسول ص ‪41‬‬

‫أبو عفك اليهودي‪ :‬ذكر أهل المغازي والسير قال الواقدي‪ :‬أن شيخا ً من‬
‫بني عمرو بن عوف يقال له أبو عفك كان يحرض على عداوة النبي‪ ،‬فلما‬
‫خرج رسول الله إلى بدر ظفره الله بما ظفره‪ ،‬ذكر قصيدة تتضمن هجاء‬
‫ي نذر أن أقتل أبا عفك أموت‬‫النبي وذم من اتبعه‪ ،‬فقال سالم بن عمير‪ :‬عل ّ‬
‫دونه ‪ ..‬فوضع السيف على كبده حتى خش في الفراش ‪ -‬راجع الصارم‬
‫المسلول في شاتم الرسول ص ‪106 - 105‬‬
‫أم قرفة وغزوة زيد بن حارثة‪ :‬أمر زيد بن حارثة قيس بن المسحر أن يقتل‬
‫أم قرفة فقتلها قتل ً عنيفاً؛ ثم قدموا على رسول الله بابنة أم قرفة وبابن‬
‫مسعدة‪ .‬حدثنا أحمد بن إسحاق بن بهلول‪ :‬حدثنا أبي‪ :‬حدثنا محمد بن عيسى‬
‫عن الوليد بن مسلم عن سعيد بن عبد العزيز أن أبا بكر قتل أم قرفة‬
‫الفزارية في ردتها قتلة مثلة شد رجليها بفرسين ثم صاح بهما فشقاها وأم‬
‫ورقة النصارية كان رسول الله يسميها الشهيدة فلما كان في خلفة عمر‬
‫قتلها غلمها وجاريتها فأتى بهما عمر بن الخطاب فقتلهما وصلبهما ‪ -‬راجع‬
‫سيرة ابن هشام ‪1417 \4‬‬

‫إذن يتضح لنا وبشكل جلي مما تقدم أن من شتم الرسول أو عابه أو انتقص‬
‫من قدره أو كذَّبه يُقتل وإن استتاب‪ .‬هذا ما أجمع عليه أكثرية علماء‬
‫السلم‪.‬‬

‫رغم هذا الجماع السلمي والمتشدد في حكم من آذى الرسول‪ ،‬نُفاجأ أن‬
‫شريعة السلم قد أباحت للمسلمين تجويزهم سب النبي في حال التقية‬
‫(الذي لم يقع فيها إكراه) ‪ -‬راجع‪ :‬فتاوى قاضيخان للفرغاني الحنفي ‪: 5‬‬
‫‪ 489‬وما بعدها‪ ،‬مطبوع بهامش الفتاوى الهندية‪ ،‬ط‪ ،4‬دار إحياء التراث‬
‫العربي‪ ،‬بيروت‪.‬‬

‫مثال ذلك أيضاً‪ :‬سرية مقتل كعب بن الشرف في السنة الثالثة من الهجرة‪:‬‬
‫عن جابر بن عبد الله قال رسول الله‪ :‬من لكعب بن الشرف فإنه قد آذى‬
‫الله ورسوله؟ فقام محمد بن مسلمة فقال‪ :‬يا رسول الله (أنا يا رسول‬
‫الله) أتحب أن أقتله؟ قال نعم‪ .‬قال‪ :‬فأأذن لي أن أقول شيئا ً (وهو‬
‫استئذان من النبي بأن يتكلم كلما ً وحتى لو كان منافيا ً لليمان وذلك‬
‫لظهار الكفر أمام كعب بن الشرف)‪ .‬قال النبي‪ :‬قل (فأذن له النبي بأن‬
‫يقول ما شاء) صحيح البخاري ‪ ،115 :5‬باب كعب بن الشرف‪ .‬وأيضا ً انظر‬
‫أحكام القرآن لبن العربي المالكي ‪ – 1257 :2‬الصارم المسلول على شاتم‬
‫الرسول لبن تيمية ص‪ - 71– 70‬البخاري ‪ , 2327‬ول يخفى أن ما طُلبه محمد‬
‫ة من الذن إنما هو لجل الحصول على ترخيص نبوي بالقول‬ ‫سل َ َ‬
‫م َ‬ ‫م ْ‬
‫بن َ‬
‫المخالف للشرع بغية الوصول إلى مصلحة إسلمية ل تتحقق إل ّ من هذا‬
‫الطريق‪ ،‬فجاء الذن النبوي بأن يقولوا ما يشاءون بهدف الوصول إلى تلك‬
‫المصلحة‪ .‬ومنه يعلم صحة ما مر سابقا ً بأن التقية كما قد تكون بدافع‬
‫الكراه‪ ،‬قد تكون أيضا ً بغيره‪ ،‬كما لو كان الدافع إليها غاية ومصلحة‪.‬‬

‫هذلي‪ :‬وكانت في السنة الرابعة وسببها‬ ‫ومنها أيضا ً سرية خالد بن سفيان ال ُ‬
‫عرنة وأنه يجمع الجموع‬ ‫هذلي يقيم ب ِ ُ‬‫أن النبي بلغه أن خالد بن سفيان ال ُ‬
‫لحرب المسلمين‪ ،‬فأمر رسول الله عبد الله بن أنيس بقتله‪ .‬قال‪ :‬واستأذنت‬
‫رسول الله أن أقول (هو نفس ما فعله إذن محمد بن مسلمة) فأذن لي ثم‬
‫قال لي‪ :‬انتسب إلى خزاعة ‪ ..‬وهذا كذب ولكنه مباح ‪ ..‬فلما انتهيت إليه‬
‫قال‪ :‬ممن الرجل؟ قلت‪ :‬من خزاعة … سمعت بجمعك لمحمد فجئتك لكون‬
‫معك (ففي هذا القول إظهار الموالة)‪ .‬قال‪ :‬أجل إني لجمع له‪ .‬قال عبد‬
‫ق‬
‫الله‪ :‬فمشيت معه وحدثته فاستحلى حديثي ‪ ..‬قال أبي سفيان إنه لم يل َ‬
‫أحد يشبهني ‪ ..‬وتفرق عنه أصحابه إلى منازل قريبة منه وهم يطيقون به‪،‬‬
‫فقال‪ :‬هلم يا أخا خزاعة فدنوت منه ‪ ..‬فقال‪ :‬اجلس ‪ ..‬قال عبد الله‪:‬‬
‫فجلست معه حتى إذا مدَّ الناس وناموا اغتلته فقتلته وأخذت رأسه ثم‬
‫خرجت …‪ .‬قدمت المدينة وجدت رسول الله فلما رآني قال‪ :‬أفلح الوجه ‪..‬‬
‫قلت أفلح وجهك يا رسول الله ثم وضعت الرأس بين يديه وأخبرته خبري‪- .‬‬
‫راجع الصارم المسلول على شاتم الرسول لبن تيمية‪.‬‬

‫ونظير هذا الحديث بالضبط ما رواه أحمد في مسنده‪ ،‬والطبري‪ ،‬وعبد‬


‫الرزاق‪ ،‬وأبو يعلى‪ ،‬والطبراني وغيرهم من حديث الصحابي الحجاج بن‬
‫علط السلمي وقصته بعد فتح خيبر‪ ،‬إذ استأذن النبي أن يذهب إلى مكة‬
‫لجمع أمواله من مشركي قريش على أن يسمح له النبي بأن يقول شيئاً‬
‫ر المشركين‪ ،‬فأذن له النبي‪ .‬انظر‪ :‬مسند أحمد ‪ 599 :3‬ـ ‪ 600‬حديث ‪12001‬‬ ‫يس ّ‬
‫‪ -‬والمعجم الكبير للطبراني ‪ - 3196 | 220 :3‬وتاريخ الطبري ‪ 139 :2‬في‬
‫حوادث سنة ‪ 7‬هجرية ‪ -‬ومثله في الكامل لبن الثير ‪ - 223 :2‬والبداية‬
‫والنهاية لبن كثير ‪ - 215 : 4‬والصابة لبن حجر ‪ - 327 :1‬ومجمع الزوائد ‪:6‬‬
‫‪.155‬‬

‫إذن من الممكن للمسلم إظهار موالته الكاملة لغير السلم ولو وصل المر‬
‫به إلى إظهار الشرك والكفر وشتم النبي!‬

‫سؤال‪ :‬أليس هذا هو النفاق والرهاب بعينه؟ هل تراني صدقت عندما قلت‬
‫في مقدمتي‪ :‬إن النفاق في السلم وسيلة‪ .‬والرهاب لغة حوار وتفاهم ؟!‬
‫الغريب في الموضوع هو أن الشريعة التي أباحت للمسلم إظهار موالته‬
‫الكاملة لغير المسلم في حالة التقية هي نفس الشريعة التي منعت وبشدة‬
‫المسلمين من موالة غير المسلمين‪ .‬هذا ما اتفق عليه علماء المسلمين‬
‫كافة‪ .‬وهذا ما سنبينه في الصفحات اللحقة‪.‬‬

‫ـ التقية وترويج السلم ـ‬

‫يتخذ المسلمون من عدم معرفة الغربي العادي لحقيقة السلم ولحقيقة‬


‫علومه الشرعية المختلفة ولجهله الكامل بلغة القرآن (العربية) استراتيجية‬
‫إعلمية ينطلقون منها لترويج سلعة السلم التي تحمل في باطنها عكس‬
‫ما تظهره‪.‬‬

‫فمن المتعارف عليه أن الغربي العادي الغير متخصص ضيق الفاق على‬
‫الكثير من السذاجة‪ ،‬ولكنه يسلم بسرعة إلى المنطق والواقع‪ .‬من هنا‬
‫عندما يرى ويسمع الغربي من خلل وسائل الخداع ‪ -‬العلن السلمي ‪ -‬أن‬
‫في القرآن آيات صريحة أو شبه صريحة تأمر المسلمين باليمان بجميع‬
‫أنبياء الله وكتبه دون تفرقة بينهم‪ ،‬وتأمرهم بعدم العتداء والصفح والرحمة‬
‫والصبر الجميل والعدل مع غير المسلمين‪ ،‬وعدم إكراههم في الدين إلى‬
‫آخر اليات والحاديث التي تظهر من وجهة نظر المسلمين سماحة ورحمة‬
‫وإنسانية وعدل وصدق السلم‪ .‬فمن المؤكد أن الغربي سيصدق ما يرى وما‬
‫يسمع من آيات قرآنية دون أن يأخذها بعين العتبار‪ .‬ولجهله باللغة العربية‬
‫وبالسلم وعلومه الشرعية المختلفة‪ ،‬فإنه يستحيل عليه فهم أو تفسير أي‬
‫نص قرآني وإن كان واضحا ً دون الرجوع إلى علوم القرآن المختلفة‬
‫كأسباب النزول والعام والخاص منه وناسخه ومنسوخه والمحكم والمتشابه‬
‫والمكي والمدني إلى ما ل آخر له من لئحة علوم القرآن التي يجهلها‬
‫العامة من المسلمين‪ ،‬فكم بالحرى الغربي الذي يجهل اللغة والدين أصل؟!‬

‫أمثلة توضيحية لكيفية عرض المسلمين للسلم على غير المسلمين ‪:‬‬

‫يحاول المجاهدون كل جهدهم‪ ،‬من خلل وسائل إعلمهم وإعلنهم‬


‫المختلفة‪ ،‬نفي وإبعاد صفة العنف والرهاب عن السلم‪ ،‬وإظهاره على أنه‬
‫دين سلم وسلم وسماحة ل كراهية فيه ول عدوان منه‪.‬‬

‫"والتاريخ يشهد كيف أن المسلمين قد عاملوا وتعاملوا مع أهل الكتاب في‬


‫كل زمان ومكان باحترام وعدل ورحمة وتسامح‪ .‬لهم ما للمسلمين وعليهم‬
‫ما على المسلمين‪ .‬لكن أعداء السلم ‪ -‬من اليهود الحاقدين والنصارى‬
‫المشركين ‪ -‬الذين يكيدون له ويتربصون بأهله يحاولون أقصى جهودهم‬
‫لتشويه سمعة وصورة السلم والمسلمين‪ .‬وذلك خوفا ً من سرعة انتشار‬
‫السلم العظيم‪ ،‬ومن الصحوة السلمية المباركة‪ ،‬وحسدا ً من عند أنفسهم‬
‫كما أخبر بذلك العزيز الحكيم في كتابه الكريم‪ } :‬ود كثير من أهل الكتاب لو‬
‫يردونكم من بعد أيمانكم كفارا ً حسدا ً من أنفسهم { البقرة ‪.109‬‬

‫لم يترك المغضوب عليهم ول الضالين فرية إل ونسبوها للسلم الوديع‬


‫والسمح‪ ،‬من تلك الفتراءات‪ :‬أن (السلم دين شجع ومارس العنف‬
‫والرهاب مع غير المسلمين)‪( .‬إنه دينا ً قد اعتمد على السيف لنشر تعاليمه‬
‫وكلغة للحوار)‪( .‬إن المسلمين قد أجبروا الكثير من الناس على الدخول في‬
‫السلم ونبذ معتقداتهم عمل ً بتعاليم السلم)‪( .‬شريعة السلم سلبت‬
‫حقوق وحريات غير المسلمين في المجتمع السلمي‪ ،‬وتعاملت معهم‬
‫وعاملتهم بطرق غير إنسانية ل تتمشى وروح الدين وأخلقياته‪ ،‬ول مع‬
‫العلن العالمي لحقوق النسان)‪ .‬إلى آخر الدسائس والفتراءات التي ل‬
‫حصر لها والمنسوبة زورا ً وبهتانا ً للسلم السمح والوديع‪".‬‬

‫بعد تلك السطوانة المشروخة من كثرة العادة‪ ،‬يبدأ المسلمون بالستشهاد‬


‫ببعض اليات القرآنية والحاديث النبوية والخطب العصماء الفصيحة كلسان‬
‫قريش والتي ترمي بكامل المسؤولية على أعداء السلم الذين يحاولون‬
‫أقصى جهودهم لتشويه صورة السلم السمح‪:‬‬

‫عباد الله الصالحين يا خير أمة أخرجت للناس؛ إن اليهود الحاقدين أحفاد‬
‫القردة والخنازير والنصارى المشركين الذين يسعون في الرض فساداً‬
‫يحرفون الحقائق عن موضعها بافتراءات مفادها أن السلم دين قام على‬
‫العنف والرهاب‪ ،‬وأن السلم السمح والمسالم قد علم أتباعه العدوانية‬
‫وكراهية الخرين‪.‬‬

‫لقد فات المغضوب عليهم والضالون أن السلم قد نهى المسلمين وبشدة‬


‫من العتداء على الخرين بقوله تعالى } ل تعتدوا إن الله ل يحب المعتدين{‬
‫البقرة ‪.190‬‬

‫لقد فات الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباب من دون الله أن الجهاد في‬
‫شرع لرد أذى المعتدين ولم يشرع الجهاد للعتداء على الخرين‬ ‫السلم إنما ُ‬
‫وإجبارهم على الدخول في السلم‪ ،‬وهذا واضح في قوله تعالى }وقاتلوا‬
‫في سبيل الله الذين يقاتلونكم ول تعتدوا إن الله ل يحب المعتدين{ البقرة‬
‫‪} .190‬ول تقتلوا النفس التي حرم الله قتلها إل بالحق{ النعام ‪} .151‬ادع‬
‫إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن{‬
‫النحل ‪125‬‬

‫لكن أعداء السلم من يهود حاقدين ونصارى مشركين قد عبروا عن كلمة‬


‫(الجهاد) بالحرب المقدسة التي تطول بسيفها اللهي المسلول جميع الذين‬
‫هم غير مسلمين‪ .‬وقد فسروها تفسيرا ً منكرا ً وتفننوا فيها وألبسوها ثوباً‬
‫فضفاضا ً من المعاني المموهة والملفقة‪ ،‬وقد بلغ المر في ذلك أن أصبحت‬
‫كلمة (الجهاد) عندهم عبارة عن شراسة الطبع والخلق والهمجية وسفك‬
‫الدماء‪ .‬وقد كان من لباقتهم وسحر بيانهم وتشويههم لوجوه الحقائق‬
‫الناصعة أنه كلما سمع الناس كلمة (الجهاد) تمثلت أمام أعينهم صورة‬
‫مواكب من الهمج المحتشدة‪ ،‬مصلية سيوفها‪ ،‬متقدة صدورها بنار التعصب‬
‫والغضب‪ ،‬متطايرا ً من عيونها شرار الفتك والنهب‪ ،‬عالية أصواتها بهتاف‬
‫"الله أكبر" زاحفة إلى المام‪ ،‬ما أن رأت كافرا ً حتى أمسكت بخناقه وجعلته‬
‫بين أمرين‪ :‬إما أن يقول كلمة (ل اله إل الله) فينجو بنفسه وإما أن يُضرب‬
‫عنقه فتشحب أوداجه دماً‪ .‬وقد رسم الدهاة هذه الصورة بلباقة فائقة‬
‫وتفننوا فيها بريشة المتفنن المبدع‪ ،‬وكتبوا تحتها‪( :‬هذه الصورة مرآة لما‬
‫كان بسلف هذه المة من شره إلى سفك الدماء وجشع إلى الفتك‬
‫بالبرياء)‪.‬‬

‫ول يسعنا هنا إل أن نقول لجميع الذين وقعوا تحت تأثير الخبث والدهاء‬
‫الصهيوني والصليبي‪ :‬ل تقلقوا أيها السادة نحن مجرد دعاة مبشرون ندعو‬
‫إلى دين الله‪ ،‬دين المن والسلم‪ .‬نبلغ كلم الله تبليغ الرهبان والدراويش‬
‫والصوفية بالحكمة والموعظة الحسنة‪ ،‬ونجادل من يعارضنا بالتي هي‬
‫أحسن بالخطب والرسائل والمقالت حتى يؤمن من يؤمن بدعوتنا عن بينة‪.‬‬
‫أيها السادة ل تقلقوا فهذا ليس جهادنا‪ .‬جهادنا هو الجهد النساني‬
‫المتواصل في طاعة الله ورسوله‪ ،‬جهادنا هو جهاد باللسان والقلم والكلمة‬
‫والموعظة الحسنة‪ .‬هذه هي دعوتنا ل تزيد ول تنقص‪ .‬أما السيف والقتال‬
‫به فمعاذ الله أن نمت إليه بصلة‪ .‬اللهم إل أن يُقال إننا ربما دافعنا عن‬
‫أنفسنا حيثما اعتدى علينا أحد‪.‬‬

‫يقول شيخ السلم ابن تيميه في كتابه الجهاد ‪" :10-1/9‬إن شريعة السلم‬
‫ترفض القوة لجبار الناس إلى اعتناقه‪ ،‬ونبيه صلعم ل يرضى بغير القناع‬
‫العقلي بديل ً لدخول الفراد في السلم! يقول الله تعالى مخاطبا ً رسوله‬
‫الكريم ‪ -‬عندما رغب في إيمان بعض أقاربه وألح عليه في ذلك ‪ } -‬أفأنت‬
‫تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين{‪ .‬ويقول تعالى للبشرية كلها} ل إكراه في‬
‫الدين{ والدعوة إلى الدين في شرع السلم يجب أن تكون بالكلمة الطيبة‬
‫والقناع السليم‪ .‬يقول تعالى }ادع إلى سبل ربك بالحكمة والموعظة‬
‫الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن{‪.‬‬

‫يقول الشيخ يوسف القرضاوي‪" :‬لم يشهد تاريخ الديان تسامحا ً نظير‬
‫تسامح السلم والمسلمين مع غير المسلمين في المجتمع السلمي‬
‫وخارجه قديما ً وحديثاً‪ .‬إن تاريخ التسامح السلمي مع أهل الديان الخرى‬
‫تاريخ ناصع البياض‪ ،‬وقد شهد التاريخ كيف عاش هؤلء في غاية المان‬
‫والحرية والكرامة داخل المجتمع السلمي باعتراف المؤرخين المنصفين‬
‫ولوا هذا‬ ‫من الغربيين أنفسهم‪ ،‬ولكن قوما ً لبسوا مسوح العلم يريدون أن ي ُ َ‬
‫ق ِّ‬
‫ملوه ما لم يحمله عنوة وافتعال ً يصطادون في الماء‬ ‫التاريخ ما لم يقله‪ ،‬ويح ِّ‬
‫هدهم أن يشوهوا تاريخ‬ ‫ْ‬ ‫ج‬
‫َ‬ ‫هدوا‬
‫ِ‬ ‫ج‬
‫َ‬ ‫الشريرة‬ ‫الغاية‬ ‫العكر‪ .‬وفي سبيل هذه‬
‫ً‬
‫التسامح السلمي الذي لم تعرف له النسانية نظيرا‪ ،‬متذرعين بحوادث‬
‫جزئية قام بها بعض العوام أو الرعاع في بعض البلد وبعض الزمان نتيجة‬
‫لظروف وأسباب خاصة تحدث في كل بلد الدنيا إلى يومنا هذا – راجع غير‬
‫المسلمين في المجتمع السلمي للشيخ يوسف القرضاوي‪.‬‬

‫في جعبة الداعية المسلم كل شيء جاهز وكل شيء موجود تحت الطلب‪ .‬ما‬
‫على السائل إل أن يحدد مطلبه؛ خطب عصماء‪ ،‬أحاديث وروايات‪ ،‬حجج‬
‫وأعذار شرعية‪ ،‬أحاديث قدسية‪ ،‬وآيات قرآنية‪.‬‬

‫‪3‬ـ اليات المنسوخة ـ‬

‫‪ .1‬فإذا أراد المسلم إظهار السلم على أنه دين سلم تراه يخرج من‬
‫جعبته آية سورة النفال‪ } :‬وإن جنحوا للسلم فاجنح لها{ أنفال ‪ .61‬وقد‬
‫أجمع علماء المسلمين على أن آية النفال ‪ 61‬مكية‪.‬‬

‫قال النيسابوري في كتابه الناسخ والمنسوخ‪ :‬سورة النفال مدنية إل آيتان‬


‫نزلتا في مكة‪ .‬فيها من المنسوخ ستة آيات يهمنا منها الية الثالثة‪ } :‬وإن‬
‫جنحوا للسلم فاجنح لها{ أنفال ‪ 61‬نسختها آية سورة التوبة ‪} :29‬وقاتلوا‬
‫الذين ل يؤمنون بالله ول باليوم الخر ول يحرمون ما حرم الله ورسوله ول‬
‫يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم‬
‫صاغرون{ ‪ -‬راجع المصدر السابق ص ‪.177-176‬‬

‫سؤال‪ :‬كيف يجنح المسلمون للسلم والقرآن نفسه يأمرهم بعدم الجنوح‬
‫سلْم َ‬
‫ن{محمد‬ ‫عل َ ْ‬
‫و َ‬ ‫م ال ْ‬ ‫عوا إِلَى ال َّ ِ َ‬
‫وأنت ُ ُ‬ ‫وتَدْ ُ‬
‫هنُوا َ‬
‫للسلم وذلك في قوله‪} :‬فل ت َ ِ‬
‫‪.35‬‬

‫عوا‬
‫وتَدْ ُ‬
‫هنُوا َ‬
‫للسلم ونص آية سورة محمد صريح وواضح }فل ت َ ِ‬ ‫كيف يجنحون‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن{؟‬‫و َ‬
‫عل ْ‬‫م ال ْ‬
‫وأنت ُ ُ‬‫سلْم ِ َ‬
‫إِلَى ال َّ‬

‫الجنوح إلى السلم يعني تعطيل فريضة الجهاد‪ .‬فهل يجوز شرعا ً تعطيل‬
‫الفريضة؟ سؤال ً نوجهه للجانحين للسلم ‪..‬‬

‫‪ .1‬وإذا أراد المسلم أن يظهر السلم على أنه دين ل اعتداء فيه ول‬
‫َ‬ ‫قتُلُوا ْ الن َّ ْ‬
‫س ال ّتِي‬
‫ف َ‬ ‫ول َ ت َ ْ‬
‫عدوان منه‪ ،‬تراه يخرج من جعبته آية سورة النعام‪َ } :‬‬
‫َ‬
‫ق{ النعام ‪.151‬‬ ‫ه إِل ّ بِال ْ َ‬
‫ح ِّ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫حَّر َ‬
‫َ‬
‫عتَدُواْ‬ ‫َ‬
‫ول َ ت َ ْ‬ ‫قاتِلُونَك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ل الل ّ ِ‬
‫سبِي ِ‬
‫في َ‬‫قاتِلُوا ْ ِ‬
‫و َ‬
‫وآية سورة البقرة‪َ } :‬‬
‫دين{ البقرة‪.190‬‬ ‫عت َ ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ح ِّ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ل َ يُ ِ‬ ‫إ ِ َّ‬

‫فقد قال المام الطبري‪( :‬اختلف أهل التأويل في تأويل هذه الية‪ ،‬فقال‬
‫بعضهم هذه الية هي أول آية نزلت في أمر المسلمين بقتال أهل الشرك‪،‬‬
‫وقالوا أُمر فيها المسلمين بقتال من قاتلهم من المشركين والكف عمن‬
‫كف عنهم ثم نُسخت ببراءة) ‪ -‬تفسير الطبري‪.561/ 3‬‬

‫‪ .1‬ثم نقل ذلك القول بسنده عن الربيع بن أنس وعبد الرحمن بن زيد بن‬
‫أسلم‪ ،‬ثم قال‪( :‬وقال آخرون بل ذلك أمر من الله تعالى ذكره للمسلمين‬
‫بقتال الكفار لم يُنسخ‪ ،‬وإنما العتداء الذي نهاهم عنه هو نهيه عن قتل‬
‫النساء والذراري) ‪ -‬تفسير الطبري‪ - 562/ 3‬أحكام القرآن للجصاص ‪3/437‬و‬
‫‪.436‬‬

‫فهذه أقوال السلف في هذه الية‪ ،‬وهي ل تخرج عن أحد المعنيين‬


‫اللذين أشار إليهما الطبري‪ .‬ول نعلم أحدا ً من السلف قال بمثل ما قال به‬
‫الكاتب من دللة الية على أنه ل يُقاتل الكفار إل إن ظهر منهم عدوان‪.‬‬

‫‪ .2‬قال ابن كثير في تفسيره‪( :‬أي ل ينهاكم عن الحسان إلى الكفرة‬


‫الذين ل يقاتلونكم في الدين كالنساء والضعفة منهم) ‪ -‬تفسير القرآن‬
‫العظيم ‪ .4/350‬إذن المقصود بعدم العتداء هو‪ :‬النهي عن قتل النساء‬
‫والذراري ومن ليس من أهل القتال‪.‬‬

‫‪ .3‬قال النيساوري في كتابه (الناسخ والمنسوخ) هذه هي الية الرابعة‬


‫عشر من اليات الثلثين المنسوخة في سورة البقرة‪} :‬وقاتلوا في سبيل‬
‫الله الذين يقاتلونكم ول تعتدي إن الله ل يحب المعتدين{ بقرة ‪ .190‬نسختها‬
‫آية سورة التوبة ‪} 36‬وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة{‬
‫وبقوله }اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم{‪.‬‬

‫‪ .4‬ويقول النيسابوري في قوله }ول تعتدوا{ هذا كان في البتداء ‪ -‬عندما‬


‫كان السلم ضعيفا ً ‪ -‬راجع الناسخ والمنسوخ للنيسابوري ص ‪.66-65‬‬

‫سؤال‪ :‬كيف يأمر القرآن بعدم قتل النفس في الوقت الذي جعل فيه‬
‫علَيْك ُ ُ‬
‫م‬ ‫ب َ‬‫القتال فريضة إلهية مقدسة مثلها مثل الصلة والصيام‪} :‬كُت ِ َ‬
‫ل{ سورة البقرة ‪ .216‬وما‬ ‫م ال ْ ِ‬
‫قتَا ُ‬ ‫علَيْك ُ ُ‬ ‫م{ سورة البقرة ‪} .183‬كُت ِ َ‬
‫ب َ‬ ‫صيَا ُ‬
‫ال ِّ‬
‫هي الحالت الذي يحق للمسلم فيها قتل النفس بالحق؟ وهل قتل غير‬
‫المسلم يعتبر من حالت قتل الحق؟ أجيبونا جزاكم الله كل خير‪.‬‬
‫كيف يأمر القرآن بعدم القتل والله نفسه يحب القتال والمقاتلين‪} :‬إ ِ َّ‬
‫ن‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫ه{ سورة الصف ‪.4‬‬ ‫سبِيل ِ ِ‬
‫في َ‬ ‫قاتِلُو َ‬
‫ن ِ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ح ّ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ه يُ ِ‬
‫كيف يطالب القرآن المسلمين بعدم العتداء في الوقت الذي يطالبهم‬
‫َ‬
‫ن‬‫منُو َ‬ ‫ن ل َ يُ ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫قاتِلُوا ْ ال ّ ِ‬ ‫وبشدة بالعتداء على الخرين وذلك في قوله‪َ } :‬‬
‫ق‬
‫َ ِّ‬‫ح‬‫ْ‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫دي‬ ‫ن‬ ‫و‬
‫َ ِ ُ َ ِ َ‬ ‫ن‬ ‫دي‬‫ي‬ ‫َ‬ ‫ول‬ ‫ُ َ‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫سول‬‫وَر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫م الل ّ ُ‬‫حَّر َ‬‫ما َ‬ ‫ن َ‬‫مو َ‬‫ر ُ‬ ‫ول َ ي ُ َ‬
‫ح ِّ‬ ‫ر َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ول َ بِالْي َ ْ‬
‫وم ِ ال ِ‬ ‫ه َ َ‬‫بِالل ّ ِ‬
‫ن{ التوبة ‪. 29‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫غُرو َ‬ ‫صا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬
‫و ُ‬‫د َ‬‫عن ي َ ٍ‬ ‫ة َ‬‫جْزي َ َ‬‫عطوا ال ِ‬ ‫حت ّى ي ُ ْ‬ ‫ب َ‬ ‫ن أوتُوا الكِتَا َ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬‫ِ‬
‫لحظوا كيف أن الية تبدأ بأمر (قاتلوا)‪.‬‬

‫ه{ البقرة ‪.193‬‬ ‫ن لِل ّ ِ‬‫دّي ُ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫ويَكُو َ‬ ‫ة َ‬ ‫فتْن َ ٌ‬‫ن ِ‬ ‫حتَّى ل َ تَكُو َ‬ ‫م َ‬ ‫قاتِلُو ُ‬
‫ه ْ‬ ‫و َ‬ ‫وفي قوله } َ‬
‫ُ‬
‫ه لِلّه{ سورة النفال ‪.39‬‬ ‫ن كُل ّ ُ‬ ‫دّي ُ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫ويَكُو َ‬ ‫ة َ‬ ‫فتْن َ ٌ‬
‫ن ِ‬ ‫حتَّى ل َ تَكُو َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫قاتِلُو ُ‬ ‫و َ‬‫} َ‬
‫م‬
‫ه ْ‬ ‫مو ُ‬ ‫جدت ُّ ُ‬‫و َ‬ ‫ث َ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ركِي َ‬ ‫ش ِ‬ ‫م ْ‬ ‫قتُلُوا ْ ال ْ ُ‬ ‫فا ْ‬ ‫م َ‬ ‫حُر ُ‬ ‫هُر ال ْ ُ‬ ‫ش ُ‬ ‫خ ال َ ْ‬ ‫سل َ َ‬ ‫فإِذَا ان َ‬ ‫وقوله‪َ } :‬‬
‫واْ‬ ‫ت‬ ‫وآ‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫صل‬‫َ‬ ‫ال‬ ‫ْ‬ ‫موا‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫وأ‬ ‫ْ‬ ‫وا‬ ‫ب‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫فإ‬‫َ‬ ‫د‬ ‫ص‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫وا‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫ْ‬
‫ق‬ ‫وا‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫رو‬
‫َ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ ٍ ِ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ح ُ ُ‬
‫ص‬ ‫وا ْ‬
‫ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫خذُو ُ‬
‫و ُ‬
‫َ‬
‫م{ التوبة ‪.5‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر َّر ِ‬ ‫َ‬
‫هغ ُ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫َ‬ ‫م إِ ّ‬‫ه ْ‬ ‫َ‬
‫سبِيل ُ‬ ‫خلوا َ‬‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ف َ‬ ‫الَّزكاةَ َ‬
‫َ‬

‫‪ .1‬وإذا أراد المسلم أن يظهر السلم على أنه دين ضمن حرية العبادة‬
‫د‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫ن‬
‫دي ِ‬ ‫للمخالفين‪ ،‬تراه يخرج من جعبته آية سورة البقرة‪} :‬ل إِكَْراهَ ِ‬
‫في ال ِّ‬
‫ن الغي{ البقرة ‪ .256‬هذه الية من اليات المنسوخات‪.‬‬ ‫م ْ‬
‫شدُ ِ‬ ‫تَبَي َّ َ‬
‫ن الُّر ْ‬

‫‪ .1‬قال النيسابوري في كتابه الناسخ والمنسوخ‪ :‬أنها الية السابعة‬


‫والعشرون بحسب تسلسل المنسوخ في آيات سورة البقرة نسختها آية‬
‫السيف (التوبة ‪ .)5‬راجع الناسخ والمنسوخ للنيسابوري ص ‪.97- 96‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه بِال ْ ُ‬
‫هدَى‬ ‫سول َ ُ‬ ‫س َ‬
‫ل َر ُ‬ ‫ذي أْر َ‬ ‫و ال ّ ِ‬
‫ه َ‬‫سؤال‪ :‬كيف ل يكون إكراه في الدين و} ُ‬
‫ركون{ الصف ‪ 9‬والفتح‬ ‫ُ‬ ‫ش ِ‬‫م ْ‬‫رهَ ال ْ ُ‬ ‫ول َ ْ‬
‫و كَ ِ‬ ‫ن كُل ِّ ِ‬
‫ه َ‬ ‫علَى ال ِ‬
‫دّي ِ‬ ‫ق لِيُظْ ِ‬
‫هَرهُ َ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫ح ِّ‬ ‫وِدي ِ‬
‫َ‬
‫‪ .28‬هل يناقض القرآن نفسه؟‬

‫‪ .1‬وإذا أراد المسلم أن يظهر السلم على أنه دين تسامح وعفو‪ ،‬تراه‬
‫يخرج من جعبته آية سورة المائدة‪} :‬فاعف عنهم واصفح إن الله يحب‬
‫المحسنين{ المائدة ‪.13‬‬

‫كيف يأمر بالعفو والصفح وهو الذي يأمر اتباعه بقتل المخالفين أينما‬
‫م{ البقرة ‪.191‬‬‫ه ْ‬
‫مو ُ‬ ‫ق ْ‬
‫فت ُ ُ‬ ‫ث ثَ ِ‬
‫حي ْ ُ‬
‫م َ‬ ‫قتُلُو ُ‬
‫ه ْ‬ ‫وا ْ‬
‫وجودوا‪َ } :‬‬
‫م‬
‫ه ْ‬‫قتُلُو ُ‬
‫وا ْ‬
‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫خذُو ُ‬ ‫م{ النساء ‪َ } .89‬‬
‫ف ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫مو ُ‬ ‫جدت َّ ُ‬‫و َ‬‫ث َ‬ ‫حي ْ ُ‬‫م َ‬‫ه ْ‬ ‫قتُلُو ُ‬ ‫وا ْ‬
‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫خذُو ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫} َ‬
‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ركِي َ‬‫مش ِ‬ ‫م فاقتُلوا ال ُ‬ ‫حُر ُ‬ ‫هُر ال ُ‬ ‫سلخ الش ُ‬ ‫م{ النساء ‪} 91‬فإِذَا ان َ‬ ‫ه ْ‬ ‫مو ُ‬ ‫قفت ُ ُ‬ ‫ث ثِ ِ‬ ‫حي ْ ُ‬‫َ‬
‫د{ التوبة ‪.5‬‬ ‫ص ٍ‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫هم ك ُ َّ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫وا‬ ‫ُ‬ ‫د‬ ‫ع‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ق‬ ‫وا‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫رو‬ ‫ص‬ ‫ح‬
‫ْ‬ ‫وا‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ُو‬ ‫ذ‬ ‫خ‬
‫ُ‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫مو‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫جد‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ث‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ح‬ ‫َ‬
‫َ ْ َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫‪ .1‬قال النيسابوري في كتابه الناسخ والمنسوخ عن آية السيف التوبة ‪:5‬‬
‫هي آخر ما أُنزل من القرآن‪ .‬هي الية الناسخة‪ ،‬نسخت من القرآن مائة آية‬
‫وأربعا ً وعشرين آية ‪ -‬راجع المصدر السابق ‪.284‬‬

‫‪ .1‬وإذا أراد المسلم أن يُظهر السلم على أنه دين تعامل بكل إنسانية مع‬
‫ل‬ ‫جاِدلُوا أ َ ْ‬
‫ه َ‬ ‫أهل الكتاب‪ ،‬تراه يخرج من جعبته آية سورة العنكبوت‪} :‬ول ت ُ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م{ العنكبوت ‪.46‬‬ ‫ه ْ‬
‫من ْ ُ‬ ‫ن ظَل َ ُ‬
‫موا ِ‬ ‫ن إل ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫س ُ‬
‫ح َ‬
‫يأ ْ‬ ‫ب إل بِال ّتِي ِ‬
‫ه َ‬ ‫الْكِتَا ِ‬
‫‪ .1‬قال النسيابوري في آية سورة العنكبوت ‪ 46‬فيها من المنسوخ آية‬
‫واحدة‪} :‬ول تجادلوا أهل الكتاب إل بالتي هي أحسن إل الذين ظلموا منهم‬
‫وقولوا آمنا بالذي انزل إلينا وانزل إليكم{ العنكبوت ‪ .46‬نسختها آية سورة‬
‫التوبة ‪} :29‬وقاتلوا الذين ل يؤمنون بالله ول باليوم الخر ول يحرمون ما‬
‫حرم الله ورسوله ول يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا‬
‫الجزية عن يد وهم صاغرون{ ‪ -‬راجع المصدر السابق ص ‪.255‬‬

‫م أل ن َ ْ‬
‫عبُدَ إل‬ ‫وبَيْنَك ُ ْ‬
‫ء بَيْنَنَا َ‬
‫وا ٍ‬
‫س َ‬
‫ة َ‬ ‫وا إِلَى كَل ِ َ‬
‫م ٍ‬ ‫عال َ ْ‬ ‫ل يا أهل الْكِتَا ِ‬
‫ب تَ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫‪ .2‬وآية‪ُ } :‬‬
‫َ‬
‫ه شيْئا{ آل عمران ‪ .64‬وآية ‪}:‬ادع إلى سبل ربك بالحكمة‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫رك ب ِ ِ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ه ول ن ُ ْ‬
‫ش ِ‬
‫والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن{ النحل ‪ 125‬منسوخة‪ ،‬نسختها‬
‫آية السيف ‪ -‬راجع المصدر السابق ص ‪.210‬‬

‫ـ ملحظة‪ :‬جميع آيات الصفح والعفو منسوخة ـ‬

‫‪ .1‬وإذا أراد المسلم أن يظهر السلم على أنه دين ذو علقة متميزة مع‬
‫َ‬ ‫ن أَ َ‬
‫شدََّ الن ّا ِ‬
‫س‬ ‫جدَ َّ‬
‫جعبته آية سورة المائدة‪} :‬لَت َ ِ‬ ‫المسيحيين‪ ،‬تراه يخرج من‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫منُوا‬‫نآ َ‬
‫ذي َ‬ ‫َ‬
‫ودّةً لِل ِ‬‫م َ‬ ‫م َ‬‫ه ْ‬ ‫نأ ْ‬
‫قَرب َ ُ‬ ‫جدَ ّ‬
‫ولت َ ِ‬ ‫ُ‬ ‫نأ ْ‬
‫شَركوا َ‬ ‫ذي َ‬
‫وال ِ‬ ‫منُوا الْي َ ُ‬
‫هودَ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫وةً لِل ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ع َدَا َ‬‫َ‬
‫صاَرى{ المائدة ‪.82‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ا‬‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬‫ِ‬ ‫إ‬ ‫وا‬ ‫ُ‬ ‫قال‬‫َ‬ ‫ن‬‫ِ َ‬‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ال‬

‫كيف يكون النصارى أقرب مودة للمسلمين والقرآن يطالبهم بعدم‬


‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫منُوا لَ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫التقرب لهم وعدم اتخاذهم أصدقاء وذلك في قوله‪} :‬يَا أي ُّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فإِن َّ ُ‬
‫ه‬ ‫م َ‬‫منك ُ ْ‬‫هم ِّ‬ ‫ول ّ ُ‬‫من يَت َ َ‬‫و َ‬
‫ض َ‬
‫ع ٍ‬ ‫مأ ْ‬
‫ولِيَاء ب َ ْ‬ ‫ه ْ‬
‫ض ُ‬‫ع ُ‬ ‫ولِيَاء ب َ ْ‬
‫َّ‬ ‫صاَرى أ ْ‬ ‫والن َّ َ‬ ‫هودَ َ‬ ‫خذُوا ْ الْي َ ُ‬ ‫تَت َّ ِ‬
‫ن{ المائدة ‪51‬‬ ‫مي َ‬ ‫م الظال ِ ِ‬ ‫و َ‬‫ق ْ‬ ‫ْ‬
‫دي ال َ‬ ‫ه ل َ يَ ْ‬
‫ه ِ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫َ‬ ‫م إِ ّ‬
‫ه ْ‬
‫من ْ ُ‬ ‫ِ‬
‫‪ .2‬وإذا أراد المسلم أن يظهر السلم على أنه دين يساوي بين المؤمنين‬
‫هادُواْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ن َ‬ ‫وال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫منُوا ْ َ‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬‫كافة‪ ،‬تراه يخرج من جعبته آية سورة البقرة‪{ :‬إ ِ ّ‬
‫فل َهم أ َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ه‬
‫ُ‬
‫ُ ْ‬ ‫ر‬ ‫ج‬
‫ْ‬ ‫ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫حا‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫صا‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫و‬
‫ر َ‬ ‫خ ِ‬ ‫والْي َ ْ‬
‫وم ِ ال ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن بِالل ّ ِ‬‫م َ‬‫نآ َ‬‫م ْ‬ ‫ن َ‬‫صابِئِي َ‬‫وال َّ‬ ‫صاَرى َ‬ ‫والن َّ َ‬ ‫َ‬
‫زنُون} البقرة ‪62‬‬ ‫ح َ‬‫م يَ ْ‬ ‫ول َ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫م َ‬‫ه ْ‬‫علَي ْ ِ‬
‫ف َ‬‫و ٌ‬ ‫خ ْ‬ ‫ول َ َ‬‫م َ‬
‫ه ْ‬
‫عندَ َرب ِّ ِ‬ ‫ِ‬

‫عندَ الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ن ِ‬
‫دّي َ‬ ‫مع قوله‪} :‬إ ِ َّ‬
‫ن ال ِ‬ ‫‪62‬‬ ‫سؤال‪ :‬هل تتماشى آية سورة البقرة‬
‫سل َ ُ‬
‫م{ آل عمران ‪.19‬‬ ‫ال ِ ْ‬
‫ن‬
‫م َ‬
‫ة ِ‬
‫خَر ِ‬
‫في ال ِ‬
‫و ِ‬
‫ه َ‬
‫و ُ‬
‫ه َ‬
‫من ْ ُ‬
‫ل ِ‬ ‫فلَن ي ُ ْ‬
‫قب َ َ‬ ‫سلَم ِ ِدينًا َ‬ ‫غ َ‬
‫غيَْر ال ِ ْ‬ ‫من يَبْت َ ِ‬‫و َ‬‫} َ‬
‫ن{ آل عمران ‪.85‬‬ ‫ري َ‬‫س ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫خا ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫فمن يرد الل ّ َ‬
‫ع ْ‬
‫ل‬ ‫ج َ‬ ‫ضل ّ ُ‬
‫ه يَ ْ‬ ‫ردْ أن ي ُ ِ‬
‫من ي ُ ِ‬ ‫سلَم ِ َ‬
‫و َ‬ ‫صدَْرهُ لِل ِ ْ‬
‫ح َ‬ ‫ه يَ ْ‬
‫شَر ْ‬ ‫دي َ ُ‬
‫ه ِ‬‫ه أن ي َ ْ‬
‫ُ‬ ‫ُ ِ ِ‬ ‫} َ َ‬
‫قا{ النعام ‪.125‬‬ ‫ضي ِّ ً‬‫صدَْرهُ َ‬
‫َ‬
‫‪ .3‬وإذا أراد المسلم أن يظهر السلم على أنه قد آمن بالتوراة والنجيل‬
‫بعكس اليهود والمسيحيين الذي ل يؤمنون أن القرآن كتاب سماوي‪ ،‬تراه‬
‫يخرج من جعبته آيات سورة المائدة‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫د ذَل ِ َ‬
‫ك‬ ‫ع ِ‬
‫ن بَ ْ‬‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ول ّ ْ‬
‫و َ‬ ‫ه ث ُ َّ‬
‫م يَت َ َ‬ ‫م الل ّ ِ‬‫حك ْ ُ‬ ‫ها ُ‬ ‫في َ‬‫وَراةُ ِ‬ ‫م الت َّ ْ‬
‫ه ُ‬‫عنْدَ ُ‬ ‫و ِ‬‫ك َ‬ ‫مون َ َ‬ ‫حكِّ ُ‬ ‫ف يُ َ‬ ‫وكَي ْ َ‬ ‫} َ‬
‫ن{ المائدة ‪.43‬‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ؤ‬‫ْ‬ ‫م‬ ‫ْ‬
‫ِ ُ‬ ‫ال‬ ‫ب‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫ما أُول َ‬
‫و َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫موا لِل ّ ِ‬ ‫سل َ ُ‬‫نأ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ها النَّبِيُّو َ‬ ‫م بِ َ‬‫حك ُ ُ‬‫ونُوٌر ي َ ْ‬‫هدًى َ‬ ‫ها ُ‬ ‫في َ‬‫وَراةَ ِ‬ ‫}إِنَّا أنَْزلْنَا الت َّ ْ‬
‫َّ‬
‫ه{ المائدة‪44‬‬ ‫ب الل ِ‬ ‫ن كِتَا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫فظُوا ِ‬ ‫ح ِ‬
‫ست ُ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫حبَاُر ب ِ َ‬‫وال َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫والَّربَّانِيُّو َ‬ ‫هادُوا َ‬ ‫َ‬
‫ق َّ‬
‫ة‬ ‫ن الت َّ ْ‬
‫وَرا ِ‬ ‫م َ‬‫ه ِ‬‫ن يَدَي ْ ِ‬ ‫ما بَي ْ َ‬
‫قا ل ِ َ‬‫دّ ً‬
‫ص ِ‬‫م َ‬
‫م ُ‬ ‫مْري َ َ‬‫ن َ‬ ‫سى اب ْ ِ‬‫عي َ‬‫م بِ ِ‬‫ه ْ‬
‫ر ِ‬‫علَى آثَا ِ‬
‫فيْنَا َ‬ ‫و َ‬ ‫} َ‬
‫هدًى‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫را‬
‫ّ ْ َ ِ َ ُ‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ي‬
‫ِ َ َ ْ َ َ َ ْ ِ ِ َ‬‫ب‬ ‫ما‬ ‫ل‬ ‫ً‬
‫قا‬ ‫د‬ ‫ص‬ ‫م‬‫و‬ ‫ر‬ ‫و‬
‫َ ُ ٌ َ ُ َ ِّ‬‫ن‬ ‫و‬ ‫ى‬ ‫د‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫ِ ِ ُ ً‬ ‫في‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫جي‬ ‫ن‬
‫ِْ ِ‬ ‫ال‬ ‫وآتَيْنَاهُ‬
‫َ‬
‫ن{ المائدة‪46‬‬ ‫قي َ‬ ‫َ‬
‫مت ّ ِ‬ ‫ْ‬
‫ة لِل ُ‬ ‫َ‬
‫عظ ً‬ ‫و ِ‬‫َ ْ‬‫م‬
‫َ‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫ما أَنَْز َ‬ ‫َ‬ ‫ما أَنَْز َ‬
‫ل الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫حك ُ ْ‬
‫م بِ َ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫م يَ ْ‬ ‫م ْ‬
‫و َ‬
‫ه َ‬
‫في ِ‬ ‫ل الل ّ ُ‬
‫ه ِ‬ ‫ل بِ َ‬
‫جي ِ‬
‫ل الِن ْ ِ‬‫ه ُ‬‫م أَ ْ‬ ‫حك ُ ْ‬‫ولْي َ ْ‬
‫} َ‬
‫ن{ المائدة ‪.47‬‬ ‫سقو َ‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م الفا ِ‬ ‫ه ُ‬‫ك ُ‬ ‫فأُولَئ ِ َ‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫ما أَنَْز َ‬
‫ه من‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫كيف يطلب القرآن من اليهود والنصارى أن يحكموا ب ِ َ‬
‫التوراة والنجيل في الوقت الذي نسب لهما القرآن تهمة التحريف‪ ،‬وذلك‬
‫َ‬
‫ه{ النساء ‪} .46‬‬ ‫ع ِ‬ ‫ض ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫عن َّ‬
‫م َ‬ ‫م َ‬ ‫ن الْكَل ِ َ‬
‫فو َ‬‫ر ُ‬ ‫هادُوا ْ ي ُ َ‬
‫ح ِّ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬‫م َ‬‫في قوله‪ِّ } :‬‬
‫ه{‬
‫ع ِ‬
‫ض ِ‬
‫وا ِ‬ ‫م‬
‫َ َ‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫ع‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫من‬‫ِ‬ ‫م‬‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ك‬‫ْ‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫فو‬ ‫ر‬
‫ِّ‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫}‬ ‫‪.‬‬‫‪13‬‬ ‫المائدة‬ ‫ه{‬ ‫ِ‬ ‫ع‬
‫ِ‬ ‫ض‬
‫ِ‬ ‫وا‬
‫ّ َ‬‫م‬‫َ‬ ‫عن‬ ‫َ‬ ‫ن الْكَل ِ َ‬
‫م‬ ‫ر ُ‬
‫فو َ‬ ‫ح ِّ‬
‫يُ َ‬
‫المائدة ‪.41‬‬

‫ما أَنَْز َ‬
‫ل‬ ‫َ سؤال‪ :‬هل يعني طلب القرآن من اليهود والنصارى أن يحكموا ب ِ َ‬
‫ه من التوراة والنجيل أن المسلمين عامة بأحمرهم وأسودهم يؤمنون‬ ‫الل ّ ُ‬
‫بصحة الكتاب المقدس الذي بين أيدينا ؟!‬

‫‪ .4‬وإذا أراد المسلم أن يظهر السلم على أنه دين لم يفرق بين أنبياء‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ِ‬ ‫الل‬ ‫منُوا ب‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وال ّ ِ‬
‫الله وبين كتبه‪ ،‬تراه يخرج من جعبته آية سورة النساء‪َ } :‬‬
‫ِ َّ‬ ‫ُ‬ ‫م أُولَئ ِ َ‬ ‫َ‬
‫ن الل ُ‬
‫ه‬ ‫وكا َ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫جوَر ُ‬ ‫مأ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ف يُ ْ‬
‫ؤتِي ِ‬ ‫و َ‬ ‫س ْ‬‫ك َ‬ ‫ه ْ‬‫من ْ ُ‬
‫د ِ‬‫ح ٍ‬‫نأ َ‬ ‫قوا بَي ْ َ‬‫ر ُ‬
‫ف ِّ‬ ‫م يُ َ‬ ‫ول َ ْ‬‫ه َ‬‫سل ِ ِ‬ ‫وُر ُ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ز‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫ُ‬ ‫أ‬ ‫ما‬ ‫ب‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫سو‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫}آ‬ ‫البقرة‪:‬‬ ‫سورة‬ ‫وآية‬ ‫‪.‬‬ ‫النساء‬ ‫ما{‬ ‫حي‬ ‫فو ً َ ِ‬
‫ر‬ ‫را‬ ‫َ‬
‫غ ُ‬
‫ِ ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َ‬ ‫ّ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫‪152‬‬ ‫ً‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن ك ُ ٌّ‬
‫د‬
‫ح ٍ‬ ‫نأ َ‬ ‫رقُ بَي ْ َ‬ ‫ف ِّ‬‫ه ل نُ َ‬ ‫سل ِ ِ‬‫وُر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫وكُتُب ِ ِ‬‫ه َ‬‫ملئِكَت ِ ِ‬ ‫و َ‬‫ه َ‬‫ن بِالل ّ ِ‬‫م َ‬ ‫لآ َ‬ ‫منُو َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫وال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ه َ‬‫ن َرب ِّ ِ‬‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ن{ البقرة ‪.285‬‬ ‫ِ ْ‬ ‫م‬

‫سؤال‪ :‬كيف ل تفرقون بين رسله وأنتم الذين جعلتم من يتيم أبي‬
‫طالب أفضل الخلق وأفضل وأشرف النبياء‪ ،‬ومن أجله خلق جميع‬
‫المخلوقات؟!‬

‫‪ .1‬عن جابر بن عبد الله قال‪ :‬قلت يا رسول الله اخبرني عن أول شيء‬
‫خلقه الله تعالى قبل الشياء‪ .‬قال يا جابر إن الله تعالى خلق قبل الشياء‬
‫نور نبيك من نوره‪ ،‬فجعل ذلك النور يدور بالقدرة حيث شاء الله تعالى ولم‬
‫يكن في ذلك الوقت لوح ول قلم ول جنة ول نار ول ملك (ملئكة) ول سماء‬
‫ول أرض ول شمس ول قمر ول جن ول أنس‪ ،‬فلما أراد الله أن يخلق الخلق‬
‫قسم ذلك النور أربعة أجزاء؛ فخلق من الجزء الول القلم‪ ،‬ومن الثاني‬
‫اللوح‪ ،‬ومن الثالث العرش‪ ،‬ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء؛ فخلق من‬
‫الول السماوات ومن الثاني الرض‪ ،‬ومن الثالث الجنة والنار‪ ،‬ثم قسم‬
‫الرابع أربعة أجزاء؛ فخلق من الول نور أبصار المؤمنين‪ ،‬ومن الثاني نور‬
‫قلوبهم وهي المعرفة بالله‪ ،‬ومن الثالث نور أنسهم وهو التوحيد ل إله إل‬
‫الله محمد رسول الله ‪ -‬راجع حجة الله على العالمين في معجزات سيد‬
‫المرسلين ‪ .. 1/35‬إلى ما ل آخر له من الستشهاد بمنسوخ القرآن‪.‬‬

‫ولعل سؤال ً يجول في بعض الخواطر‪ ،‬أو يتردد على بعض اللسنة‪،‬‬
‫وهو‪:‬‬

‫‪ .2‬كيف يتحقق البر والمودة وحسن العشرة بين المسلمين وغير‬


‫المسلمين‪ ،‬والقرآن نفسه ينهى عن مودة الكفار واتخاذهم أولياء وحلفاء‬
‫في مثل قوله‪} :‬يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء‪،‬‬
‫بعضهم أولياء بعض‪ ،‬ومن يتولهم منكم فإنه منهم{ سورة المائدة‪.51،52:‬‬

‫‪ .3‬كيف يمكن أن يتحقق احترام المسلمين لليهود والمسيحيين والقرآن‬


‫يخاطبهم بالنجسين‪} :‬إنما المشين نجس{ توبة ‪} .28‬الذين يضمرون الشر‬
‫والحسد للمسلمين‪ :‬ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم‬
‫كفارا ً حسدا ً من عند أنفسهم{ البقرة ‪.109‬‬

‫‪ .4‬كيف يمكن أن يتحقق احترام المسلمين لليهود والمسيحيين والقرآن‬


‫يخاطبهم بأوصاف تحقيرية بشعة‪} :‬مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها‬
‫َ‬ ‫ب أ َ َّ‬
‫ن أَكْثََر ُ‬ ‫َ‬
‫و‬
‫نأ ْ‬‫عو َ‬
‫م ُ‬
‫س َ‬
‫م يَ ْ‬
‫ه ْ‬ ‫س ُ‬ ‫كمثل الحمار يحمل أسفاراً{ الجمعة ‪} .5‬أ ْ‬
‫م تَ ْ‬
‫ح َ‬
‫سبِيلً{ الفرقان ‪ ،44‬السراء ‪ .4‬وهم‬ ‫ل َ‬ ‫م أَ َ‬
‫ض ُّ‬
‫ه ْ‬
‫ل ُ‬ ‫م إِل كَالَن ْ َ‬
‫عام ِ ب َ ْ‬ ‫ه ْ‬
‫ن ُ‬ ‫قلُو َ‬
‫ن إِ ْ‬ ‫ع ِ‬
‫يَ ْ‬
‫أيضاً‪:‬‬

‫‪25‬‬ ‫‪ .0‬الفاسقون‪ :‬البقرة ‪ ،59‬المائدة‬

‫‪ 148‬و‪150‬‬ ‫‪ .1‬وهم الظالمون‪ :‬العراف‬

‫‪ .2‬وهم المنافقون‪ :‬الحشر ‪.11‬‬

‫‪ .3‬وهم المفترون‪ :‬آل عمران ‪.24‬‬

‫والتوبة ‪.30‬‬ ‫‪155‬‬ ‫‪ .4‬وهم الكافرون‪ :‬النساء‬

‫‪ .5‬وهم المشركون‪ :‬التوبة ‪.31‬‬

‫‪ .6‬وهم الذين حرفوا الكتاب المقدس‪:‬البقرة ‪ ،75‬النساء ‪ ،46‬آل عمران ‪.78‬‬

‫‪31‬‬ ‫‪ .7‬وهم الذين اتخذوا أحبارهم أرباب من دون الله‪ :‬التوبة‬

‫‪166‬‬ ‫‪ .8‬وهم القردة والخنازير‪ :‬البقرة ‪ ،65‬المائدة ‪ ،60‬العراف‬

‫‪ 33‬و‪64‬‬ ‫‪ .9‬وهم الذين يسعون في الرض خراباً‪ :‬المائدة‬

‫إن أوامر القرآن وتعاليمه واضحة وصريحة‪} :‬يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا‬
‫اليهود والنصارى أولياء{ نهي عام بعدم اتخاذ اليهود والنصارى أولياء ول‬
‫أصدقاء ‪ -‬راجع آل عمران ‪.118‬‬
‫سؤال ‪ :‬أليس هذا هو النفاق بعينه؟ أليس هذا هو الرهاب بعينه؟ والعنصرية‬
‫بعينها؟ هل صدقت عندما قلت في مقدمتي‪ :‬أن النفاق في السلم وسيلة‬
‫والرهاب لغة حوار؟‬

‫إن استشهاد المسلمين بآيات منسوخة لظهار فضائل السلم لهو دليل‬
‫على إفلس السلم من كل ما هو صالح ومفيد ‪ ..‬المر الذي اضطرهم‬
‫للجوء لستعمال التقية (النفاق) لظهار سماحة ورحمة ومسالمة السلم‬
‫بآيات منسوخات‪ ،‬أي آيات ل حكم شرعي لها لنها قد أُلغيت (نُسخت) أي‬
‫أُزيلت وإن بقي حرفها ونصها موجود في القرآن‪.‬‬

‫هذا هو‪ ،‬باختصار شديد‪ ،‬ما يروجه المسلمون من خلل وسائل إعلمهم‬
‫وإعلنهم الموجهة لغير المسلمين‪.‬‬

‫ـ مراحل تشريع القتال والتقتيل (الجهاد) ـ‬

‫لقد أجمع علماء المسلمين على أن الجهاد قد مر بثلث مراحل مختلفة ‪:‬‬

‫‪ .1‬المرحلة الولى‪ :‬مرحلة الجهاد الدعوي‬

‫وهي مقتصرة على العصر المكي‪ .‬فلم يكن يوجد في العصر المكي إل‬
‫جهاد الدعوة والبيان‪.‬‬

‫فقد قال {فل تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا ً كبيراً} الفرقان ‪.52‬‬

‫‪ .2‬المرحلة الثانية‪ :‬مرحلة الذن في القتال لدفع أذى المعتدين‬

‫{أُذن للذين يُقاتَلُون بأنهم ظُلموا وإن الله على نصرهم لقدير} الحج‬
‫‪.39‬‬

‫وهـي أول آية نزلت في القتال كمـا قال ابن عباس‪ .‬أُذن لهم في‬
‫القتال ولم يفرضه عليهم‪.‬‬

‫‪ .3‬المرحلة الثالثة‪ :‬مرحلة قتال المشركين كافة‬

‫في هذه المرحلة أصبح القتال فريضة إلهية مكتوبة على المسلمين‪.‬‬
‫فكما {كتب عليكم الصيام} بقرة ‪ .183‬كذا أيضا ً {كتب عليكم القتال} بقرة‬
‫‪ .216‬وهذه المرحلة ناسخة لما قبلها من المراحل‪ ،‬وهي التي استقر عندها‬
‫حكم الجهاد ومات عليها نبي السلم‪ .‬لم تكن مرحلة الجهاد الدعوي في‬
‫مكة ناتجة عن مسالمة ورحمة السلم‪ ،‬بل كانت ناتجة عن ضعف حالة‬
‫المسلمين في بداية الدعوة في مكة‪.‬‬

‫‪ .1‬يقول شيخ السلم ابن تيمية‪ :‬فكان النبي في أول المر مأمورا ً أن‬
‫يجاهد الكفار بلسانه ل بيده … وكان مأمورا ً بالكف عن قتالهم لعجزه وعجز‬
‫المسلمين عن ذلك‪ ،‬ثم لما هاجر إلى المدينة وصار له بها أعوان أُذن له في‬
‫الجهاد‪ ،‬ثم لما قووا كُتب عليهم القتال‪ ،‬ولم يُكتب عليهم قتال من سالمهم‬
‫لنهم لم يكونوا يطيقون قتال جميع الكفار‪ ،‬فلما فتح الله مكـة وانقطع‬
‫قتال قريش ملوك العرب ووفدت إليه وفود العرب بالسـلم أمره الله‬
‫تعالى بقتال الكفار كلهم إل من كان له عهد مؤقت وأمره بنبذ العهود‬
‫المطلقة ‪ -‬الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لبن تيمية ‪.1/74‬‬

‫‪ .2‬وقال ابن القيم‪ :‬فلما استقر رسـول الله بالمدينة وأيده الله بنصره‬
‫وبعباده المؤمنين وألف بين قلوبهم … رمتهم العرب واليهود عن قوس‬
‫واحدة‪ ،‬وشمروا لهم عن سـاق العداوة والمحاربة وصاحوا بهم من كل‬
‫جانب‪ ،‬والله يأمرهم بالصبر والعفو والصفح حتى قويت الشوكة واشتد‬
‫الجناح فأذن لهم حينئذ في القتال … ‪ -‬زاد المعاد ‪.2/58‬‬

‫‪ .3‬وقال ابن كثير‪ :‬كان المؤمنون في ابتداء السلم وهم بمكة مأمورين‬
‫بالصلة والزكاة وإن لم تكن ذات النُصب‪ ،‬وكانوا مأمورين بمواساة الفقراء‬
‫منهم‪ ،‬وكانوا مأمورين بالصفح والعفو عن المشركين والصبر إلى حين‪،‬‬
‫وكانوا يتحرقون ويودون لو أمروا بالقتال ليتشفوا من أعدائهم ولم يكن‬
‫الحال إذ ذاك مناسبا ً لسباب كثيرة؛ منها قلة عددهم بالنسبة إلى كثرة عدد‬
‫عدوهم‪ ،‬ومنها كونهم كانوا في بلدهم وهو بلد حرام وأشرف بقاع الرض‬
‫فلم يكن المر بالقتال فيه ابتداء كما يقال‪ ،‬فلهذا لم يؤمر بالجهـاد إل‬
‫بالمدينة لما صارت لهم دار ومنعة وأنصار … ‪ -‬تفسير القرآن العظيم لبن‬
‫كثير ‪150\4 – 1/526‬‬

‫‪ .4‬وقال أيضاً‪ :‬وإنما شرع تعالى الجهاد في الوقت الليق به لنهم لما‬
‫كانوا بمكة كان المشركون أكثر عدداً‪ ،‬فلو أُمر المسلمون وهم أقل من‬
‫العشر بنصره وصارت لهم دار إسلم ومعقل ً يلجئون إليه شرع الله جهاد‬
‫العداء ‪ -‬المصدر السابق ‪.3/226‬‬

‫‪ .5‬وبهذا قال المام الشافعي في كتاب أحكام القرآن الذي جمعه‬


‫البيهقي من أقواله فقد جاء فيه‪( :‬قال الشافعي‪ :‬ولما مضت لرسول الله‬
‫فترة من هجرته أنعم الله فيها على جماعات بإتباعه‪ ،‬حدثت لهم بها مع‬
‫عون الله عز وجل قوة بالعدد لم يكن قبلها ففرض الله عز وجل عليهم‬
‫الجهاد بعد إذ كان إباحة ل فرضا ً فقال تبارك‪{ :‬كتب عليكم القتال} ‪ -‬أحكام‬
‫القرآن ‪.2/18‬‬

‫إن محاولة المسلمين تقسيم الجهاد إلى أصغر وهو الجهاد القتالي‪،‬‬
‫وأكبر وهو جهاد النفس‪ ،‬وبالتالي إظهار الدعوة اللسانية أهم أنواع الجهاد‬
‫هو افتراء وهراء واستخفاف بعقول الخرين‪.‬‬

‫الجهاد القتالي (القتال) هو أهم أنواع الجهاد في السلم‪ ،‬ويدل على‬


‫ذلك نصوص كثيرة منها‪:‬‬

‫{ل يستوي القاعدون من المؤمنين غير أُولي الضرر والمجاهدون في‬


‫سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم‬
‫على القاعدين درجة وكل ً وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على‬
‫ضل عليهم‬ ‫القاعدين أجرا ً عظيماً} النساء‪ .95:‬فهؤلء القاعدون الذين ُ‬
‫ف ِ‬
‫المجاهـدون قد يكونون قائمين بأمر جهاد الدعوة وجهـاد النفس لن الله‬
‫وعدهم الحسنى‪ ،‬ومع ذلك فضل عليهم المجاهدين بالنفس والمال فدل‬
‫ذلك على أفضلية الجهاد القتالي على ما عداه من أنواع الجهاد‪.‬‬

‫‪ .1‬ومن النصوص أيضاً‪ :‬قول النبي (رأس المر السلم وعموده الصلة‬
‫وذروة سنامه الجهاد‪ - )...‬أخرجه الترمذي ‪ - 2616‬وابن ماجة ‪ - 3973‬وأخرجه‬
‫الحاكم ‪.2/7‬‬
‫‪ .2‬ومنها قول النبي‪( :‬من رأى منكم منكرا ً فليغيره بيده فإن لم يستطع‬
‫فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف اليمان) ‪ -‬أخرجه مسلم ‪- 49‬‬
‫وأبو داود‪ - 1140‬والترمذي ‪ - 2172‬وابن ماجة ‪ - 4340‬والنسائي ‪ 4013‬و‪- 1275‬‬
‫وأحمد ‪ .3/54‬وقد بين الحديث السابق درجات التغيير‪ ،‬وأعلها التغيير باليد‬
‫الذي يشمل القتال‪ ،‬ول شك أن قوله‪( :‬فإن لم يستطع) يدل على أن كل‬
‫مرتبة تحتاج إلى جهد ومشقة أكبر من التي تليها‪ ،‬وإنما يكون الجر على‬
‫قدر المشقة‪ ،‬فمن لم يكن قادرا ً عليه فإنه ينتقل إلى ما هو أدنى منه حتى‬
‫ينتهي إلى أضعف اليمان وهو التغيير بالقلب‪ .‬فدل ذلك على أن أقوى‬
‫اليمان التغيير باليد وأوسطه التغيير باللسان وأضعفه التغيير بالقلب‪.‬‬

‫كانت مرحلة القتصار على الجهاد الدعوي في العصر المكي ناتجة عن‬
‫حالة ضعف المسلمين‪ .‬ولهذا كان يصفح ويعفو (وهل بيد الضعيف إل‬
‫الصفح والعفو) ؟!‪ .‬لقد كان النبي مأمورا ً طيلة العصر المكي بالعفو‬
‫والصفح وكف اليد عن المشركين‪ ،‬كما قال في القرآن‪{ :‬فاعفوا واصفحوا‬
‫حتى يأتي الله بأمره} البقرة‪ .109 :‬و{قل للذين آمنوا يغفروا للذين ل‬
‫يرجون أيام الله} الجاثية ‪.14‬‬

‫‪ .1‬وعن ابن عباس‪( :‬أن عبد الرحمن بن عـوف وأصحـابا ً له أتوا النبي‬
‫بمكة فقالوا‪ :‬يا رسول الله إنا كنا في عز ونحن مشـركون‪ ،‬فلما آمنا صرنا‬
‫أذلة فقال‪ :‬إني أمرت بالعـفو فل تقاتلوا …) ‪ -‬أخرجه النسائي ‪- 3/6‬‬
‫والحاكم ‪.2/307‬‬

‫وظل محمد على هذه الحال من الصبر والعفو إلى أن قويت شوكته‪،‬‬
‫فنسخ الصفح والعفو وحل محله القتال والقتل وأصبح الحوار السلمي‬
‫بالحديد الذي فيه بئس شديد‪.‬‬

‫‪ .2‬قال المام ابن جرير الطبري في تفسير قوله‪{ :‬فاعفوا واصفحوا‬


‫حتى يأتي الله بأمره} البقرة‪ ،109 :‬فنسخ الله جل ثناؤه العفو عنهم‬
‫والصفح بفرض قتالهم حتى تكون كلمتهم وكلمة المؤمنين واحدة أو يؤدوا‬
‫الجزية عن يد صغاراً‪ .‬ثم نقل الطبري القول بالنسخ عن ابن عباس وقتادة‬
‫والربيع بن أنس تفسير الطبري ‪504-2/503‬‬

‫‪ .3‬وكذا نقل الحافظ ابن كثير في تفسير قوله‪{ :‬فاعفوا واصفحوا حتى‬
‫يأتي الله بأمره} البقرة‪ .109 :‬نقل القول بالنسخ عن ابن عباس ثم قال‪:‬‬
‫(وكذا قال أبو العالية والربيع بن أنس وقتادة والسدي‪ :‬إنها منسوخة بآية‬
‫السيف‪ ،‬ويرشد إلى ذلك أيضا ً قوله تعالى‪{ :‬حتى يأتي الله بأمره} ‪- )...‬‬
‫تفسير القرآن العظيم ‪.1/154‬‬

‫‪ .4‬وقال ابن عطية في تفسيره لية السيف‪( :‬وهذه الية نسخت كل‬
‫موادعة في القرآن أو ما جرى مجرى ذلك‪ ،‬وهي على ما ذكر مائة آية وأربع‬
‫عشرة آية) ‪ -‬تفسير ابن عطية ‪.6/412‬‬

‫‪ .5‬وقال القرطبي في تفسير قوله تعالى‪{ :‬فاعفوا واصفحوا حتى يأتي‬


‫الله بأمره} البقرة‪ .109 :‬هذه الية منسوخة بقوله‪{ :‬قاتلوا الذين ل‬
‫يؤمنون} إلى قوله {صاغرون}‪ ،‬عن ابن عباس‪ ،‬وقيل الناسخ لها‪{ :‬فاقتلوا‬
‫المشركين} ‪ -‬الجامع لحكام القرآن ‪.2/71‬‬
‫‪ .6‬وقال في تفسير قوله‪{ :‬يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ‬
‫عليهم} التوبة‪ .73 :‬وهذه الية نسخت كل شيء من العفو والصفح ‪ -‬الجامع‬
‫لحكام القرآن ‪.8/20‬‬

‫‪ .7‬وقال ابن حزم‪( :‬ونُسخ المنع من القتال بإيجابه) ‪ -‬الحكام في أصول‬


‫الحكام ‪.4/82‬‬

‫‪ .8‬وقال شيخ السلم ابن تيمية‪ …( :‬فأمره لهم بالقتال ناسخ لمره لهم‬
‫بكف أيديهم عنهم) ‪ -‬الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ‪.1/66‬‬

‫‪ .9‬وقال السيوطي‪( :‬قوله تعالى {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم}‪:‬‬


‫هذه آية السيف الناسخة ليات العفو والصفح والعراض والمسالمة‪،‬‬
‫واستدل بعمومها الجمهور على قتال الترك والحبشة) ‪ -‬الكليل في‬
‫استنباط التنزيل ‪138‬‬

‫‪ .10‬وقال أيضاً‪( :‬كل ما في القرآن من الصفح عن الكفار والتولي‬


‫والعراض والكف عنهم فهو منسوخ بآية السيف) ‪ -‬التحبير في علم‬
‫التفسير ص ‪.432‬‬

‫وقد نقل الجماع على القول بالنسخ غير واحد من أهل العلم‪:‬‬

‫‪ .11‬فقد قال ابن جرير في تفسير قوله تعالى‪{ :‬قل للذين آمنوا يغفروا‬
‫للذين ل يرجون أيام الله} الجاثية‪( ،14 :‬وهذه الية منسوخة بأمر الله بقتال‬
‫المشركين‪ ،‬وإنما قلنا هي منسوخة لجماع أهل التأويل على أن ذلك كذلك)‬
‫‪ -‬تفسير الطبري ‪.25/144‬‬

‫‪ .12‬وقال الجصاص في قوله‪{ :‬فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم‬


‫السلم فما جعلنا لكم عليهم سبيلً} النساء‪ ،90:‬ول نعلم أحدا ً من الفقهاء‬
‫يحظر قتال من اعتزل قتالنا من المشركين‪ ،‬وإنما الخلف في جواز ترك‬
‫قتالهم ل في حظره‪ .‬فقد حصل التفاق من الجميع على نسخ حظر القتال‬
‫لمن كان وصفه ما ذكرنا) ‪ -‬أحكام القرآن ‪.2/222‬‬

‫‪ .13‬وقال الشوكاني‪( :‬أما غزو الكفار ومناجزة أهل الكفر وحملهم على‬
‫السلم أو تسليم الجزية أو القتل فهو معلوم من الضرورة الدينية ‪ ...‬وما‬
‫ورد في موادعتهم أو في تركهم إذا تركوا المقاتلة فذلك منسوخ باتفاق‬
‫المسلمين بما ورد من إيجاب المقاتلة لهم على كل حال مع ظهور القدرة‬
‫عليهم والتمكن من حربهم وقصدهم إلى ديارهم) ‪ -‬السيل الجرار ‪.519-4/518‬‬

‫‪ .14‬ونقل الجماع أيضا ً صديق حسن خان بنفس ألفاظ الشوكاني دون أن‬
‫ينسب القول إليه) الروضة الندية ‪.2/333‬‬

‫‪ .15‬فقد أقر الزركشي في برهانه بأن آية السيف ناسخة ليات الصفح‬
‫والعفو‪ ،‬وزاد على ذلك أن جعل آية السيف منسوخة بآية سيف أهل الكتاب ‪-‬‬
‫أحكام القرآن لبن العربي ‪ - 1/110‬والبرهان للزركشي ‪.2/3‬‬

‫سل َ َ‬
‫خ‬ ‫فإِذَا ان َ‬‫‪ .16‬قال النيسابوري في كتابه (الناسخ والمنسوخ) في قوله‪َ { :‬‬
‫م‬‫ه ْ‬‫صُرو ُ‬ ‫ح ُ‬‫وا ْ‬
‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫خذُو ُ‬
‫و ُ‬ ‫م َ‬‫ه ْ‬
‫مو ُ‬ ‫جدْت ُ ُ‬
‫و َ‬
‫ث َ‬ ‫حي ْ ُ‬‫ن َ‬‫ركِي َ‬‫ش ِ‬‫م ْ‬ ‫قتُلُوا ال ْ ُ‬‫فا ْ‬ ‫م َ‬ ‫هُر ال ْ ُ‬
‫حُر ُ‬ ‫ش ُ‬ ‫ال َ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ه ْ‬ ‫سبِيل َ ُ‬‫خل ّوا َ‬ ‫ف َ‬‫وا الَّزكَاةَ َ‬‫وآت َ ْ‬
‫صلةَ َ‬‫موا ال َّ‬ ‫قا ُ‬‫وأ َ‬ ‫ن تَابُوا َ‬
‫فإ ِ ْ‬‫د َ‬ ‫ص ٍ‬
‫مْر َ‬ ‫ل َ‬ ‫م كُ ّ‬ ‫ه ْ‬‫عدُوا ل َ ُ‬ ‫ق ُ‬‫وا ْ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫إ ِ َّ‬
‫م} توبة ‪ 5‬هي الية الناسخة‪ ،‬نسخت من القرآن مائة آية‬ ‫رحي ٌ‬ ‫ه غفوٌر َ ِ‬ ‫ن الل َ‬
‫وأربعا ً وعشرين آية ‪ -‬راجع المصدر السابق ‪.284‬‬

‫‪ .17‬قال الحافظ بن كثير في تفسيره لية التوبة ‪ ،5‬قال الضحاك بن‬


‫مزاحم‪ :‬إنها نسخت كل عهد بين النبي وبين أحد المشركين وكل عقد ومدة‪.‬‬
‫كما نقلها أبو جعفر الرازي عن الضحاك‪.‬‬

‫‪ .18‬وقال ابن عباس في هذه الية‪ :‬لم يبق لحد المشركين عهد ول ذمة‬
‫منذ أن نزلت (براءة) = أي سورة التوبة‪ .‬ونقل عنه العوفي وعلي بن أبي‬
‫طلحة – راجع تفسير القرطبي وابن كثير في شرحهم لية التوبة ‪.5‬‬

‫‪ .19‬وقال الكلبي صاحب تفسير (التسهيل في علوم التنزيل) ونقدم هنا ما‬
‫جاء من نسخ مسالمة الكفار والعفو عنهم والعراض والصبر على آذاهم‬
‫بالمر بقتالهم ليغني ذلك عن تكراره في مواضعه‪ ،‬فإنه وقع منه في‬
‫القرآن مائة وأربع عشرة آية من أربع وخمسين سورة‪ ،‬نسخ ذلك كله بقوله‪:‬‬
‫{فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم}‪.‬‬

‫‪ .20‬قال الحسن بن فضل فيها‪ :‬هي آية السيف نسخت هذه الية كل آية‬
‫في القرآن فيها ذكر العراض والصبر على أذى العداء ‪ -‬راجع تفسير ابن‬
‫كثير‪.‬‬

‫‪ .21‬وقال ابن حزم في كتابه الناسخ والمنسوخ‪ :‬في القرآن مائة وأربع‬
‫عشرة آية في ثمان وأربعين سورة نسخت الكل بقوله‪{ :‬اقتلوا المشركين‬
‫حيث وجدتموهم} ‪.‬‬

‫‪ .22‬وقال المام أبو القاسم بن سلمة‪{ :‬اقتلوا المشركين حيث‬


‫وجدتموهم} الية الثالثة وهي ناسخة‪ ،‬ولكن نسخت من القرآن مائة وأربع‬
‫عشرين آية ثم صار آخرها ناسخ لولها‪ ،‬وهي قوله {فإن تابوا أقاموا الصلة‬
‫وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم} ‪ -‬راجع الناسخ والمنسوخ للنحاس والنيسابوري‬
‫في شرحهم لية التوبة ‪.5‬‬

‫وقد لخص المام ابن القيم تلك المراحل في قوله‪( :‬وكان محرما ً ثم مأذوناً‬
‫به ثم مأمورا ً به لمن بدأهم بالقتال ثم مأمورا ً به لجميع المشركين ‪ )...‬زاد‬
‫المعاد ‪.2/58‬‬

‫بعد أن بينا القليل جدا ً من النفاق في السلم‪ .‬دعونا ننتقل لمسألة العنف‬
‫والرهاب في السلم‪.‬‬

‫الفصل الثاني‬

‫ـ الرهاب والعنف في السلم ـ‬

‫‪ .1‬وجوب الجهاد‬

‫‪ .2‬موقف القرآن والسنة من الجهاد‬

‫‪ .3‬الرهاب‬
‫‪ .4‬الستيلء على البلد وتفريغها هو حلم نبي السلم الكبر‬

‫‪ .5‬معاهدات الصلح‪:‬‬

‫ـ أنواع المعاهدات‬

‫ـ شروط المعاهدات‬

‫ـ وجوب الجهاد ـ‬

‫نفتتح مسألتنا هذه بسؤال سنترك الجابة عليه لمصادر التشريع‬


‫السلمي (القرآن والسنة) ولواقع حال الشارع العربي والسلمي الذي‬
‫يتماشى مع ما سنبينه من حقائق شرعية‪ .‬والسؤال هو‪ :‬للمسلمين في‬
‫العالم حصة السد في أعمال العنف والرهاب؟ فهل هذه الظاهرة من قبيل‬
‫الصدفة؟ أم أن للسلم علقة وثيقة بالرهاب والعنف؟‬

‫ل شك أن الحرب بما تحمله من نتائج هي إرهاب وعنف حتى وإن كانت‬


‫مقدسة‪ .‬لهذا قيل (الحرب خسارة حتى على رابحها)‪ .‬لكن أمر القتال في‬
‫السلم مختلف‪.‬‬

‫إنه فريضة إلهية مقدسة كتبها رب الكعبة على المسلمين كما كتب‬
‫عليهم الصيام {كتب عليكم الصيام} بقرة ‪{ ،183‬كتب عليكم القتال} بقرة‬
‫‪ .216‬فهل يجوز شرعا ً على المة تعطيل صيام رمضان؟‬

‫الجواب طبعا ً ل ومن هنا حددت شريعة السلم مدة قصوى (سنة)‬
‫لتأدية هذه الفريضة المقدسة في السلم وفي حياة المسلمين‪ .‬وأقل ما‬
‫يُفعل مرة في كل عام‪.‬‬

‫‪ .1‬يقول الشافعي‪ :‬إن كان بالمسلم قوة لم أرى أن يأتي عليه عام إل وله‬
‫جيش أو غارة في بلد المشركين الذين يلون المسلمين من كل ناحية عانة‬
‫وإن كان يمكنه في السنة بل تغرير بالمسلمين أحببت له أن ل يدع ذلك كلما‬
‫أمكنه‪ ،‬وأقل ما يجب عليه أن ل يأتي عليه عام إل وله فيه غزو حتى ل يكون‬
‫الجهاد معطل ً في عاما ً إل من عذر ‪ -‬راجع‪ :‬المام للشافعي ‪ ،4/177‬والمغنى‬
‫لبن قدامه‪.‬‬

‫‪ .2‬وجاء في الشرح الصغير (الجهاد في سبيل الله لعلء كلمة الله تعالى‬
‫كل سنة فل يجوز تركه سنة كإقامة الموسم بعرفة والبيت وبقية المشاهد‬
‫كل سنة فرض كفاية) ‪ -‬الشرح الصغير‪.272-2/267‬‬

‫فتحديد الجهاد مرة في كل سنة ل يتماشى مع آية عدم العدوان {ل‬


‫تعتدوا} لو كان القتال في السلم ل يجوز إل عند وقوع العدوان على‬
‫المسلمين‪ ،‬لم يجز التحديد بأن يكون في كل سنة مرة‪ ،‬ولكان الواجب حينئذ‬
‫أن يقول إنه يجب عند الحاجة إليه لدرء العدوان عن المسلمين‪.‬‬

‫ولهذا لقد بلغت غزوات محمد التي غزا فيها بنفسه تسعا ً وعشرين‬
‫غزوة‪ .‬وهي غزوات ودان وبواط العشيرة سفوان (وتسمى غزوة بدر‬
‫الولى) وغزوة بدر الكبرى وغزوة بني سليم وغزوة بني قينقاع وغزوة‬
‫السويق وغزوة قرقرة الكدر وغزوة غطفان وهي غزوة ذي أمر‪ ،‬وغزوة‬
‫بحران بالحجاز وغزوة أحد وغزوة حمراء السد وغزوة بني النضير وغزوة‬
‫ذات الرقاع وهي غزوة محارب وبني ثعلبة‪ ،‬وغزوة بدر الخيرة وهي غزوة‬
‫بدر الموعد وغزوة دومة الجندل وغزوة بني المصطلق (ويقال لها المريسع‪،‬‬
‫وبعد العودة منها تأخرت عائشة وباتت ليلتها مع صفوان بن المعطل)‬
‫وغزوة الخندق وغزوة بني قريظة وغزوة بني لحيان وغزوة الحديبية وغزوة‬
‫قُرد وغزوة خيبر وغزوة وادي القرى وغزوة عمرة القضاء وغزوة فتح‬ ‫ذي ُ‬
‫مكة وغزوة حنين والطائف وغزوة تبوك‪ .‬وأما سراياه (أي الغزوات التي لم‬
‫قدها بنفسه بل أرسل إليها بعض أصحابه) فعددها تسع وأربعون‪ ،‬أي‬‫ي ُ‬
‫بمعدل سبع سرايا في السنة الواحدة ‪ -‬راجع طبقات ابن سعد ‪.3/43‬‬
‫أمر القتال في السلم أمر مطلق غير مقيد بأن يكون القتال رافعاً‬
‫لعدوان أو في مقابلة قتال‪ .‬وهذا الطلق واضح في قوله {فإذا انسلخ‬
‫الشهر الحرام فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم‬
‫واقعدوا لهم كل مرصد} التوبة ‪.5‬‬

‫فلقد أمر القرآن المسلمين بأن يقاتلوا غير المسلمين حتى يسلموا أو‬
‫يعطوا الجزية وهذا المر مطلق غير مقيد بأن يكون القتال رفعا ً لعدوان أو‬
‫في مقابلة قتال‪ ،‬فدل هذا الطلق في أمره بالقتال على أنه دعوة إلى‬
‫السلم‪ ،‬وحمل المخالفين على نبذ دينهم واعتناق السلم‪{ .‬وقاتلوا الذين‬
‫ل يؤمنون بالله واليوم الخر ول يحرمون ما حرم الله ورسوله ول يدينون‬
‫دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون}‬
‫التوبة ‪ .29‬هذا أمر عام ومطلق بقتال المسلمين لهل الكتاب حتى يسلموا‪.‬‬
‫فهذه الية هي آية سيف أهل الكتاب القاضية بقتالهم لكونهم كفروا بالله‬
‫ورسوله ولم يدينوا دين الحق وهو السـلم‪.‬‬

‫ونص الية واضح وصريح {وقاتلوا}‪ ،‬ولم يقل القرآن وجادلوا بالحسنة‬
‫بل قال {وقاتلوا الذين ل يدينون دين الحق} أي قاتلوا الذين ل يؤمنون‬
‫ويدينون بالسلم حتى يسلموا أو يدفعوا الجزية وهم أذلء أو ي ُ‬
‫قتُلوا‪.‬‬

‫أهل الكتاب أمام أمرين أحلهما مر‪ :‬إما‬ ‫‪29‬‬ ‫لقد وضعت آية التوبة‬
‫السلم‪ ،‬وإما الجزية‪.‬‬

‫كما أن الية ذكرت الوصاف التي لجلها استحق هؤلء أن يُقاتلوا وهي‬
‫كونهم ل يؤمنون بالله ول باليوم الخر ول يحرمون ما حرم الله ورسوله ول‬
‫يدينون دين الحق‪ ،‬فهذه الوصاف هي الباعث على قتالهم‪ .‬فإن انتهوا عنها‬
‫ودخلوا في السلم انتهى القتال‪ ،‬وإن لم ينتهوا عنها ولكنهم قبلوا دفع‬
‫الجزية فل بأس بذلك أيضاً‪.‬‬

‫***‬

‫ـ موقف القرآن والسنة من الجهاد ـ‬

‫وقد جاءت أحاديث صحيحة بذلك‪:‬‬

‫‪ .1‬أمر الله بقتال أهل الكتاب ابتداءً حتى يدخلوا في السلم أو يعطوا‬
‫الجزية ‪ -‬أخرجه البخاري ‪ - 3157‬وأبو داود ‪ - 3043‬والترمذي ‪.1586‬‬
‫‪ .2‬عن نبي السلم أنه قال‪" :‬إذا لقيت عدوك من المشركين‪ ،‬فادعهم إلى‬
‫إحدى ثلث خصال‪ ،‬فأيتهن أجابوك إليها فاقبل منهم وكف عنهم؛ ادعهم‬
‫إلى السلم فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم‪ ،‬فإن هم أبوا فادعهم إلى‬
‫إعطاء الجزية فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم‪ ،‬فإن أبوا فاستعن بالله‬
‫عليهم وقاتلهم" ‪ -‬رواه أبو داود ومسلم‪.‬‬

‫‪ .3‬يقول شيخ السلم ابن تيمية في كتابه الجهاد‪" 1/11‬يقاتل فقط في‬
‫شرع السلم من يرفض أن يستجيب لواحدة من ثلث‪ :‬إما السلم‪ ،‬وإما‬
‫الجزية‪ ،‬وإما القتال ‪ -‬راجع المصدر المذكور‪ ،‬الجهاد‪.1/11‬‬

‫‪ .4‬أمر الله بقتال أهل الكتاب ومن في حكمهم حتى يسلموا أو يعطوا‬
‫الجزية عن يد وهم صاغرون‪ ،‬ول شك أن الصغار هو الذلل وبذلك فسره‬
‫المام البخاري في صحيحه ‪.6/257‬‬

‫إذن من الواضح والثابت أن غاية القتال أحد أمرين إما السلم وإما دفع‬
‫الجزية‪.‬‬

‫والقتال ‪ -‬الجهاد ‪ -‬هو المحور الساسي والهم التي تدور حوله رسالة‬
‫نبي السلم‪ .‬وهذا واضح من اليات الجهادية التي شغلت حيزا ً كبيرا ً يكاد‬
‫يبلغ أكثر من نصف القرآن المدني ولنا على ما نقول مثال‪:‬‬

‫‪{ .5‬وقاتلوهم حتى ل تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فل عدوان‬
‫إل على الظالمين} البقرة ‪.193‬‬

‫‪{ .6‬كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير‬
‫لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم ل تعلمون} البقرة‬
‫‪.216‬‬

‫‪{ .7‬أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم‬
‫الصابرين} آل عمران ‪.142‬‬

‫‪{ .8‬فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا‬
‫الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ذلك ولو يشاء الله‬
‫لنتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن‬
‫يضل أعمالهم} محمد‪ ،4 :‬آل عمران‪.195 :‬‬

‫‪{ .9‬وقاتلوهم حتى ل تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله‬
‫بما يعملون بصير} النفال ‪.39‬‬

‫‪{ .10‬يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم‬
‫تفلحون} النفال ‪.45‬‬

‫‪{ .11‬وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو‬
‫الله وعدوكم وآخرين من دونهم ل تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من‬
‫شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم ل تظلمون} النفال ‪.60‬‬

‫‪{ .12‬يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال} النفال ‪.65‬‬

‫‪{ .13‬فإذا انسلخ الشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم‬


‫وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلة وآتوا‬
‫الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم} التوبة ‪.5‬‬

‫‪{ .14‬وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة‬
‫الكفر إنهم ل أيمان لهم لعلهم ينتهون} التوبة ‪.12‬‬

‫‪{ .15‬قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور‬
‫قوم مؤمنين} التوبة ‪.14‬‬

‫‪{ .16‬الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم‬


‫أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون}التوبة‪20‬‬

‫‪{ .17‬قاتلوا الذين ل يؤمنون بالله ول باليوم الخر ول يحرمون ما حرم الله‬
‫ورسوله ول يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن‬
‫يد وهم صاغرون} التوبة ‪.29‬‬

‫‪{ .18‬فقاتل في سبيل الله ل تكلف إل نفسك وحرض المؤمنين عسى الله‬
‫أن{إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون‬
‫في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا ً عليه حقا في التوراة والنجيل‬
‫والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك‬
‫هو الفوز العظيم} التوبة ‪.111‬‬

‫‪{ .19‬يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأسا وأشد تنكيل} النساء ‪.84‬‬

‫‪{ .20‬ل يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في‬
‫سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم‬
‫على القاعدين درجة وكل وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على‬
‫القاعدين أجرا عظيما} النساء ‪.95‬‬

‫‪{ .21‬تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم‬


‫ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون} الصف ‪.11‬‬

‫‪{ .22‬يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم‬
‫وبئس المصير} التحريم ‪.9‬‬

‫‪{ .23‬يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم‬
‫يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل‬
‫الله ول يخافون لومة لئم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم}‬
‫المائدة ‪.54‬‬

‫‪,‬‬ ‫‪20‬‬ ‫–‬ ‫‪19‬‬‫وانظر أيضا ً آل عمران ‪ , 157 – 121 - 13‬الحج ‪ , .40 - 39‬الفتح‬
‫‪-‬‬ ‫‪16‬‬
‫النفال ‪ , 74 – 72 - 67 -65 – 60 – 16 – 15 - 8 – 6‬النساء ‪94 - 77 - 76 – 74 - 57‬‬
‫– ‪ , 102 - 100‬البقرة ‪ , 262 - 261 - 251 – 250 - 244 – 218 - 154‬التوبة ‪– 3 – 2‬‬
‫‪– 122 - 121 – 120 – 83 - 81 – 77 – 73 - 60 – 41 – 39 – 38 – 36 – 16 - 13 – 12‬‬
‫‪ , 123‬الحديد ‪ , - 10‬محمد ‪ - 20‬المائدة ‪35‬‬

‫ولقد استثنى من تلك الفريضة‪:‬‬

‫{ليس على العمى حرج ول على العرج حرج ول على المريض حرج ومن‬
‫يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها النهار ومن يتول يعذبه عذابا‬
‫أليماً} الفتح ‪{ , .17‬ل على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت ل أجد ما‬
‫أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا أل يجدوا ما ينفقون}‬
‫التوبة ‪{ , 92‬ليس على الضعفاء ول على المرضى ول على الذين ل يجدون‬
‫ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله‬
‫غفور رحيم} التوبة ‪91‬‬

‫بناءا ً على ما بينا من آيات قرآنية تحرض وتشجع المسلمين على القتال‬
‫والقتل‪ ،‬فإنه ليس من الغرابة أن يطالب القرآن المسلمين بأن يمارسوا‬
‫الرهاب مع عدوهم‪.‬‬

‫ـ الرهاب ـ‬

‫‪ .1‬قال ابن منظور في كتابه "لسان العرب" في معنى كلمة الرهاب‬


‫هبا ً بالتحريك؛ أي‬
‫هبا ً بالضم‪ ،‬وَر َ‬ ‫هب َ ً‬
‫ة وُر ْ‬ ‫ب َر ْ‬
‫ه ُ‬ ‫ب بالكسر‪ ،‬يَْر َ‬ ‫ه َ‬
‫ومشتقاتها‪َ :‬ر ِ‬
‫ة‪ :‬خافه‪.‬‬ ‫هب َ ً‬‫هبا ً وَر ْ‬
‫ب الشيء َر ْ‬ ‫ه َ‬
‫خاف‪ .‬وَر ِ‬
‫ة إليك"‪ ،‬الرهبة‪ :‬الخوف والفزع‪.‬‬
‫هب َ ً‬
‫‪ .2‬وفي حديث الدعاء‪" :‬رغبة وَر ْ‬
‫فه وفَّزعه ‪.‬‬
‫هبَه‪ :‬أخا َ‬ ‫هبَه ور َّ‬
‫هبَه واستَْر َ‬ ‫ب غيره‪ :‬إذا تو َّ‬
‫عده‪ .‬وأر َ‬ ‫‪ .3‬وتَر َّ‬
‫ه َ‬

‫‪ .4‬وفي "النهاية" لبن الثير‪ :‬الَّرهبَة‪ :‬الخوف والفزع‪ .‬وفي حديث ب َ ْ‬


‫هز بن‬
‫وف‪ .‬وفي‬ ‫زع وتُخ ِّ‬ ‫ة " هي الحالة التي تُرهب‪ :‬أي ت ُ ْ‬
‫ف ِ‬ ‫حكيم‪" :‬إني لسمع الَّراهب َ‬
‫هباً" أي خائفا‪ً.‬‬ ‫ة‪" :‬أسمعك را ِ‬
‫رواي ٍ‬
‫نستخلص مما تقدم أن الرهاب يعني‪ :‬الخوف ‪ ..‬والفزع‪ ،‬والرهابي‪ :‬هو‬
‫الذي يُحدث الخوف والفزع عند الخرين‪.‬‬

‫وعليه فكل من أحدث الخوف والفزع عند الخرين ممن يريد إخافتهم‬
‫فهو إرهابي‪ ،‬وقد مارس في حقهم الرهاب‪ ،‬وهو يكون بذلك متلبساً‬
‫بالرهاب‪ ،‬ومتصفا ً به ‪ ..‬سواء تسمى إرهابيا ً أم لم يتسمى ‪ ..‬وسواء اعترف‬
‫بذلك أم لم يعترف‪.‬‬

‫ولقد ذكر القرآن لفظة الرهاب بمشتقاتها في أكثر من سورة منها‪:‬‬


‫ر‬
‫ح ٍ‬
‫س ْ‬
‫جاءُوا ب ِ ِ‬
‫و َ‬
‫م َ‬
‫ه ْ‬
‫هبُو ُ‬
‫ستَْر َ‬
‫وا ْ‬ ‫َ‬
‫ن الن ّا ِ‬
‫س َ‬ ‫حُروا أ َ ْ‬
‫عي ُ َ‬ ‫س َ‬
‫وا َ‬ ‫ما أَل ْ َ‬
‫ق ْ‬ ‫فل َ َّ‬ ‫ل أَل ْ ُ‬
‫قوا َ‬ ‫{ َ‬
‫قا َ‬
‫عظِيمٍ} العراف‪.116 :‬‬ ‫َ‬

‫وفوهم‪ .‬وقال‬‫‪ .5‬قال ابن الجوزي في زاد المسير‪{ :‬واسترهبوهم} أي‪ :‬خ َّ‬
‫الزجاج‪ :‬استدعوا رهبتهم حتى رهبهم الناس ا‪ -‬هـ‪ .‬أي خافهم الناس‪.‬‬
‫َ‬ ‫م أَ َ‬ ‫َ‬
‫ن الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫م َ‬
‫م ِ‬
‫ه ْ‬
‫ر ِ‬
‫صدُو ِ‬
‫في ُ‬
‫ة ِ‬ ‫شدُّ َر ْ‬
‫هب َ ً‬ ‫‪ .6‬قال ابن كثير في التفسير‪{ :‬لنْت ُ ْ‬
‫ذلك بأنهم قوم ل يفقهون} الحشر‪ 13 :‬أي يخافون منكم أكثر من خوفهم‬
‫من الله ا‪ -‬هـ‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ر‬
‫ش ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫م لَ َ‬
‫و‬‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ه‬
‫ر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن ِديَا‬ ‫م ْ‬
‫ب ِ‬‫ِ‬ ‫ل الْكِتَا‬
‫ِ‬ ‫ه‬‫ن أَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫فُروا ِ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ج ال ّ ِ‬ ‫خَر َ‬ ‫ذي أ َ ْ‬ ‫و ال ّ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫{ ُ‬
‫َّ‬ ‫فأ َ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫خرجوا وظَنُّوا أ َ‬ ‫ما ظَنَنْت ُم أ َ‬
‫ن‬ ‫م‬
‫ُ ِ ْ‬ ‫ه‬ ‫الل‬ ‫م‬‫ُ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ا‬‫َ‬ ‫ت‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫الل‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ُ ْ ِ َ‬‫م‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫صو‬ ‫ح‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ُ‬
‫ُ ْ َ َ ُ ْ ُ ُ‬ ‫ت‬ ‫ع‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ما‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ُ ُ‬‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫دي‬ ‫خربون بيوت َهم بأَيديهم َ‬ ‫م الُّر ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وأي ْ ِ‬ ‫ُ ْ ِ ْ ِ ِ ْ َ‬ ‫ب يُ ْ ِ ُ َ ُ ُ‬ ‫ع َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وب‬ ‫قل‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ف‬‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ق‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫وا‬ ‫ُ‬ ‫ب‬ ‫س‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ح‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ث‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ح‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ر} الحشر‪.2:‬‬ ‫صا ِ‬ ‫عتَبُِروا يَا أولِي الب ْ َ‬ ‫فا ْ‬ ‫ن َ‬ ‫منِي َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫م ْ‬
‫َ َ‬
‫في‬
‫ف ِ‬ ‫و َ‬
‫قذَ َ‬ ‫م َ‬‫ه ْ‬
‫صي ِ‬
‫صيَا ِ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫ب ِ‬‫ل الْكِتَا ِ‬ ‫ن أَ ْ‬
‫ه ِ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬‫ه ْ‬
‫هُرو ُ‬‫ن ظَا َ‬ ‫ذي َ‬‫ل ال ّ ِ‬ ‫وأَنَْز‬
‫{ َ‬
‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫ريقا} الحزاب‪.26:‬‬ ‫ف ِ‬‫ن َ‬ ‫سُرو َ‬‫وتَأ ِ‬ ‫ن َ‬‫قتُلو َ‬‫ريقا ت َ ْ‬
‫ف ِ‬‫ب َ‬ ‫م الُّر ْ‬
‫ع َ‬ ‫قلُوب ِ ِ‬
‫ه ُ‬ ‫ُ‬

‫‪ .7‬وقد أوصى القرآن المسلمين بضرورة إرهاب عدوهم أي المخالفين‬


‫عدُ َّ‬
‫و‬ ‫ه َ‬
‫ن بِ ِ‬
‫هبُو َ‬
‫ل تُْر ِ‬
‫خي ْ ِ‬‫ط ال ْ َ‬ ‫ربَا ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫و ِ‬ ‫ة َ‬‫و ٍ‬‫ق َّ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬‫عت ُ ْ‬‫ستَطَ ْ‬‫ما ا ْ‬‫م َ‬‫ه ْ‬‫عدُّوا ل َ ُ‬‫وأ َ ِ‬‫لهم‪َ { :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م} النفال‪ .60:‬قال‬ ‫ه ْ‬‫م ُ‬‫عل ُ‬ ‫ه يَ ْ‬
‫م الل ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫مون َ ُ‬‫عل ُ‬ ‫م ل تَ ْ‬‫ه ْ‬‫ن دُون ِ ِ‬‫م ْ‬‫ن ِ‬‫ري َ‬
‫خ ِ‬‫وآ َ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫وك ْ‬ ‫عدُ َّ‬‫و َ‬ ‫الل ّ ِ‬
‫ه َ‬
‫وفون {به عدو الله وعدوكم}‬ ‫ابن كثير في التفسير‪ :‬قوله {ترهبون} أي تخ ِّ‬
‫أي من الكافرين ا‪ -‬هـ‪.‬‬

‫‪ .8‬وفي الحديث عن النبي كما في صحيح البخاري وغيره أنه قال‪" :‬نُصرت‬
‫بالرعب شهراً‪ ،‬يُرعب مني العدو مسيرة شهر"‪ .‬أي نصرت بخوف العدو مني‬
‫قبل أن أواجهه بمسيرة شهر ‪ ..‬حيث كان العدو يُصاب بالرعب والخوف‬
‫لمجرد علمه أن جيش النبي متوجه إليه وبمسيرة شهر كامل ‪ ..‬فهذا إرهاب‬
‫للعدو ‪..‬‬

‫إذن يتضح لنا من خلل استعراضنا لهذا الكم الهائل من اليات الجهادية‬
‫أن الدعوة السلمية هي في جوهرها دعوة إرهابية ذات طابع ديني أكثر من‬
‫كونها دعوة دينية ذات طابع سلمي‪.‬‬

‫وهذا أيضا ً ما تؤكده لنا السنة المحمدية التي فاقت أحاديث تحريضها‬
‫وترغيبها على القتال والتقتيل أضعاف اليات القرآنية التي بيناها‪ .‬لهذا‬
‫اعتبر السلم القتال والتقتيل (الجهاد) درة العبادات وتاجها ل تعادله‬
‫فريضة ل بالمكانة ول بالولوية‪.‬‬

‫‪ .1‬إنه الساس الذي قام عليه السلم‪.‬‬

‫‪ .1‬عن معاذ بن جبل قال كنت مع النبي في سفر فأصبحت يوما ً قريبا ً منه‬
‫ونحن نسير‪ ،‬فقلت يا نبي الله اخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من‬
‫النار‪ .‬قال لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه تعبد‬
‫الله ول تشرك به شيئا ً وتقيم الصلة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج‬
‫البيت ثم قال أل أخبرك برأس المر وعموده وذروة سنامه؟ فقلت بلى يا‬
‫رسول الله‪ .‬قال‪ :‬رأس المر وعموده الصلة وذروة سنامه الجهاد – أحمد‬
‫‪ – 21008‬أحمد ‪.21039 – 21036‬‬

‫‪ .2‬قال المام أحمد‪ :‬ل نعلم شيئا ً من أبواب البر أفضل من الجهاد في‬
‫سبيل الله‪.‬‬

‫‪ .1‬إنه رهبنة السلم‪:‬‬

‫‪ .1‬عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لكل نبي‬
‫رهبانية ورهبانية هذه المة الجهاد في سبيل الله عز وجل ‪ -‬أحمد ‪.13306‬‬
‫من هنا وبناءا ً على ما ذكرنا‪ ،‬جعل السلم الجنة تحت ظلل السيوف‪.‬‬

‫‪ .2‬عن رسول الله قال واعلموا أن الجنة تحت ظلل السيوف ‪ -‬البخارى‬
‫‪.2607‬‬

‫{ول تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن ل‬


‫تشعرون} البقرة ‪.154‬‬
‫{أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم‬
‫الصابرين} آل عمران ‪142‬‬

‫‪ .3‬عن أبي أمامه عن عبادة بن الصامت قال‪ :‬قال رسول الله‪ :‬عليكم‬
‫بالجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى فإنه باب من أبواب الجنة يذهب الله به‬
‫الهم والغم ‪ -‬أحمد ‪.21660‬‬

‫{فاستجاب لهم ربهم أني ل أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى‬
‫بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي‬
‫وقاتلوا وقتلوا لكفرن عنهم سيئاتهم ولدخلنهم جنات تجري من تحتها‬
‫النهار ثوابا ً من عند الله والله عنده حسن الثواب} آل عمران ‪.195‬‬

‫لهذا ترتفع درجة ومكانة المقاتلين في السلم عن القاعدين‪:‬‬

‫{فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة‬


‫‪..‬وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا ً عظيماً} النساء ‪95‬‬

‫‪ .1‬إنه وسيلة لمغفرة خطايا المسلم‪:‬‬

‫{ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما‬
‫يجمعون} آل عمران ‪157‬‬

‫تبرز أهمية مكانة الجهاد في السلم من كون (الجهاد) يدخل في إطار‬


‫نشر الدعوة (أي نشر السلم) هذا ما دل عليه القرآن‪ ،‬وهذا ما أيدته وبينته‬
‫السنة المحمدية‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ول َ ْ‬
‫و‬ ‫ن كُل ِّ ِ‬
‫ه َ‬ ‫علَى ال ِّ‬
‫دي ِ‬ ‫ق لِيُظْ ِ‬
‫هَرهُ َ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫ح ِّ‬ ‫وِدي ِ‬ ‫ه بِال ْ ُ‬
‫هدَى َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫س َ‬
‫ل َر ُ‬ ‫ذي أْر َ‬ ‫و ال ّ ِ‬‫ه َ‬‫{ ُ‬
‫ن} التوبة ‪.33‬‬ ‫ُ‬
‫ركو َ‬ ‫م ْ‬
‫ش ِ‬ ‫رهَ ال ْ ُ‬
‫كَ ِ‬
‫{وقاتلوهم حتى ل تكون فتنة ويكون الدين كله لله} النفال ‪.39‬‬

‫{قاتلوا الذين ل يؤمنون بالله ول باليوم الخر ول يحرمون ما حرم الله‬


‫ورسوله ول يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن‬
‫يد وهم صاغرون} التوبة ‪.29‬‬

‫‪ .1‬عن أبي موسى قال‪ :‬جاء رجل إلى النبي‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول الله أرأيت‬
‫الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء فأي ذلك في سبيل الله؟‬
‫قال‪ :‬فقال رسول الله‪ :‬من قاتل لتكون كلمة الله عز وجل هي العليا فهو‬
‫في سبيل الله عز وجل ‪ -‬أحمد ‪.18722‬‬

‫‪ .2‬عن أنس بن مالك قال‪ :‬قال رسول الله‪ :‬أمرت أن أقاتل الناس حتى‬
‫يشهدوا أن ل إله إل الله وأن محمدا ً رسول الله‪ .‬فإذا شهدوا واستقبلوا‬
‫قبلتنا وأكلوا ذبيحتنا وصلوا صلتنا فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إل‬
‫بحقها لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم ‪ -‬أحمد ‪.12583‬‬

‫‪ .3‬يقول شيخ السلم ابن تيمية في كتابه الجهاد‪" 1/11‬يقاتل فقط في‬
‫شرع السلم من يرفض أن يستجيب لواحدة من ثلث‪ :‬إما السلم‪ ،‬وإما‬
‫الجزية‪ ،‬وإما القتال ‪ -‬راجع المصدر المذكور‪ .‬الجهاد‪. 1/11‬‬
‫‪ .4‬عن نبي السلم أنه قال‪ :‬إذا لقيت عدوك من المشركين‪ ،‬فادعهم إلى‬
‫إحدى ثلث خصال‪ ،‬فأيتهن أجابوك إليها فاقبل منهم وكف عنهم؛ ادعهم‬
‫إلى السلم‪ ،‬فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم‪ ،‬فإن هم أبوا فادعهم‬
‫إلى إعطاء الجزية‪ ،‬فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم‪ ،‬فإن أبوا فاستعن‬
‫بالله عليهم وقاتلهم ‪ -‬رواه أبو داود ومسلم‬

‫‪ .5‬عن أبي موسى قال‪ :‬سئل رسول الله عن رجل يقاتل شجاعة ويقاتل‬
‫حمية ويقاتل رياء فأي ذلك في سبيل الله‪ .‬قال‪ :‬من قاتل لتكون كلمة الله‬
‫هي العليا فهو في سبيل الله‪ .‬قال أبو عيسى وفي الباب عن عمر وهذا‬
‫حديث حسن‬

‫‪ .6‬عن أبي موسى الشعري قال جاء أعرابي إلى رسول الله يقاتل ليذكر‬
‫ويقاتل ليغنم ويقاتل ليرى مكانه في سبيل الله قال من قاتل لتكون كلمة‬
‫الله هي العليا فهو في سبيل الله عز وجل ‪ -‬صحيح الترمذى ‪ - 1570‬النسائي‬
‫‪ - 3085‬أبو داود ‪ - 2156‬البخارى ‪ - 2599‬البخارى ‪.6904‬‬

‫إذن من الواضح أن القتال في السلم هو من أجل أن تكون كلمة الله‬


‫هي العليا أي من أجل نشر السلم‪{ :‬وقاتلوهم حتى ل تكون فتنة ويكون‬
‫الدين لله} النفال ‪ ،39‬البقرة ‪.193‬‬

‫‪ .1‬عن ابن عمر أن رسول الله قال أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا‬
‫أن ل إله إل الله وأن محمدا ً رسول الله ويقيموا الصلة ويؤتوا الزكاة فإذا‬
‫فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إل بحق السلم وحسابهم على‬
‫الله ‪ -‬البخارى ‪.24‬‬

‫‪ .2‬عن أنس بن مالك قال‪ :‬قال رسول‪ :‬الله أُمرت أن أقاتل الناس حتى‬
‫يقولوا ل إله إل الله فإذا قالوها وصلوا صلتنا واستقبلوا قبلتنا وذبحوا‬
‫ذبيحتنا فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إل بحقها وحسابهم على الله ‪-‬‬
‫البخارى ‪.379‬‬

‫‪ .3‬عن أبي مالك عن أبيه قال‪ :‬سمعت رسول الله يقول‪ :‬من قال ل إله‬
‫إل الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله ‪-‬‬
‫مسلم ‪.34‬‬

‫‪ .4‬عن أبي هريرة يقول‪ :‬قال رسول الله‪ :‬أُمرت أن أقاتل الناس حتى‬
‫يشهدوا أن ل إله إل الله وأن محمدا ً رسول الله ويقيموا الصلة ويؤتوا‬
‫ي دماءهم وأموالهم وحسابهم على الله عز وجل ‪-‬‬ ‫الزكاة ثم قد حرم عل ّ‬
‫ً‬
‫أحمد ‪ – 8188‬مسلم ‪ – 31‬وأيضا قالها جابر – مسلم ‪ – 32‬وعبد الله بن عمر –‬
‫مسلم ‪33‬‬

‫‪ .5‬عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن النبي قال‪ :‬اغزوا باسم الله وفي‬
‫سبيل الله وقاتلوا من كفر بالله ‪ -‬أبو داود ‪.2246‬‬

‫‪ .6‬عن سعيد بن جبير قال‪ :‬خرج علينا عبد الله بن عمر ونحن نرجو أن‬
‫يحدثنا حديثا ً حسناً‪ ،‬فبدرنا رجل منا يقال له الحكم فقال‪ :‬يا أبا عبد الرحمن‬
‫ما تقول في القتال في الفتنة؟ قال‪ :‬ثكلتك أمك وهل تدري ما الفتنة إن‬
‫محمدا ً كان يقاتل المشركين فكان الدخول فيهم أو في دينهم فتنة وليس‬
‫كقتالكم على الملك – أحمد ‪ – 5125‬أحمد ‪ – 8377‬أحمد ‪ – 18673‬أحمد ‪– 18905‬‬
‫‪ -‬أحمد ‪.18771.‬‬ ‫‪18805‬‬ ‫أحمد‬

‫يقول صاحب كتاب الفريضة الغائبة "القتال في السلم هو لرفع كلمة‬


‫الله في الرض سواء هجوما ً أو دفاعا ً ‪ ..‬والسلم انتشر بالسيف ولكن في‬
‫وجه أئمة الكفر الذين حجبوه عن البشر‪ ،‬وبعد ذلك ل يكره أحد‪ ،‬فواجب على‬
‫المسلمين أن يرفعوا السيوف في وجوه القادة الذين يحجبون الحق‬
‫ويظهرون الباطل‪ ،‬وإل لن يصل الحق إلى قلوب الناس" ‪ -‬راجع الفريضة‬
‫الغائبة لمحمد عبد السلم‪ ،‬تعليق جمال البنا ص ‪.95‬‬

‫ويقول حسان المقدسي في كتابه الجهاد وأوضاعنا المعاصرة في ضوء‬


‫الزمات السلمية المعاصرة‪ :‬إن الجهاد أمر جاء به السلم لخراج الناس‬
‫من عبودية البشر إلى عبودية خالق البشر‪ ،‬ولن يكون ذلك بالكلمة إذا عجزت‬
‫أن تخترق أذهان الكفرة أو السياج المحيط بهم‪ .‬إن بواعث الجهاد في‬
‫السلم ينبغي تلمسها في طبيعة السلم ذاته‪ ،‬ودوره في هذه الرض‪،‬‬
‫وأهدافه العليا التي قررها الله له‪ .‬إذن السلم ليس مجرد عقيدة‪ ،‬إنما‬
‫السلم‪ ،‬وكما قلنا‪ ،‬إعلن عام لتحرير النسان من عبودية العباد‪ ،‬فهو يهدف‬
‫ابتداءً إلى إزالة النظمة والحكومات التي تقوم على أساس حاكمية البشر‬
‫للبشر وعبودية النسان للنسان‪ .‬إن النظام الذي يحكم البشر في الرض‬
‫يجب أن تكون قاعدته العبودية لله وحده وذلك بتلقي الشرائع منه وحده‪.‬‬

‫إن محاولة أيجاد مبررات دفاعية للجهاد في السلم بالمعنى الضيق‬


‫للمفهوم العصري للحرب الدفاعية‪ ،‬ومحاولة البحث عن أسانيد لثبات أن‬
‫وقائع الجهاد السلمي كانت لمجرد صد العدوان المجاور على الوطن‬
‫السلمي ‪ -‬وهو في عرف بعضهم جزيرة العرب ‪ -‬فهي محاولة تنم عن قلة‬
‫إدراك لطبيعة هذا الدين‪ ،‬ولطبيعة الدور الذي جاء ليقوم به في الرض ‪-‬‬
‫راجع كتاب الجهاد وأوضاعنا المعاصرة في ضوء الزمات السلمية‬
‫المعاصرة ص ‪.17-15‬‬

‫مهما حاول مهندسو الترميم والترقيع الشرعي خلق العذار والسباب‬


‫الشرعية وغير الشرعية لشرعة العنف والرهاب (الجهاد) في السلم فإن‬
‫هدف السلم ظاهر وواضح للعيان وهو (إخضاع العباد والبلد كافة لسيطرة‬
‫وحكم السلم والمسلمين)‪.‬‬

‫هذا ليس افتراءً على السلم كما يزعم المجاهدون‪ ،‬ول هي محاولة منا‬
‫لتشويه صورة السلم السمحة كما يزعم الذين اسودت وجوههم إذا بشرهم‬
‫أحد بالحق! بل هذا ما أعلنه القرآن بوضوح‪ ،‬وبينت تفاصيله السنة النبوية‬
‫المطهرة‪ .‬وهذا ما أجمع عليه علماء المسلمين قديما ً وحديثا ً وأعلنوه‬
‫بصراحة ووضوح في مصادرهم الشرعية‪ .‬وهذا ما يحاول المسلمون أقصى‬
‫جهدهم لتنفيذه وإن كره المشركون‪.‬‬

‫{هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو‬
‫كره المشركون} التوبة ‪.33‬‬

‫لم يقتصر هدف الجهاد في السلم على قهر غير المسلمين وإذللهم‬
‫وسلب أموالهم وهتك أعراضهم وبالتالي إجبارهم على نبذ دينهم والدخول‬
‫في السلم كما بينا سابقا ً من خلل القرآن والسنة‪ ،‬بل يهدف السلم من‬
‫وراء تلك الفريضة العدوانية ‪-‬الجهاد‪ -‬إلى احتلل العالم أجمع ‪ -‬أي فتح‬
‫العالم بحسب المصطلح السلمي‪.‬‬
‫وهذا ما أعلنه وصرح به السلم والمسلمون من خلل مصادر تشريعهم‬
‫وتصريحات علمائهم‪.‬‬

‫يقول أبو العلى المودودي في كتابه الجهاد في سبيل الله‪:‬‬

‫"إن كان السلم نحلة كالنحل الخرى والمسلمون أمة كغيرهم من أمم‬
‫العالم؛ فل جرم إن الجهاد السلمي يفقد بذلك جميع المزايا والخصائص‬
‫التي جعلته رأس العبادات ودرة تاجها‪ .‬لكن الحقيقة أن السلم ليس بنحلة‬
‫كالنحل الرائجة وأن المسلمين ليسوا بأمة كأمم العالم‪ ،‬بل المر أن السلم‬
‫فكرة انقلبية ومنهاج انقلبي يريد أن يهدم نظام العالم الجتماعي بأسره‬
‫ويأتي بنيانه من القواعد ويؤسس بنيانه من جديد حسب فكرته ومنهاجه‬
‫العملي‪.‬‬

‫ومن هنا نعرف أن لفظ المسلم وصف للحزب النقلبي العالمي الذي‬
‫يكونه السلم وينظم صفوفه ليكون أداة في إحداث ذلك البرنامج النقلبي‬
‫الذي يرمي إليه السلم ويطمح إليه ببصره‪ ،‬والجهاد عبارة عن الكفاح‬
‫النقلبي عن تلك الحركة الدائبة المستمرة التي يُقام بها للوصول إلى هذه‬
‫الغاية وإدراك هذا المبتغى ‪ -‬راجع الجهاد في سبيل الله لبي العلى‬
‫المودودي ص ‪.11-10‬‬

‫إن السلم ل ينظر إلى مصلحة أمة دون أمة ول يقصد النهوض بمصلحة‬
‫شعب دون شعب ‪ ..‬وله فكرة خاصة ومنهاج عملي مختار لسعادة المجتمع‬
‫البشري والصعود به إلى معارج الفلح‪ .‬فكل حكومة مؤسسة على فكرة غير‬
‫هذه الفكرة ومنهاج غير هذا المنهاج يقاومها السلم ويريد أن يقضي عليها‬
‫قضاءً مبرماً‪ ،‬ول يعنيه في شيء بهذا الصدد أمر البلد التي قامت فيها تلك‬
‫الحكومة غير المرضية أو المة التي ينتمي إليها القائمون بأمرها‪ .‬فإن غايته‬
‫استعلء فكرته وتعميم منهاجه وإقامة الحكومات وتوطيد دعائمها على‬
‫أساس هذه الفكرة وهذا المنهاج بصرف النظر عمن يحمل لواء الحق‬
‫والعدل بيده ومن تنتكس بذلك راية عدوانه وفساده‪ .‬والسلم يتطلب‬
‫الرض ول يقتنع بقطعة أو جزء منها ‪ ..‬ول يتطلبها لتستولي عليها وتستبد‬
‫بمنابع ثروتها أمة بعينها بعدما تُنتزع من أمة أو أمم شتى‪ ،‬بل يتطلبها‬
‫السلم ويستدعيها ليتمتع الجنس البشري بأجمعه بفكرة السعادة البشرية‬
‫ومنهاجها العملي اللذين أكرمه الله بهما وفضله بهما على سائر الديان‬
‫والشرائع‪ .‬وتحقيقا ً لهذه البغية السامية‪ ،‬يريد السلم أن يستخدم جميع‬
‫القوى والوسائل التي يمكن استخدامها لحداث انقلب عام شامل‪ ،‬ويبذل‬
‫الجهد المستطاع للوصول إلى هذه الغاية العظمى‪ ،‬ويسمى هذا الكفاح‬
‫المستمر بانتشار القوى والبغي واستخدام شتى الوسائل المستطاعة‬
‫(الجهاد) ‪ -‬راجع نفس المصدر ‪13‬‬

‫إن السلم ليس مجرد مجموعة من العقائد الكلمية وجملة من‬


‫المناسك والشعائر كما يُفهم من معنى الدين في هذه اليام‪ .‬بل الحق إنه‬
‫نظام كلي شامل يريد أن يقضي على سائر النظم الباطلة الجائرة الجارية‬
‫في العالم ويقطع دابرها ويستبدل بها نظاما ً صالحا ً ومنهاجا ً معتدل ً يرى أنه‬
‫خير للنسانية من النظم الخرى‪ ،‬وأن فيه نجاة الجنس البشري من أدواء‬
‫الشر والطغيان وأنه سعادة له وفلحا ً في العاجلة والجلة معاً‪ .‬ودعوته في‬
‫هذه السبيل‪ ،‬سبيل الصلح والتجديد والهدم والبناء‪ ،‬عامة للجنس البشري‬
‫كافة‪ ،‬ل تختص بأمة دون أمة أو طائفة دون طائفة‪ .‬فهو يدعو بني آدم‬
‫جميعا ً إلى كلمته؛ حتى أنه يهيب بالطبقات الجائرة نفسها ممن اعتدوا على‬
‫حدود الله في أرضه واستأثروا بخيرات الرض دون سائر الناس‪ ،‬يهيب‬
‫بالملوك والمراء أنفسهم ويناديهم قائلً‪ :‬ل تطغوا في الرض‪ ،‬ادخلوا في‬
‫كنف حدود الله التي حددها لكم‪ .‬فإن أسلمتم لمر الله وِدنتم لنظام الحق –‬
‫السلم – والعدل الذي أقامه للناس خير وبركة‪ ،‬فلكم المن والدعة‬
‫والسلمة‪ .‬فإن الحق ل يعادي أحد‪ ،‬وإنما يعادي الحق الجور والفساد‬
‫والفحشاء‪ .‬فكل من آمن بهذه الدعوة وتقبلها بقبول حسن‪ ،‬يصير عضواً‬
‫في الجماعة السلمية أو الحزب السلمي‪ ،‬ل فرق في ذلك بين الحمر‬
‫منهم أو السود أو الغني منهم أو الفقير‪ .‬كلهم سواسية كأسنان المشط‪،‬‬
‫ل فضل لمة على أمة أو لطبقة على أخرى‪ .‬وبذلك يتكون ذلك الحزب‬
‫العالمي أو الممي الذي سمي (حزب الله) بلسان الوحي‪.‬‬

‫وما أن يتكون هذا الحزب حتى يبدأ بالجهاد في سبيل الغاية التي أنشئ‬
‫من أجلها‪ .‬فمن طبيعته ومما يستدعيه وجوده أن ل يألو جهدا ً في القضاء‬
‫على نظم الحكم التي أسس بنيانها على غير قواعد السلم واستئصال‬
‫شأفتها‪ ،‬وأن يستنفد مجهوده في أن يستبدل بها نظاما ً للعمران والجتماع‬
‫معتدلً‪ ،‬مؤسسا ً على قواعد ذلك القانون الوسط العدل الذي يسميه القرآن‬
‫ع سعيه وراء‬
‫(كلمة الله)‪ .‬فإن لم يبذل هذا الحزب الجهد المستطاع ولم يس َ‬
‫تغيير نظم الحكم وإقامة نظام الحق ‪ -‬السلم‪ -‬ونظام الحكم المؤسس على‬
‫قواعد السلم ولم يجاهد حق جهاده في سبيل هذا‪ ،‬فاتته غايته وقصر عن‬
‫تحقيق البغية التي أنشئ لجلها‪ ،‬فإنه ما أنشئ إل لدراك الغاية وتحقيق‬
‫هذه البغية‪ ،‬بغية إقامة نظام الحق والعدل – السلم ‪ -‬ول غاية له ول عمل‬
‫إل الجهاد في هذه السبيل‪ .‬وهذه الغاية الوحيدة التي بينها الله تعالى في‬
‫كتابه بقوله‪{ :‬كنتم خير أمة أخرجت للناس} آل عمران ‪.110‬‬

‫ول يظن أحد أن هذا الحزب ‪ -‬حزب الله بلسان الوحي ‪ -‬مجرد جماعة‬
‫من الوعاظ المبشرين يعظون الناس في المساجد ويدعونهم إلى مذاهبهم‬
‫ومسالكهم بالخطب والمقالت‪ .‬ل‪ ،‬ليس المر كذلك وإنما هو حزب أنشأه‬
‫الله ليجعل الحق والعدل بيده ويكون شهيدا ً على الناس‪ .‬ومهمته التي‬
‫أُلقيت على كاهله من أول يوم أن يقضي على منابع الشر والعدوان ويقطع‬
‫دابر الجور والفساد في الرض والستغلل الممقوت‪ ،‬وأن يكبح جماح اللهة‬
‫الكاذبة الذين تكبروا في أرض الله بغير حق وجعلوا أنفسهم أربابا ً من دون‬
‫الله‪ ،‬ويستأصل شافة ألوهيتهم ويقيم نظاما ً للحكم والعمران يتفيأ ظلله‬
‫القاصي والداني والغني والفقير‪ .‬وإلى هذا المعنى أشار الله تعالى في‬
‫غير واحدة من آية الذكر الحكيم‪{ :‬وقاتلوهم حتى ل تكون فتنة ويكون الدين‬
‫كله لله} النفال ‪.39‬‬

‫{إل تفعلوه تكن فتنة في الرض وفساد كبير} النفال ‪.73‬‬

‫{هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو‬
‫كره المشركون} التوبة ‪.33‬‬

‫فتبين من كل ذلك أن الحزب ‪ -‬حزب الله‪ -‬ل بد له من امتلك ناصية‬


‫المر ول مندوحة له عن القبض على زمام الحكم‪ ،‬لن نظام العمران الفاسد‬
‫ل يقوم إل على أسس حكومة مؤسسة على قواعد العدوان والفساد في‬
‫الرض‪ ،‬كذلك ليس من الممكن أن يقوم نظام للحكم الصالح ويؤتي أكُله إل‬
‫بعد ما يُنتزع زمام المر من أيدي الطغاة المفسدين ويأخذه بأيديهم رجال‬
‫يؤمنون بالله واليوم الخر‪ .‬أضف إلى ذلك أن هذا الحزب ‪ -‬حزب الله ‪-‬‬
‫بصرف النظر عما يرمي إليه من إصلح العالم وبث الخير والفضيلة في‬
‫أنحاء الرض كافة‪ ،‬ل يقدر أن يبقى ثابتا ً على خطته‪ ،‬متمسكا ً بمنهاجه‪،‬‬
‫عامل ً وفق مقتضياته‪ ،‬مادام نظام الحكم قائما ً على أساس آخر‪ ،‬سائرا ً على‬
‫منهاج غير منهاجه‪ .‬وذلك أن حزبا ً مؤمنا ً بمبدأ ونظام للحياة والحكم الخاص‪،‬‬
‫ل يمكنه أن يعيش متمسكا بمبدئه عامل ً حسب مقتضاه في ظل نظام للحكم‬
‫مؤسسا ً على مبادئ وغايات غير المبادئ والغايات التي يؤمن بها ويريد‬
‫السير على منهاجها‪ .‬وكذلك إن أراد مسلم أن يقضي حياته مستظل ً بنظام‬
‫للحكم مناقض لمبادئ السلم الخالدة وبوده أن يبقى مستمسكا ً بمبادئ‬
‫السلم‪ ،‬سائرا ً وفق مقتضاه في أعماله اليومية‪ ،‬فلن يتسنى له ذلك ول‬
‫يمكنه أن ينجح في بغيته هذه أبداً‪ ،‬لن القوانين التي يراها باطلة والضرائب‬
‫التي يعتقدها غرما ً ونهبا ً لموال الناس والقضايا التي يحسبها جائرة عن‬
‫الحق وافتئاتا ً على العدل والنظم التي يعرف أنها مبعث الفساد في الرض‬
‫ومنهاج التعليم‪ ،‬التي يجزم بوخامة عاقبتها وسوء نتائجها ويرى فيها هلكاً‬
‫للمة‪ .‬فالذي يؤمن بعقيدة ونظام‪ ،‬فردا ً كان أو جماعة‪ ،‬مضطر بطبيعة‬
‫عقيدته وإيمانه بها أن يسعى سعيه في القضاء على نظم الحكم القائمة‬
‫على فكرة غير فكرته ويبذل الجهد المستطاع في إقامة نظام للحكم مستند‬
‫إلى الفكرة التي يؤمن بها ويعتقد أن فيها سعادة البشر‪ ،‬لنه ل يتسنى له‬
‫العمل بموجب عقيدته والسير على منهاجه إل بهذا الطريق‪.‬‬

‫‪ ..‬ومن أجل ذلك وجب على الحزب المسلم‪ ،‬حفاظا ً على كيانه‪ ،‬وابتغاءً‬
‫للصلح المنشود أن ل يقتنع بإقامة نظام الحكم السلمي في قطر واحد‬
‫بعينه‪ ،‬بل من واجبه الذي ل مناص له منه بحال من الحوال أن يدخر جهداً‬
‫في توسيع نطاق هذا النظام وبسط نفوذه في مختلف أرجاء الرض‪ .‬ذلك‬
‫بأن يسعى الحزب السلمي في جانب وراء نشر الفكرة السلمية وتعميم‬
‫نظرياتها الكاملة ونشرها في أقصى الرض أدناها ويدعو سكان المعمورة‬
‫على اختلف بلدهم وأجناسهم وطبقاتهم‪ .‬هذه هي الخطة التي سلكها‬
‫وهذا هو المنهاج الذي انتهجه النبي ومن جاء بعده وسار بسيرته من الخلفاء‬
‫الراشدين‪ .‬فإنهم بدءوا ببلد العرب التي أشرقت شمس السلم من آفاقها‬
‫وأخضعوها أول ً لحكم السلم وادخلوها في كنف المملكة السلمية‬
‫الجديدة‪ ،‬ثم دعا النبي الملوك والمراء والرؤساء في مختلف بقاع الرض‬
‫إلى دين الحق – السلم ‪ -‬للذعان لمر الله‪ .‬فالذين آمنوا بهذه الدعوة‬
‫انضموا إلى هذه المملكة السلمية وأصبحوا من أهلها‪ .‬والذين لم يلبوا‬
‫دعوتها ولم يتقبلوها بقبول حسن‪ ،‬شرع في قتالهم وجهادهم‪ .‬ولما‬
‫استخلف أبو بكر بعد وفاة النبي‪ ،‬حمل على المملكتين المجاورتين للمملكة‬
‫السلمية؛ مملكتي الروم والفرس ‪ -‬راجع كتاب (الجهاد في سبيل الله)‬
‫لبي العلى المودودي ص ‪.39-28‬‬

‫هل يستطيع أي مسلم إذن أن يشكك بأقوال المودودي المستمدة من‬


‫القرآن والسنة؟‬

‫السلم يتطلب الرض كلها ول يقتنع بجزء منها‪!!.‬‬

‫‪ .1‬عن تميم الداري قال‪ :‬سمعت رسول الله يقول‪ :‬ليبلغن هذا المر ما‬
‫بلغ الليل والنهار ول يترك الله بيت مدر ول وبر إل أدخله الله هذا الدين بعز‬
‫عزيز أو بذل ذليل عزا ً يعز الله به السلم وذل ً يذل الله به الكفر‪ .‬وكان‬
‫تميم الداري يقول قد عرفت ذلك في أهل بيتي‪ ،‬لقد أصاب من أسلم منهم‬
‫الخير والشرف والعز ولقد أصاب من كان منهم كافرا ً الذل والصغار‬
‫والجزية ‪ -‬أحمد ‪.16344‬‬

‫‪ .2‬عن نبي السلم قال‪( :‬إن الله زوى لي الرض فرأيت مشارقها‬
‫ومغاربها وإن أمتي سيبلغ ملكها لي منها ‪ -‬رواه مسلم وأبو داود والترمذي‬
‫وابن ماجة‪.‬‬

‫‪ .3‬وفي الحديث الصحيح يقول أبو قبيل‪ :‬كنا عند عبد الله بن عمرو بن‬
‫العاص وسئل أي المدينتين تفتح‪ :‬القسطنطينية أو رومية؟ فدعا عبد الله‬
‫بصندوق له حلقة فأخرج منه كتابا ً وقال‪ :‬فقال عبد الله بينما نحن حول‬
‫رسول الله‪ ،‬نكتب إذ سئل رسول الله أي المدينتين تفتح أولً؟ يعني‬
‫القسطنطينية أو رومية؟ فقال رسول الله‪ :‬مدينة هرقل تفتح أولً‬
‫القسطنطينية ‪ -‬رواه احمد ‪ -‬وراجع أيضا ً الفريضة الغائبة ص ‪.44-42‬‬

‫***‬

‫ـ الستيلء على البلد وتفريغها من أهلها كان حلم نبي السلم الكبر ـ‬

‫‪ .1‬عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب قال‪ :‬قال‬
‫رسول الله‪ :‬لئن عشت لخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى ل‬
‫أترك فيها إل مسلما ً ‪ -‬أحمد ‪ - 21‬أحمد ‪ – 210‬الترمذي ‪1531‬‬

‫‪ .2‬أخبرني عمر بن الخطاب أنه سمع رسول الله يقول‪ :‬لخرجن اليهود‬
‫والنصارى من جزيرة العرب فل أترك فيها إل مسلماً‪ .‬قال أبو عيسى هذا‬
‫حديث حسن صحيح ‪ -‬الترمذى ‪ - 1532‬أحمد ‪.196‬‬

‫‪ .3‬عن نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب أجلى اليهود والنصارى من‬
‫أرض الحجاز‪ ،‬وكان رسول الله لما ظهر على خيبر أراد إخراج اليهود منها‪.‬‬
‫وكانت الرض حين ظهر عليها لله ولرسوله وللمسلمين وأراد إخراج اليهود‬
‫منها فسألت اليهود رسول الله ليقرهم بها أن يكفوا عملها ولهم نصف‬
‫الثمر‪ ،‬فقال لهم رسول الله‪ :‬نقركم بها على ذلك ما شئنا فقروا بها حتى‬
‫أجلهم عمر إلى تيماء وأريحا ‪ -‬البخاري ‪ - 2170‬البخارى ‪2919‬‬

‫‪ .4‬عن أبي هريرة قال بينما نحن في المسجد خرج النبي‪ ،‬فقال‪ :‬انطلقوا‬
‫إلى يهود فخرجنا حتى جئنا بيت المدراس‪ ،‬فقال‪ :‬أسلموا تسلموا واعلموا‬
‫أن الرض لله ورسوله وإني أريد أن أجليكم من هذه الرض فمن يجد منكم‬
‫بماله شيئا فليبعه وإل فاعلموا أن الرض لله ورسوله ‪ -‬البخارى ‪.293‬‬

‫‪ .5‬عن نافع عن ابن عمر قال حاربت النضير وقريظة فأجلى بني النضير‬
‫وأقر قريظة ومن عليهم حتى حاربت قريظة فقتل رجالهم وقسم نساءهم‬
‫وأولدهم وأموالهم بين المسلمين إل بعضهم لحقوا بالنبي فأمنهم‬
‫وأسلموا وأجلى يهود المدينة كلهم؛ بني قينقاع وهم رهط عبد الله بن‬
‫سلم ويهود بني حارثة وكل يهود المدينة – البخارى ‪ – 3724‬أبو داود ‪– 2634‬‬
‫أحمد ‪9450‬‬

‫‪ .6‬عن ابن عباس قال‪ :‬قال رسول الله‪ :‬ل تصلح قبلتان في أرض واحدة‬
‫وليس على المسلمين جزية‪ .‬والنصراني إذا أسلم وضعت عنه جزية رقبته ‪-‬‬
‫– أبو داود ‪.2636‬‬ ‫‪574‬‬ ‫الترمذى‬

‫‪ .7‬عن مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم أنه سمع عمر بن عبد العزيز‬
‫يقول كان من آخر ما تكلم به رسول الله أن قال‪ :‬قاتل الله اليهود‬
‫والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ل يبقين دينان بأرض العرب ‪ -‬مالك‬
‫‪ 1387‬مالك ‪.1388‬‬

‫هذه كانت وصية النبي الخيرة ‪:‬‬

‫عن ابن عباس أنه قال‪ :‬يوم الخميس وما يوم الخميس ثم بكى حتى خضب‬
‫دمعه الحصباء‪ ،‬فقال‪ :‬اشتد برسول الله وجعه يوم الخميس فقال‪ :‬ائتوني‬
‫بكتاب أكتب لكم كتابا ً لن تضلوا بعده أبدا ً فتنازعوا ول ينبغي عند نبي تنازع‪،‬‬
‫فقالوا‪ :‬هجر رسول الله قال‪ :‬دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه‬
‫وأوصى عند موته بثلث؛ أخرجوا المشركين من جزيرة العرب‪ ،‬وأجيزوا‬
‫الوفد بنحو ما كنت أجيزهم‪ ،‬ونسيت الثالثة‪ .‬وقال يعقوب بن محمد‪ :‬سألت‬
‫المغيرة بن عبد الرحمن عن جزيرة العرب‪ ،‬فقال‪ :‬مكة والمدينة واليمامة‬
‫واليمن‪ .‬وقال يعقوب والعرج أول تهامة ‪ -‬البخارى ‪.2825‬‬

‫سؤال‪ :‬إذا كانت وصية ورغبة نبي السلم هي إخراج اليهود والنصارى من‬
‫جزيرة العرب فهل يعقل بأن تكون رغبة العرب والمسلمين مختلفة أو‬
‫مخالفة لوصية ورغبة نبيهم؟!‬

‫‪80‬‬ ‫{من يطع الرسول فقد أطاع الله} النساء‬


‫َ‬ ‫َ‬ ‫وات َّ ُ‬
‫ديدُ‬
‫ش ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫ه إ ِ َّ‬
‫قوا الل ّ َ‬ ‫هوا َ‬ ‫ه َ‬
‫فانت َ ُ‬ ‫عن ْ ُ‬ ‫هاك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ما ن َ َ‬
‫و َ‬
‫ه َ‬
‫خذُو ُ‬ ‫ل َ‬
‫ف ُ‬ ‫سو ُ‬ ‫ما آتَاك ُ ُ‬
‫م الَّر ُ‬ ‫و َ‬
‫{ َ‬
‫ب} الحشر ‪7‬‬ ‫َ‬
‫عقا ِ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫إن إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب أصبح واجب ديني يجب على‬
‫كل مسلم أن يسعى جاهدا ً لتنفيذه عمل ً بوصية وسنة النبي الذي ل ينطق‬
‫عن الهوى بل بوحي يوحى‪.‬‬

‫وتفريغ الشرق الوسط من المسيحيين واليهود واجب ديني يجب على كل‬
‫مسلم أن يبذل قصارى جهده لتحقيقه وإن كره المشركون‪ .‬إنها وصية نبي‬
‫السلم الخيرة بأن ل يُترك في الجزيرة دينان‪.‬‬

‫عن مالك عن ابن شهاب أن رسول الله قال‪ :‬ل يجتمع دينان في جزيرة‬
‫العرب ‪ -‬مالك ‪.1388‬‬

‫في تصريح لمين عام منظمة المؤتمر السلمي‪ ،‬السيد حبيب الشطي في‬
‫حديث خاص لجريدة الشرق الوسط في ‪ 16‬تموز ‪ ،1984‬أعلن فيه أن‬
‫المنظمة رفعت دعوى ضد الجريدة الفرنسية ‪ . le figaro‬وأن المحاكم‬
‫الفرنسية ستنظر هذه الدعوى بحلول شهر تشرين الول‪ ،‬والدعوة تدور‬
‫حول ما زعمته هذه الجريدة حول عقد مؤتمر للدول السلمية في لهور‬
‫عام ‪ 1980‬لبحث القضاء على المسيحيين في الدول السلمية وإجبارهم‬
‫على اعتناق السلم قبل نهاية القرن الحالي‪.‬‬

‫قال السيد الشطي (إن ذلك تلفيق ل يمت إلى الواقع والحقيقة بصلة بقدر‬
‫ما هو إشهار غير مسؤول يستهدف النيل من السلم ومبادئه القويمة التي‬
‫تدعو إلى التسامح الديني والتعايش السلمي والتعاون المثمر بين كل‬
‫المجتمعات في العالم أيا كانت معتقداتها وألوانها ومشاربها الروحية‬
‫والجتماعية ‪) ..‬‬

‫وختم تصريحه بقوله (أنه ل يعقل أن نتآمر ضد مواطنين مسيحيين يعيشون‬


‫جنبا ً إلى جنب مع بني أوطانهم المسلمين في بلدان عديدة‪ ،‬وفي أمان‬
‫مطلق تربطهم المال واللم الوطنية وتشدهم ببعض التطلعات القومية‬
‫والقضايا المصيرية الواحدة) ‪ -‬راجع حروب اللهة ‪.97-96‬‬

‫تقودنا هذه الحقائق والحكام الشرعية‪ ،‬سواء كانت أحكام الجهاد أو أحكام‬
‫التقية‪ ،‬إلى سؤال أعتقد أنه مهم خصوصا ً في هذه المرحلة الصعبة؛ مرحلة‬
‫مواجهة الدول المتحضرة للرهاب‪.‬‬

‫سؤالي هو‪ :‬هل يُعد السلم في السلم استراتيجية أم تكتيك تقوي؟‬

‫ـ معاهدات الصلح ـ‬

‫ة ومن أجل الفادة‪ ،‬دعوني أبين لكم موقف السلم من معاهدات الصلح‬‫بداي ً‬
‫بشكل عام ‪..‬‬

‫نقول‪ :‬عقد المعاهدات هو أمر جائز في السلم نزول ً عند حكم الية‬
‫القرآنية‪{ :‬براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين} توبة‬
‫‪.1‬‬

‫وقد عرف العرب قبل السلم المعاهدات (العهود) بشكل عام وسموها‬
‫(إيلفاً) أو (حلفاً) ومن ذلك إيلف قريش وحلف الفضول ‪ ..‬الخ‪ .‬وكانت هذه‬
‫العهود أو الحلف على نوعين‪ :‬المساندة وهي تنصب على مساعدة كل‬
‫قبيلة طرف في حلف للقبيلة الخرى الطرف فيه عند الحاجة‪ ،‬مما يجعلها‬
‫شبيهه بالحلف العسكرية في هذه اليام‪.‬‬

‫أما النوع الثاني‪ :‬فهو الموادعة‪ :‬وهي وفاق صلح وسلم يتعهد فيه كل‬
‫طرف بالكف عن أية أعمال ذات طابع عدواني تجاه الطراف الخرى‪ .‬وهي‬
‫تشبه اتفاقيات الهدنة المعاصرة إذا كانت مؤقتة‪ .‬ومعاهدات الصلح إذا كانت‬
‫دائمة‪ ،‬علما ً بأن العرب نادرا ً ما كانوا يقبلون بعقد موادعات تزيد مدتها عن‬
‫عشر سنوات ‪ -‬راجع‪ :‬أحكام الحرب والسلم في دار السلم ص ‪.73‬‬

‫أما المعاهدات في السلم فيمكن ردها إلى ثلثة أنواع وذلك لجملة العهود‬
‫التي عقدها المسلمون مع غيرهم وهي‪ :‬عهد المان‪ ،‬وعهد الذمة‪ ،‬وعهد‬
‫الصلح‪.‬‬

‫‪ .1‬عهد المان‪ :‬هو عهد مؤقت ل تزيد مدته في العادة عن سنة يعقده‬
‫المسلمون مع أحد الحربيين أي مواطني العدو أو عدد محدود منهم‪ ،‬ويسمى‬
‫هؤلء بعد حصولهم على المان باسم (المستأمنين)‪ ،‬حتى إذا انتهى مفعول‬
‫العهد الممنوح لهم عادوا حربيين‪.‬‬

‫‪ .2‬عهد الذمة‪ :‬هو نوع من العهود كان يتم عقده بين قادة جيوش الفتح‬
‫(الغزو) وبين سكان البلد المفتوحة الذين اختاروا البقاء على ديانتهم‬
‫الصلية مع دفع الجزية‪ .‬وبمجرد توقيع هذا العهد‪ ،‬تُطبق على المعاهدين‬
‫الذميين قواعد القانون السلمي (الشريعة)‪.‬‬
‫‪ .3‬عهد الصلح‪ :‬معاهدة تتم بين دار السلم من جهة وبين دار الحرب من‬
‫جهة ثانية‪ .‬والصلح في الشرع السلمي عبارة عن عقد على ترك القتال‬
‫مدة معلومة لزمة يقع بين طرفين في زمن محدد بشروط مخصوصة‪.‬‬

‫وعهود الصلح ل تزيد مدتها من الناحية الشرعية عن عشر سنوات‬


‫تقليدا ً لصلح الحديبية الذي عقده محمد مع القريشيين وكانت مدته كذلك‪.‬‬

‫وللمعاهدات في السلم شروط وهي‪:‬‬

‫أولً‪ :‬أل تخالف المعاهدة حكما ً من الحكام الشرعية؛ فلكي تنعقد‬


‫المعاهدة بشكل صحيح يجب أل تخالف أي حكم قطعي وارد في القرآن‬
‫وذلك نزول ً عند حكم الحديث القائل (من اشترط شرطا ً ليس في كتاب الله‬
‫فهو باطل) ‪ -‬فتاوى ابن تيمية ‪.3/329‬‬

‫ثانياً‪ :‬أن يكون في ذلك مصلحة للمسلمين؛ فإن لم يكن للمسلمين‬


‫مصلحة كتجاوز ضعف أو توفير مال أو توقع إسلم المعقود معهم الصلح‪،‬‬
‫فل يهادنون بل يقاتلون حتى يسلم الكفار أو يدفعون الجزية‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬أن ل يكون في العقد شروط يأباها السلم منها‪:‬‬

‫‪ .1‬اعتراف أو إقرار الكفار على جزء ولو كان شبرا ً من أرض المسلمين‬
‫لنه ل يجوز لحد أن يتصرف فيما ل يملك ول يفاوض عليه‪ .‬يقول المام‬
‫مالك‪( :‬إذا وقع الخليفة الصلح … والمسلمون ل يرون إل الجهاد فمهادنته‬
‫منقوصة وفعله مردود) ‪ -‬راجع فتح العالي لمام مالك ‪.1/289‬‬

‫‪ .2‬الستنفار للجهاد‪ :‬إذا تعين الجهاد بطل الصلح كما إذا دخل العدو أرض‬
‫المسلمين أو كان طالبا ً لهم‪ .‬وحيث تعين الجهاد في موضع لم يجز فيه‬
‫الصلح‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬أن ل تزيد مدة المصالحة عن أربعة اشهر عند قوة المسلمين‬
‫وأمنهم ول تجوز الزيادة عن عشر سنين ول إطلق المدة‪.‬‬

‫فل بد أن تكون المصالحة معلومة محدودة لن تركها من غير تقدير‬


‫يؤدي إلى ترك فريضة الجهاد بالكلية هذا في حالة كون العدو في بلده أو‬
‫بأطراف البلد السلمية على الحدود‪ .‬أما إن أخذ العدو جزءا ً من بلد‬
‫السلم وادعى ملكيته لهذا الجزء وأنكر حق المسلمين فيها وجار عليهم‬
‫في العدوان‪ ،‬فإن المصالحة أو المهادنة أو المسالمة ل تتم بإجماع آراء‬
‫الفقهاء في كافة العصور السلمية‪.‬‬

‫أما إذا كان المسلمون في حالة ضعف كمثل الذي هم عليها الن‪ ،‬فل‬
‫بأس في أن يعقدوا صلح مؤقت مع أعدائهم إلى أن يزول سبب ضعفهم‪.‬‬
‫فإن كان سبب ضعف المسلمين لسباب خارجة عن إرادتهم وظهور قوة‬
‫عدوهم عليهم‪ ،‬جاز لهم المهادنة والمصالحة لمدة محدودة ومعلومة حتى‬
‫يزول سبب الضعف‪ .‬فالصلح المطلق والمقود والمتضمن ترك الجهاد يجب‬
‫نقضه لنه بمقضي الشرع غير مبرم‪ ،‬وحكمه غير لزم عند كل من حقق في‬
‫أصول الشريعة‪.‬‬

‫أما إذا كان الكفار فيهم قوة وكثرة بالنسبة إلى جميع المسلمين ورأى‬
‫المام في المهادنة والمعاهدة مصلحة فله أن يفعل ذلك ‪ -‬راجع تفسير‬
‫الطبري وابن كثير والقرطبي في شرحهم لية سورة محمد ‪ ،35‬والتوبة ‪.5‬‬

‫قال الطبري في تفسيره‪ :‬إذا كان المسلمون في حالة ضعف ُرخص‬


‫لهم في موالتهم ‪ -‬أي في موالة العداء ‪ -‬إذا أخافوهم‪ ،‬والمراد بتلك‬
‫الموالة محالفة ومعاشرة ظاهرة والقلب مطمئن بالعداوة والبغضاء‬
‫وانتظار زوال المانع من قصر العصا وإظهار الطرية ‪ -‬راجع تفسير الطبري‬
‫في شرحه لية آل عمران ‪.28‬‬

‫أما إذا كان المسلمون في حالة ضعف والعياذ بالله‪ ،‬فل باس إن جنحوا‬
‫مع العداء إلى السلم‪ ،‬إن يجنح لهم المؤمنون‪{ .‬وإن جنحوا للسلم فاجنح‬
‫لها} النفال ‪.61‬‬

‫أما إن كان المسلمون في حالة قوة تسمح لهم بالمقاومة فل يجوز‬


‫سلْمِ‬
‫عوا إِلَى ال َّ‬
‫وتَدْ ُ‬
‫هنُوا َ‬ ‫شرعا ً عقد سلم أو مصالحة‪ ،‬وذلك لقوله‪َ { :‬‬
‫فل ت َ ِ‬ ‫َ‬
‫م العلون} محمد ‪.35‬‬ ‫وأنْت ُ ْ‬‫َ‬
‫{فل تهنوا} أي ل تضعفوا عن العداء‪{ ،‬وتدعوا إلى السلم} أي‬
‫المهادنة والمسالمة ووضع القتال بينكم وبين الكفار في حال قوتكم وكثرة‬
‫عددكم وعدتكم‪ ،‬ولهذا قال‪{ :‬فل تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم العلون}‬
‫أي في حال علوكم على عدوكم ‪ -‬راجع تفسير الطبري وابن كثير‬
‫والقرطبي والشوكاني والواحدي في شرحهم لية سورة محمد ‪.35‬‬

‫يقول الشيخ الدكتور عبد القادر بن عبد العزيز في كتابه الجامع في‬
‫طلب العلم الشريف‪ :‬ول يمنع المسلمين من الجهاد إل العجز‪ ،‬وذلك لقوله‬
‫سلم وأنتم العلون}‪ ،‬فما دامت بالمسلمين‬ ‫تعالى‪{ :‬فل تهنوا وتدعوا إلى ال َّ‬
‫سلْم ول هدنة ول صلح‪ ،‬بل القتال حتى ل‬ ‫قوة وكانوا أعلى من عدوهم فل ِ‬
‫تكون فتنة ويكون الدين كله لله‪ .‬وذلك لن آخر ما نـزل في الجهاد هو قوله‬
‫تعالى‪{ :‬فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا‬
‫لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله‬
‫غفور رحيم}‪ ،‬فهذه الية وآية الجزية بنفس السورة أمر بالقتال العام‪ ،‬وهو‬
‫من أواخر ما أنزل من القرآن‪ ،‬فل ناسخ له‪ ،‬وروى البخاري عن البراء قال‪:‬‬
‫"آخر سورة نـزلت براءة" ‪ -‬صحيح البخاري حديث ‪.4654‬‬

‫وهكذا فعل النبي والخلفاء من بعده في قتال المشركين وأهل الكتاب‪،‬‬


‫ول يمنع من هذا إل العجز‪.‬‬

‫ولم يسمح الله سبحانه وتعالى لمة السلم أن تدعو إلى السلم مع‬
‫الكفار إل في إحدى حالتين‪:‬‬

‫أ‪ -‬أن يذل الكفار ويضعفوا وتخور قواهم ويجنحوا إلى السلم‪ ،‬فعند ذلك‬
‫يكون السلم في صالح المسلمين لن عقيدتهم أقوى‪ ،‬وفعلهم أكبر‪ ،‬وبذلك‬
‫يفتح المجال لدخول الناس في الدين كما كان الشأن بين الرسول وقريش‪.‬‬

‫ب‪ -‬أن يكون الصلح من باب ارتكاب أخف الضررين‪ ،‬فيلجأ المسلمون‬
‫إليه دفعا ً لمصيبة أعظم كما هم الرسول أن يصالح غطفان على نصف ثمار‬
‫المدينة حتى يفك تحالفهم مع قريش‪ ،‬وينفرد النبي بقتال قريش بعد ذلك‪..‬‬

‫أما في غير هاتين الحالتين‪ ،‬فإنه ل يجوز للمسلمين الدعوة إلى السلم‬
‫كأن يكون ركونا ً للدنيا وكراهة للجهاد أو خوفا ً من كثرة الكفار‪ ،‬وذلك أن‬
‫أهل اليمان ينصرون مع قلتهم على الكفار على كثرتهم‪ ،‬وهذه سنة الله‬
‫الجارية أبدا ً في عباده‪{ :‬كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله‬
‫مع الصابرين} البقرة ‪.249‬‬

‫{ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الدبار ثم ل يجدون وليا ً ول نصيراً‪ ،‬سنة‬
‫الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلً} الفتح ‪.23– 22‬‬
‫وأما الدعوة إلى السلم بمعنى ترك الحرب نهائياً‪ ،‬ومصالحة الكفار أبداً‬
‫ونبذ الحرب والقتال مطلقاً‪ ،‬فهذا كفر بالله تعالى مخرج من ملة السلم‪،‬‬
‫وإلغاء لفريضة الجهاد التي جعلها الله فرضا ً على كل مسلم إلى يوم‬
‫القيامة كما قال تعالى‪{ :‬كتب عليكم القتال وهو كره لكم} البقرة ‪،216‬‬
‫وكتب بمعنى فرض ‪ .....‬فالجهاد ماض بعد فتح مكة إلى يوم القيامة‪ ،‬وهو‬
‫إما خروج بالنفس وهذا الفرض العيني‪ ،‬وإما نية دائمة لكل مسلم يجب أن‬
‫يصحبها دائماً‪ ،‬ويموت عليها‪ ،‬فيكون مستعدا ً لمزاولة القتال في كل حال‪،‬‬
‫قائما ً به في حالة الوجوب العيني‪ ،‬وإل أثِم‪.‬‬

‫مما سبق نرى أن الصل في العلقة بين المسلمين والكافرين هو‬


‫القتال‪ ،‬وأن الستثناء منه هو السلم في صورة هدنة أو صلح‪ ،‬وأنه ل يلجأ‬
‫إلى هذا الستثناء إل لضرورة من عجز ونحوه‪ ،‬وذلك لقوله تعالى‪{ :‬فل‬
‫تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم العلون}‪.‬‬

‫‪ .1‬قال ابن قدامة‪ :‬ومعني الهدنة أن يعقد لهل الحرب عقدا ً على ترك‬
‫وض‪ ،‬وتسمى مهادنة وموادعة ومعاهدة‪ ،‬وذلك‬ ‫ع َ‬
‫وض وبغير ِ‬ ‫ع َ‬
‫القتال مدة ب ِ‬
‫جائز بدليل قول الله تعالى‪{ :‬براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من‬
‫المشركين} وقال سبحانه‪{ :‬وإن جنحوا للسلم فاجنح لها}‬

‫ور بن مخرمة (أن النبي صالح سهيل ً بن عمرو‬ ‫س َ‬


‫م ْ‬
‫‪ .2‬وروي مروان و ِ‬
‫بالحديبية على وضع القتال عشر سنين‪ ،‬ولنه قد يكون بالمسلمين ضعف‬
‫فيهادنهم حتى يقوي المسلمون‪ ،‬ول يجوز ذلك إل للنظر للمسلمين‪ .‬إما أن‬
‫يكون بهم ضعف عن قتالهم وإما أن يطمع في إسلمهم بهدنتهم أو في‬
‫أدائهم الجزية والتزامهم أحكام الملة أو غير ذلك من المصالح‪ .‬إذا ثبت هذا‬
‫فإنه ل تجوز المهادنة مطلقا ً من غير تقدير مدة لنه يفضي إلى ترك الجهاد‬
‫بالكلية) ‪ -‬المغنى لبن قدامه ‪.10/517‬‬

‫وكما ترى فإن ابن قدامة قال عن الهدنة‪" :‬ل يجوز ذلك إل للنظر‬
‫ف َّ‬
‫صله‪.‬‬ ‫للمسلمين" أي لمصلحتهم كما َ‬

‫‪ .3‬وقال صاحب المجموع‪" :‬ل يجوز عقد الهدنة لقليم أو صقيع إل للمام‬
‫عل ذلك إلى كل واحد لم يؤمن أن يهادن‬ ‫ج ِ‬
‫أو لمن فوض إليه المام لنه لو ُ‬
‫الرجل أهل إقليم‪ ،‬والمصلحة في قتالهم فيعظم الضرر فلم يجز إل للمام‬
‫أو النائب عنه‪ ،‬فإن كان المام مستظهرا ً نُظَِرت فإن لم يكن في الهدنة‬
‫مصلحة لم يجز عقدها لقوله عز وجل‪{ :‬فل تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم‬
‫العلون والله معكم}‪ - ".‬المجموع شرح المهذب ‪.19/439‬‬

‫‪ .4‬وقال ابن كثير في تفسير قوله تعالى‪{ :‬فل تهنوا وتدعوا إلى السلم‬
‫وأنتم العلون والله معكم}‪ .‬قال‪{" :‬فل تهنوا} أي ل تضعفوا عن العداء‪،‬‬
‫{وتدعوا إلى السلم} أي المهادنة والمسالمة ووضع القتال بينكم وبين‬
‫عدَِدكم و ُ‬
‫عدَِدكم‪ ،‬ولهذا قال {فل تهنوا وتدعوا‬ ‫الكفار في حال قوتكم وكثرة َ‬
‫إلى السلم وأنتم العلون} أي في حال علوكم على عدوكم‪ .‬فأما إذا كان‬
‫الكفار فيهم قوة وكثرة بالنسبة إلى جميع المسلمين‪ ،‬ورأي المام في‬
‫عل رسول الله حين‬ ‫المهادنة والمعاهدة مصلحة فله أن يفعل ذلك كما َ‬
‫ف َ‬
‫وه إلى الصلح ووضع الحرب بينهم وبينه عشر‬ ‫صده كفار قريش عن مكة ودَ َ‬
‫ع ْ‬
‫سنين فأجابهم إلى ذلك‪.‬‬

‫حدَثِين ‪ -‬إلى أن الصل في العلقة بين‬


‫م ْ‬
‫ويذهب البعض ‪ -‬خاصة من ال ُ‬
‫المسلمين والكافرين هو السلم‪ ،‬وأن الستثناء من هذا هو القتال إذا دعت‬
‫إليه الضرورة‪ .‬ويحتجون لذلك بقوله تعالى‪{ :‬وإن جنحوا للسلم فاجنح لها‬
‫وتوكل على الله}‪.‬‬

‫وهذا رأي يفضي إلى تعطيل الجهاد بالكلية‪ .‬وهذا ل يجوز شرعا ً لن‬
‫الجهاد فريضة مثله مثل الصيام‪{ :‬كتب عليكم الصيام} بقرة ‪{ .183‬كتب‬
‫عليكم القتال} بقرة ‪ . 216‬فكما أنه ل يجوز شرعا ً تعطيل صيام رمضان لنه‬
‫كُتب على المسلمين أي فرض عليهم‪ .‬هكذا أيضا ً ل يجوز شرعا ً تعطيل‬
‫فريضة القتال لنها مكتوبة على المسلمين كصيام شهر رمضان‪.‬‬

‫أما الية المحتج بها فل حجة فيها‪ ،‬إذ إنها محمولة على جواز المسالمة‬
‫بشرط حاجة المسلمين لذلك‪ ،‬وهذا الشرط تبينه الية الولى {فل تهنوا‬
‫وتدعوا إلى السلم وأنتم العلون}‪ .‬فآية النفال تختص بحال وهو كون‬
‫المسالمة في مصلحة المسلمين ويحتاجون إليها‪ ،‬أما آية سورة محمد فهي‬
‫تختص بحال آخر وهو كون المسالمة ليست في مصلحة المسلمين وذلك‬
‫عندما تكون بهم قوة يقهرون بها عدوهم‪ .‬فإنه ل تجوز المسالمة حينئذ‬
‫لهذه الية ولن في هذا عدول عن الصل المطلوب وهو إظهار دين السلم‬
‫على ماعداه‪ ،‬لقوله‪{ :‬وقاتلوهم حتى ل تكون فتنة ويكون الدين كله لله}‬
‫النفال ‪ ،39‬وقوله‪{ :‬ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون} التوبة ‪32‬‬
‫والصف ‪.9‬‬

‫‪ .1‬قال ابن كثير في تفسير آية النفال {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها}‪:‬‬
‫قال ابن عباس ومجاهد وزيد بن أسلم وعطاء الخراساني وعكرمة والحسن‬
‫وقتادة إن هذه الية منسوخة بآية السيف في براءة {قاتلوا الذين ل يؤمنون‬
‫بالله ول باليوم الخر}‪ ،‬وفيه نظر أيضاً‪ ،‬لن آية براءة فيها المر بقتالهم إذا‬
‫أمكن ذلك‪ ،‬فأما إن كان العدو كثيفا ً فإنه يجوز مهادنتهم كما دلت عليه هذه‬
‫الية‪ ،‬وكما فعل النبي يوم الحديبية‪.‬‬

‫‪ .2‬وقال ابن حجر في نفس الية {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها}‪" :‬هذه‬
‫الية دالة على مشروعية المصالحة مع المشركين ‪ -‬إلى قوله ‪ -‬ومعنى‬
‫الشرط في الية أن المر بالصلح مقيد بما إذا كان الحظ للسلم‬
‫المصالحة‪ ،‬أما إذا كان السلم ظاهرا ً على الكفر ولم تظهر المصلحة في‬
‫المصالحة فل"‪ - ).‬فتح الباري ‪.276-6/275‬‬

‫فالية المحتج بها دالة على مشروعية المسالمة عند الحاجة ل وجوب‬
‫المسالمة‪.‬‬

‫الفصل الثالث‬

‫ـ العنصرية في السلم ـ‬
‫‪ .1‬مقدمة‬

‫‪ .2‬أحكام أهل الذمة ـ الشروط العمرية‬

‫ـ العلن العالمي لحقوق النسان‬

‫‪ .3‬علقة المسلم بغير المسلم ـ الموالة في اللغة‬

‫ـ الموالة في الشرع‬

‫ـ خرافة مقولة (لهم ما لنا وعليهم ما علينا)‬

‫ـ علقة المسلم بغير المسلم من القرآن والسنة‬

‫‪ .4‬أحكام الديار ـ تقسيم العالم إلى دارين من القرآن والسنة‬

‫ـ تعريف دار السلم ودار الكفر‬

‫ـ مقدمة ـ‬

‫"في الثلث الول من القرن التاسع عشر‪ ،‬عرف المسيحيون‪ ،‬رعايا‬


‫المبراطورية العثمانية‪ ،‬فترات من المل بامتلك الحرية بفضل المصالح‬
‫التي كانت تربط الحكم العثماني وبعض الدول الغربية وبفضل الضغوط‬
‫التي كانت تمارسها هذه الدول على تركيا السلمية لمنح رعاياها الحقوق‬
‫الساسية‪ .‬على هذا الساس‪ ،‬سنت الحكومة العثمانية قوانين إصلحية‬
‫غايتها تحديث نظام الحكم وتحقيق المساواة والعدل والحرية بين جميع‬
‫المواطنين العثمانيين‪ .‬وتعدل نظام القليات غير السلمية في عهد‬
‫السلطان عبد المجيد (‪ )1861 -1839‬بموجب مشروع إصلحي عرف بالخط‬
‫الشريف – غولخانه ‪ -‬الذي صدر بتاريخ ‪ 3‬تشرين الول ‪ ،1839‬ونص على‬
‫ضمان أمن المواطنين المنتمين إلى أي دين أو طائفة‪ .‬وبموجب هذا‬
‫اللتزام وضعت قاعدة المساواة العلنية بين المسلمين وغير المسلمين‬
‫لول مرة منذ الفتح السلمي‪ .‬لكن هذا اللتزام لم يتخذ في الواقع ترجمة‬
‫عملية نظرا ً لمعارضة الرأي العام السلمي له‪ .‬فبقى حبرا ً على ورق‪.‬‬

‫كانت السياسة العثمانية تمنح المسيحيين المساواة والعدل على الورق من‬
‫ناحية‪ ،‬وتدبر لهم الدسائس من ناحية أخرى‪ ،‬كما حدث في أحداث ‪ 1841‬و‬
‫‪ - 1860‬مذابح المسيحيين في لبنان وسوريا ‪ -‬ليس فقط في لبنان وسوريا‬
‫بل في أوروبا الشرقية وأرمينيا خلل الربع الخير من القرن التاسع عشر‬
‫ومطلع القرن العشرين‪ .‬وتزامنت الصلحات مع المجازر على مدى ثمانية‬
‫عقود‪ ،‬وانتهت بوضع حد لقدر كبير من الوجود المسيحي في المبراطورية‬
‫العثمانية وجوارها‪ .‬وكان للمسؤولين السياسيين في تقرير وتنظيم المجازر‬
‫نصيب واضح‪ ،‬أثبتتها الوقائع والوثائق ‪ -‬راجع حسر اللثام عن نكبات الشام‬
‫ص ‪ 96‬و ‪.111‬‬

‫قبل وقوع المجازر في دمشق عام ‪ ،1860‬انتشر بين الناس بيان موجه ضد‬
‫سياسة الصلحات العثمانية التي تمنح المسيحيين حق المساواة‬
‫بالمسلمين‪ .‬اعتبر البيان هذه الصلحات تجاوزا ً للقوانين السلمية‬
‫المفروضة منذ عهد المام عمر بن الخطاب (غايتهم ‪ -‬أي النصارى ‪ -‬مساواة‬
‫المسلمين ل بل إحراز السيادة عليهم وهم يجهلون أن المسلمين صمموا‬
‫على إبادتهم عمل ً بتعاليم الشريعة الغراء) على حد ما جاء في ترجمة البيان‬
‫الذي أكد على نقاط اعتبرها أساسية‪ :‬منها (أولً‪ :‬إن سفك دم المسيحيين‬
‫وهتك حرمة عرضهم واغتصاب أموالهم وحرق كنائسهم وتدمير بيوتهم مباح‬
‫لنهم امتنعوا عن دفع مال العناق (الجزية)‪ .‬وثانياً‪ :‬إن كثيرا ً من الفتاوى‬
‫الهندية والبخارية تنهي بصراحة عن السماح للمسيحيين باشتداد ساعدهم‬
‫وتوجب إضعافهم بإهلك نسلهم وتخريب بيوتهم وعرقلة جميع أعمالهم‪،‬‬
‫وقصارى القول منع نجاحهم)‪ .‬أضاف البيان‪( :‬استيقظي أيتها المة‬
‫السلمية واستأصلي شأفة خدمة الصليب في هذه البلد المقدسة)‪.‬‬

‫ودعا البيان إلى انتهاز فرصة إنهاك قوة الدول الوروبية في حرب القرم‬
‫للتغلب على المة المسيحية‪.‬‬

‫(فقد آن وقت محو آثارها ودنا أجلها)‪ .‬وكشف البيان عن مؤامرة كانت‬
‫تدبرها الجمعيات السرية المؤسسة في الستانة بمعاونة (الوزراء والعلماء‬
‫وأعيان المة السلمية) على خلع السلطان وإبادة المسيحيين‪:‬‬

‫صممنا بالتفاق مع الوزراء والعلماء على إبادة المسيحيين قاطني جبل‬


‫لبنان ودمشق وحلب وحمص وحماة وسائر المدن السورية‪ .‬وقد آثرنا الفتنة‬
‫في لبنان فأهلكناهم وشتتنا الباقين‪ .‬فإذا حدث عندكم مثل هذا‪ ،‬ل تغيثوا‬
‫المسيحيين‪ ،‬إنما تصرفوا بحكمة وأفيدونا لنعلمكم كيف تتدبرون) ‪ -‬راجع‬
‫حروب اللهة‪ .‬إصدار مركز العلم الكاثوليك ص ‪. 9-8‬‬

‫لم تقف عند هذا الحد‪ ،‬الوامر الصادرة عن أناس موجودين في موقع‬
‫المسؤولية‪ ،‬للقضاء على الوجود المسيحي في منطقة الشرق الوسط‪.‬‬
‫ففي عام ‪ ،1919‬صدر أمر عن وزير الداخلية في الحكومة العثمانية‪( ،‬طلعت‬
‫باشا)‪ ،‬إلى والي حلب نوري بك‪ ،‬يقضي بإبادة الشعب الرمني يقول فيه‪:‬‬
‫بالرغم أن قرارا ً سابقا ً اتخذ في سبيل القضاء على العنصر الرمني‪ 000‬فإن‬
‫مقتضيات الزمن لم تكن توفر إمكانية تحقيق هذه النية المقدسة‪ .‬والن بعد‬
‫القضاء على العقبات‪ ،‬ونظرا ً إلى أنه جاء وقت تخليص الوطن من هذا‬
‫العنصر الخطر‪ ،‬نوصيكم بإلحاح أن ل تستسلموا لمشاعر الشفقة أمام‬
‫وضعهم البائس‪ .‬وأنه في سبيل وضع حد لوجودهم يجب أن تعملوا بكل ما‬
‫لديكم من عزم على القضاء على السم الرمني في تركيا ‪ -‬راجع‪ :‬مجازر‬
‫الرمن‪ ،‬مذكرات نعيم بك ص ‪.43‬‬

‫نذكر هذه المور التاريخية في مقدمة فصلنا هذا لنبين أن مسألة مساواة‬
‫المسلمين مع الذميين أمر خرافي ترفضه الشريعة السلمية بشدة لنه‬
‫يتنافى مع تعاليم القرآن والسنة‪.‬‬

‫نقول يُعتبر التنوع ظاهرة كونية من مظاهر الخلق الكبرى‪ ،‬إنها ظاهرة‬
‫كونية شملت جميع الموجودات الروحية والمادية العاقلة والغير عاقلة دون‬
‫استثناء‪ .‬هذا التنوع ليس تنوعا ً في الشكال فقط‪ ،‬بل هو تنوع في المهمات‬
‫وفي الوظائف‪ ،‬وفي الجوهر‪ ،‬وفي المظاهر الخارجية‪ .‬إنه تنوع يستوعب‬
‫كل شيء ويشمل كل شيء‪.‬‬
‫أما شريعة السلم بتعاليمها وأحكامها تحاول تغيير هذه الظاهرة الكونية‪.‬‬
‫بمعنى آخر‪ :‬شريعة السلم ترفض التنوع‪.‬‬

‫فكل ما يخالف السلم في قليل أو كثير‪ ،‬في عقيدته أو شريعته‪ ،‬هو ليس‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سول َ ُ‬
‫ه‬ ‫س َ‬
‫ل َر ُ‬ ‫ذي أْر َ‬ ‫و ال ّ ِ‬ ‫حقاً‪ ،‬بل باطل‪ .‬باطل يجب إزالته بشتى الطرق‪ُ { .‬‬
‫ه َ‬
‫ْ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫ن كُل ِّ ِ‬ ‫علَى ال ِ‬
‫ن} الصف ‪.9‬‬ ‫ركو َ‬‫ُ‬ ‫ش ِ‬‫م ْ‬ ‫رهَ ال ُ‬‫و كَ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫دّي ِ‬ ‫ق لِيُظْ ِ‬
‫هَرهُ َ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫ح ِّ‬ ‫وِدي ِ‬ ‫بِال ْ ُ‬
‫هدَى َ‬
‫السلم يحاول أن يثبت نفسه عن طريق نفي الخر‪ ،‬وتاريخ السلم حفل‬
‫بالعديد والعديد من الحروب وأعمال العنف والرهاب التي كان منشؤها‬
‫محاولة نفي الخر‪ ،‬وهذا ما يفسر كثرة الحروب الدينية التي احتلت مساحة‬
‫كبيرة جدا ً من تاريخ السلم‪.‬‬

‫لم تشهد البشرية بتاريخ ويلتها ونكباتها السود أمة نادت وأيدت ومارست‬
‫العنصرية بجميع أنواعها وأشكالها مثل أمة السلم‪ .‬فبرغم كثرة استشهاد‬
‫المسلمين بآيات وأحاديث العدل والمساواة والمسامحة والعفو عند المقدرة‬
‫والمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬رغم هذا كله يبقى الواقع القرآني‬
‫والسنة والتاريخ السلمي وواقع حال المسلمين شهود عدل على عنصرية‬
‫وتتارية وبربرية وظلم شريعة السلم‪.‬‬

‫نعم السلم عنصري في تعاليمه وتشريعاته وعنصري في أحكامه‪ .‬والشيء‬


‫المضحك والملفت للنظر هو أنهم يحاربون الصهيونية لنها عنصرية الفكر‬
‫والمنطلق والساس!!!‪.‬‬

‫حاربوا الصهيونية العنصرية‪ ،‬وتغافلوا عن تعاليم شريعتهم التي فاقت‬


‫بأضعاف المرات عنصرية ووحشية النازية‪ .‬هتلر أراد أن يمحو عرق‪ ،‬أما‬
‫شريعة خاتم النبياء الذي بعث رحمة للعالمين تريد أن تمحو كل العراق‬
‫الغير مسلمة‪.‬‬

‫ل قيمة ول كرامة ول مكانة ول حرمة ول حقوق في السلم لغير‬


‫المسلمين‪ .‬إنها حقيقة أعلنها القرآن‪ ،‬وأيدتها وبينتها السنة‪ ،‬وشرحها وبين‬
‫مدلولتها وأحكامها الشرعية وبشكل دقيق ومفصل فقهاء وعلماء‬
‫المسلمين قديما ً وحديثاً‪.‬‬

‫السلم وضع أهل القليات الدينية داخل معسكر إبادة جماعي وأحاطوه‬
‫بسياج القهر والظلم والقسوة وكتبوا على بوابته الكبرى (ل إكراه في‬
‫الدين)‬

‫ول نبالغ إذا قلنا أن تاريخ القهر والظلم النساني لم يشهد بكل بشاعته‬
‫وظلمه وقسوته عنصرية وقهر وظلم واستبداد وتكبر وسحق مثل التي‬
‫جاءت به شريعة السلم من أحكام تتعلق بأهل الذمة في السلم‪ :‬أحكام‬
‫كنائسهم‪ ،‬وأحكام لباسهم وغيارهم‪ ،‬وأحكام معاملتهم والتعامل معهم‪.‬‬

‫لقد قسمت الشريعة السلمية أبناء الوطن الواحد إلى قسمين؛ أصحاب‬
‫مواطنة كاملة وهم المسلمين‪ ،‬وأصحاب مواطنة ناقصة وهم الذميين (أهل‬
‫الكتاب اليهود والمسيحيين)‪ .‬فالذي يحق للمسلم ل يحق للذمي والذي يجوز‬
‫للذمي ل يجوز على المسلم وبالعكس‪.‬‬

‫ولكي ل يتهمنا البعض بالفتراء على شريعة السماحة الذي أتى بها نبي‬
‫الرحمة صلوات الله عليه وسلم‪ ،‬دعونا نستعرض وبشكل مختصر وسريع‬
‫بعض (أحكام أهل الذمة في السلم) ليرى القارئ إلى أي حد أكرم السلم‬
‫النسان‪.‬‬

‫ـ أحكام أهل الذمة في السلم ـ‬

‫في الشروط العمرية‬

‫ل بد لمن شاء دراسة تاريخ النصرانية في السلم‪ ،‬منذ الحتلل السلمي ‪-‬‬
‫الفتح ‪ -‬إلى يومنا هذا‪ ،‬البحث في السباب والعوامل التي أدت إلى تقلص‬
‫ظل المسيحية وانحطاطها في الشرق‪ ،‬بعد أن كانت شائعة في أعظم‬
‫المعابد‪ ،‬سائدة في أكثر المصار‪ .‬وأول ما يبدو له من هذه السباب‪ ،‬بعد‬
‫تغلب الدين السلمي‪ ،‬هو الشروط العمرية التي أوجبها الشرع السلمي‬
‫على أهل الذمة‪ ،‬ومعظمهم من أهل الكتاب‪ .‬وهذه الشروط هي التي جَّرت‬
‫عليهم في كل حين أصناف المحن والشدائد‪ ،‬وأرغمت الكثيرين منهم على‬
‫الخروج من دين آبائهم‪ ،‬وانتحال السلم صيانة لدمائهم وأموالهم‬
‫وأعراضهم‪ ،‬وهربا ً من الذل والصغار‪ .‬فأقفرت الديار والديار‪ ،‬وعادت‬
‫الكنائس مساجد‪ ،‬والبِيَع معابد‪ ،‬والصوامع جوامع لعبدة الشيطان ‪ -‬كما قال‬
‫العماد الصبهاني في كتاب الروضتين في أخبار الدولتين لبى شامة ‪.2/134‬‬

‫نقول‪ :‬الشروط العمرية هي مجموعة الشروط والحكام التي بُنيت عليها‬


‫مظالم النصارى مدة أربعة عشر قرناً‪ ،‬وهي التي شتت شملهم في الشرق‬
‫والغرب وأخلت بيعهم وديارهم‪ ،‬واستنزفت أموالهم ودماءهم وأباحت‬
‫حرماتهم العامة والخاصة‪ .‬فما هي تلك الشروط؟‬

‫الشروط العمرية‪:‬‬

‫قال الخلل في كتابه (أحكام أهل الملل)‪ :‬أخبرنا عبد الله بن أحمد فذكره‪.‬‬
‫وذكر سفيان الثوري عن مسروق عن عبد الحمن بن غنم قال‪ :‬كتبت لعمر‬
‫بن الخطاب حين صالح نصارى الشام وشرطهم عليهم فيه‪:‬‬

‫دّثوا في مدينتهم ول فيما حولها ديرا ً ول كنيسة ول قلية ول‬


‫أن ل يح ِ‬
‫صومعة راهب‪ ،‬ول يجددوا ما خرب‪ ،‬ول يمنعوا كنائسهم أن ينزلها أحد من‬
‫المسلمين ثلثة ليالي يطعمونهم‪ ،‬ول يؤووا جاسوساً‪ ،‬ول يكتموا غشاً‬
‫للمسلمين‪ ،‬ول يعلموا أولدهم القرآن‪ ،‬ول يظهروا شركاً‪ ،‬ول يمنعوا ذوي‬
‫قرابتهم من السلم إن أرادوه‪ ،‬وأن يوقروا المسلمين‪ ،‬وأن يقوموا لهم‬
‫من مجالسهم إذا أرادوا الجلوس‪ ،‬ول يتشبهوا بالمسلمين في شئ من‬
‫لباسهم ول يتكنوا بكناهم‪ ،‬ول يركبوا سروجاً‪ ،‬ول يتقلدوا سيفاً‪ ،‬ول يبيعوا‬
‫الخمور‪ ،‬وأن يجزوا مقادم رؤوسهم‪ ،‬وأن يلزموا زيهم حيثما كانوا‪ ،‬وأن‬
‫يشدوا الزنانير على أوساطهم‪ ،‬ول يظهروا صليبا ً ول شئ من كتبهم في‬
‫شئ من طرق المسلمين‪ ،‬ول يجاوروا المسلمين بموتاهم‪ ،‬ول يضربوا‬
‫بالناقوس إل ضربا ً خفيفاً‪ ،‬ول يرفعوا أصواتهم بالقراءة في كنائسهم في‬
‫شئ من حضرة المسلمين‪ ،‬ول يخرجوا شعانين‪ ،‬ول يرفعوا أصواتهم مع‬
‫موتاهم‪ ،‬ول يظهروا النيران – الشموع ‪ -‬معهم‪ ،‬ول يشتروا من الرقيق ما‬
‫جرت فيه سهام المسلمين‪.‬‬

‫فإن خالفوا شيئا ً مما شرطوه‪ ،‬فل ذمة لهم‪ ،‬وقد حل للمسلمين منهم ما‬
‫يحل لهل الشقاق والمعاندة ‪ -‬أحكام أهل الذمة لبن القيم الجوزي ‪– 114 /2‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪153- 140‬‬ ‫والخراج لبو يوسف ص‬ ‫‪2/223‬‬ ‫‪ .115‬راجع أيضا الجهاد لبن تيمية‬

‫وقد تضمنت شروط عمر هذه جمل ً من العلم تدور على ستة فصول‪:‬‬

‫الفصل الول‪ :‬في أحكام الكنائس والبيع والصوامع وما يتعلق بذلك –‬
‫(البيعة هي الكنيس اليهودي)‬
‫الفصل الثاني‪ :‬في أحكام ضيافتهم للمارين بهم وما يتعلق بها‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬فيما يتعلق بضرر المسلمين والسلم‪.‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬فيما يتعلق بتغيير لباسهم وتمييزهم عن المسلمين في‬
‫المركب واللباس وغيره‪.‬‬
‫الفصل الخامس‪ :‬فيما يتعلق بإظهار المنكر من أفعالهم وأقوالهم مما نهوا‬
‫عنها‪.‬‬
‫الفصل السادس‪ :‬في أمر معاملتهم للمسلمين بالشركة ونحوها ‪ -‬أحكام‬
‫أهل الذمة في السلم ابن قيم الجوزي ص ‪116 /2‬‬

‫ملحظة‪ :‬ل نريد سرد جميع الحكام لن هذا أمر يطول شرحه‪ ،‬لكننا سوف‬
‫نعرض فقط ما يهمنا من أحكام اتفق عليه جمهور علماء المسلمين‪.‬‬

‫قال الماوردي في أحكامه‪ :‬يجب على أهل الذمة‪ ،‬بالضافة إلى ما ذُكر أن‬
‫رط عليهم في عقد الذمة‪ ،‬وقد بينا في بحثنا لعقد الذمة أن‬
‫يقوموا بما اشت ِ‬
‫هناك شروطا ً تجب عليهم دون أن تذكر في عقد الذمة وقد ذكرتها هناك‪.‬‬

‫يقول الماوردي‪ :‬ويشترط عليهم في عقد الذمة شرطان مستحق ومستحب‪.‬‬


‫أما المستحب فستة أشياء‪:‬‬

‫الولى‪ :‬تغيير هيئاتهم بلبس الغيار وشد الزنار‪.‬‬


‫الثاني‪ :‬أن ل يعلون على المسلمين في البنية‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن ل يسمعوهم أصوات نواقيسهم‪ ،‬وتلوة كتبهم‪ ،‬ول قولهم في‬
‫المسيح‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬أن ل يجاهروهم بشرب خمورهم‪ ،‬ول بإظهار صلبانهم وخنازيرهم‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬أن يخفوا دفن موتاهم‪،‬ول يجاهروا بندب عليهم ول نياحة‪.‬‬
‫السادس‪ :‬أن يمتنعوا عن ركوب الخيل ‪ -‬راجع أحكام الماوردي ص ‪.14‬‬

‫في أحكام الكنائس والبيع والصوامع وما يتعلق بذلك ‪:‬‬


‫‪ .0‬ل نظهر عليها صليباً‬

‫لما كان الصليب من شعائر الكفر الظاهرة‪ ،‬كانوا ممنوعين من إظهاره‪.‬‬


‫قال أحمد في رواية حنبل‪ :‬ول يرفعوا صليبا ً ول يظهروا خنزيرا ً ول يرفعوا‬
‫نارا ً ول يظهروا خمرا ً وعلى المام منعهم من ذلك‪.‬‬

‫وقال عبد الرزاق‪ :‬حدثنا معمر عن عمرو بن ميمون بن مهران قال‪:‬‬


‫كتب عمر بن عبد العزيز أن يمنع النصارى في الشام أن يضربوا ناقوسا ً ول‬
‫قدر على من فعل من ذلك شيئا ً بعد‬
‫يرفعوا صليبهم فوق كنائسهم فإن ُ‬
‫التقدم إليه فإن سلبه لمن وجده‪ .‬وإظهار الصليب بمنزلة إظهار الصنام‬
‫فإنه معبود النصارى كما أن الصنام معبود أربابها ومن أجل هذا يسمون‬
‫عباد الصليب‪ .‬ول يمكنون من التصليب على أبواب كنائسهم وظواهر‬
‫حيطانها ول يتعرض لهم إذا نقشوا ذلك داخلها ‪ -‬كتاب أحكام أهل الذمة‪،‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪178‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪176‬‬ ‫الجزء ‪ ،3‬صفحة ‪ .1240‬راجع الخراج لبي يوسف‬

‫‪ .1‬ول نضرب نواقيسنا إل ضربا ً خفيفا ً في جوف كنائسنا‬

‫لما كان الضرب بالناقوس هو شعار الكفر وعلمه الظاهر اشترط عليهم‬
‫تركه‪.‬‬

‫وقال عمر بن الخطاب (إن أحق الصوات أن تخفض أصوات اليهود‬


‫والنصارى في كنائسهم)‬

‫وقال أبو الشيخ في كتاب (شروط عمر) حدثنا طاهر بن عبد الله ‪000‬‬
‫عن أنس بن مالك قال (إذا نقس بالناقوس اشتد غضب الرحمن عز وجل‪،‬‬
‫فتنزل الملئكة‪ ،‬فتأخذ بأقطار الرض فل تزال تقول (قل الله أحد) حتى‬
‫يسكن غضب الرب ‪ -‬راجع‪ :‬أحكام أهل الذمة ص‪ - 153 /2‬راجع أيضاً‪ :‬الخطط‬
‫للمقريزي ‪ 1/263‬و‪ 507 /2‬و‪ 494-492 /2‬وكتاب الروضتين لبي شامة ‪.2/11‬‬

‫‪ .2‬ول نرفع أصواتنا في الصلة ول في القراءة في كنائسنا مما يحضره‬


‫المسلمون‬

‫لما كان ذلك من شعار الكفر منعوا من إظهاره‪ .‬قال أبو الشيخ حدثنا‬
‫عبد الله بن عبد الملك الطويل‪ ،‬حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب‪ ،‬حدثنا عمرو‬
‫بن عثمان‪ ،‬حدثنا بقية عن ضمرة قال‪ :‬كتب عمر بن عبد العزيز أن امنعوا‬
‫النصارى من رفع أصواتهم في كنائسهم فإنها أبغض الصوات إلى الله عز‬
‫وجل وأولها أن تخفض‪ .‬وقال أحمد في رواية أبي طالب ول يرفعوا‬
‫أصواتهم في دورهم‪.‬‬

‫وقال الشافعي واشترط عليهم أل يسمعوا المسلمين شركهم ول‬


‫يسمعونهم ضرب ناقوس فإن فعلوا ذلك عزروا انتهى فرفع الصوات التي‬
‫منعوا منها ما كان راجعا ً إلى دينهم وإظهار شعاره كأصواتهم في بحوثهم‬
‫ومذاكرتهم ونحو ذلك ‪ -‬كتاب أحكام أهل الذمة‪ ،‬الجزء ‪ ،3‬صفحة ‪ .1241‬و‪/2‬‬
‫‪.154‬‬

‫في أحكام الكنائس‬

‫تنحصر مسألة بناء وترميم الكنائس في أربعة جوانب‪ ،‬تقسم البلد إلى‬
‫القسام التالية‪:‬‬

‫بلد أسلم عليها أهلها‪.‬‬ ‫‪.1‬‬


‫صرها المسلمون كالبصرة والكوفة‪.‬‬ ‫وبلد م َّ‬ ‫‪.2‬‬
‫وبلد فتحها المسلمون عنوة‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫وبلد صولح أهلها عليها‪.‬‬ ‫‪.4‬‬

‫وبناء الكنائس والمعابد لهل الذمة يختلف باختلف هذه القسام ‪:‬‬

‫‪ .1‬فالبلد التي أسلم عليها أهلها والبلد التي مصرها المسلمون يُمنع‬
‫أهل الذمة من أن يحدثوا فيها بيعة أو كنيسة ‪ -‬راجع‪ :‬أحكام أهل الذمة لبن‬
‫الجوزي ‪ 118 - 2/116‬والمغنى المحتاج ‪ 4/253‬وبدائع الصنائع للكاساني‬
‫‪7/114‬والمغنى لبن قدامه ‪.10/60‬‬
‫‪ .2‬أما ما مصرته العرب‪ ،‬فليس لهم أن يحدثوا فيه بناء بيعة ول كنيسة‪،‬‬
‫ول يضربوا فيه بناقوس ول يظهروا فيه خمراً‪ ،‬ول يتخذوا فيه خنزيراً‪ ،‬وكل‬
‫مصر كانت العجم مصرته ففتحه الله على العرب ‪ -‬المسلمين ‪ -‬فنزلوا على‬
‫حكمه فللعجم ما في عهدهم‪ ،‬وللعرب أن يوفوا لهم بذلك ‪ -‬راجع الخراج‬
‫لبي يوسف ص ‪.149‬‬

‫(يستدل أن هذا البلد ملكا ً للمسلمين‪ ،‬وما دام كذلك فل يجوز إظهار‬
‫معابد الكفر فيه) ‪ -‬راجع المغنى لبن قدامه ‪.610 /10‬‬

‫‪ .3‬أما البلد التي فتحت عنوة‪ ،‬فل يجوز تمكينهم من إحداث بيعة ول‬
‫كنيسة؛ وذلك لن المسلمين قد امتلكوها بالفتح وأصبحت في حكم ما‬
‫مصره المسلمون ‪ -‬راجع‪ :‬مغنى المحتاج ‪ 254 /4‬والمغنى لبن قدامه ‪10/610‬‬

‫‪ .4‬وأما الكنائس والبيع الموجودة قبل الفتح‪ ،‬فللفقهاء فيها أقوال‪:‬‬

‫‪ .1‬قال ابن القاسم من المالكية‪ :‬تبقى ولو بل شرط‪.‬‬

‫‪ .2‬والحنفية قالوا‪ :‬يمنعون من الصلة فيها‪ ،‬وتبقى كالمساكن ول تهدم‬


‫وتتخذ للسكن ‪ -‬راجع‪ :‬بدائع الصنائع ‪114 /7‬‬

‫‪ .3‬أما الحنابلة فلهم في هذا روايتان؛ الولى‪ :‬أن تهدم لنها بلد مملوكة‬
‫للمسلمين‪ .‬فل يجوز أن تكون فيها بيعة كالذي مصره المسلمون‪ .‬والرواية‬
‫الثانية للحنابلة‪ :‬يجوز بقاؤها لن الصحابة قد فتحوا كثيرا ً من البلد فلم‬
‫يهدموا شيئا ً من الكنائس‪.‬‬

‫‪ .4‬أما الشافعية فقالوا بوجوب هدمها في الصح‪.‬‬

‫‪ .1‬يقول ابن القيم الجوزي (هذه البلد بحالتها المختلفة صافية للمام إن‬
‫أراد أن يقر أهل الذمة فيها ببدل الجزية جاز‪ ،‬فلو أقرهم المام أن يحدثوا‬
‫فيها بيعة أو كنيسة‪ ،‬أو يظهروا فيها خمرا ً أو خنزيرا ً أو ناقوسا ً لم يجز‪ .‬وإن‬
‫شرط ذلك وعقد عليه الذمة كان الشرط والعقد فاسداً‪ ،‬وهو اتفاق المة ل‬
‫يعلم بينهم فيه نزاع‪.‬‬

‫‪ .2‬وقال المام أحمد‪ :‬حدثنا حماد بن خالد الخياط‪ ،‬أخبرنا الليث بن سعيد‪،‬‬
‫عن توبة بن النمر الحضرمي قاضي مصر قال‪ :‬قال رسول الله (ل خصاء‬
‫في السلم ول كنيسة)‪ .‬الخصاء هنا كناية عن الرهبنة‪.‬‬

‫‪ .3‬عن عمر بن الخطاب أنه قال‪ :‬ل كنيسة ول خصاء في السلم‪.‬‬

‫‪ .4‬سئل عكرمة ابن عباس عن أمصار العرب أو دار العرب فقال هل‬
‫للعجم أن يحدثوا فيها شيئاً؟ فقال‪ :‬أيما مصر مصره العرب‪ ،‬فليس للعجم‬
‫أن يبنوا فيه‪ ،‬ول يضربوا فيه ناقوساً‪ ،‬ول يشربوا فيه خمراً‪ ،‬ول يتخذوا فيه‬
‫خنزير‪.‬‬

‫‪ .5‬وقال عبد الله بن أحمد‪ :‬سمعت أبي يقول‪ :‬ليس لليهود والنصارى أن‬
‫يحدثوا في مصر مصره المسلمون بيعة ول كنيسة ول يضربوا بها ناقوسا ً إل‬
‫في مكان لهم الصلح‪ ،‬وليس لهم أن يظهروا الخمر في بلد المسلمين‪.‬‬

‫‪ .6‬قال عبد الرزاق‪ :‬أخبرنا معمر أنه سمع الحسن يقول‪ :‬إن من السنة أن‬
‫تُهدم الكنائس التي في المصار القديمة والحديثة‪ .‬ذكره أحمد عن عبد‬
‫الرزاق‪ .‬وهذا الذي جاءت به النصوص والثار وهو مقتضى أصول الشرع‬
‫وقواعده‪.‬‬

‫‪ .7‬يقول ابن تيمية‪ :‬أن علماء المسلمين من أهل المذاهب الربعة‪ :‬مذهب‬
‫أبو حنيفة‪ ،‬ومالك والشافعي وأحمد‪ ،‬وغيرهم من الئمة‪ ،‬كسفيان الثوري‪،‬‬
‫والوزاعي والليث بن سعد‪ ،‬وغيرهم من الصحابة والتابعين‪ ،‬متفقون‪ :‬على‬
‫أن المام إن هدم كل كنيسة بأرض العنوة؛‪ 000‬يجب طاعته ومساعدته في‬
‫ذلك) ‪ -‬راجع‪ :‬الجهاد ‪.214- 2/212‬‬

‫‪ .8‬عن الحسن البصري أنه قال‪ :‬من السنة أن تهدم الكنائس التي في‬
‫المصار القديمة والحديثة‪.‬‬

‫‪ .9‬عن عمر بن الخطاب أنه قال (ل كنيسة في السلم)‪.‬‬

‫‪ .10‬وهذا مذهب الئمة الربعة في المصار‪ ،‬ول زال من يوفقه الله من‬
‫ولة أمور المسلمين يفعل ذلك ويعمل به مثل عمر بن عبد العزيز‪ ،‬روى‬
‫المام أحمد عنه أنه كتب لنائبه في اليمن أن يهدم الكنائس التي في أمصار‬
‫المسلمين فهدمها‪ .‬وكذلك هارون الرشيد أمر بهدم الكنائس في سواد‬
‫بغداد وكذلك المتوكل ‪ -‬راجع‪ :‬أحكام أهل الذمة لبن الجوزي ص ‪.125- 119 /2‬‬

‫‪ .0‬هذا أمر صريح في أنهم ل يملكون رقابها كما يملكون دورهم ‪ :‬إذ لو‬
‫ملكوا رقابها لم يكن للمسلمين أن ينزلوها إل برضاهم كدورهم‪ ،‬وإنما‬
‫متعوها متاعاً‪ ،‬وإذا شاء المسلمون نزلوها‪ ،‬فإنها ملك المسلمين‪ .‬فإن‬
‫المسلمين لما ملكوا الرض لم يستبقوا الكنائس والبيع على ملك الكفار بل‬
‫دخلت في ملكهم كسائر أجزاء الرض‪ ،‬فإذا نزلها المارة ‪ -‬من المسلمين ‪-‬‬
‫بالليل أو النهار فقد نزلوا في ملكهم‪.‬‬

‫فإن قيل‪ :‬فما فائدة الشرط إن كان المر كذلك؟ قيل‪ :‬فائدته أنهم ل‬
‫يتوهمون بإقرارهم فيها كسائر دورهم ومنازلهم التي ل يجوز دخولها إل‬
‫بأذنهم‪.‬‬

‫فما يدل على ذلك‪ ،‬أنها لو كانت ملكا ً لهم لم يجز للمسلمين الصلة‬
‫فيها إل بأذنهم‪ ،‬فإن الصلة في ملك الغير بغير إذنه في المكان المغصوب‬
‫هي حرام‪ ،‬وفي صحتها نزاع معروف‪ ،‬وقد صلى الصحابة في كنائسهم‬
‫وبيعهم‪.‬‬

‫‪ .1‬لكن المسلمين قد اختلفوا في كراهية الصلة في البيع والكنائس ‪:‬‬

‫واحتج الذين كرهوا الصلة في البيع والكنائس‪ :‬أنها من مواطن الكفر‬


‫والشرك‪ ،‬فهي أولى بالكراهية من الحمام والمقبرة والمزبلة‪ ،‬وأنها من‬
‫أماكن الغضب‪ ،‬وأن النبي قد أنهى عن الصلة في بابل وقال أنها ملعونة‬
‫فعلل منع الصلة فيها باللعنة‪ .‬وكنائسهم موضع اللعنة‪ ،‬والسخطة والغضب‬
‫ينزل عليهم فيها كما قال بعض الصحابة‪( :‬اجتنبوا اليهود والنصارى في‬
‫أعيادهم فإن السخطة تنزل عليهم)‪.‬‬

‫وهي من بيوت أعداء الله‪ ،‬والله ل يُعبد في بيوت أعدائه ‪ -‬أحكام أهل‬
‫الذمة ‪.2/148‬‬
‫‪ .2‬ل حرمة في شريعة السلم السمحة لكنائس الله ‪:‬‬

‫شريعة السلم الكاملة والعادلة أباحت للمسلمين كنائس الله‪ ،‬لهم أن‬
‫يدخلوها في أي وقت ومتى شاءوا دون أن يمنعهم أحد من ذلك‪ ،‬إنهم نزلء‬
‫بيوت الرحمن بالكراه‪ .‬وفي فترة خلفة عمر بن الخطاب دمر الغزاة‬
‫الفاتحون أربعة آلف كنيسة ومعبد للكافرين ‪ -‬راجع الستشراق‪ ،‬أدور‬
‫السعيد ص ‪102‬‬

‫من هنا وبناءً على هذه الحكام والتشريعات السلمية‪ ،‬أُغلقت كنائس‬
‫الله‪ ،‬ونُهبت‪ ،‬وأُحرقت‪ ،‬ودُمرت وذلك عمل ً بتعاليم شريعة السلم السمح‬
‫والمسالم الذي ل إكراه فيه!‬

‫فيما يتعلق بتغيير لباسهم وتمييزهم عن المسلمين في المركب‬


‫واللباس ‪:‬‬

‫‪ .1‬أن نلزم زينا حيثما كنا وأل نتشبه بالمسلمين في لبس قلنسوة ول‬
‫عمامة ول فرق شعر ول في مراكبهم ‪.‬‬

‫قيل‪ :‬الغيار مصدر غاير أي خالف‪ .‬ويطلق في العرف على العلمات‬


‫والقيود التي وضعت على أهل الذمة لتشهيرهم وتمييزهم‪ .‬فيتناول كل ما‬
‫خالف زي المسلمين من أزياء النصارى واليهود‪ ،‬كالزنار والعمامة ورقع‬
‫الدراريع‪ ،‬والخيوط الملونة الموضوعة على الكتف‪ ،‬وكل ما خيط على الثياب‬
‫الظاهرة مما يخالف لونه لونها‪ ،‬وما كان يعلق في الرقاب عند دخول‬
‫الحمامات من الدراهم المكتوب عليها (ذمي)‪ ،‬والخواتم‪ ،‬والطواق من‬
‫الحديد أو الرصاص‪ ،‬ويُجعل أحيانا ً في العناق من الجلجل‪ ،‬وما كان يمتاز‬
‫الرجال به من النعال‪ ،‬والنساء من الخفاف‪ ،‬وبالجمال كل ما خالف العادات‬
‫واللوان المختصة بالمسلمين وملبسهم‪ .‬وقد قيل أن الغيار هو علمة‬
‫الكفار‪ .‬هذا أصل الغيار‪.‬‬

‫وربما شمل الغيار ما خالف بعض العادات والهيئات كجز النواصى وعدم‬
‫إرسال الذوائب والركوب على الحمير بالكف‪.‬‬

‫وهناك فوائد أكثر من ذلك منها‪ :‬أنه ل يقوم له‪ ،‬ول يصدره في‬
‫المجالس‪ ،‬ول يقبل يده‪ ،‬ول يقوم لدى رأسه‪ ،‬ول يخاطبه بأخي ول سيدي‬
‫وولي ونحو ذلك‪ ،‬ول يدعى له بما يدعى به للمسلم من النصر والعز ونحو‬
‫ذلك‪ ،‬ول يصرف إليه من أوقاف المسلمين ول من زكواتهم‪ ،‬ول يستشهد‬
‫تحمل ً ول أداء‪ ،‬ول يبيعه عبدا ً مسلماً‪ ،‬ول يمكنه من المصحف‪ ،‬ول تقبل‬
‫شهادتهم وغير ذلك من الحكام والفعال المتخصصة بإذلل الذميين ‪ -‬راجع‪:‬‬
‫أحكام أهل الذمة ص‪177 /2‬‬

‫والغيار ‪ -‬أي التفرقة ‪ -‬سنة سنها محمد وجرى عليها الصحابة والتابعين‬
‫والئمة وولة أمور المسلمين في كل عصر وكل مصر‪.‬‬

‫قال أبو القاسم الطبري في سياق ما روى عن النبي‪ :‬مما يدل وجوب‬
‫استعمال الغيار لهل الملل الذين خالفوا شريعته صغارا ً وذلً‪ ،‬وشهرة وعلماً‬
‫عليهم‪ ،‬ليعرفوا من المسلمين في زيهم ولباسهم‪ ،‬ول يتشبهوا بهم‪ .‬وكتب‬
‫عمر بن الخطاب إلى المصار بأن تجز نواصيهم‪ ،‬ول يلبسون لباس‬
‫المسلمين حتى يُعرفوا ‪ -‬راجع المصدر السابق ص ‪ 2/165‬والجهاد لبن تيمية‬
‫‪.2/223‬‬

‫‪ .0‬الوامر السلطانية بإلزام الغيار‪:‬‬

‫سنة ‪ 849 -235‬أمر المتوكل أهل الذمة أن يتميزوا عن المسلمين في‬


‫لباسهم وعمائمهم وثيابهم‪ ،‬وأن يتطليسوا بالمصبوغ بالقالى‪ ،‬وأن يكون‬
‫على عمائمهم رقاع مخالفة للون ثيابهم من خلفهم ومن بين أياديهم‪ ،‬وأن‬
‫يلزموا بالزنانير الخاصرة لثيابهم‪ ،‬وأن يحملوا في رقابهم كرات خشب‬
‫كبيرة‪ ،‬وأن ل يركبوا خيل ً ولتكن ركبهم من خشب إلى غير ذلك من المور‬
‫المذلة لهم والمهينة لنفوسهم‪ ،‬وأن ل يستعملوا في شئ من الدواوين التي‬
‫يكون لهم فيها حكم على مسلم‪ .‬وأمر بتخريب كنائسهم المحدثة‪ ،‬وتضييق‬
‫منازلهم المتسعة‪ ،‬فيؤخذ منها العشر‪ ،‬وأن يُعمل ما كان متسعا ً من منازلهم‬
‫مسجداً‪ .‬وأمر بتسوية قبورهم بالرض‪ ،‬وكتب بذلك إلى سائر القاليم‬
‫والفاق وإلى كل بلد ‪ -‬راجع‪ :‬البداية والنهاية ‪.314 -10/313‬‬

‫من جملة الشروط العمرية أن ل يتشبه الذميون بالمسلمين في شيء‬


‫من لباسهم في قلنسوة… ول نعل ذات عذبة… وعلق الفراء في ذلك‬
‫التفسير التي‪ :‬أما النعلن فقد قيل أنه تجعل شرك نعالهم مثنية وأن‬
‫يحذوها حذو المسلمين لن هذا كان عادة لهم في لباسهم فأمروا بالبقاء‬
‫عليه ليقع الفرق والتمييز بينهم وبين المسلم‪ ،‬وإنما اعتبر ذلك في النعال‬
‫لن المتأمل منا ينظر إلى قدم الماشي والذاهب في الطرقات فإذا وجد‬
‫هيئته على هيئة ‪ -‬راجعه للذمي ‪ -‬حكم له بحكمهم ‪ -‬راجع‪ :‬بيان ما يلزم أهل‬
‫الذمة فعله ص‪. 10‬‬

‫ولقد ذكر ابن القيم الجوزي في كتابه (أحكام أهل الذمة) مجمل تلك‬
‫الحكام‪ ،‬كما بين لنا المدلولت الشرعية لتلك الحكام ‪:‬‬

‫‪ .1‬في قص النواصي‪:‬‬

‫جز النواصي شرط من الشروط العمرية التي أُخذت على أهل الذمة‪.‬‬
‫والنواصي هي مقدمة الرأس أو شعر مقدمة الرأس إذا طال سميت بذلك‬
‫لرتفاع منبتها‪ .‬والناصية مقدار ربع الرأس فإذا كان ربع الرأس محلوقا ً كان‬
‫عالما ً ظاهرا ً وأمرا ً مشهورا ً أنه ذمي‪.‬‬

‫عن ابن عمر‪ ،‬عن عمر بن الخطاب أنه كان يكتب إلى عماله يأمرهم بجز‬
‫نواصيهم‪ ،‬يعني أهل الكتاب ‪ -‬راجع أحكام أهل الذمة ‪ 173 /2‬راجع أيضا ً صبح‬
‫العشى ‪ 265 ،13‬وبيان ما يلزم أهل الذمة فعله‪.11‬‬

‫‪ .2‬ل يتكنوا بكناهم‬

‫قالوا السماء ثلثة أقسام‪ :‬قسم للمسلمين‪ ،‬وقسم للكفار‪ ،‬وقسم‬


‫يشترك فيه المسلمون مع الكفار‪.‬‬

‫فالول هو‪ :‬كمحمد وأحمد وأبو بكر وعمر وعلي وعثمان وطلحة‬
‫والزبير‪ ،‬فهذا النوع ل يمكنهم التسمي به‪ ،‬والمنع منه أولى من المنع من‬
‫التكني بكناية المسلمين‪ ،‬فصيانة هذه السماء عن أخبث خلق الله أمر‬
‫جسيم‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬كجرجس وحنا ومتى ومرقص ونحوه ل يمنعون من التسمي‬
‫بها‪.‬‬

‫والثالث‪ :‬كيحيى وعيسى ويعقوب وداود وسليمان وأيوب‪ ،‬ل يمنعون‬


‫من التسمي بها‪.‬‬

‫وأما أن يُخاطب الذمي بسيدي ومولنا ونحو ذلك فحرام قطعاً‪ .‬أما‬
‫تلقيبهم بمعز الدولة ونحو ذلك فل يجوز كما أنه ل يجوز أن يسمى سديداً‬
‫ول رشيدا ً ول مؤيدا ً ول صالحا ً ول نحو ذلك‪ ،‬وإن تسمى بشيء من هذه‬
‫السماء ل يجز للمسلم أن يدعوه به‪ ،‬بل إن كان نصرانيا ً يقول له يا مسيحي‬
‫ويا صليبي‪ ،‬وإن كان يهوديا ً يقال له يا يهودي يا إسرائيلي ‪ -‬أحكام أهل‬
‫الذمة للجوزي ‪.189-2/188‬‬

‫‪ .1‬ول نتشبه بالمسلمين في مراكبهم ول نركب السروج ول نتقلد‬


‫السيوف ول نتخذ شيئا ً من السلح ول نحمله معنا‪.‬‬

‫في مراكبهم‬

‫قال‪ :‬أهل الذمة ممنوعون من ركوبهم السروج‪ ،‬وإما يركبون الكف ‪-‬‬
‫وهي البرادع ‪ -‬عرضاً‪ ،‬وتكون أرجلهم جميعا ً إلى جانب واحد‪ ،‬كما أمرهم‬
‫أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (عن نافع عن ابن عمر عن عمر أنه كان‬
‫يكتب إلى عماله يأمرهم أن يركب أهل الذمة في شق‪ .‬وقد قال الشافعي‪:‬‬
‫ول يركبون فرسا ً أصيلً‪ ،‬وإنما يركبون البغال والحمير‪ .‬و يمنع أهل الذمة‬
‫من ركوب الفرس‪ ،‬إذ في ركوبها الفضيلة العظيمة والعز‪ ،‬وهى مراكب‬
‫المجاهدين في سبيل الله الذين يحمون حوزة السلم قال تعالى‪{ :‬واعدوا‬
‫لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم}‪.‬‬
‫فجعل رباط الخيل لرهبة الكفار فل يجوز أن يمكنوا من ركوبها‪.‬‬

‫‪ .0‬ل يحملون السيوف‬

‫يمنع أهل الذمة من تقلد السيوف لما بيَّن كونهم أهل ذمة‪ ،‬فإن‬
‫السيوف عز لهلها وسلطان‪ ،‬وقد قال رسول الله بعثت بالسيف بين يدي‬
‫الساعة‪ .‬فبالسيف الناصر والكتاب الهادي عز السلم وظهر في مشارق‬
‫الرض ومغاربها‪ .‬فالسيف أعظم ما يعتمد في الحرب عليه ويرهب به العدو‪،‬‬
‫وبه ينصر الدين ويذل الله الكافرين؛ والذمي ليس من أهل حمله والعز به‪.‬‬

‫فيما يتعلق بإظهار المنكر من أفعالهم وأقوالهم مما نهوا عنها ‪:‬‬

‫‪ .1‬ول نخرج صليبا ً ول كتابا ً في أسواق المسلمين‬

‫زيادة على عدم إظهارهم ذلك على كنائسهم وفي صلواتهم‪ ،‬فهم‬
‫ممنوعون من إظهاره في أسواق المسلمين وإن لم يرفعوا أصواتهم به ول‬
‫يمنعون من إخراجه في كنائسهم وفي منازلهم بل الممنوع منه فيها رفع‬
‫أصواتهم ووضع الصليب على أبواب الكنائس ‪ -‬كتاب أحكام أهل الذمة‪،‬‬
‫الجزء ‪ ،3‬صفحة ‪ .1241‬و‪.154 /2‬‬

‫‪ .2‬الماكن التي يُمنع أهل الذمة من دخولها‪:‬‬


‫قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فل يقربوا‬
‫المسجد الحرام بعد عامهم هذا} التوبة ‪28‬‬

‫عن عمر بن الخطاب أنه سمع رسول الله يقول‪ :‬لخرجن اليهود‬
‫والنصارى من جزيرة العرب حتى ل أدع فيها إل مسلماً‪ .‬رواه مسلم – أحمد‬
‫‪210 - 196‬‬

‫وعن عائشة قالت‪ :‬آخر ما عهد رسول الله قال (ل يُترك في جزيرة‬
‫العرب دينان‪ .‬رواه احمد‪ .‬وفي مسنده أيضا ً عن على قال‪ :‬قال رسول الله‬
‫(يا على إن أنت وليت المر بعدي فاخرج أهل نجران من جزيرة العرب)‪.‬‬

‫عن ابن عباس قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ل تكون‬
‫قبلتان في بلد واحد ‪ -‬أبو داود ‪.2636‬‬
‫غب في ديننا ول ندعو إليه أحداً‬
‫‪ .3‬ل نُر ِ ّ‬

‫هذا من أولى أل أن يُنقض العهد به‪ :‬فإن حراب الله ورسوله باللسان‪،‬‬
‫وقد يكون أعظم من الحراب باليد‪ .‬ولما كانت الدعوة الباطلة مستلزمة ‪-‬‬
‫لبد ‪ -‬للطعن في الحق كان دعاؤهم إلى دينهم وترغيبهم فيه طعنا ً في دين‬
‫السلم وقد قال تعالى {وان نقضوا إيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في‬
‫دينكم فقاتلوا أئمة الكفر}‪ .‬ول ريب أن الطعن في الدين أعظم من الطعن‬
‫بالرمح والسيف ‪ -‬أحكام أهل الذمة ص‪.160 /2‬‬

‫في أمر معاملتهم للمسلمين بالشركة ونحوها ‪:‬‬

‫‪ .4‬المنع من استعمال اليهود والنصارى في شيء من وليات المسلمين‬


‫وأمورهم‪:‬‬

‫‪ .1‬قال أبو طالب‪ :‬سألت أبا عبد الله‪ :‬أيستعمل اليهودي والنصراني في‬
‫أعمال المسلمين مثل الخراج؟ قال‪ :‬ل يستعان بهم في شئ‪.‬‬

‫‪ .2‬عن أنس بن مالك قال‪ :‬أن رسول الله قال‪ :‬ل تستضيئوا بنار‬
‫المشركين‪ ،‬ول تنقشوا على خواتيمكم عربياً‪ .‬وفسر قوله (ل تستضيئوا بنار‬
‫المشركين) يعني ل تستنصحوهم ول تستضيئوا برأيهم ‪ .‬والصحيح أن معناه‪:‬‬
‫مباعدتهم وعدم مساكنتهم كما جاء في حديث الرسول (لن استعين‬
‫بمشرك) ‪ -‬رواه مسلم‪.‬‬

‫‪ .3‬ومن أدلة منع استخدام الذميين ما ورد عن عمر بن الخطاب في منعه‬


‫لبي موسى الشعري من استكتاب نصراني في الحيرة‪ ،‬وعندما قال أبو‬
‫موسى ل يقوم أمر الحيرة إل به‪ ،‬قال عمر‪ :‬مات النصراني والسلم ‪ -‬راجع‪:‬‬
‫أحكام أهل الذمة في السلم لبن القيم الجوزى ‪ 1/211‬وتفسير الرازي‬
‫‪3/414‬‬

‫‪ .4‬كان لعمر بن الخطاب عبد نصراني فقال له‪ :‬اسلم حتى نستعين بك‬
‫على بعض أمور المسلمين‪ ،‬فإنه ل ينبغي أن نستعين على أمرهم بمن ليس‬
‫منهم‪ ،‬فأبى‪ ،‬فاعتقه‪ ،‬وقال له اذهب حيث شئت ‪ -‬راجع أحكام أهل الذمة‬
‫لبن الجوزي ‪114 ،1‬‬

‫‪ .5‬عن عمر بن الخطاب قال‪ :‬ل تكرموهم إذ أهانهم الله‪ ،‬ول تدنوهم إذ‬
‫و‬ ‫‪127‬‬ ‫أقصاهم الله‪ ،‬ول تأتمنوهم إذ خونهم الله ‪ -‬راجع‪ :‬سنن البيهقي ‪،/10‬‬
‫‪ 9/204‬والمغني ‪ 453 /1‬و‪ 6/425‬ل و‪. 532 /8‬‬

‫‪ .0‬ول يشارك أحد منا مسلما ً في تجارة إل أن يكون إلى المسلم أمر‬
‫التجارة ‪:‬‬

‫وهذا لن الذمي ل يتوقى مما يتوقى منه المسلم من العقود المحرمة‬


‫والباطلة‪ ،‬ول يرون بيع الخمر والخنزير حرام‪.‬‬

‫‪ .1‬وقد قال إسحاق بن إبراهيم‪ :‬سمعت أبا عبد الله سئل عن الرجل‬
‫يشارك اليهودي والنصراني؟ قال‪ :‬يشاركهم ولكن هو يلي البيع والشراء‬
‫وذلك أنهم يأكلون الربا ويستحلون الموال‪.‬‬

‫‪ .2‬ثم قال أبو عبد الله ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الميين سبيل)‬
‫وقال إبراهيم بن هانىء‪ :‬سمعت أبا عبد الله قال في شركة اليهودي ‪-‬‬
‫كتاب أحكام أهل الذمة‪ ،‬الجزء ‪ ،3‬صفحة ‪.1330‬‬

‫‪ .0‬عقل الذمي نصف عقل المؤمن‬

‫عن رسول الله‪ :‬إن عقل أهل الذمة نصف عقل المسلمين‪ ،‬ذكره‬
‫النسائي‪ .‬وعن الترمذي‪ :‬عقل الكافر نصف عقل‪.‬‬

‫وعند أبي داود‪ ،‬كانت قيمة الدية ‪ -‬دية الذمي ‪ -‬على عهد رسول الله‬
‫ثمانمائة دينار‪ ،‬وثمانية آلف درهم ‪ ،‬ودية أهل الكتاب يومئذ النصف من دية‬
‫المسلم‪ ،‬فلما كان عمر رفع دية المسلمين وترك دية أهل الذمة لم يرفعها‬
‫فيما رفع ‪ -‬راجع‪ :‬فتأوي رسول الله ‪307‬‬

‫‪ .1‬شهادة أهل الذمة‬

‫قالوا‪ :‬ل تقبل شهادة الكافر على المسلم لقوله تعالى {واستشهدوا‬
‫شهيدين من رجالكم}‪ .‬وقال عمر بن الخطاب‪ :‬المسلمون عدول بعضهم‬
‫على بعض ‪ -‬أي أن غير المسلم ليس عدل ً ‪ -‬فل تُقبل شهادته على المسلم‪،‬‬
‫قال عمر بن الخطاب‪ :‬العبد والذمي إذا شهدا ردت شهادتهما ‪ -‬راجع‪:‬‬
‫موسوعة فقه عمر بن الخطاب ‪ 402‬وسنن البيهقي ‪ 197 /10‬والمحلى ‪293 /9‬‬
‫وأخبار القضاة ‪70 /1‬و ‪. 283‬‬

‫فيما يتعلق بضرر المسلمين والسلم ‪:‬‬

‫‪ .2‬ل يُقتل مسلم بكافر‬

‫قال النبي‪( :‬ول يُقتل مسلم بكافر)‪ .‬وأكثر أهل العلم ل يوجبون على‬
‫مسلم قصاصا ً بقتل كافر‪ ،‬أي كافر كان‪ُ .‬روي ذلك عن عمر‪ ،‬وعثمان‪،‬‬
‫وعلي‪ ،‬وزيد بن ثابت‪ ،‬ومعاوية‪ ،‬وبه قال عمر بن عبد العزيز‪ ،‬وعطاء‪،‬‬
‫والحسن‪ ،‬وعكرمة‪ ،‬والزهري‪ ،‬وابن شبرمة‪ ،‬ومالك‪ ،‬والثوري‪ ،‬والوزاعي‪،‬‬
‫والشافعي‪ ،‬وإسحاق‪ ،‬وأبو عبيد‪ ،‬وأبو ثور‪ ،‬وابن المنذر‪ ،‬وقال النخعي‪،‬‬
‫والشعبي‪ ،‬وأصحاب الرأي‪ :‬يُقتل المسلم بالذمي خاصة ‪ 50/.‬قال أحمد‪:‬‬
‫الشعبي والنخعي قال‪ :‬دية المجوسي واليهودي والنصراني‪ ،‬مثل دية‬
‫المسلم‪ ،‬وإن قتله يُقتل به‪ .‬هذا عجب‪ ،‬يصير المجوسي مثل المسلم‪،‬‬
‫سبحان الله‪ ،‬ما هذا القول! واستبشعه‪ .‬وقال‪ :‬النبي يقول‪" :‬ل يقتل مسلم‬
‫بكافر"‪ .‬وهو يقول‪ :‬يُقتل بكافر‪ - ".‬رواه المام أحمد وأبو داود ‪ ،85/.‬وفي‬
‫لفظ‪" :‬ل يُقتل مسلم بكافر" ‪ -‬رواه البخاري‪ ،‬وأبو داود ‪. 85/.‬‬

‫في أحكام ضيافتهم للمارين بهم وما يتعلق بها ‪:‬‬

‫‪ .3‬ونوقر المسلمين في مجالسهم ونقوم لهم‬

‫توقير المسلمين في مجالسهم‪ ،‬والتوقير‪ :‬التعظيم والحتشام لهم‪ ،‬ول‬


‫يمكرون عليهم بمكر‪ ،‬ول يدخلون عليهم بغير استئذان ول يفعلون بين‬
‫أيديهم ما يخل بالوقار والداب‪ ،‬ويحيونهم بتحية أمثالهم ول يمدون أرجلهم‬
‫بحضرتهم‪ ،‬ول يرفعون أصواتهم بين أيديهم ونحو ذلك‪.‬‬

‫قولهم (أي إذا دخلوا ونحن في مجلس قمنا لهم عنه وأجلسناهم فيه‪،‬‬
‫وهذا يعم المجالس المشتركة والمختصة بهم‪ ،‬فإذا دخلوا عليهم دورهم‬
‫وكنائسهم قاموا لهم عن مجالسهم وأجلسوهم فيها ‪ -‬راجع أحكام أهل‬
‫الذمة ‪.2/191‬‬

‫هذه كانت بعض أحكام أهل الذمة في السلم‪ .‬من أراد المزيد عليه‬
‫مراجعة كتاب ابن القيم (أحكام أهل الذمة في إسلم) وكتب الفقه‪ .‬وقد‬
‫ذكر الشروط العمرية ابن كثير في تفسيره لية سورة التوبة ‪ - 29‬راجع‬
‫أيضاً‪ :‬العماد الصبهاني في كتاب الروضتين في أخبار الدولتين لبى شامة‬
‫‪ .2/134‬والجهاد لبن تيمية ‪ 2/223‬والخراج لبي يوسف ص ‪ .153- 140‬وأحكام‬
‫الماوردي ص ‪.14‬‬

‫سؤال‪ :‬لو افترضنا جدل ً أن الدول الغربية قررت العمل (تطبيق) أحكام‬
‫أهل الذمة في السلم على رعياها المسلمين ولكن مع تعديل بسيط في‬
‫التسمية وليس في الحكام‪ ،‬فبدل أن يطلق عليها (أحكام أهل الذمة في‬
‫السلم) يطلق عليها (أحكام أهل السلم في الغرب)‪ ،‬ماذا سيكون‬
‫موقفكم من تلك الحكام؟ هل ستتقبلونها؟‬

‫الغريب في أمة السلم هو‪ :‬أنهم يصفون بعض اعتراض الغربيين على‬
‫الحجاب بالعنصرية‪ ،‬لكن أحكام الغيار (أي أحكام لباس أهل الذمة) ليست‬
‫عنصرية!!‬

‫والغرب من هذا وذاك أنهم يتهمون الغرب بالكيل بمكيالين‪ .‬حقا ً إن لم‬
‫تستحي افعل ما شئت وقل ما شئت‪.‬‬

‫سؤال‪ :‬هل تتماشى تلك الحكام مع العلن العالمي لحقوق النسان‬


‫والصادر عن الجمعية العامة للمم المتحدة في تاريخ ‪ 10‬كانون‬
‫الول‪/‬ديسمبر ‪1948‬؟ والتي نصت مواده على‪:‬‬

‫المادة ‪ 1‬يولد جميع الناس أحرارا ً متساوين في الكرامة والحقوق‪ ،‬وقد‬


‫وهبوا عقل ً وضميرا ً وعليهم أن يعامل بعضهم بعضا ً بروح الخاء‪ .‬وهل من‬
‫تساوي في الكرامة والحقوق في أحكام كهذه ؟ أل تخالف تلك الحكام هذا‬
‫العلن؟‪.‬‬
‫المادة ‪ 2‬لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا‬
‫العلن‪ ،‬دون أي تمييز‪ ،‬كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة‬
‫أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر‪ ،‬أو الصل الوطني أو الجتماعي‬
‫أو الثروة أو الميلد أو أي وضع آخر‪ ،‬دون أية تفرقة بين الرجال والنساء‪.‬‬
‫وفضل ً عما تقدم فلن يكون هناك أي تمييز أساسه الوضع السياسي أو‬
‫القانوني أو الدولي للبلد أو البقعة التي ينتمي إليها الفرد سواء كان هذا‬
‫البلد أو تلك البقعة مستقل ً أو تحت الوصاية أو غير متمتع بالحكم الذاتي أو‬
‫كانت سيادته خاضعة لي قيد من القيود‪.‬‬
‫المادة ‪ 3‬لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلمة شخصه‪.‬‬
‫المادة ‪ 4‬ل يجوز استرقاق أو استعباد أي شخص‪ ،‬ويحظر السترقاق‬
‫وتجارة الرقيق بكافة أوضاعهما‪.‬‬
‫المادة ‪ 5‬ل يُعرض أي إنسان للتعذيب ول للعقوبات أو المعاملت‬
‫القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة‪.‬‬
‫المادة ‪ 6‬لكل إنسان أينما وجد الحق في أن يعترف بشخصيته القانونية‪.‬‬
‫المادة ‪ 7‬كل الناس سواسية أمام القانون ولهم الحق في التمتع بحماية‬
‫متكافئة منه دون أية تفرقة‪ ،‬كما أن لهم جميعا ً الحق في حماية متساوية‬
‫ضد أي تمييز يخل بهذا العلن وضد أي تحريض على تمييز كهذا‪.‬‬
‫المادة ‪ 8‬لكل شخص الحق في أن يلجأ إلى المحاكم الوطنية لنصافه‬
‫عن أعمال فيها اعتداء على الحقوق الساسية التي يمنحها له القانون‪.‬‬
‫المادة ‪ 9‬ل يجوز القبض على أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفاً‪.‬‬
‫المادة ‪ 10‬لكل إنسان الحق‪ ،‬على قدم المساواة التامة مع الخرين‪ ،‬في‬
‫أن تنظر قضيته أمام محكمة مستقلة نزيهة نظرا ً عادل ً علنيا ً للفصل في‬
‫حقوقه والتزاماته وأية تهمة جنائية توجه إليه‪.‬‬
‫المادة ‪ ) 1 ( 11‬كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئا ً إلى أن تثبت إدانته‬
‫قانونا ً بمحاكمة علنية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عنه‪.‬‬
‫( ‪ ) 2‬ل يدان أي شخص من جراء أداة عمل أو المتناع عن‬
‫أداة عمل إل إذا كان ذلك يعتبر جرما ً وفقا ً للقانون الوطني أو الدولي وقت‬
‫الرتكاب‪ ،‬كذلك ل توقع عليه عقوبة أشد من تلك التي كان يجوز توقيعها‬
‫وقت ارتكاب الجريمة‪.‬‬
‫المادة ‪ 12‬ل يعرض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو‬
‫مسكنه أو مراسلته أو لحملت على شرفه وسمعته‪ ،‬ولكل شخص الحق في‬
‫حماية القانون من مثل هذا التدخل أو تلك الحملت‪.‬‬
‫المادة ‪ ) 1 ( 13‬لكل فرد حرية التنقل واختيار محل إقامته داخل حدود‬
‫كل دولة‪.‬‬
‫( ‪ ) 2‬يحق لكل فرد أن يغادر أية بلد بما في ذلك بلده كما يحق‬
‫له العودة إليه‪.‬‬
‫المادة ‪ ) 1 ( 14‬لكل فرد الحق في أن يلجأ إلى بلد أخرى أو يحاول‬
‫اللتجاء إليها هربا ً من الضطهاد‪.‬‬
‫( ‪ ) 2‬ل ينتفع بهذا الحق من قدم للمحاكمة في جرائم غير سياسية أو‬
‫لعمال تناقض أغراض المم المتحدة ومبادئها‪.‬‬
‫المادة ‪ ) 1 ( 15‬لكل فرد حق التمتع بجنسية ما‪.‬‬
‫( ‪ ) 2‬ل يجوز حرمان شخص من جنسيته تعسفا ً أو إنكار حقه‬
‫في تغييرها‪.‬‬
‫المادة ‪ ) 1 ( 16‬للرجل والمرأة متى بلغا سن الزواج حق التزوج وتأسيس‬
‫أسرة دون أي قيد بسبب الجنس أو الدين‪ ،‬ولهما حقوق متساوية عند‬
‫الزواج وأثناء قيامه وعند انحلله‪.‬‬
‫( ‪ ) 2‬ل يبرم عقد الزواج إل برضى الطرفين الراغبين في‬
‫الزواج رضى كامل ً ل إكراه فيه‪.‬‬
‫( ‪ ) 3‬السرة هي الوحدة الطبيعية الساسية للمجتمع ولها حق‬
‫التمتع بحماية المجتمع والدولة‪.‬‬
‫المادة ‪ ) 1 ( 17‬لكل شخص حق التملك بمفرده أو بالشتراك مع غيره‪.‬‬
‫( ‪ ) 2‬ل يجوز تجريد أحد من ملكه تعسفاً‪.‬‬

‫المادة ‪ 18‬لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين‪ ،‬ويشمل‬


‫هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته‪ ،‬وحرية العراب عنهما بالتعليم‬
‫والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سرا ً أم مع الجماعة‪.‬‬
‫المادة ‪ 19‬لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير‪ ،‬ويشمل هذا الحق‬
‫حرية اعتناق الراء دون أي تدخل‪ ،‬واستقاء النباء والفكار وتلقيها وإذاعتها‬
‫بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية‪.‬‬
‫المادة ‪ ) 1 ( 20‬لكل شخص الحق في حرية الشتراك في الجمعيات‬
‫والجماعات السلمية‪.‬‬
‫( ‪ ) 2‬ل يجوز إرغام أحد على النضمام إلى جمعية ما‪.‬‬
‫المادة‪ ) 1 ( 21‬لكل فرد الحق في الشتراك في إدارة الشؤون العامة‬
‫لبلده إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون اختيارا ً حراً‪.‬‬
‫( ‪ ) 2‬لكل شخص نفس الحق الذي لغيره في تقلد الوظائف‬
‫العامة في البلد‪.‬‬
‫( ‪ ) 3‬إن إرادة الشعب هي مصدر سلطة الحكومة‪ ،‬ويعبر عن‬
‫هذه الرادة بانتخابات نزيهة دورية تجري على أساس القتراع السري وعلى‬
‫قدم المساواة بين الجميع أو حسب أي إجراء مماثل يضمن حرية التصويت‪.‬‬
‫المادة ‪ 22‬لكل شخص بصفته عضوا ً في المجتمع الحق في الضمانة‬
‫الجتماعية وفي أن تحقق بوساطة المجهود القومي والتعاون الدولي وبما‬
‫يتفق ونظم كل دولة ومواردها الحقوق القتصادية والجتماعية والتربوية‬
‫التي ل غنى عنها لكرامته وللنمو الحر لشخصيته‪.‬‬
‫المادة ‪ ) 1 ( 23‬لكل شخص الحق في العمل‪ ،‬وله حرية اختياره بشروط‬
‫عادلة مرضية كما أن له حق الحماية من البطالة‪.‬‬
‫و للعمل‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫متسا‬ ‫أجر‬ ‫في‬ ‫( ‪ ) 2‬لكل فرد دون أي تمييز الحق‬
‫ض يكفل له‬ ‫( ‪ ) 3‬لكل فرد يقوم بعمل الحق في أجر عادل مر ِ‬
‫ولسرته عيشة لئقة بكرامة النسان تضاف إليه‪ ،‬عند اللزوم‪ ،‬وسائل أخرى‬
‫للحماية الجتماعية‪.‬‬
‫( ‪ ) 4‬لكل شخص الحق في أن ينشئ وينضم إلى نقابات حماية‬
‫لمصلحته‪.‬‬
‫المادة ‪ 24‬لكل شخص الحق في الراحة‪ ،‬وفي أوقات الفراغ‪ ،‬ولسيما‬
‫في تحديد معقول لساعات العمل وفي عطلت دورية بأجر‪.‬‬
‫ف‬‫ِ‬ ‫كا‬ ‫المعيشة‬ ‫المادة ‪ ) 1 ( 25‬لكل شخص الحق في مستوى من‬
‫للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولسرته‪ ،‬ويتضمن ذلك التغذية‬
‫والملبس والمسكن والعناية الطبية وكذلك الخدمات الجتماعية اللزمة‪ ،‬وله‬
‫الحق في تأمين معيشته في حالت البطالة والمرض والعجز والترمل‬
‫والشيخوخة وغير ذلك من فقدان وسائل العيش نتيجة لظروف خارجة عن‬
‫إرادته‪.‬‬
‫( ‪ ) 2‬للمومة والطفولة الحق في مساعدة ورعاية خاصتين‪،‬‬
‫وينعم كل الطفال بنفس الحماية الجتماعية سواء أكانت ولدتهم ناتجة عن‬
‫رباط شرعي أو بطريقة غير شرعية‪.‬‬

‫المادة ‪ ) 1 ( 26‬لكل شخص الحق في التعلم‪ ،‬ويجب أن يكون التعليم في‬


‫مراحله الولى والساسية على القل بالمجان‪ ،‬وأن يكون التعليم الولي‬
‫إلزاميا ً وينبغي أن يعمم التعليم الفني والمهني‪ ،‬وأن ييسر القبول للتعليم‬
‫العالي على قدم المساواة التامة للجميع وعلى أساس الكفاءة‪.‬‬
‫( ‪ ) 2‬يجب أن تهدف التربية إلى إنماء شخصية النسان إنماءً‬
‫كاملً‪ ،‬وإلى تعزيز احترام النسان والحريات الساسية وتنمية التفاهم‬
‫والتسامح والصداقة بين جميع الشعوب والجماعات العنصرية أو الدينية‪،‬‬
‫وإلى زيادة مجهود المم المتحدة لحفظ السلم‪.‬‬
‫( ‪ ) 3‬للباء الحق الول في اختيار نوع تربية أولدهم‪.‬‬

‫المادة ‪ ) 1 ( 27‬لكل فرد الحق في أن يشترك اشتراكا ً حرا ً في حياة‬


‫المجتمع الثقافي وفي الستمتاع بالفنون والمساهمة في التقدم العلمي‬
‫والستفادة من نتائجه‪.‬‬
‫( ‪ ) 2‬لكل فرد الحق في حماية المصالح الدبية والمادية‬
‫المترتبة على إنتاجه العلمي أو الدبي أو الفني‪.‬‬
‫المادة ‪ 28‬لكل فرد الحق في التمتع بنظام اجتماعي دولي تتحقق‬
‫بمقتضاه الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذا العلن تحققا ً تاماً‪.‬‬

‫المادة ‪ ) 1 ( 29‬على كل فرد واجبات نحو المجتمع الذي يتاح فيه وحده‬
‫لشخصيته أن تنمو نموا ً حرا ً كاملً‪.‬‬
‫( ‪ ) 2‬يخضع الفرد في ممارسة حقوقه وحرياته لتلك القيود‬
‫التي يقررها القانون فقط‪ ،‬لضمان العتراف بحقوق الغير وحرياته‬
‫واحترامها ولتحقيق المقتضيات العادلة للنظام العام والمصلحة العامة‬
‫والخلق في مجتمع ديمقراطي‪.‬‬
‫( ‪ ) 3‬ل يصح بحال من الحوال أن تمارس هذه الحقوق‬
‫ممارسة تتناقض مع أغراض المم المتحدة ومبادئها‬
‫المادة ‪ 30‬ليس في هذا العلن نص يجوز تأويله على أنه يخول لدولة أو‬
‫جماعة أو فرد أي حق في القيام بنشاط أو تأدية عمل يهدف إلى هدم‬
‫الحقوق والحريات الواردة فيه‪.‬‬

‫أسئلة ملحة‪:‬‬

‫هل تتماشى المادة ‪ 21‬من العلن العالمي لحقوق النسان والتي تنص‬
‫على‪ ) 1 ( ( :‬لكل فرد الحق في الشتراك في إدارة الشؤون العامة لبلده‬
‫إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون اختيارا ً حراً‪ ) 2 ( .‬لكل شخص‬
‫نفس الحق الذي لغيره في تقلد الوظائف العامة في البلد)‪ .‬مع المنع من‬
‫استعمال اليهود والنصارى في شيء من وليات المسلمين وأمورهم ؟!‬

‫‪ .1‬هل تتماشى المسألة الثانية من المادة ‪ 23‬من العلن العالمي لحقوق‬


‫النسان والتي تنص على‪( :‬لكل فرد دون أي تمييز الحق في أجر متساو‬
‫للعمل) مع ما جاءت به تلك الحكام من حكم‪ :‬ل يشارك أحد منهم مسلماً‬
‫في تجارة إل أن يكون إلى المسلم أمر التجارة؟!‬

‫‪ .2‬هل تتماشى المادة ‪ 18‬من العلن العالمي لحقوق النسان والتي تنص‬
‫على‪( :‬لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين‪ ،‬ويشمل هذا‬
‫الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته‪ ،‬وحرية العراب عنهما بالتعليم‬
‫والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سرا ً أم مع الجماعة)‬
‫مع ما جاءت به تلك الحكام من‪:‬‬
‫‪ )1‬ل نظهر عليها صليباً‬
‫‪ )2‬ول نضرب نواقيسنا إل ضربا ً خفيا ً في جوف كنائسنا‬
‫‪ )3‬ول نرفع أصواتنا في الصلة ول القراءة في كنائسنا مما يحضره‬
‫المسلمون‪.‬‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫‪ )4‬ول نخرج صليبا ول كتابا في أسواق المسلمين ؟!‬

‫‪ .3‬هل تتماشى المادة ‪ 2‬من العلن العالمي لحقوق النسان (لكل إنسان‬
‫حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا العلن‪ ،‬دون أي تمييز‪،‬‬
‫كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي‬
‫السياسي أو أي رأي آخر‪ ،‬أو الصل الوطني أو الجتماعي أو الثروة أو‬
‫الميلد أو أي وضع آخر‪ ،‬دون أية تفرقة بين الرجال والنساء‪ .‬وفضل ً عما‬
‫تقدم فلن يكون هناك أي تمييز أساسه الوضع السياسي أو القانوني أو‬
‫الدولي لبلد أو البقعة التي ينتمي إليها الفرد سواء كان هذا البلد أو تلك‬
‫البقعة مستقل ً أو تحت الوصاية أو غير متمتع بالحكم الذاتي أو كانت سيادته‬
‫خاضعة لي قيد من القيود) مع ما جاءت به تلك الحكام فيما يتعلق بتغيير‬
‫لباسهم وتمييزهم عن المسلمين في المركب واللباس ونحوه؟!‬

‫إنها العنصرية بأبشع أنواعها وأبشع أشكالها ‪.‬‬

‫عنصرية السلم ألغت كل القيم النسانية وتجاوزت كل الحدود حين حرمت‬


‫المسلم من أن يتخذ من اليهود والمسيحيين أصدقاء له‪.‬‬

‫ـ علقة المسلم بغير المسلم (الموالة)‬

‫‪ .1‬الموالة في اللغــة‪:‬‬

‫و‪ ،‬ومنه‬ ‫ولْى ‪ -‬بسكــون اللم ‪ -‬وهو ال ُ‬


‫قْرب والدُّن ُ ْ‬ ‫أصـل المـوالة من ال َ‬
‫ع‬
‫ل مما يليك) أي مما يقاربك‪ ،‬ووالى بين شيئين‪ :‬تاب َ َ‬ ‫قول النبي للغــلم (كـ ْ‬
‫بينهما بل تفرقة‪ ،‬ومنه الموالة في أعمال الوضوء أي المتابعة بينها بل‬
‫تفرقة‪ .‬فأصل الموالة‪ :‬القرب والمتابعة‪.‬‬

‫قال الزبيدي في تاج العروس‪" :‬هي المحبة بغض النظر عن درجة هذا‬
‫الحب ومرتبته‪ ،‬فكل من أحببته وأعطيته ابتداءً من غير مكافأة فقد أوليته‪،‬‬
‫وواليته‪ ،‬والمعنى أي أدنيته إلى نفسك" ‪ -‬تاج العروس ‪10/401‬‬

‫وتأتي أيضا ً بمعنى النصرة‪ ،‬وتأتي كلمة (أولياء) بمعنى الخاصة‬


‫والبطانة‪ ،‬وأيضا ً بمعنى التحاد والتجانس‪.‬‬

‫ولى واحد في كـلم العـرب – (لسـان العـرب)‬‫م ْ‬


‫ي وال َ‬
‫ول ِ ّ‬
‫وقال الفّراء‪ :‬ال َ‬
‫‪ ،15/408‬وكلهمـا يستعمـل فـي الفاعل (الموالِي‪ ،‬بكسر اللم) والمفعول‬
‫(الموالَي‪ ،‬بفتح اللم) ‪ -‬المفردات للراغب الصفهاني صـ ‪.533‬‬
‫وتـولّى فل ٌُ‬
‫ن فلناً‪ :‬أي اتبعه وأطاعه وتقَّرب منه ونصره‪.‬‬

‫ض وذهب وانصرف‪ ،‬فمعناها عكس (تولّى) التي‬ ‫وتولّى عنه‪ :‬أي أعَر َ‬
‫تعنى اقترب‪ ،‬ومنه قوله تعالى {فاعرض عن من تولى عن ذكرنا} النجم ‪،29‬‬
‫ل عنهم} القمر ‪ ،6‬وإذا جاءت تولى بمعنى أعرض‬ ‫وقوله تعالى {فتو ّ‬
‫وانصرف كما في قوله تعالى {ل يصلها إل الشقى الذي كذّب وتولى}‬
‫قدَّر فيها (عن) محذوفة بعد (تولّى) ‪ -‬انظر‪( :‬لسـان‬ ‫الليل ‪ 15‬ـ ‪ ،16‬في ُ َ‬
‫العـرب) لبن منظور‪ ،‬ط دار صادر‪ 15/406 ،‬ـ ‪ ،415‬و(النهاية) لبن الثير ‪227 /5‬‬
‫ـ ‪ ،230‬و (المفردات) للراغب الصفهاني ‪ 533‬ـ ‪ ،535‬و (مختار الصحاح)‬
‫للرازي صـ ‪ ،736‬و (المعجم الوسيط) لمجمع اللغة العربية بمصر ‪ 2/1057‬ــ‬
‫‪ ،1058‬و (مجموع فتاوى ابن تيمية) ‪.499 /20‬‬

‫أما التولي‪ :‬قال الجوهري في (الصحاح) ‪" 6/2530‬هو تقديم كامل المحبة‬
‫والنصرة للمتولى بحيث يكون المتولِي مع المتولَى كالظل مع الجسم"‪.‬‬
‫فالتولي بمعنى التخاذ والتباع المطلق‪ ،‬وبمعنى النقطاع الكامل في نصرة‬
‫المتبع وتقريبه وتأييده‪ ،‬ويأتي بمعنى التباع‪ ،‬وبمعنى التفويض‪.‬‬

‫وكل تولي موالة وليس العكس‪ ،‬والتولي أخص من الموالة‪ ،‬فكل تولي‬
‫كفر والموالة منها ما هو كفر ومنها ما هو دون ذلك‪ ،‬على اختلف بين‬
‫العلماء في التفريق‪.‬‬

‫ي ضــد العــدو‪،‬‬
‫ول ّ‬ ‫وضد الموالة‪ :‬المعاداة‪ ،‬وهى المباعدة والمخالفة‪ .‬وال َ‬
‫ي هو‪ :‬الناصــر والمعــين والحليف والمحـب والصديق والقريب في‬ ‫ول ِ ّ‬
‫وال َ‬
‫ولِيُّه‪ :‬كولي‬
‫َ‬ ‫فهو‬ ‫بأمر‬ ‫قام‬ ‫من‬ ‫وكل‬ ‫د‪،‬‬‫ْ‬ ‫ب‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫وال‬ ‫ق‪،‬‬‫َ‬ ‫ت‬ ‫والمع‬ ‫عتق‪،‬‬
‫ِ‬ ‫والم‬ ‫النسب‪،‬‬
‫المر‪ ،‬وولي المرأة في النكاح وولي اليتيم ونحوه‪.‬‬

‫قال بطرس البستاني في (محيط المحيط) ‪" 2/1353‬هي مصدر عادى‬


‫يعادي وعداءً‪ ،‬والعداء مصدر عادى أي خاصمه‪ ،‬وصار له عدواً‪ ،‬والعداوة‪ :‬اسم‬
‫بمعنى الخصومة والمباعدة‪ ،‬والعدو والعداوة‪ ،‬أخص من البغضاء لن كل عدو‬
‫مبغض‪ ،‬وقد يبغض من ليس بعدو"‬

‫والعدو‪ :‬ضد الولي‪ ،‬والجمع أعداء وجمع الجمع أعادي‪ ،‬وهو ضد الصديق‬
‫أيضاً‪ ،‬والعدو‪ ،‬والعداوة‪ ،‬والعداء‪ ،‬والعدوان‪ ،‬كلها ورد استعمالها في‬
‫القرآن‪ ،‬وتأتي المعاداة في أغلب استعمالتها‪ ،‬ويراد بها البغض والكراهية‬
‫وحب النتقام‪ ،‬عكس الموالة تماماً‪ ،‬والتي تدل في أغلب استعمالتها على‬
‫المحبة والمودة والمتابعة والنصرة والقربة‪ ،‬وبذلك فالموالة والمعاداة بهذا‬
‫المعنى المتقدم ضدان ل يجتمعان‪ ،‬فوجود أحدهما ينفي الخر لزوما ً في‬
‫حق ذات معينة‪.‬‬

‫ص‪232‬‬ ‫ويقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب في (الرسائل الشخصية)‬


‫"أبلغوهم أن المعاداة ملة إبراهيم عليه السلم‪ ،‬ونحن مأمورون في‬
‫متابعته"‪ ،‬قال تعالى {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه}‬
‫إلى قوله {حتى تؤمنوا بالله وحده}‪ .‬ثم قال "واذكروا لهم‪ ،‬أن الواجب على‬
‫الرجل أن يعلّم عياله وأهل بيته الحب في الله‪ ،‬والبغض في الله‪ ،‬والموالة‬
‫في الله‪ ،‬والمعاداة في الله‪ ،‬مثل تعليم الوضوء والصلة‪ ،‬لنه ل صحة‬
‫لسلم المرء إل بصحة الصلة ول صحة لسلمه أيضا ً إل بصحة الموالة‬
‫والمعاداة في الله"‪.‬‬

‫‪ .2‬المولة في الشرع‪:‬‬

‫تُطلق الموالة على عدد من المعاني‪ ،‬يُعرف المراد منها بحسب‬


‫السياق‪ ،‬وجميع المعاني الشرعية للموالة ترجع إلى أصلها اللغوي وهو‬
‫قرب والدُّن ُ ْ‬
‫و‪.‬‬ ‫ال ُ‬

‫والمـوالة المحـرمة شرعا ً هي صـرف المسلـم شيـئا ً من هـذه الخصـال‬


‫إلى الكافرين‪ ،‬كما جاء في القرآن‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا عدوي‬
‫وعدوكم أولياء} الممتحنة ‪ .1‬فإن الله تعالى قد أوجب على المؤمنين أن‬
‫يعادوا الكفار ويبغضوهم ويقاتلوهم ما استطاعوا‪.‬‬

‫كما جاء في القرآن {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين‬
‫معه‪ ،‬إذ قالوا لقومهم إنا برءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله‪ ،‬كفرنا‬
‫بكم‪ ،‬وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا ً حتى تؤمنوا بالله وحده}‬
‫الممتحنة ‪ ،4‬وقال أيضاً‪{ :‬يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ‬
‫عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير} التوبة ‪ 73‬والتحريم ‪.9‬‬

‫فمن قام بخلف هذا فأطاع الكافرين أو أحبهــم أو نصــرهم‪ ،‬فقــد‬


‫تولّهم‪ ،‬ومن تولهم فــقد كفــر لقوله ‪ -‬في اليات موضع الستدلل ‪-‬‬
‫{ومن يتولهم منكم فإنه منهم} المائدة ‪ ،51‬ويتأكد كفره إذا ما أطاع‬
‫الكافرين أو نصرهم فيما يضر السلم والمسلمين كما يفعل أنصار الحكام‬
‫المرتدين لن هذه مشايعة لهم فيما هم عليه من الكفر وإعانة على ظهور‬
‫الكفر على السلم‪.‬‬

‫‪ .3‬قال ابن جرير الطبري في تفسيره ‪{ " 6/160 :‬ومن يتولهم منكم فإنه‬
‫منهم إن الله ل يهدي القوم الظالمين} من تولهم ونصرهم على المؤمنين‬
‫ل أحدا ً إل وهو به وبدينه وما هو‬
‫من أهل دينهم وملتهم‪ ،‬فإنه ل يتولى متو ِ‬
‫ض‪ ،‬وإذا رضيه ورضي دينه‪ ،‬فقد عادى ما خالفه وسخطه‪ ،‬وصار‬ ‫عليه را ٍ‬
‫حكمه كحكمه"‪.‬‬

‫وبيَّن ابن جرير العموم الذي تدل عليه الية بقوله (والصواب من القول‬
‫في ذلك عندنا أن يقال‪ :‬إن الله تعالى في ذكره نهى المؤمنين جميعا ً أن‬
‫يتخذوا اليهود والنصارى أنصارا ً وحلفاء على أهل اليمان بالله ورسوله‪،‬‬
‫وأخبر أنه من اتخذهم نصيرا ً وحليفا ووليا ً من دون الله ورسوله والمؤمنين‪،‬‬
‫فإنه منهم في التحّزب على الله وعلى رسوله والمؤمنين‪ ،‬وأن الله ورسوله‬
‫ل‬‫منه بريئان ‪ -‬إلى أن قال‪{ :‬ومن يتولهم منكم فإنه منهم}‪ ،‬ومن يتو َ‬
‫اليهود والنصارى دون المؤمنين فإنه منهم‪ ،‬يقول‪ :‬فإن من تولهم ونصرهم‬
‫ل أحدا ً إل‬
‫على المؤمنين‪ ،‬فهو من أهل دينهم وملتهم‪ ،‬فإنه ل يتولى متو ّ‬
‫ض‪ ،‬وإذا رضيه ورضي دينه فقد عادى ما‬ ‫وهو به وبدينه وما هو عليه را ٍ‬
‫خالفه وسخطه‪ ،‬وصار حكمه كحكمه) ‪ -‬تفسير الطبري ‪ 276 /6‬ــ ‪.277‬‬

‫‪ .4‬وقال القرطبي في قوله‪{ :‬ومن يتولهم منكم} أي يعضدهم على‬


‫حكمه كحكمهم‪ ،‬وهو يمنع إثبات‬ ‫المسلمين {فإنه منهم} بيّن تعالى أن ُ‬
‫ق‬ ‫با‬ ‫الحكم‬ ‫هذا‬ ‫ثم‬ ‫ي‪،‬‬ ‫ب‬‫الميراث للمسلم من المرتد‪ ،‬وكان الذي تولّهم ابن أ ُ‬
‫ٍ‬ ‫َ ّ‬
‫إلى يوم القيامة في قطع الموالة‪ ،‬وقد قال تعالى {ول تركنوا إلى الذين‬
‫ظلموا فتمسكم النار}‪ ،‬وقال تعالى في آل عمران {ل يتخذ المؤمنون‬
‫الكافرين أولياء من دون المؤمنين}‪ ،‬وقال تعالى {ل تتخذوا بطانة من‬
‫دونكم} وقد مضى القول فيه‪ .‬وقيل‪ :‬إن معنى {بعضهم أولياء بعض} أي‬
‫في النصرة‪{ .‬ومن يتولهم منكم فإنه منهم} شرط وجوابه‪ ،‬أي لنه قد‬
‫خالف الله تعالى ورسوله كما خالفوا‪ ،‬ووجبت معاداته كما وجبت معاداتهم‪،‬‬
‫ووجبت له النار كما وجبت لهم‪ ،‬فصار منهم أي من أصحابهم) ‪ -‬تفسير‬
‫القرطبي ‪.217 /6‬‬

‫‪ .5‬ويقول ابن حزم في (المحلى) ‪ " 13/35‬صح أن قوله تعالى {ومن‬


‫يتولهم منكم فإنه منهم} إنما هو على ظاهره بأنه كافر من جملة الكفار‬
‫فقط‪ ،‬وهذا ل يختلف فيه اثنان من المسلمين"‪.‬‬

‫‪ .6‬يقول ابن القيم في (أحكام أهل الذمة) ‪" 1/67‬إنه سبحانه قد حكم‪ ،‬ول‬
‫أحسن من حكمه أن من تولى اليهود والنصارى فهو منهم‪{ ،‬ومن يتولهم‬
‫منكم فإنه منهم} فإذا كان أولياؤهم منهم بنص القرآن كان لهم حكمهم"‪.‬‬

‫ص‪56‬‬ ‫‪ .7‬يقول البيضاوي نقل ً عن (الدلئل في حكم موالة أهل الشراك)‬


‫وص‪" :39‬قال تعالى {ل يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين‬
‫ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء}‪{ ،‬ومن يفعل ذلك} أي اتخاذهم‬
‫أولياء‪{ ،‬فليس من الله في شيء} أي من وليته في شيء يصح أن يسمى‬
‫ولية‪ ،‬فإن موالة المتعاديين ل يجتمعان"‪.‬‬

‫‪ .8‬يقول شمس الحق العظيم آبادي في (عون المعبود) ‪" 7/337‬عن سمرة‬
‫بن جندب قال‪ :‬قال رسول الله (من جامع المشرك وسكن معه فهو مثله)‪،‬‬
‫قال أصحاب اللغة جامعه على كذا اجتمع معه ووافقه انتهى المشرك بالله‪،‬‬
‫والمراد الكفار ونص على المشرك لنه الغلب حينئذ‪ ،‬والمعنى من اجتمع‬
‫مع المشرك ووافقه ورافقه ومشى معه وسكن معه أي في ديار الكفر فإنه‬
‫مثله‪ ،‬أي من بعض الوجوه؛ لن القبال على عدو الله وموالته توجب‬
‫إعراضه عن الله‪ ،‬ومن أعرض عنه توله الشيطان ونقله إلى الكفر‪.‬‬

‫‪ .9‬قال الزمخشري‪ :‬وهذا أمر معقول‪ ،‬فإن موالة الولي وموالة العدو‬
‫متنافيان وفيه إبرام وإلزام بالقلب في مجانبة أعداء الله ومباعدتهم‬
‫والتحرز عن مخالطتهم ومعاشرتهم {ل يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من‬
‫دون المؤمنين} والمؤمن أولى بموالة المؤمن وإذا والى الكافر جره ذلك‬
‫إلى تداعي ضعف إيمانه فزجر الشارع عن مخالطته بهذا التغليظ العظيم‬
‫حسما ً لمادة الفساد {يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم‬
‫على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين}‪ ،‬وقوله {يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا‬
‫اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن‬
‫الله ل يهدي القوم الظالمين‪ ،‬فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون‬
‫فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من‬
‫عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين}‪ ،‬فنهى سبحانه وتعالى‬
‫المؤمنين أن يوالوا اليهود والنصارى وذكر أن من والهم فهو منهم أي من‬
‫تولى اليهود فهو يهودي ومن تولى النصارى فهو نصراني‪.‬‬

‫‪ .10‬وقد روى ابن أبي حاتم عن محمد بن سيرين قال‪ ،‬قال عبد الله بن‬
‫عتبة‪ :‬ليتق أحدكم أن يكون يهوديا ً أو نصرانيا ً وهو ل يشعر‪ ،‬قال فظنناه‬
‫يريد هذه الية ‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء} إلى‬
‫قوله {فإنه منهم}‪..‬‬

‫‪ .11‬وقال ابن تيميـة أيـضاً‪ :‬يبـين ذلك أنـه ذكــر هـذا في ســياق النهي‬
‫عن مــوالة الكفــار‪ ،‬فـقال تعالى {يا أيها الذين آمنوا ل تتخــذوا اليهــود‬
‫والنصــارى أوليـاء‪ ،‬بعضهم أولياء بعض‪ ،‬ومن يتولهم منكم فإنـه منهم‪ ،‬إن‬
‫الله ل يهدي القوم الظالمين‪ .‬فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون‬
‫فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة‪ ،‬فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر‬
‫من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين ‪ -‬إلى قوله ‪ -‬يا أيها‬
‫الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم‬
‫ويحبونه}‪ .‬فالمخاطبون بالنهي عن موالة اليهود والنصارى هم المخاطبون‬
‫بآية الردة‪ .‬ومعلوم أن هذا يتناول جميع قرون المة‪ .‬وهو لما نهـي عن‬
‫مــوالة الكفار وبيَّن أن من تولهم من المخاطبين فإنه منهم بيَّن أن من‬
‫تولهم وارتد عن دين السلم ل يضر السلم شيئا ً ‪ -‬مجموع الفتاوى ‪/18‬‬
‫‪ ،300‬وله مثله في جـ ‪.193 /28‬‬

‫‪ .12‬وقال ابن تيمية أيضاً‪ :‬قال تعالى {يا أيها الـذين آمــنوا ل تتخــذوا‬
‫اليهـود والنصـارى أوليـاء‪ ،‬بعضهم أولياء بعض‪ ،‬ومن يتولهم منكم}‬
‫فيوافقهم ويعينهم {فإنه منهم} أهـ – مجموع الفتاوى ‪.326 /25‬‬

‫وكذلك من تولى المشرك فهو مشرك ومن تولى العاجم فهو أعجمي‪،‬‬
‫فل فرق بين من تولى أهل الكتابين وغيرهم من الكفار‪ ،‬ثم أخبر تعالى أن‬
‫الذين في قلوبهم مرض أي شك في الدين وشبهة يسارعون في الكفر‬
‫قائلين {… نخشى أن تصيبنا دائرة…} المائدة ‪ ،52‬أي إذا أنكرت عليهم‬
‫موالة الكافرين قالوا‪ :‬نخشى أن تكون الدولة لهم في المستقبل‪،‬‬
‫فيتسلطون علينا‪ ،‬فيأخذون أموالنا ويشردوننا من بلداننا‪ ،‬وهذا هو ظن‬
‫السوء بالله الذي قال الله فيه {الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة‬
‫السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيراً}‪.‬‬

‫قد أفادت آيات سورة المائدة موضع الستدلل بأن من تولى الكفار‬
‫فر‪ ،‬وقد تأكد كفره بعدة مؤكدات من نفس اليات ومن غيرها‪ ،‬ومن‬ ‫فقد ك َ َ‬
‫ّ‬
‫ذلك‪{ :‬ومن يتولهم منكم فإنه منهم} المائدة ‪ ،51‬وأكد أنه منهم بحرف‬
‫ن)‪ .‬وقوله {حبطـت أعمالهـم فأصبحوا خاسرين} المائدة ‪،53‬‬ ‫التوكيد (إ َّ‬
‫وحبوط العمل والخسران بسبب الكفر‪ .‬وقوله {من يرتـد منكـم عن دينه}‬
‫المائدة ‪ 54‬فإنها خطاب لنفس المخاطبين بالنهي عن موالة الكافرين كما‬
‫قال ابن تيمية والشوكاني فيما نقلته عنهما آنفاً‪ :‬إن الموالة نوع من‬
‫الردة‪ .‬وقوله {ل يتخــذ المؤمنــون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن‬
‫يفعل ذلك فليس من الله في شيء} آل عمران ‪ ،28‬قال ابن جرير الطبري‬
‫في تفسيرها‪ :‬ومعنى ذلك‪ :‬ل تتخذوا أيها المؤمنون الكفار ظهرا ً وأنصاراً‬
‫توالونهم على دينهم وتظاهرونهم على المسلمين من دون المؤمنين‪،‬‬
‫وتدلونهم على عوراتهم فإنه من يفعل ذلك فليس من الله في شيء‪ ،‬يعني‬
‫بذلك فقد برئ من الله وبرئ الله منه بارتداده عن دينه ودخوله في الكفر ‪-‬‬
‫تفسير الطبري ‪.313 /6‬‬

‫وقد أفـادت أيضا ً آيات سـورة المائــدة موضع السـتــدلل أن هذا‬


‫الحكـم بالكفر عام‪ ،‬يجري على كل مسلم تولى الكافرين‪ ،‬وذلك لن الية‬
‫ن)‬ ‫مصدَّرة بـ ( َ‬
‫م ْ‬ ‫المشتملة على هذا الحكم هي من صيغ العموم‪ ،‬لنها ُ‬
‫ن يتولهم منكم فإنه منهم}‪ ،‬وقال ابن تيمية‪ :‬ولفظ‬ ‫م ْ‬
‫الشرطية‪ ،‬قال {و َ‬
‫ن) أبلغ صيغ العموم‪ ،‬لسيما إذا كانت شرطا ً أو استفهاما ً ‪ -‬مجموع‬ ‫م ْ‬
‫( َ‬
‫الفتاوى جـ ‪ ،82 /15‬وله مثله في جـ ‪.346 /24‬‬

‫إذن موقف القرآن من علقة المسلمين بغير المسلمين بشكل عام‬


‫ومن اليهود والمسيحيين بشكل خاص واضح وصريح‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا ل‬
‫تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه‬
‫منهم إن الله ل يهدي القوم الظالمين} المائدة ‪.51‬‬

‫{يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين‬


‫أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا ً مبيناً} النساء ‪.144‬‬
‫وهذا نهي عام للمسلمين من أن يتخلقوا بأخلق المنافقين الذين‬
‫يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين‪ ،‬فيكونوا مثلهم في دروب ما‬
‫نهاهم عنه من موالة أعدائه‪ .‬يقول لهم‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله‬
‫ول توالوا الكفار فتؤازروهم من دون أهل ملتكم ودينكم من المؤمنين‪،‬‬
‫فتكونوا كمن أوجب له النار من المنافقين}‪.‬‬

‫{يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا بطانة من دونكم ل يألونكم خبالً‪ ،‬ودوا ما‬
‫عنتم‪ ،‬قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر‪ ،‬قد بينا لكم‬
‫اليات إن كنتم تعقلون‪ .‬ها أنتم أولء تحبونهم ول يحبونكم !!} آل عمران‬
‫‪.118،119‬‬

‫{يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء‪ ،‬تلقون إليهم‬
‫بالمودة‪ ،‬وقد كفروا بما جاءكم من الحق‪ ،‬يخرجون الرسول وإياكم‪ ،‬أن‬
‫تؤمنوا بالله ربكم} الممتحنة ‪.1‬‬

‫{بشر المنافقين بأن لهم عذابا ً أليما ً الذين يتخذون الكافرين أولياء من‬
‫دون المؤمنين‪ .‬أيبتغون عندهم العزة؟ فإن العزة لله جميعاً} النساء ‪138،13‬‬
‫‪.9‬‬

‫***‬

‫علقة المسلم بغير المسلم من القرآن والسنة ‪:‬‬

‫ولم تقف أوامر القرآن عند حد مطالبة المسلمين بعدم اتخاذ اليهود‬
‫والمسيحيين أصدقاء‪ ،‬بل أخذ القرآن أبعادا ً أكثر وأخطر من ذلك بكثير؛‬
‫أبعادا ً وصلت لحد مطالبته بملحقتهم والتضييق عليهم وقتالهم أينما‬
‫وجدوهم حتى يسلموا أو يدفعوا الجزية (التاوة)‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫حَّر َ‬ ‫ما َ‬
‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫ح ِّ‬
‫ر ُ‬ ‫ول ي ُ َ‬
‫ر َ‬‫خ ِ‬ ‫ول بِالْي َ ْ‬
‫وم ِ ال ِ‬
‫َ‬
‫ن بِالل ّ ِ‬
‫ه َ‬ ‫منُو َ‬‫ؤ ِ‬‫ن ل يُ ْ‬‫ذي َ‬‫قاتِلُوا ال ّ ِ‬‫{ َ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫ع ْ‬‫ة َ‬ ‫جْزي َ َ‬ ‫عطوا ال ِ‬ ‫حت ّى ي ُ ْ‬ ‫ب َ‬‫ن أوتُوا الكِتَا َ‬ ‫ذي َ‬
‫ن ال ِ‬ ‫م ْ‬‫ق ِ‬ ‫ح ِّ‬ ‫ن ال َ‬‫ن ِدي َ‬‫دينُو َ‬ ‫ول ي َ ِ‬‫ه َ‬‫سول ُ ُ‬‫وَر ُ‬‫َ‬
‫ن} التوبة ‪.29‬‬ ‫غُرو َ‬ ‫صا ِ‬‫يَ َ ْ َ‬
‫م‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫و‬ ‫د‬
‫ٍ‬
‫‪{ .1‬قاتلوا} القوم {الذين ل يؤمنون بالله ول باليوم الخر} يقول‪ :‬ول‬
‫يصدقون بجنة ول نار‪.‬‬
‫‪{ .2‬ول يحرمون ما حرم الله ورسوله ول يدينون دين الحق} يقول‪ :‬ول‬
‫يطيعون الله طاعة الحق‪ .‬يعني‪ :‬أنهم ل يطيعون طاعة أهل السلم‪.‬‬
‫‪{ .3‬من الذين أوتوا الكتاب} وهم اليهود والنصارى‪.‬‬
‫‪{ .4‬من الذين أوتوا الكتاب} وهم أهل التوراة والنجيل‪.‬‬
‫‪{ .5‬حتى يعطوا الجزية} ومعنى الكلم‪ :‬حتى يعطوا الخراج عن رقابهم‬
‫الذي يبذلونه للمسلمين دفعا ً عنها‪.‬‬
‫‪ .6‬وأما قوله‪{ :‬عن يد وهم صاغرون} أي يدفعوا الجزية بأيديهم‬
‫للمسلمين دون إنابة وهم أذلء مقهورون‪ ،‬يقال للذليل الحقير‪ :‬صاغرا‪ً.‬‬

‫قال القرطبي في تفسيره للية‪{ :‬قاتلوا الذين ل يؤمنون بالله ول‬


‫باليوم الخر} الخ‪ .‬أمر سبحانه وتعالى بمقاتلة جميع الكفار‪ ،‬وخص أهل‬
‫الكتاب بالذكر‪ .‬وسبب قتالهم يرجع لنكرانهم نبوة محمد‪.‬‬

‫م‬
‫ه ْ‬
‫مو ُ‬
‫جدْت ُ ُ‬
‫و َ‬
‫ث َ‬
‫حي ْ ُ‬
‫ن َ‬
‫ركِي َ‬
‫ش ِ‬ ‫قتُلُوا ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫فا ْ‬
‫م َ‬ ‫هُر ال ْ ُ‬
‫حُر ُ‬ ‫ش ُ‬ ‫سل َ َ‬
‫خ ال ْ‬ ‫{ َ‬
‫فإِذَا ان َ‬
‫وا‬
‫وآت َ ْ‬
‫موا الصلةَ َ‬ ‫وأ َ َ‬
‫قا ُ‬ ‫د َ‬
‫فإ ِ ْ‬
‫ن تَابُوا َ‬ ‫ص ٍ‬
‫مْر َ‬
‫هم ك ُ َّ‬
‫ل َ‬ ‫عدُوا ل َ ُ ْ‬ ‫وا ْ‬
‫ق ُ‬ ‫م َ‬‫ه ْ‬‫صُرو ُ‬‫ح ُ‬
‫وا ْ‬ ‫هم‬ ‫خذُو ُ‬
‫و ُ‬
‫َ‬ ‫َ ْ َ ُّ‬ ‫َ‬
‫م} التوبة ‪.5‬‬ ‫ه ْ‬‫سبِيل ُ‬
‫خلوا َ‬ ‫الَّزكاةَ ف َ‬
‫َ‬

‫‪ .7‬يعني بقوله‪{ :‬فإذا انسلخ الشهر الحرم} فإذا انقضى ومضى أشهر‬
‫الحرم‪ ،‬وهي بعض الشهر العربية‪ :‬ذي القعدة‪ ،‬وذي الحجة‪ ،‬ومحرم‪.‬‬
‫‪{ .8‬فاقتلوا المشركين} يقول‪ :‬فاقتلوهم {حيث وجدتموهم} حيث‬
‫لقيتوهم من الرض في الحرم وغير الحرم‪.‬‬
‫‪{ .9‬وخذوهم} يقول‪ :‬وأسروهم {واحصروهم} يقول‪ :‬وامنعوهم من‬
‫التصرف في بلد السلم‪.‬‬
‫‪{ .10‬واقعدوا لهم كل مرصد} يقول‪ :‬واقعدوا لهم بالطلب لقتلهم أو‬
‫أسرهم كل مرصد‪ ،‬يعني‪ :‬كل طريق ومرقب‪ ،‬وهو مفعل من قول القائل‬
‫رصدت فلنا ً أرصده رصداً‪ ،‬بمعنى‪ :‬رقبته‪{ .‬فإن تابوا} أي إن اسلموا وأقروا‬
‫بنبوة محمد‪{ .‬فخلوا سبيلهم} ‪ -‬راجع‪ :‬تفسير الطبري‪ ،‬شرح آية سورة‬
‫التوبة ‪ .5‬وتفسير القرطبي‪ .‬وابن كثير‪ .‬وصفوة التفاسير‪.‬‬
‫‪{ .11‬وقاتلوهم حتى ل تكون فتنة ويكون الدين كله لله} البقرة ‪ .193‬يقول‬
‫للمؤمنين به فقاتلوهم حتى ل يكون شرك ول يعبد إل الله وحده ل شريك‬
‫له‪.‬‬
‫‪{ .12‬ويكون الدين كله لله} يقول‪ :‬حتى تكون الطاعة والعبادة كلها لله‬
‫خالصة دون غيره‪ .‬لكي ل يكون مع دينكم كفر وحتى يقال‪ :‬ل إله إل الله‪،‬‬
‫عليها قاتل النبي‪ ،‬وإليها دعا‪.‬‬
‫‪ .13‬عن الربيع‪{ :‬ويكون الدين لله} يقول‪ :‬حتى ل يعبد إل الله‪ ،‬وذلك ل إله‬
‫إل الله؛ عليه قاتل النبي وإليه دعا‪ .‬فقال النبي‪( :‬إني أمرت أن أقاتل‬
‫الناس حتى يقولوا ل إله إل الله‪ ،‬ويقيموا الصلة‪ ،‬ويؤتوا الزكاة‪ ،‬فإذا فعلوا‬
‫ذلك فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إل بحقها وحسابهم على الله)‪.‬‬
‫‪{ .14‬فإن انتهوا فل عدوان إل على الظالمين} يعني بقوله‪{ :‬فإن انتهوا}‬
‫فإن انتهى الذين يقاتلونكم من الكفار عن قتالكم‪ ،‬ودخلوا في ملتكم‪،‬‬
‫وأقروا بما ألزمكم الله من فرائضه‪ ،‬وتركوا ما هم عليه من عبادة الوثان‪،‬‬
‫فدعوا العتداء عليهم وقتالهم وجهادهم‪ ،‬فإنه ل ينبغي أن يُعتدى إل على‬
‫الظالمين وهم المشركون بالله‪ ،‬والذين تركوا عبادته وعبدوا غير خالقهم‪.‬‬
‫‪ .15‬عن قتادة قوله‪{ :‬فل عدوان إل على الظالمين} والظالم الذي أبى أن‬
‫يقول ل إله إل الله ‪ -‬راجع‪ :‬تفسير الطبري في شرحه للية سورة البقرة‬
‫‪.193‬‬
‫‪{ .16‬وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل} النفال ‪.60‬‬
‫وأعدوا لهؤلء الذين كفروا بربهم‪{ ،‬ما استطعتم من قوة} يقول‪ :‬ما‬
‫أطقتم أن تعدوه لهم من اللت التي تكون قوة لكم عليهم من السلح‬
‫والخيل‪.‬‬
‫‪{ .17‬ترهبون به عدو الله وعدوكم} يقول‪ :‬تخيفون بإعدادكم ذلك عدو الله‬
‫وعدوكم من المشركين‪.‬‬
‫‪{ .18‬سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق العناق} أنفال‬
‫‪ .12‬يقول‪ :‬سأرعب قلوب الذين كفروا بي أيها المؤمنون منكم‪ ،‬وأملها‬
‫فرقا ً حتى ينهزموا عنكم‪ ،‬فاضربوا فوق العناق!! أي اضربوا الرقاب‪ ،‬رقاب‬
‫الكفار أي الغير مسلمين‪ .‬راجع جميع تفاسير القرآن في شرحهم للية‪.‬‬

‫{إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الرض فسادا أن‬
‫يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلف أو ينفوا من الرض}‬
‫المائدة ‪.33‬‬
‫***‬

‫ـ خرافة مقولة (لهم ما لنا وعليهم ما علينا) ـ‬

‫من أين جاءونا بقانون المعاملة بالمثل وبمقولة (لهم ما لنا وعليهم ما‬
‫علينا)؟ هل لكم أن تدلونا على آية أو حديث يقرر هذا المبدأ؟ إن هذا المبدأ‬
‫مبدأ باطل مخالف للقرآن وللسنة رغم شيوعه على ألسنة الكثيرين‪..‬‬

‫لقد نسوا أصحاب الفضيلة المنادين بمقولة (لهم ما لنا وعليهم ما علينا)‬
‫قوله تعالى‪:‬‬
‫{أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون} القلم‪.36 – 35‬‬

‫فهذا النص يدل على أنه ل يمكن أن يساوى المسلم بالكافر ل في الدنيا ول‬
‫في الخرة‪ ،‬فكيف يكون لغير المسلم ما للمسلم وعليه ما عليه؟‬

‫ةةةةة ثم إني أسـأل المسلم ومن قال بقوله‪ :‬أنى للمسلم أن يتزوج‬
‫بالكتابية فهل للكتابي أن يتزوج بالمسلمة؟ وإذا كانت الجابة بل وهي كذلك‬
‫قطعا ً فكيف يكون لهم ما لكم ؟!‬

‫ةةةةة وإن على المسلم أن يدفع زكاة ماله فهل على الذمي – وإن كان‬
‫من أغنى الغنياء – أن يدفع الزكاة؟ ل شك أنه ليس عليه زكاة فإذا كان‬
‫المر كذلك فكيف يكون عليهم ما على المسلمين؟!‪.‬‬

‫والعجيب أن الكثيرين ممن يذكرون هذا المبدأ ينسبونه إلى النبي‪ ،‬وهذا‬
‫باطل‪ .‬فإن هذا القول ل أصل له في كتب السنة إذا كان المقصود به أهل‬
‫الذمة‪ ،‬وإل فهو وارد في شأن من أسلم من الكفار والمشركين‪ ،‬كما في‬
‫حديث أنس مرفوعاً‪( :‬أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ل إل الله وأن‬
‫محمدا ً عبده ورسوله وأن يستقبلوا قبلتنا ويأكلوا ذبيحتنا وأن يصلوا صلتنا‬
‫فإذا فعلوا ذلك فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إل بحقها لهم ما‬
‫للمسلمين وعليهم ما على المسلمين) ‪ -‬أخرجه أبو داود ‪ 2641‬والترمذي‬
‫‪.2608‬‬

‫وقد بين الشـيخ اللباني في السـلسلة الضعيفة (‪ )2176( )1103‬بطلن هذا‬


‫الحـديث إذا قصد به أهـل الذمـة ثم قال‪ :‬وإ َّ‬
‫ن مما يؤكد بطلنه مـخالفته‬
‫لنصوص أخرى قطعية؛ كقوله تعالى {أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم‬
‫كيف تحكمون}‪ ،‬وقوله‪{ :‬ل يقتل مسلم بكافر}‪ ،‬وقوله‪{ :‬ل تبدؤوا اليهود‬
‫والنصارى بالسلم ‪ ،}...‬وكل هذه الحاديث مما اتفق العلماء على صحتها‪.‬‬

‫ومن مظاهر العنصرية في السلم أيضا ً (أحكام الديار)‪ ،‬فكما قسمت‬


‫شريعة السلم العباد إلى مؤمن وكافر‪ .‬هكذا أيضا ً قسمت شريعة السلم‬
‫البلد إلى قسمين بلد السلم أو دار السلم‪ .‬وبلد الكفر أو دار الحرب‪ .‬فما‬
‫هو الساس الشرعي لهذا التقسيم؟‬

You might also like