You are on page 1of 31

‫معارج‬

‫الوصول‬
‫شيخ السلم ابن تيمية‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬

‫‪1‬‬
‫بسم ال الرحن الرحيم‬
‫قال الشيخ المام العال تقي الدين أوحد الجتهدين أحد ابن تيمية ‪ -‬قدس ال‬
‫روحه ونور ضريه‪.‬‬
‫المد ل نمده ونستعينه ؛ ونستهديه ونستغفره ونعوذ بال من شرور أنفسنا‬
‫ومن سيئات أعمالنا من يهد ال فل مضل له ومن يضلل فل هادي له ونشهد أن‬
‫ل إله إل ال وحده ل شريك له ؛ ونشهد أن ممدا عبده ورسوله صلى ال عليه‬
‫وسلم تسليما ‪.‬‬
‫فصل ف أن رسول ال صلى ال عليه وسلم بي جيع الدين أصوله وفروعه ؛‬
‫باطنه وظاهره علمه وعمله فإن هذا الصل هو أصل أصول العلم واليان وكل‬
‫من كان أعظم اعتصاما بذا الصل كان أول بالق علما وعمل ومن كان أبعد‬
‫عن الق علما وعمل ‪ :‬كالقرامطة والتفلسفة الذين يظنون ‪ :‬أن الرسل ما كانوا‬
‫يعلمون حقائق العلوم اللية والكلية وإنا يعرف ذلك بزعمهم من يعرفه من‬
‫التفلسفة ويقولون ‪ :‬خاصة النبوة هي التخييل ويعلون النبوة أفضل من غيها‬
‫عند المهور ل عند أهل العرفة كما يقول هذا ونوه الفاراب وأمثاله مثل مبشر‬
‫ابن فاتك وأمثاله من الساعيلية ‪ .‬وآخرون يعترفون بأن الرسول علم القائق‬
‫لكن يقولون ‪ :‬ل يبينها بل خاطب المهور بالتخييل فيجعلون التخييل ف خطابه‬
‫ل ف علمه كما يقول ذلك ابن سينا وأمثاله ‪ .‬وآخرون يعترفون بأن الرسل‬
‫علموا الق وبينوه لكن يقولون ‪ :‬ل يكن معرفته من كلمهم بل يعرف بطريق‬
‫آخر ‪ :‬إما العقول عند طائفة ؛ وإما الكاشفة عند طائفة ؛ إما قياس فلسفي ؛‬
‫وإما خيال صوف ‪ .‬ث بعد ذلك ينظر ف كلم الرسول فما وافق ذلك قبل وما‬
‫خالفه ؛ إما أن يفوض ؛ وإما أن يؤول ‪ .‬وهذه طريقة كثي من أهل الكلم‬
‫الهمية والعتزلة ؛ وهي طريقة خيار الباطنية والفلسفة الذين يعظمون الرسول‬
‫وينهونه عن الهل والكذب لكن يدخلون ف التأويل ‪ .‬وأبو حامد الغزال لا‬

‫‪2‬‬
‫ذكر ف كتابه طرق الناس ف التأويل ؛ وأن الفلسفة زادوا فيه حت انلوا ؛ وإن‬
‫الق بي جود النابلة وبي انلل الفلسفة ؛ وأن ذلك ل يعرف من جهة‬
‫السمع بل تعرف الق بنور يقذف ف قلبك ؛ ث ينظر ف السمع ‪ :‬فما وافق ذلك‬
‫قبلته وإل فل ‪ .‬وكان مقصوده بالفلسفة التأولي خيار الفلسفة وهم الذين‬
‫يعظمون الرسول عن أن يكذب للمصلحة ولكن هؤلء وقعوا ف نظي ما فروا‬
‫منه نسبوه إل التلبيس والتعمية وإضلل اللق بل إل أن يظهر الباطل ويكتم‬
‫الق ‪ .‬وابن سينا وأمثاله لا عرفوا أن كلم الرسول ل يتمل هذه التأويلت‬
‫الفلسفية ؛ بل قد عرفوا أنه أراد مفهوم الطاب ‪ :‬سلك مسلك التخييل وقال ‪:‬‬
‫إنه خاطب المهور با ييل إليهم ؛ مع علمه أن الق ف نفس المر ليس كذلك‬
‫‪ .‬فهؤلء يقولون ‪ :‬إن الرسل كذبوا للمصلحة ‪ .‬وهذا طريق ابن رشد الفيد‬
‫وأمثاله من الباطنية فالذين عظموا الرسل من هؤلء عن الكذب نسبوهم إل‬
‫التلبيس والضلل والذين أقروا بأنم بينوا الق قالوا ‪ :‬إنم كذبوا للمصلحة ‪.‬‬
‫وأما أهل العلم واليان فمتفقون على أن الرسل ل يقولوا إل الق وأنم بينوه مع‬
‫علمهم بأنم أعلم اللق بالق فهم الصادقون الصدوقون علموا الق وبينوه فمن‬
‫قال ‪ :‬إنم كذبوا للمصلحة فهو من إخوان الكذبي للرسل لكن هذا لا رأى ما‬
‫عملوا من الي والعدل ف العال ل يكنه أن يقول ‪ :‬كذبوا لطلب العلو والفساد‬
‫بل قال ‪ :‬كذبوا لصلحة اللق ‪ .‬كما يكى عن ابن التومرت وأمثاله ‪ .‬ولذا‬
‫كان هؤلء ل يفرقون بي النب والساحر إل من جهة حسن القصد فإن النب‬
‫يقصد الي والساحر يقصد الشر وإل فلكل منهما خوارق هي عندهم قوى‬
‫نفسانية وكلها عندهم يكذب ؛ لكن الساحر يكذب للعلو والفساد والنب‬
‫عندهم يكذب للمصلحة ؛ إذ ل يكنه إقامة العدل فيهم إل بنوع من الكذب ‪.‬‬
‫والذين علموا أن النبوة تناقض الكذب على ال وأن النب ل يكون إل صادقا من‬
‫هؤلء قالوا ‪ :‬إنم ل يبينوا الق ولو أنم قالوا ‪ :‬سكتوا عن بيانه لكان أقل إلادا‬

‫‪3‬‬
‫لكن قالوا ‪ :‬إنم أخبوا با يظهر منه للناس الباطل ول يبينوا لم الق فعندهم‬
‫أنم جعوا بي شيئي ‪ :‬بي كتمان حق ل يبينوه ؛ وبي إظهار ما يدل على‬
‫الباطل وإن كانوا ل يقصدوا الباطل فجعلوا كلمهم من جنس العاريض الت‬
‫يعن با التكلم معن صحيحا لكن ل يفهم الستمع منها إل الباطل ‪ .‬وإذا قالوا ‪:‬‬
‫قصدوا التعريض كان أقل إلادا من قال ‪ :‬إنم قصدوا الكذب ‪ .‬والتعريض نوع‬
‫من الكذب ؛ إذ كان كذبا ف الفهام ؛ ولذا قال النب صلى ال عليه وسلم {‬
‫إن إبراهيم ل يكذب إل ثلث كذبات كلهن ف ذات ال } وهي معاريض‬
‫كقوله عن سارة ‪ :‬إنا أخت ؛ إذ كان ليس هناك مؤمن إل هو وهي ‪ .‬وهؤلء‬
‫يقولون ‪ :‬إن كلم إبراهيم وعامة النبياء ما أخبوا به عن الغيب كذب من‬
‫العاريض ‪ .‬وأما جهور التكلمي فل يقولون بذا بل يقولون ‪ :‬قصدوا البيان‬
‫دون التعريض ‪ .‬لكن مع هذا يقول الهمية ونوهم ‪ :‬إن بيان الق ليس ف‬
‫خطابم بل إنا ف خطابم ما يدل على الباطل ‪ .‬والتكلمون من الهمية والعتزلة‬
‫والشعرية ونوهم من سلك ف إثبات الصانع طريق العراض يقولون ‪ :‬إن‬
‫الصحابة ل يبينوا أصول الدين بل ول الرسول ‪ :‬إما لشغلهم بالهاد ؛ أو لغي‬
‫ذلك ‪ .‬وقد بسطنا الكلم على هؤلء ف غي هذا الوضع وبينا أن أصول الدين‬
‫الق الذي أنزل ال به كتابه وأرسل به رسوله وهي الدلة والباهي واليات‬
‫الدالة على ذلك ‪ :‬قد بينها الرسول أحسن بيان وأنه دل الناس وهداهم إل الدلة‬
‫العقلية والباهي اليقينية الت با يعلمون الطالب اللية وبا يعلمون إثبات ربوبية‬
‫ال ووحدانيته وصفاته وصدق رسوله والعاد وغي ذلك ما يتاج إل معرفته‬
‫بالدلة العقلية بل وما يكن بيانه بالدلة العقلية وإن كان ل يتاج إليها ؛ فإن‬
‫كثيا من المور تعرف بالب الصادق ومع هذا فالرسول بي الدلة العقلية الدالة‬
‫عليها ؛ فجمع بي الطريقي ‪ :‬السمعي ؛ والعقلي ‪ .‬وبينا أن دللة الكتاب والسنة‬
‫على أصول الدين ليست بجرد الب ؛ كما تظنه طائفة من الغالطي من أهل‬

‫‪4‬‬
‫الكلم والديث والفقهاء والصوفية وغيهم بل الكتاب والسنة دل اللق‬
‫وهدياهم إل اليات والباهي والدلة البينة لصول الدين وهؤلء الغالطون‬
‫الذين أعرضوا عما ف القرآن من الدلئل العقلية والباهي اليقينية صاروا إذا‬
‫صنفوا ف أصول الدين أحزابا ‪ :‬حزب ‪ :‬يقدمون ف كتبهم الكلم ف النظر‬
‫والدليل والعلم وأن النظر يوجب العلم وأنه واجب ويتكلمون ف جنس النظر‬
‫وجنس الدليل وجنس العلم بكلم قد اختلط فيه الق بالباطل ث إذا صاروا إل‬
‫ما هو الصل والدليل للذين استدلوا بدوث العراض على حدوث الجسام‬
‫وهو دليل مبتدع ف الشرع وباطل ف العقل ‪ .‬والزب الثان ‪ :‬عرفوا أن هذا‬
‫الكلم مبتدع وهو مستلزم مالفة الكتاب والسنة وعنه ينشأ القول بأن القرآن‬
‫ملوق وأن ال ل يرى ف الخرة وليس فوق العرش ونو ذلك من بدع الهمية‬
‫فصنفوا كتبا قدموا فيها ما يدل على وجوب العتصام بالكتاب والسنة من‬
‫القرآن والديث وكلم السلف وذكروا أشياء صحيحة لكنهم قد يلطون الثار‬
‫صحيحها بضعيفها وقد يستدلون با ل يدل على الطلوب ‪ .‬وأيضا فهم إنا‬
‫يستدلون بالقرآن من جهة إخباره ل من جهة دللته فل يذكرون ما فيه من‬
‫الدلة على إثبات الربوبية والوحدانية والنبوة والعاد ؛ وأنه قد بي الدلة العقلية‬
‫الدالة على ذلك ؛ ولذا سوا كتبهم أصول السنة والشريعة ونو ذلك وجعلوا‬
‫اليان بالرسول قد استقر فل يتاج أن يبي الدلة الدالة عليه فذمهم أولئك‬
‫ونسبوهم إل الهل ؛ إذ ل يذكروا الصول الدالة على صدق الرسول ؛ وهؤلء‬
‫ينسبون أولئك إل البدعة بل إل الكفر لكونم أصلوا أصول تالف ما قاله‬
‫الرسول ‪ .‬والطائفتان يلحقهما اللم ؛ لكونما أعرضتا عن الصول الت بينها ال‬
‫بكتابه فإنا أصول الدين وأدلته وآياته فلما أعرض عنها الطائفتان وقع بينهما‬
‫العداوة ؛ كما قال ال تعال ‪ { :‬فنسوا حظا ما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة‬
‫والبغضاء إل يوم القيامة } ‪ .‬وحزب ثالث ‪ :‬قد عرف تفريط هؤلء وتعدي‬

‫‪5‬‬
‫أولئك وبدعتهم فذمهم وذم طالب العلم الذكي الذي اشتاقت نفسه إل معرفة‬
‫الدلة والروج عن التقليد إذا سلك طريقهم وقال ‪ :‬إن طريقهم ضارة وأن‬
‫السلف ل يسلكوها ونو ذلك ما يقتضي ذمها وهو كلم صحيح لكنه إنا يدل‬
‫على أمر ممل ل تتبي دللته على الطلوب بل قد يعتقد طريق التكلمي مع قوله‬
‫‪ :‬إنه بدعة ول يفتح أبواب الدلة الت ذكرها ال ف القرآن الت تبي أن ما جاء‬
‫به الرسول حق ويرج الذكي بعرفتها عن التقليد وعن الضلل والبدعة والهل‬
‫‪ .‬فهؤلء أضل بفرقهم ؛ لنم ل يتدبروا القرآن وأعرضوا عن آيات ال الت بينها‬
‫بكتابه كما يعرض من يعرض عن آيات ال الخلوقة قال ال تعال ‪ { :‬وكأين‬
‫من آية ف السماوات والرض يرون عليها وهم عنها معرضون } وقال تعال ‪:‬‬
‫{ وما تغن اليات والنذر عن قوم ل يؤمنون } وقال تعال ‪ { :‬إن الذين ل‬
‫يرجون لقاءنا ورضوا بالياة الدنيا واطمأنوا با والذين هم عن آياتنا غافلون }‬
‫{ أولئك مأواهم النار با كانوا يكسبون } وقال تعال ‪ { :‬كتاب أنزلناه إليك‬
‫مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو اللباب } وقال تعال ‪ { :‬ولقد ضربنا للناس‬
‫ف هذا القرآن من كل مثل } وقال تعال ‪ { :‬وما أرسلنا من قبلك إل رجال‬
‫نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم ل تعلمون } { بالبينات والزبر } الية‬
‫وقال تعال ‪ { :‬وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك } وقال تعال ‪ { :‬وإن‬
‫يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب‬
‫الني } ومثل هذا كثي لبسطه مواضع أخر ‪ .‬والقصود أن هؤلء الغالطي الذين‬
‫أعرضوا ما ف القرآن من الدلئل العقلية والباهي اليقينية ل يذكرون النظر‬
‫والدليل والعلم الذي جاء به الرسول والقرآن ملوء من ذلك والتكلمون يعترفون‬
‫بأن ف القرآن من الدلة العقلية الدالة على أصول الدين ما فيه لكنهم يسلكون‬
‫طرقا أخر كطريق العراض ‪ .‬ومنهم من يظن أن هذه طريق إبراهيم الليل وهو‬
‫غالط ‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫والتفلسفة يقولون ‪ :‬القرآن جاء بالطريق الطابية والقدمات القناعية الت تقنع‬
‫المهور ويقولون ‪ :‬إن التكلمي جاءوا بالطرق الدلية ويدعون أنم هم أهل‬
‫البهان اليقين ‪ .‬وهم أبعد عن البهان ف الليات من التكلمي والتكلمون أعلم‬
‫منهم بالعلميات البهانية ف الليات والكليات ولكن للمتفلسفة ف الطبيعيات‬
‫خوض وتفصيل تيزوا به بلف الليات فإنم من أجهل الناس با وأبعدهم عن‬
‫معرفة الق فيها وكلم أرسطو معلمهم فيها قليل كثي الطأ فهو لم جل غث‬
‫على رأس جبل وعر ل سهل فيتقى ؛ ول سي فينتقى ‪ .‬وهذا مبسوط ف غي‬
‫هذا الوضع ‪ .‬والقرآن جاء بالبينات والدى ؛ باليات البينات وهي الدلئل‬
‫اليقينيات وقد قال ال تعال لرسوله ‪ { :‬ادع إل سبيل ربك بالكمة والوعظة‬
‫السنة وجادلم بالت هي أحسن } والتفلسفة يفسرون ذلك بطرقهم النطقية ف‬
‫البهان والطابة والدل وهو ضلل من وجوه قد بسطت ف غي هذا الوضع‬
‫بل الكمة هي معرفة الق والعمل به فالقلوب الت لا فهم وقصد تدعى بالكمة‬
‫فيبي لا الق علما وعمل فتقبله وتعمل به ‪ .‬وآخرون يعترفون بالق لكن لم‬
‫أهواء تصدهم عن اتباعه فهؤلء يدعون بالوعظة السنة الشتملة على الترغيب‬
‫ف الق والترهيب من الباطل ‪ .‬والوعظ أمر وني بترغيب وترهيب كما قال‬
‫تعال ‪ { :‬ولو أنم فعلوا ما يوعظون به } وقال تعال ‪ { :‬يعظكم ال أن تعودوا‬
‫لثله أبدا } فالدعوة بذين الطريقي لن قبل الق ومن ل يقبله فإنه يادل بالت‬
‫هي أحسن ‪ .‬والقرآن مشتمل على هذا وهذا ولذا إذا جادل يسأل ويستفهم عن‬
‫القدمات البينة البهانية الت ل يكن أحد أن يحدها ؛ لتقرير الخاطب بالق‬
‫ولعترافه بإنكار الباطل كما ف مثل قوله ‪ { :‬أم خلقوا من غي شيء أم هم‬
‫الالقون } وقوله ‪ { :‬أفعيينا باللق الول بل هم ف لبس من خلق جديد }‬
‫وقوله ‪ { :‬أوليس الذي خلق السماوات والرض بقادر على أن يلق مثلهم }‬

‫‪7‬‬
‫وقوله ‪ { :‬أيسب النسان أن يترك سدى } { أل يك نطفة من من ين } {‬
‫ث كان علقة فخلق فسوى } { فجعل منه الزوجي الذكر والنثى } { أليس‬
‫ذلك بقادر على أن ييي الوتى } وقوله ‪ { :‬أفرأيتم ما تنون } { أأنتم تلقونه‬
‫أم نن الالقون } وقوله ‪ { :‬وقالوا لول يأتينا بآية من ربه أول تأتم بينة ما ف‬
‫الصحف الول } وقوله ‪ { :‬أول يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم }‬
‫وقوله ‪ { :‬أول يكن لم آية أن يعلمه علماء بن إسرائيل } وقوله ‪ { :‬أل نعل‬
‫له عيني } { ولسانا وشفتي } { وهديناه النجدين } إل أمثال ذلك ما‬
‫ياطبهم باستفهام التقرير التضمن إقرارهم واعترافهم بالقدمات البهانية الت‬
‫تدل على الطلوب فهو من أحسن جدل بالبهان ؛ فإن الدل إنا يشترط فيه أن‬
‫يسلم الصم القدمات وإن ل تكن بينة معروفة فإذا كانت بينة معروفة كانت‬
‫برهانية ‪ .‬والقرآن ل يتج ف مادلته بقدمة لجرد تسليم الصم با كما هي‬
‫الطريقة الدلية عند أهل النطق وغيهم بل بالقضايا والقدمات الت تسلمها‬
‫الناس وهي برهانية وإن كان بعضهم يسلمها وبعضهم ينازع فيها ذكر الدليل‬
‫على صحتها كقوله ‪ { :‬وما قدروا ال حق قدره إذ قالوا ما أنزل ال على بشر‬
‫من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تعلونه‬
‫قراطيس تبدونا وتفون كثيا وعلمتم ما ل تعلموا أنتم ول آباؤكم } فإن‬
‫الطاب لا كان مع من يقر بنبوة موسى من أهل الكتاب ومع من ينكرها من‬
‫الشركي ذكر ذلك بقوله ‪ { :‬قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى } وقد‬
‫بي الباهي الدالة على صدق موسى ف غي موضع ‪ .‬وعلى قراءة من قرأ يبدونا‬
‫كابن كثي وأب عمرو جعلوا الطاب مع الشركي وجعلوا قوله ‪ { :‬وعلمتم ما‬
‫ل تعلموا } احتجاجا على الشركي با جاء به ممد ؛ فالجة على أولئك نبوة‬
‫موسى وعلى هؤلء نبوة ممد ولكل منهما من الباهي ما قد بي بعضه ف غي‬
‫موضع ‪ .‬وعلى قراءة الكثرين بالتاء هو خطاب لهل الكتاب وقوله ‪{ :‬‬

‫‪8‬‬
‫وعلمتم ما ل تعلموا } بيان لا جاءت به النبياء ما أنكروه فعلمهم النبياء ما ل‬
‫يقبلوه ول يعلموه فاستدل با عرفوه من أخبار النبياء وما ل يعرفوه ‪ .‬وقد قص‬
‫سبحانه قصة موسى وأظهر براهي موسى وآياته الت هي من أظهر الباهي‬
‫والدلة حت اعترف با السحرة الذين جعهم فرعون وناهيك بذلك فلما أظهر‬
‫ال حق موسى ؛ وأتى باليات الت علم بالضطرار أنا من ال ؛ وابتلعت عصاه‬
‫البال والعصي الت أتى با السحرة بعد أن جاءوا بسحر عظيم وسحروا أعي‬
‫الناس واسترهبوا الناس ث لا ظهر الق وانقلبوا صاغرين قالوا ‪ { :‬آمنا برب‬
‫العالي } { رب موسى وهارون } فقال لم فرعون ‪ { :‬آمنتم له قبل أن آذن‬
‫لكم إنه لكبيكم الذي علمكم السحر فلقطعن أيديكم وأرجلكم من خلف‬
‫ولصلبنكم ف جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى } { قالوا لن نؤثرك‬
‫على ما جاءنا من البينات } من الدلئل البينات اليقينية القطعية وعلى الذي‬
‫فطرنا ؛ وهو خالقنا وربنا الذي ل بد لنا منه لن نؤثرك على هذه الدلئل اليقينية‬
‫وعلى خالق البية { فاقض ما أنت قاض إنا تقضي هذه الياة الدنيا } { إنا‬
‫آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر وال خي وأبقى } ‪.‬‬
‫وقد ذكر ال هذه القصة ف عدة مواضع من القرآن يبي ف كل موضع منها من‬
‫العتبار والستدلل نوعا غي النوع الخر كما يسمى ال ورسوله وكتابه بأساء‬
‫متعددة كل اسم يدل على معن ل يدل عليه السم الخر وليس ف هذا تكرار‬
‫بل فيه تنويع اليات مثل ‪ :‬أساء النب صلى ال عليه وسلم إذا قيل ‪ :‬ممد وأحد‬
‫؛ والاشر والعاقب ؛ والقفى ؛ ونب الرحة ونب التوبة ونب اللحمة ف كل اسم‬
‫دللة على معن ليس ف السم الخر وإن كانت الذات واحدة فالصفات متنوعة‬
‫‪ .‬وكذلك القرآن إذا قيل فيه ؛ قرآن ؛ وفرقان وبيان ؛ وهدى وبصائر وشفاء‬
‫ونور ورحة وروح فكل اسم يدل على معن ليس هو العن الخر ‪ .‬وكذلك‬
‫أساء الرب تعال إذا قيل ‪ :‬اللك ؛ القدوس السلم الؤمن الهيمن العزيز ؛ البار‬

‫‪9‬‬
‫التكب الالق البارئ ؛ الصور فكل اسم يدل على معن ليس هو العن الذي ف‬
‫السم الخر فالذات واحدة والصفات متعددة فهذا ف الساء الفردة ‪ .‬وكذلك‬
‫ف المل التامة يعب عن القصة بمل تدل على معان فيها ث يعب عنها بمل‬
‫أخرى تدل على معان أخر وإن كانت القصة الذكورة ذاتا واحدة فصفاتا‬
‫متعددة ففي كل جلة من المل معن ليس ف المل الخر ‪ .‬وليس ف القرآن‬
‫تكرار أصل وأما ما ذكره بعض الناس من أنه كرر القصص مع [ إمكان ]‬
‫الكتفاء بالواحدة وكان الكمة فيه ‪ :‬أن وفود العرب كانت ترد على رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم فيقرئهم السلمون شيئا من القرآن فيكون ذلك كافيا‬
‫وكان يبعث إل القبائل التفرقة بالسور الختلفة فلو ل يكن اليات والقصص‬
‫مثناة متكررة لوقعت قصة موسى إل قوم وقصة عيسى إل قوم وقصة نوح إل‬
‫قوم فأراد ال أن يشهر هذه القصص ف أطراف الرض وأن يلقيها إل كل سع ‪.‬‬
‫فهذا كلم من ل يقدر القرآن قدره ‪ .‬وأبو الفرج اقتصر على هذا الواب ف‬
‫قوله ‪ ( :‬مثان لا قيل ‪ :‬ل ثنيت ؟ وبسط هذا له موضع آخر فإن التثنية هي‬
‫التنويع والتجنيس وهي استيفاء القسام ولذا يقول من يقول من السلف ‪:‬‬
‫القسام والمثال ‪ .‬والقصود هنا التنبيه على أن القرآن اشتمل على أصول الدين‬
‫الت تستحق هذا السم وعلى الباهي واليات والدلة اليقينية ؛ بلف ما أحدثه‬
‫البتدعون واللحدون كما قال الرازي مع خبته بطرق هؤلء ‪ :‬لقد تأملت‬
‫الطرق الكلمية والناهج الفلسفية فما وجدتا تشفي عليل ول تروي غليل‬
‫ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن ‪ :‬اقرأ ف الثبات { إليه يصعد الكلم الطيب‬
‫} { الرحن على العرش استوى } ‪ .‬واقرأ ف النفي { ليس كمثله شيء } {‬
‫ول ييطون به علما } قال ‪ :‬ومن جرب مثل تربت عرف مثل معرفت ‪ .‬والي‬
‫والسعادة والكمال والصلح منحصر ف نوعي ‪ :‬ف العلم النافع ؛ والعمل الصال‬
‫‪ .‬وقد بعث ال ممدا بأفضل ذلك وهو الدى ودين الق كما قال ‪ { :‬هو‬

‫‪10‬‬
‫الذي أرسل رسوله بالدى ودين الق ليظهره على الدين كله وكفى بال شهيدا‬
‫} ؟ وقد قال تعال ‪ { :‬واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أول اليدي‬
‫والبصار } فذكر النوعي قال الوالب عن ابن عباس يقول ‪ :‬أولوا القوة ف‬
‫العبادة قال ابن أب حات ‪ :‬وروي عن سعيد بن جبي وعطاء الراسان والسن‬
‫والضحاك والسدي وقتادة وأب سنان ومبشر بن عبيد نو ذلك ‪ .‬و ( البصار‬
‫قال ‪ :‬البصار الفقه ف الدين ‪ .‬وقال ماهد ‪ ( :‬البصار الصواب ف الكم وعن‬
‫سعيد بن جبي قال ‪ :‬البصية بدين ال وكتابه ‪ .‬وعن عطاء الراسان ‪ { :‬أول‬
‫اليدي والبصار } قال ‪ :‬أولوا القوة ف العبادة والبصر والعلم بأمر ال وعن‬
‫ماهد وروي عن قتادة قال ‪ :‬أعطوا قوة ف العبادة وبصرا ف الدين ‪ .‬وجيع‬
‫حكماء المم يفضلون هذين النوعي مثل حكماء اليونان والند والعرب قال ابن‬
‫قتيبة ‪ :‬الكمة عند العرب العلم والعمل فالعمل الصال هو عبادة ال وحده ل‬
‫شريك له وهو الدين دين السلم والعلم والدى هو تصديق الرسول فيما أخب‬
‫به عن ال وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر وغي ذلك فالعلم النافع هو‬
‫اليان والعمل الصال هو السلم العلم النافع من علم ال والعمل الصال هو‬
‫العمل بأمر ال هذا تصديق الرسول فيما أخب وهذا طاعته فيما أمر ‪ .‬وضد‬
‫الول أن يقول على ال ما ل يعلم وضد الثان أن يشرك بال ما ل ينل به‬
‫سلطانا والول أشرف فكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمنا { قالت‬
‫العراب آمنا قل ل تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا } وجيع الطوائف تفضل هذين‬
‫النوعي لكن الذي جاء به الرسول هو أفضل ما فيهما كما قال ‪ { :‬إن هذا‬
‫القرآن يهدي للت هي أقوم } وكان النب صلى ال عليه وسلم يقرأ ف ركعت‬
‫الفجر تارة ( سورة الخلص و ( قل يا أيها الكافرون ففي ( قل يا أيها‬
‫الكافرون عبادة ال وحده وهو دين السلم وف ( قل هو ال أحد صفة الرحن‬
‫وأن يقال فيه ويب عنه با يستحقه وهو اليان هذا هو التوحيد القول وذلك هو‬

‫‪11‬‬
‫التوحيد العملي ‪ .‬وكان تارة يقرأ فيهما ف الول بقوله ف البقرة ‪ { :‬قولوا آمنا‬
‫بال وما أنزل إلينا وما أنزل إل إبراهيم وإساعيل وإسحاق ويعقوب والسباط‬
‫وما أوت موسى وعيسى وما أوت النبيون من ربم ل نفرق بي أحد منهم ونن‬
‫له مسلمون } وف الثانية ‪ { :‬قل يا أهل الكتاب تعالوا إل كلمة سواء بيننا‬
‫وبينكم } إل قوله { فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون } ‪ .‬قال أبو العالية‬
‫ف قوله { فوربك لنسألنهم أجعي } { عما كانوا يعملون } قال ‪ :‬خلتان‬
‫يسأل عنهما كل أحد ‪ :‬ماذا كنت تعبد ؟ وماذا أجبت الرسلي ؟ فالول تقيق‬
‫شهادة أن ل إله إل ال والثانية تقيق الشهادة بأن ممدا رسول ال ‪ .‬والصوفية‬
‫بنو أمرهم على الرادة ول بد منها لكن بشرط أن تكون إرادة عبادة ال وحده‬
‫با أمر ‪ .‬والتكلمون بنوا أمرهم على النظر القتضي للعلم ول بد منه لكن بشرط‬
‫أن يكون علما با أخب به الرسول صلى ال عليه وسلم والنظر ف الدلة الت دل‬
‫با الرسول وهي آيات ال ول بد من هذا وهذا ‪ .‬ومن طلب علما بل إرادة أو‬
‫إرادة بل علم فهو ضال ومن طلب هذا وهذا بدون اتباع الرسول فيهما فهو‬
‫ضال بل كما قال من قال من السلف ‪ :‬الدين واليان قول وعمل واتباع السنة‬
‫‪ .‬وأهل الفقه ف العمال الظاهرة يتكلمون ف العبادات الظاهرة وأهل التصوف‬
‫والزهد يتكلمون ف قصد النسان وإرادته وأهل النظر والكلم وأهل العقائد من‬
‫أهل الديث وغيهم يتكلمون ف العلم والعرفة والتصديق الذي هو أصل الرادة‬
‫ويقولون ‪ :‬العبادة ل بد فيها من القصد والقصد ل يصح إل بعد العلم بالقصود‬
‫العبود وهذا صحيح فل بد من معرفة العبود وما يعبد به فالضالون من الشركي‬
‫والنصارى وأشباههم لم عبادات وزهادات لكن لغي ال أو بغي أمر ال وإنا‬
‫القصد والرادة النافعة هو إرادة عبادة ال وحده وهو إنا يعبد با شرع ل بالبدع‬
‫‪ .‬وعلى هذين الصلي يدور دين السلم ‪ :‬على أن يعبد ال وحده وأن يعبد با‬
‫شرع ول يعبد بالبدع وأما العلم والعرفة والتصوف فمدارها على أن يعرف ما‬

‫‪12‬‬
‫أخب به الرسول ويعرف أن ما أخب به حق إما لعلمنا بأنه ل يقول إل حقا وهذا‬
‫تصديق عام وإما لعلمنا بأن ذلك الب حق با أظهر ال من آيات صدقه فإنه‬
‫أنزل الكتاب واليزان وأرى الناس آياته ف الفاق وف أنفسهم حت يتبي لم أن‬
‫القرآن حق ‪.‬‬

‫فصل وأما " العمليات " وما يسميه ناس ‪ :‬الفروع والشرع والفقه فهذا قد بينه‬
‫الرسول أحسن بيان فما شيء ما أمر ال به أو نى عنه أو حلله أو حرمه إل بي‬
‫ذلك وقد قال تعال ‪ { :‬اليوم أكملت لكم دينكم } وقال تعال ‪ { :‬ما كان‬
‫حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بي يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحة‬
‫لقوم يؤمنون } وقال تعال ‪ { :‬ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى‬
‫ورحة وبشرى للمسلمي } وقال تعال ‪ { :‬كان الناس أمة واحدة فبعث ال‬
‫النبيي مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالق ليحكم بي الناس فيما‬
‫اختلفوا فيه } وقال تعال ‪ { :‬تال لقد أرسلنا إل أمم من قبلك فزين لم‬
‫الشيطان أعمالم فهو وليهم اليوم ولم عذاب أليم } { وما أنزلنا عليك الكتاب‬
‫إل لتبي لم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحة لقوم يؤمنون } فقد بي سبحانه أنه‬
‫ما أنزل عليه الكتاب إل ليبي لم الذي اختلفوا فيه كما بي أنه أنزل جنس‬
‫الكتاب مع النبيي ليحكم بي الناس فيما اختلفوا فيه ‪ .‬وقال تعال ‪ { :‬وما‬
‫اختلفتم فيه من شيء فحكمه إل ال ذلكم ال رب عليه توكلت وإليه أنيب }‬
‫وقال تعال ‪ { :‬وما كان ال ليضل قوما بعد إذ هداهم حت يبي لم ما يتقون }‬
‫فقد بي للمسلمي جيع ما يتقونه كما قال ‪ { :‬وقد فصل لكم ما حرم عليكم‬
‫إل ما اضطررت إليه } وقال تعال ‪ { :‬فإن تنازعتم ف شيء فردوه إل ال‬
‫والرسول } وهو الرد إل كتاب ال أو إل سنة الرسول بعد موته وقوله ‪ { :‬فإن‬
‫تنازعتم } شرط والفعل نكرة ف سياق الشرط فأي شيء تنازعوا فيه ردوه إل‬

‫‪13‬‬
‫ال والرسول ولو ل يكن بيان ال والرسول فاصل للناع ل يؤمروا بالرد إليه ‪.‬‬
‫والرسول أنزل ال عليه الكتاب والكمة كما ذكر ذلك ف غي موضع وقد علم‬
‫أمته الكتاب والكمة كما قال ‪ { :‬ويعلمهم الكتاب والكمة } وكان يذكر‬
‫ف بيته الكتاب والكمة وأمر أزواج نبيه بذكر ذلك فقال ‪ { :‬واذكرن ما يتلى‬
‫ف بيوتكن من آيات ال والكمة } فآيات ال هي القرآن إذ كان نفس القرآن‬
‫يدل على أنه منل من ال فهو علمة ودللة على منله و ( الكمة قال غي‬
‫واحد من السلف ‪ :‬هي السنة ‪ .‬وقال أيضا طائفة كمالك وغيه ‪ :‬هي معرفة‬
‫الدين والعمل به ‪ .‬وقيل غي ذلك وكل ذلك حق فهي تتضمن التمييز بي الأمور‬
‫والحظور ؛ والق والباطل ؛ وتعليم الق دون الباطل وهذه السنة الت فرق با‬
‫بي الق والباطل وبي العمال السنة من القبيحة ؛ والي من الشر وقد جاء‬
‫عنه صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪ { :‬تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها ل يزيغ‬
‫عنها بعدي إل هالك } ‪ .‬وعن عمر بن الطاب رضي ال عنه كلم نو هذا‬
‫وهذا كثي ف الديث والثار يذكرونه ف الكتب الت تذكر فيها هذه الثار كما‬
‫يذكر مثل ذلك غي واحد فيما يصفونه ف السنة مثل ابن بطة والللكائي‬
‫والطلمنكي وقبلهم الصنفون ف السنة كأصحاب أحد مثل عبد ال والثرم‬
‫وحرب الكرمان وغيهم ومثل اللل وغيه ‪ .‬والقصود هنا تقيق ذلك وأن‬
‫الكتاب والسنة وافيان بميع أمور الدين ‪.‬‬

‫وأما إجاع المة ‪:‬‬


‫فهو ف نفسه حق ل تتمع المة على ضللة وكذلك القياس الصحيح حق ؛ فإن‬
‫ال بعث رسله بالعدل وأنزل اليزان مع الكتاب واليزان يتضمن العدل وما يعرف‬
‫به العدل وقد فسروا إنزال ذلك بأن ألم العباد معرفة ذلك وال ورسوله يسوي‬
‫بي التماثلي ويفرق بي الختلفي ‪ .‬وهذا هو القياس الصحيح وقد ضرب ال ف‬

‫‪14‬‬
‫القرآن من كل مثل وبي القياس الصحيح وهي المثال الضروبة ما بينه من الق‬
‫لكن القياس الصحيح يطابق النص فإن اليزان يطابق الكتاب وال أمر نبيه أن‬
‫يكم با أنزل وأمره أن يكم بالعدل فهو أنزل الكتاب وإنا أنزل الكتاب بالعدل‬
‫قال تعال ‪ { :‬وأن احكم بينهم با أنزل ال } { وإن حكمت فاحكم بينهم‬
‫بالقسط } وأما إجاع المة فهو حق ل تتمع المة ‪ -‬ول المد ‪ -‬على ضللة‬
‫كما وصفها ال بذلك ف الكتاب والسنة فقال تعال ‪ { :‬كنتم خي أمة أخرجت‬
‫للناس تأمرون بالعروف وتنهون عن النكر وتؤمنون بال } وهذا وصف لم‬
‫بأنم يأمرون بكل معروف وينهون عن كل منكر كما وصف نبيهم بذلك ف‬
‫قوله ‪ { :‬الذي يدونه مكتوبا عندهم ف التوراة والنيل يأمرهم بالعروف‬
‫وينهاهم عن النكر } وبذلك وصف الؤمني ف قوله ‪ { :‬والؤمنون والؤمنات‬
‫بعضهم أولياء بعض يأمرون بالعروف وينهون عن النكر } فلو قالت المة ف‬
‫الدين با هو ضلل لكانت ل تأمر بالعروف ف ذلك ول تنه عن النكر فيه وقال‬
‫تعال ‪ { :‬وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون‬
‫الرسول عليكم شهيدا } والوسط العدل اليار وقد جعلهم ال شهداء على‬
‫الناس وأقام شهادتم مقام شهادة الرسول ‪ .‬وقد ثبت ف الصحيح { أن النب‬
‫صلى ال عليه وسلم مر عليه بنازة فأثنوا عليها خيا فقال ‪ :‬وجبت وجبت ث‬
‫مر عليه بنازة فأثنوا عليها شرا فقال ‪ :‬وجبت وجبت قالوا ‪ :‬يا رسول ال ما‬
‫قولك وجبت وجبت ؟ قال ‪ :‬هذه النازة أثنيتم عليها خيا فقلت ‪ :‬وجبت لا‬
‫النة وهذه النازة أثنيتم عليها شرا فقلت ‪ :‬وجبت لا النار أنتم شهداء ال ف‬
‫الرض } ‪ .‬فإذا كان الرب قد جعلهم شهداء ل يشهدوا بباطل فإذا شهدوا أن‬
‫ال أمر بشيء فقد أمر به وإذا شهدوا أن ال نى عن شيء فقد نى عنه ولو‬
‫كانوا يشهدون بباطل أو خطأ ل يكونوا شهداء ال ف الرض بل زكاهم ال ف‬
‫شهادتم كما زكى النبياء فيما يبلغون عنه أنم ل يقولون عليه إل الق وكذلك‬

‫‪15‬‬
‫المة ل تشهد على ال إل بق وقال تعال ‪ { :‬واتبع سبيل من أناب إل }‬
‫والمة منيبة إل ال فيجب اتباع سبيلها وقال تعال ‪ { :‬والسابقون الولون من‬
‫الهاجرين والنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي ال عنهم ورضوا عنه }‬
‫فرضي عمن اتبع السابقي إل يوم القيامة فدل على أن متابعهم عامل با يرضى‬
‫ال وال ل يرضى إل بالق ل بالباطل وقال تعال ‪ { :‬ومن يشاقق الرسول من‬
‫بعد ما تبي له الدى ويتبع غي سبيل الؤمني نوله ما تول ونصله جهنم وساءت‬
‫مصيا } ‪ .‬وكان عمر بن عبد العزيز يقول كلمات كان مالك يأثرها عنه كثيا‬
‫قال ‪ :‬سن رسول ال صلى ال عليه وسلم وولة المر من بعده سننا الخذ با‬
‫تصديق لكتاب ال واستعمال لطاعة ال ومعونة على دين ال ليس لحد تغييها‬
‫ول النظر ف رأي من خالفها فمن خالفها واتبع غي سبيل الؤمني وله ال تعال‬
‫ما تول وأصله جهنم وساءت مصيا ‪ .‬والشافعي رضي ال عنه لا جرد الكلم‬
‫ف أصول الفقه احتج بذه الية على الجاع كما كان هو وغيه ومالك ذكر‬
‫عن عمر ابن عبد العزيز والية دلت على أن متبع غي سبيل الؤمني مستحق‬
‫للوعيد كما أن مشاق الرسول من بعد ما تبي له الدى مستحق للوعيد ومعلوم‬
‫أن هذا الوصف يوجب الوعيد بجرده فلو ل يكن الوصف الخر يدخل ف ذلك‬
‫لكان ل فائدة ف ذكره ‪ .‬وهنا للناس ثلثة أقوال ‪ :‬قيل ‪ :‬اتباع غي سبيل الؤمني‬
‫هو بجرد مالفة الرسول الذكورة ف الية ‪ .‬وقيل ‪ :‬بل مالفة الرسول مستقلة‬
‫بالذم فكذلك اتباع غي سبيلهم مستقل بالذم وقيل ‪ :‬بل اتباع غي سبيل الؤمني‬
‫يوجب الذم كما دلت عليه الية لكن هذا ل يقتضي مفارقة الول بل قد يكون‬
‫مستلزما له فكل متابع غي سبيل الؤمني هو ف نفس المر مشاق للرسول‬
‫وكذلك مشاق الرسول متبع غي سبيل الؤمني وهذا كما ف طاعة ال والرسول‬
‫فإن طاعة ال واجبة وطاعة الرسول واجبة وكل واحد من معصية ال ومعصية‬
‫الرسول موجب للذم وها متلزمان فإنه من يطع الرسول فقد أطاع ال ‪ .‬وف‬

‫‪16‬‬
‫الديث الصحيح عن النب صلى ال عليه وسلم قال ‪ { :‬من أطاعن فقد أطاع‬
‫ال ؛ ومن أطاع أميي فقد أطاعن ؛ ومن عصان فقد عصى ال ؛ ومن عصى‬
‫أميي فقد عصان } وقال ‪ { :‬إنا الطاعة ف العروف } يعن ‪ :‬إذا أمر أميي‬
‫بالعروف فطاعته من طاعت وكل من عصى ال فقد عصى الرسول ؛ فإن‬
‫الرسول يأمر با أمر ال به بل من أطاع رسول واحدا فقد أطاع جيع الرسل‬
‫ومن آمن بواحد منهم فقد آمن بالميع ومن عصى واحدا منهم فقد عصى‬
‫الميع ومن كذب واحدا منهم فقد كذب الميع ؛ لن كل رسول يصدق‬
‫الخر ويقول ‪ :‬إنه رسول صادق ويأمر بطاعته فمن كذب رسول فقد كذب‬
‫الذي صدقه ومن عصاه فقد عصى من أمر بطاعته ‪ .‬ولذا كان دين النبياء‬
‫واحدا كما ف الصحيحي عن أب هريرة رضي ال عنه عن النب صلى ال عليه‬
‫وسلم أنه قال ‪ { :‬إنا معاشر النبياء ديننا واحد } ‪ .‬وقال تعال ‪ { :‬شرع لكم‬
‫من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى‬
‫وعيسى أن أقيموا الدين ول تتفرقوا فيه } وقال تعال ‪ { :‬يا أيها الرسل كلوا‬
‫من الطيبات واعملوا صالا إن با تعملون عليم } { وإن هذه أمتكم أمة واحدة‬
‫وأنا ربكم فاتقون } { فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب با لديهم فرحون‬
‫} وقال تعال ‪ { :‬فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة ال الت فطر الناس عليها ل‬
‫تبديل للق ال ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس ل يعلمون } { منيبي إليه‬
‫واتقوه وأقيموا الصلة ول تكونوا من الشركي } { من الذين فرقوا دينهم‬
‫وكانوا شيعا كل حزب با لديهم فرحون } ‪ .‬ودين النبياء كلهم السلم كما‬
‫أخب ال بذلك ف غي موضع ‪ .‬وهو ‪ :‬الستسلم ل وحده ‪ .‬وذلك إنا يكون‬
‫بطاعته فيما أمر به ف ذلك الوقت فطاعة كل نب هي من دين السلم إذ ذاك‬
‫واستقبال بيت القدس كان من دين السلم قبل النسخ ث لا أمر باستقبال الكعبة‬
‫صار استقبالا من دين السلم ول يبق استقبال الصخرة من دين السلم ؛ ولذا‬

‫‪17‬‬
‫خرج اليهود والنصارى عن دين السلم ؛ فإنم تركوا طاعة ال وتصديق رسوله‬
‫واعتاضوا عن ذلك ببدل أو منسوخ ‪ .‬وهكذا كل مبتدع دينا خالف به سنة‬
‫الرسول ل يتبع إل دينا مبدل أو منسوخا فكل من خالف ما جاء به الرسول ‪:‬‬
‫إما أن يكون ذلك قد كان مشروعا لنب ث نسخ على لسان ممد صلى ال عليه‬
‫وسلم وإما أن ل يكون شرع قط ؛ فهذا كالديان الت شرعها الشياطي على‬
‫ألسنة أوليائهم قال تعال ‪ { :‬أم لم شركاء شرعوا لم من الدين ما ل يأذن به‬
‫ال } وقال ‪ { . :‬وإن الشياطي ليوحون إل أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم‬
‫إنكم لشركون } وقال ‪ { :‬وكذلك جعلنا لكل نب عدوا شياطي النس والن‬
‫يوحي بعضهم إل بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما‬
‫يفترون } ‪ .‬ولذا كان الصحابة إذا قال أحدهم برأيه شيئا يقول ‪ :‬إن كان‬
‫صوابا فمن ال ؛ وإن كان خطأ فمن ومن الشيطان وال ورسوله بريئان منه كما‬
‫قال ذلك ابن مسعود وروي عن أب بكر وعمر ‪ .‬فالقسام ثلثة ؛ فإنه ‪ :‬إما أن‬
‫يكون هذا القول موافقا لقول الرسول أو ل يكون ؛ وإما أن يكون موافقا لشرع‬
‫غيه ؛ وإما أن ل يكون فهذا الثالث البدل كأديان الشركي والجوس وما كان‬
‫شرعا لغيه وهو ل يوافق شرعه فقد نسخ كالسبت وتري كل ذي ظفر وشحم‬
‫الثرب والكليتي ؛ فإن اتاذ السبت عيدا وتري هذه الطيبات قد كان شرعا‬
‫لوسى ث نسخ ؛ بل قد قال السيح ‪ { :‬ولحل لكم بعض الذي حرم عليكم }‬
‫فقد نسخ ال على لسان السيح بعض ما كان حراما ف شرع موسى ‪ .‬وأما‬
‫ممد فقال ال فيه ‪ { :‬الذي يدونه مكتوبا عندهم ف التوراة والنيل يأمرهم‬
‫بالعروف وينهاهم عن النكر ويل لم الطيبات ويرم عليهم البائث ويضع‬
‫عنهم إصرهم والغلل الت كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه‬
‫واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم الفلحون } والشرك كله من البدل ل‬
‫يشرع ال الشرك قط كما قال ‪ { :‬واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا‬

‫‪18‬‬
‫من دون الرحن آلة يعبدون } وقال تعال ‪ { :‬وما أرسلنا من قبلك من رسول‬
‫إل نوحي إليه أنه ل إله إل أنا فاعبدون } ‪ .‬وكذلك ما كان يرمه أهل الاهلية‬
‫ما ذكره ال ف القرآن كالسائبة والوصيلة والام وغي ذلك هو من الدين‬
‫البدل ؛ ولذا لا ذكر ال ذلك عنهم ف سورة النعام بي أن من حرم ذلك فقد‬
‫كذب على ال وذكر تعال ما حرمه على لسان ممد وعلى لسان موسى ف‬
‫النعام فقال ‪ { :‬قل ل أجد ف ما أوحي إل مرما على طاعم يطعمه إل أن‬
‫يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لم خنير فإنه رجس أو فسقا أهل لغي ال به‬
‫فمن اضطر غي باغ ول عاد فإن ربك غفور رحيم } { وعلى الذين هادوا‬
‫حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إل ما حلت‬
‫ظهورها أو الوايا أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون }‬
‫وكذلك قال بعد هذا ‪ { :‬وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل }‬
‫‪ .‬فبي أن ما حرمه الشركون ل يرمه على لسان موسى ول لسان ممد وهذان‬
‫ها اللذان جاءا بكتاب فيه اللل والرام كما قال تعال ‪ { :‬قل فأتوا بكتاب‬
‫من عند ال هو أهدى منهما أتبعه } وقال تعال ‪ { :‬ومن قبله كتاب موسى‬
‫إماما ورحة } وقال تعال ‪ { :‬قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى } إل‬
‫قوله ‪ { :‬وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بي يديه } وقالت الن لا‬
‫سعت القرآن ‪ { :‬إنا سعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لا بي يديه يهدي‬
‫إل الق وإل طريق مستقيم } وقال ورقة بن نوفل ‪ :‬إن هذا والذي جاء به‬
‫موسى ليخرجان من مشكاة واحدة ‪ .‬وكذلك قال النجاشي ‪ .‬فالقرآن والتوراة‬
‫ها كتابان جاءا من عند ال ل يأت من عنده كتاب أهدى منهما كل منهما‬
‫أصل مستقل والذي فيهما دين واحد وكل منهما يتضمن إثبات صفات ال تعال‬
‫والمر بعبادته وحده ل شريك له ففيه التوحيد قول وعمل كما ف سورت‬
‫الخلص ‪ { :‬قل يا أيها الكافرون } و { قل هو ال أحد } ‪ .‬وأما الزبور فإن‬

‫‪19‬‬
‫داود ل يأت بغي شريعة التوراة وإنا ف الزبور ثناء على ال ودعاء وأمر وني‬
‫بدينه وطاعته وعبادته مطلقا ‪ .‬وأما السيح فإنه قال ‪ { :‬ولحل لكم بعض الذي‬
‫حرم عليكم } فأحل لم بعض الحرمات وهو ف الكثر متبع لشريعة التوراة ‪.‬‬
‫ولذا ل يكن بد لن اتبع السيح من أن يقرأ التوراة ويتبع ما فيها ؛ إذ كان‬
‫النيل تبعا لا ‪ .‬وأما القرآن فإنه مستقل بنفسه ل يوج أصحابه إل كتاب آخر‬
‫بل اشتمل على جيع ما ف الكتب من الحاسن ؛ وعلى زيادات كثية ل توجد‬
‫ف الكتب ؛ فلهذا كان مصدقا لا بي يديه من الكتاب ومهيمنا عليه يقرر ما فيها‬
‫من الق ويبطل ما حرف منها وينسخ ما نسخه ال فيقرر الدين الق وهو‬
‫جهور ما فيها ويبطل الدين البدل الذي ل يكن فيها والقليل الذي نسخ فيها ؛‬
‫فإن النسوخ قليل جدا بالنسبة إل الحكم القرر ‪ .‬والنبياء كلهم دينهم واحد‬
‫وتصديق بعضهم مستلزم تصديق سائرهم وطاعة بعضهم تستلزم طاعة سائرهم‬
‫وكذلك التكذيب والعصية ‪ :‬ل يوز أن يكذب نب نبيا بل إن عرفه صدقه وإل‬
‫فهو يصدق بكل ما أنزل ال مطلقا وهو يأمر بطاعة من أمر ال بطاعته ‪ .‬ولذا‬
‫كان من صدق ممدا فقد صدق كل نب ؛ ومن أطاعه فقد أطاع كل نب ومن‬
‫كذبه فقد كذب كل نب ؛ ومن عصاه فقد عصى كل نب قال تعال ‪ { :‬إن‬
‫الذين يكفرون بال ورسله ويريدون أن يفرقوا بي ال ورسله ويقولون نؤمن‬
‫ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بي ذلك سبيل } { أولئك هم‬
‫الكافرون حقا } وقال تعال ‪ { :‬أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما‬
‫جزاء من يفعل ذلك منكم إل خزي ف الياة الدنيا ويوم القيامة يردون إل أشد‬
‫العذاب وما ال بغافل عما تعملون } ‪ .‬ومن كذب هؤلء تكذيبا بنس الرسالة‬
‫فقد صرح بأنه يكذب الميع ؛ ولذا يقول تعال ‪ { :‬كذبت قوم نوح الرسلي‬
‫} ول يرسل إليهم قبل نوح أحدا وقال تعال ‪ { :‬وقوم نوح لا كذبوا الرسل‬
‫أغرقناهم } ‪ .‬وكذلك من كان من اللحدة والتفلسفة طاعنا ف جنس الرسل‬

‫‪20‬‬
‫كما قدمنا بأن يزعم أنم ل يعلموا الق أو ل يبينوه فهو مكذب لميع الرسل‬
‫كالذين قال فيهم ‪ { :‬الذين كذبوا بالكتاب وبا أرسلنا به رسلنا فسوف يعلمون‬
‫} { إذ الغلل ف أعناقهم والسلسل يسحبون } { ف الميم ث ف النار‬
‫يسجرون } وقال تعال ‪ { :‬فلما جاءتم رسلهم بالبينات فرحوا با عندهم من‬
‫العلم وحاق بم ما كانوا به يستهزئون } { فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بال وحده‬
‫وكفرنا با كنا به مشركي } { فلم يك ينفعهم إيانم لا رأوا بأسنا سنة ال الت‬
‫قد خلت ف عباده وخسر هنالك الكافرون } وقال تعال عن الوليد ‪ { :‬إنه فكر‬
‫وقدر } { فقتل كيف قدر } { ث قتل كيف قدر } { ث نظر } { ث عبس‬
‫وبسر } { ث أدبر واستكب } { فقال إن هذا إل سحر يؤثر } { إن هذا إل‬
‫قول البشر } ‪ .‬وأهل الكتاب منهم من يؤمن بنس الرسالة لكن يكذب بعض‬
‫الرسل كالسيح وممد فهؤلء لا آمنوا ببعض وكفروا ببعض كانوا كافرين حقا‬
‫وكثي من الفلسفة والباطنية وكثي من أهل الكلم والتصوف ل يكذب الرسل‬
‫تكذيبا صريا ول يؤمن بقيقة النبوة والرسالة بل يقر بفضلهم ف الملة مع‬
‫كونه يقول ‪ :‬إن غيهم أعلم منهم ؛ أو أنم ل يبينوا الق أو لبسوه ؛ أو إن‬
‫النبوة هي فيض يفيض على النفوس من العقل الفعال من جنس ما يراه النائم ول‬
‫يقر بلئكة مفضلي ول بالن ونو ذلك فهؤلء يقرون ببعض صفات النبياء‬
‫دون بعض ؛ وبا أوتوه دون بعض ول يقرون بميع ما أوتيه النبياء وهؤلء قد‬
‫يكون أحدهم شرا من اليهود والنصارى الذين أقروا بميع صفات النبوة لكن‬
‫كذبوا ببعض النبياء ؛ فإن الذي أقر به هؤلء ما جاءت به النبياء أعظم‬
‫وأكثر ؛ إذ كان هؤلء يقرون بأن ال خلق السموات والرض ف ستة أيام‬
‫ويقرون بقيام القيامة ويقرون بأنه تب عبادته وحده ل شريك له ويقرون‬
‫بالشرائع التفق عليها ‪ .‬وأولئك يكذبون بذا وإنا يقرون ببعض شرع ممد صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪ .‬ولذا كان اليهود والنصارى أقل كفرا من اللحدة الباطنية‬

‫‪21‬‬
‫والتفلسفة ونوهم لكن من كان من اليهود والنصارى قد دخل مع هؤلء فقد‬
‫جع نوعي الكفر ؛ إذ ل يؤمن بميع صفاتم ول بميع أعيانم وهؤلء‬
‫موجودون ف دول الكفار كثيا كما يوجد أيضا ف النتسبي إل السلم من‬
‫هؤلء وهؤلء إذ كانوا ف دولة السلمي ‪ .‬وأهل الكتاب كانوا منافقي فيهم من‬
‫النفاق بسب ما فيهم من الكفر والنفاق يتبعض والكفر يتبعض ويزيد وينقص‬
‫كما أن اليان يتبعض ويزيد وينقص قال ال تعال ‪ { :‬إنا النسيء زيادة ف‬
‫الكفر } وقال ‪ { :‬وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيانا‬
‫فأما الذين آمنوا فزادتم إيانا وهم يستبشرون } { وأما الذين ف قلوبم مرض‬
‫فزادتم رجسا إل رجسهم وماتوا وهم كافرون } وقال ‪ { :‬وننل من القرآن‬
‫ما هو شفاء ورحة للمؤمني ول يزيد الظالي إل خسارا } وقال ‪ { :‬وليزيدن‬
‫كثيا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا } وقال ‪ { :‬ويزيد ال الذين‬
‫اهتدوا هدى } وقال ‪ { :‬ف قلوبم مرض فزادهم ال مرضا } وقال ‪ { :‬إن‬
‫الذين آمنوا ث كفروا ث آمنوا ث كفروا ث ازدادوا كفرا } ‪ .‬وكثي من الصنفي‬
‫ف الكلم ل يردون على أهل الكتاب إل ما يقولون ‪ :‬إنه يعلم بالعقل مثل تثليث‬
‫النصارى ومثل تكذيب ممد ول يناظرونم ف غي هذا من أصول الدين وهذا‬
‫تقصي منهم ومالفة لطريقة القرآن ؛ فإن ال يبي ف القرآن ما خالفوا به النبياء‬
‫ويذمهم على ذلك والقرآن ملوء من ذلك ؛ إذ كان الكفر واليان يتعلق‬
‫بالرسالة والنبوة فإذا تبي ما خالفوا فيه النبياء ظهر كفرهم ‪ .‬وأولئك التكلمون‬
‫لا أصلوا لم دينا با أحدثوه من الكلم كالستدلل بالعراض على حدوث‬
‫الجسام ظنوا أن هذا هو أصول الدين ولو كان ما قالوه حقا لكان ذلك جزءا‬
‫من الدين فكيف إذا كان باطل ؟ وقد ذكرت ف الرد على النصارى من مالفتهم‬
‫للنبياء كلهم مع مالفتهم لصريح العقل ما يظهر به من كفرهم ما يظهر ؛ ولذا‬
‫قيل فيه " الواب الصحيح لن بدل دين السيح " وخطابم ف مقامي ‪ :‬أحدها‬

‫‪22‬‬
‫‪ :‬تبديلهم لدين السيح ‪ .‬والثان ‪ :‬تكذيبهم لحمد صلى ال عليه وسلم واليهود‬
‫خطابم ف تكذيب من بعد موسى إل السيح ث ف تكذيب ممد صلى ال عليه‬
‫وسلم كما ذكر ال ذلك ف سورة البقرة ف قوله ‪ { :‬ولقد آتينا موسى الكتاب‬
‫وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى ابن مري البينات وأيدناه بروح القدس‬
‫أفكلما جاءكم رسول با ل توى أنفسكم استكبت ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون‬
‫} { وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم ال بكفرهم فقليل ما يؤمنون } ث قال ‪{ :‬‬
‫ولا جاءهم كتاب من عند ال مصدق لا معهم وكانوا من قبل يستفتحون على‬
‫الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة ال على الكافرين } إل أن‬
‫ذكر أنم أعرضوا عن كتاب ال مطلقا واتبعوا السحر ‪ .‬فقال ‪ { :‬ولا جاءهم‬
‫رسول من عند ال مصدق لا معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب ال‬
‫وراء ظهورهم كأنم ل يعلمون } { واتبعوا ما تتلو الشياطي على ملك سليمان‬
‫} إل قوله ‪ { :‬ولقد علموا لن اشتراه ما له ف الخرة من خلق ولبئس ما‬
‫شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون } { ولو أنم آمنوا واتقوا لثوبة من عند ال‬
‫خي لو كانوا يعلمون } ‪ .‬والنصارى نذمهم على الغلو والشرك الذي ابتدعوه‬
‫وعلى تكذيب الرسول والرهبانية الت ابتدعوها ول نمدهم عليها إذ كانوا قد‬
‫ابتدعوها وكل بدعة ضللة لكن إذا كان صاحبها قاصدا للحق فقد يعفى عنه‬
‫فيبقى عمله ضائعا ل فائدة فيه وهذا هو الضلل الذي يعذر صاحبه فل يعاقب‬
‫ول يثاب ؛ ولذا قال ‪ { :‬غي الغضوب عليهم ول الضالي } فإن الغضوب‬
‫عليه يعاقب بنفس الغضب والضال فاته القصود وهو الرحة والثواب ولكن قد‬
‫ل يعاقب كما عوقب ذلك بل يكون ملعونا مطرودا ولذا جاء ف حديث زيد‬
‫بن عمرو بن نفيل ‪ :‬أن اليهود قالوا له ‪ :‬لن تدخل ف ديننا حت تأخذ نصيبك‬
‫من غضب ال ‪ .‬وقال له النصارى ‪ :‬حت تأخذ نصيبك من لعنة ال ‪ .‬وقال‬
‫الضحاك وطائفة ‪ :‬إن جهنم طبقات فالعليا لعصاة هذه المة والت تليها للنصارى‬

‫‪23‬‬
‫والت تليها لليهود ‪ .‬فجعلوا اليهود تت النصارى والقرآن قد شهد بأن الشركي‬
‫واليهود يوجدون أشد عداوة للذين آمنوا من الذين قالوا ‪ :‬إنا نصارى وشدة‬
‫العداوة زيادة ف الكفر فاليهود أقوى كفرا من النصارى وإن كان النصارى‬
‫أجهل وأضل لكن أولئك يعاقبون على عملهم إذ كانوا عرفوا الق وتركوه عنادا‬
‫فكانوا مغضوبا عليهم وهؤلء بالضلل حرموا أجر الهتدين ولعنوا وطردوا عما‬
‫يستحقه الهتدون ث إذا قامت عليهم الجة فلم يؤمنوا استحقوا العقاب إذ كان‬
‫اسم الضلل عاما ‪ .‬وقد كان النب صلى ال عليه وسلم يقول ف الديث‬
‫الصحيح { ف خطبة يوم المعة ‪ :‬خي الكلم كلم ال وخي الدي هدي ممد‬
‫صلى ال عليه وسلم وشر المور مدثاتا وكل بدعة ضللة } ول يقل ‪ :‬وكل‬
‫ضللة ف النار بل يضل عن الق من قصد الق وقد اجتهد ف طلبه فعجز عنه‬
‫فل يعاقب وقد يفعل بعض ما أمر به فيكون له أجر على اجتهاده وخطؤه الذي‬
‫ضل فيه عن حقيقة المر مغفور له ‪ .‬وكثي من متهدي السلف واللف قد قالوا‬
‫وفعلوا ما هو بدعة ول يعلموا أنه بدعة إما لحاديث ضعيفة ظنوها صحيحة وإما‬
‫ليات فهموا منها ما ل يرد منها وإما لرأي رأوه وف السألة نصوص ل تبلغهم ‪.‬‬
‫وإذا اتقى الرجل ربه ما استطاع دخل ف قوله ‪ { :‬ربنا ل تؤاخذنا إن نسينا أو‬
‫أخطأنا } وف الصحيح أن ال قال ‪ " :‬قد فعلت " وبسط هذا له موضع آخر ‪.‬‬

‫والقصود هنا‪:‬‬
‫أن الرسول بي جيع الدين بالكتاب والسنة وأن الجاع ‪ -‬إجاع المة ‪ -‬حق‬
‫؛ فإنا ل تتمع على ضللة وكذلك القياس الصحيح حق يوافق الكتاب والسنة‬
‫‪ .‬والية الشهورة الت يتج با على الجاع قوله ‪ { :‬ومن يشاقق الرسول من‬
‫بعد ما تبي له الدى ويتبع غي سبيل الؤمني نوله ما تول } ومن الناس من‬
‫يقول ‪ :‬إنا ل تدل على مورد الناع ؛ فإن الذم فيها لن جع المرين وهذا ل‬

‫‪24‬‬
‫نزاع فيه ؛ أو لن اتبع غي سبيل الؤمني الت با كانوا مؤمني وهي متابعة‬
‫الرسول وهذا ل نزاع فيه ؛ أو أن سبيل الؤمني هو الستدلل بالكتاب والسنة‬
‫وهذا ل نزاع فيه ؛ فهذا ونوه قول من يقول ‪ :‬ل تدل على مل الناع ‪.‬‬
‫وآخرون يقولون ‪ :‬بل تدل على وجوب اتباع الؤمني مطلقا وتكلفوا لذلك ما‬
‫تكلفوه كما قد عرف من كلمهم ول ييبوا عن أسئلة أولئك بأجوبة شافية ‪.‬‬
‫والقول الثالث الوسط ‪ :‬أنا تدل على وجوب اتباع سبيل الؤمني وتري اتباع‬
‫غي سبيلهم ولكن مع تري مشاقة الرسول من بعد ما تبي له الدى وهو يدل‬
‫على ذم كل من هذا وهذا كما تقدم لكن ل ينفي تلزمهما كما ذكر ف طاعة‬
‫ال والرسول ‪ .‬وحينئذ نقول ‪ :‬الذم إما أن يكون لحقا لشاقة الرسول فقط ؛ أو‬
‫باتباع غي سبيلهم فقط ؛ أو أن يكون الذم ل يلحق بواحد منهما بل بما إذا‬
‫اجتمعا ؛ أو يلحق الذم بكل منهما وإن انفرد عن الخر ؛ أو بكل منهما لكونه‬
‫مستلزما للخر ‪ .‬والولن باطلن ؛ لنه لو كان الؤثر أحدها فقط كان ذكر‬
‫الخر ضائعا ل فائدة فيه وكون الذم ل يلحق بواحد منهما باطل قطعا ؛ فإن‬
‫مشاقة الرسول موجبة للوعيد مع قطع النظر عمن اتبعه ؛ ولوق الذم بكل منهما‬
‫وإن انفرد عن الخر ل تدل عليه الية ؛ فإن الوعيد فيها إنا هو على الجموع ‪.‬‬
‫بقي القسم الخر وهو أن كل من الوصفي يقتضي الوعيد لنه مستلزم للخر‬
‫كما يقال مثل ذلك ف معصية ال والرسول ومالفة القرآن والسلم فيقال ‪ :‬من‬
‫خالف القرآن والسلم أو من خرج عن القرآن والسلم فهو من أهل النار‬
‫ومثله قوله ‪ { :‬ومن يكفر بال وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر فقد ضل‬
‫ضلل بعيدا } فإن الكفر بكل من هذه الصول يستلزم الكفر بغيه فمن كفر‬
‫بال كفر بالميع ومن كفر باللئكة كفر بالكتب والرسل فكان كافرا بال إذ‬
‫كذب رسله وكتبه وكذلك إذا كفر باليوم الخر كذب الكتب والرسل فكان‬
‫كافرا ‪ .‬وكذلك قوله ‪ { :‬يا أهل الكتاب ل تلبسون الق بالباطل وتكتمون‬

‫‪25‬‬
‫الق وأنتم تعلمون } ذمهم على الوصفي وكل منهما مقتض للذم وها‬
‫متلزمان ؛ ولذا نى عنهما جيعا ف قوله ‪ { :‬ول تلبسوا الق بالباطل وتكتموا‬
‫الق وأنتم تعلمون } فإنه من لبس الق بالباطل فغطاه به فغلط به لزم أن يكتم‬
‫الق الذي تبي أنه باطل ؛ إذ لو بينه زال الباطل الذي لبس به الق ‪ .‬فهكذا‬
‫مشاقة الرسول واتباع غي سبيل الؤمني ومن شاقه فقد اتبع غي سبيلهم وهذا‬
‫ظاهر ومن اتبع غي سبيلهم فقد شاقه أيضا ؛ فإنه قد جعل له مدخل ف الوعيد‬
‫فدل على أنه وصف مؤثر ف الذم فمن خرج عن إجاعهم فقد اتبع غي سبيلهم‬
‫قطعا والية توجب ذم ذلك ‪ .‬وإذا قيل ‪ :‬هي إنا ذمته مع مشاقة الرسول ‪ .‬قلنا ‪:‬‬
‫لنما متلزمان وذلك لن كل ما أجع عليه السلمون فإنه يكون منصوصا عن‬
‫الرسول فالخالف لم مالف للرسول كما أن الخالف للرسول مالف ل ولكن‬
‫هذا يقتضي أن كل ما أجع عليه قد بينه الرسول ؛ وهذا هو الصواب ‪ .‬فل‬
‫يوجد قط مسألة ممع عليها إل وفيها بيان من الرسول ولكن قد يفى ذلك على‬
‫بعض الناس ويعلم الجاع ‪ .‬فيستدل به كما أنه يستدل بالنص من ل يعرف‬
‫دللة النص وهو دليل ثان مع النص كالمثال الضروبة ف القرآن وكذلك‬
‫الجاع دليل آخر كما يقال ‪ :‬قد دل على ذلك الكتاب والسنة والجاع وكل‬
‫من هذه الصول يدل على الق مع تلزمها ؛ فإن ما دل عليه الجاع فقد دل‬
‫عليه الكتاب والسنة وما دل عليه القرآن فعن الرسول أخذ فالكتاب والسنة‬
‫كلها مأخوذ عنه ول يوجد مسألة يتفق الجاع عليها إل وفيها نص ‪ .‬وقد‬
‫كان بعض الناس يذكر مسائل فيها إجاع بل نص كالضاربة وليس كذلك بل‬
‫الضاربة كانت مشهورة بينهم ف الاهلية ل سيما قريش ؛ فإن الغلب كان‬
‫عليهم التجارة وكان أصحاب الموال يدفعونا إل العمال ورسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم قد سافر بال غيه قبل النبوة كما سافر بال خدية والعي الت كان‬
‫فيها أبو سفيان كان أكثرها مضاربة مع أب سفيان وغيه فلما جاء السلم أقرها‬

‫‪26‬‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم وكان أصحابه يسافرون بال غيهم مضاربة ول‬
‫ينه عن ذلك والسنة ‪ :‬قوله وفعله وإقراره ‪ .‬فلما أقرها كانت ثابتة بالسنة ‪.‬‬
‫والثر الشهور فيها عن عمر الذي رواه مالك ف الوطأ ويعتمد عليه الفقهاء لا‬
‫أرسل أبو موسى بال أقرضه لبنيه واترا فيه وربا وطلب عمر أن يأخذ الربح‬
‫كله للمسلمي لكونه خصهما بذلك دون سائر اليش فقال له أحدها ‪ :‬لو‬
‫خسر الال كان علينا فكيف يكون لك الربح وعلينا الضمان ؟ فقال له بعض‬
‫الصحابة ‪ :‬اجعله مضاربا فجعله مضاربة وإنا قال ذلك لن الضاربة كانت‬
‫معروفة بينهم والعهد بالرسول قريب ل يدث بعده فعلم أنا كانت معروفة‬
‫بينهم على عهد الرسول كما كانت الفلحة وغيها من الصناعات كالياطة‬
‫والزارة ‪ .‬وعلى هذا فالسائل الجمع عليها قد تكون طائفة من الجتهدين ل‬
‫يعرفوا فيها نصا فقالوا فيها باجتهاد الرأي الوافق للنص لكن كان النص عند‬
‫غيهم ‪ .‬وابن جرير وطائفة يقولون ‪ :‬ل ينعقد الجاع إل عن نص نقلوه عن‬
‫الرسول مع قولم بصحة القياس ‪ .‬ونن ل نشترط أن يكونوا كلهم علموا النص‬
‫فنقلوه بالعن كما تنقل الخبار لكن استقرأنا موارد الجاع فوجدناها كلها‬
‫منصوصة وكثي من العلماء ل يعلم النص وقد وافق الماعة كما أنه قد يتج‬
‫بقياس وفيها إجاع ل يعلمه فيوافق الجاع وكما يكون ف السألة نص خاص‬
‫وقد استدل فيها بعضهم بعموم كاستدلل ابن مسعود وغيه بقوله ‪ { :‬وأولت‬
‫الحال أجلهن أن يضعن حلهن } وقال ابن مسعود ‪ :‬سورة النساء القصرى‬
‫نزلت بعد الطول أي ‪ :‬بعد البقرة ؛ وقوله ‪ { :‬أجلهن أن يضعن حلهن }‬
‫يقتضي انصار الجل ف ذلك فلو أوجب عليها أن تعد بأبعد الجلي ل يكن‬
‫أجلها أن تضع حلها وعلي وابن عباس وغيها أدخلوها ف عموم اليتي وجاء‬
‫النص الاص ف قصة سبيعة السلمية با يوافق قول ابن مسعود ‪ .‬وكذلك لا‬
‫تنازعوا ف الفوضة إذا مات زوجها ‪ :‬هل لا مهر الثل ؟ أفت ابن مسعود فيها‬

‫‪27‬‬
‫برأيه أن لا مهر الثل ث رووا حديث بروع بنت واشق با يوافق ذلك وقد خالفه‬
‫علي وزيد وغيها فقالوا ‪ :‬ل مهر لا ‪ .‬فثبت أن بعض الجتهدين قد يفت بعموم‬
‫أو قياس ويكون ف الادثة نص خاص ل يعلمه فيوافقه ول يعلم مسألة واحدة‬
‫اتفقوا على إنه ل نص فيها ؛ بل عامة ما تنازعوا فيه كان بعضهم يتج فيه‬
‫بالنصوص أولئك احتجوا بنص كالتوف عنها الامل وهؤلء احتجوا بشمول‬
‫اليتي لا والخرين قالوا ‪ :‬إنا يدخل ف آية المل فقط وأن آية الشهور ف غي‬
‫الامل كما أن آية القروء ف غي الامل ‪ .‬وكذلك لا تنازعوا ف الرام احتج من‬
‫جعله يينا بقوله ‪ { :‬ل ترم ما أحل ال لك تبتغي مرضاة أزواجك وال غفور‬
‫رحيم } { قد فرض ال لكم تلة أيانكم } ‪ .‬وكذلك لا تنازعوا ف البتوتة ‪:‬‬
‫هل لا نفقة أو سكن ؟ احتج هؤلء بديث فاطمة وبأن السكن الت ف القرآن‬
‫للرجعية وأولئك قالوا ‪ :‬بل هي لما ‪ .‬ودللت النصوص قد تكون خفية فخص‬
‫ال بفهمهن بعض الناس كما قال علي ‪ :‬إل فهما يؤتيه ال عبدا ف كتابه ‪ .‬وقد‬
‫يكون النص بينا ويذهل الجتهد عنه كتيمم النب فإنه بي ف القرآن ف آيتي‬
‫ولا احتج أبو موسى على ابن مسعود بذلك قال ‪ :‬الاضر ‪ :‬ما درى عبد ال ما‬
‫يقول إل أنه قال ‪ :‬لو أرخصنا لم ف هذا لوشك أحدهم إذا وجد الرء البد أن‬
‫يتيمم وقد قال ابن عباس وفاطمة بنت قيس وجابر ‪ :‬إن الطلقة ف القرآن هي‬
‫الرجعية بدليل قوله ‪ { :‬ل تدري لعل ال يدث بعد ذلك أمرا } وأي أمر يدثه‬
‫بعد الثلثة ؟ وقد احتج طائفة على وجوب العمرة بقوله ‪ { :‬وأتوا الج والعمرة‬
‫ل } واحتج بذه الية من منع الفسخ وآخرون يقولون ‪ :‬إنا أمر بالتام فقط‬
‫وكذلك أمر الشارع أن يتم وكذلك ف الفسخ قالوا ‪ :‬من فسخ العمرة إل غي‬
‫حج فلم يتمها أما إذا فسخها ليحج من عامه فهذا قد أتى با ت ما شرع فيه ؛‬
‫فإنه شرع ف حج مرد فأتى بعمرة ف الج ولو ل يكن هذا إتاما لا أمر به النب‬
‫صلى ال عليه وسلم أصحابه عام حجة الوداع ‪ .‬وتنازعوا ف الذي بيده عقدة‬

‫‪28‬‬
‫النكاح وف قوله ‪ { :‬أو لمستم النساء } ونو ذلك ما ليس هذا موضع‬
‫استقصائه ‪ .‬وأما مسألة مردة اتفقوا على أنه ل يستدل فيها بنص جلي ول خفي‬
‫فهذا ما ل أعرفه ‪ .‬والد لا قال أكثرهم ‪ :‬إنه أب استدلوا على ذلك بالقرآن‬
‫بقوله ‪ { :‬كما أخرج أبويكم من النة } وقال ابن عباس ‪ :‬لو كانت الن تظن‬
‫أن النس تسمي أبا الب جدا لا قالت ‪ { :‬وأنه تعال جد ربنا } يقول ‪ :‬إنا‬
‫هو أب لكن أب أبعد من أب ‪ .‬وقد روي عن علي وزيد أنما احتجا بقياس‬
‫فمن ادعى إجاعهم على ترك العمل بالرأي والقياس مطلقا فقد غلط ومن ادعى‬
‫أن من السائل ما ل يتكلم فيها أحد منهم إل بالرأي والقياس فقد غلط بل كان‬
‫كل منهم يتكلم بسب ما عنده من العلم فمن رأى دللة الكتاب ذكرها ومن‬
‫رأى دللة اليزان ذكرها والدلئل الصحيحة ل تتناقض لكن قد يفى وجه‬
‫اتفاقها أو ضعف أحدها على بعض العلماء ‪ .‬وللصحابة فهم ف القرآن يفى‬
‫على أكثر التأخرين كما أن لم معرفة بأمور من السنة وأحوال الرسول ل يعرفها‬
‫أكثر التأخرين فإنم شهدوا الرسول والتنيل وعاينوا الرسول وعرفوا من أقواله‬
‫وأفعاله وأحواله ما يستدلون به على مرادهم ما ل يعرفه أكثر التأخرين الذين ل‬
‫يعرفوا ذلك فطلبوا الكم ما اعتقدوا من إجاع أو قياس ‪ .‬ومن قال من‬
‫التأخرين ‪ :‬إن الجاع مستند معظم الشريعة فقد أخب عن حاله ؛ فإنه لنقص‬
‫معرفته بالكتاب والسنة احتاج إل ذلك وهذا كقولم ‪ :‬إن أكثر الوادث يتاج‬
‫فيها إل القياس لعدم دللة النصوص عليها ؛ فإنا هذا قول من ل معرفة له‬
‫بالكتاب والسنة ودللتهما على الحكام وقد قال المام أحد ‪ -‬رضي ال عنه ‪-‬‬
‫إنه ما من مسألة إل وقد تكلم فيها الصحابة أو ف نظيها فإنه لا فتحت البلد‬
‫وانتشر السلم حدثت جيع أجناس العمال فتكلموا فيها بالكتاب والسنة وإنا‬
‫تكلم بعضهم بالرأي ف مسائل قليلة والجاع ل يكن يتج به عامتهم ول‬
‫يتاجون إليه ؛ إذ هم أهل الجاع فل إجاع قبلهم لكن لا جاء التابعون كتب‬

‫‪29‬‬
‫عمر إل شريح ؛ اقض با ف كتاب ال فإن ل تد فبما ف سنة رسول ال فإن ل‬
‫تد فبما به قضى الصالون قبلك ‪ .‬وف رواية ‪ :‬فبما أجع عليه الناس ‪ .‬وعمر‬
‫قدم الكتاب ث السنة وكذلك ابن مسعود قال مثل ما قال وعمر قدم الكتاب ث‬
‫السنة ث الجاع ‪ .‬وكذلك ابن عباس كان يفت با ف الكتاب ث با ف السنة ث‬
‫بسنة أب بكر وعمر ؛ لقوله ‪ { :‬اقتدوا باللذين من بعدي أب بكر وعمر }‬
‫وهذه الثار ثابتة عن عمر وابن مسعود وابن عباس وهم من أشهر الصحابة‬
‫بالفتيا والقضاء وهذا هو الصواب ‪ .‬ولكن طائفة من التأخرين قالوا ‪ :‬يبدأ‬
‫الجتهد بأن ينظر أول ف الجاع فإن وجده ل يلتفت إل غيه وإن وجد نصا‬
‫خالفه اعتقد أنه منسوخ بنص ل يبلغه وقال بعضهم ؛ الجاع نسخه والصواب‬
‫طريقة السلف ‪ .‬وذلك لن الجاع إذا خالفه نص فل بد أن يكون مع الجاع‬
‫نص معروف به أن ذلك منسوخ فإما أن يكون النص الحكم قد ضيعته المة‬
‫وحفظت النص النسوخ فهذا ل يوجد قط وهو نسبة المة إل حفظ ما نيت‬
‫عن اتباعه وإضاعة ما أمرت باتباعه وهي معصومة عن ذلك ومعرفة الجاع قد‬
‫تتعذر كثيا أو غالبا فمن ذا الذي ييط بأقوال الجتهدين ؟ بلف النصوص فإن‬
‫معرفتها مكنة متيسرة ‪ .‬وهم إنا كانوا يقضون بالكتاب أول لن السنة ل تنسخ‬
‫الكتاب فل يكون ف القرآن شيء منسوخ بالسنة بل إن كان فيه منسوخ كان ف‬
‫القرآن ناسخه فل يقدم غي القرآن عليه ث إذا ل يد ذلك طلبه ف السنة ول‬
‫يكون ف السنة شيء منسوخ إل والسنة نسخته ل ينسخ السنة إجاع ول غيه ؛‬
‫ول تعارض السنة بإجاع وأكثر ألفاظ الثار فإن ل يد فالطالب قد ل يد‬
‫مطلوبه ف السنة مع أنه فيها وكذلك ف القرآن فيجوز له إذا ل يده ف القرآن‬
‫أن يطلبه ف السنة وإذا كان ف السنة ل يكن ما ف السنة معارضا لا ف القرآن‬
‫وكذلك الجاع الصحيح ل يعارض كتابا ول سنة ‪ .‬ت بمد ال وعونه‬
‫وصلواته على خي بريته ممد وآله وسلم ‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫نقل عن موقع السلم‬

‫‪31‬‬

You might also like