You are on page 1of 22

‫بسم اللـه الرحمن الرحيم‬

‫الميــــــزان‬

‫إن المد ل نمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باللـه من شرور أنفسنا‬


‫وسيئات أعمالنا ‪.‬‬
‫من يهده اللـه فل مضل له ‪ ،‬ومن يضلل فل هادى له ‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل‬
‫اللـه وحده ل شريك له وأشهد أن سيدنا ممدا عبده ورسوله ‪...‬‬
‫سلِمُونَ }‬
‫{ يَاأَّيهَا الّذِينَ ءَامَنُوا اّتقُوا اللـه حَ ّق ُتقَاِتهِ َولَا تَمُوتُ ّن ِإلّا وََأنْتُمْ مُ ْ‬
‫‪ [ .‬آل عمران ‪. ] 102 -‬‬
‫س اّتقُوا َرّبكُمُ الّذِي خَ َل َقكُمْ مِ ْن َنفْسٍ وَاحِ َد ٍة وَ َخلَقَ مِ ْنهَا‬
‫{ يَاأَّيهَا النّا ُ‬
‫زَ ْو َجهَا وَبَثّ مِ ْن ُهمَا ِرجَالًا كَثِيًا َونِسَاءً وَاّتقُوا اللـه الّذِي تَسَاءَلُونَ ِبهِ وَالْأَ ْرحَامَ‬
‫إِنّ اللـه كَانَ عَلَ ْيكُمْ َرقِيبًا } ‪ [ .‬النساء ‪. ] 1-‬‬
‫صلِحْ َلكُمْ‬
‫{ يَاأَّيهَا الّذِينَ ءَامَنُوا اّتقُوا اللـه َوقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا(‪)70‬يُ ْ‬
‫أَعْمَـالَكُمْ وََي ْغفِـ ْر َلكُـمْ ُذنُوبَكُمْ َومَنْ يُطِعِ اللـه وَ َرسُوَلهُ َفقَدْ فَازَ فَوْزًا‬
‫[ الحزاب ‪. ] 71 ، 70-‬‬ ‫َعظِيمًا } ‪.‬‬

‫أما بعــــد ‪:‬‬


‫خطب الشيخ ‪ /‬محمد حس ان‬ ‫(‪)76‬‬

‫فإن أصدق الديث كتاب اللـه وخي الدى هدى ممد وشر المور‬
‫مدثاتا وكل مدثة بدعة وكل بدعة ضللة وكل ضللة ف النار ‪.‬‬
‫ونن اليوم بول اللـه ومدده على موعد مع اللقاء الثامن عشر من لقاءات‬
‫هذه السلسلة الكرية ‪ ،‬وكنا قد توقفنا ف اللقاءات المسة الاضية على التوال مع‬
‫البشرية كلها وهى تقف كلها على بساط العدل ف ساحة الساب بي يدى اللك‬
‫جل جلله ‪ ،‬وتعرفنا على أهم قواعد العدل الت ياسب با اللـه ف ساحة‬
‫الساب ‪ ،‬وتعرفنا على أول أمة ينادى عليها لتحاسب بي يدى اللـه جل وعل ‪،‬‬
‫وتعرفنا على أول من يقضى اللـه بينهم وعلى أول ما ياسب عليه العبد ‪ ،‬وعلى‬
‫أول حق من حقوق العباد يقضى اللـه فيه بي اللق ‪ ،‬ث تعرفنا ف اللقاء الاضى‬
‫على أصناف الناس فقلنا بأن من الناس من يأخذ كتابه بيمينه وياسبه اللـه حسابا‬
‫يسيا ‪ ،‬ومن الناس من يأخذ كتابه بشماله وراء ظهره وياسبه اللـه حسابا‬
‫عسيا ‪.‬‬
‫ومن الناس من يدخل مباشرة من غي حساب ول عذاب ‪.‬‬
‫هل يا ترى بانتهاء الساب تنتهى أهوال القيامة ؟!!‬
‫كل ‪ !! ..‬كل ‪!! ..‬‬
‫بل إذا انقضى الساب أمر اللـه جل وعل أن ينصب اليزان فإن الساب‬
‫لتقرير العمال ‪ ،‬وإن الوزن لظهار مقدارها ليكون الزاء بسابه وليظهر عدل‬
‫اللـه للبشرية كلها ف ساحة الساب فتوزن أعمال الؤمن لظهار فضله ‪ ،‬وتوزن‬
‫أعمال الكافر لظهار خزيه وذله على رؤوس الشهاد وما ربك بظلم للعبيد ‪.‬‬
‫فى رحاب الدار الخرة " الميز ان "‬ ‫(‪)77‬‬

‫والن نسأل ‪...‬‬


‫ما هو الميزان ؟!‬
‫ما الذى يوزن فيه ؟!!‬
‫ما هى العمال التى تثقل فى الميزان يوم القيامة ؟!!!‬
‫هذه السئلة الثلثة هى موضوع لقاءنا مع حضراتكم ‪ ،‬واللـه أسأل أن‬
‫يعلن وإياكم من يستمعون القول فيتبعون أحسنه ‪.‬‬

‫أول ً ‪ :‬ما هو الميزان ؟!‬

‫اليزان على صورته وكيفيته الت يوجد عليها الن من الغيب الذى أمر الصادق‬
‫الصدوق أن نؤمن به من غي زيادة ول نقصان ‪ ،‬وهذه هى حقيقة اليان ‪ ،‬فيا‬
‫خسران من كذب بالغيب وأنكر وضع اليزان ‪ ،‬و فتح ف آيات الرحيم الرحن‬
‫واستهزاء بكلم سيد ولد عدنان ‪ ،‬ث تطاول فقال قول ملحد خبيث جبان ‪ " :‬ل‬
‫يتاج إل اليزان إل البقال أو الفوال " وما أحراة بأن يكون من الذين ل يقيم‬
‫اللـه لم يوم القيامة وزنا (‪. )1‬‬
‫لنه بهله وغباءه وانغلق قلبه ظن أن ميزان الخرة كميزان الدنيا ‪ ،‬ومن‬
‫البديهى أن جيع أحوال الخرة ل تكيف أبدا ول تقاس البتة بأحوال الدنيا ‪ ،‬ولقد‬
‫نقل الافظ ابن حجر رحه اللـه إجاع أهل السنة على ‪ :‬اليان باليزان وأن‬
‫اليزان له لسان وكِــفتان ‪ -‬بكسر الكاف وفتحها واللغتان صحيحتان ‪ -‬وأن‬
‫‪ )(1‬شرح الطحاوية بتحقيق اللبانى ‪ :‬ص ‪. 419 :‬‬
‫خطب الشيخ ‪ /‬محمد حس ان‬ ‫(‪)78‬‬

‫أعمال العباد توزن به يوم القيامة ‪.‬‬


‫وقال المام بن أب العز النفى ف شرح العقيدة الطحاوية الشهورة قال‪" :‬‬
‫والذى دلت عليه السنة أن اليزان الذى توزن به العمال يوم القيامة له كفتان‬
‫حسيتان مشاهدتان " أ‪.‬هـ (‪. )1‬‬
‫وال أعلم با وراء زلك من الكيفيات ‪.‬‬
‫أيها السلم ل يعلم حقيقة اليزان وطبيعة اليزان وكيفية اليزان إل اللك‬
‫الرحن ‪ ،‬وإل فهل تستطيع أن تتصور ميزانا يوضع ف يوم القيامة يقول فيه‬
‫الصطفى ‪ (( :‬لو وزنت فيه السموات والرض لوزنا )) ‪.‬‬
‫كيف تصور هذا اليزان ؟!‬
‫ففى الديث الذى رواه الاكم ف الستدرك وصححه على شرط مسلم وأقر‬
‫الاكم الذهب بل وصحح إسناد الديث اللبان ف السلسلة الصحيحة من حديث‬
‫سلمان الفارسى أن البيب النب قال ‪ (( :‬يوضع اليزان يوم القيامة فلو وزن‬
‫فيه السموات والرض لوزنما ‪ ،‬فإذا رأته اللئكة قالت ‪ :‬يارب لن يزن هذا ؟‍‬
‫قال ‪ :‬لن شئت من خلقى ‪ ،‬فتقول اللئكة ‪ :‬سبحانك ما عبدناك حق عبادتك‬
‫))‍ ‍ ‍ ‍ ‍ ‍ ‍ ‍ ‪.‬‬
‫تأمل ‪ ..‬لقد عرفت اللئكة أنا ما عبدت الرحن حق عبادته من شدة الول‬
‫والرعب ‪ ،‬فإن مشهد اليزان من أرهب مشاهد القيامة فاليزان حق ‪ ،‬قال جل‬
‫سطَ ِليَوْمِ اْلقِيَا َم ِة َفلَا ُتظْلَمُ َنفْسٌ شَيْئًا َوإِنْ كَانَ مِ ْثقَالَ‬
‫وعل { وَنَضَعُ الْ َموَازِينَ اْلقِ ْ‬

‫‪ )(1‬شرح الطحاوية بتحقيق اللبانى ص ‪. 417‬‬


‫فى رحاب الدار الخرة " الميز ان "‬ ‫(‪)79‬‬

‫حَبّةٍ مِ ْن َخ ْر َدلٍ َأتَ ْينَا ِبهَا وَ َكفَى ِبنَا حَا ِسِبيَ }‬


‫[ النبياء ‪] 47 :‬‬
‫بي اللـه تعال أنه يضع الوازين بالقسط ( أى بالعدل ) وكفى باللـه جل وعل‬
‫حسيبا ‪ ،‬والراجح من أقول أهل العلم أن اليزان يوم القيامة ميزان واحد ‪.‬‬
‫فما جوابك على المع ف قوله تعال { ونضع الوازين } الراجح من أقوال‬
‫العلماء أن المع ف الية باعتبار تعدد الوزان أو الوزون ‪ ،‬لن اليزان يوزن فيه‬
‫أشياء كثية ‪ ،‬وبي اللك العدل أنا اليزان إن ثقل لو بسنة واحدة فقد سعد‬
‫صاحبها سعادة ل يشقى بعدها أبدا ‪ ،‬وإن خف اليزان ولو بسيئة واحدة فقد شقى‬
‫صاحبه شقاوة ل يسعد بعدها أبدا ‪ ،‬قال جل وعل ‪ { :‬فَإذا ُن ِفخَ فِي الصّورِ فَلَا‬
‫أَنْسَابَ بَ ْيَنهُ ْم يَ ْو َمئِذٍ وَلَا يََتسَاءَلُونَ(‪)101‬فَمَ ْن َث ُقلَتْ مَوَازِيُنهُ فَأُولَِئكَ هُمُ‬
‫س ُهمْ فِي َج َهنّمَ‬
‫سرُوا أَْنفُ َ‬ ‫الْ ُم ْفلِحُونَ(‪َ )102‬ومَنْ َخفّتْ مَوَازِيُن ُه فَأُولَئِكَ الّذِينَ َخ ِ‬
‫[ الؤمنون ‪:‬‬ ‫خَالِدُونَ(‪)103‬تَ ْل َفحُ وُجُو َههُمُ النّارُ وَهُمْ فِيهَا كَاِلحُونَ }‬
‫‪. ] 104 - 101‬‬
‫انظر إل دقه عدل اللك من ثقل ميزانه لو بسنة واحدة سعد سعادة ل شقاوة‬
‫بعدها أبدا ‪ ،‬ومن خف ميزانه شقى شقاوة ل سعادة بعدها أبدا ‪ ،‬أما من استوت‬
‫موازينه ‪ ،‬أى استوت حسناته مع سيئاته ‪ ،‬فهو على الراجح من أقوال العلماء من‬
‫أهل العراف الذين قصرت بم سيئاتم فلم يدخلوا النة ومنعتهم حسناتم من أن‬
‫يدخلوا النار ‪ ،‬يبسون على قنطره بي النة والنار ‪ ،‬إذا التفت أهل العراف إل‬
‫أهل النة سلموا عليهم { َسلَامٌ عَلَ ْيكُمْ لَ ْم يَ ْدخُلُوهَا وَهُمْ يَطْ َمعُونَ }‬
‫[ العراف ‪. ] 46 :‬‬
‫خطب الشيخ ‪ /‬محمد حس ان‬ ‫(‪)80‬‬

‫أى ل يدخلوا أهل العراف النة وهم يرجون رحه اللـه ‪ ،‬ويطمعون أن‬
‫يدخلوا النة ‪ ،‬وإذا التفتوا إل الناصية الخرى ورأوا أهل الحيم تضرعوا إل‬
‫اللك العليم أل يعلهم مع القوم الظالي ‪.‬‬
‫قال جل وعل ‪ { :‬وَبَ ْيَنهُمَا حِجَابٌ وَ َعلَى الْأَ ْعرَافِ ِرجَالٌ َي ْع ِرفُونَ كُلّا‬
‫صحَابَ اْلجَّنةِ أَنْ سَلَامٌ عَ َل ْيكُ ْم لَمْ يَدْ ُخلُوهَا وَهُمْ َيطْ َمعُونَ(‬
‫بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَ ْ‬
‫جعَلْنَا َم َع اْلقَوْمِ‬
‫صحَابِ النّارِ قَالُوا َربّنَا لَا َت ْ‬
‫ص ِرفَتْ َأبْصَارُهُ ْم ِت ْلقَاءَ أَ ْ‬
‫‪)46‬وَإذا ُ‬
‫[ العراف ‪. ] 47 - 46 :‬‬ ‫الظّالِ ِميَ }‬
‫إذا أيها السلم الوحد حرى بك إذا ما تعرفت على أقسام الوازين الثلثة أل‬
‫تتقر أى عمل صال ولو قل ‪ ،‬وأل تستهي بعصية واحدة ولو صغية ‪ ،‬فأعلم أنه‬
‫بسنة واحدة يثقل اليزان وبسيئة واحدة يف اليزان ‪ ،‬بل بكلمة واحدة نقاد إل‬
‫رضا الرحن ‪ ،‬وبكلمة واحدة ننال سخط البار ‪.‬‬
‫ففى الصحيحي من حديث أب هريرة أن النب قال ‪:‬‬
‫(( إن العبد ليتكلم بكلمة من رضوان اللـه ل يلقى لا بالً يرفعه اللـه با‬
‫ف النة ‪ ،‬وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط اللـه ل يلقى لا بالً فيهوى با‬
‫ف جهنم )) (‪. )1‬‬
‫قد يستهي كثيا منا بطورة الكلمة ‪ ،‬وكم من كلمات أشعلت حروبا بي‬
‫أمم ودول !! وكم من كلمات أطفأت حروبا بي أمم ودول ‪.‬‬

‫‪ )(1‬رواه البخارى رقم (‪ )6478‬فى الرقاق ‪ ،‬باب حفظ اللسان ‪ ،‬ومسلم رقم (‪ )2988‬فى الذهد ‪ ،‬باب‬
‫التكلم بالكلمة يهوى بها فى النار ‪ ،‬والترمذى فى الذهد ‪.‬‬
‫فى رحاب الدار الخرة " الميز ان "‬ ‫(‪)81‬‬

‫يا صاحب الكلمة اعلم علم اليقي أن كلمه تدخل الرء ف دين اللـه ‪،‬‬
‫وكلمة تبن بيت وكلمة تدم بيت ‪ ،‬وكلمة تل فرج امرأة لرجل ‪ ،‬وكلمة ترم‬
‫فرج امرأة لرجل ‪.‬‬
‫فالكلمة لا خطرها السيم ف دين اللـه فبكلمة تنال الرضوان ‪ ،‬وبكلمة‬
‫تتعرض لسخط الرحن ‪ ،‬فحسنه تثقل ميزان العبد وتدخله النة وسيئه تف ميزان‬
‫العبد وتدخله النار ‪ ،‬لذا ثبت ف صحيح مسلم من حديث أب ذر أن النب قال ‪:‬‬
‫(( ل تقرن من العروف شيئا ولو تلقى أخاك بوجه طلق )) (‪. )1‬‬
‫ل تقل هذا عمل بسيط ‪ ،‬هذه طاعة صغية أو حقية ‪ ،‬فكم من عمل صغي‬
‫عظمته النية !! وكم من عمل عظيم حقرته النية !!‬
‫فل تقرن من العروف شيئا فإن عجزت فإنك لن تعجز أيها السلم أن تش‬
‫وتبش ف وجه إخوانك ‪ ،‬فما من بيت تلو منه الشاكل ‪ ،‬فابتسامتك هذه الت‬
‫تتقرها من المكن أن تسعد قلب حزين ‪ ،‬فابتسامتك هذه مكن أن تزيل أل‬
‫أخيك النفسى ‪ ،‬فما ذنب أخيك أن تلقاه بوجه عبوس كئيب‪.‬‬
‫بل لقد أخبنا الصادق الصدوق ‪ ،‬كما ف الصحيحي من حديث أب هريرة‬
‫‪:‬‬
‫(( إن امرأة بغيا رأت كلبا ف يوم حار يطوف ببئر ‪ ،‬قد أدلع لسانه من‬
‫العطش ‪ ،‬فنعت له بوقها ( أى أنا استقت له من البئر ‪ ،‬والوق هنا هو الف )‬

‫‪ )(1‬رواه مسلم رقم (‪ )2626‬فى البر والصلة ‪ ،‬باب استحباب طلقة الوجه عند اللقاء ‪.‬‬
‫خطب الشيخ ‪ /‬محمد حس ان‬ ‫(‪)82‬‬

‫ف ُغفِر لا )) (‪. )1‬‬


‫أود أن أقول ‪ :‬إذا كانت الرحة بالكلب تغفر الطايا للبغايا فكيف تصنع‬
‫الرحة بن وحد رب البايا ؟!‬
‫نعم نتاج إل رحه ‪ ،‬نتاج إل رفق ‪ ،‬فالرحة والرفق ل يهدمان ول يفسدان‬
‫أبدا ‪ ،‬والشدة والعنف يهدمان ويفسدان ‪ ،‬هذه سنة اللـه ف خلقه ‪ ،‬ما كان‬
‫الرفق ف شىء إل زانه وما نزع الرفق من شئ إل شانه ‪.‬‬
‫ففى الصحيحي البخارى ومسلم من حديث ابن عمر رضى اللـه عنهما قال‬
‫‪:‬‬
‫(( عذبت امرأة ف هرة حبستها حت ماتت جوعا ‪ ،‬فدخلت فيها النار قال‬
‫‪ :‬فقال ‪ -‬واللـه أعلم ‪ -‬ل هى أطعمتها ول سقيتها حي حبستها ول هى‬
‫أرسلتها تأكل من خشاش الرض )) (‪‍ ‍ ‍ ‍ ‍ ‍ ‍ ‍ ‍ ‍ ‍ ‍ ‍ ‍ ‍ ‍ ‍ ‍ ‍ ‍ ‍ ‍ ‍ ‍ ‍ ‍ ‍ ‍ ‍ ‍ ‍ ‍ ‍ ‍ ‍ ‍ ‍ ‍ ‍ ‍ ‍ ‍ ‍ ‍ ‍ ‍ ‍ ‍ ‍ . )2‬‬
‫لذا يأمرنا الصادق الصدوق كما ف الصحيحي من حديث عدى بن حات‬
‫يقول ‪:‬‬
‫(( اتقوا النار ‪ ،‬ولو بشق تره )) (‪. )3‬‬

‫‪ )(1‬رواه البخارى رقم (‪ )3321‬بدء الخلق ‪ ،‬باب إذا وقع الذباب فى شراب أحدكم رقم (‪ )2245‬فى‬
‫السلم ‪ ،‬فضل سقى البهائم المحتبسة ‪ ،‬واللفظ له ‪ ،‬ورواه أيضا أبو داود رقم (‪ )2550‬فى الجهاد ‪.‬‬
‫‪ )(2‬رواه البخارى رقم (‪ )2365‬فى المساقاة ‪ ،‬باب فضل سقى الماء ‪ ،‬واللفظ له ‪ ،‬ومسلم (‪ )2619‬فى‬
‫البر والصلة ‪ ،‬باب تحريم تعذيب الهرة ونحوها ‪.‬‬
‫‪ )(3‬رواه البخارى رقم (‪ )1417‬فى الزكاة ‪ ،‬باب اتقوا النار ولو بشق تمره ‪ ،‬ومسلم رقم (‪ )1016‬فى‬
‫الزكاة باب الحث على الصدق ولو بشق تمرة ‪ ،‬والنسائى (‪ )75 ، 74 /5‬فى الزكاة ‪.‬‬
‫فى رحاب الدار الخرة " الميز ان "‬ ‫(‪)83‬‬

‫فقد ينجو العبد من النار بشق ترة ‪ ،‬فإن ثقل اليزان بسنة سعد العبد بعدها‬
‫سعادة ل شقاوة بعدها أبدا ‪ ،‬وإن خف اليزان ولو بسيئة شقى العبد شقاوة ل‬
‫سعادة بعدها أبدا ‪ ،‬وإن تساوت الوازين فهو من أهل العراف والراجح من أقوال‬
‫أكثر أهل العلم أن اللـه جل وعل يتغمدهم برحته فيدخلهم النة ‪.‬‬

‫ثانيا ً ‪ :‬ما الذى يوزن فى الميزان ؟‍‬

‫‍أيها الحبة ف اللـه ‪:‬‬


‫لقد اختلف أهل العلم ف الواب على هذا السؤال على ثلثة أقوال ‪ ،‬فأعرن‬
‫قلبك وسعك جيدا فإن الوضوع منهجى دقيق يتاج إل حسن متابعة ‪.‬‬
‫أولً ‪ :‬القول الول ‪.‬‬
‫إن الذى يوزن ف اليزان هو العمال ذاتا ‪ -‬أى أعمال العبد من صلة وصيام‬
‫وزكاة وحج وعمرة وبر وصدقة وغي ذلك من الطيبات الصالات ‪.‬‬
‫ولكن رفض البعض وقالوا ‪ :‬هذه العمال أعراض ل أجسام ‪ ،‬والعراض ل‬
‫توزن ول توضع ف اليزان ‪ ،‬فكيف توزن الصلة وهى ليست حجم ؟! وكيف‬
‫توزن الزكاة وهى كذلك ؟! فكيف تقولون بأن العمال هى الت توزن يوم‬
‫القيامة ؟!‬
‫والواب ‪ :‬أن اللـه جل وعل يوم القيامة يول العراض إل أجسام توضع ف‬
‫اليزان يف اليزان ويثقل بسب السنات والسيئات ‪.‬‬
‫خطب الشيخ ‪ /‬محمد حس ان‬ ‫(‪)84‬‬

‫والدلة على ذلك من السنة الصحيحة كثية فتدبر معى ‪ ،‬أزفق إليك سيل من‬
‫الدلة الصحيحة من السنة ‪.‬‬
‫قال‬ ‫روى البخارى ومسلم من حديث أب هريرة رضى اللـه عنه أن النب‬
‫‪:‬‬
‫(( كلمتان خفيفتان على اللسان ‪ ،‬ثقيلتان ف اليزان ‪ ،‬حبيبتان إل الرحن ها‬
‫‪ :‬سبحان اللـه وبمده سبحان اللـه العظيم )) (‪. )1‬‬
‫انتبه يا مسلم الرسول يقول كلمتان عرض وليس جسما بما يثقل اليزان ‪.‬‬
‫بل ف الديث الذى رواه أحد وأبو داود والترمذى والنسائى وابن حبان‬
‫وصححه شيخنا اللبان ف مشكاة الصابيح من حديث أب الدرداء رضى اللـه‬
‫عنه أن النب قال ‪:‬‬
‫( ‪)2‬‬
‫))‬ ‫(( ما من شىء أثقل ف ميزان الؤمن يوم القيامة من حسن اللق‬
‫فحسن اللق أثقل شىء ف ميزان العبد يوم القيامة ‪ ،‬بل وأخبنا الصادق‬
‫أن القرآن الكري يأتى يوم القيامة ليقف أمام العبد بي يدى اللـه‬ ‫الصدوق‬
‫جل على هيئه غمامة ‪ ،‬أى على هيئه ظلة على رأس العبد يوم القيامة ليشفع له أمام‬
‫اللـه ‪ ،‬بل وياج القرآن عن العبد بي يدى الق تبارك وتعال ‪.‬‬

‫‪ )(1‬رواه البخارى رقم (‪ )6406‬فى الدعوات ‪ ،‬باب فضل التسبيح ‪ ،‬ومسلم رقم (‪ )2694‬فى الذكر‬
‫والدعاء ‪ ،‬باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء ‪.‬‬
‫‪ )(2‬رواه الترمذى رقم(‪ )2003،2004‬فى البر والصلة ‪ ،‬باب ما جاء فى حسن الخلق ‪،‬وأبو داود رقم (‬
‫‪ )4799‬فى الدب ‪ ،‬باب حسن الخلق ‪ ،‬وهو فى صحيح الجامع رقم (‪. )5721‬‬
‫فى رحاب الدار الخرة " الميز ان "‬ ‫(‪)85‬‬

‫اسع ماذا قال الصطفى والديث رواه مسلم من حديث أب أمامه الباهلى‬
‫‪:‬‬ ‫يقول الصادق الصدوق‬
‫(( اقرؤوا القرآن فإنه يأتى يوم القيامة شفيعا لصحابه ‪ ،‬اقرؤوا الزهراوين ‪:‬‬
‫البقرة وآل عمران ‪ ،‬فإنما تأتيان يوم القيامة كأنما غمامتان أو غايتان أو‬
‫كأنما فرقان من طيصواف ‪ ،‬تجان عن صاحبهما اقرؤوا سورة البقرة فإن‬
‫أخذها بركه وتركها حسره ول تستطيعها البطله ( السحرة ) )) (‪. )1‬‬
‫وف صحيح مسلم يقول الصطفى ‪ (( :‬يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله‬
‫الذين كانوا يعملون به ف الدنيا ‪ ،‬تقدمه سورة البقرة وآل عمران كأنما‬
‫غمامتان سوداوان بينهما شرق أو كأنما فرقان من طيصواف تاجان عن‬
‫صاحبهما )) (‪ ، )2‬أى بي يدى اللـه جل وعل ‪.‬‬
‫كل هذه أدلة من السنة الصحيحة على أن العراض تتحول يوم القيامة إل‬
‫أجسام وما استطعنا أن نعى كل هذه القائق إل لننا أردنا أن نكم قواني الخرة‬
‫الغيبية بقواني الدنيا السية فعجزنا ‪.‬‬
‫أيها السلم ل تعطل ول تكيف ول تثل ول تشبه ‪ ،‬فل يستطيع أحدا منا الن‬

‫‪ )(1‬رواه مسلم رقم (‪ )804‬فى صلة المسافرين ‪ ،‬باب فضل قرأة القرآن وسورة البقرة ‪.‬‬
‫الغياية ‪ :‬كل شىء أظل النسان وغيره من فوق ‪ ،‬وهى كالسحابة ‪.‬‬
‫الفرق ‪ :‬الجماعة المنفردة من الغنم والطير وغير ذلك ‪.‬‬
‫صواف ‪ :‬جمع صافة ‪ ،‬وهى التى تصف أجنحتها عند الطيران ‪.‬‬
‫‪ )(2‬رواه مسلم رقم (‪ )805‬فى صلة المسافرين ‪ ،‬باب فضل قراءة القرآن وسورة البقرة‪ ،‬والترمذى‬
‫رقم (‪ )2886‬فى ثواب القرآن ‪ ،‬باب ما جاء فى سورة آل عمران ‪.‬‬
‫خطب الشيخ ‪ /‬محمد حس ان‬ ‫(‪)86‬‬

‫أن يعاند أو يكابر أو يتنع عن العتراف بعال يعيش بيننا ‪ ،‬آل وهو عال النحل ‪،‬‬
‫بل ول يستطيع أحد منا أن ينكر أن النمل يتكلم بدليل أن اللـه لا فك رموز لغة‬
‫النمل لسليمان عليه السلم ‪ ،‬فهم سليمان لغة النمل وتاوب مع النمل ‪ ،‬فقد سجل‬
‫اللـه ف قرآنه العظيم ‪:‬‬
‫{ حَتّى إذا أَتَوْا َعلَى وَادِ النّمْلِ قَالَتْ نَ ْم َلةٌ يَاأَيّهَا النّمْلُ ا ْدخُلُوا َمسَاكَِنكُمْ لَا‬
‫ش ُعرُونَ(‪)18‬فََتَبسّمَ ضَا ِحكًا مِنْ قَوِْلهَا َوقَالَ‬
‫حطِ َمّنكُ ْم ُسلَيْمَا ُن وَ ُجنُو ُدهُ وَهُمْ لَا يَ ْ‬
‫يَ ْ‬
‫ب أَوْزِ ْعنِي َأ ْن َأشْ ُك َر ِنعْ َمَتكَ الّتِي أَْن َعمْتَ َع َل ّي وَعَلَى وَالِدَيّ وََأ ْن أَ ْعمَلَ صَاِلحًا‬
‫رَ ّ‬
‫[ النمل ‪18 :‬‬ ‫حيَ }‬
‫َترْضَا ُه وََأ ْد ِخلْنِي ِب َرحْمَتِكَ فِي ِعبَادِ َك الصّالِ ِ‬
‫‪. ] 19 -‬‬
‫إذا ل يستطيع أحدا منا أن ينكر وجود عال النمل ‪ ،‬بل ل يستطيع أحد منا أن‬
‫ينكر أن النمل يتحدث ويتكلم ‪ ،‬ومع ذلك ما رأينا واحدا قد جاء بكبات صوت‬
‫دقيقة جدا وقربا إل مموعة نل ليسمع كلمها مع أنه يعلم أن النمل يتكلم ‪ ،‬لاذا‬
‫؟!!‬
‫لنه ما أعطى لعقله العنان ف أن يدرك كيفية لغة النمل لن اللـه ما فك له‬
‫رموز هذه اللغة ‪ ،‬والنمل خلق من خلق اللـه ‪.‬‬
‫فكيف لعقلك أن يدرك الذات اللية ؟!‬
‫ل تكيف ول تثل ول تعطل ول تشبه ‪ ،‬فعال الخرة ليس كعال الدنيا ‪ ،‬الظلم‬
‫عي الظلم أن نكم عال الخرة الغيب وقوانينه بعال الدنيا وقوانينه وهو عال حسى‬
‫‪ ،‬فاللـه سبحانه بقدرته يول العراض إل أجسام توضع ف اليزان ‪ ،‬يثقل اليزان‬
‫فى رحاب الدار الخرة " الميز ان "‬ ‫(‪)87‬‬

‫ويف بسب السنات والسيئات بل أخبنا الصادق أيضا ‪ :‬أن العمل يأتى‬
‫لصاحبه ف القب على هيئة رجل ‪ ،‬نعم والديث رواه أحد ف مسنده وأبو داود‬
‫والنسائى والاكم والترمذى وابن حبان وغيهم وصحح الديث ابن القيم وأطال‬
‫النفس ف الرد على من أعل الديث وصحح الديث اللبان من حديث البء بن‬
‫ذكر العبد الؤمن إذا وضع ف قبه فقال‬ ‫عازب رضى اللـه عنه وفيه أن النب‬
‫‪ (( :‬ويأتيه ملكان فيجلسان ويقولن له ‪ :‬من ربك؟ ‪ ،‬فيقول ‪ :‬رب اللـه ‪ ،‬ما‬
‫دينك؟ فيقول ‪ :‬السلم ‪ ،‬فيقولن ‪ :‬ما هذا الرجل الذى بعث فيكم؟ فيقول‪:‬‬
‫ممد ‪ ،‬فيقولن ‪ :‬ما علمك؟ فيقول ‪ :‬قرأت كتاب اللـه وأمنت به‬
‫وصدقت ‪ ،‬فينادى منادى من السماء فافرشوه من النة وألبسوه من النة ‪،‬‬
‫وافتحوا له باب من النة يأتيه من روحها وطيبها ‪ ،‬ويفسح له قبه مد البصر ‪،‬‬
‫ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول صاحب القب له ‪ :‬من‬
‫أنت؟ فوجهك الوجه الذى يىء بالي ‪ ،‬فيقول‪ :‬أبشر بالذى يسرك هذا يومك‬
‫الذى كنت توعد وأنا عملك الصال ))‪.‬‬
‫عن الكافر ‪ (( :‬ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولن له‪ :‬من‬ ‫وقال الصطفى‬
‫ربك؟ فيقول ‪ :‬هه ‪ ..‬هه ‪ ..‬ل أدرى ‪ ،‬من نبيك؟ فيقول ‪ :‬هه‪ ..‬هه ‪ ..‬ل‬
‫أدرى ‪ ،‬ما دينك؟ فيقول ‪ :‬هه ‪ ..‬هه ‪ ..‬ل أدرى ‪ ،‬فينادى مناد من السماء أن‬
‫كذب عبدى فافرشوا له فراشا من النار وألبسوه لباسا من النار ‪ ،‬وافتحوا له‬
‫باب من النار يأتيه من روحها وسومها ث يضيق عليه قبه فتختلف أضلعه ‪،‬‬
‫خطب الشيخ ‪ /‬محمد حس ان‬ ‫(‪)88‬‬

‫ويأتيه رجل أسود الوجه قبيح النظر نت الريح فيقول ‪ :‬من أنت؟ فوجهك الذى‬
‫يأتى بشر ‪ ،‬فيقول ‪ :‬أبشر بالذى يسؤك أنا عملك البيث )) (‪. )1‬‬
‫أرأيت يا مسـلم كيــف يكون العمل ف هيئة جسم إنسان وكيف‬
‫يتكلـم ؟‬
‫إياك !! إياك !! أن يشوش عليك كلم العلماني من يريدون أن يعلوا من‬
‫سلطان العقل والادة قانونا يكمونه ف صريح القرآن وصحيح السنة ‪ ،‬فإننا نشهد‬
‫الن نبته سوء ينكر أصحابا عذاب القب ‪ ،‬إن غدا لناظره قريب ‪ ،‬هذا كلم‬
‫الصادق الذى ل ينطق عن الوى ‪ ،‬بل ولقد أخب الصادق أن الوت نفسه يأتى يوم‬
‫القيامة كهيئة كبش أملح ‪.‬‬
‫((‬ ‫والديث ف الصحيحي من حديث أب سعيد الدرى أن النب قال‪:‬‬
‫يأتى يوم القيامة بالوت كهيئة كبش أملح فينادى مناد ‪ :‬يا أهل النة فيشرئبون‬
‫وينظرون فيقول لم ‪ :‬هل تعرفون هذا ؟ فيقولون نعم هذا الوت ‪ ،‬وكلهم قد‬
‫رآه ‪ ،‬ث ينادى مناد ‪ :‬يا أهل النار فيشرئبون وينظرون فيقول لم ‪ :‬هل تعرفون‬
‫هذا ؟ فيقولون نعم ‪ ،‬وكلهم قد رآه ‪ ،‬فيذبح بي النة والنار ‪ ،‬ث يقول ‪ :‬يا‬
‫أهل النة خلود فل موت ‪ ،‬ويا أهل النار خلود فل موت ث قرأ ‪ { :‬وأنذرهم‬
‫يوم السرة إذا قضى المر ‪ ،‬وهم ف غفلة وهم ل يؤمنون } [ مري ‪] 39 :‬‬

‫‪ )(1‬رواه البخارى رقم (‪ )1374‬فى الجنائز ‪ ،‬باب ما جاء فى عذاب القبر ‪ ،‬ومسلم رقم (‪ )2870‬فى‬
‫الجنة ‪ ،‬باب عرض مقعد الميت من الجنة‬
‫والنار ‪ ،‬وأبو داود رقم (‪ )3231‬فى الجنائز ‪ ،‬والنسائى (‪ )98 ،4/97‬فى الجنائز ‪.‬‬
‫فى رحاب الدار الخرة " الميز ان "‬ ‫(‪)89‬‬

‫وأشار بيده إل الدنيا )) (‪. )1‬‬


‫إذا ثُبت بالدلة الصحيحة الت ذكرت الن أن العراض تتحول إل أجسام‬
‫توضع ف اليزان يوم القيامة ويثقل اليزان ويف بسب السنات والسيئات ‪ ،‬هذه‬
‫أدله أصحاب القول الول الذين قالوا بأن العمال الت توزن ف اليزان يوم القيامة‬
‫‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬القول الثان ‪.‬‬
‫قالوا بل إن الذى يوزن ف اليزان هو العامل وليس العمال ‪.‬‬
‫واستدل أصحاب هذا الفريق بأدلة صحيحة كذلك منها ما رواه البخارى‬
‫ومسلم من حديث أب هريرة أن النب قال ‪:‬‬
‫(( إنه ليأتى الرجل العظيم السمي يوم القيامة ل يزن عند اللـه جناح‬
‫بعوضه ‪ ،‬وقال ‪ :‬اقرؤوا { فل نقيم له يوم القيامة وزنا } )) (‪. )2‬‬
‫رجل سي عظيم منتفخ منتفش يأتى يوم القيامة فيوضع ف اليزان فل يزن عند‬
‫اللـه جناح بعوضة ‪ ،‬إذ أن الوازين إذا وضعت فيها العباد ل تف ول تثقل‬
‫بسب ضخامة البدان وكثرة الشحم والدهن إنا تف وتثقل بسب السنات‬
‫والسيئات ‪ ،‬أل أقل لك عي الظلم أن نكم قواني الدنيا ف قواني الخرة وف‬
‫عال الخرة ‪ ،‬وف القابل يأتى بساقي ضعيفتي لرجل نيف ضعيف فإن وضعتا ف‬

‫‪ )(1‬رواه البخارى رقم ( ‪ )6548‬فى الرقاق ‪ ،‬باب صفة الجنة والنار ‪ ،‬ومسلم رقم (‪ )2850‬فى‬
‫الجنة ‪ ،‬باب النار يدخلها الجبارون ‪.‬‬
‫‪ )(2‬رواه البخارى رقم ( ‪ )4729‬فى تفسير سورة الكهف ‪ ،‬باب { أولئك الذين كفروا بربهم} ‪ ،‬ومسلم‬
‫رقم (‪ )2785‬فى صفة القيامة ‪.‬‬
‫خطب الشيخ ‪ /‬محمد حس ان‬ ‫(‪)90‬‬

‫اليزان ف كفة ‪ ،‬وجبل أحد ف كافة أخرى لرجحت كافة هذا الرجل ‪ ،‬من‬
‫هو ؟!!‬
‫إنه عبد اللـه بن مسعود رضى اللـه عنه ‪ ،‬إنه رجل ضعيف البنية قوى‬
‫اليان رجل خفيف السم ثقيل العمال ‪ ،‬يقول الصطفى والديث تفرد به‬
‫المام أحد ف مسنده بسند جيد قوى كما قال الافظ بن كثي وغيه ‪ ،‬يقول على‬
‫بن أب طالب رضى اللـه عنه ‪ " :‬صعد ابن مسعود رضى اللـه عنه يوما على‬
‫شجرة آراك ين سواك فجعلت الريح تكفأه فضحك القوم ‪ ،‬فقال الصطفى ‪:‬‬
‫(( ما تضحكون )) قالوا ‪ :‬نضحك من دقة ساقيه يا رسول اللـه فقال الصطفى‬
‫‪ (( :‬والذى نفس بيده لما أثقل ف اليزان من جبل أحد )) (‪. )1‬‬
‫هذه أدله أصحاب القول الثان من قالوا بأن الذى يوزن ف اليزان هو العبد ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬الرأى الثالث ‪.‬‬
‫قالوا بل إن الذى يوزن ف ميزان العبد يوم القيامة هو الصحف ‪.‬‬
‫واستدلوا على ذلك أيضا بديث صحيح رواه أحد ف مسنده والاكم ف‬
‫الستدرك وصححه على شرط الشيخي وأقره الذهب ورواه ابن حبان وأبو داود‬
‫وغيهم وصحح الديث شيخنا اللبان من حديث عبد اللـه بن عمر رضى‬
‫اللـه عنهما أن النب قال ‪:‬‬
‫(( إن اللـه تعال سيخلص رجلً من أمت يوم القيامة على رؤوس اللئق‬
‫فينشر عليها تسعه وتسعون سجلً كل سجل مثل مد البصر ث يقول ‪ :‬أتنكر من‬
‫هذا شيئا ؟ أظلمك كتبت الافظون ؟ فيقول ‪ :‬ل يارب فيقول ‪ :‬ألك عذر ؟‬

‫‪ )(1‬رواه أحمد فى المسند رقم (‪ )920‬وقال الشيخ أحمد شاكر ‪ :‬إسناده صحيح ‪.‬‬
‫فى رحاب الدار الخرة " الميز ان "‬ ‫(‪)91‬‬

‫فيقول ‪ :‬ليارب فيقول اللـه جل وعل ‪ :‬بلى إن لك عندنا حسنه ‪ ،‬ل ظلم‬
‫اليوم فتخرج له بطاقة فيها ‪ :‬أشهد أن ل إله إل اللـه وأشهد أن ممد رسول‬
‫اللـه ‪ ،‬فيقول ‪ :‬احضر وزنك ‪ ،‬فيقول ‪ :‬يارب ما تفعل هذه البطاقة مع هذه‬
‫السجلت ‪ ،‬فيقول ‪ :‬إنك ل تظلم ‪ ،‬فوضعت السجلت ف كفة والبطاقة ف‬
‫كفة ‪ ،‬فطاشت السجلت وثقلت البطاقة ول يثقل مع اسم اللـه شىء )) (‪. )1‬‬
‫وهذا ما استدل به أصحاب الرأى الثالث ‪.‬‬
‫وبعدما تولنا سويا حول الراء الثلث الاضية ‪.‬‬
‫ترى ما هو القول الراجح من هذه القوال وما هى العمال الت تثقل اليزان ؟‬
‫هذا ما سنعرفه بعد جلسة الستراحة ‪.‬‬
‫أقول قول هذا وأستغفر اللـه ل ولكم‬
‫الطبة الثانية ‪:‬‬
‫إن المد ل نمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باللـه من شرور أنفسنا‬
‫وسيئات أعمالنا ‪ ،‬من يهده اللـه فل مضل له ‪ ،‬ومن يضلل فل هادى له‪.‬‬
‫وأشهد أن ل إله إل اللـه وأشهد أن ممدا رسول اللـه‬
‫أما بعد ‪ ..‬أيها الحبة الكرام ‪:‬‬
‫القول الراجح واللـه أعلى وأعلم أن العمال والعامل والصحف كل ذلك‬
‫يوضع ف اليزان يوزن العامل بأعماله وبصحفه وهذا ما رجحه صاحب القبول‬

‫‪ )(1‬رواه الترمذى رقم (‪ )2641‬فى اليمان ‪ ،‬باب ما جاء فى من يموت وهو يشهد أن ل إله إل ال ‪،‬‬
‫وصححه الشيخ اللبانى فى الصحيحة رقم (‪. )135‬‬
‫خطب الشيخ ‪ /‬محمد حس ان‬ ‫(‪)92‬‬

‫بشرح سلم الوصول إل علم الصول ف التوحيد وهذا ما أميل إليه ‪.‬‬
‫لذا أرى أنه من الواجب علىّ أن أذكر نفسى وأحباب ببعض العمال الت تثقل‬
‫اليزان يوم القيامة ‪.‬‬

‫ثالثا ً ‪ :‬ما هى العمال التى تثقل الميزان يوم القيامة ؟‍‬

‫من أعظم العمال الت تثقل اليزان يوم القيامة كما قال الصطفى حسن‬
‫اللق ففى الديث الذى خرجته ف أول اللقاء من حديث أب الدرداء أن النب‬
‫قال ‪:‬‬
‫(( ما من شىء أثقل ف ميزان الؤمن يوم القيامة من حسن اللق وإن اللـه‬
‫يبغض الفاحش البذىء )) (‪. )1‬‬
‫نعم حسن اللق وآه من الديث عن حسن اللق ‪ ،‬واللـه ما أحوج المه‬
‫بكامها وعلمائها وشيوخها ودعاتا ورجالا ونسائها وشبابا وأطفالا إل حسن‬
‫اللق ‪ ،‬فإن حسن اللق لنهج نظرى مني ‪ ،‬فإنا نرى بونا شاسعا رهيبا بينه وبي‬
‫سوء اللق كمنهج واقعى عملى ‪.‬‬
‫أين أخلق السلم ؟!! أين أخلق ممد عليه أفضل الصلة وأزكى‬
‫السلم ؟!! فما أيسر التنظي ‪.‬‬
‫إن أرفف الكتبات ف بيوتنا وف مدارسنا وف جامعتنا تئن بأطنان الجلدات‬

‫‪ )(1‬سبق تخريجه ‪.‬‬


‫فى رحاب الدار الخرة " الميز ان "‬ ‫(‪)93‬‬

‫الت سطر فيها النهج النظرى الشرق الني ‪ ،‬ولكن لو نقبت ف واقع المة ونظرت‬
‫نظره سريعة إل أحوال الناس ‪ ،‬لرأيت بونا شاسعا بي هذا النهج النظرى الني‬
‫وبي الواقع الؤل الر الرير ‪.‬‬
‫يا أمة السلم يا أمة سيد ولد عدنان !!‬
‫أين الصدق ؟! أين الخلص ؟! أين الرفق ؟! أين اللم ؟! أين العفو ؟! أين‬
‫الب ؟! أين الياء ؟! أين الرجولة ؟! أين الشهامة ؟! أين الكرامة ؟!‬
‫بل أين أين أين ‪ ............‬؟؟!!‬
‫‪.‬‬ ‫أين أخلق ممد بن عبد اللـه‬
‫واللـه واللـه إن لتم نفسى وما أبرىء نفس إن النفس لمارة بالسوء‬
‫وغي تقى يأمـر النــاس بالتقـى طبيب يداوى الناس والطبيب عليل‬
‫فأسأل اللـه أن يستر على وعليكم وأن يردن وأن يردكم وأن يرد المة‬
‫جعاء إل اللق الميل ردا جيلً إنه ول ذلك والقادر عليه ‪.‬‬
‫يا شباب المة ما أحوجنا إل ماسن اللق ما أحوجنا إل مكارم الخلق ‪،‬‬
‫إنن أقول دوما وأبدا ‪ ،‬لقد نح الصطفى ف أن يقيم للسلم دولة من فتات‬
‫متناثرة وسط صحراء توج بالكفر موجا ‪ ،‬فإذا دولة السلم بناء شامخ ل يطاوله‬
‫بناء ‪ ،‬نح الصطفى ف ذلك يوم أن طبع عشرات اللف من النسخ من النهج‬
‫التربوى السلمى العظيم ‪ ،‬ولكنه ل يطبعها بالب على صحائف الوراق ‪ ،‬وإنا‬
‫طبعها على صحائف القلوب بداد من النور ‪ ،‬فحول أصحاب النب النهج‬
‫الخلقى السلمى إل واقع عملى يتألق سوا وروعةً وجللً ف دنيا البشر أذهل‬
‫خطب الشيخ ‪ /‬محمد حس ان‬ ‫(‪)94‬‬

‫البشرية ‪ -‬لكن أقول إن أعظم حجر يقف الن ف سبيل السلم ف الشرق‬
‫والغرب هو أخلق السلمي إل من رحم اللـه ‪ ،‬فإن الرجل ف الشرق والغرب‬
‫ينظر إل السلمي هناك فيى السلم يزن ويشرب المر ويبيع النير ول يافظ‬
‫على الصلوات ‪ ،‬فينظر الرجل إل السلم الذى يغن بالسلم فل يرى أنه يفوقه‬
‫خلقا ‪ ،‬فالجر العاثر والعقبة الكئود ف طريق الزحف السلمى ف الشرق والغرب‬
‫هو أخلقنا إل من رحم اللـه ‪.‬‬
‫نسأل اللـه أن يعلنا جيعا من رحم ‪ ،‬ولذلك يقول الصطفى ‪:‬‬
‫(( ما من شىء أثقل ف ميزان الؤمن يوم القيامة من حسن اللق )) وأرجو‬
‫أن نعلم أن النب قال ف ميزان الؤمن ‪ ،‬إذا أن اليان أصل سابق ‪ ،‬أرجو أن ننتبه‬
‫لذه اللطيفة ‪ ،‬إذ أن اليان أصل سابق بل لقد أخب الصادق الصدوق كما ف‬
‫الديث الذى رواه أحد والترمذى بسند صحيح قال حينما سئل عن أكمل‬
‫‪.‬‬ ‫( ‪)1‬‬
‫))‬ ‫الؤمني إيانا قال ‪ (( :‬أكمل الؤمني إيانا أحسنهم خلقا‬
‫لقد أخب الصادق الصدوق كما ف الديث الذى رواه أبو داود وابن حبان‬
‫وغيها من حديث عائشة بسند صحيح قال الصطفى ‪:‬‬
‫إن العبـد الـمـؤمــن ليـــدرك بســن خلقـه درجة‬ ‫((‬
‫الصائم القائـــم )) (‪. )2‬‬

‫‪ )(1‬أخرجه أبو داود رقم ( ‪ )4682‬والترمذى رقم ( ‪ )1162‬وقال ‪ :‬حسن صحيح وهو فى صحيح‬
‫الجامع رقم (‪. )1230‬‬
‫‪ )(2‬رواه أبو داود رقم ( ‪ )4798‬فى الدب وأحمد فى المسند رقم ( ‪.)24476 ،24236‬‬
‫فى رحاب الدار الخرة " الميز ان "‬ ‫(‪)95‬‬

‫وهؤلء أصحاب الخلق العليا من أقرب الناس إل رسول اللـه يوم القيامة‬
‫قال الصطفى ‪ ((:‬إن من أحبكم إلّ وأقربكم من ملسا يوم القيامة أحسنكم‬
‫أخلقا )) (‪. )1‬‬
‫ومن أعظم العمال الت تثقل اليزان يوم القيامة أيضا (( الطهور شطر اليان‬
‫))‬ ‫والمد ل تل اليزان وسبحان اللـه والمد ل تلن ما بي السماء والرض‬
‫( ‪. )2‬‬
‫هل أُخىّ ف اللـه تعجز عن هذا الطهور؟! هل تعجز أن تمد اللـه‬
‫وتسبحه بقلبك قبل لسانك ؟!‬
‫واسع ماذا يقـول الصطفى ؟! يقول ‪ (( :‬لن أقول سبحان اللـه والمد‬
‫ل ول إله إل اللـه واللـه أكب أحب على من طلعت عليه الشمس )) (‪. )3‬‬
‫يقول الصطفى ‪ (( :‬من قال سبحان اللـه وبمده ف يوم مائة مرة حطت‬
‫عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر )) (‪. )4‬‬
‫لكن أحبت ف اللـه أهس ف كل أذن تسمعن أن يردد اللسان ويصدق‬
‫‪ )(1‬رواه الترمذى رقم (‪ )2019‬فى البر والصلة ‪ ،‬باب ما جاء فى معالى الخلق ‪ ،‬وللحديث شواهد‬
‫يثق بها ‪ ،‬وخرجه الشيخ اللبانى فى الصحيحة (‪ ، )791‬وهو فى صحيح الجامع (‪)2201‬‬
‫‪ )(2‬رواه مسلم رقم (‪ )223‬فى الطهارة باب فضل الوضوء ‪ ،‬والترمذى رقم (‪ )3512‬فى الدعوات‬
‫والنسائى (‪ )5/5،6‬فى الزكاة وهو فى صحيح الجامع (‪. )3957‬‬
‫‪ )(3‬رواه مسلم رقم (‪ )2695‬فى الزكاة والدعاء ‪ ،‬باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء ‪ ،‬والترمذى رقم‬
‫(‪ )3591‬فى الدعوات ‪.‬‬
‫‪ )(4‬رواه الترمذى رقم (‪ )3462‬فى الدعوات ‪ ،‬وقال‪ :‬حسن صحيح وهو جزء من حديث طويل رواه‬
‫مسلم رقم (‪. )2691‬‬
‫خطب الشيخ ‪ /‬محمد حس ان‬ ‫(‪)96‬‬

‫النان ‪ ،‬وأن تترجم الوارح والركان ‪.‬‬

‫‪ .......‬الدعـــاء‬

You might also like