‫قلب صالح‬

‫ل يمكن أن يستسيغ أحد إسم "صالح أبو الفضل" دون أن يكون متبوعا بلقب )الحققاج( ‪ .‬فققى واقققع‬
‫المر فإن الحالة المادية المزرية التى يعيشها الحاج صالح تجعل مجرد تفكيره فى زيارة بيت القق‬
‫الحرام من رابع المستحيلت ‪ ,‬إل أنه لدى الشعب المصرى صفه غريبه هى إلصاق لقققب )حققاج(‬
‫بكل من تقدم به العمر ‪ ,‬حتى وإن لم يقم بأداء شعائر الحج بالفعل ‪.‬‬

‫الوظيفة الحكومية التى إبتلعت عمر الحاج صالح ‪ ,‬والرهاق الجسدى والذهنى الذى يقوم بققه فققى‬
‫العمل ‪ ,‬والذى يتبعه بمجهققود أكققبر فققى مسققاعدة السققت صققفية زوجتققه وأم عيققاله فققى السققتذكار‬
‫للولد الربعه باهر ونجلء وإيناس ومحسن والقيام بواجبه الزوجى كل يوم خميس ‪ -‬و الذى لققم‬
‫يقصر فيه رغم تقدم العمر – وكى الملبس مساء السبت إسققتعدادا لبدايققة السققبوع الدراسققى يققوم‬
‫الحد ‪ ,‬ناهيك عن سجائر كيلوباترا سوبر التى يدخنها مع شلة المقهى ‪ ,‬كل هققذا المجهققود بققالرغم‬
‫إحتمال جسده الممتلىء منذ أيام العز – التى كان يفتخر بهققا الحققاج صققلح مققع أقربققائه بققأنه كققان‬
‫يفطر خمسه عشر بيضة مقلية بالسمن البلدى الدسم – هذا المجهود لققم يحتملققه قلبققه المنهققك بفعققل‬
‫السنين ‪ ,‬هكذا فاجأته أزمققة قلبيققة مفققاجئه نقلققه زملء العمققل علققى أثرهققا للمستشققفى ‪ ,‬وبعققد عققدة‬
‫فحوصات تقرر إجراء عملية تركيب صمام للقلب المجهد ‪ ,‬تققبرع بجققزء مققن أتعابهققا زملؤه فققى‬
‫العمل ممن تحولت عشرته الطويله بهم لما يشبه علقات القرابة ‪ ,‬بينما باعت أم العيققال مصققاغها‬
‫وتنازل الطبيب عن أجره مراعاة لظروف الحاج صالح ‪.‬‬

‫وبعققد إجققراء العمليققة أوصققى الطققبيب المعالققج الحققاج صققالح بالتقليققل مققن مجهققوده الجسققدى‬
‫والعصبى ‪ ..‬ل يمكن تشجيع الهلى بكل هذه العصبية ‪ ..‬العلقة الحميمة مره واحده كل إسبوعين‬
‫بحد أقصى ‪ ,‬المتناع عن التدخين بشققكل نهققائى هققو أسققاس أى علج ‪ ,‬أمققا المتنققاع عققن تنققاول‬
‫الطعمة الدسمة فلم يكن الطبيب فققى حققاجه للتنققبيه عليققه نظققرا للحالققة الماديققة المتققدهورة للحققاج‬
‫صالح والتى تجعله فى إبتعاد طبيعى عن أى طعام دسم ‪.‬‬

‫نوكيققا ‪ 1110‬أزرق فققى جققراب أسققمر بخمسققة جنيهققات مققن بققائع متجققول عنققد رصققيف مققترو‬
‫النفاق ‪ ..‬كان البائع الجشع يصر على سبعة جنيهققات إل أن صققفارة عسققاكر )المرافققق( حسققمت‬
‫الفصال لصالح الحاج صالح ‪ ,‬الذى قرر شراء الجراب بعققد أن تقشققرت الرقققام مققن علققى أزرار‬
‫الموبايل بفعل العرق الغزير ‪ .‬عفوا ‪ ..‬رصيدك الحالى ل يكفى لق …‪ .‬يغلق الحاج صالح المكالمه‬
‫بغيظ ‪ ..‬دائما ما ينفذ رصيده عندما يريد الطمئنان على أحد البنققاء ‪ ..‬بققاهر ونجلء فققى الثانويققة‬
‫العامة ‪ ,‬إيناس خريجة معهققد متوسققط ‪ ..‬عققاطله ‪ ,‬أمققا محسققن فققإلتقفه التجنيققد بمجققرد تخرجققه ‪..‬‬
‫محسن هو القرب لقلبه ‪ ..‬الحاج صالح ل يفرق بين أبناءه ‪ ..‬إل أنققه ل يسققتطيع أن يمنققع قلبققه أن‬
‫يهفو لمحسن ‪ ..‬هو أول فرحته وأكبر إخوته ‪ ..‬وهو من يعول عليه الحاج صالح ليحمله فققى كققبره‬
‫ويكون أول السائرين فى جنازته وأقوى الحاملين لنعشه‪ ..‬الموت لدى الحققاج صققالح – مثققل عققادة‬
‫معظم كبار السن – يصبح مجرد مرحله من مراحل الحياه ‪ ..‬ل ينظر له بهذا الخوف الققذى ينظققر‬
‫له الشباب صغار السن ‪.‬‬

‫أما اليوم الموعود ‪ ,‬فبدأ كأى يوم ‪ ..‬كان اليوم الول فى الشققهر وكققان مققزاج الحققاج صققالح رائقققا‬
‫بحق ‪ ..‬اليوم يقضيه محسن مع والديه كأجازه من فترة تجنيده ‪ ,‬ناهيك عن أن أول الشققهر مناسققبه‬
‫ذات طابع خاص لموظفى الحكومة ‪ ,‬حيث يحصلون فيها على رواتب طال إنتظارها ‪ ,‬ويسققددون‬
‫)جمعيات( تأخر تسديدها ‪ ,‬ويققدفعون مصققاريف طققال إنتظارهققا … هكققذا إسققتمتع الحققاج صققالح‬
‫بسيجارتين كيلوباترا سوبر مع فنجال مققن القهققوه المظبققوطه – مخالفققا تعليمققات الطققبيب – ‪ ..‬ثققم‬
‫إنعكس مزاجه الرائق على أم العيال فقضى وتره منهقا كقأروع مقا يكقون ‪ ..‬حقتى أنهقا شقعرت –‬
‫بحكم طول العشره – بصفاء ذهنه من إنعكاس ذلك على قدراته الققذكوريه ‪ ,‬وإسققتلقيا فققى الفققراش‬
‫يلهثان من أثر الحب كشباب جدد يمارسون الجنس لول مرة ‪ ,‬ثم رن موبايل الحاج صالح بنغمققة‬
‫)العلم واليمان( فإرتدى الحاج نظارة القراءة على عجل وتطلع للسم فإذا به رقققم إينققاس إبنتققه ‪..‬‬
‫إنتظر قليل للتفرقة بين ) الرنه ( والتصال ثم سرعان ما إستجاب عندما تأكد إنها تتصل به …‬

‫جائه صوتها متهدجا مختنقا بالبكاء ‪ ..‬بابا … الحق … محسن إتقلب بيه الميكروباص فققى ترعققه‬
‫قرب القاهره وهو راجع من الجازه … ثم سرعان ما أجهشت بالبكاء كإنمققا كققانت تحمققل حمل‬
‫ثقيل على عاتقها إرتاحت بالتخلص منه فأطلقت لدموعها العنان ‪.‬‬

‫إنطلق الحاج صالح يرتدى جلبابه على عجل ‪ ,‬بينما زوجته تصرخ فيه متسققائله عمققا يحققدث ‪ ,‬لققم‬
‫يجد وقتا ليجيبها … تذكر عند باب المنزل أنه ل يرتدى شيئا فى قدميه إل انقه أثقر النقزول حافيقا‬
‫بسرعه على أن ينتظر ليرتدى شيئا فى قدمه …‬

‫القلب يدق ‪ 60‬دقه فى الدقيقه … ‪ – 3 – 2 – 1‬محسن طفل لم يكمل عامه الثالث بعد ‪5 – 4 ..‬‬
‫– ‪ … 7 – 6‬سبعمائه جنيه ‪ ..‬المبلغ الذى فتح صالح دفتر تققوفير بإسققم محسققن فققى عيققد ميلده‬
‫السابع ‪ ..‬إستدانهم من طارق زميله فى العمل ‪ ..‬طارق اصلع لكن شعر صققدره غزيققر ‪ ..‬الفكققار‬
‫تتوالى فى راس صالح كالشياطين ‪ … 22 – 21 – 20 ..‬محسن مراهق يشرب السيجارة الولى‬
‫ويغازل إبنة الجيران كان إسمها سهى وكان صالح يراها مجققرد فتققاه شققمطاء اخققرى ‪ ..‬مققا الققذى‬
‫يعجب إبنه فيها ؟ إنها المراهقه التى تحيل أى كائن مؤنث لكائن اسطورى ‪ – 24 – 23 ..‬محسن‬
‫يكرر رسوبه فى الجامعه ‪ ..‬يريد العمل كسائق تاكسى ‪ ..‬خد شهادتك وأنا أجبلك أحسن تاكسققى ‪..‬‬
‫– ‪ 30 – 29 – 28 – 27 – 26 – 25‬ثلثون الف جنيه رشوه لعفاء محسن من التجنيد ‪ ..‬فى‬
‫مظروف أصفر يدفع لمجدى بيه ‪ ..‬أجيب منين يا إبنى ؟ مجدى بيه كانت نظرته كالنصابين ‪ ..‬أما‬
‫زوجتققه فكققان صققدرها جميل ‪ ..‬مققن أيققن تققأتى هققذه الفكققار الن يققا صققالح ؟ الولققد بيققن الحيققاه‬
‫والموت ‪ ..‬هل مات ؟ ماهو الموت ؟ ما الققذى يحققدث بعققد المققوت ؟ هققل الق موجققود حقققا ؟ أنققت‬
‫مؤمن يا صالح … اسماك ابوك صالحا على إسم النبى صققالح ‪ ..‬مققا هققى معجققزه النققبى صققالح ؟‬
‫الفرق بين الرسول والنبى ؟ من قائد الفرس فى معركه القادسيه ؟ هذه السئله التى تأتى فققى غيققر‬
‫وقتها !‬

‫دقات قلبك !! ماهذا المعدل الرهيب ؟ السيجاره القتى لقم تفقارق جيبقك …‪ .‬معاشقرة زوجتقك …‬
‫كلم الطبيب ‪ ..‬ما كل هذه الهلوس ‪ ..‬هل يتوقف قلبك الن ؟ هل يزيد الخفقان أم يقل ؟ لماذا يقل‬
‫الخفقان رغم أنك لم تقلل مجهودك ؟ هل تموت ؟ ل يهم… محسن … أين أنت يققا محسققن ‪ ..‬أيققن‬
‫إنقلب بك )الميكروباص( ؟!‬

‫حافيا مشعثا ينزل للشارع … تتسارع دقات قلبه المريض ثم تقل فجأه … يشققعر بالققدوار ويلتققف‬
‫حوله أهل المنطقه … كبايه ميه … كرسى يبنى لعمك الحاج ‪ ..‬ل وقت أيها الغبياء ‪ ..‬محسن ‪..‬‬
‫محسن … يرفع هاتفه المحمول ليطمأن عليه … عفوا ‪ ..‬رصيدك الحالى ل … يرمى المحمققول‬
‫ارضا ويركل من حوله لعنا بألفاظ غير مفهومه ويجرى فى الشارع الضيق …‬

‫يبدو أن قلبه يتوقف بالفعل عن الخفقان !!‬

‫فى أول الشارع يظهر شبح البناء … باهر ونجلء وإيناس و… محسن ؟ هذا الشاب فى الثيققاب‬
‫العسكريه هل هو محسن ؟! كيققف نجققا ؟ مققا الققذى ‪ .........‬؟ دقققات قلبققه تتخققافت شققيئا فشققيئا …‬
‫يجرى البناء عليه … يصرخون فى نفس واحد ‪:‬‬

‫‪ -‬بابا … إيه رأيك فى كدبه إبريل السنه دى ؟ نجلء قدرت تمثل عليك إن محسن عمققل حققادثه‬
‫بجد ؟ بابا ؟ بابا ؟ بابا ؟‬

‫يخر الحاج صالح ميتا وقد توقف قلبه عن الخفقان من هول المفاجأه !‬
‫تمت ‪.‬‬

‫محمد حمدى‬

‫‪ 1‬أبريل ‪2009‬‬