Professional Documents
Culture Documents
ابن تيمية > الرسالة الأكملية
ابن تيمية > الرسالة الأكملية
الكملية
شيخ السلم ابن تيمية
مكتبة مشكاة السلمية
1
سئل شيخ السلم - :قدس ال روحه
قال السائل :السئول من علماء السلم والسادة العلم -أحسن ال ثوابم
وأكرم نزلم ومآبم -أن يرفعوا حجاب الجال ويكشفوا قناع الشكال عن "
مقدمة " جيع أرباب اللل والنحل متفقون عليها ومستندون ف آرائهم إليها ؛
حاشا مكابرا منهم معاندا وكافرا بربوبية ال جاحدا .وهي أن يقال " :هذه صفة
كمال فيجب ل إثباتا وهذه صفة نقص فيتعي انتفاؤها " لكنهم ف تقيق مناطها
ف أفراد الصفات متنازعون وف تعيي الصفات لجل القسمي متلفون " .فأهل
السنة " يقولون :إثبات السمع والبصر والياة والقدرة والعلم والكلم وغيها من
" الصفات البية " كالوجه واليدين والعيني والغضب والرضا و " الصفات الفعلية
" -كالضحك والنول والستواء -صفات كمال وأضدادها صفات نقصان " .
والفلسفة " تقول :اتصافه بذه الصفات إن أوجب له كمال فقد استكمل بغيه
فيكون ناقصا بذاته وإن أوجب له نقصا ل يز اتصافه با " .والعتزلة " يقولون :
لو قامت بذاته صفات وجودية لكان مفتقرا إليها وهي مفتقرة إليه فيكون الرب
مفتقرا إل غيه ؛ ولنا أعراض ل تقوم إل بسم .والسم مركب والركب
مكن متاج وذلك عي النقص .ويقولون أيضا :لو قدر على العباد أعمالم
وعاقبهم عليها :كان ظالا وذلك نقص .وخصومهم يقولون :لو كان ف ملكه
ما ل يريده لكان ناقصا " .والكلبية ومن تبعهم " ينفون صفات أفعاله ويقولون :
لو قامت به لكان مل للحوادث .والادث إن أوجب له كمال فقد عدمه قبله
وهو نقص وإن ل يوجب له كمال ل يز وصفه به " .وطائفة منهم " ينفون
صفاته البية لستلزامها التركيب الستلزم للحاجة والفتقار .وهكذا نفيهم أيضا
لحبته لنا مناسبة بي الحب والحبوب ومناسبة الرب للخلق نقص :وكذا رحته
لن الرحة رقة تكون ف الراحم وهي ضعف وخور ف الطبيعة وتأل على الرحوم
2
وهو نقص .وكذا غضبه لن الغضب غليان دم القلب طلبا للنتقام .وكذا نفيهم
لضحكه وتعجبه لن الضحك خفة روح تكون لتجدد ما يسر واندفاع ما يضر .
والتعجب استعظام للمتعجب منه .و " منكرو النبوات " يقولون :ليس اللق
بنلة أن يرسل إليهم رسول كما أن أطراف الناس ليسوا أهل أن يرسل السلطان
إليهم رسول .و " الشركون " يقولون :عظمة الرب وجلله يقتضي أن ل
يتقرب إليه إل بواسطة وحجاب فالتقرب إليه ابتداء من غي شفاء ووسائط غض
من جنابه الرفيع .هذا وإن القائلي بذه " القدمة " ل يقولون بقتضاها ول
يطردونا فلو قيل لم :أيا أكمل ؟ ذات توصف بسائر أنواع الدراكات :من
الشم والذوق واللمس أم ذات ل توصف با كلها ؟ لقالوا الول أكمل ول يصفوا
با كلها الالق .و ( بالملة فالكمال والنقص من المور النسبية والعان الضافية
فقد تكون الصفة كمال لذات ونقصا لخرى وهذا نو الكل والشرب والنكاح :
كمال للمخلوق نقص للخالق وكذا التعاظم والتكب والثناء على النفس :كمال
للخالق نقص للمخلوق وإذا كان المر كذلك فلعل ما تذكرونه من صفات
الكمال إنا يكون كمال بالنسبة إل الشاهد ول يلزم أن يكون كمال للغائب كما
بي ؛ ل سيما مع تباين الذاتي .وإن قلتم :نن نقطع النظر عن متعلق الصفة
وننظر فيها هل هي كمال أو نقص ؟ فلذلك نيل الكم عليها بأحدها لنا قد
تكون كمال لذات نقصا لخرى على ما ذكر .وهذا من العجب أن " مقدمة "
وقع عليها الجاع هي منشأ الختلف والناع فرضي ال عمن بي لنا بيانا يشفي
العليل ويمع بي معرفة الكم وإيضاح الدليل إنه تعال سيع الدعاء وأهل الرجاء
وهو حسبنا ونعم الوكيل .
فأجاب رضي ال عنه المد ل .الواب عن هذا السؤال مبن على " مقدمتي " .
( إحداها أن يعلم أن الكمال ثابت ل بل الثابت له هو أقصى ما يكن من
3
الكملية بيث ل يكون وجود كمال ل نقص فيه إل وهو ثابت للرب تعال
يستحقه بنفسه القدسة وثبوت ذلك مستلزم نفي نقيضه ؛ فثبوت الياة يستلزم
نفي الوت وثبوت العلم يستلزم نفي الهل وثبوت القدرة يستلزم نفي العجز وأن
هذا الكمال ثابت له بقتضى الدلة العقلية والباهي اليقينية مع دللة السمع على
ذلك .ودللة القرآن على المور ( نوعان ( :أحدها خب ال الصادق فما أخب
ال ورسوله به فهو حق كما أخب ال به .و ( الثان دللة القرآن بضرب المثال
وبيان الدلة العقلية الدالة على الطلوب .فهذه دللة شرعية عقلية فهي " شرعية "
لن الشرع دل عليها وأرشد إليها ؛ و " عقلية " لنا تعلم صحتها بالعقل .ول
يقال :إنا ل تعلم إل بجرد الب .وإذا أخب ال بالشيء ودل عليه بالدللت
العقلية :صار مدلول عليه ببه .ومدلول عليه بدليله العقلي الذي يعلم به فيصي
ثابتا بالسمع والعقل وكلها داخل ف دللة القرآن الت تسمى " الدللة الشرعية "
.وثبوت " معن الكمال " قد دل عليه القرآن بعبارات متنوعة دالة على معان
متضمنة لذا العن .فما ف القرآن من إثبات المد له وتفصيل مامده وأن له الثل
العلى وإثبات معان أسائه ونو ذلك :كله دال على هذا العن .وقد ثبت لفظ
" الكامل " فيما رواه ابن أب طلحة عن ابن عباس ف تفسي { :قل هو ال أحد
} { ال الصمد } أن " الصمد " هو الستحق للكمال وهو السيد الذي كمل ف
سؤدده والشريف الذي قد كمل ف شرفه والعظيم الذي قد كمل ف عظمته
والكم الذي قد كمل ف حكمه والغن الذي قد كمل ف غناه والبار الذي قد
كمل ف جبوته والعال الذي قد كمل ف علمه والكيم الذي قد كمل ف حكمته
وهو الشريف الذي قد كمل ف أنواع الشرف والسؤدد وهو ال سبحانه وتعال .
وهذه صفة ل تنبغي إل له ليس له كفؤ ول كمثله شيء .وهكذا سائر صفات
الكمال ول يعلم أحد من المة نازع ف هذا العن ؛ بل هذا العن مستقر ف فطر
4
الناس ؛ بل هم مفطورون عليه فإنم كما أنم مفطورون على القرار بالالق ؛
فإنم مفطورون على أنه أجل وأكب وأعلى وأعلم وأعظم وأكمل من كل شيء .
وقد بينا ف غي هذا الوضع أن القرار بالالق وكماله يكون فطريا ضروريا ف حق
من سلمت فطرته وإن كان مع ذلك تقوم عليه الدلة الكثية وقد يتاج إل الدلة
عليه كثي من الناس عند تغي الفطرة وأحوال تعرض لا .وأما لفظ " الكامل " :
فقد نقل الشعري عن البائي أنه كان ينع أن يسمى ال كامل ويقول :الكامل
الذي له أبعاض متمعة .وهذا الناع إن كان ف العن فهو باطل ؛ وإن كان ف
اللفظ فهو نزاع لفظي .و ( القصود هنا أن ثبوت الكمال له ونفي النقائص عنه
ما يعلم بالعقل .وزعمت " طائفة من أهل الكلم " كأب العال والرازي والمدي
وغيهم :أن ذلك ل يعلم إل بالسمع الذي هو " الجاع " وأن نفي الفات
والنقائص عنه ل يعلم إل بالجاع وجعلوا الطريق الت با نفوا عنه ما نفوه إنا هو
نفي مسمى السم ونو ذلك ؛ وخالفوا ما كان عليه شيوخ متكلمة الصفاتية ؛
كالشعري والقاضي وأب بكر وأب إسحاق ومن قبلهم من السلف والئمة ف
إثبات السمع والبصر والكلم له بالدلة العقلية وتنيهه عن النقائص بالدلة العقلية
.ولذا صار هؤلء يعتمدون ف إثبات هذه الصفات على مرد السمع ويقولون :
إذا كنا نثبت هذه الصفات بناء على نفي الفات ونفي الفات إنا يكون بالجاع
الذي هو دليل سعي والجاع إنا يثبت بأدلة سعية من الكتاب والسنة قالوا :
والنصوص الثبتة للسمع والبصر والكلم :أعظم من اليات الدالة على كون
الجاع حجة فالعتماد ف إثباتا ابتداء على الدليل السمعي الذي هو القرآن أول
وأحرى .والذي اعتمدوا عليه ف النفي من نفي مسمى التحيز ونوه -مع أنه
بدعة ف الشرع ل يأت به كتاب ول سنة ؛ ول أثر عن أحد من الصحابة والتابعي
-هو متناقض ف العقل ل يستقيم ف العقل ؛ فإنه ما من أحد ينفي شيئا خوفا من
5
كون ذلك يستلزم أن يكون الوصوف به جسما إل قيل له فيما أثبته نظي ما قاله
فيما نفاه ؛ وقيل له فيما نفاه نظي ما يقوله فيما أثبته ؛ كالعتزلة لا أثبتوا أنه حي
عليم قدير ؛ وقالوا :إنه ل يوصف بالياة والعلم والقدرة والصفات ؛ لن هذه
أعراض ل يوصف با إل ما هو جسم ؛ ول يعقل موصوف إل جسم .فقيل لم :
فأنتم وصفتموه بأنه حي عليم قدير ول يوصف شيء بأنه عليم حي قدير إل ما هو
جسم ول يعقل موصوف بذه الصفات إل ما هو جسم فما كان جوابكم عن
الساء كان جوابنا عن الصفات فإن جاز أن يقال بل يسمى بذه الساء ما ليس
بسم جاز أن يقال :فكذلك يوصف بذه الصفات ما ليس بسم وأن يقال :
هذه الصفات ليست أعراضا وإن قيل :لفظ السم " ممل " أو " مشترك " وأن
السمى بذه الساء ل يب أن ياثله غيه ول أن يثبت له خصائص غيه ؛ جاز أن
يقال :الوصوف بذه الصفات ل يب أن ياثله غيه ول أن يثبت له خصائص
غيه .وكذلك إذا قال نفاة الصفات العلومة بالشرع أو بالعقل مع الشرع كالرضا
والغضب والب والفرح ونو ذلك :هذه الصفات ل تعقل إل لسم .قيل لم
هذه بنلة الرادة والسمع :والبصر والكلم فما لزم ف أحدها لزم ف الخر مثله
.وهكذا نفاة الصفات من الفلسفة ونوهم إذا قالوا ثبوت هذه الصفات يستلزم
كثرة العان فيه وذلك يستلزم كونه جسما أو مركبا قيل لم :هذا كما أثبتم أنه
موجود واجب قائم بنفسه وأنه عاقل ومعقول وعقل ولذيذ وملتذ ولذة وعاشق
ومعشوق وعشق ونو ذلك .فإن قالوا :هذه ترجع إل معن واحد قيل لم :إن
كان هذا متنعا بطل الفرق وإن كان مكنا أمكن أن يقال ف تلك مثل هذه فل
فرق بي صفة وصفة .والكلم على ثبوت الصفات وبطلن أقوال النفاة مبسوط
ف غي هذا الوضع .والقصود هنا :أن نبي أن ثبوت الكمال ل معلوم بالعقل
وأن نقيض ذلك منتف عنه فإن العتماد ف الثبات والنفي على هذه الطريق
6
مستقيم ف العقل والشرع ؛ دون تلك خلف ما قاله هؤلء التكلمون .وجهور
أهل الفلسفة والكلم :يوافقون على أن الكمال ل ثابت بالعقل والفلسفة تسميه
التمام وبيان ذلك من وجوه ( - :منها أن يقال :قد ثبت أن ال قدي بنفسه
واجب الوجود بنفسه قيوم بنفسه خالق بنفسه إل غي ذلك من خصائصه .
والطريقة العروفة ف وجوب الوجود تقال ف جيع هذه العان .فإذا قيل :الوجود
إما واجب وإما مكن والمكن ل بد له من واجب فيلزم ثبوت الواجب على
التقديرين فهو مثل أن يقال :الوجود إما قدي وإما حادث والادث ل بد له من
قدي فيلزم ثبوت القدي على التقديرين والوجود إما غن وإما فقي والفقي ل بد له
من الغن فلزم وجود الغن على التقديرين .والوجود إما قيوم بنفسه وإما غي قيوم
وغي القيوم ل بد له من القيوم ؛ فلزم ثبوت القيوم على التقديرين .والوجود إما
ملوق وإما غي ملوق والخلوق ل بد له من خالق غي ملوق ؛ فلزم ثبوت الالق
غي الخلوق على التقديرين ونظائر ذلك متعددة .ث يقال :هذا الواجب القدي
الالق إما أن يكون ثبوت الكمال الذي ل نقص فيه للممكن الوجود مكنا له وإما
أن ل يكون .والثان متنع ؛ لن هذا مكن للموجود الحدث الفقي المكن ؛
فلن يكن للواجب الغن القدي بطريق الول والحرى ؛ فإن كلها موجود .
والكلم ف الكمال المكن الوجود الذي ل نقص فيه .فإذا كان الكمال المكن
الوجود مكنا للمفضول فلن يكن للفاضل بطريق الول ؛ لن ما كان مكنا لا
هو ف وجوده ناقص فلن يكن لا هو ف وجوده أكمل منه بطريق الول ل سيما
وذلك أفضل من كل وجه فيمتنع اختصاص الفضول من كل وجه بكمال ل يثبت
للفضل من كل وجه بل ما قد ثبت من ذلك للمفضول فالفاضل أحق به ؛ فلن
يثبت للفاضل بطريق الول .ولن ذلك الكمال إنا استفاده الخلوق من الالق
والذي جعل غيه كامل هو أحق بالكمال منه ؛ فالذي جعل غيه قادرا أول
7
بالقدرة والذي علم غيه أول بالعلم والذي أحيا غيه أول بالياة .والفلسفة
توافق على هذا ويقولون :كل كمال للمعلول فهو من آثار العلة والعلة أول به .
وإذا ثبت إمكان ذلك له ؛ فما جاز له من ذلك الكمال المكن الوجود فإنه
واجب له ل يتوقف على غيه فإنه لو توقف على غيه ل يكن موجودا له إل
بذلك الغي وذلك الغي إن كان ملوقا له لزم " الدور القبلي " المتنع ؛ فإن ما ف
ذلك الغي من المور الوجودية فهي منه ويتنع أن يكون كل من الشيئي فاعل
للخر وهذا هو " الدور القبلي " فإن الشيء يتنع أن يكون فاعل لنفسه فلن يتنع
أن يكون فاعل لفاعله بطريق الول والحرى .وكذلك يتنع أن يكون كل من
الشيئي فاعل لا به يصي الخر فاعل ويتنع أن يكون كل من الشيئي معطيا
للخر كماله ؛ فإن معطي الكمال أحق بالكمال ؛ فيلزم أن يكون كل منهما
أكمل من الخر وهذا متنع لذاته فإن كون هذا أكمل يقتضي أن هذا أفضل من
هذا وهذا أفضل من هذا وفضل أحدها ينع مساواة الخر له فلن ينع كون
الخر أفضل بطريق الول .وأيضا فلو كان كماله موقوفا على ذلك الغي :للزم
أن يكون كماله موقوفا على فعله لذلك الغي وعلى معاونة ذلك الغي ف كماله
ومعاونة ذلك الغي ف كماله موقوف عليه ؛ إذ فعل ذلك الغي وأفعاله موقوفة على
فعل البدع ل تفتقر إل غيه فيلزم أن ل يكون كماله موقوفا على غيه .فإذا قيل
:كماله موقوف على ملوقه :لزم أن ل يتوقف على ملوقه وما كان ثبوته
مستلزما لعدمه كان باطل من نفسه .وأيضا فذلك الغي كل كمال له فمنه وهو
أحق بالكمال منه ولو قيل يتوقف كماله عليه ل يكن متوقفا إل على ما هو من
نفسه وذلك متوقف عليه ل على غيه .وإن قيل :ذلك الغي ليس ملوقا بل واجبا
آخر قديا بنفسه .فيقال :إن كان أحد هذين هو العطي دون العكس فهو الرب
والخر عبده .وإن قيل :بل كل منهما يعطي للخر الكمال :لزم " الدور ف
8
التأثي " وهو باطل وهو من " الدور القبلي " ل من " الدور العي القتران " فل
يكون هذا كامل حت يعله الخر كامل والخر ل يعله كامل حت يكون ف
نفسه كامل ؛ لن جاعل الكامل كامل أحق بالكمال ول يكون الخر كامل حت
يعله كامل فل يكون واحد منهما كامل بالضرورة ؛ فإنه لو قيل ل يكون كامل
حت يعل نفسه كامل ول يعل نفسه كامل حت يكون كامل لكان متنعا ؛
فكيف إذا قيل حت يعل ما يعله كامل كامل .وإن قيل :كل واحد له آخر
يكمله إل غي ناية :لزم " التسلسل ف الؤثرات " وهو باطل بالضرورة واتفاق
العقلء .فإن تقدير مؤثرات ل تتناهى :ليس فيها مؤثر بنفسه ل يقتضي وجود
شيء منها ول وجود جيعها ول وجود اجتماعها والبدع للموجودات ل بد أن
يكون موجودا بالضرورة .فلو قدر أن هذا كامل فكماله ليس من نفسه بل من
آخر وهلم جرا ؛ للزم أن ل يكون لشيء من هذه المور كمال ؛ ولو قدر أن
الول كامل لزم المع بي النقيضي وإذا كان كماله بنفسه ل يتوقف على غيه :
كان الكمال له واجبا بنفسه وامتنع تلف شيء من الكمال المكن عنه ؛ بل ما
جاز له من الكمال وجب له كما أقر بذلك المهور من أهل الفقه والديث
والتصوف والكلم والفلسفة وغيهم ؛ بل هذا ثابت ف مفعولته فما شاء كان
وما ل يشأ ل يكن وكان متنعا بنفسه أو متنعا لغيه ؛ فما ث إل موجود واجب
إما بنفسه وإما بغيه أو معدوم إما لنفسه وإما لغيه والمكن إن حصل مقتضيه
التام :وجب بغيه وإل كان متنعا لغيه ؛ والمكن بنفسه :إما واجب لغيه وإما
متنع لغيه .وقد بي ال سبحانه أنه أحق بالكمال من غيه وأن غيه ل يساويه ف
الكمال ف مثل قوله تعال { أفمن يلق كمن ل يلق أفل تذكرون } ؟ وقد بي
أن اللق صفة كمال وأن الذي يلق أفضل من الذي ل يلق وأن من عدل هذا
بذا فقد ظلم .وقال تعال { :ضرب ال مثل عبدا ملوكا ل يقدر على شيء
9
ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يستوون المد ل بل
أكثرهم ل يعلمون } فبي أن كونه ملوكا عاجزا صفة نقص وأن القدرة واللك
والحسان صفة كمال وأنه ليس هذا مثل هذا وهذا ل و [ ذاك ] لا يعبد من
دونه .وقال تعال { :وضرب ال مثل رجلي أحدها أبكم ل يقدر على شيء
وهو كل على موله أينما يوجهه ل يأت بي هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل
وهو على صراط مستقيم } وهذا مثل آخر .فالول مثل العاجز عن الكلم وعن
الفعل الذي ل يقدر على شيء .والخر التكلم المر بالعدل الذي هو على صراط
مستقيم فهو عادل ف أمره مستقيم ف فعله .فبي أن التفضيل بالكلم التضمن
للعدل والعمل الستقيم فإن مرد الكلم والعمل قد يكون ممودا وقد يكون
مذموما .فالحمود هو الذي يستحق صاحبه المد فل يستوي هذا والعاجز عن
الكلم والفعل .وقال تعال { :ضرب لكم مثل من أنفسكم هل لكم من ما
ملكت أيانكم من شركاء ف ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تافونم كخيفتكم
أنفسكم كذلك نفصل اليات لقوم يعقلون } .يقول تعال :إذا كنتم أنتم ل
ترضون بأن الملوك يشارك مالكه لا ف ذلك من النقص والظلم فكيف ترضون
ذلك ل وأنا أحق بالكمال والغن منكم ؟ .وهذا يبي أنه تعال أحق بكل كمال
من كل أحد وهذا كقوله { :وإذا بشر أحدهم بالنثى ظل وجهه مسودا وهو
كظيم } { يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيسكه على هون أم يدسه ف
التراب أل ساء ما يكمون } { للذين ل يؤمنون بالخرة مثل السوء ول الثل
العلى وهو العزيز الكيم } { ولو يؤاخذ ال الناس بظلمهم ما ترك عليها من
دابة ولكن يؤخرهم إل أجل مسمى فإذا جاء أجلهم ل يستأخرون ساعة ول
يستقدمون } { ويعلون ل ما يكرهون وتصف ألسنتهم الكذب أن لم السن ل
جرم أن لم النار وأنم مفرطون } حيث كانوا يقولون :اللئكة بنات ال وهم
10
يكرهون أن يكون لحدهم بنت فيعدون هذا نقصا وعيبا .والرب تعال أحق
بتنيهه عن كل عيب ونقص منكم ؛ فإن له " الثل العلى " فكل كمال ثبت
للمخلوق :فالالق أحق بثبوته منه إذا كان مردا عن النقص وكل ما ينه عنه
الخلوق من نقص وعيب :فالالق أول بتنيهه عنه .وقال تعال { :هل يستوي
الذين يعلمون والذين ل يعلمون } وهذا يبي أن العال أكمل من ل يعلم .وقال
تعال { :وما يستوي العمى والبصي } { ول الظلمات ول النور } { ول
الظل ول الرور } فبي أن البصي أكمل والنور أكمل والظل أكمل ؛ وحينئذ
فالتصف به أول { .ول الثل العلى } .وقال تعال { :واتذ قوم موسى من
بعده من حليهم عجل جسدا له خوار أل يروا أنه ل يكلمهم ول يهديهم سبيل
اتذوه وكانوا ظالي } فدل ذلك على أن عدم التكلم والداية نقص وأن الذي
يتكلم ويهدي :أكمل من ل يتكلم ول يهدي والرب أحق بالكمال .وقال تعال
{ :قل هل من شركائكم من يهدي إل الق قل ال يهدي للحق أفمن يهدي إل
الق أحق أن يتبع أمن ل يهدي إل أن يهدى فما لكم كيف تكمون } فبي
سبحانه با هو مستقر ف الفطر أن الذي يهدي إل الق أحق بالتباع من ل
يهتدي إل أن يهديه غيه ؛ فلزم أن يكون الادي بنفسه هو الكامل ؛ دون الذي ل
يهتدي إل بغيه .وإذا كان ل بد من وجود الادي لغي الهتدي بنفسه فهو
الكمل وقال تعال ف الية الخرى { :أفل يرون أل يرجع إليهم قول ول يلك
لم ضرا ول نفعا } فدل على أن الذي يرجع إليه القول ويلك الضر والنفع :
أكمل منه .وقال إبراهيم لبيه { :يا أبت ل تعبد ما ل يسمع ول يبصر ول يغن
عنك شيئا } فدل على أن السميع البصي الغن أكمل وأن العبود يب أن يكون
كذلك .ومثل هذا ف القرآن متعدد من وصف الصنام بسلب " صفات الكمال "
كعدم التكلم والفعل وعدم الياة ونو ذلك ما يبي أن التصف بذلك منتقص
11
معيب كسائر المادات وأن هذه الصفات ل تسلب إل عن ناقص معيب .وأما "
رب اللق " الذي هو أكمل من كل موجود فهو أحق الوجودات بصفات
الكمال وأنه ل يستوي التصف بصفات الكمال والذي ل يتصف با ؛ وهو يذكر
أن المادات ف العادة ل تقبل التصاف بذه الصفات .فمن جعل الواجب
الوجود ل يقبل التصاف :فقد جعله من جنس الصنام الامدة الت عابا ال
تعال وعاب عابديها .ولذا كانت " القرامطة الباطنية " من أعظم الناس شركا
وعبادة لغي ال ؛ إذ كانوا ل يعتقدون ف إلهم أنه يسمع أو يبصر أو يغن عنهم
شيئا .وال سبحانه ل يذكر هذه النصوص لجرد تقرير صفات الكمال له بل
ذكرها لبيان أنه الستحق للعبادة دون ما سواه فأفاد ( الصلي اللذين بما يتم
التوحيد :وها إثبات صفات الكمال ردا على أهل التعطيل وبيان أنه الستحق
للعبادة ل إله إل هو ردا على الشركي .والشرك ف العال أكثر من التعطيل ؛ ول
يلزم من إثبات " التوحيد " الناف للشراك إبطال قول أهل التعطيل ؛ ول يلزم من
مرد الثبات البطل لقول العطلة الرد على الشركي إل ببيان آخر .والقرآن يذكر
فيه الرد على العطلة تارة ؛ كالرد على فرعون وأمثاله ؛ ويذكر فيه الرد على
الشركي وهذا أكثر لن القرآن شفاء لا ف الصدور .ومرض الشراك أكثر ف
الناس من مرض التعطيل وأيضا فإن ال سبحانه أخب أن له المد وأنه حيد ميد
وأن له المد ف الول والخرة وله الكم ونو ذلك من أنواع الحامد .و "
المد نوعان " :حد على إحسانه إل عباده .وهو من الشكر ؛ وحد لا يستحقه
هو بنفسه من نعوت كماله وهذا المد ل يكون إل على ما هو ف نفسه مستحق
للحمد وإنا يستحق ذلك من هو متصف بصفات الكمال وهي أمور وجودية فإن
المور العدمية الحضة ل حد فيها ول خي ول كمال .ومعلوم أن كل ما يمد
فإنا يمد على ما له من صفات الكمال فكل ما يمد به اللق فهو من الالق
12
والذي منه ما يمد عليه هو أحق بالمد فثبت أنه الستحق للمحامد الكاملة وهو
أحق من كل ممود بالمد والكمال من كل كامل وهو الطلوب .
13
فإذا قيل هو واجب موجود بنفسه وهو ل يوجد إل بغيه :كان هذا جعا بي
النقيضي .وكذلك إذا قيل :الفعال القائمة والفعولت النفصلة عنه -إذا كان
اتصافه با صفة كمال فقد فاتته ف الزل ؛ وإن كان صفة نقص فقد لزم اتصافه
بالنقائص .قيل :الفعال التعلقة بشيئته وقدرته يتنع أن يكون كل منها أزليا .
وأيضا :فل يلزم أن يكون وجود هذه ف الزل صفة كمال ؛ بل الكمال أن
توجد حيث اقتضت الكمة وجودها .وأيضا :فلو كانت أزلية ل تكن موجودة
شيئا بعد شيء .فقول القائل :فيما حقه أن يوجد شيئا بعد شيء فينبغي أن يكون
ف الزل :جع بي النقيضي .وأمثال هذا كثي .فلهذا قلنا الكمال المكن
الوجود ؛ فما هو متنع ف نفسه فل حقيقة له ؛ فضل عن أن يقال :هو موجود .
أو يقال :هو كمال للموجود .وأما الشرط الخر وهو قولنا :الكمال الذي ل
يتضمن نقصا -على التعبي بالعبارة السديدة -أو الكمال الذي ل يتضمن نقصا
يكن انتفاؤه -على عبارة من يعل ما ليس بنقص نقصا .فاحترز عما هو لبعض
الخلوقات كمال دون بعض وهو نقص بالضافة إل الالق لستلزامه نقصا -
كالكل والشرب مثل .فإن الصحيح الذي يشتهي الكل والشرب من اليوان
أكمل من الريض الذي ل يشتهي الكل والشرب لن قوامه بالكل والشرب .
فإذا قدر غي قابل له :كان ناقصا عن القابل لذا الكمال ؛ لكن هذا يستلزم
حاجة الكل والشارب إل غيه وهو ما يدخل فيه من الطعام والشراب وهو
مستلزم لروج شيء منه كالفضلت وما ل يتاج إل دخول شيء فيه أكمل من
يتاج إل دخول شيء فيه وما يتوقف كماله على غيه أنقص ما ل يتاج ف
كماله إل غيه فإن الغن عن شيء أعلى من الغن به .والغن بنفسه أكمل من
الغن بغيه .ولذا كان من الكمالت ما هو كمال للمخلوق وهو نقص بالنسبة
إل الالق وهو كل ما كان مستلزما لمكان العدم عليه الناف لوجوبه وقيوميته أو
14
مستلزما للحدوث الناف لقدمه أو مستلزما لفقره الناف لغناه .
15
من تشبيهه بالحياء :فشبهتموه بالمادات وزعمتم أنكم تنهونه عن النقائص :
فوصفتموه با هو أعظم النقص ( .الوجه الثان أن يقال :هذا التفريق بي السلب
والياب وبي العدم واللكة :أمر اصطلحي ؛ وإل فكل ما ليس بي فإنه يسمى
ميتا كما قال تعال { :والذين يدعون من دون ال ل يلقون شيئا وهم يلقون }
{ أموات غي أحياء وما يشعرون أيان يبعثون } ( .الوجه الثالث أن يقال :نفس
سلب هذه الصفات نقص وإن ل يقدر هناك ضد ثبوت فنحن نعلم بالضرورة أن ما
يكون حيا عليما قديرا متكلما سيعا بصيا أكمل من ل يكون كذلك وأن ذلك ل
يقال سيع ول أصم كالماد وإذا كان مرد إثبات هذه الصفات من الكمال ومرد
سلبها من النقص :وجب ثبوتا ل تعال ؛ لنه كمال مكن للموجود ول نقص
فيه بال ؛ بل النقص ف عدمه .وكذلك إذا قدرنا موصوفي بذه الصفات .
( أحدها يقدر على التصرف بنفسه ؛ فيأت وييء وينل ويصعد ونو ذلك من
أنواع الفعال القائمة به ( والخر يتنع ذلك منه فل يكن أن يصدر منه شيء من
هذه الفعال :كان هذا القادر على الفعال الت تصدر عنه أكمل من يتنع
صدورها عنه .وإذا قيل قيام هذه الفعال يستلزم قيام الوادث به :كان كما إذا
قيل قيام الصفات به يستلزم قيام العراض به .ولفظ ( العراض والوادث لفظان
مملن فإن أريد بذلك ما يعقله أهل اللغة من أن العراض والوادث هي المراض
والفات كما يقال :فلن قد عرض له مرض شديد وفلن قد أحدث حدثا عظيما
كما قال النب صلى ال عليه وسلم { إياكم ومدثات المور فإن كل مدثة بدعة
وكل بدعة ضللة } وقال { :لعن ال من أحدث حدثا أو آوى مدثا } وقال :
{ إذا أحدث أحدكم فل يصلي حت يتوضأ } .ويقول الفقهاء :الطهارة "
نوعان " طهارة الدث وطهارة البث .ويقول أهل الكلم :اختلف الناس ف "
أهل الحداث " من أهل القبلة :كالربا والسرقة وشرب المر .ويقال فلن به
16
عارض من الن وفلن حدث له مرض .فهذه من النقائص الت ينه ال عنها .
وإن أريد بالعراض والوادث اصطلح خاص فإنا أحدث ذلك الصطلح من
أحدثه من أهل الكلم وليست هذه لغة العرب ول لغة أحد من المم ؛ ل لغة
القرآن ول غيه ؛ ول العرف العام ول اصطلح أكثر الائضي ف العلم ؛ بل
مبتدعو هذا الصطلح :هم من أهل البدع الحدثي ف المة الداخلي ف ذم النب
صلى ال عليه وسلم .وبكل حال فمجرد هذا الصطلح وتسمية هذه أعراضا
وحوادث :ل يرجها عن أنا من الكمال الذي يكون التصف به أكمل من ل
يكنه التصاف با .أو يكنه ذلك ول يتصف به .و " أيضا " فإذا قدر اثنان
أحدها موصوف بصفات الكمال الت هي أعراض وحوادث على اصطلحهم ؛
كالعلم والقدرة والفعل والبطش والخر يتنع أن يتصف بذه الصفات الت هي
أعراض وحوادث :كان الول أكمل كما أن الي التصف بذه الصفات :أكمل
من المادات .وكذلك إذا قدر " اثنان " أحدها يب نعوت الكمال ويفرح با
ويرضاها والخر ل فرق عنده بي صفات الكمال وصفات النقص ؛ فل يب ل
هذا ول هذا ول يرضى ل هذا ول هذا ول يفرح ل بذا ول بذا :كان الول
أكمل من الثان .ومعلوم أن ال تبارك وتعال يب الحسني والتقي والصابرين
والقسطي ويرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالات وهذه كلها صفات كمال .
وكذلك إذا قدر اثنان :أحدها ببعض التصف بضد الكمال كالظلم والهل
والكذب ويغضب على من يفعل ذلك والخر ل فرق عنده بي الاهل الكاذب
الظال وبي العال الصادق العادل ل يبغض ل هذا ول هذا ول يغضب ل على هذا
ول على هذا :كان الول أكمل .وكذلك إذا قدر اثنان أحدها يقدر أن يفعل
بيديه ويقبل بوجهه .والخر ل يكنه ذلك :إما لمتناع أن يكون له وجه ويدان
وإما لمتناع الفعل والقبال عليه باليدين والوجه :كان الول أكمل .فالوجه
17
واليدان :ل يعدان من صفات النقص ف شيء ما يوصف بذلك ووجه كل شيء
بسب ما يضاف إليه وهو مدوح به ل مذموم كوجه النهار ووجه الثوب ووجه
القوم ووجه اليل ووجه الرأي وغي ذلك ؛ وليس الوجه الضاف إل غيه هو
نفس الضاف إليه ف شيء من موارد الستعمال سواء قدر الستعمال حقيقة أو
مازا " .فإن قيل " :من يكنه الفعل بكلمه أو بقدرته بدون يديه أكمل من يفعل
بيديه .قيل :من يكنه الفعل بقدرته أو تكليمه إذا شاء وبيديه إذا شاء :هو أكمل
من ل يكنه الفعل إل بقدرته أو تكليمه ول يكنه أن يفعل باليد .ولذا كان "
النسان " أكمل من المادات الت تفعل بقوى فيها كالنار والاء فإذا قدر اثنان
أحدها ل يكنه الفعل إل بقوة فيه والخر يكنه الفعل بقوة فيه وبكلمه فهذا
أكمل .فإذا قدر آخر يفعل بقوة فيه وبكلمه وبيديه إذا شاء فهو أكمل وأكمل
وأما صفات النقص فمثل النوم فإن الي اليقظان أكمل من النائم والوسنان .وال
ل تأخذه سنة ول نوم وكذلك من يفظ الشيء بل اكتراث أكمل من يكرثه ذلك
؛ وال تعال وسع كرسيه السموات والرض ول يئوده حفظهما .وكذلك من
يفعل ول يتعب :أكمل من يتعب .وال تعال خلق السموات والرض وما بينهما
ف ستة أيام وما مسه من لغوب .ولذا وصف الرب بالعلم دون الهل والقدرة
دون العجز والياة دون الوت والسمع والبصر والكلم دون الصمم والعمى
والبكم والضحك دون البكاء والفرح دون الزن .وأما الغضب مع الرضا
والبغض مع الب فهو أكمل من ل يكون منه إل الرضا والب دون البغض
والغضب للمور الذمومة الت تستحق أن تذم وتبغض .ولذا كان اتصافه بأنه
يعطي وينع ويفض ويرفع ويعز ويذل :أكمل من اتصافه بجرد العطاء والعزاز
والرفع ؛ لن الفعل الخر -حيث تقتضي الكمة ذلك -أكمل ما ل يفعل إل
أحد النوعي ويل بالخر ف الحل الناسب له ومن اعتب هذا الباب وجده على
18
قانون الصواب وال الادي لول اللباب .
فصل :
وأما قول ملحدة " التفلسفة " وغيهم :إن اتصافه بذه الصفات إن أوجب له
كمال فقد استكمل بغيه فيكون ناقصا بذاته وإن أوجب له نقصا ل يز اتصافه با
.فيقال :قد تقدم أن الكمال العي هو الكمال المكن الوجود الذي ل نقص فيه
.وحينئذ فقول القائل يكون ناقصا بذاته إن أراد به أن يكون بدون هذه الصفات
ناقصا فهذا حق ؛ لكن من هذا فررنا وقدرنا أنه ل بد من صفات الكمال وإل
كان ناقصا .وإن أراد به أنه إنا صار كامل بالصفات الت اتصف با فل يكون
كامل بذاته الجردة عن هذه الصفات .فيقال أول :هذا إنا يتوجه أنه لو أمكن
وجود ذات مردة عن هذه الصفات أو أمكن وجود ذات كاملة مردة عن هذه
الصفات فإذا كان أحد هذين متنعا امتنع كماله بدون هذه الصفات فكيف إذا
كان كلها متنعا ؟ فإن وجود ذات كاملة بدون هذه الصفات متنع فإنا نعلم
بالضرورة أن " الذات " الت ل تكون حية عليمة قديرة سيعة بصية متكلمة :
ليست أكمل من الذات الت ل تكون حية عليمة سيعة بصية متكلمة .وإذا كان
صريح العقل يقضي بأن الذات السلوبة هذه الصفات ليست مثل الذات التصفة ؛
فضل عن أن تكون أكمل منها ويقضي بأن الذات التصفة با أكمل علم
بالضرورة امتناع كمال الذات بدون هذه الصفات فإن قيل بعد ذلك ل تكون ذاته
ناقصة مسلوبة الكمال إل بذه الصفات .قيل :الكمال بدون هذه الصفات متنع
وعدم المتنع ليس نقصا وإنا النقص عدم ما يكن .وأيضا فإذا ثبت أنه يكن
اتصافه بالكمال وما اتصف به وجب له وامتنع ترد ذاته عن هذه الصفات ؛ فكان
تقدير ذاته منفكة عن هذه الصفات تقديرا متنعا .وإذا قدر للذات تقدير متنع
19
وقيل إنا ناقصة بدونه :كان ذلك ما يدل على امتناع ذلك التقدير ؛ ل على
امتناع نقيضه كما لو قيل :إذا مات كان ناقصا فهذا يقتضي وجوب كونه حيا
كذلك إذا كان تقدير ذاته خالية عن هذه الصفات يوجب أن تكون ناقصة :كان
ذلك ما يستلزم أن يوصف بذه الصفات .وأيضا فقول القائل :اكتمل بغيه
منوع ؛ فإنا ل نطلق على صفاته أنا غيه ول أنا ليست غيه ؛ على ما عليه "
أئمة السلف " كالمام أحد بن حنبل وغيه وهو اختيار حذاق الثبتة ؛ كابن
كلب وغيه .ومنهم من يقول :أنا ل أطلق عليها أنا ليست هي هو ول أطلق
عليها أنا ليست غيه ول أجع بي السلبي فأقول ل هي هو ول هي غيه .وهو
اختيار طائفة من الثبتة كالشعري ؛ وأظن أن قول أب السن التميمي هو هذا أو
ما يشبه هذا .ومنهم من يوز إطلق هذا السلب وهذا السلب :ف إطلقهما
جيعا كالقاضي أب بكر والقاضي أب يعلى .ومنشأ هذا أن لفظ " الغي " يراد به
الغاير للشيء ويراد به ما ليس هو إياه وكان ف إطلق اللفاظ الجملة إيهام لعان
فاسدة .ونن نيب بواب علمي فنقول :قول القائل :يتكمل بغيه .أيريد به
بشيء منفصل عنه أم يريد بصفة لوازم ذاته ؟ أما الول فممتنع .وأما الثان فهو
حق ولوازم ذاته ل يكن وجود ذاته بدونا ؛ كما ل يكن وجودها بدونه وهذا
كمال بنفسه ل بشيء مباين لنفسه .وقد نص الئمة -كأحد بن حنبل وغيه -
وأئمة الثبتة كأب ممد بن كلب وغيه على أن القائل إذا قال :المد ل .أو
قال :دعوت ال وعبدته .أو قال :بال .فاسم ال متناول لذاته التصفة بصفاته ؛
وليست صفاته زائدة على مسمى أسائه السن .وإذا قيل :هل صفاته زائدة على
الذات أم ل ؟ قيل :إن أريد بالذات الجردة الت يقر با نفاة الصفات فالصفات
زائدة عليها وإن أريد بالذات الذات الوجودة ف الارج فتلك ل تكون موجودة
إل بصفاتا اللزمة .والصفات ليست زائدة على الذات التصفة بالصفات وإن
20
كانت زائدة على الذات الت يقدر تردها عن الصفات .
فصل :
وأما قول القائل :لو قامت به صفات وجودية لكان مفتقرا إليها وهي مفتقرة إليه
فيكون الرب مفتقرا إل غيه فهو من جنس السؤال الول .فيقال أول :قول
القائل " :لو قامت به صفات وجودية لكان مفتقرا إليها " يقتضي إمكان جوهر
تقوم به الصفات ؛ وإمكان ذات ل تقوم با الصفات ؛ فلو كان أحدها متنعا
لبطل هذا الكلم فكيف إذا كان كلها متنعا ؟ فإن تقدير ذات مردة عن جيع
الصفات إنا يكن ف الذهن ل ف الارج كتقدير وجود مطلق ل يتعي ف الارج
.ولفظ " ذات " تأنيث ذو وذلك ل يستعمل إل فيما كان مضافا إل غيه فهم
يقولون :فلن ذو علم وقدرة ونفس ذات علم وقدرة .وحيث جاء ف القرآن أو
لغة العرب لفظ " ذو " ولفظ " ذات " ل يئ إل مقرونا بالضافة كقوله { فاتقوا
ال وأصلحوا ذات بينكم } وقوله { :عليم بذات الصدور } .وقول خبيب
رضي ال عنه -وذلك ف ذات الله . . .ونو ذلك .لكن لا صار النظار
يتكلمون ف هذا الباب قالوا :إنه يقال إنا ذات علم وقدرة ث إنم قطعوا هذا
اللفظ عن الضافة وعرفوه ؛ فقالوا " :الذات " وهي لفظ مولد ليس من لفظ
العرب العرباء ولذا أنكره طائفة من أهل العلم ؛ كأب الفتح بن برهان وابن
الدهان وغيها وقالوا :ليست هذه اللفظة عربية ورد عليهم آخرون كالقاضي
وابن عقيل وغيها ( .وفصل الطاب :أنا ليست من العربية العرباء بل من
الولدة كلفظ الوجود ولفظ الاهية والكيفية ونو ذلك فهذا اللفظ يقتضي وجود
صفات تضاف الذات إليها فيقال :ذات علم وذات قدرة وذات كلم والعن
كذلك فإنه ل يكن وجود شيء قائم بنفسه ف الارج ل يتصف بصفة ثبوتية
21
أصل ؛ بل فرض هذا ف الارج كفرض عرض يقوم بنفسه ل بغيه .ففرض
عرض قائم بنفسه ل صفة له كفرض صفة ل تقوم بغيها وكلها متنع فما هو
قائم بنفسه فل بد له من صفة وما كان صفة فل بد له من قائم بنفسه متصف به .
ولذا سلم النازعون أنم ل يعلمون قائما بنفسه ل صفة له سواء سوه جوهرا أو
جسما أو غي ذلك ويقولون :وجود جوهر معرى عن جيع العراض متنع فمن
قدر إمكان موجود قائم بنفسه ل صفة له فقد قدر ما ل يعلم وجوده ف الارج
ول يعلم إمكانه ف الارج فكيف إذا علم أنه متنع ف الارج عن الذهن .وكلم
نفاة الصفات جيعه يقتضي أن ثبوته متنع وإنا يكن فرضه ف العقل فالعقل يقدره
ف نفسه كما يقدر متنعات ل يعقل وجودها ف الوجود ول إمكانا ف الوجود .
وأيضا " فالرب تعال " إذا كان اتصافه بصفات الكمال مكنا -وما أمكن له
وجب -امتنع أن يكون مسلوبا صفات الكمال ففرض ذاته بدون صفاته اللزمة
الواجبة له فرض متنع .وحينئذ فإذا كان فرض عدم هذا متنعا عموما وخصوصا :
فقول القائل :يكون مفتقرا إليها وتكون مفتقرة إليه إنا يعقل مثل هذا ف شيئي .
يكن وجود كل واحد منهما دون الخر فإذا امتنع هذا بطل هذا التقدير .ث يقال
له :ما تعن بالفتقار ؟ أتعن أن الذات تكون فاعلة للصفات مبدعة لا أو بالعكس
؟ أم تعن التلزم وهو أن ل يكون أحدها إل بالخر ؟ فإن عنيت افتقار الفعول
إل الفاعل فهذا باطل فإن الرب ليس بفاعل لصفاته اللزمة له بل ل يلزمه شيء
معي من أفعاله ومفعولته .فكيف تعل صفاته مفعولة له وصفاته لزمة لذاته
ليست من مفعولته ؟ وإن عنيت التلزم فهو حق .وهذا كما يقال :ل يكون
موجودا إل أن يكون قديا واجبا بنفسه ول يكون عالا قادرا إل أن يكون حيا فإذا
كانت صفاته ملزمة ( لذاته كان ذلك أبلغ ف الكمال من جواز التفريق بينهما
فإنه لو جاز وجوده بدون صفات الكمال :ل يكن الكمال واجبا له بل مكنا له ؛
22
وحينئذ فكان يفتقر ف ثبوتا له إل غيه وذلك نقص متنع عليه كما تقدم بيانه ؛
فعلم أن التلزم بي الذات وصفات الكمال :هو كمال الكمال .
فصل :
وأما القائل :إنا أعراض ل تقوم إل بسم مركب والركب مكن متاج وذلك
عي النقص .فللمثبتة للصفات ف إطلق لفظ " العرض " على صفاته ( ثلث
طرق ( - :منهم من ينع أن تكون أعراضا :ويقول :بل هي صفات وليست
أعراضا كما يقول ذلك الشعري وكثي من الفقهاء من أصحاب أحد وغيه .
( ومنهم من يطلق عليها لفظ العراض كهشام وابن كرام وغيها ( .ومنهم من
يتنع من الثبات والنفي كما قالوا ف لفظ الغي وكما امتنعوا عن مثل ذلك ف لفظ
السم ونوه فإن قول القائل " :العلم عرض " بدعة وقوله :ليس بعرض " بدعة
" كما أن قوله " الرب جسم " بدعة وقوله " ليس بسم " بدعة .وكذلك أيضا
لفظ " السم " يراد به ف اللغة :البدن والسد كما ذكر ذلك الصمعي وأبو زيد
وغيها من أهل اللغة ( .وأما أهل الكلم فمنهم من يريد به الركب ويطلقه على
الوهر الفرد بشرط التركيب أو على الوهرين أو على أربعة جواهر أو ستة أو
ثانية أو ستة عشر أو اثني وثلثي أو الركب من الادة والصورة ( .ومنهم من
يقول :هو الوجود أو القائم بنفسه .وعامة هؤلء وهؤلء يعلون الشار إليه
متساويا ف العموم والصوص فلما كان اللفظ قد صار يفهم منه معان بعضها حق
وبعضها باطل :صار ممل .وحينئذ ( فالواب العلمي أن يقال :أتعن بقولك
أنا أعراض أنا قائمة بالذات أو صفة للذات ونو ذلك من العان الصحيحة ؟ أم
تعن با أنا آفات ونقائص ؟ أم تعن با أنا تعرض وتزول ول تبقى زماني ؟ فإن
عنيت الول فهو صحيح وإن عنيت الثان فهو منوع وإن عنيت الثالث فهذا مبن
23
على قول من يقول :العرض ل يبقى زماني .فمن قال ذلك وقال :هي باقية قال
:ل أسيها أعراضا ومن قال بل العرض يبقى زماني ل يكن هذا مانعا من تسميتها
أعراضا .وقولك :العرض ل يقوم إل بسم .فيقال لك هو حي عليم قدير عندك
.وهذه الساء ل يسمى با إل جسم كما أن هذه الصفات الت جعلتها أعراضا ل
يوصف با إل جسم فما كان جوابك عن ثبوت الساء :كان جوابا لهل
الثبات عن إثبات الصفات .ويقال له :ما تعن بقولك :هذه الصفات أعراض ل
تقوم إل بسم ؟ أتعن بالسم الركب الذي كان مفترقا فاجتمع ؟ أو ما ركبه
مركب فجمع أجزاءه ؟ أو ما أمكن تفريقه وتبعيضه وانفصال بعضه عن بعض
ونو ذلك ؟ أم تعن به ما هو مركب من الواهر الفردة أو من الادة والصورة ؟
أو تعن به ما يكن الشارة إليه ؟ أو ما كان قائما بنفسه ؟ أو ما هو موجود ؟ .
فإن عنيت " الول " ل نسلم أن هذه الصفات الت سيتها أعراضا ل تقوم إل
بسم بذا التفسي وإن عنيت به " الثان " ل نسلم امتناع التلزم ؛ فإن الرب تعال
موجود قائم بنفسه مشار إليه عندنا فل نسلم انتفاء التلزم على هذا التقدير .
وقول القائل :الركب مكن إن أراد بالركب :العان التقدمة مثل كونه كان
مفترقا فاجتمع أو ركبه مركب أو يقبل النفصال :فل نسلم القدمة الول
التلزمية وإن عن به ما يشار إليه أو ما يكون قائما بنفسه موصوفا بالصفات فل
نسلم انتفاء الثانية فالقول بالعراض مركب من ( مقدمتي تلزمية واستثنائية
بألفاظ مملة ؛ فإذا استفصل عن الراد حصل النع والبطال لحدها أو كليهما ،
وإذا بطلت إحدى القدمتي على كل تقدير بطلت الجة .
فصل :
24
وأما قول القائل :لو قامت به الفعال لكان مل للحوادث والادث إن أوجب له
كمال فقد عدمه قبله وهو نقص وإن ل يوجب له كمال ل يز وصفه به .فيقال
( أول هذا معارض بنظيه من الوادث الت يفعلها فإن كليهما حادث بقدرته
ومشيئته وإنا يفترقان ف الحل .وهذا التقسيم وارد على الهتي .وإن قيل ف
الفرق :الفعول ل يتصف به بلف الفعل القائم به قيل ف الواب :بل هم
يصفونه بالصفات الفعلية ويقسمون الصفات إل نفسية وفعلية ؛ فيصفونه بكونه
خالقا ورازقا بعد أن ل يكن كذلك وهذا التقسيم وارد عليهم .وقد أورده عليهم
الفلسفة ف " مسألة حدوث العال " فزعموا أن صفات الفعال ليست صفة كمال
ول نقص .فيقال لم :كما قالوا لؤلء " ف الفعال " الت تقوم به إنا ليست
كمال ول نقصا .فإن قيل :ل بد أن يتصف إما بنقص أو بكمال .قيل :ل بد
أن يتصف من الصفات الفعلية إما بنقص وإما بكمال فإن جاز ادعاء خلو أحدها
عن القسمي أمكن الدعوى ف الخر مثله وإل فالواب مشترك .وأما " التفلسفة
" فيقال لم :القدي ل تله الوادث ول يزال مل للحوادث عندكم فليس القدم
مانعا من ذلك عندكم ؛ بل عندكم هذا هو " الكمال المكن " الذي ل يكن
غيه وإنا نفوه عن واجب الوجود ؛ لظنهم عدم اتصافه به .وقد تقدم التنبيه على
إبطال قولم ف ذلك ل سيما وما قامت به الوادث التعاقبة يتنع وجوده عن علة
تامة أزلية موجبة لعلولا ؛ فإن العلة التامة الوجبة يتنع أن يتأخر عنها معلولا أو
شيء من معلولا ومت تأخر عنها شيء من معلولا كانت علة له بالقوة ل بالفعل
واحتاج مصيها علة بالفعل إل سبب آخر ؛ فإن كان الخرج لا من القوة إل
الفعل هو نفسه :صار فيه ما هو بالقوة وهو الخرج له إل الفعل ؛ وذلك يستلزم
أن يكون قابل أو فاعل وهم ينعون ذلك لمتناع الصفات الت يسمونا التركيب
.وإن كان الخرج له غيه كان ذلك متنعا بالضرورة والتفاق ؛ لن ذلك يناف
25
وجوب الوجود ؛ ولنه يتضمن " الدور العي " و " التسلسل ف الؤثرات " وإن
كان هو الذي صار فاعل للمعي بعد أن ل يكن امتنع أن يكون علة تامة أزلية
فقدم شيء من العال يستلزم كونه علة تامة ف الزل وذلك يستلزم أن ل يدث
عنه شيء بواسطة وبغي واسطة وهذا مالف للمشهود .ويقال ( ثانيا :ف إبطال
قول من جعل حدوث الوادث متنعا - :هذا مبن على تدد هذه المور بتجدد
الضافات والحوال والعدام ؛ فإن الناس متفقون على تدد هذه المور .وفرق
المدي بينهما من جهة اللفظ فقال :هذه حوادث وهذه متجددات والفروق
اللفظية ل تؤثر ف القائق العلمية .فيقال :تدد هذه التجددات إن أوجب له
كمال فقد عدمه قبله وهو نقص وإن أوجب له نقصا ل يز وصفه به .ويقال
( ثالثا :الكمال الذي يب اتصافه به هو المكن الوجود وأما المتنع فليس من
الكمال الذي يتصف به موجود والوادث التعلقة بقدرته ومشيئته يتنع وجودها
جيعا ف الزل ؛ فل يكون انتفاؤها ف الزل نقصا ؛ لن انتفاء المتنع ليس بنقص
.ويقال ( رابعا :إذا قدر ذات تفعل شيئا بعد شيء وهي قادرة على الفعل بنفسها
وذات ل يكنها أن تفعل بنفسها شيئا ؛ بل هي كالماد الذي ل يكنه أن يتحرك
كانت الول أكمل من الثانية .فعدم هذه الفعال نقص بالضرورة .وأما وجودها
بسب المكان فهو الكمال .ويقال ( خامسا :ل نسلم أن عدم هذه مطلقا
نقص ول كمال ول وجودها مطلقا نقص ول كمال ؛ بل وجودها ف الوقت
الذي اقتضته مشيئته وقدرته وحكمته هو الكمال ووجودها بدون ذلك نقص
وعدمها مع اقتضاء الكمة عدمها كمال ووجودها حيث اقتضت الكمة وجودها
هو الكمال .وإذا كان الشيء الواحد يكون وجوده تارة كمال وتارة نقصا
وكذلك عدمه .بطل التقسيم الطلق وهذا كما أن الشيء يكون رحة باللق إذا
احتاجوا إليه كالطر .ويكون عذابا إذا ضرهم فيكون إنزاله لاجتهم رحة
26
وإحسانا والحسن الرحيم متصف بالكمال ول يكون عدم إنزاله -حيث يضرهم
-نقصا بل هو أيضا رحة وإحسان فهو مسن بالوجود حي كان رحة وبالعدم
حي كان العدم رحة .
فصل :
وأما نفي الناف " للصفات البية " العينة ؛ فلستلزامها التركيب الستلزم للحاجة
والفتقار :فقد تقدم جواب نظيه فإنه إن أريد بالتركيب ما هو الفهوم منه ف
اللغة أو ف العرف العام أو عرف بعض الناس -وهو ما ركبه غيه -أو كان
متفرقا فاجتمع أو ما جع الواهر الفردة أو الادة والصورة أو ما أمكن مفارقة
بعضه لبعض فل نسلم القدمة الول ول نسلم أن إثبات الوجه واليد مستلزم
للتركيب بذا العتبار .وإن أريد به التلزم على معن امتياز شيء عن شيء ف
نفسه وأن هذا ليس هذا :فهذا لزم لم ف الصفات العنوية العلومة بالعقل كالعلم
والقدرة والسمع والبصر فإن الواحدة من هذه الصفات ليست هي الخرى ؛ بل
كل صفة متازة بنفسها عن الخرى وإن كانتا متلزمتي يوصف بما موصوف
واحد .ونن نعقل هذا ف صفات الخلوقي كأبعاض الشمس وأعراضها .وأيضا
:فإن أريد أنه ل بد من وجود ما بالاجة والفتقار إل مباين له فهو منوع وإن
أريد أنه ل بد من وجود ما هو داخل ف مسمى اسه ؛ وأنه يتنع وجود الواجب
بدون تلك المور الداخلة ف مسمى اسه :فمعلوم أنه ل بد له من نفسه فل بد له
ما يدخل ف مسماها بطريق الول الحرى .وإذا قيل :هو مفتقر إل نفسه ل
يكن معناه أن نفسه تفعل نفسه ؛ فكذلك ما هو داخل فيها ؛ ولكن العبارة موهة
مملة فإذا فسر العن زال الحذور .ويقال أيضا :نن ل نطلق على هذا اللفظ
27
الغي ؛ فل يلزمه أن يكون متاجا إل الغي فهذا من جهة الطلق اللفظي ؛ وأما
من جهة الدليل العلمي فالدليل دل على وجود موجود بنفسه ل فاعل ول علة
فاعلة وأنه مستغن بنفسه عن كل ما يباينه .وأما الوجود الذي ل يكون له صفة
ول يدخل ف مسمى اسه معن من العان الثبوتية :فهذا إذا ادعى الدعي أنه العن
بوجوب الوجود وبالغن .قيل له :لكن هذا العن ليس هو مدلول الدلة ؛ ولكن
أنت قدرت أن هذا مسمى السم وجعل اللفظ دليل على هذا العن ل ينفعك إن
ل يثبت أن العن حق ف نفسه ول دليل لك على ذلك ؛ بل الدليل يدل على
نقيضه .فهؤلء عمدوا إل لفظ الغن والقدي والواجب بنفسه فصاروا يملونا
على معان تستلزم معان تناقض ثبوت الصفات وتوسعوا ف التعبي ث ظنوا أن هذا
الذي فعلوه هو موجب الدلة العقلية وغيها .وهذا غلط منهم .فموجب الدلة
العقلية ل يتلقى من مرد التعبي وموجب الدلة السمعية يتلقى من عرف التكلم
بالطاب ل من الوضع الحدث ؛ فليس لحد أن يقول :إن اللفاظ الت جاءت
ف القرآن موضوعة لعان ث يريد أن يفسر مراد ال بتلك العان ؛ هذا من فعل أهل
اللاد الفترين .فإن هؤلء عمدوا إل معان ظنوها ثابتة ؛ فجعلوها هي معن
الواحد والواجب والغن والقدي ونفي الثل ؛ ث عمدوا إل ما جاء ف القرآن
والسنة من تسمية ال تعال بأنه أحد وواحد علي ونو ذلك من نفي الثل والكفؤ
عنه .فقالوا :هذا يدل على العان الت سيناها بذه الساء وهذا من أعظم الفتراء
على ال .وكذلك " التفلسفة " عمدوا إل لفظ الالق والفاعل والصانع والحدث
ونو ذلك .فوضعوها لعن ابتدعوه وقسموا الدوث إل نوعي :ذات وزمان
وأرادوا بالذات كون الربوب مقارنا للرب أزل وأبدا ؛ فإن اللفظ على هذا العن
ل يعرف ف لغة أحد من المم ؛ ولو جعلوا هذا اصطلحا لم ل تنازعهم فيه ؛
لكن قصدوا بذلك التلبيس على الناس وأن يقولوا نن نقول بدوث العال وأن ال
28
خالق له وفاعل له وصانع له ونو ذلك من العان الت يعلم بالضطرار أنا تقتضي
تأخر الفعول ل يطلق على ما كان قديا بقدم الرب مقارنا له أزل وأبدا .وكذلك
فعل من فعل بلفظ " التكلم " وغي ذلك من الساء ولو فعل هذا بكلم سيبويه
وبقراط :لفسد ما ذكروه من النحو والطب ؛ ولو فعل هذا بكلم آحاد العلماء
كمالك والشافعي وأحد وأب حنيفة :لفسد العلم بذلك ولكان ملبوسا عليهم
فكيف إذا فعل هذا بكلم رب العالي .وهذه طريقة اللحدة الذين ألدوا ف
أساء ال وآياته ومن شاركهم ف بعض ذلك .مثل قول من يقول " :الواحد "
الذي ل ينقسم ومعن قوله :ل ينقسم أي ل يتميز منه شيء عن شيء ويقول ل
تقوم به صفة .ث زعموا أن الحد والواحد ف القرآن يراد به هذا .ومعلوم أن
كل ما ف القرآن من اسم الواحد والحد كقوله تعال { :وإن كانت واحدة فلها
النصف } وقوله { :قالت إحداها يا أبت استأجره } وقوله { :ول يكن له
كفوا أحد } وقوله { :وإن أحد من الشركي استجارك } وقوله { :ذرن ومن
خلقت وحيدا } وأمثال ذلك يناقض ما ذكروه فإن هذه الساء أطلقت على قائم
بنفسه مشار إليه يتميز منه شيء عن شيء .وهذا الذي يسمونه ف اصطلحهم
جسما .وكذلك إذا قالوا :الوصوفات تتماثل والجسام تتماثل والواهر تتماثل
وأرادوا أن يستدلوا بقوله تعال { :ليس كمثله شيء } على نفي مسمى هذه
المور الت سوها بذه الساء ف اصطلحهم الادث كان هذا افتراء على القرآن ؛
فإن هذا ليس هو الثل ف لغة العرب ؛ ول لغة القرآن ول غيها .قال تعال { :
وإن تتولوا يستبدل قوما غيكم ث ل يكونوا أمثالكم } .فنفى ماثلة هؤلء مع
اتفاقهم ف النسانية فكيف يقال :إن لغة العرب توجب أن كل ما يشار إليه مثل
كل ما يشار إليه .وقال تعال { :أل تر كيف فعل ربك بعاد } { إرم ذات
العماد } { الت ل يلق مثلها ف البلد } فأخب أنه ل يلق مثلها ف البلد
29
وكلها بلد ؛ فكيف يقال إن كل جسم فهو مثل لكل جسم ف لغة العرب حت
يمل على ذلك قوله { :ليس كمثله شيء } .وقد قال الشاعر :ليس كمثل
الفت زهي وقال :ما إن كمثلهم ف الناس من بشر ول يقصد هذا أن ينفي وجود
جسم من الجسام .وكذلك لفظ " التشابه " ليس هو التماثل ف اللغة قال تعال
{ :وأتوا به متشابا } وقال تعال { متشابا وغي متشابه } ول يرد به شيئا هو
ماثل ف اللغة وليس الراد هنا كون الواهر متماثلة ف العقل أو ليست متماثلة ؛
فإن هذا مبسوط ف موضعه ؛ بل الراد أن أهل اللغة الت با نزل القرآن ل يعلون
مرد هذا موجبا لطلق اسم الثل ؛ ول يعلون نفي الثل نفيا لذا فحمل القرآن
على ذلك كذب على القرآن .
30
أريد " بالناسبة " هذا وأمثاله فهذه الناسبة حق وهي من صفات الكمال كما
تقدمت الشارة إليه فإن من يب صفات الكمال أكمل من ل فرق عنده بي
صفات النقص والكمال ؛ أو ل يب صفات الكمال .وإذا قدر موجودان :
( أحدها يب العلم والصدق والعدل والحسان ونو ذلك .و ( الخر ل فرق
عنده بي هذه المور وبي الهل والكذب والظلم ونو ذلك ل يب هذا ول
يبغض هذا كان الذي يب تلك المور أكمل من هذا .فدل على أن من جرده
عن " صفات الكمال والوجود " بأن ل يكون له علم كالماد فالذي يعلم أكمل
منه ؛ ومعلوم أن الذي يب الحمود ويبغض الذموم :أكمل من يبهما أو
يبغضهما .وأصل " هذه السألة " الفرق بي مبة ال ورضاه وغضبه وسخطه وبي
إرادته كما هو مذهب السلف والفقهاء وأكثر الثبتي للقدر من أهل السنة وغيهم
وصار طائفة من القدرية والثبتي للقدر إل أنه ل فرق بينهما .ث قالت " القدرية
" :هو ل يب الكفر والفسوق والعصيان ول يريد ذلك فيكون ما ل يشأ ويشاء
ما ل يكن .وقالت " الثبتة " ما شاء كان وما ل يشأ ل يكن وإذن قد أراد الكفر
والفسوق والعصيان ول يرده دينا أو أراده من الكافر ول يرده من الؤمن فهو
لذلك يب الكفر والفسوق والعصيان ول يبه دينا ويبه من الكافر ول يبه من
الؤمن .وكل القولي خطأ مالف للكتاب والسنة وإجاع سلف المة وأئمتها ؛
فإنم متفقون على أنه ما شاء ال كان وما ل يشأ ل يكن وأنه ل يكون شيء إل
بشيئته وممعون على أنه ل يب الفساد ول يرضى لعباده الكفر وأن الكفار
يبيتون ما ل يرضى من القول والذين نفوا مبته بنوها على هذا الصل الفاسد .
فصل :
31
وأما قول القائل " :الرحة " ضعف وخور ف الطبيعة وتأل على الرحوم فهذا
باطل .أما " أول " :فلن الضعف والور مذموم من الدميي والرحة مدوحة ؛
وقد قال تعال { :وتواصوا بالصب وتواصوا بالرحة } وقد نى ال عباده عن
الوهن والزن ؛ فقال تعال { :ول تنوا ول تزنوا وأنتم العلون إن كنتم مؤمني
} وندبم إل الرحة .وقال النب صلى ال عليه وسلم ف الديث الصحيح { :ل
تنع الرحة إل من شقي } وقال { :من ل يرحم ل يرحم } وقال { :الراحون
يرحهم الرحن .ارحوا من ف الرض يرحكم من ف السماء } .ومال أن يقول
:ل ينع الضعف والور إل من شقي ؛ ولكن لا كانت الرحة تقارن ف حق
كثي من الناس الضعف والور -كما ف رحة النساء ونو ذلك -ظن الغالط أنا
كذلك مطلقا .و ( أيضا :فلو قدر أنا ف حق الخلوقي مستلزمة لذلك ل يب
أن تكون ف حق ال تعال مستلزمة لذلك كما أن العلم والقدرة ؛ والسمع والبصر
والكلم فينا يستلزم من النقص والاجة ما يب تنيه ال عنه .وكذلك " الوجود
" و " القيام بالنفس " فينا :يستلزم احتياجا إل خالق يعلنا موجودين وال منه ف
وجوده عما يتاج إليه وجودنا فنحن وصفاتنا وأفعالنا مقرونون بالاجة إل الغي
والاجة لنا أمر ذات ل يكن أن نلو عنه وهو سبحانه الغن له أمر ذات ل يكن أن
يلو عنه ؛ فهو بنفسه حي قيوم واجب الوجود ونن بأنفسنا متاجون فقراء .فإذا
كانت ذاتنا وصفاتنا وأفعالنا وما اتصفنا به من الكمال من العلم والقدرة وغي
ذلك هو مقرون بالاجة والدوث والمكان :ل يب أن يكون ل ذات ول
صفات ول أفعال ول يقدر ول يعلم ؛ لكون ذلك ملزما للحاجة فينا .فكذلك "
الرحة " وغيها إذا قدر أنا ف حقنا ملزمة للحاجة والضعف ؛ ل يب أن تكون
ف حق ال ملزمة لذلك .وأيضا :فنحن نعلم بالضطرار أنا إذا فرضنا موجودين
32
أحدها يرحم غيه فيجلب له النفعة ويدفع عنه الضرة ؛ والخر قد استوى عنده
هذا وهذا وليس عنده ما يقتضي جلب منفعة ول دفع مضرة :كان الول أكمل .
33
ال منفعل لا عاجزا عن دفعها وكان كل ما يري ف الوجود فإنه بشيئته وقدرته
ل يكون إل ما يشاء ول يشاء إل ما يكون له اللك وله المد .
34
كل ما يعلمه القلب وينطق به اللسان من نفي وإثبات فقالوا :ل نقول موجود ول
ل موجود ول موصوف ول ل موصوف ؛ لا ف ذلك -على زعمهم -من
التشبيه وهذا يستلزم أن يكون متنعا وهو مقتضى التشبيه بالمتنع والتشبيه المتنع
على ال أن يشارك الخلوقات ف شيء من خصائصها وأن يكون ماثل لا ف شيء
من صفاته كالياة والعلم والقدرة فإنه وإن وصف با فل تاثل صفة الالق صفة
الخلوق كالدوث والوت والفناء والمكان .
35
عجب ربك من شاب ليست له صبوة } وقال { :عجب ربك من راعي غنم
على رأس شظية يؤذن ويقيم فيقول ال انظروا إل عبدي } أو كما قال .ونو
ذلك .
36
المر بينهن لتعلموا أن ال على كل شيء قدير وأن ال قد أحاط بكل شيء علما
} وهؤلء ينظرون ف العال ول يعلمون أن ال على كل شيء قدير ول أن ال قد
أحاط بكل شيء علما ( .ومنها أنا إذا قدرنا مالكي ( :أحدها يريد شيئا فل
يكون ويكون ما ل يريد ( والخر ل يريد شيئا إل كان ول يكون إل ما يريد
علمنا بالضرورة أن هذا أكمل .وف الملة قول " الثبتة للقدرة " يتضمن أنه
خالق كل شيء وربه ومليكه وأنه على كل شيء قدير وأنه ما شاء كان ؛ فيقتضي
كمال خلقه وقدرته ومشيئته و " نفاة القدر " يسلبونه هذه الكمالت .وأما قوله
" :إن التعذيب على القدر ظلم منه " فهذه دعوى مردة ليس معهم فيها إل قياس
الرب على أنفسهم ول يقول عاقل إن كل ما كان نقصا من أي موجود كان :
لزم أن يكون نقصا من ال ؛ بل ول يقبح هذا من النسان مطلقا ؛ بل إذا كان له
مصلحة ف تعذيب بعض اليوان وأن يفعل به ما فيه تعذيب له حسن ذلك منه ؛
كالذي يصنع القز فإنه هو الذي يسعى ف أن دود القز ينسجه ث يسعى ف أن
يلقى ف الشمس ليحصل له القصود من القز وهو هنا له سعي ف حركة الدود الت
كانت سبب تعذيبه .وكذلك الذي يسعى ف أن يتوالد له ماشية وتبيض له دجاج
ث يذبح ذلك لينتفع به فقد تسبب ف وجود ذلك اليوان تسببا أفضى إل عذابه ؛
لصلحة له ف ذلك .ففي " الملة " :النسان يسن منه إيلم اليوان لصلحة
راجحة ف ذلك فليس جنس هذا مذموما ول قبيحا ول ظلما وإن كان من ذلك
ما هو ظلم .وحينئذ فالظلم من ال إما أن يقال :هو متنع لذاته ؛ لن الظلم
تصرف التصرف ف غي ملكه وال له كل شيء ؛ أو الظلم مالفة المر الذي تب
طاعته ؛ وال تعال يتنع منه التصرف ف ملك غيه أو مالفة أمر من يب عليه
طاعته .فإذا كان الظلم ليس إل هذا أو هذا :امتنع الظلم منه .وإما أن يقال :
هو مكن لكنه سبحانه ل يفعله لغناه وعلمه بقبحه ؛ ولخباره أنه ل يفعله ؛
37
ولكمال نفسه يتنع وقوع الظلم منه إذ كان العدل والرحة من لوازم ذاته ؛ فيمتنع
اتصافه بنقيض صفات الكمال الت هي من لوازمه على هذا القول فالذي يفعله
لكمة اقتضت ذلك كما أن الذي يتنع من فعله لكمة تقتضي تنيهه عنه .وعلى
هذا فكل ما فعله علمنا أن له فيه حكمة ؛ وهذا يكفينا من حيث الملة وإن ل
نعرف التفصيل وعدم علمنا بتفصيل حكمته بنلة عدم علمنا بكيفية ذاته ؛ وكما
أن ثبوت صفات الكمال له معلوم لنا وأما كنه ذاته فغي معلومة لنا فل نكذب با
علمناه ما ل نعلمه .وكذلك نن نعلم أنه " حكيم " فيما يفعله ويأمر به وعدم
علمنا بالكمة ف بعض الزئيات ل يقدح فيما علمناه من أصل حكمته ؛ فل
نكذب با علمناه من حكمته ما ل نعلمه من تفصيلها .ونن نعلم أن من علم
حذق أهل الساب والطب والنحو ول يكن متصفا بصفاتم الت استحقوا با أن
يكونوا من أهل الساب والطب والنحو ل يكنه أن يقدح فيما قالوه ؛ لعدم علمه
بتوجيهه .والعباد أبعد عن معرفة ال وحكمته ف خلقه من معرفة عوامهم
بالساب والطب والنحو فاعتراضهم على حكمته أعظم جهل وتكلفا للقول بل
علم من العامي الحض إذا قدح ف الساب والطب والنحو بغي علم بشيء من
ذلك .وهذا يتبي بالصل الذي ذكرناه ف الكمال وهو قولنا :إن الكمال الذي
ل نقص فيه للممكن الوجود يب اتصافه به وتنيهه عما يناقضه فيقال :خلق
بعض اليوان وفعله الذي يكون سببا لعذابه هل هو نقص مطلقا أم يتلف ؟ .
وأيضا فإذا كان ف خلق ذلك حكمة عظيمة ل تصل إل بذلك فأيا أكمل تصيل
ذلك بتلك الكمة العظيمة أو تفويتها ؟ وأيضا فهل يكن حصول الكمة الطلوبة
بدون حصول هذا ؟ فهذه أمور إذا تدبرها النسان ؛ علم أنه ل يكنه أن يقول
خلق فعل اليوان الذي يكون سببا لتعذيبه نقص مطلقا .و " الثبتة للقدر " قد
تيب بواب آخر ؛ لكن ينازعهم المهور فيه .فيقولون :كونه يفعل ما يشاء
38
ويكم ما يريد صفة كمال بلف الذي يكون مأمورا منهيا الذي يؤمر بشيء
وينهى عن شيء .ويقولون إنا قبح من غيه أن يفعل ما شاء لا يلحقه من الضرر
وهو سبحانه ل يوز أن يلحقه ضرر .والمهور يقولون :إذا قدرنا من يفعل ما
يريد بل حكمة مبوبة تعود إليه ول رحة وإحسان يعود إل غيه :كان الذي
يفعل لكمة ورحة أكمل من يفعل ل لكمة ول لرحة .ويقولون :إذا قدرنا
مريدا ل ييز بي مراده ومراد غيه .ومريدا ييز بينهما ؛ فييد ما يصلح أن يراد
وينبغي أن يراد ؛ دون ما هو بالضد :كان هذا الثان أكمل .ويقولون :الأمور
النهي الذي فوقه آمر ناه هو ناقص بالنسبة إل من ليس فوقه آمر ناه لكن إذا كان
هو المر لنفسه با ينبغي أن يفعل والحرم عليها ما ل ينبغي أن يفعل وآخر يفعل
ما يريده بدون أمر وني من نفسه فهذا اللتزم لمره ونيه -الواقعي على وجه
الكمة -أكمل من ذلك ؛ وقد قال تعال { كتب ربكم على نفسه الرحة }
وقال { :يا عبادي إن حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم مرما فل تظالوا
} .وقالوا أيضا :إذا قيل يفعل ما يشاء ويكم ما يريد على وجه بيان قدرته وأنه
ل مانع له ول يقدر غيه أن ينعه مراده ول أن يعله مريدا كان هذا أكمل من له
مانع ينعه مراده ومعي ل يكون مريدا أو فاعل لا يريد إل به .وأما إذا قيل :
يفعل ما يريد باعتبار أنه ل يفعل على وجه مقتضى العلم والكمة ؛ بل هو
( متسفه فيما يفعله وآخر يفعل ما يريد ؛ لكن إرادته مقرونة بالعلم والكمة ؛
كان هذا الثان أكمل .و ( جاع المر ف ذلك :أن كمال القدرة صفة كمال
وكون الرادة نافذة ل تتاج إل معاون ول يعارضها مانع وصف كمال .وأما
كون " الرادة " ل تيز بي مراد ومراد بل جيع الجناس عندها سواء فهذا ليس
بوصف كمال ؛ بل الرادة الميزة بي مراد ومراد -كما يقتضيه العلم والكمة -
هي الوصوفة بالكمال فمن نقصه ف قدرته وخلقه ومشيئته فلم يقدره قدره .ومن
39
نقصه من حكمته ورحته فلم يقدره حق قدره .والكمال الذي يستحقه إثبات
هذا وهذا .
فصل :وأما
" منكرو النبوات " وقولم :ليس اللق أهل أن يرسل ال إليهم رسول كما أن
أطراف الناس ليسوا أهل أن يرسل السلطان إليهم رسول :فهذا جهل واضح ف
حق الخلوق والالق فإن من أعظم ما تمد به اللوك خطابم بأنفسهم لضعفاء
الرعية فكيف بإرسال رسول إليهم .وأما ف حق الالق فهو سبحانه أرحم بعباده
من الوالدة بولدها وهو قادر مع كمال رحته فإذا كان كامل القدرة كامل الرحة
فما الانع أن يرسل إليهم رسول رحة منه ؟ كما قال تعال { :وما أرسلناك إل
رحة للعالي } .وقال النب صلى ال عليه وسلم { إنا أنا رحة مهداة } ولن
هذا من جلة إحسانه إل اللق بالتعليم والداية وبيان ما ينفعهم وما يضرهم كما
قال تعال { :لقد من ال على الؤمني إذ بعث فيهم رسول من أنفسهم يتلو
عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والكمة } فبي تعال أن هذا من مننه على
عباده الؤمني .فإن كان النكر ينكر قدرته على ذلك فهذا قدح ف كمال قدرته
وإن كان ينكر إحسانه بذلك فهذا قدح ف كمال رحته وإحسانه .فعلم أن
إرسال الرسول من أعظم الدللة على كمال قدرته وإحسانه والقدرة والحسان
من صفات الكمال ل النقص .وأما تعذيب الكذبي فذلك داخل ف القدر لا له
فيه من الكمة .
فصل :وأما
40
" قول الشركي " :إن عظمته وجلله يقتضي أن ل يتقرب إليه إل بواسطة
وحجاب والتقرب بدون ذلك غض من جنابه الرفيع فهذا باطل من وجوه ( :منها
أن الذي ل يتقرب إليه إل بوسائط وحجاب إما أن يكون قادرا على ساع كلم
جنده وقضاء حوائجهم بدون الوسائط والجاب وإما أن ل يكون قادرا فإن ل
يكن قادرا كان هذا نقصا وال تعال موصوف بالكمال ؛ فوجب أن يكون متصفا
بأنه يسمع كلم عباده بل وسائط وييب دعاءهم ويسن إليهم بدون حاجة إل
حجاب وإن كان اللك قادرا على فعل أموره بدون الجاب وترك الجاب
إحسانا ورحة كان ذلك صفة كمال .وأيضا :فقول القائل :إن هذا غض منه
إنا يكون فيمن يكن اللق أن يضروه ويفتقر ف نفعه إليهم فأما مع كمال قدرته
واستغنائه عنهم وأمنه أن يؤذوه فليس تقربم إليه غضا منه ؛ بل إذا كان اثنان :
أحدها يقرب إليه الضعفاء إحسانا إليهم ول ياف منهم والخر ل يفعل ذلك إما
خوفا وإما كبا وإما غي ذلك :كان الول أكمل من الثان :وأيضا فإن هذا ل
يقال إذا كان ذلك بأمر الطاع ؛ بل إذا أذن للناس ف التقرب منه ودخول داره :
ل يكن ذلك سوء أدب عليه ول غضا منه فهذا إنكار على من تعبده بغي ما شرع
.ولذا قال تعال { :إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا } { وداعيا إل ال بإذنه
} وقال تعال { :أم لم شركاء شرعوا لم من الدين ما ل يأذن به ال } .
فصل :وأما:
قول القائل :إنه لو قيل لم أيا أكمل ؟ ذات توصف بسائر أنواع الدراكات من
الذوق والشم واللمس ؟ أم ذات ل توصف با ؟ لقالوا :الول أكمل ول يصفوه
با .فتقول مثبتة الصفات لم :ف هذه الدراكات ثلثة أقوال معروفة ( :أحدها
:إثبات هذه الدراكات ل تعال كما يوصف بالسمع والبصر .وهذا قول
41
القاضي أب بكر وأب العال وأظنه قول الشعري نفسه بل هو قول العتزلة
البصريي الذين يصفونه بالدراكات .وهؤلء وغيهم يقولون :تتعلق به
الدراكات المسة أيضا كما تتعلق به الرؤية ؛ وقد وافقهم على ذلك القاضي أبو
يعلى ف " العتمد " وغيه ( .والقول الثان :قول من ينفي هذه الثلثة ؛ كما
ينفي ذلك كثي من الثبتة أيضا من الصفاتية وغيهم .وهذا قول طوائف من
الفقهاء من أصحاب الشافعي وأحد وكثي من أصحاب الشعري وغيه .
( والقول الثالث :إثبات إدراك اللمس دون إدراك الذوق ؛ لن الذوق إنا يكون
للمطعوم فل يتصف به إل من يأكل ول يوصف به إل ما يؤكل وال سبحانه منه
عن الكل بلف اللمس فإنه بنلة الرؤية وأكثر أهل الديث يصفونه باللمس
وكذلك كثي من أصحاب مالك والشافعي وأحد وغيهم ول يصفونه بالذوق .
وذلك أن نفاة الصفات من العتزلة قالوا للمثبتة :إذا قلتم إنه يرى .فقولوا إنه
يتعلق به سائر أنواع الس .وإذا قلتم إنه سيع بصي فصفوه بالدراكات المسة .
فقال " أهل الثبات قاطبة " نن نصفه بأنه يرى وأنه يسمع كلمه كما جاءت
بذلك النصوص .وكذلك نصفه بأنه يسمع ويرى .وقال جهور أهل الديث
والسنة :نصفه أيضا بإدراك اللمس لن ذلك كمال ل نقص فيه .وقد دلت عليه
النصوص بلف إدراك الذوق فإنه مستلزم للكل وذلك مستلزم للنقص كما تقدم
.وطائفة من نظار الثبتة وصفوه بالوصاف المس من الانبي .ومنهم من قال :
إنه يكن أن تتعلق به هذه النواع كما تتعلق به الرؤية لعتقادهم أن مصحح
الرؤية الوجود ول يقولوا إنه متصف با .وأكثر مثبت الرؤية ل يعلوا مرد الوجود
هو الصحح للرؤية ؛ بل قالوا إن القتضى أمور وجودية ل أن كل موجود يصح
رؤيته وبي المرين فرق ؛ فإن الثان يستلزم رؤية كل موجود ؛ بلف الول ؛
وإذا كان الصحح للرؤية هي أمور وجودية ل يشترط فيها أمور عدمية ؛ فما كان
42
أحق بالوجود وأبعد عن العدم كان أحق بأن توز رؤيته ومنهم من نفى ما سوى
السمع والبصر من الانبي .
43
مصلحة كقول النب صلى ال عليه وسلم { أنا سيد ولد آدم ول فخر } .وأما إذا
كان فيه مفسدة راجحة أو مساوية فيذم لفعله ما هو مفسدة ل لكذبه والرب تعال
ل يفعل ما هو مذموم عليه ؛ بل له المد على كل حال فكل ما يفعله هو منه
حسن جيل ممود .وأما على قول من يقول :الظلم منه متنع لذاته فظاهر .وأما
على قول المهور من أهل السنة والقدرية فإنه إنا يفعل بقتضى الكمة والعدل
فأخباره كلها وأقواله وأفعاله كلها حسنة ممودة واقعة على وجه الكمال الذي
يستحق عليه المد وله من المور الت يستحق با الكبياء والعظمة ما هو من
خصائصه تبارك وتعال .فالكبياء والعظمة له بنلة كونه حيا قيوما قديا واجبا
بنفسه وأنه بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير وأنه العزيز الذي ل ينال وأنه
قهار لكل ما سواه .فهذه كلها صفات كمال ل يستحقها إل هو ؛ فما ل
يستحقه إل هو كيف يكون كمال من غيه وهو معدوم لغيه ؟ فمن ادعاه كان
مفتريا منازعا للربوبية ف خواصها كما ثبت ف الديث الصحيح عن النب صلى
ال عليه وسلم قال { :يقول ال تعال :العظمة إزاري والكبياء ردائي فمن
نازعن واحدا منهما عذبته } .وجلة ذلك :أن الكمال الختص بالربوبية ليس
لغيه فيه نصيب فهذا تقيق اتصافه بالكمال الذي ل نصيب لغيه فيه .ومثل هذا
الكمال ل يكون لغيه فادعاؤه منازعة للربوبية وفرية على ال .ومعلوم أن النبوة
كمال للنب وإذا ادعاها الفترون -كمسيلمة وأمثاله -كان ذلك نقصا منهم ل
لن النبوة نقص ؛ ولكن دعواها من ليست له هو النقص وكذلك لو ادعى العلم
والقدرة والصلح من ليس متصفا بذلك كان مذموما مقوتا وهذا يقتضي أن الرب
تعال متصف بكمال ل يصلح للمخلوق وهذا ل يناف أن ما كان كمال للموجود
من حيث هو موجود :فالالق أحق به ؛ ولكن يفيد أن الكمال الذي يوصف به
الخلوق با هو منه إذا وصف الالق با هو منه فالذي للخالق ل ياثله ما للمخلوق
44
ول يقاربه .وهذا حق فالرب تعال مستحق للكمال متص به على وجه ل ياثله
فيه شيء فليس له سي ول كفؤ سواء كان الكمال ما ل يثبت منه شيء للمخلوق
كربوبية العباد والغن الطلق ونو ذلك أو كان ما يثبت منه نوع للمخلوق ؛
فالذي يثبت للخالق منه نوع هو أعظم ما يثبت من ذلك للمخلوق :عظمة هي
أعظم من فضل أعلى الخلوقات على أدناها .و " ملخص ذلك " أن الخلوق يذم
منه الكبياء والتجب وتزكية نفسه أحيانا ونو ذلك .وأما قول السائل :فإن قلتم
نن نقطع النظر عن متعلق الصفة وننظر فيها هل هي كمال أم نقص ؟ وكذلك
نيل الكم عليها بأحدها ؛ لنا قد تكون كمال لذات نقصا لخرى على ما
ذكر .فيقال :بل نن نقول الكمال الذي ل نقص فيه للممكن الوجود هو كمال
مطلق لكل ما يتصف به .وأيضا فالكمال الذي هو كمال للموجود -من حيث
هو موجود -يتنع أن يكون نقصا ف بعض الصور ؛ لن ما كان نقصا ف بعض
الصور تاما ف بعض :هو كمال لنوع من الوجودات دون نوع فل يكون كمال
للموجود من حيث هو موجود .ومن الطرق الت با يعرف ذلك :أن نقدر
موجودين :أحدها متصف بذا والخر بنقيضه فإنه يظهر من ذلك أيهما أكمل
وإذا قيل هذا أكمل من وجه وهذا أنقص من وجه ل يكن كمال مطلقا .
وال أعلم والمد ل رب العالي وصلى ال على سيدنا ممد وآله وسلم .
تم نسخ هذه الرسالة من موقع السلم
مكتبة مشكاة السلمية
http://www.almeshkat.net/books/index.php
45