You are on page 1of 31

‫‪http://www.sonsofi.org/templates/fekh%201.

html‬‬

‫فقه الرهاب‬
‫مقدمة‬

‫الصوليون في كل مكان يرفضون مكتشفات علم البيولوجيا والفيزياء‬


‫بشأن أصل الحياة ونشأتها ويرفضون البداع الحر ‪ ..‬والحوار الموضوعي ‪..‬‬
‫والفن الجميل ‪ ..‬والدب الراقي والختيار الحر والنقد الجريء للتابوهات‬
‫(المقدسات)‪.‬‬

‫يرفضون أعظم حقيقة في الوجود حقيقة النسان العاقل !! النسان الذي‬


‫يسأل ‪ ..‬ويصغي ‪ ..‬ويفكر ويبحث ‪ ..‬ونبدع ‪ ..‬ونقلق ‪ ..‬ونسهر ويختلف ‪..‬‬
‫ويتألم ‪ ..‬ويبكي ‪ ..‬لكي يصل إلى الجابات على أسئلته العادية والمألوفة‬
‫والغير مألوفة ‪ ..‬الكونية والفوق كونية ‪ 00‬أسئلته المصيرية يرفضون أن الله‬
‫كلي العقل ‪ ..‬خلق النسان عاقل وهذا ما يميزنا عن بقية الكائنات‪.‬‬
‫الصوليون هم الصوليون في كل مكان وفي كل زمان رمز لمن ل يسمع ‪..‬‬
‫من ل يتكلم ‪ ..‬من ل يرى !!‬

‫وإليك بعض من هذه الشذرات الصولية التي حاولنا أن نرصدها بكل‬


‫موضوعية ونزاهة ومحايدة لكي ل يأتيها باطل من بين أيدينا أو من خلفنا‬
‫فينيرها ‪.‬‬

‫هذا الكتاب محاولة تسجيلية لرصد مناطق في الخريطة الصولية في‬


‫مجتمعنا العربي والمجتمع العالمي ‪.‬‬

‫محاولة منا أن نلقي الضوء على أسباب رجعيتنا وتخلفنا ومستقبلنا‬


‫المنتظر‪ ..‬هذا المهدي الذي إذا أتى سوف ل نُبقي على أخضر ول يابس‬
‫رصد يحمل صرخة تحذير من هذا المارد المخبأ أسفل جلودنا ‪..‬تحت أسرتنا‬
‫‪ ..‬في الطعمة الحلل وعبر الثير الذي مازال يلوث بيئتنا ولن يهدأ إل‬
‫عندما تصبح الرؤية معتمة ‪ ..‬والهواء نقي نبحث عنه ول نجده في أسواقنا‬
‫التي دُنست وبيعت في مزاد الرقيق ‪ ..‬حيث حصار الجنة بأسوار الترغيب ‪..‬‬
‫وحصار النار بأنياب الترهيب ‪ ..‬حيث المسيخ الدجال ‪ ..‬والنبياء الكذبة ‪..‬‬
‫وجحور الثعابين المليئة بالسم ‪ ..‬المـقنعة بثياب الحملن‪ .‬انتبهوا ‪ ..‬و‬
‫أحذروا فشبح الماضي يستجمع قواه الن يستنهض الن ‪ ..‬يلملم رياحه‬
‫الربعة ‪ ..‬فسر الثم على وشك القيامة ‪..‬‬

‫فاسهروا وصلوا وابدعوا وابنوا لنه حان الوقت !!‬

‫إهداء‬

‫للباحثين عن الحقيقة !!‬

‫إذا كنت ممن هواه الخروج عن العادي والمألوف‬

‫إذا كنت من محترفي تعدي الخطوط الحمراء ‪ ..‬والرقص على اللغام‬


‫ومداعبة الشواك المتعصبة والمعصومة‬
‫إذا كنت ل تخاف التابوهات والهالت المزيفة والحقيقية‬

‫إذا كنت مخلوقا ً حرا ً ‪ ..‬تعشق التحليق والجنات التي بل أسوار وتجذبك‬
‫الهاوية والمغامرة والخطار‬

‫إذا كنت باحث عن الحقيقة الغير متوارثة ‪ ..‬بل ترهيب وبل أدنى ترغيب‬

‫إذا كنت تعرف قيمة الحوار الموضوعي ‪ ..‬والبحث المحايد‬

‫إذا كنت تعلم إن كل ما نجهله نحاربه ‪ ..‬ونخاف منه ولذلك ما أتعس الجهلء‬

‫إذا كنت تؤمن بالحلم الموقوتة التي تنفجر بين الحين والخر‬

‫إذا كنت تعرف أنه ل فائدة لو ربح النسان العالم كله وخسر نفسه ‪..‬‬

‫إذا كنت تؤمن بالحرية والعدالة والمساواة ‪ ..‬ثالوث الحياة الحرة والشريفة‬
‫والكريمة ‪ ..‬التي ينبغي أن تعاش‬

‫إذا كنت تؤمن إن الجهل في الوطن غربة وإن العلم في الغربة وطن إن‬
‫النتهاك في الوطن غربة وأن حقوقك وكرامتك في الغربة وطن‬

‫إن القيود في الوطن غربة والحرية في الغربة وطن الوطن شئ عظيم …‬


‫والنسان عظيم جدا ً والله كلي العظمة‬

‫إذا كنت تؤمن إن الوطن الحقيقي ل يمكن أن يكون ضد مواطنيه وإن الله‬
‫الحقيقي ل يمكن أن يكون ضد خلئقه ‪ ..‬مؤمنين أو كفار طائعين أو‬
‫متمردين الوطن الحقيقي يساوي بين الجميع والله الحقيقي يحب الجميع‬
‫إذا كنت تؤمن ببعض أو كل هذا ‪ ..‬أو تبحث عنه فتعال وانظر ……‬

‫*************‬

‫مقدمة الكتاب‬

‫النفاق‪ ،‬الرهاب‪ ،‬العنصرية‪ .‬ثلثة آفات ذميمة وخطيرة قام عليها وانتشر‬
‫من خللها السلم‪.‬‬

‫النفاق في السلم وسيلة ‪ ,‬والرهاب لغة حوار‪ ,‬والعنصرية نمط عيش‪.‬‬

‫من المؤكد أن الذين ل يعرفون حقيقة السلم‪ ،‬ول حقيقة علومه الشرعية‬
‫المختلفة سيتهمونني بالفتراء والتهجم على السلم‪ .‬لهؤلء جميعا ً أقول‪:‬‬
‫ليس هدفي التقبيح والتجريح في السلم ول الطعن والتشكيك في رموزه‬
‫الدينية‪ ،‬بل هدفي هو إظهار السلم كما هو في حقيقته وجوهره دون‬
‫زيادة ول نقصان‪.‬‬

‫الذين لم يذوقوا مرارة السلم ل يعرفون السلم‪ .‬السلم مر المذاق‪.‬‬


‫مرارة السلم ل يعادلها إل مرارة الموت‪ .‬الموت والسلم لهما نفس‬
‫الطعم ونفس المذاق‪ .‬لم تحمل البشرية بجميع ويلتها ونكباتها حمل ً أثقل‬
‫من السلم‪ .‬إنه حمل البشرية الثقل‪ .‬إنها الحقيقة؛ حقيقة أعلنها السلم‬
‫بنفسه عن نفسه بشكل واضح وصريح وذلك من خلل قرآنه وعلى لسان‬
‫نبيه‪ .‬ولكي ل يتهمني أحد قليلي المعرفة بالفتراء والتهجم على السلم‪،‬‬
‫دعوني أبين وأبرهن لكم حقيقة دعواي معتمدا ً في ذلك على القرآن وعلى‬
‫السنة والسيرة النبوية وعلى آراء وأقوال أكبر وأشهر علماء المسلمين‬
‫قديما ً وحديثاً‪ .‬فلصحاب الفضيلة في هذا الخصوص المقام الول بعد‬
‫القرآن والسنة‪ .‬فعليهم اعتمدنا وإليهم رجعنا وبهم استعنا‪.‬‬

‫الشيخ المقديسي‬
‫الفصل الول‬

‫ـ النفاق ـ‬

‫‪ .1‬موقف القرآن والسنة من الكذب‬

‫‪ .2‬معنى التقية‬

‫‪ .3‬نماذج من التقية‬

‫ـ المثل الول‪ :‬في من آذى الرسول ـ نماذج من أحكام الذين آذوا‬


‫الرسول‬

‫ـ المثل الثاني‪ :‬كيف يتم ترويج سلعة السلم‬

‫‪ .4‬اليات المنسوخة‬

‫‪ .5‬مراحل تشريع القتال‬

‫ـ موقف القرآن والسنة من الكذب ـ‬

‫اعلم هداك الله وحماك من شر المنافقين أن القرآن أباح للمسلمين‬


‫الكذب والنفاق خصوصا ً إذا كان في ذلك مصلحة ونصرة للسلم‬
‫وللمسلمين‪ .‬وقد جاءت الرخصة القرآنية بالكذب والنفاق في أكثر من‬
‫سورة منها‪:‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن باليما ِ ْ‬
‫ن{‬ ‫مط ْ َ‬
‫مئ ٌ‬ ‫ه ُ‬ ‫و َ‬
‫قلب ُ ُ‬ ‫ن أك ْ ِ‬
‫رهَ َ‬ ‫ه إل ّ َ‬
‫م ْ‬ ‫د إيمان ِ ِ‬
‫ع ِ‬
‫ن بَ ْ‬
‫م ْ‬
‫ه ِ‬ ‫ن كَ َ‬
‫فَر بالل ِ‬ ‫م ْ‬
‫‪َ } .6‬‬
‫سورة النحل ‪.106‬‬

‫أجمع علماء السلم أن هذه الية نزلت في عمار بن ياسر حين أعطى‬
‫الكافرين ما أرادوا بلسانه مكرهاً‪.‬‬

‫قال ابن عباس‪ :‬أخذه المشركون (عمار بن ياسر) وأخذوا أباه وأمه‬
‫سمية وصهيب وبلل وخباب وسالم فعذبوهم‪ ،‬وربطت سمية بين بعيرين‪،‬‬
‫وقيل لها إنك أُسلمت من أجل الرجال‪ .‬فقتلت وقتل زوجها ياسر‪ ،‬وهما‬
‫أول قتيلين في السلم‪ .‬وأما عمار فأعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرهاً‪،‬‬
‫فشكا ذلك إلى رسول الله‪ ،‬فقال له رسول الله‪( :‬كيف تجد قلبك؟) قال‪:‬‬
‫مطمئن باليمان‪ .‬فقال رسول الله‪( :‬فإن عادوا فعد) ‪ -‬راجع تفسير آية‬
‫سورة النحل للطبري‪.‬‬

‫قفت عليه من كتب التفسير وغيرها متفق‬ ‫وبالجملة‪ ،‬فإن جميع ما و َ‬


‫على نزول الية بشأن عمار بن ياسر وأصحابه الذين وافقوا المشركين على‬
‫ما أرادوا‪ .‬راجع‪ :‬تفسير الواحدي ‪ 466 :1‬مطبوع بهامش تفسير النووي ‪-‬‬
‫والمبسوط للسرخسي ‪ - 25 :24‬والكشاف للزمخشري (باب حقائق التنزيل)‬
‫‪ – 550 - 449- 432 :2‬والمحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لبن عطية‬
‫الندلسي ‪ 234 :10‬ـ ‪ - 235‬وأحكام القرآن لبن العربي ‪ 1177 :2‬ـ ‪( 1182‬وفيه‬
‫كلم طويل عن التقية)‪.‬‬

‫قالوا‪" :‬لما سمح الله عز وجل بالكفر به وهو أصل الشريعة عند الكراه‪،‬‬
‫فإذا وقع الكراه لم يؤاخذ به ولم يترتب عليه حكم‪ ،‬وبه جاء الثر المشهور‬
‫عن النبي‪( :‬رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)" متفق عليه‬
‫‪ -‬راجع تفسير الطبري في شرحه لية النحل ‪.106‬‬

‫أجمع علماء المسلمين على أن من أكره على الكفر حتى خشي على‬
‫نفسه القتل‪ ،‬أنه ل إثم عليه إن كفر وقلبه مطمئن باليمان‪ .‬إذن لقد أباح‬
‫القرآن للمسلمين الكذب والنفاق في حالة وقوع الكراه على المسلم‪.‬‬
‫ودليلنا قوله‪:‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ن باليما ِ‬ ‫مطْ َ‬
‫مئ ٌ‬ ‫ه ُ‬ ‫و َ‬
‫قلب ُ ُ‬ ‫ن أك ْ ِ‬
‫رهَ َ‬ ‫ه إل ّ َ‬
‫م ْ‬ ‫د إيمان ِ ِ‬
‫ع ِ‬
‫ن بَ ْ‬
‫م ْ‬
‫ه ِ‬ ‫ن كَ َ‬
‫فَر بالل ِ‬ ‫م ْ‬
‫} َ‬
‫{ النحل ‪.106‬‬

‫ونحن إذ نتعرض هنا للدلة القرآنية الدالة على مشروعية الكذب‬


‫والنفاق في السلم‪ ،‬نود التذكير بأن الدليل الواحد المعتبر الدال على صحة‬
‫فرت مع إثباتها أدلة قرآنية كثيرة لم‬‫قضية يكفي لثباتها‪ ،‬فكيف لو تو ّ‬
‫يُختَلَف في تفسيرها لنها محكمة (أي واضحة المعنى والحكم) يُنبئ ظاهرها‬
‫عن حقيقتها ول مجال للتأويل فيها ؟!‬
‫ل ذل ِ َ‬
‫ك‬ ‫ع ْ‬‫ف َ‬‫من ي َ ْ‬ ‫و َ‬
‫ن َ‬
‫مني َ‬ ‫مؤ ِ‬‫ن ال ُ‬ ‫دو ِ‬‫ن ُ‬ ‫م ْ‬‫ن أوليَاءَ ِ‬ ‫فري َ‬‫ن الكا ِ‬‫منُو َ‬
‫مؤ ِ‬
‫ذ ال ُ‬ ‫‪ } .7‬ل يَت َّ ِ‬
‫خ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه…‬ ‫س ُ‬‫ف َ‬ ‫ه نَ ْ‬
‫م الل ُ‬ ‫ُ‬
‫ذُّرك ُ‬
‫ح ِ‬‫وي ُ َ‬
‫ة َ‬‫قي ً‬‫م تُ َ‬‫ه ْ‬
‫من ْ ُ‬ ‫ن تَت ّ ُ‬
‫قوا ِ‬ ‫ّ‬
‫ء إل أ ْ‬‫ه في شي ٍ‬ ‫ن الل ِ‬ ‫م َ‬ ‫فلَي ْ َ‬
‫س ِ‬ ‫َ‬
‫{ آل عمران‪28 :‬‬

‫إنها التقية بحسب المصطلح السلمي‪.‬‬

‫وهي الهم لكونها القاعدة الساسية والشرعية الذي ينطلق منها‬


‫المسلمون في تعاملهم مع غير المسلمين‪.‬‬

‫لقد أخرج الطبري في تفسير هذه الية من عدة طرق‪ ،‬عن ابن عباس‪،‬‬
‫والحسن البصري‪ ،‬والسدي‪ ،‬وعكرمة مولى ابن عباس‪ ،‬ومجاهد ابن جبر‪،‬‬
‫والضحاك بن مزاحم‪ ،‬جواز التقية في ارتكاب المعصية عند الكراه عليها‬
‫كاتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين في حالة كون المتقي في‬
‫سلطان الكافرين ويخافهم على نفسه‪ ،‬وكذلك جواز التلفظ بما هو لله‬
‫معصية بشرط أن يكون القلب مطمئنا ً باليمان‪ ،‬فهنا ل إثم عليه ‪ -‬تفسير‬
‫الطبري (جامع البيان عن تأويل آيات القرآن) ‪ 313 :6‬ـ ‪. 317‬‬

‫هذا مع اعتراف سائر المسلمين بأن الية لم تُنسخ فهي على حكمها‬
‫ن التقية‬‫منذ نزولها وإلى يوم القيامة‪ ،‬ولهذا كان الحسن البصري يقول‪( :‬إ َّ‬
‫جائزة إلى يوم القيامة) ‪ -‬حكاه الفقيه السرخسي الحنفي‪ ،‬وقال معقباً‪:‬‬
‫(وبه نأخذ‪ ،‬والتقية أن يقي نفسه من العقوبة بما يظهره وإن كان يضمر‬
‫خلفه) ‪ -‬المبسوط للسرخسي ‪ 45 : 24‬من كتاب الكراه‪.‬‬
‫قبل أن أستكمل استعراضي لقوال مفسري القرآن في شرحهم لية‬
‫(التقية) سورة آل عمران ‪ .28‬دعوني أبين لكم المعنى اللغوي والشرعي‬
‫للتقية (النفاق الشرعي)‪ .‬وبعض الحالت التي أُجيز فيها للمسلم استعمال‬
‫التقية‪.‬‬

‫***‬

‫ـ تعريف التقية (النفاق الشرعي) ـ‬

‫‪ .8‬التقية في اللغة‪ :‬الحيطة والحذر من الضرر والتوقي منه ‪ -‬راجع‪ :‬تاج‬


‫العروس ‪.396 : 10‬‬

‫‪ .9‬قال ابن منظور‪ :‬ويظهرون الصلح والتفاق وباطنهم بخلف ذلك ‪-‬‬
‫لسان العرب ‪ -‬راجع أيضا ً المصباح المنير للفيومي ‪ - 669 :2‬وأساس البلغة‬
‫للزمخشري ‪.686‬‬

‫وفي الصطلح فقد عّرفها جمع من علماء المسلمين بألفاظ متقاربة ‪:‬‬

‫‪ .10‬عّرفها الشيخ النصاري بـ (الحفظ عن ضرر الغير بموافقته في قول‬


‫أو فعل مخالف للحق) – تصحيح العتقاد للشيخ المفيد‪ – 66 :‬التقية للشيخ‬
‫النصاري‪.37 :‬‬

‫‪ .11‬وقال السرخسي الحنفي‪( :‬والتقية‪ :‬أن يقي نفسه من العقوبة وإن‬


‫كان يضمر خلفه) ‪ -‬المبسوط للسرخسي ‪ .45 :24‬وبهذا النحو عّرفها آخرون‬
‫‪ -‬راجع تعريف التقية عند ابن حجر العسقلني في فتح الباري بشرح صحيح‬
‫البخاري ‪ - 136 :12‬وعز الدين عبد العزيز بن عبد السلم السلمي في قواعد‬
‫الحكام في مصالح النام ‪ - 107 :1‬واللوسي في روح المعاني ‪- 121 :3‬‬
‫والمراغي في تفسيره ‪ - 137 :3‬ومحمد رشيد رضا في تفسير المنار ‪280 :3‬‬
‫وغيرهم‪ .‬وأيضا ً راجع التقية في إطارها الفقهي ص ‪.17‬‬

‫‪ .12‬قال الرازي في تفسيره لية سورة آل عمران ‪} :28‬إل أن تتقوا منهم‬


‫تقية{ اعلم أن للتقية أحكاما ً كثيرة نذكر منها‪ :‬أن التقية إنما تكون إذا كان‬
‫الرجل في قوم كفار‪ ،‬يخاف منهم على نفسه وماله فيداريهم باللسان بأن‬
‫ل يظهر العداوة باللسان بل يجوز أيضا ً أن يظهر الكلم الموهم للمحبة‬
‫والموالة‪ ،‬ولكن بشرط أن يضمر خلفه وأن يعرض في كل ما يقول‪ ،‬فإن‬
‫للتقية تأثيرها في الظاهر ل في أحوال القلوب ‪ -‬راجع تفسير الرازي ‪. 8/13‬‬

‫كما وافقه في ذلك الزمخشري‪ ،‬راجع تفسير الكشاف ‪ - 1/422‬وتفسير‬


‫غريب القرآن للنيسابوري بهامش تفسير الطبري ‪ .1/277‬وأيضا ً النسفي ‪-‬‬
‫راجع تفسير النسفي بهامش تفسير الخازن ‪.1/27‬‬

‫وقد ذهبت طائفة من علماء المسلمين إلى أن الرخصة إنما جاءت في‬
‫القول‪ ،‬وأما الفعل فل رخصة فيه‪.‬‬

‫واحتج من قصر الرخصة على القول بقول ابن مسعود‪ :‬ما من كلم يدرأ‬
‫عني سوطين من ذي سلطان إل كنت متكلما ً به فقصر الرخصة على القول‬
‫ولم يذكر الفعل‪ .‬قال أبو العالية‪ :‬التقية باللسان وليس بالعمل‪ .‬عن الحسن‬
‫قال‪ :‬سمعت أبا معاذ قال‪ :‬إن التقية باللسان من حمل على أمر يتكلم به‬
‫وهو لله معصية فتكلم مخافة على نفسه }وقلبه مطمئن باليمان{ فل إثم‬
‫عليه ‪ -‬راجع‪ :‬جامع البيان ‪.3/153‬‬

‫وقالت طائفة‪ :‬الكراه في الفعل والقول سواء‪ُ .‬روي ذلك عن عمر بن‬
‫الخطاب‪.‬‬

‫ه)‪ ،‬والسم‪( :‬الكَرهُ) ويُراد‬‫ة مأخوذ من الفعل (كََر َ‬ ‫أصل الكراه في اللغ ً‬
‫ُ‬
‫به كل ما أكرهك غيرك عليه‪ ،‬بمعنى‪ :‬أقهرك عليه‪ .‬وأما (الكْره) فهو‬
‫ه‪ ،‬أي‪ :‬على مشقة ‪ -‬راجع لسان العرب لبن‬ ‫المشقة‪ ،‬يُقال‪ :‬قمت على كُْر ٍ‬
‫منظور ‪12:80‬‬

‫ما في الصطلح‪ :‬فقد عّرفه التفتازاني بأنه‪( :‬حمل الغير على أن‬ ‫‪ .13‬وأ ّ‬
‫يفعل ما ل يرضاه) ‪ -‬التلويح على التوضيح لسعد الدين التفتازاني ‪196 : 2‬‬
‫طبعة مصر‪ ،‬وأيضا ً السرخسي الحنفي ‪ -‬راجع المبسوط للسرخسي ‪38 :24‬‬
‫من كتاب الكراه‪ .‬كما عّرفه عبد العزيز البخاري الحنفي بقوله‪ :‬هو (حمل‬
‫ر يمتنع عنه بتخويف يقدر الحامل على إيقاعه‪ ،‬ويصير الغير‬ ‫الغير على أم ٍ‬
‫خائفا ً به) ‪ -‬كشف السرار لعبد العزيز البخاري ‪.4/1503‬‬

‫‪ .14‬روى ابن القاسم عن مالك أن من أُكره على شرب الخمر وترك الصلة‬
‫أو الفطار في رمضان‪ ،‬يكون الثم عنه مرفوع‪.‬‬

‫‪ .15‬وقال إسماعيل حقي في تفسيره روح البيان ‪ 5/84‬في تفسيره لية }‬


‫إل من أكره{ أي من أُجبر على ذلك التلفظ بأمر يخاف على نفسه‪ ،‬أو على‬
‫عضو من أعضائه لن الكفر اعتقاد والكراه على القول دون العتقاد‪،‬‬
‫مكره على الكفر باللسان }وقلبه مطمئن باليمان{ لم‬ ‫والمعنى لكن ال ُ‬
‫تتغير عقيدته‪ .‬وفيه دليل على أن اليمان المنجي المعتبر عند الله هو‬
‫التصديق بالقلب ‪ -‬راجع المصدر المذكور‪.‬‬

‫‪ .16‬والتقية‪ :‬هي أيضا ً الحذر من إظهار ما في النفس من معتقد للغير‪.‬‬


‫راجع‪ :‬فتح الباري ‪ – 136 /12‬راجع تفسير آيات الحكام للصابوني ‪.1/40‬‬

‫‪ .17‬قال المراغي في تفسيره لية آل عمران ‪ :28‬التقية هي أن تقول أو‬


‫تفعل غير ما تعتقد لتدفع الضرر عن نفسك أو مالك أو لتحتفظ بكرامتك‬
‫والتقية اسم مصدر من تقى يتقي‪ ،‬أو من اتقى يتقي ‪ -‬راجع‪ :‬روح البيان ‪/5‬‬
‫‪ .137– 136‬الموالة) ‪ -‬أضواء البيان ‪.111 /2‬‬

‫‪ .18‬قال ابن حجر (التقيــة‪ :‬الحــذر من إظهــار ما في النفــس من‬


‫معتقــد وغيــره للغـير) ‪ -‬فتح الباري ‪314 /12‬‬

‫‪ .19‬وقال ابن القيم (ومعلــوم أن التقــية ليســت بمــوالة ولكـن لما‬


‫نهاهــم اللـه عن مـوالة الكفار اقتضى ذلك معاداتهم والبراءة منهم‬
‫ومجاهرتهم بالعدوان في كل حال إل إذا خافوا من شرهم فأباح لهم‬
‫التقية‪ ،‬وليست التقية بموالة) ‪ -‬بدائع الفوائد لبن القيم‪.69 /3 ،‬‬

‫‪ .20‬وقال الشيــخ عبد اللطيــف بن عبد الرحمــن آل الشــيخ‪( :‬ومسألــة‬


‫إظهــار العــداوة غيـر مسألـة وجود العداوة‪( ،‬فالول) يعذر به مع الخوف‬
‫والعجز لقوله تعالى }إل أن تتقوا منهم تقاة{‪( ،‬والثاني) لبد منه لنه يدخل‬
‫ي ل ينفك عن‬ ‫في الكفر بالطاغوت‪ ،‬وبينه وبين حب الله ورسوله تلزم كُل ِ ّ‬
‫المؤمن) ‪ -‬الرسائل المفيدة للشيخ عبد اللطيف‪ ،‬جمع سليمان بن سحمان‬
‫صـ ‪ .284‬يريد الشيخ أن وجود معاداة الكفار في قلب المؤمن (المسلم)‬
‫وإظهار هذه المعاداة للكفار واجبان‪ ،‬والواجب الول – وهو وجود العداوة –‬
‫لبد منه في كل حال‪ ،‬أما الخر – وهو إظهار العداوة ‪ -‬فيجوز تركه عند‬
‫م بذلك أن التقية تجيز إخفاء معاداة‬
‫عل ِ َ‬
‫الخوف منهم للية المذكورة‪ .‬ف ُ‬
‫الكفار‪ ،‬وهو نفس كلم ابن القيم‪ ،‬وهو يرجع إلى ما ذكره ابن حجر من أن‬
‫التقية هي الحذر من إظهار ما في النفس‪ ،‬وهو هنا معاداة الكفار‪ ،‬فالتقية‬
‫إخفاء معاداة الكفار‪.‬‬

‫‪ .21‬وقيل أيضاً‪ :‬إن المؤمن إذا كان قائما ً بين الكفار فله أن يداريهم‬
‫باللسان إذا كان خائفا ً على نفسه وقلبه مطمئن باليمان‪ .‬والتقية ل تحل‬
‫إل مع خوف القتل أو القطع أو اليذاء العظيم) ‪ -‬تفسير القرطبي ‪.57 /4‬‬

‫‪ .22‬وهكذا ذهب ابن كثير أيضاً‪ ،‬كما قال البخاري عن أبي الدرداء أنه قال‬
‫شُر في وجوه أقوام وقلوبنا تلعنهم"‪ .‬وقال البخاري‪ :‬قال الحسن‪:‬‬ ‫"إنا لنُك ْ ِ‬
‫التقية إلى يوم القيامة) ‪ -‬تفسير ابن كثير ‪.1/357‬‬

‫‪ .23‬ولقد اختلف المسلمون في مقدار الضرر (الكراه) الذي يبيح للمسلم‬


‫العمل بالتقية فقالوا‪ :‬إن القتل وإتلف العضاء والضرب الشديد والحبس‬
‫الطويل مبيح للعمل بالتقية‪ .‬لكنهم اختلفوا في الضرب اليسير والحبس‬
‫كيوم أو يومين ‪ -‬راجع‪ :‬فتح الباري ‪.12/262‬‬

‫‪ .24‬لم تقف رخصة النفاق الشرعي (التقية) عند حد السماح للمسلم أن‬
‫يكفر بالله وقلبه مطمئن باليمان عند الكراه‪ ،‬بل شملت التقية حالت غير‬
‫الكفر بالله‪ ،‬مثال على ذلك‪ :‬تجويزهم السجود إلى الصنم في ما لو أُكره‬
‫المسلم عليه ‪ -‬راجع الجامع لحكام القرآن للقرطبي ‪ - 180 : 10‬وتفسير ابن‬
‫جزي الكلبي المالكي‪ 366 :‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪.‬‬

‫‪ .1‬جواز ترك الصلة تقية ‪ :‬تفق المالكية والحنفية والشافعية على جواز‬
‫ترك الصلة المفروضة في ما لو أُكره المسلم على تركها ‪ -‬راجع‪ :‬الجامع‬
‫لحكام القرآن للقرطبي المالكي ‪ 180 :10‬وما بعدها ‪ -‬والمبسوط‬
‫للسرخسي الحنفي ‪ - 4 : 24‬والشباه والنظائر للسيوطي الشافعي ‪.208-207‬‬

‫‪ .2‬جوازها في الزنا ‪ :‬إذا أُكره الرجل على ارتكاب هذه الجريمة‪ ،‬واتقى‬
‫على نفسه بارتكابها فهل يسقط الحد عليه أو ل؟‬

‫اختلفوا على قولين‪ :‬أحدهما سقوط الحد عنه‪ ،‬وهو قول القرطبي‬
‫المالكي – راجع الجامع لحكام القرآن ‪ – 180 :10‬وابن العربي المالكي‪،‬‬
‫أحكام القرآن لبن العربي ‪ 1177 :3‬و ‪ – 1182‬والفرغاني الحنفي‪ ،‬بدائع‬
‫الصنائع ‪ 175 :7‬ـ ‪ - 191‬وابن قدامة الحنبلي‪ ،‬المغني لبن قدامة ‪412 :5‬‬
‫مسألة‪ - 3971 :‬وابن حزم‪ ،‬المحلّى ‪ 331 :8‬مسألة ‪.1405‬‬

‫وقال أبو حنيفة‪ :‬يسقط الحد إن كان الكراه من السلطان‪ ،‬وإل ّ ُ‬


‫حدّ‬
‫استحسانا ً ‪ -‬راجع بدائع الصنائع ‪191 175 :7‬‬

‫وأما الخر‪ :‬إقامة الحد على الزاني تقية ويغّرم مهرها‪ ،‬وهو قول مالك‬
‫بن أنس‪ ،‬والشافعي‪ .‬وقال أبو حنيفة ل يجب المهر – المغني لبن قدامة‬
‫‪ 155‬مسألة ‪.7167‬‬
‫‪ .3‬جواز الفطار في شهر رمضان تقية ‪ :‬صرحت المالكية والحنفية‬
‫والشافعية بعدم ترتب الثم على من أفطر في شهر رمضان تقية بسبب‬
‫ضغط الكراه عليه ‪ -‬الجامع لحكام القرآن ‪ - 10:180‬والمبسوط للسرخسي‬
‫‪ - 48 :24‬وفتاوى قاضيخان الفرغاني الحنفي ‪ - 487 :5‬والشباه والنظائر‬
‫للسيوطي الشافعي ‪ 207‬ـ ‪208‬‬

‫‪ .4‬جوازها في اليمين الكاذبة ‪ :‬لو حلف إنسان بالله كاذبا ً فل كفارة عليه‬
‫إن كان مكرها ً على اليمين‪ ،‬وله ذلك تقية على نفسه‪ ،‬وتكون يمينه غير‬
‫ملزمة عند مالك والشافعي وأبي ثور‪ ،‬وأكثر العلماء على حد تعبير النووي‬
‫الشافعي‪ .‬واستدل بحديث‪( :‬ليس على مقهور يمين) ‪ -‬راجع المجموع شرح‬
‫المهذب للنووي الشافعي ‪ ،3 :18‬دار الفكر بيروت ‪ -‬وأحكام القرآن لمحمد‬
‫بن إدريس الشافعي ‪ 114 :2‬ـ ‪.115‬‬

‫ونقل القرطبي عن ابن الماجشون‪ :‬إنّه ل فرق في ذلك بين أن تكون‬


‫اليمين طاعة لله أو معصية‪ ،‬وإنه ل حنث عند الكراه على اليمين الكاذبة ‪-‬‬
‫راجع الجامع لحكام القرآن للقرطبي المالكي ‪ .191 :10‬وقد أفتى به غير‬
‫واحد من فقهاء المالكية ‪ -‬راجع أحكام القرآن لبن العربي المالكي ‪1177 : 3‬‬
‫و ‪ 1182‬وتفسير ابن جزي المالكي‪.36 :‬‬

‫وقد كان مالك بن أنس يقول لهل المدينة في شأن بيعتهم المنصور‬
‫العباسي‪ :‬إنكم بايعتم مكرهين وليس على مكره يمين ‪ -‬تقريرات الرافعي‬
‫على حاشية ابن عابدين لمحمد رشيد الرافعي ‪ ،278 :2‬ط‪ ،3‬دار إحياء التراث‬
‫العربي‪ ،‬بيروت ‪ -‬يحثهم بهذه الفتوة على الخروج مع إبراهيم بن عبد الله‬
‫بن الحسن للثورة على المنصور ‪ -‬راجع‪ :‬رد المحتار على الدر المختار لبن‬
‫عابدين ‪ ، :5‬ط‪ ،2‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت ‪ -‬شرح فتح الغدير لبن‬
‫همام هذا هو محل اتفاق فقهاء الحناف ‪ -‬بدائع الصنائع ‪ .175 : 7‬راجع أيضاً‬
‫تفصيل فتاوى الحنفية بشأن موارد التقية في اليمين الكاذبة وغيرها في‬
‫مصادرهم التالية‪ :‬البحر الرائق لبن نجيم ‪ - 70 :8‬تحفة الفقهاء للسمرقندي‬
‫‪ ، 273 :3‬ط‪ ،1‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬

‫‪ .5‬جواز التقية في حكم الطعمة والشربة المحرمة ‪ :‬أفتى القرطبي‬


‫المالكي بجواز التقية في شرب الخمر ‪ -‬راجع الجامع لحكام القرآن ‪:10‬‬
‫‪ .180‬وقالت الحنفية‪ :‬تجوز التقية إذا كان القدام على الفعل أولى من‬
‫ُ‬
‫ره على أكل لحم الميتة أو‬ ‫الترك‪ ،‬وقد تجب إذا صار بالترك آثماً‪ ،‬كما لو أك ِ‬
‫أكل لحم الخنزير‪ ،‬أو شرب الخمرة ‪ -‬فتاوى قاضيخان ‪ - 489 :5‬وانظر أحكام‬
‫القرآن للجصاص الحنفي ‪ - 127 :1‬والمبسوط للسرخسي ‪ - 48 :24‬وبدائع‬
‫الصنائع ‪ - 175 :7 :7‬التفسير الكبير للفخر الرازي الشافعي ‪ , .12 :20‬وقال‬
‫ابن حزم الظاهري‪ :‬فمن أُكره على شرب الخمر أو أكل الخنزير أو الميتة أو‬
‫الدم أو بعض المحرمات‪ ،‬أو أكل مال مسلم أو ذمي‪ ،‬فمباح له أن يأكل‬
‫ويشرب ول شيء عليه لحد ول ضمان ‪ -‬المحلّى لبن حزم ‪ 330 :8‬مسألة‪:‬‬
‫‪.1404‬‬

‫‪ .6‬جوازها في شهادة الزور‪ :‬صّرح السيوطي الشافعي بجواز شهادة‬


‫الزور عند الكراه عليها‪ ،‬فيما لو كانت تلك الشهادة في إتلف الموال ‪-‬‬
‫الشباه والنظائر للسيوطي ‪.208- 207‬‬

‫ملحظة ‪ :‬ولقد تركنا الكثير جدا ً من المسائل التي ج ّ‬


‫وز فيها فقهاء‬
‫المسلمين التقية بغية للختصار؛ كتجويزهم التقية مثل ً في الصدقة‪،‬‬
‫والقرار‪ ،‬والنكاح‪ ،‬والجارة‪ ،‬والمباراة‪ ،‬والكفالة‪ ،‬والشفقة‪ ،‬والعهود‪،‬‬
‫والتدبير‪ ،‬والرجعة بعد الطلق‪ ،‬والظهار‪ ،‬والنذر‪ ،‬واليلء‪ ،‬والسرقة‪ ،‬وغيرها‬
‫من الفروع الشرعية – راجع في ذلك بدائع الصنائع ‪ – 191 – 175 :7‬والمحلّى‬
‫‪ ،335 – 331 :8‬مسألة‪ - 1406 :‬وغيرهما مما ذكرناه من مصادر الفقه‪.‬‬

‫ولقد أجازت شريعة السلم للمسلمين الخداع والكذب في أحوال‬


‫وحالت كثيرة مختلفة عما ذكرنا‪ .‬حالت وقع فيها الكراه وأخرى لم يقع‬
‫الكراه فيها‪ .‬من بين تلك الحالت‪ :‬حالة الحرب‪.‬‬

‫خدْعة) ‪ -‬متفق عليه‪.‬‬


‫قال رسول الله (الحرب ُ‬

‫‪ .1‬قال النووي‪ :‬اتفق العلماء على جواز خداع الكفار في الحرب‪ ،‬وكيف‬
‫أمكن الخداع إل أن يكون فيه نقض عهد أو أمان فل يحل ‪ -‬صحيح مسلم‬
‫بشرح النووي ‪.12/45‬‬

‫‪ .2‬وقال ابن حجر‪ :‬وأصل الخداع إظهار أمر وإضمار خلفه‪ ،‬وفيه التحريض‬
‫قظ‬‫على أخذ الحذر في الحرب والندب إلى خداع الكفار‪ ،‬وأن من لم يَتَي َ َّ‬
‫لذلك لم يأمن أن ينعكس عليه‪.‬‬

‫‪ .3‬قال ابن المنير‪ :‬معنى الحرب خدعة أي الحرب الجيدة لصاحبها الكاملة‬
‫في مقصدها إنما هي المخادعة ل المواجهة‪ ،‬وذلك لخطر المواجهة وحصول‬
‫الظَّ َ‬
‫فر مع المخادعة بغير خطر ‪ -‬فتح الباري ‪.6/58‬‬

‫‪ .4‬قال النووي‪ :‬صح في الحديث جواز الكذب في ثلثة أشياء أحدها في‬
‫الحرب‪ .‬قال الطبري إنما يجوز من الكذب في الحرب المعارض دون حقيقة‬
‫الكذب فإنه ل يحل‪ ،‬هذا كلمه‪ ،‬والظاهر‪ ،‬إباحة حقيقة نفس الكذب لكن‬
‫القتصار على التعريض أفضل والله أعلم ‪ -‬صحيح مسلم بشرح النووي‬
‫‪.12/45‬‬

‫خص في شيء‬ ‫م كلثوم بنت عقبة قالت‪" :‬لم أسمع رسول الله ير ّ‬‫‪ .5‬عن أ ّ‬
‫من الكذب مما تقول الناس إل في الحرب والصلح بين الناس وحديث‬
‫الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها ‪ -‬رواه أحمد ومسلم وأبو داود‪ ،‬وروى‬
‫الترمذي مثله عن أسماء بنت يزيد‪.‬‬

‫‪ .6‬وقال ابن حجر‪ :‬قال النووي‪ :‬الظاهر إباحة حقيقة الكذب في المور‬
‫الثلثة لكن التعريض أولى‪.‬‬
‫‪ .7‬وقال ابن العربي‪ :‬الكذب في الحرب من المستثنى الجائز بالنص رفقاً‬
‫بالمسلمين لحاجتهم إليه وليس للعقل فيه مجال‪ ،‬ولو كان تحريم الكذب‬
‫بالعقل ما انقلب حلل ً ‪ -‬فتح باري ‪.6/159‬‬

‫‪ .8‬وأما الكذب على العدو في غير حالة الحرب فيجوز لسباب منها ما فيه‬
‫مصلحة دينية أو مصلحة دنيوية للمؤمن أو تخلص من أذى الكافرين ودليله‪:‬‬
‫علَط حين استأذن النبي أن يقول عنه ما شاء لمصلحته‬ ‫قصة الحجاج بن ِ‬
‫ن له النبي ‪ -‬فتح الباري ‪ - 6/159‬والبداية‬ ‫َ‬
‫في استخلص ماله من أهل مكة وأِذ َ‬
‫والنهاية لبن كثير ‪4/215‬‬

‫‪ .9‬قال ابن حجر في شرحه‪( :‬وإل فالكذب المحض في مثل تلك المقامات‬
‫يجوز‪ ،‬وقد يجب لتحمل أخف الضررين دفعا ً لعظمهما‪ ،‬وأما تسميته إياها‬
‫خل َّ لكنّه قد يحسن في‬ ‫كذبات فل يريد أنها تُذم‪ ،‬فإن الكذب وإن كان قبيحا ً ُ‬
‫م ِ‬
‫مواضع) ‪ -‬فتح الباري ‪.6/392‬‬

‫الخلصة ‪ :‬يجوز للمسلم الكذب على الكافر لجل مصلحة دينية أو‬
‫دنيوية‪ ،‬عامة كانت أم خاصة‪ ،‬في حالة الحرب وفي غير حالة الحرب‪.‬‬

‫من بين تلك الحالت التي أبيح فيها للمسلم أن يكذب‪:‬‬

‫إذا كان المسلمون أفرادا ً أو مجموعات في حالة ضعف ناتجة عن قلة‬


‫في العدد والعتاد‪ ،‬أو ضعف في القوة والمكانيات‪ ،‬أو ضعف ناتج عن غربة‬
‫وابتعاد عن دار السلم‪ ،‬بحسب المصطلح السلمي ُرخص لهم بالكذب‪.‬‬

‫‪ .10‬يقول ابن تيمية في الصارم والمسلول في شاتم الرسول ص ‪ :223‬إن‬


‫كان المؤمن بأرض هو فيها مستضعف أو في وقت هو فيه مستضعف‬
‫فالعمل بآية الصبر والصفح والعفو عمن يؤذي الله ورسوله من الذين أوتوا‬
‫الكتاب والمشركين‪ ،‬وأما أهل القوة فإنما يعملون بآية قتال أئمة الكفر‬
‫الذين يطعنون في الدين‪ ،‬وبآية قتال الذين أوتوا الكتاب ‪ -‬راجع الصارم‬
‫والمسلول في شاتم الرسول ‪ .223‬وله مثله في مجموع الفتاوى ‪- 224 /19‬‬
‫‪ ،225‬ومنهاج السنة) ‪.12 - 121 /5‬‬

‫ن‬‫منُو َ‬ ‫م ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫خذْ َال ْ ُ‬
‫لقد بنى ابن تيمية رأيه هذا على الواقع القرآني‪ } :‬ل يَت ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ء‬
‫ي ٍ‬
‫ش ْ‬ ‫في َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ن الل ِ‬ ‫م ْ‬ ‫فلَي ْ َ‬
‫س ِ‬ ‫ل ذَل ِ َ‬
‫ك َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ن يَ ْ‬
‫ف َ‬ ‫م ْ‬‫و َ‬
‫ن َ‬
‫منِي َ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ن دُو ِ‬ ‫م ْ‬‫ولِيَاءَ ِ‬
‫نأ ْ‬ ‫ري َ‬ ‫ف ِ‬‫الْكَا ِ‬
‫قية{ آل عمران ‪.28‬‬ ‫م تُ َ‬ ‫ن تَت َّ ُ‬ ‫َ‬
‫ه ْ‬‫من ْ ُ‬
‫قوا ِ‬ ‫إِل أ ْ‬
‫‪ .11‬يقول الشيخ المراغي‪" :‬ويدخل في التقية مداراة الكفرة‪ ،‬والظلمة‪،‬‬
‫والفسقة‪ ،‬وإلنة الكلم لهم‪ ،‬والتبسم في وجوههم‪ ،‬وبذل المال لهم لكف‬
‫أذاهم‪ ،‬وصيانة العرض منهم‪ ،‬ول يُعد هذا من الموالة المنهي عنها‪ ،‬بل هو‬
‫مشروع" ‪ -‬تفسير المراغي ‪ 136 : 3‬ـ ‪.137‬‬

‫إذن يتبين مما ذُكر أن شريعة السلم قد أباحت للمسلمين الكذب في‬
‫حالت كثيرة‪.‬‬

‫سؤال‪ :‬هل إظهار الكلم الموهم للمحبة والموالة‪ ،‬والقلب مطمئن بالعداوة‬
‫والبغضاء يعتبر صدق مع النفس أم تراه من مكارم الخلق والسلوك‬
‫المثالي؟ أليس هذا هو النفاق بعينه؟!‬

‫لقد ربط فقهاء المسلمين بشكل أو بآخر ما بين التقية وبين الكراه رغم‬
‫أن الفرق ما بين آية الكراه (سورة النحل ‪ )106‬وبين آية التقية (آل عمران‬
‫‪ )28‬واضح‪ ،‬كما أن المساحة الزمنية والمكانية للكراه أضيق من المساحة‬
‫التي يُعمل فيها بالتقية؛ فالكراه تكون صورته حمل المرء بالقوة في‬
‫موقف معين وساعة معينة على فعل أو قول شيء معين هو ل يرضاه ‪..‬‬
‫فإذا انتهى هذا الموقف انتهت حالة الكراه الذي أظهر المكره من خللها‬
‫والكفر أو ما فيه مخالفة شرعية‪ .‬بينما التقية‪ :‬فمساحتها الزمانية والمكانية‬
‫أوسع فهي تشمل جميع المساحة الزمانية التي يقيمها المسلم مضطرا ً في‬
‫دار الكفر والحرب بحسب المصطلح السلمي‪ ،‬وهو يلجأ إليها كلما اضطرته‬
‫الظروف إلى ذلك حتى يدفع شر القوم عنه‪.‬‬
‫وقد تختلف التقية عن الكراه كذلك أيضا ً الكراه يكون مباشرا ً ونتائجه‬
‫فورية‪ .‬بينما التقية قد يكون عنصر الكراه فيها غير مباشر ‪ -‬أو غير واقع‬
‫أصل ً ‪ -‬وبالتالي قد تأتي نتائجه متأخرة عن الحدث إلى حين‪.‬‬

‫من هنا نقول أن التقية لم تُشرع فقط من أجل دفع الذى عن المؤمنين‬
‫والحذر من الضرر والتوقي منه في حالت الكراه الواقع عليهم كما يدعي‬
‫شرعت التقية أيضا ً في حالت كثيرة لم‬‫علماء السلم ومفسرو القرآن‪ ،‬بل ُ‬
‫يقع فيها إكراه‪ ،‬بل كان الغرض منها خداع الخرين من أجل تحقيق مصلحة‬
‫قد تكون دينية وقد تكون شخصية ل علقة لها بالدين‪.‬‬

‫لنأخذ مسألة (آذى الرسول) كمثال نبين من خلله حقيقة ما نقول‪.‬‬

‫ـ من آذى الرسول ـ‬

‫اعلم هداك الله وكفاك شر المنافقين أن نصوص الكتاب والسنة وكذلك‬


‫أقوال علماء المة قد دلت دللة صريحة قطعية ل تحتمل صرفا ً ول تأوي ً‬
‫ل‬
‫على أن من آذى الرسول كافر مرتد‪ ،‬خارج عن الملة السلمية‪ ،‬تجري عليه‬
‫جميع الحكام المتعلقة بالردة ويُقتل ول تُقبل توبة منه‪ ،‬مسلما ً كان أم‬
‫كافر‪ .‬هذا ما أجمع عليه علماء السلم‪.‬‬

‫ملحظة‪ :‬المقصود بالذى هنا هو كل من عاب الرسول أو انتقده أو انتقص‬


‫من قدره بأي شكل من الشكال‪ ،‬فجميع ما ذكرنا يندرج تحت باب (آذى‬
‫للرسول) وإليكم الدلة على ذلك‪:‬‬
‫َ‬
‫في‬ ‫وطَ َ‬
‫عنُوا ِ‬ ‫م َ‬
‫ه ْ‬
‫د ِ‬
‫ه ِ‬‫ع ْ‬ ‫د َ‬ ‫ع ِ‬‫ن بَ ْ‬ ‫م ْ‬
‫هم ِ‬ ‫ن نَكَثُوا أي ْمان َ ُ‬‫وإ ِ ْ‬‫جاء في سورة التوبة‪َ } :‬‬
‫َ َ ْ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫ة الْك ُ ْ‬ ‫قاتِلُوا أَئ ِ َّ‬
‫هون{ التوبة‪.12:‬‬ ‫م يَنْت َ ُ‬‫ه ْ‬ ‫عل ُ‬ ‫مل َ‬ ‫ه ْ‬
‫نل ُ‬ ‫ما َ‬‫م ل إي ْ َ‬ ‫ر إِن ّ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫م َ‬ ‫ف َ‬ ‫ِدينِك ُ ْ‬
‫م َ‬
‫سمي الطاعن في الدين إماما في الكفر‪ ،‬وهو زائد عن الكفر المجرد ‪..‬‬ ‫ً‬ ‫ف ُ‬
‫فدل أن الطعن بالدين كفر مغلظ‪.‬‬

‫‪ .1‬قال القرطبي في التفسير‪ :‬استدل بعض العلماء بهذه الية على‬


‫وجوب قتل كل من طعن في الدين إذ هو كافر‪.‬‬

‫‪ .2‬قال ابن كثير في التفسير ‪ :2/352‬ومن هنا أُخذ قتل من سب الرسول‬


‫أو من طعن في دين السلم أو ذكره بنقص‪.‬‬

‫ومن الطعن ما يكون خفيا ً وبالتلميح دون التصريح‪ ،‬لكن له نفس حكم‬
‫الطعن الصريح‪.‬‬

‫‪ .3‬وقال القرطبي في التفسير ‪ :8/206‬قال القشيري‪ :‬كلمة الكفر سب‬


‫النبي والطعن في السلم‪ } ،‬وكفروا بعد إسلمهم { أي بعد الحكم‬
‫بإسلمهم‪.‬‬

‫‪ .4‬قال ابن القاسم ‪(:‬من سبه (سب النبي) أو شتمه أو عابه أو تنقصه‬
‫فإنه يقتل كالزنديق)‪.‬‬

‫‪ .5‬وقال أبو بكر بن المنذر‪ :‬أجمع عوام أهل العلم على أن من سب النبي‬
‫يُقتل‪ .‬ول نعلم خلفا ً في استباحة دمه بين علماء المصار وأئمة المة ‪-‬‬
‫راجع‪ :‬الشفاء للقاضي عياض ‪.2/474‬‬
‫‪ .6‬من يعيب نبينا ‪ ...‬أو يلعنه أو يسبه أو يستخف أو يستهزئ به أو بشيء‬
‫من أفعاله كلحس الصابع‪ ،‬أو يلحق به نقصا ً في نفسه أو نسبه أو دينه أو‬
‫فعله أو يعرض بذلك‪ ،‬أو يشبهه بشيء على طريق الزراء أو التصغير لشأنه‬
‫أو الغض منه‪ ،‬أو تمني له مضرة أو نسب إليه ما ل يليق بمنصبه على طريق‬
‫الذم‪ ،‬أو عبث في جهته العزيزة بسخف من الكلم وهجر ومنكر من القول‬
‫وزور أو غيره بشيء مما جرى من البلء والمحنة عليه‪ ،‬أو غمزه ببعض‬
‫العوارض البشرية الجائزة والمعهودة لديه‪ ،‬فيكفر بواحد مما ذكر إجماعاً‪،‬‬
‫فيقتل ول تقبل توبته عند أكثر العلماء‪ ،‬وقد قتل خالد بن الوليد من قال‬
‫له"عند صاحبكم" ‪ -‬المقصود بصاحبكم النبي ‪ -‬وعد هذه الكلمة تنقيصا ً له ‪-‬‬
‫راجع‪ :‬الزواجر عن اقتراف الكبائر لبن الهيتمي ‪ - 30-1/29‬القاضي عياض‪،‬‬
‫الشفاء بتعريف حقوق المصطفى ‪ - 474-2/473‬وهذا ما أجمع عليه علماء‬
‫المسلمين وأصحاب المذاهب الربعة‪.‬‬

‫‪ .7‬وقد روي أن رجل ً قال في مجلس علي‪ :‬ما قتل كعب بن الشرف إل‬
‫غدراً! فأمر علي بضرب عنقه‪ .‬قال القرطبي في الجامع ‪ :8/84‬قال علماؤنا‬
‫هذا يُقتل ول يُنتسب إن نسب الغدر للنبي لن ذلك زندقة‪.‬‬

‫‪ .8‬وفي "الشفا" للقاضي عياض‪ :‬من أضاف إلى نبينا تعمد الكذب فيما‬
‫بلغه وأخبر به‪ ،‬أو شك في صدقة‪ ،‬أو سبه‪ ،‬أو قال‪ :‬إنه لم يبلغ أو استخف‬
‫به‪ ،‬فهو كافر بالجماع ‪ -‬الشفا للقاضي عياض صفحة ‪ 582‬و ‪ 608‬و‪ 630‬و‪633‬‬
‫و‪.636‬‬

‫‪ .9‬وفي "المحلى" لبن حزم قال‪ :‬أن كل من آذى رسول الله فهو كافر‬
‫مرتد يقتل ول بد ‪ -‬المحلى لبن حزم ‪.12/438‬‬

‫‪ .10‬قال الخطابي‪ :‬ل أعلم أحدا ً من المسلمين اختلف في وجوب قتله‪.‬‬

‫‪ .11‬وقال حنبل‪ :‬سمعت أبا عبد الله ـ وهو المام أحمد بن حنبل ـ يقول‪:‬‬
‫من يشتم النبي أو ينتقصه ـ مسلما ً كان أو كافرا ً ـ فعليه القتل وأرى أنه‬
‫يُقتل ول يستتاب‪.‬‬

‫وقد روي عن رجال من أهل العلم‪ ،‬منهم ابن عمر‪ ،‬ومحمد بن كعب‪،‬‬
‫ويزيد بن أسلم‪ ،‬وقتادة أنه قال رجل من المنافقين في غزوة تبوك‪ :‬ما‬
‫رأيت مثل قرائنا هؤلء أرغب بطوناً‪ ،‬ول أكذب ألسناً‪ ،‬ول أجبن عند اللقاء؛‬
‫يعني الرسول وأصحابه القراء‪ .‬فقال له عوف بن مالك‪ :‬كذبت ولكنك‬
‫منافق‪ ،‬لخبرن رسول الله‪ .‬فذهب عوف إلى رسول الله ليخبره‪ ،‬فوجد‬
‫القرآن قد سبقه‪ .‬فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله وقد ارتحل وركب ناقته‪،‬‬
‫فقال‪ :‬يا رسول الله إنما كنا نلعب ونتحدث حديث الركب نقطع به عناء‬
‫الطريق! قال ابن عمر‪ :‬كأني أنظر إليه متعلقا ً بنسعة ناقة رسول الله وإن‬
‫الحجارة لتنكب رجليه‪ ،‬وهو يقول‪ :‬إنما كنا نخوض ونلعب‪ ،‬فيقول له رسول‬
‫الله‪" :‬أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون"‪ ،‬ما يلتفت إليه ول يزيد عليه ‪-‬‬
‫الصارم والمسلول في شاتم الرسول ‪31‬‬

‫‪ .12‬قال القرطبي في التفسير‪ :‬قيل كانوا ثلثة نفر‪ ،‬هزأ اثنان وضحك‬
‫واحد‪ ،‬فالمعفو عنه هو الذي ضحك ولم يتكلم‪ .‬قال خليفة بن خياط في‬
‫تاريخه‪:‬اسمه "مخاشن بن حمير"‪ ،‬وقيل أنه كان مسلما ً ‪ -‬تفسير القرطبي‬
‫‪.8/199‬‬
‫‪ .13‬قال ابن العربي في الحكام ‪ :2/976‬ل يخلو أن يكون ما قالوه من ذلك‬
‫جدا ً أو هزلً‪ ،‬وهو كيفما كان كفر فإن الهزل بالكفر كفر‪ ،‬ل خلف فيه بين‬
‫المة‪ .‬فإن التحقيق أخو الحق والعلم‪ ،‬والهزل أخ والباطل والجهل‪.‬‬

‫‪ .14‬وقال أبو بكر الجصاص في كتابه" أحكام القرآن" ‪ :4/348‬فيه الدللة‬


‫على أن اللعب والجاد سواء في إظهار كلمة الكفر على غير وجه الكراه‪،‬‬
‫لن هؤلء المنافقين ذكروا أنهم قالوا ما قالوا لعبا ً فأخبر الله عن كفرهم‬
‫باللعب بذلك‪.‬‬

‫‪ .15‬وقال الكشميري في كتابه إكفار الملحدين ص‪ :59‬والحاصل أن من‬


‫تكلم بكلمة الكفر هازل ً أو لعباً‪ ،‬كفر عند الكل ول اعتبار باعتقاده‪ ،‬كما‬
‫صرح به في"الخيانة" و"رد المختار"‬

‫سب الرسول أعظم من الردة‬

‫‪ .1‬قاله ابن تيمية في كتابه الصارم المسلول في شاتم الرسول‪ :‬إن سب‬
‫رسول الله مع كونه من جنس الكفر والحراب أعظم من مجرد الردة عن‬
‫السلم ‪ -‬راجع المصدر السابق ‪.‬‬

‫‪" .2‬لن من آذى الرسول فقد آذى الله لن حق الله وحق رسوله‬
‫متلزمان" وفي هذا وغيره بيان لتلزم الحقين‪ ،‬وأن جهة حرمة الله تعالى‬
‫ورسوله جهة واحدة‪ ،‬فمن آذى الرسول فقد آذى الله‪ ،‬ومن أطاعه فقد‬
‫أطاع الله‪ ،‬لن الئمة ل يصلون ما بينهم و بين ربهم إل بواسطة الرسول‪،‬‬
‫ليس لحد منهم طريق غيره‪ ،‬ول سبب سواه‪ ،‬وقد أقامه الله مقام نفسه‬
‫في أمره ونهيه وإخباره وبيانه‪ ،‬فل يجوز أن يُفرق بين الله ورسوله في‬
‫شيء من هذه المور ‪ -‬الصارم المسلول في شاتم الرسول لبن تيميه ص‬
‫‪.41-40‬‬

‫وقد اختلفوا في حكم من كذب على الرسول على قولين‪:‬‬

‫أحدهما‪ :‬الخذ بظاهره في قتل من تعمد الكذب على رسول الله‪ ،‬ومن‬
‫هؤلء من قال‪ :‬يكفر بذلك‪ ،‬قال ذلك جماعة منهم أبو محمد الجويني‪ ،‬حتى‬
‫قال ابن عقيل عن شيخه أبي الفضل الهمداني‪ :‬مبتدعة السلم والكذابون‬
‫والواضعون للحديث أشد من الملحدين‪ ،‬قصدوا إفساد الدين من خارج‪،‬‬
‫وهؤلء قصدوا إفساده من داخل‪ .‬فهم كأهل بلد سعوا في فساد أحواله‪،‬‬
‫والملحدون كالمحاصرين من خارج‪ ،‬فالدخلء يفتحون الحصن‪ ،‬فهم شر على‬
‫السلم من غير الملبسين له ‪ -‬الصارم المسلول في شاتم الرسول لبن‬
‫تيميه ص ‪.175-169‬‬
‫ووجه هذا القول أن الكذب عليه كذب على الله‪ ،‬ولهذا قال‪( :‬إن كذباً‬
‫ي ليس ككذب على أحدكم) فإن ما أمر به الرسول فقد أمر الله به يجب‬ ‫عل ّ‬
‫اتباعه كوجوب اتباع أمر الله‪ ،‬وما أخبر به وجب تصديقه كما يجب تصديق ما‬
‫أخبر الله به‪( .‬ومعلوم أن من كذب على الله بأن زعم أنه رسول الله أو نبيه‬
‫أو أخبر عن الله خبرا ً كذب فيه كمسيلمة والعنسي ونحوها من المتنبئين‬
‫فإنه كافر حلل الدم) فكذلك من تعمد الكذب على رسوله‪.‬‬

‫‪ .3‬عن ابن بريدة عن أبيه أن النبي بلغه أن رجل قال لقوم‪ :‬إن النبي‬
‫أمرني أن أحكم فيكم برأيي وفي أموالكم كذا وكذا‪ ،‬وكان قد خطب امرأة‬
‫منهم في الجاهلية فأبوا أن يزوجوه‪ ،‬ثم ذهب حتى نزل على المرأة‪ ،‬فبعث‬
‫القوم إلى رسول الله‪ ،‬فقال‪ :‬كذب عدو الله ‪ .‬ثم أرسل رجل ً فقال‪ :‬إن‬
‫وجدته حيا ً فاقتله‪ ،‬وإن أنت وجدته ميتا ً فاحرقه بالنار‪ .‬فانطلق فوجدوه قد‬
‫ي متعمداً‬
‫لدغ فمات فحرقه بالنار‪ ،‬فعند ذلك قال رسول الله‪ :‬من كذب عل ّ‬
‫فليتبوأ مقعده من النار‪.‬‬

‫‪ .4‬وقد روى أبو بكر بن مردويه من حديث الوازع عن أبي سلمة عن‬
‫ي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار‪.‬‬
‫أسامة قال رسول الله‪ :‬من تقول عل ّ‬
‫وذلك لنه بعث رجل ً فكذب عليه‪ ،‬فوجد ميتا ً قد انشق بطنه ولم تقبله الرض‬

‫‪ .5‬وروى أن رجل ً كذب عليه‪ ،‬فبعث عليا ً والزبير إليه ليقتله ‪ -‬راجع‪:‬‬
‫الصارم المسلول في شاتم الرسول لبن تيميه ص ‪.175-169‬‬

‫من يرفض حكم الرسول يقتل‪:‬‬

‫عن ابن عباس أن منافقا ً خاصم يهوديا ً فدعاه اليهودي إلى النبي ودعاه‬
‫المنافق إلى كعب بن الشرف‪ .‬ثم إنهما احتكما إلى رسول الله فحكم‬
‫ض المنافق وقال‪ :‬نتحاكم إلى عمر‪ .‬فقال اليهودي لعمر‪:‬‬ ‫لليهودي فلم ير َ‬
‫ض بقضائه وخاصم إليك‪ .‬فقال عمر للمنافق‪:‬‬ ‫قضى لي رسول الله فلم ير َ‬
‫أكذلك؟ فقال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬ألزما مكانكما حتى أخرج إليكما‪ .‬فدخل وأخذ‬
‫بسيفه ثم خرج فضرب به عنق المنافق حتى برد وقال‪ :‬هكذا أقضي لمن لم‬
‫ض بقضاء الله ورسوله‪ .‬فنزلت‪ :‬وقال جبريل‪ :‬إن عمر فّرق بين الحق‬ ‫ير َ‬
‫والباطل فسمى الفاروق – الدر المنثور ‪ /‬ج‪ 2 :‬ص ‪ - 179 :‬والصارم لبن‬
‫تيمية ‪.48‬‬

‫ـ نماذج من روايات حكم من آذى الرسول ـ‬

‫العمى الذي قتل اليهودية‪ :‬روى الشعبي عن أن اليهودية كانت تشتم النبي‬
‫وتقع فيه‪ ،‬فخنقها رجل حتى ماتت‪ ،‬فأطل رسول الله دمها (أي أهدره)‪.‬‬
‫هكذا رواه أبو داود في سننه وابن بطة في سننه‪ .‬وهو من جملة ما استدل‬
‫به المام أحمد في رواية ابنه عبد الله ‪ -‬الصارم المسلول في شاتم‬
‫الرسول لبن تيميه ص‪ .66 - 61‬وهذا ما جاء في رواية أخرى عن ابن عباس ‪-‬‬
‫أخرجه النسائي وأبو داود ‪.3665‬‬

‫قال ابن تيمية في الصارم‪ ،‬ص‪ :62‬وهذا الحديث نص في جواز قتلها لجل‬
‫شتم النبي‪ ،‬ودليل على قتل الرجل الذمي‪ ،‬وقتل المسلم والمسلمة إذا سبا‬
‫بطريق الولى‪.‬‬

‫وعن أبي بكر الصديق أنه كتب إلى المهاجر بن أبي ربيعة في المرأة التي‬
‫غنت بهجاء النبي‪" :‬لول ما سبقتني فيها لمرتك بقتلها‪ ،‬لن حد النبياء‬
‫ليس يشبه الحدود‪ ،‬فمن تعاطى ذلك من مسلم فهو مرتد أو معاهد فهو‬
‫محارب غادر" ‪ -‬الصارم المسلول في شتم الرسول ‪.418‬‬

‫قتل اليهودي ابن أبي حقيق‪ :‬عن البراء بن عازب قال‪ :‬بعث رسول الله إلى‬
‫أبي رافع اليهودي رجال ً من النصار‪ ،‬وأمر عليهم عبد الله بن عتيك‪ ،‬وكان‬
‫أبو رافع يؤذي رسول الله‪ ،‬وكان في حصن له بأرض الحجاز ‪ ..‬قال عبد الله‬
‫لصحابه‪ :‬أجلسوا مكانكم فإني منطلق ‪ ..‬فدخلت فكمنت ‪ ..‬وكان أبو رافع‬
‫يسمر عنده‪ ،‬وكان في علية له‪ ،‬فلما ذهب عنه أهل سمره صعدت إليه ‪..‬‬
‫قلت‪ :‬أبا رافع‪ ،‬قال من هذا؟ فأهويت نحو الصوت فأضربه ضربة بالسيف ‪..‬‬
‫ثم وضعت ضبيب السيف في بطنه حتى أخذ في ظهره‪ ،‬فعرفت أني قتلته‬
‫‪ - ..‬رواه البخاري في صحيحه ‪.4039‬‬

‫قال ابن حجر‪" :‬وفي هذا الحديث من الفوائد‪ :‬جواز اغتيال المشرك الذي‬
‫بلغته الدعوة وأصر‪ ،‬وقتل من أعان على رسول الله بيده أو ماله أو لسانه‬
‫ُ‬
‫وجواز التجسس على أهل الحرب وتَطَل ّب غرتهم‪ ،‬والخذ بالشدة في محاربة‬
‫المشركين‪ ،‬وجواز إبهام القول للمصلحة‪ ،‬وتعرض القليل من المسلمين‬
‫للكثير من المشركين" ‪ -‬فتح الباري ‪.7/345‬‬

‫وقد أخرجه البخاري في كتاب الجهاد "باب قتل النائم المشرك"‪.‬‬

‫وفي هذه المسألة يقول الشيخ عبد الرحمن الدوسري عند ذكره لمراتب‬
‫العبودية في تفسيره لقول الله تعالى‪ } :‬إياك نعبد وإياك نستعين { ‪..‬‬
‫وُره التسويف في هذا فضل ً عن تركه أو التساهل‬ ‫عت َ ِ‬‫فالعابد الصحيح لله ل ي َ ْ‬
‫فيه‪ ،‬وأيضا ً فالعابد لله المصمم على الجهاد في ذاته يكون منفذا ً للغيلة في‬
‫أئمة الكفر من دعاة اللحاد والباحية وكل طاعن في وحي الله أو مسخر‬
‫قلمه أو دعايتَه ضد الدين الحنيف لن هذا مؤٍذ لله ورسوله‪ .‬ل يجوز‬
‫للمسلمين في بقاع الرض من خصوص وعموم أن يدعوه على قيد الحياة‪،‬‬
‫ق وغيره ممن ندب رسول الله إلى اغتيالهم‬ ‫ح َ‬
‫قي ْ‬ ‫لنه أضُّر من ابن أبي ال ُ‬
‫ك اغتيال ورثتهم في هذا الزمان تعطيل لوصية المصطفى وإخلل‬ ‫فتَْر ُ‬
‫فظيع بعبودية الله وسماح صارخ شنيع للمعاول الهدامة في دين الله ‪..‬‬
‫ص عظيم في حب الله ورسوله وتعظيمهما ‪ -‬من صفوة الثار‬ ‫وذلك نق ٌ‬
‫والمفاهيم من تفسير القرآن العظيم ‪ .1/268‬طبعة دار الرقم ‪1404‬هـ‬
‫عن أبي هريرة قال‪ :‬بعثنا رسول الله في بعث فقال‪ :‬إن وجدتم فلنا ً وفلناً‬
‫فاحرقوهما بالنار ‪ -‬صحيح البخاري ‪.3016‬‬

‫قال شيخ السلم (ابن تيمية) في الصارم المسلول في شاتم الرسول‪ :‬أمر‬
‫الله قتال الطاعنين في الدين‪ ،‬وضمن لنا – إن فعلنا ذلك – أن يعذبهم‬
‫بأيدينا ويخزيهم وينصرنا عليهم‪ ،‬ويشفي صدور المؤمنين الذين تأذوا من‬
‫نقضهم وطعنهم وأن يذهب غيظ قلوبهم‪.. ،‬‬

‫النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط‪ :‬ومن ذلك أن النبي لما قفل من بدر‬
‫راجعا ً إلى المدينة قتل النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط‪ ،‬ولم يقتل‬
‫من أساري بدر غيرهما‪ ،‬وقصتهما معروفة‪.‬‬

‫قال ابن إسحاق‪ :‬وكان من الساري عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث‬
‫فلما كان رسول الله بالصفراء قتل النضر بن الحارث قتله علي بن أبي‬
‫طالب كما أخبرت‪ ،‬ثم مضى رسول الله فلما كان بعرق الظبية قتل عقبة‬
‫بن أبي معيط‪ ،‬قتله عاصم بن ثابت ‪ -‬وهكذا قال موسى بن عقبة –‬
‫والواقدي‪.‬‬

‫وقد روى البزار عن ابن عباس أن عقبة بن أبي معيط نادى‪ :‬يا معشر‬
‫قريش مالي أقتل من بينكم صبراً؟ فقال النبي‪ :‬بكفرك وافترائك على‬
‫رسول الله‪ .‬قال رسول الله‪ :‬النار‪ ،‬قدمه يا عاصم فأضرب عنق عقبة ابن‬
‫أبي معيط فقدمه عاصم فضرب عنقه‪ ،‬فقال رسول الله‪ :‬بئس الرجل كنت‬
‫– والله – ما علمت كافرا ً بالله وبكتابه وبرسوله‪ ،‬مؤذيا ً لنبيه‪ ،‬فأحمد الله‬
‫الذي هو قتلك وأقر عيني منك – راجع‪ :‬الصارم والمسلول في شاتم‬
‫الرسول ‪ - 143‬الترمذي ‪.2686‬‬

‫الحويرث بن نقيذ‪ :‬ومن ذلك أنه أمر يوم الفتح بقتل الحويرث بن نقيذ‪ ،‬وهو‬
‫معروف عند أهل السير‪ ،‬قال‪ :‬وأمرهم رسول الله أن يكفوا أيديهم فل‬
‫يقاتلوا أحدا ً إل من قاتلهم‪ ،‬وأمرهم بقتل أربعة نفر؛ منهم الحويرث بن‬
‫نقيذ‪.‬‬

‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وكان رسول الله عهد إلى المسلمين في قتل نفر‬
‫ونسوة‪ ،‬وقال‪ :‬إن وجدتموهم تحت أستار الكعبة فاقتلوهم‪ ،‬وسماهم‬
‫بأسمائهم ستة‪ ،‬وهم‪ :‬عبد الله بن سعد بن أبي سرح‪ ،‬وعبد الله بن خطل‪،‬‬
‫والحويرث بن نقيذ‪ ،‬ومقيس بن صبابة‪ ،‬ورجل من بني تيم بن غالب‪.‬‬

‫ابن الزبعري‪ :‬ومما ل خفاء فيه أن ابن الزبعرى إنما ذنبه أنه كان شديد‬
‫العداوة لرسول الله بلسانه‪ ،‬فإنه كان من أشعر الناس‪ ،‬وكان يهجي شعراء‬
‫السلم مثل حسان وكعب ابن مالك‪ ،‬ثم إن ابن الزبعرى فر إلى نجران‪ ،‬ثم‬
‫قدم على النبي تائبا ً مسلما ً وله أشعار حسنة في التوبة والعتذار‪ ،‬فأهدر‬
‫دمه للسب‪.‬‬

‫ومن ذلك أن النبي كان يتوجه إلى قتل من يهجو‪ ،‬ويقول‪ :‬من يكفيني‬
‫عدوي؟ قال الموي سعيد بن يحيى بن سعيد في مغازية ‪ :‬حدثنا أبي قال‪:‬‬
‫أخبرني عبد الملك بن جريح عن عكرمة عن عبد الله بن عباس أن رجل ً من‬
‫المشركين شتم رسول الله‪ ،‬فقال رسول الله‪ :‬من يكفيني عدوي ؟ فقام‬
‫الزبير بن العوام‪ ،‬فقال‪ :‬أنا‪ ،‬فبارزه‪ ،‬فأعطاه رسول الله سلبه‪.‬‬

‫وروى أن رجل ً كان يسب النبي فقال‪ :‬من يكفيني عدوي؟ فقال خالد‪ :‬أنا‪،‬‬
‫فبعثه النبي إليه‪ ،‬فقتله‪.‬‬

‫مقتل ابن سنية اليهودي‪ :‬روى بإسناده عن محيصة أن رسول الله قال‪ :‬من‬
‫ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه‪ ،‬فوثب محيصة بن مسعود على ابن سنية‬
‫رجل من تجار يهود كان يلبسهم ويبايعهم‪ ،‬فقتله‪.‬‬

‫قصة ابن خطل وقتله وهو متعلق بأستار الكعبة‪ :‬في الصحيحين من حديث‬
‫الزهري عن أنس أن النبي دخل مكة عام الفتح‪ ،‬وعلى رأسه المغفر‪ ،‬فلما‬
‫نزعه جاء رجل فقال‪ :‬ابن خطل متعلق بأستار الكعبة‪ .‬فقال‪ :‬اقتلوه‪ .‬كما‬
‫ذكره أيضا ً الواقدي‬

‫قصة جماعة أمر النبي بقتلهم حيثما وجدوا‪ :‬كان في السنة الثانية عشرة‬
‫أن النبي أمر بقتل جماعة لجل سبه‪ ،‬وقتل جماعة لجل ذلك مع كفه‬
‫وإمساكه عمن هو بمنزلتهم في كونه كافرا ً حربياً‪ ،‬فمن ذلك ما قدمناه عن‬
‫سعيد بن المسيب أن النبي أمر يوم الفتح بقتل ابن الزبعرى وسعيد بن‬
‫المسيب ‪ -‬الصارم المسلول في شاتم الرسول لبن تيمية‪.‬‬

‫وأيضا ً عن قتل أنس بن زنيم الديلى ‪ -‬راجع الصارم المسلول في شاتم‬


‫الرسول ص ‪106‬‬

‫العصماء بنت مروان‪ :‬روى عن ابن عباس قال‪ :‬هجت امرأة من خطمة‬
‫النبي‪ ،‬فقال‪ :‬من لي بها؟ فقال عمير بن عدي من‬
‫قومها‪ :‬أنا يا رسول الله‪ ،‬فنهض فقتلها‪ ..‬فالتفت النبي إلى من حوله‬
‫فقال‪ :‬إذا أحببتم أن تنظروا إلى رجل نصر الله ورسوله بالغيب فانظروا‬
‫إلى عمير بن عدي ‪ -‬راجع الصارم المسلول في شاتم الرسول ص ‪96 - 95‬‬

‫المهجر ابن أبي أمية‪ :‬ذكر سيف بن عمر التميمي في كتاب الردة والفتوح‬
‫عن شيوخه‪ ،‬قال‪ :‬وُرفع إلى المهاجر ‪ -‬يعني المهاجر بن أبي أمية‪ ،‬وكان‬
‫أميرا ً على اليمامة ونواحيها ‪ -‬امرأتان مغنيتان غنت إحداهما بشتم النبي‪،‬‬
‫فقطع يدها‪ ،‬ونزع ثنيتيها‪ ،‬وغنت الخرى بهجاء المسلمين‪ ،‬فقطع يدها‪،‬‬
‫ونزع ثنيتها‪ ،‬فكتب إليه أبو بكر‪ :‬بلغني الذي سرت به في المرأة التي تغنت‬
‫وزمزمت بشتم النبي‪ ،‬فلول ما سبقتني لمرتك بقتلها ‪ -‬راجع الصارم‬
‫المسلول في شاتم الرسول ص ‪41‬‬

‫أبو عفك اليهودي‪ :‬ذكر أهل المغازي والسير قال الواقدي‪ :‬أن شيخا ً من‬
‫بني عمرو بن عوف يقال له أبو عفك كان يحرض على عداوة النبي‪ ،‬فلما‬
‫خرج رسول الله إلى بدر ظفره الله بما ظفره‪ ،‬ذكر قصيدة تتضمن هجاء‬
‫ي نذر أن أقتل أبا عفك أموت‬‫النبي وذم من اتبعه‪ ،‬فقال سالم بن عمير‪ :‬عل ّ‬
‫دونه ‪ ..‬فوضع السيف على كبده حتى خش في الفراش ‪ -‬راجع الصارم‬
‫المسلول في شاتم الرسول ص ‪106 - 105‬‬

‫أم قرفة وغزوة زيد بن حارثة‪ :‬أمر زيد بن حارثة قيس بن المسحر أن يقتل‬
‫أم قرفة فقتلها قتل ً عنيفاً؛ ثم قدموا على رسول الله بابنة أم قرفة وبابن‬
‫مسعدة‪ .‬حدثنا أحمد بن إسحاق بن بهلول‪ :‬حدثنا أبي‪ :‬حدثنا محمد بن عيسى‬
‫عن الوليد بن مسلم عن سعيد بن عبد العزيز أن أبا بكر قتل أم قرفة‬
‫الفزارية في ردتها قتلة مثلة شد رجليها بفرسين ثم صاح بهما فشقاها وأم‬
‫ورقة النصارية كان رسول الله يسميها الشهيدة فلما كان في خلفة عمر‬
‫قتلها غلمها وجاريتها فأتى بهما عمر بن الخطاب فقتلهما وصلبهما ‪ -‬راجع‬
‫سيرة ابن هشام ‪1417 \4‬‬

‫إذن يتضح لنا وبشكل جلي مما تقدم أن من شتم الرسول أو عابه أو انتقص‬
‫من قدره أو كذَّبه يُقتل وإن استتاب‪ .‬هذا ما أجمع عليه أكثرية علماء‬
‫السلم‪.‬‬

‫رغم هذا الجماع السلمي والمتشدد في حكم من آذى الرسول‪ ،‬نُفاجأ أن‬
‫شريعة السلم قد أباحت للمسلمين تجويزهم سب النبي في حال التقية‬
‫(الذي لم يقع فيها إكراه) ‪ -‬راجع‪ :‬فتاوى قاضيخان للفرغاني الحنفي ‪: 5‬‬
‫‪ 489‬وما بعدها‪ ،‬مطبوع بهامش الفتاوى الهندية‪ ،‬ط‪ ،4‬دار إحياء التراث‬
‫العربي‪ ،‬بيروت‪.‬‬

‫مثال ذلك أيضاً‪ :‬سرية مقتل كعب بن الشرف في السنة الثالثة من الهجرة‪:‬‬
‫عن جابر بن عبد الله قال رسول الله‪ :‬من لكعب بن الشرف فإنه قد آذى‬
‫الله ورسوله؟ فقام محمد بن مسلمة فقال‪ :‬يا رسول الله (أنا يا رسول‬
‫الله) أتحب أن أقتله؟ قال نعم‪ .‬قال‪ :‬فأأذن لي أن أقول شيئا ً (وهو‬
‫استئذان من النبي بأن يتكلم كلما ً وحتى لو كان منافيا ً لليمان وذلك‬
‫لظهار الكفر أمام كعب بن الشرف)‪ .‬قال النبي‪ :‬قل (فأذن له النبي بأن‬
‫يقول ما شاء) صحيح البخاري ‪ ،115 :5‬باب كعب بن الشرف‪ .‬وأيضا ً انظر‬
‫أحكام القرآن لبن العربي المالكي ‪ – 1257 :2‬الصارم المسلول على شاتم‬
‫الرسول لبن تيمية ص‪ - 71– 70‬البخاري ‪ , 2327‬ول يخفى أن ما طُلبه محمد‬
‫ة من الذن إنما هو لجل الحصول على ترخيص نبوي بالقول‬ ‫سل َ َ‬
‫م َ‬ ‫م ْ‬
‫بن َ‬
‫ّ‬
‫المخالف للشرع بغية الوصول إلى مصلحة إسلمية ل تتحقق إل من هذا‬
‫الطريق‪ ،‬فجاء الذن النبوي بأن يقولوا ما يشاءون بهدف الوصول إلى تلك‬
‫المصلحة‪ .‬ومنه يعلم صحة ما مر سابقا ً بأن التقية كما قد تكون بدافع‬
‫الكراه‪ ،‬قد تكون أيضا ً بغيره‪ ،‬كما لو كان الدافع إليها غاية ومصلحة‪.‬‬

‫هذلي‪ :‬وكانت في السنة الرابعة وسببها‬ ‫ومنها أيضا ً سرية خالد بن سفيان ال ُ‬
‫عرنة وأنه يجمع الجموع‬ ‫هذلي يقيم ب ِ ُ‬‫أن النبي بلغه أن خالد بن سفيان ال ُ‬
‫لحرب المسلمين‪ ،‬فأمر رسول الله عبد الله بن أنيس بقتله‪ .‬قال‪ :‬واستأذنت‬
‫رسول الله أن أقول (هو نفس ما فعله إذن محمد بن مسلمة) فأذن لي ثم‬
‫قال لي‪ :‬انتسب إلى خزاعة ‪ ..‬وهذا كذب ولكنه مباح ‪ ..‬فلما انتهيت إليه‬
‫قال‪ :‬ممن الرجل؟ قلت‪ :‬من خزاعة … سمعت بجمعك لمحمد فجئتك لكون‬
‫معك (ففي هذا القول إظهار الموالة)‪ .‬قال‪ :‬أجل إني لجمع له‪ .‬قال عبد‬
‫ق‬
‫الله‪ :‬فمشيت معه وحدثته فاستحلى حديثي ‪ ..‬قال أبي سفيان إنه لم يل َ‬
‫أحد يشبهني ‪ ..‬وتفرق عنه أصحابه إلى منازل قريبة منه وهم يطيقون به‪،‬‬
‫فقال‪ :‬هلم يا أخا خزاعة فدنوت منه ‪ ..‬فقال‪ :‬اجلس ‪ ..‬قال عبد الله‪:‬‬
‫فجلست معه حتى إذا مدَّ الناس وناموا اغتلته فقتلته وأخذت رأسه ثم‬
‫خرجت …‪ .‬قدمت المدينة وجدت رسول الله فلما رآني قال‪ :‬أفلح الوجه ‪..‬‬
‫قلت أفلح وجهك يا رسول الله ثم وضعت الرأس بين يديه وأخبرته خبري‪- .‬‬
‫راجع الصارم المسلول على شاتم الرسول لبن تيمية‪.‬‬

‫ونظير هذا الحديث بالضبط ما رواه أحمد في مسنده‪ ،‬والطبري‪ ،‬وعبد‬


‫الرزاق‪ ،‬وأبو يعلى‪ ،‬والطبراني وغيرهم من حديث الصحابي الحجاج بن‬
‫علط السلمي وقصته بعد فتح خيبر‪ ،‬إذ استأذن النبي أن يذهب إلى مكة‬
‫لجمع أمواله من مشركي قريش على أن يسمح له النبي بأن يقول شيئاً‬
‫ر المشركين‪ ،‬فأذن له النبي‪ .‬انظر‪ :‬مسند أحمد ‪ 599 :3‬ـ ‪ 600‬حديث ‪12001‬‬ ‫يس ّ‬
‫‪ -‬والمعجم الكبير للطبراني ‪ - 3196 | 220 :3‬وتاريخ الطبري ‪ 139 :2‬في‬
‫حوادث سنة ‪ 7‬هجرية ‪ -‬ومثله في الكامل لبن الثير ‪ - 223 :2‬والبداية‬
‫والنهاية لبن كثير ‪ - 215 : 4‬والصابة لبن حجر ‪ - 327 :1‬ومجمع الزوائد ‪:6‬‬
‫‪.155‬‬

‫إذن من الممكن للمسلم إظهار موالته الكاملة لغير السلم ولو وصل المر‬
‫به إلى إظهار الشرك والكفر وشتم النبي!‬

‫سؤال‪ :‬أليس هذا هو النفاق والرهاب بعينه؟ هل تراني صدقت عندما قلت‬
‫في مقدمتي‪ :‬إن النفاق في السلم وسيلة‪ .‬والرهاب لغة حوار وتفاهم ؟!‬
‫الغريب في الموضوع هو أن الشريعة التي أباحت للمسلم إظهار موالته‬
‫الكاملة لغير المسلم في حالة التقية هي نفس الشريعة التي منعت وبشدة‬
‫المسلمين من موالة غير المسلمين‪ .‬هذا ما اتفق عليه علماء المسلمين‬
‫كافة‪ .‬وهذا ما سنبينه في الصفحات اللحقة‪.‬‬

‫ـ التقية وترويج السلم ـ‬

‫يتخذ المسلمون من عدم معرفة الغربي العادي لحقيقة السلم ولحقيقة‬


‫علومه الشرعية المختلفة ولجهله الكامل بلغة القرآن (العربية) استراتيجية‬
‫إعلمية ينطلقون منها لترويج سلعة السلم التي تحمل في باطنها عكس‬
‫ما تظهره‪.‬‬
‫فمن المتعارف عليه أن الغربي العادي الغير متخصص ضيق الفاق على‬
‫الكثير من السذاجة‪ ،‬ولكنه يسلم بسرعة إلى المنطق والواقع‪ .‬من هنا‬
‫عندما يرى ويسمع الغربي من خلل وسائل الخداع ‪ -‬العلن السلمي ‪ -‬أن‬
‫في القرآن آيات صريحة أو شبه صريحة تأمر المسلمين باليمان بجميع‬
‫أنبياء الله وكتبه دون تفرقة بينهم‪ ،‬وتأمرهم بعدم العتداء والصفح والرحمة‬
‫والصبر الجميل والعدل مع غير المسلمين‪ ،‬وعدم إكراههم في الدين إلى‬
‫آخر اليات والحاديث التي تظهر من وجهة نظر المسلمين سماحة ورحمة‬
‫وإنسانية وعدل وصدق السلم‪ .‬فمن المؤكد أن الغربي سيصدق ما يرى وما‬
‫يسمع من آيات قرآنية دون أن يأخذها بعين العتبار‪ .‬ولجهله باللغة العربية‬
‫وبالسلم وعلومه الشرعية المختلفة‪ ،‬فإنه يستحيل عليه فهم أو تفسير أي‬
‫نص قرآني وإن كان واضحا ً دون الرجوع إلى علوم القرآن المختلفة‬
‫كأسباب النزول والعام والخاص منه وناسخه ومنسوخه والمحكم والمتشابه‬
‫والمكي والمدني إلى ما ل آخر له من لئحة علوم القرآن التي يجهلها‬
‫العامة من المسلمين‪ ،‬فكم بالحرى الغربي الذي يجهل اللغة والدين أصل؟!‬

‫أمثلة توضيحية لكيفية عرض المسلمين للسلم على غير المسلمين ‪:‬‬

‫يحاول المجاهدون كل جهدهم‪ ،‬من خلل وسائل إعلمهم وإعلنهم‬


‫المختلفة‪ ،‬نفي وإبعاد صفة العنف والرهاب عن السلم‪ ،‬وإظهاره على أنه‬
‫دين سلم وسلم وسماحة ل كراهية فيه ول عدوان منه‪.‬‬

‫"والتاريخ يشهد كيف أن المسلمين قد عاملوا وتعاملوا مع أهل الكتاب في‬


‫كل زمان ومكان باحترام وعدل ورحمة وتسامح‪ .‬لهم ما للمسلمين وعليهم‬
‫ما على المسلمين‪ .‬لكن أعداء السلم ‪ -‬من اليهود الحاقدين والنصارى‬
‫المشركين ‪ -‬الذين يكيدون له ويتربصون بأهله يحاولون أقصى جهودهم‬
‫لتشويه سمعة وصورة السلم والمسلمين‪ .‬وذلك خوفا ً من سرعة انتشار‬
‫السلم العظيم‪ ،‬ومن الصحوة السلمية المباركة‪ ،‬وحسدا ً من عند أنفسهم‬
‫كما أخبر بذلك العزيز الحكيم في كتابه الكريم‪ } :‬ود كثير من أهل الكتاب لو‬
‫يردونكم من بعد أيمانكم كفارا ً حسدا ً من أنفسهم { البقرة ‪.109‬‬

‫لم يترك المغضوب عليهم ول الضالين فرية إل ونسبوها للسلم الوديع‬


‫والسمح‪ ،‬من تلك الفتراءات‪ :‬أن (السلم دين شجع ومارس العنف‬
‫والرهاب مع غير المسلمين)‪( .‬إنه دينا ً قد اعتمد على السيف لنشر تعاليمه‬
‫وكلغة للحوار)‪( .‬إن المسلمين قد أجبروا الكثير من الناس على الدخول في‬
‫السلم ونبذ معتقداتهم عمل ً بتعاليم السلم)‪( .‬شريعة السلم سلبت‬
‫حقوق وحريات غير المسلمين في المجتمع السلمي‪ ،‬وتعاملت معهم‬
‫وعاملتهم بطرق غير إنسانية ل تتمشى وروح الدين وأخلقياته‪ ،‬ول مع‬
‫العلن العالمي لحقوق النسان)‪ .‬إلى آخر الدسائس والفتراءات التي ل‬
‫حصر لها والمنسوبة زورا ً وبهتانا ً للسلم السمح والوديع‪".‬‬

‫بعد تلك السطوانة المشروخة من كثرة العادة‪ ،‬يبدأ المسلمون بالستشهاد‬


‫ببعض اليات القرآنية والحاديث النبوية والخطب العصماء الفصيحة كلسان‬
‫قريش والتي ترمي بكامل المسؤولية على أعداء السلم الذين يحاولون‬
‫أقصى جهودهم لتشويه صورة السلم السمح‪:‬‬

‫عباد الله الصالحين يا خير أمة أخرجت للناس؛ إن اليهود الحاقدين أحفاد‬
‫القردة والخنازير والنصارى المشركين الذين يسعون في الرض فساداً‬
‫يحرفون الحقائق عن موضعها بافتراءات مفادها أن السلم دين قام على‬
‫العنف والرهاب‪ ،‬وأن السلم السمح والمسالم قد علم أتباعه العدوانية‬
‫وكراهية الخرين‪.‬‬

‫لقد فات المغضوب عليهم والضالون أن السلم قد نهى المسلمين وبشدة‬


‫من العتداء على الخرين بقوله تعالى } ل تعتدوا إن الله ل يحب المعتدين{‬
‫البقرة ‪.190‬‬

‫لقد فات الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباب من دون الله أن الجهاد في‬
‫شرع لرد أذى المعتدين ولم يشرع الجهاد للعتداء على الخرين‬ ‫السلم إنما ُ‬
‫وإجبارهم على الدخول في السلم‪ ،‬وهذا واضح في قوله تعالى }وقاتلوا‬
‫في سبيل الله الذين يقاتلونكم ول تعتدوا إن الله ل يحب المعتدين{ البقرة‬
‫‪} .190‬ول تقتلوا النفس التي حرم الله قتلها إل بالحق{ النعام ‪} .151‬ادع‬
‫إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن{‬
‫النحل ‪125‬‬

‫لكن أعداء السلم من يهود حاقدين ونصارى مشركين قد عبروا عن كلمة‬


‫(الجهاد) بالحرب المقدسة التي تطول بسيفها اللهي المسلول جميع الذين‬
‫هم غير مسلمين‪ .‬وقد فسروها تفسيرا ً منكرا ً وتفننوا فيها وألبسوها ثوباً‬
‫فضفاضا ً من المعاني المموهة والملفقة‪ ،‬وقد بلغ المر في ذلك أن أصبحت‬
‫كلمة (الجهاد) عندهم عبارة عن شراسة الطبع والخلق والهمجية وسفك‬
‫الدماء‪ .‬وقد كان من لباقتهم وسحر بيانهم وتشويههم لوجوه الحقائق‬
‫الناصعة أنه كلما سمع الناس كلمة (الجهاد) تمثلت أمام أعينهم صورة‬
‫مواكب من الهمج المحتشدة‪ ،‬مصلية سيوفها‪ ،‬متقدة صدورها بنار التعصب‬
‫والغضب‪ ،‬متطايرا ً من عيونها شرار الفتك والنهب‪ ،‬عالية أصواتها بهتاف‬
‫"الله أكبر" زاحفة إلى المام‪ ،‬ما أن رأت كافرا ً حتى أمسكت بخناقه وجعلته‬
‫بين أمرين‪ :‬إما أن يقول كلمة (ل اله إل الله) فينجو بنفسه وإما أن يُضرب‬
‫عنقه فتشحب أوداجه دماً‪ .‬وقد رسم الدهاة هذه الصورة بلباقة فائقة‬
‫وتفننوا فيها بريشة المتفنن المبدع‪ ،‬وكتبوا تحتها‪( :‬هذه الصورة مرآة لما‬
‫كان بسلف هذه المة من شره إلى سفك الدماء وجشع إلى الفتك‬
‫بالبرياء)‪.‬‬

‫ول يسعنا هنا إل أن نقول لجميع الذين وقعوا تحت تأثير الخبث والدهاء‬
‫الصهيوني والصليبي‪ :‬ل تقلقوا أيها السادة نحن مجرد دعاة مبشرون ندعو‬
‫إلى دين الله‪ ،‬دين المن والسلم‪ .‬نبلغ كلم الله تبليغ الرهبان والدراويش‬
‫والصوفية بالحكمة والموعظة الحسنة‪ ،‬ونجادل من يعارضنا بالتي هي‬
‫أحسن بالخطب والرسائل والمقالت حتى يؤمن من يؤمن بدعوتنا عن بينة‪.‬‬
‫أيها السادة ل تقلقوا فهذا ليس جهادنا‪ .‬جهادنا هو الجهد النساني‬
‫المتواصل في طاعة الله ورسوله‪ ،‬جهادنا هو جهاد باللسان والقلم والكلمة‬
‫والموعظة الحسنة‪ .‬هذه هي دعوتنا ل تزيد ول تنقص‪ .‬أما السيف والقتال‬
‫به فمعاذ الله أن نمت إليه بصلة‪ .‬اللهم إل أن يُقال إننا ربما دافعنا عن‬
‫أنفسنا حيثما اعتدى علينا أحد‪.‬‬

‫يقول شيخ السلم ابن تيميه في كتابه الجهاد ‪" :10-1/9‬إن شريعة السلم‬
‫ترفض القوة لجبار الناس إلى اعتناقه‪ ،‬ونبيه صلعم ل يرضى بغير القناع‬
‫العقلي بديل ً لدخول الفراد في السلم! يقول الله تعالى مخاطبا ً رسوله‬
‫الكريم ‪ -‬عندما رغب في إيمان بعض أقاربه وألح عليه في ذلك ‪ } -‬أفأنت‬
‫تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين{‪ .‬ويقول تعالى للبشرية كلها} ل إكراه في‬
‫الدين{ والدعوة إلى الدين في شرع السلم يجب أن تكون بالكلمة الطيبة‬
‫والقناع السليم‪ .‬يقول تعالى }ادع إلى سبل ربك بالحكمة والموعظة‬
‫الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن{‪.‬‬

‫يقول الشيخ يوسف القرضاوي‪" :‬لم يشهد تاريخ الديان تسامحا ً نظير‬
‫تسامح السلم والمسلمين مع غير المسلمين في المجتمع السلمي‬
‫وخارجه قديما ً وحديثاً‪ .‬إن تاريخ التسامح السلمي مع أهل الديان الخرى‬
‫تاريخ ناصع البياض‪ ،‬وقد شهد التاريخ كيف عاش هؤلء في غاية المان‬
‫والحرية والكرامة داخل المجتمع السلمي باعتراف المؤرخين المنصفين‬
‫ولوا هذا‬ ‫من الغربيين أنفسهم‪ ،‬ولكن قوما ً لبسوا مسوح العلم يريدون أن ي ُ َ‬
‫ق ِّ‬
‫ملوه ما لم يحمله عنوة وافتعال ً يصطادون في الماء‬ ‫التاريخ ما لم يقله‪ ،‬ويح ِّ‬
‫هدهم أن يشوهوا تاريخ‬ ‫ج‬
‫َ ْ‬ ‫هدوا‬ ‫ج‬
‫َ ِ‬ ‫الشريرة‬ ‫الغاية‬ ‫العكر‪ .‬وفي سبيل هذه‬
‫ً‬
‫التسامح السلمي الذي لم تعرف له النسانية نظيرا‪ ،‬متذرعين بحوادث‬
‫جزئية قام بها بعض العوام أو الرعاع في بعض البلد وبعض الزمان نتيجة‬
‫لظروف وأسباب خاصة تحدث في كل بلد الدنيا إلى يومنا هذا – راجع غير‬
‫المسلمين في المجتمع السلمي للشيخ يوسف القرضاوي‪.‬‬

‫في جعبة الداعية المسلم كل شيء جاهز وكل شيء موجود تحت الطلب‪ .‬ما‬
‫على السائل إل أن يحدد مطلبه؛ خطب عصماء‪ ،‬أحاديث وروايات‪ ،‬حجج‬
‫وأعذار شرعية‪ ،‬أحاديث قدسية‪ ،‬وآيات قرآنية‪.‬‬

‫‪3‬ـ اليات المنسوخة ـ‬

‫‪ .1‬فإذا أراد المسلم إظهار السلم على أنه دين سلم تراه يخرج من‬
‫جعبته آية سورة النفال‪ } :‬وإن جنحوا للسلم فاجنح لها{ أنفال ‪ .61‬وقد‬
‫أجمع علماء المسلمين على أن آية النفال ‪ 61‬مكية‪.‬‬

‫قال النيسابوري في كتابه الناسخ والمنسوخ‪ :‬سورة النفال مدنية إل آيتان‬


‫نزلتا في مكة‪ .‬فيها من المنسوخ ستة آيات يهمنا منها الية الثالثة‪ } :‬وإن‬
‫جنحوا للسلم فاجنح لها{ أنفال ‪ 61‬نسختها آية سورة التوبة ‪} :29‬وقاتلوا‬
‫الذين ل يؤمنون بالله ول باليوم الخر ول يحرمون ما حرم الله ورسوله ول‬
‫يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم‬
‫صاغرون{ ‪ -‬راجع المصدر السابق ص ‪.177-176‬‬

‫سؤال‪ :‬كيف يجنح المسلمون للسلم والقرآن نفسه يأمرهم بعدم الجنوح‬
‫سلْم َ‬
‫ن{محمد‬ ‫عل َ ْ‬
‫و َ‬ ‫م ال ْ‬ ‫عوا إِلَى ال َّ ِ َ‬
‫وأنت ُ ُ‬ ‫وتَدْ ُ‬
‫هنُوا َ‬
‫للسلم وذلك في قوله‪} :‬فل ت َ ِ‬
‫‪.35‬‬

‫عوا‬
‫وتَدْ ُ‬
‫هنُوا َ‬
‫للسلم ونص آية سورة محمد صريح وواضح }فل ت َ ِ‬ ‫كيف يجنحون‬
‫َ‬ ‫سلْم وأَنت ُم ال َ‬
‫ن{؟‬‫و َ‬
‫ْ‬ ‫عل‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫إِلَى ال َّ ِ َ‬
‫الجنوح إلى السلم يعني تعطيل فريضة الجهاد‪ .‬فهل يجوز شرعا ً تعطيل‬
‫الفريضة؟ سؤال ً نوجهه للجانحين للسلم ‪..‬‬

‫‪ .1‬وإذا أراد المسلم أن يظهر السلم على أنه دين ل اعتداء فيه ول‬
‫َ‬ ‫قتُلُوا ْ الن َّ ْ‬
‫س ال ّتِي‬
‫ف َ‬ ‫ول َ ت َ ْ‬
‫عدوان منه‪ ،‬تراه يخرج من جعبته آية سورة النعام‪َ } :‬‬
‫َ‬
‫ق{ النعام ‪.151‬‬ ‫ه إِل ّ بِال ْ َ‬
‫ح ِّ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫حَّر َ‬
‫َ‬
‫عتَدُواْ‬ ‫َ‬
‫ول َ ت َ ْ‬ ‫قاتِلُونَك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ل الل ّ ِ‬
‫سبِي ِ‬
‫في َ‬‫قاتِلُوا ْ ِ‬
‫و َ‬
‫وآية سورة البقرة‪َ } :‬‬
‫دين{ البقرة‪.190‬‬ ‫عت َ ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ح ِّ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ل َ يُ ِ‬ ‫إ ِ َّ‬

‫فقد قال المام الطبري‪( :‬اختلف أهل التأويل في تأويل هذه الية‪ ،‬فقال‬
‫بعضهم هذه الية هي أول آية نزلت في أمر المسلمين بقتال أهل الشرك‪،‬‬
‫وقالوا أُمر فيها المسلمين بقتال من قاتلهم من المشركين والكف عمن‬
‫كف عنهم ثم نُسخت ببراءة) ‪ -‬تفسير الطبري‪.561/ 3‬‬

‫‪ .1‬ثم نقل ذلك القول بسنده عن الربيع بن أنس وعبد الرحمن بن زيد بن‬
‫أسلم‪ ،‬ثم قال‪( :‬وقال آخرون بل ذلك أمر من الله تعالى ذكره للمسلمين‬
‫بقتال الكفار لم يُنسخ‪ ،‬وإنما العتداء الذي نهاهم عنه هو نهيه عن قتل‬
‫النساء والذراري) ‪ -‬تفسير الطبري‪ - 562/ 3‬أحكام القرآن للجصاص ‪3/437‬و‬
‫‪.436‬‬

‫فهذه أقوال السلف في هذه الية‪ ،‬وهي ل تخرج عن أحد المعنيين‬


‫اللذين أشار إليهما الطبري‪ .‬ول نعلم أحدا ً من السلف قال بمثل ما قال به‬
‫الكاتب من دللة الية على أنه ل يُقاتل الكفار إل إن ظهر منهم عدوان‪.‬‬

‫‪ .2‬قال ابن كثير في تفسيره‪( :‬أي ل ينهاكم عن الحسان إلى الكفرة‬


‫الذين ل يقاتلونكم في الدين كالنساء والضعفة منهم) ‪ -‬تفسير القرآن‬
‫العظيم ‪ .4/350‬إذن المقصود بعدم العتداء هو‪ :‬النهي عن قتل النساء‬
‫والذراري ومن ليس من أهل القتال‪.‬‬

‫‪ .3‬قال النيساوري في كتابه (الناسخ والمنسوخ) هذه هي الية الرابعة‬


‫عشر من اليات الثلثين المنسوخة في سورة البقرة‪} :‬وقاتلوا في سبيل‬
‫الله الذين يقاتلونكم ول تعتدي إن الله ل يحب المعتدين{ بقرة ‪ .190‬نسختها‬
‫آية سورة التوبة ‪} 36‬وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة{‬
‫وبقوله }اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم{‪.‬‬

‫‪ .4‬ويقول النيسابوري في قوله }ول تعتدوا{ هذا كان في البتداء ‪ -‬عندما‬


‫كان السلم ضعيفا ً ‪ -‬راجع الناسخ والمنسوخ للنيسابوري ص ‪.66-65‬‬

‫سؤال‪ :‬كيف يأمر القرآن بعدم قتل النفس في الوقت الذي جعل فيه‬
‫علَيْك ُ ُ‬
‫م‬ ‫ب َ‬‫القتال فريضة إلهية مقدسة مثلها مثل الصلة والصيام‪} :‬كُت ِ َ‬
‫ل{ سورة البقرة ‪ .216‬وما‬ ‫م ال ْ ِ‬
‫قتَا ُ‬ ‫علَيْك ُ ُ‬ ‫م{ سورة البقرة ‪} .183‬كُت ِ َ‬
‫ب َ‬ ‫صيَا ُ‬
‫ال ِّ‬
‫هي الحالت الذي يحق للمسلم فيها قتل النفس بالحق؟ وهل قتل غير‬
‫المسلم يعتبر من حالت قتل الحق؟ أجيبونا جزاكم الله كل خير‪.‬‬
‫كيف يأمر القرآن بعدم القتل والله نفسه يحب القتال والمقاتلين‪} :‬إ ِ َّ‬
‫ن‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫ه{ سورة الصف ‪.4‬‬ ‫سبِيل ِ ِ‬
‫في َ‬ ‫قاتِلُو َ‬
‫ن ِ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ح ّ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ه يُ ِ‬
‫كيف يطالب القرآن المسلمين بعدم العتداء في الوقت الذي يطالبهم‬
‫َ‬
‫ن‬
‫منُو َ‬ ‫ن ل َ يُ ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫قاتِلُوا ْ ال ّ ِ‬ ‫وبشدة بالعتداء على الخرين وذلك في قوله‪َ } :‬‬
‫ق‬
‫ح ِّ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬‫ن ِدي َ‬ ‫دينُو َ‬ ‫َ‬
‫ول ي َ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ُ‬
‫سول ُ‬ ‫وَر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫م الل ّ ُ‬‫حَّر َ‬‫ما َ‬ ‫ن َ‬‫مو َ‬‫ر ُ‬ ‫ول َ ي ُ َ‬
‫ح ِّ‬ ‫ر َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ول َ بِالْي َ ْ‬
‫وم ِ ال ِ‬ ‫ه َ َ‬‫بِالل ّ ِ‬
‫ن{ التوبة ‪. 29‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫غُرو َ‬ ‫صا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬
‫و ُ‬‫د َ‬‫عن ي َ ٍ‬ ‫ة َ‬‫جْزي َ َ‬‫عطوا ال ِ‬ ‫حت ّى ي ُ ْ‬ ‫ب َ‬ ‫ن أوتُوا الكِتَا َ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬‫ِ‬
‫لحظوا كيف أن الية تبدأ بأمر (قاتلوا)‪.‬‬

‫ن لِل ّ ِ‬
‫ه{ البقرة ‪.193‬‬ ‫دّي ُ‬ ‫ويَكُو َ‬
‫ن ال ِ‬ ‫ة َ‬
‫فتْن َ ٌ‬ ‫حتَّى ل َ تَكُو َ‬
‫ن ِ‬ ‫م َ‬ ‫قاتِلُو ُ‬
‫ه ْ‬ ‫و َ‬
‫وفي قوله } َ‬
‫ُ‬
‫ه لِلّه{ سورة النفال ‪.39‬‬ ‫ن كُل ّ ُ‬‫دّي ُ‬‫ن ال ِ‬‫ويَكُو َ‬ ‫ة َ‬ ‫فتْن َ ٌ‬ ‫ن ِ‬ ‫حتَّى ل َ تَكُو َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫قاتِلُو ُ‬ ‫و َ‬‫} َ‬
‫م‬
‫ه ْ‬ ‫مو ُ‬‫جدت ُّ ُ‬
‫و َ‬ ‫ث َ‬
‫حي ْ ُ‬‫ن َ‬ ‫ركِي َ‬ ‫م ْ‬
‫ش ِ‬ ‫قتُلُوا ْ ال ْ ُ‬
‫فا ْ‬‫م َ‬ ‫حُر ُ‬ ‫هُر ال ْ ُ‬ ‫ش ُ‬ ‫خ ال َ ْ‬ ‫سل َ َ‬ ‫فإِذَا ان َ‬ ‫وقوله‪َ } :‬‬
‫واْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫وآت َ ُ‬
‫صلةَ َ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫وأقا ُ‬ ‫د فإِن تَابُوا َ‬ ‫ص ٍ‬‫مْر َ‬ ‫م كل َ‬ ‫ه ْ‬ ‫عدُوا ل ُ‬ ‫واق ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫صُرو ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫وا ْ‬ ‫هم‬
‫َ ْ َ ُّ‬
‫خذُو ُ‬ ‫و ُ‬ ‫َ‬
‫م{ التوبة ‪.5‬‬ ‫ٌ‬ ‫حي‬‫ِ‬ ‫َ‬
‫ر‬ ‫ٌ ّ‬ ‫ر‬ ‫فو‬ ‫ُ‬ ‫غ‬‫َ‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫ّ‬ ‫الل‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ّ‬ ‫إ‬
‫ْ ِ‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫يل‬ ‫ِ‬ ‫سب‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫وا‬ ‫خل‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ة‬ ‫ا‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫ز‬‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ال‬

‫‪ .1‬وإذا أراد المسلم أن يظهر السلم على أنه دين ضمن حرية العبادة‬
‫َ‬
‫ن قدْ‬‫دي ِ‬ ‫للمخالفين‪ ،‬تراه يخرج من جعبته آية سورة البقرة‪} :‬ل إِكَْراهَ ِ‬
‫في ال ِّ‬
‫ن الغي{ البقرة ‪ .256‬هذه الية من اليات المنسوخات‪.‬‬ ‫م ْ‬
‫شدُ ِ‬ ‫تَبَي َّ َ‬
‫ن الُّر ْ‬

‫‪ .1‬قال النيسابوري في كتابه الناسخ والمنسوخ‪ :‬أنها الية السابعة‬


‫والعشرون بحسب تسلسل المنسوخ في آيات سورة البقرة نسختها آية‬
‫السيف (التوبة ‪ .)5‬راجع الناسخ والمنسوخ للنيسابوري ص ‪.97- 96‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه بِال ْ ُ‬
‫هدَى‬ ‫سول َ ُ‬ ‫س َ‬
‫ل َر ُ‬ ‫ذي أْر َ‬ ‫و ال ّ ِ‬
‫ه َ‬‫سؤال‪ :‬كيف ل يكون إكراه في الدين و} ُ‬
‫ركون{ الصف ‪ 9‬والفتح‬ ‫ُ‬ ‫ش ِ‬‫م ْ‬‫رهَ ال ْ ُ‬ ‫ول َ ْ‬
‫و كَ ِ‬ ‫ن كُل ِّ ِ‬
‫ه َ‬ ‫علَى ال ِ‬
‫دّي ِ‬ ‫ق لِيُظْ ِ‬
‫هَرهُ َ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫ح ِّ‬ ‫وِدي ِ‬
‫َ‬
‫‪ .28‬هل يناقض القرآن نفسه؟‬

‫‪ .1‬وإذا أراد المسلم أن يظهر السلم على أنه دين تسامح وعفو‪ ،‬تراه‬
‫يخرج من جعبته آية سورة المائدة‪} :‬فاعف عنهم واصفح إن الله يحب‬
‫المحسنين{ المائدة ‪.13‬‬

‫كيف يأمر بالعفو والصفح وهو الذي يأمر اتباعه بقتل المخالفين أينما‬
‫م{ البقرة ‪.191‬‬‫ه ْ‬
‫مو ُ‬ ‫ق ْ‬
‫فت ُ ُ‬ ‫ث ثَ ِ‬
‫حي ْ ُ‬
‫م َ‬ ‫قتُلُو ُ‬
‫ه ْ‬ ‫وا ْ‬
‫وجودوا‪َ } :‬‬
‫م‬
‫ه ْ‬‫قتُلُو ُ‬
‫وا ْ‬
‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫خذُو ُ‬ ‫م{ النساء ‪َ } .89‬‬
‫ف ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫مو ُ‬ ‫جدت َّ ُ‬‫و َ‬‫ث َ‬ ‫حي ْ ُ‬
‫م َ‬‫ه ْ‬ ‫قتُلُو ُ‬ ‫وا ْ‬
‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫خذُو ُ‬ ‫ف ُ‬‫} َ‬
‫ن‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫فا ْ‬‫م َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫خ ال ْ‬ ‫سل َ‬‫َ‬ ‫م{ النساء ‪َ } 91‬‬ ‫ق ْ‬
‫ركِي َ‬‫ش ِ‬ ‫قتُلوا ال ُ‬ ‫حُر ُ‬ ‫هُر ال ُ‬ ‫ش ُ‬ ‫فإِذَا ان َ‬ ‫ه ْ‬ ‫مو ُ‬ ‫فت ُ ُ‬ ‫ث ثِ ِ‬ ‫حي ْ ُ‬‫َ‬
‫د{ التوبة ‪.5‬‬ ‫ص‬ ‫ر‬
‫َ ْ َ ٍ‬ ‫م‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫وا‬ ‫د‬
‫ُ ُ‬‫ع‬ ‫ْ‬
‫ق‬ ‫وا‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫رو‬ ‫ص‬ ‫ح‬‫وا‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ُو‬ ‫ذ‬ ‫خ‬
‫ُ‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫مو‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫جد‬ ‫و‬ ‫ث‬
‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ح‬
‫ُ ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ َ ْ ُ ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ‬
‫‪ .1‬قال النيسابوري في كتابه الناسخ والمنسوخ عن آية السيف التوبة ‪:5‬‬
‫هي آخر ما أُنزل من القرآن‪ .‬هي الية الناسخة‪ ،‬نسخت من القرآن مائة آية‬
‫وأربعا ً وعشرين آية ‪ -‬راجع المصدر السابق ‪.284‬‬

‫‪ .1‬وإذا أراد المسلم أن يُظهر السلم على أنه دين تعامل بكل إنسانية مع‬
‫ل‬ ‫جاِدلُوا أ َ ْ‬
‫ه َ‬ ‫أهل الكتاب‪ ،‬تراه يخرج من جعبته آية سورة العنكبوت‪} :‬ول ت ُ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م{ العنكبوت ‪.46‬‬ ‫ه ْ‬
‫من ْ ُ‬ ‫ن ظَل َ ُ‬
‫موا ِ‬ ‫ن إل ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫س ُ‬
‫ح َ‬
‫يأ ْ‬ ‫ب إل بِال ّتِي ِ‬
‫ه َ‬ ‫الْكِتَا ِ‬
‫‪ .1‬قال النسيابوري في آية سورة العنكبوت ‪ 46‬فيها من المنسوخ آية‬
‫واحدة‪} :‬ول تجادلوا أهل الكتاب إل بالتي هي أحسن إل الذين ظلموا منهم‬
‫وقولوا آمنا بالذي انزل إلينا وانزل إليكم{ العنكبوت ‪ .46‬نسختها آية سورة‬
‫التوبة ‪} :29‬وقاتلوا الذين ل يؤمنون بالله ول باليوم الخر ول يحرمون ما‬
‫حرم الله ورسوله ول يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا‬
‫الجزية عن يد وهم صاغرون{ ‪ -‬راجع المصدر السابق ص ‪.255‬‬

‫عبُدَ إل‬ ‫وبَيْنَك ُ ْ‬


‫م أل ن َ ْ‬ ‫ء بَيْنَنَا َ‬
‫وا ٍ‬
‫س َ‬
‫ة َ‬ ‫وا إِلَى كَل ِ َ‬
‫م ٍ‬ ‫عال َ ْ‬ ‫ل يا أهل الْكِتَا ِ‬
‫ب تَ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫‪ .2‬وآية‪ُ } :‬‬
‫َ‬
‫شيْئًا{ آل عمران ‪ .64‬وآية ‪}:‬ادع إلى سبل ربك بالحكمة‬ ‫ه َ‬ ‫َ‬
‫رك ب ِ ِ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ه ول ن ُ ْ‬
‫ش ِ‬
‫والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن{ النحل ‪ 125‬منسوخة‪ ،‬نسختها‬
‫آية السيف ‪ -‬راجع المصدر السابق ص ‪.210‬‬
‫ـ ملحظة‪ :‬جميع آيات الصفح والعفو منسوخة ـ‬

‫‪ .1‬وإذا أراد المسلم أن يظهر السلم على أنه دين ذو علقة متميزة مع‬
‫َ‬
‫شدََّ الن ّا ِ‬
‫س‬ ‫ن أَ َ‬ ‫جعبته آية سورة المائدة‪} :‬لَت َ ِ‬
‫جدَ َّ‬ ‫المسيحيين‪ ،‬تراه يخرج من‬
‫منُوا‬ ‫آ‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ً‬ ‫ة‬‫َ‬ ‫د‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ْ‬
‫ق‬ ‫ن أَ‬
‫َ‬ ‫د‬ ‫ج‬ ‫ت‬‫َ‬ ‫ول‬ ‫وا‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ر‬ ‫ْ‬
‫ش‬ ‫عداوةً لِل َّذين آمنُوا الْيهود وال َّذين أ َ‬
‫َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ ُ َ َ‬ ‫ِ َ َ‬ ‫ََ َ َ‬
‫صاَرى{ المائدة ‪.82‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن قالوا إِن ّا ن َ َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫كيف يكون النصارى أقرب مودة للمسلمين والقرآن يطالبهم بعدم‬
‫منُوا ْ لَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫التقرب لهم وعدم اتخاذهم أصدقاء وذلك في قوله‪} :‬يَا أي ُّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫خذُوا ْ الْيهود والن َّصارى أ َ‬
‫فإِن َّ ُ‬
‫ه‬ ‫م َ‬‫منك ُ ْ‬‫هم ِّ‬ ‫ول ّ ُ‬‫من يَت َ َ‬‫و َ‬
‫ض َ‬
‫ع ٍ‬‫ولِيَاء ب َ ْ‬
‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬
‫ض ُ‬‫ع ُ‬ ‫ولِيَاء ب َ ْ‬
‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ َ َ‬ ‫تَت َّ ِ‬
‫ن{ المائدة ‪51‬‬ ‫مي َ‬ ‫م الظال ِ ِ‬ ‫و َ‬ ‫ق ْ‬ ‫دي ال ْ َ‬ ‫ه ل َ يَ ْ‬
‫ه ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫م إ ِ َّ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫ِ‬
‫‪ .2‬وإذا أراد المسلم أن يظهر السلم على أنه دين يساوي بين المؤمنين‬
‫هادُواْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ن َ‬ ‫وال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫منُوا ْ َ‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬
‫كافة‪ ،‬تراه يخرج من جعبته آية سورة البقرة‪{ :‬إ ِ ّ‬
‫فل َهم أ َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ر‬ ‫ج‬
‫ُ ْ ْ ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫حا‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫صا‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫م‬‫ر َ ِ‬
‫ع‬
‫َ‬ ‫و‬ ‫خ ِ‬ ‫والْي َ ْ‬
‫وم ِ ال ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن بِالل ّ ِ‬‫م َ‬‫نآ َ‬‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫صابِئِي َ‬‫وال َّ‬ ‫صاَرى َ‬ ‫والن َّ َ‬ ‫َ‬
‫زنُون} البقرة ‪62‬‬ ‫ح َ‬‫م يَ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫َ‬
‫ول ُ‬ ‫م َ‬‫ه ْ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫عل‬
‫َ‬ ‫ف‬
‫ٌ‬ ‫و‬
‫ْ‬ ‫خ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ول‬‫َ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫عن‬
‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عندَ الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ن ِ‬
‫دّي َ‬ ‫مع قوله‪} :‬إ ِ َّ‬
‫ن ال ِ‬ ‫‪62‬‬ ‫سؤال‪ :‬هل تتماشى آية سورة البقرة‬
‫سل َ ُ‬
‫م{ آل عمران ‪.19‬‬ ‫ال ِ ْ‬
‫ن‬
‫م َ‬
‫ة ِ‬
‫خَر ِ‬
‫في ال ِ‬
‫و ِ‬
‫ه َ‬
‫و ُ‬
‫ه َ‬
‫من ْ ُ‬
‫ل ِ‬ ‫فلَن ي ُ ْ‬
‫قب َ َ‬ ‫سلَم ِ ِدينًا َ‬ ‫غ َ‬
‫غيَْر ال ِ ْ‬ ‫من يَبْت َ ِ‬‫و َ‬
‫} َ‬
‫ن{ آل عمران ‪.85‬‬ ‫س ِ َ‬
‫ري‬ ‫ال ْ َ‬
‫خا ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫فمن يرد الل ّ َ‬
‫ع ْ‬
‫ل‬ ‫ج َ‬ ‫ضل ّ ُ‬
‫ه يَ ْ‬ ‫ردْ أن ي ُ ِ‬
‫من ي ُ ِ‬ ‫سلَم ِ َ‬
‫و َ‬ ‫صدَْرهُ لِل ِ ْ‬
‫ح َ‬ ‫ه يَ ْ‬
‫شَر ْ‬ ‫دي َ ُ‬
‫ه ِ‬‫ه أن ي َ ْ‬
‫ُ‬ ‫ُ ِ ِ‬ ‫} َ َ‬
‫ضي ِّقا{ النعام ‪.125‬‬ ‫ً‬ ‫صدَْرهُ َ‬
‫َ‬
‫‪ .3‬وإذا أراد المسلم أن يظهر السلم على أنه قد آمن بالتوراة والنجيل‬
‫بعكس اليهود والمسيحيين الذي ل يؤمنون أن القرآن كتاب سماوي‪ ،‬تراه‬
‫يخرج من جعبته آيات سورة المائدة‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫د ذَل ِ َ‬
‫ك‬ ‫ع ِ‬
‫ن بَ ْ‬‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ول ّ ْ‬
‫و َ‬ ‫ه ث ُ َّ‬
‫م يَت َ َ‬ ‫م الل ّ ِ‬‫حك ْ ُ‬ ‫ها ُ‬ ‫في َ‬‫وَراةُ ِ‬ ‫م الت َّ ْ‬
‫ه ُ‬‫عنْدَ ُ‬ ‫و ِ‬‫ك َ‬ ‫مون َ َ‬ ‫حكِّ ُ‬‫ف يُ َ‬ ‫وكَي ْ َ‬ ‫} َ‬
‫ن{ المائدة ‪.43‬‬ ‫ي‬ ‫ن‬
‫ِ ُ ِ ِ َ‬ ‫م‬ ‫ْ‬
‫ؤ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ال‬ ‫ب‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ما أُول َ ِ‬
‫ئ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫}إِنَّا أَنَْزلْنَا الت َّ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫موا لِل ّ ِ‬ ‫سل َ ُ‬‫نأ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ها النَّبِيُّو َ‬ ‫م بِ َ‬‫ُ‬ ‫حك ُ‬‫ونُوٌر ي َ ْ‬‫َ‬ ‫هدًى‬ ‫ها ُ‬ ‫في َ‬‫وَراةَ ِ‬ ‫ْ‬
‫َ‬
‫ه{ المائدة‪44‬‬ ‫ب الل ّ ِ‬ ‫ن كِتَا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫فظُوا ِ‬ ‫ح ِ‬
‫ست ُ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫حبَاُر ب ِ َ‬‫وال َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫والَّرب َّانِي ُّو َ‬‫هادُوا َ‬ ‫َ‬
‫ق َّ‬
‫ة‬ ‫ن الت َّ ْ‬
‫وَرا ِ‬ ‫م َ‬‫ه ِ‬‫ن يَدَي ْ ِ‬ ‫ما بَي ْ َ‬
‫قا ل ِ َ‬ ‫دّ ً‬
‫ص ِ‬
‫م َ‬‫م ُ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫سى اب ْ ِ‬ ‫عي َ‬‫م بِ ِ‬‫ه ْ‬ ‫علَى آثَا ِ‬
‫ر ِ‬ ‫فيْنَا َ‬ ‫و َ‬ ‫} َ‬
‫هدًى‬‫و ُ‬‫ة َ‬‫وَرا ِ‬ ‫َ‬
‫ن الت ّ ْ‬ ‫م َ‬‫ه ِ‬ ‫ن يَدَي ْ ِ‬‫ما بَي ْ َ‬ ‫ً‬
‫دّقا ل ِ َ‬‫ص ِ‬ ‫م َ‬
‫و ُ‬
‫ونُوٌر َ‬ ‫هدًى َ‬ ‫ه ُ‬‫في ِ‬‫ل ِ‬ ‫جي َ‬ ‫وآتَيْنَاهُ الِن ْ ِ‬ ‫َ‬
‫ن{ المائدة‪46‬‬ ‫َ‬ ‫قي‬‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ة‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫عظ‬‫ِ‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫و‬
‫َ َ ْ‬
‫َ‬ ‫ما أَنَْز َ‬ ‫َ‬ ‫ما أَنَْز َ‬
‫ل الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫حك ُ ْ‬
‫م بِ َ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫م يَ ْ‬ ‫م ْ‬
‫و َ‬
‫ه َ‬
‫في ِ‬ ‫ل الل ّ ُ‬
‫ه ِ‬ ‫ل بِ َ‬
‫جي ِ‬
‫ل الِن ْ ِ‬‫ه ُ‬‫م أَ ْ‬ ‫حك ُ ْ‬‫ولْي َ ْ‬
‫} َ‬
‫ن{ المائدة ‪.47‬‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬‫فا ِ‬ ‫ْ‬
‫م ال َ‬ ‫ه ُ‬‫ك ُ‬ ‫فأُولَئ ِ َ‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫ما أَنَْز َ‬
‫ه من‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫كيف يطلب القرآن من اليهود والنصارى أن يحكموا ب ِ َ‬
‫التوراة والنجيل في الوقت الذي نسب لهما القرآن تهمة التحريف‪ ،‬وذلك‬
‫َ‬
‫ه{ النساء ‪} .46‬‬ ‫ع ِ‬
‫ض ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫عن َّ‬
‫م َ‬ ‫م َ‬ ‫ن الْكَل ِ َ‬
‫فو َ‬‫ر ُ‬ ‫هادُوا ْ ي ُ َ‬
‫ح ِّ‬ ‫ن َ‬‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬
‫م َ‬‫في قوله‪ِّ } :‬‬
‫ه{‬ ‫ع‬ ‫ض‬ ‫وا‬ ‫م‬ ‫د‬
‫َ ْ ِ َ َ ِ ِ ِ‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫من‬ ‫م‬
‫ِ َ ِ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ك‬‫ْ‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫فو‬ ‫ر‬ ‫ح‬
‫ُ َ ِّ‬ ‫ي‬ ‫}‬ ‫‪.‬‬‫‪13‬‬ ‫المائدة‬ ‫ه{‬ ‫ع‬ ‫ض‬ ‫وا‬
‫ّ َ ِ ِ ِ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫عن‬ ‫ن الْكَل ِ َ َ‬
‫م‬ ‫ر ُ‬
‫فو َ‬ ‫ح ِّ‬
‫يُ َ‬
‫المائدة ‪.41‬‬
‫ما أَنَْز َ‬
‫ل‬ ‫َ سؤال‪ :‬هل يعني طلب القرآن من اليهود والنصارى أن يحكموا ب ِ َ‬
‫ه من التوراة والنجيل أن المسلمين عامة بأحمرهم وأسودهم يؤمنون‬ ‫الل ّ ُ‬
‫بصحة الكتاب المقدس الذي بين أيدينا ؟!‬

‫‪ .4‬وإذا أراد المسلم أن يظهر السلم على أنه دين لم يفرق بين أنبياء‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫منُوا بِالل ِ‬ ‫َ‬ ‫نآ‬‫ذي َ‬ ‫وال ّ ِ‬
‫الله وبين كتبه‪ ،‬تراه يخرج من جعبته آية سورة النساء‪َ } :‬‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫م أُولَئ ِ َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ُ‬ ‫الل‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ا‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫مأ ُ َ ْ َ‬
‫ُ‬ ‫ر‬ ‫جو‬ ‫ه ْ‬‫ؤتِي ِ‬ ‫ف يُ ْ‬ ‫و َ‬ ‫س ْ‬‫ك َ‬ ‫ه ْ‬‫من ْ ُ‬
‫د ِ‬‫ح ٍ‬‫نأ َ‬ ‫قوا بَي ْ َ‬‫ر ُ‬
‫ف ِّ‬ ‫م يُ َ‬ ‫ول َ ْ‬‫ه َ‬‫سل ِ ِ‬ ‫وُر ُ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫غ ُ‬
‫زل إِلي ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ما أن ْ‬ ‫سول ب ِ َ‬ ‫ن ال ّر ُ‬ ‫م َ‬ ‫ما{ النساء ‪ .152‬وآية َ سورة البقرة‪} :‬آ َ‬ ‫حي ً‬ ‫فوًرا َر ِ‬
‫َ‬ ‫ن ك ُ ٌّ‬
‫د‬
‫ح ٍ‬ ‫نأ َ‬ ‫رقُ بَي ْ َ‬ ‫ف ِّ‬ ‫ه ل نُ َ‬ ‫سل ِ ِ‬‫وُر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫وكُتُب ِ ِ‬‫ه َ‬‫ملئِكَت ِ ِ‬ ‫و َ‬‫ه َ‬‫ن بِالل ّ ِ‬‫م َ‬ ‫لآ َ‬ ‫منُو َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫وال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ه َ‬‫ن َرب ِّ ِ‬‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ن{ البقرة ‪.285‬‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫سؤال‪ :‬كيف ل تفرقون بين رسله وأنتم الذين جعلتم من يتيم أبي‬
‫طالب أفضل الخلق وأفضل وأشرف النبياء‪ ،‬ومن أجله خلق جميع‬
‫المخلوقات؟!‬

‫‪ .1‬عن جابر بن عبد الله قال‪ :‬قلت يا رسول الله اخبرني عن أول شيء‬
‫خلقه الله تعالى قبل الشياء‪ .‬قال يا جابر إن الله تعالى خلق قبل الشياء‬
‫نور نبيك من نوره‪ ،‬فجعل ذلك النور يدور بالقدرة حيث شاء الله تعالى ولم‬
‫يكن في ذلك الوقت لوح ول قلم ول جنة ول نار ول ملك (ملئكة) ول سماء‬
‫ول أرض ول شمس ول قمر ول جن ول أنس‪ ،‬فلما أراد الله أن يخلق الخلق‬
‫قسم ذلك النور أربعة أجزاء؛ فخلق من الجزء الول القلم‪ ،‬ومن الثاني‬
‫اللوح‪ ،‬ومن الثالث العرش‪ ،‬ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء؛ فخلق من‬
‫الول السماوات ومن الثاني الرض‪ ،‬ومن الثالث الجنة والنار‪ ،‬ثم قسم‬
‫الرابع أربعة أجزاء؛ فخلق من الول نور أبصار المؤمنين‪ ،‬ومن الثاني نور‬
‫قلوبهم وهي المعرفة بالله‪ ،‬ومن الثالث نور أنسهم وهو التوحيد ل إله إل‬
‫الله محمد رسول الله ‪ -‬راجع حجة الله على العالمين في معجزات سيد‬
‫المرسلين ‪ .. 1/35‬إلى ما ل آخر له من الستشهاد بمنسوخ القرآن‪.‬‬

‫ولعل سؤال ً يجول في بعض الخواطر‪ ،‬أو يتردد على بعض اللسنة‪،‬‬
‫وهو‪:‬‬

‫‪ .2‬كيف يتحقق البر والمودة وحسن العشرة بين المسلمين وغير‬


‫المسلمين‪ ،‬والقرآن نفسه ينهى عن مودة الكفار واتخاذهم أولياء وحلفاء‬
‫في مثل قوله‪} :‬يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء‪،‬‬
‫بعضهم أولياء بعض‪ ،‬ومن يتولهم منكم فإنه منهم{ سورة المائدة‪.51،52:‬‬

‫‪ .3‬كيف يمكن أن يتحقق احترام المسلمين لليهود والمسيحيين والقرآن‬


‫يخاطبهم بالنجسين‪} :‬إنما المشين نجس{ توبة ‪} .28‬الذين يضمرون الشر‬
‫والحسد للمسلمين‪ :‬ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم‬
‫كفارا ً حسدا ً من عند أنفسهم{ البقرة ‪.109‬‬

‫‪ .4‬كيف يمكن أن يتحقق احترام المسلمين لليهود والمسيحيين والقرآن‬


‫يخاطبهم بأوصاف تحقيرية بشعة‪} :‬مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها‬
‫َ‬ ‫ن أَكْثََر ُ‬
‫ب أ َ َّ‬ ‫َ‬
‫و‬
‫نأ ْ‬‫عو َ‬
‫م ُ‬
‫س َ‬
‫م يَ ْ‬
‫ه ْ‬ ‫س ُ‬
‫ح َ‬ ‫كمثل الحمار يحمل أسفاراً{ الجمعة ‪} .5‬أ ْ‬
‫م تَ ْ‬
‫سبِيلً{ الفرقان ‪ ،44‬السراء ‪ .4‬وهم‬ ‫ل َ‬ ‫م أَ َ‬
‫ض ُّ‬
‫ه ْ‬
‫ل ُ‬ ‫م إِل كَالَن ْ َ‬
‫عام ِ ب َ ْ‬ ‫ه ْ‬
‫ن ُ‬ ‫قلُو َ‬
‫ن إِ ْ‬ ‫ع ِ‬
‫يَ ْ‬
‫أيضاً‪:‬‬
‫‪25‬‬ ‫‪ .0‬الفاسقون‪ :‬البقرة ‪ ،59‬المائدة‬

‫‪ 148‬و‪150‬‬ ‫‪ .1‬وهم الظالمون‪ :‬العراف‬

‫‪ .2‬وهم المنافقون‪ :‬الحشر ‪.11‬‬

‫‪ .3‬وهم المفترون‪ :‬آل عمران ‪.24‬‬

‫والتوبة ‪.30‬‬ ‫‪155‬‬ ‫‪ .4‬وهم الكافرون‪ :‬النساء‬

‫‪ .5‬وهم المشركون‪ :‬التوبة ‪.31‬‬

‫‪ .6‬وهم الذين حرفوا الكتاب المقدس‪:‬البقرة ‪ ،75‬النساء ‪ ،46‬آل عمران ‪.78‬‬

‫‪31‬‬ ‫‪ .7‬وهم الذين اتخذوا أحبارهم أرباب من دون الله‪ :‬التوبة‬

‫‪166‬‬ ‫‪ .8‬وهم القردة والخنازير‪ :‬البقرة ‪ ،65‬المائدة ‪ ،60‬العراف‬

‫‪ 33‬و‪64‬‬ ‫‪ .9‬وهم الذين يسعون في الرض خراباً‪ :‬المائدة‬

‫إن أوامر القرآن وتعاليمه واضحة وصريحة‪} :‬يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا‬
‫اليهود والنصارى أولياء{ نهي عام بعدم اتخاذ اليهود والنصارى أولياء ول‬
‫أصدقاء ‪ -‬راجع آل عمران ‪.118‬‬

‫سؤال ‪ :‬أليس هذا هو النفاق بعينه؟ أليس هذا هو الرهاب بعينه؟ والعنصرية‬
‫بعينها؟ هل صدقت عندما قلت في مقدمتي‪ :‬أن النفاق في السلم وسيلة‬
‫والرهاب لغة حوار؟‬

‫إن استشهاد المسلمين بآيات منسوخة لظهار فضائل السلم لهو دليل‬
‫على إفلس السلم من كل ما هو صالح ومفيد ‪ ..‬المر الذي اضطرهم‬
‫للجوء لستعمال التقية (النفاق) لظهار سماحة ورحمة ومسالمة السلم‬
‫بآيات منسوخات‪ ،‬أي آيات ل حكم شرعي لها لنها قد أُلغيت (نُسخت) أي‬
‫أُزيلت وإن بقي حرفها ونصها موجود في القرآن‪.‬‬

‫هذا هو‪ ،‬باختصار شديد‪ ،‬ما يروجه المسلمون من خلل وسائل إعلمهم‬
‫وإعلنهم الموجهة لغير المسلمين‪.‬‬

‫ـ مراحل تشريع القتال والتقتيل (الجهاد) ـ‬

‫لقد أجمع علماء المسلمين على أن الجهاد قد مر بثلث مراحل مختلفة ‪:‬‬

‫‪ .1‬المرحلة الولى‪ :‬مرحلة الجهاد الدعوي‬

‫وهي مقتصرة على العصر المكي‪ .‬فلم يكن يوجد في العصر المكي إل‬
‫جهاد الدعوة والبيان‪.‬‬

‫فقد قال {فل تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا ً كبيراً} الفرقان ‪.52‬‬

‫‪ .2‬المرحلة الثانية‪ :‬مرحلة الذن في القتال لدفع أذى المعتدين‬

‫{أُذن للذين يُقاتَلُون بأنهم ظُلموا وإن الله على نصرهم لقدير} الحج‬
‫‪.39‬‬

‫وهـي أول آية نزلت في القتال كمـا قال ابن عباس‪ .‬أُذن لهم في‬
‫القتال ولم يفرضه عليهم‪.‬‬

‫‪ .3‬المرحلة الثالثة‪ :‬مرحلة قتال المشركين كافة‬

‫في هذه المرحلة أصبح القتال فريضة إلهية مكتوبة على المسلمين‪.‬‬
‫فكما {كتب عليكم الصيام} بقرة ‪ .183‬كذا أيضا ً {كتب عليكم القتال} بقرة‬
‫‪ .216‬وهذه المرحلة ناسخة لما قبلها من المراحل‪ ،‬وهي التي استقر عندها‬
‫حكم الجهاد ومات عليها نبي السلم‪ .‬لم تكن مرحلة الجهاد الدعوي في‬
‫مكة ناتجة عن مسالمة ورحمة السلم‪ ،‬بل كانت ناتجة عن ضعف حالة‬
‫المسلمين في بداية الدعوة في مكة‪.‬‬

‫‪ .1‬يقول شيخ السلم ابن تيمية‪ :‬فكان النبي في أول المر مأمورا ً أن‬
‫يجاهد الكفار بلسانه ل بيده … وكان مأمورا ً بالكف عن قتالهم لعجزه وعجز‬
‫المسلمين عن ذلك‪ ،‬ثم لما هاجر إلى المدينة وصار له بها أعوان أُذن له في‬
‫الجهاد‪ ،‬ثم لما قووا كُتب عليهم القتال‪ ،‬ولم يُكتب عليهم قتال من سالمهم‬
‫لنهم لم يكونوا يطيقون قتال جميع الكفار‪ ،‬فلما فتح الله مكـة وانقطع‬
‫قتال قريش ملوك العرب ووفدت إليه وفود العرب بالسـلم أمره الله‬
‫تعالى بقتال الكفار كلهم إل من كان له عهد مؤقت وأمره بنبذ العهود‬
‫المطلقة ‪ -‬الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لبن تيمية ‪.1/74‬‬

‫‪ .2‬وقال ابن القيم‪ :‬فلما استقر رسـول الله بالمدينة وأيده الله بنصره‬
‫وبعباده المؤمنين وألف بين قلوبهم … رمتهم العرب واليهود عن قوس‬
‫واحدة‪ ،‬وشمروا لهم عن سـاق العداوة والمحاربة وصاحوا بهم من كل‬
‫جانب‪ ،‬والله يأمرهم بالصبر والعفو والصفح حتى قويت الشوكة واشتد‬
‫الجناح فأذن لهم حينئذ في القتال … ‪ -‬زاد المعاد ‪.2/58‬‬

‫‪ .3‬وقال ابن كثير‪ :‬كان المؤمنون في ابتداء السلم وهم بمكة مأمورين‬
‫بالصلة والزكاة وإن لم تكن ذات النُصب‪ ،‬وكانوا مأمورين بمواساة الفقراء‬
‫منهم‪ ،‬وكانوا مأمورين بالصفح والعفو عن المشركين والصبر إلى حين‪،‬‬
‫وكانوا يتحرقون ويودون لو أمروا بالقتال ليتشفوا من أعدائهم ولم يكن‬
‫الحال إذ ذاك مناسبا ً لسباب كثيرة؛ منها قلة عددهم بالنسبة إلى كثرة عدد‬
‫عدوهم‪ ،‬ومنها كونهم كانوا في بلدهم وهو بلد حرام وأشرف بقاع الرض‬
‫فلم يكن المر بالقتال فيه ابتداء كما يقال‪ ،‬فلهذا لم يؤمر بالجهـاد إل‬
‫بالمدينة لما صارت لهم دار ومنعة وأنصار … ‪ -‬تفسير القرآن العظيم لبن‬
‫كثير ‪150\4 – 1/526‬‬

‫‪ .4‬وقال أيضاً‪ :‬وإنما شرع تعالى الجهاد في الوقت الليق به لنهم لما‬
‫كانوا بمكة كان المشركون أكثر عدداً‪ ،‬فلو أُمر المسلمون وهم أقل من‬
‫العشر بنصره وصارت لهم دار إسلم ومعقل ً يلجئون إليه شرع الله جهاد‬
‫العداء ‪ -‬المصدر السابق ‪.3/226‬‬

‫‪ .5‬وبهذا قال المام الشافعي في كتاب أحكام القرآن الذي جمعه‬


‫البيهقي من أقواله فقد جاء فيه‪( :‬قال الشافعي‪ :‬ولما مضت لرسول الله‬
‫فترة من هجرته أنعم الله فيها على جماعات بإتباعه‪ ،‬حدثت لهم بها مع‬
‫عون الله عز وجل قوة بالعدد لم يكن قبلها ففرض الله عز وجل عليهم‬
‫الجهاد بعد إذ كان إباحة ل فرضا ً فقال تبارك‪{ :‬كتب عليكم القتال} ‪ -‬أحكام‬
‫القرآن ‪.2/18‬‬

‫إن محاولة المسلمين تقسيم الجهاد إلى أصغر وهو الجهاد القتالي‪،‬‬
‫وأكبر وهو جهاد النفس‪ ،‬وبالتالي إظهار الدعوة اللسانية أهم أنواع الجهاد‬
‫هو افتراء وهراء واستخفاف بعقول الخرين‪.‬‬

‫الجهاد القتالي (القتال) هو أهم أنواع الجهاد في السلم‪ ،‬ويدل على‬


‫ذلك نصوص كثيرة منها‪:‬‬

‫{ل يستوي القاعدون من المؤمنين غير أُولي الضرر والمجاهدون في‬


‫سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم‬
‫على القاعدين درجة وكل ً وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على‬
‫ضل عليهم‬ ‫القاعدين أجرا ً عظيماً} النساء‪ .95:‬فهؤلء القاعدون الذين ُ‬
‫ف ِ‬
‫المجاهـدون قد يكونون قائمين بأمر جهاد الدعوة وجهـاد النفس لن الله‬
‫وعدهم الحسنى‪ ،‬ومع ذلك فضل عليهم المجاهدين بالنفس والمال فدل‬
‫ذلك على أفضلية الجهاد القتالي على ما عداه من أنواع الجهاد‪.‬‬

‫‪ .1‬ومن النصوص أيضاً‪ :‬قول النبي (رأس المر السلم وعموده الصلة‬
‫وذروة سنامه الجهاد‪ - )...‬أخرجه الترمذي ‪ - 2616‬وابن ماجة ‪ - 3973‬وأخرجه‬
‫الحاكم ‪.2/7‬‬

‫‪ .2‬ومنها قول النبي‪( :‬من رأى منكم منكرا ً فليغيره بيده فإن لم يستطع‬
‫فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف اليمان) ‪ -‬أخرجه مسلم ‪- 49‬‬
‫وأبو داود‪ - 1140‬والترمذي ‪ - 2172‬وابن ماجة ‪ - 4340‬والنسائي ‪ 4013‬و‪- 1275‬‬
‫وأحمد ‪ .3/54‬وقد بين الحديث السابق درجات التغيير‪ ،‬وأعلها التغيير باليد‬
‫الذي يشمل القتال‪ ،‬ول شك أن قوله‪( :‬فإن لم يستطع) يدل على أن كل‬
‫مرتبة تحتاج إلى جهد ومشقة أكبر من التي تليها‪ ،‬وإنما يكون الجر على‬
‫قدر المشقة‪ ،‬فمن لم يكن قادرا ً عليه فإنه ينتقل إلى ما هو أدنى منه حتى‬
‫ينتهي إلى أضعف اليمان وهو التغيير بالقلب‪ .‬فدل ذلك على أن أقوى‬
‫اليمان التغيير باليد وأوسطه التغيير باللسان وأضعفه التغيير بالقلب‪.‬‬

‫كانت مرحلة القتصار على الجهاد الدعوي في العصر المكي ناتجة عن‬
‫حالة ضعف المسلمين‪ .‬ولهذا كان يصفح ويعفو (وهل بيد الضعيف إل‬
‫الصفح والعفو) ؟!‪ .‬لقد كان النبي مأمورا ً طيلة العصر المكي بالعفو‬
‫والصفح وكف اليد عن المشركين‪ ،‬كما قال في القرآن‪{ :‬فاعفوا واصفحوا‬
‫حتى يأتي الله بأمره} البقرة‪ .109 :‬و{قل للذين آمنوا يغفروا للذين ل‬
‫يرجون أيام الله} الجاثية ‪.14‬‬

‫‪ .1‬وعن ابن عباس‪( :‬أن عبد الرحمن بن عـوف وأصحـابا ً له أتوا النبي‬
‫بمكة فقالوا‪ :‬يا رسول الله إنا كنا في عز ونحن مشـركون‪ ،‬فلما آمنا صرنا‬
‫أذلة فقال‪ :‬إني أمرت بالعـفو فل تقاتلوا …) ‪ -‬أخرجه النسائي ‪- 3/6‬‬
‫والحاكم ‪.2/307‬‬

‫وظل محمد على هذه الحال من الصبر والعفو إلى أن قويت شوكته‪،‬‬
‫فنسخ الصفح والعفو وحل محله القتال والقتل وأصبح الحوار السلمي‬
‫بالحديد الذي فيه بئس شديد‪.‬‬
‫‪ .2‬قال المام ابن جرير الطبري في تفسير قوله‪{ :‬فاعفوا واصفحوا‬
‫حتى يأتي الله بأمره} البقرة‪ ،109 :‬فنسخ الله جل ثناؤه العفو عنهم‬
‫والصفح بفرض قتالهم حتى تكون كلمتهم وكلمة المؤمنين واحدة أو يؤدوا‬
‫الجزية عن يد صغاراً‪ .‬ثم نقل الطبري القول بالنسخ عن ابن عباس وقتادة‬
‫والربيع بن أنس تفسير الطبري ‪504-2/503‬‬

‫‪ .3‬وكذا نقل الحافظ ابن كثير في تفسير قوله‪{ :‬فاعفوا واصفحوا حتى‬
‫يأتي الله بأمره} البقرة‪ .109 :‬نقل القول بالنسخ عن ابن عباس ثم قال‪:‬‬
‫(وكذا قال أبو العالية والربيع بن أنس وقتادة والسدي‪ :‬إنها منسوخة بآية‬
‫السيف‪ ،‬ويرشد إلى ذلك أيضا ً قوله تعالى‪{ :‬حتى يأتي الله بأمره} ‪- )...‬‬
‫تفسير القرآن العظيم ‪.1/154‬‬

‫‪ .4‬وقال ابن عطية في تفسيره لية السيف‪( :‬وهذه الية نسخت كل‬
‫موادعة في القرآن أو ما جرى مجرى ذلك‪ ،‬وهي على ما ذكر مائة آية وأربع‬
‫عشرة آية) ‪ -‬تفسير ابن عطية ‪.6/412‬‬

‫‪ .5‬وقال القرطبي في تفسير قوله تعالى‪{ :‬فاعفوا واصفحوا حتى يأتي‬


‫الله بأمره} البقرة‪ .109 :‬هذه الية منسوخة بقوله‪{ :‬قاتلوا الذين ل‬
‫يؤمنون} إلى قوله {صاغرون}‪ ،‬عن ابن عباس‪ ،‬وقيل الناسخ لها‪{ :‬فاقتلوا‬
‫المشركين} ‪ -‬الجامع لحكام القرآن ‪.2/71‬‬

‫‪ .6‬وقال في تفسير قوله‪{ :‬يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ‬
‫عليهم} التوبة‪ .73 :‬وهذه الية نسخت كل شيء من العفو والصفح ‪ -‬الجامع‬
‫لحكام القرآن ‪.8/20‬‬

‫‪ .7‬وقال ابن حزم‪( :‬ونُسخ المنع من القتال بإيجابه) ‪ -‬الحكام في أصول‬


‫الحكام ‪.4/82‬‬

‫‪ .8‬وقال شيخ السلم ابن تيمية‪ …( :‬فأمره لهم بالقتال ناسخ لمره لهم‬
‫بكف أيديهم عنهم) ‪ -‬الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ‪.1/66‬‬

‫‪ .9‬وقال السيوطي‪( :‬قوله تعالى {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم}‪:‬‬


‫هذه آية السيف الناسخة ليات العفو والصفح والعراض والمسالمة‪،‬‬
‫واستدل بعمومها الجمهور على قتال الترك والحبشة) ‪ -‬الكليل في‬
‫استنباط التنزيل ‪138‬‬

‫‪ .10‬وقال أيضاً‪( :‬كل ما في القرآن من الصفح عن الكفار والتولي‬


‫والعراض والكف عنهم فهو منسوخ بآية السيف) ‪ -‬التحبير في علم‬
‫التفسير ص ‪.432‬‬

‫وقد نقل الجماع على القول بالنسخ غير واحد من أهل العلم‪:‬‬

‫‪ .11‬فقد قال ابن جرير في تفسير قوله تعالى‪{ :‬قل للذين آمنوا يغفروا‬
‫للذين ل يرجون أيام الله} الجاثية‪( ،14 :‬وهذه الية منسوخة بأمر الله بقتال‬
‫المشركين‪ ،‬وإنما قلنا هي منسوخة لجماع أهل التأويل على أن ذلك كذلك)‬
‫‪ -‬تفسير الطبري ‪.25/144‬‬

‫‪ .12‬وقال الجصاص في قوله‪{ :‬فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم‬


‫السلم فما جعلنا لكم عليهم سبيلً} النساء‪ ،90:‬ول نعلم أحدا ً من الفقهاء‬
‫يحظر قتال من اعتزل قتالنا من المشركين‪ ،‬وإنما الخلف في جواز ترك‬
‫قتالهم ل في حظره‪ .‬فقد حصل التفاق من الجميع على نسخ حظر القتال‬
‫لمن كان وصفه ما ذكرنا) ‪ -‬أحكام القرآن ‪.2/222‬‬

‫‪ .13‬وقال الشوكاني‪( :‬أما غزو الكفار ومناجزة أهل الكفر وحملهم على‬
‫السلم أو تسليم الجزية أو القتل فهو معلوم من الضرورة الدينية ‪ ...‬وما‬
‫ورد في موادعتهم أو في تركهم إذا تركوا المقاتلة فذلك منسوخ باتفاق‬
‫المسلمين بما ورد من إيجاب المقاتلة لهم على كل حال مع ظهور القدرة‬
‫عليهم والتمكن من حربهم وقصدهم إلى ديارهم) ‪ -‬السيل الجرار ‪.519-4/518‬‬

‫‪ .14‬ونقل الجماع أيضا ً صديق حسن خان بنفس ألفاظ الشوكاني دون أن‬
‫ينسب القول إليه) الروضة الندية ‪.2/333‬‬

‫‪ .15‬فقد أقر الزركشي في برهانه بأن آية السيف ناسخة ليات الصفح‬
‫والعفو‪ ،‬وزاد على ذلك أن جعل آية السيف منسوخة بآية سيف أهل الكتاب ‪-‬‬
‫أحكام القرآن لبن العربي ‪ - 1/110‬والبرهان للزركشي ‪.2/3‬‬

‫سل َ َ‬
‫خ‬ ‫فإِذَا ان َ‬‫‪ .16‬قال النيسابوري في كتابه (الناسخ والمنسوخ) في قوله‪َ { :‬‬
‫م‬‫ه ْ‬‫صُرو ُ‬ ‫ح ُ‬‫وا ْ‬
‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫خذُو ُ‬
‫و ُ‬ ‫م َ‬‫ه ْ‬
‫مو ُ‬ ‫جدْت ُ ُ‬
‫و َ‬
‫ث َ‬ ‫حي ْ ُ‬‫ن َ‬‫ركِي َ‬‫ش ِ‬‫م ْ‬ ‫قتُلُوا ال ْ ُ‬‫فا ْ‬ ‫م َ‬ ‫هُر ال ْ ُ‬
‫حُر ُ‬ ‫ش ُ‬ ‫ال َ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ه ْ‬ ‫سبِيل َ ُ‬‫خل ّوا َ‬ ‫ف َ‬‫وا الَّزكَاةَ َ‬‫وآت َ ْ‬
‫صلةَ َ‬‫موا ال َّ‬ ‫قا ُ‬‫وأ َ‬ ‫ن تَابُوا َ‬
‫فإ ِ ْ‬‫د َ‬ ‫ص ٍ‬
‫مْر َ‬ ‫ل َ‬ ‫م كُ ّ‬ ‫ه ْ‬‫عدُوا ل َ ُ‬ ‫ق ُ‬‫وا ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫هغ ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫إ ِ َّ‬
‫م} توبة ‪ 5‬هي الية الناسخة‪ ،‬نسخت من القرآن مائة آية‬ ‫رحي ٌ‬ ‫فوٌر َِ‬ ‫ن الل َ‬
‫وأربعا ً وعشرين آية ‪ -‬راجع المصدر السابق ‪.284‬‬

‫‪ .17‬قال الحافظ بن كثير في تفسيره لية التوبة ‪ ،5‬قال الضحاك بن‬


‫مزاحم‪ :‬إنها نسخت كل عهد بين النبي وبين أحد المشركين وكل عقد ومدة‪.‬‬
‫كما نقلها أبو جعفر الرازي عن الضحاك‪.‬‬

‫‪ .18‬وقال ابن عباس في هذه الية‪ :‬لم يبق لحد المشركين عهد ول ذمة‬
‫منذ أن نزلت (براءة) = أي سورة التوبة‪ .‬ونقل عنه العوفي وعلي بن أبي‬
‫طلحة – راجع تفسير القرطبي وابن كثير في شرحهم لية التوبة ‪.5‬‬

‫‪ .19‬وقال الكلبي صاحب تفسير (التسهيل في علوم التنزيل) ونقدم هنا ما‬
‫جاء من نسخ مسالمة الكفار والعفو عنهم والعراض والصبر على آذاهم‬
‫بالمر بقتالهم ليغني ذلك عن تكراره في مواضعه‪ ،‬فإنه وقع منه في‬
‫القرآن مائة وأربع عشرة آية من أربع وخمسين سورة‪ ،‬نسخ ذلك كله بقوله‪:‬‬
‫{فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم}‪.‬‬

‫‪ .20‬قال الحسن بن فضل فيها‪ :‬هي آية السيف نسخت هذه الية كل آية‬
‫في القرآن فيها ذكر العراض والصبر على أذى العداء ‪ -‬راجع تفسير ابن‬
‫كثير‪.‬‬

‫‪ .21‬وقال ابن حزم في كتابه الناسخ والمنسوخ‪ :‬في القرآن مائة وأربع‬
‫عشرة آية في ثمان وأربعين سورة نسخت الكل بقوله‪{ :‬اقتلوا المشركين‬
‫حيث وجدتموهم} ‪.‬‬

‫‪ .22‬وقال المام أبو القاسم بن سلمة‪{ :‬اقتلوا المشركين حيث‬


‫وجدتموهم} الية الثالثة وهي ناسخة‪ ،‬ولكن نسخت من القرآن مائة وأربع‬
‫عشرين آية ثم صار آخرها ناسخ لولها‪ ،‬وهي قوله {فإن تابوا أقاموا الصلة‬
‫وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم} ‪ -‬راجع الناسخ والمنسوخ للنحاس والنيسابوري‬
‫في شرحهم لية التوبة ‪.5‬‬

‫وقد لخص المام ابن القيم تلك المراحل في قوله‪( :‬وكان محرما ً ثم مأذوناً‬
‫به ثم مأمورا ً به لمن بدأهم بالقتال ثم مأمورا ً به لجميع المشركين ‪ )...‬زاد‬
‫المعاد ‪.2/58‬‬

‫بعد أن بينا القليل جدا ً من النفاق في السلم‪ .‬دعونا ننتقل لمسألة العنف‬
‫والرهاب في السلم‪.‬‬

You might also like