Professional Documents
Culture Documents
الخلق من العدم
الخلق من العدم
في الخارج وإن كان له تحقق وثبوت في العلم أو الذهن ،ويطلق العدم على المنفي
المحض الذي ال ثبوت له ال في العلم وال في األذهان وال في األعيان (اي في
الخارج)..
فإن كنت تقصد بقولك( :إذا تصورنا العدم) العدم األول فهو متصور لكونك تجد
صورة المعدوم خارجا في ذهنك بشكل من األشكال ،فوجود الشيء منه سهل
التصور ،فإنك تقصد إلى إيجاد ما تصورته في ذهنك وتجد نفسك قد أوجدته،
ويستحيل أن تقصد إلى فعل ما ال تتصوره وال تشعر به بوجه من الوجوه.
وإن كنت تقصد بقولك( :إذا تصورنا العدم) العدم الثاني وهو المحض الذي ال ثبوت
له بشكل من األشكال ال في العلم وال األذهان وال في األعيان فمن الضروري أن ال
يسهل عليك تصور وجود شيء منه ألنك أصال لم تتصور شيئا على اإلطالق ،فكيف
يسهل عليك تصور إيجاد شيء من العدم المحض الصرف المستحيل التصور والذي
ال ثبوت له بأي نوع من أنواع الثبوت؟ فتأمل
وقولك( :لكن تصور خشب صار طاولة سهل) إنما كان سهال ألن الخشب له وجود
في األعيان أو في األذهان إذا لم تكن رأيت عين الخشب الذي وجدت منه الطاولة
فإنك تقيسه على ما رأيته من الخشب وما كان منه من الطاوالت التي رأيتها بعينك..
لكن ال ينبغي أن يجمد تساؤلك هنا ،بل ينبغي لك كعاقل باحث عن الحقائق أن تتسائل
من أين وجد الخشب التي كانت منه تلك الطاولة؟ فتتأمل وتطرح نفس السؤال في كل
ما وجد قبل الخشب الذي رأيته وسلمت أن الطاولة وجدت منه؟؟ وعند ذلك ستدرك
إن شاء هللا تعالى أن الخشب والطاولة قد وجدتا من عدم ،أي كانتا معدومتين في
(الخارج) ثم أحدثتا فيه بقدرة قادر وإرداة فاعل مختار..
وتوجيه الشيخ سعيد لك بأن تتأمل كلمة "من" في قولك( :وجد من العدم شيء)
يفيد بأنك تخيلت أن العدم مادة وجدت منه الموجودات الخارجية ،والصواب أن تفهم
من قولنا أن المحدثات وجدت من العدم معنى آخر ،وهو أنها وجدت في الخارج بعد
عدمها فيه..
وهللا الموفق
للفائدة العامة ...في جامع الرسائل البن تيمية (ص ،237 :بترقيم الشاملة آليا)
والذي عليه أهل السنة والجماعة وعامة عقالء بني آدم من جميع األصناف :أن
المعدوم ليس في نفسه شيئا وأن ثبوته ووجوده وحصوله شيء واحد ،وقد دل على
ذلك الكتاب والسنة واإلجماع القديم ،قال هللا تعالى لزكريا (وقد خلقتك من قبل ولم تك
شيئا) فأخبر أنه لم يك شيئا .وقال تعالى (أوال يذكر اإلنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك
شيئا) وقال تعالى (أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون) فأنكر عليهم اعتقاد أن
يكونوا خلقوا من غير شيء خلقهم أم خلقوا هم أنفسهم ،ولهذا قال جبير بن مطعم :لما
سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قرأ هذه السورة أحسست بفؤادي قد انصدع.
ولو كان المعدوم شيئا لم يتم اإلنكار ،إذا جاز أن يقال ما خلقوا إال من شيء ،لكن هو
معدوم يكون الخالق لهم شيئا معدوما .وقال تعالى (فأولئك يدخلون الجنة وال يظلمون
شيئا) ولو كان المعدوم شيئا لكان التقدير :ال يظلمون موجودا وال معدوما ،والمعدوم
ال يتصور أن يظلموه فإنه ليس لهم.