You are on page 1of 4

‫العدم لفظ مشترك بين أمور فأيها تقصد؟ فالعدم يطلق على ما ليس له تحقق ووجود‬

‫في الخارج وإن كان له تحقق وثبوت في العلم أو الذهن‪ ،‬ويطلق العدم على المنفي‬
‫المحض الذي ال ثبوت له ال في العلم وال في األذهان وال في األعيان (اي في‬
‫الخارج)‪..‬‬

‫فإن كنت تقصد بقولك‪( :‬إذا تصورنا العدم) العدم األول فهو متصور لكونك تجد‬
‫صورة المعدوم خارجا في ذهنك بشكل من األشكال‪ ،‬فوجود الشيء منه سهل‬
‫التصور‪ ،‬فإنك تقصد إلى إيجاد ما تصورته في ذهنك وتجد نفسك قد أوجدته‪،‬‬
‫ويستحيل أن تقصد إلى فعل ما ال تتصوره وال تشعر به بوجه من الوجوه‪.‬‬

‫وإن كنت تقصد بقولك‪( :‬إذا تصورنا العدم) العدم الثاني وهو المحض الذي ال ثبوت‬
‫له بشكل من األشكال ال في العلم وال األذهان وال في األعيان فمن الضروري أن ال‬
‫يسهل عليك تصور وجود شيء منه ألنك أصال لم تتصور شيئا على اإلطالق‪ ،‬فكيف‬
‫يسهل عليك تصور إيجاد شيء من العدم المحض الصرف المستحيل التصور والذي‬
‫ال ثبوت له بأي نوع من أنواع الثبوت؟ فتأمل‬

‫وقولك‪( :‬لكن تصور خشب صار طاولة سهل) إنما كان سهال ألن الخشب له وجود‬
‫في األعيان أو في األذهان إذا لم تكن رأيت عين الخشب الذي وجدت منه الطاولة‬
‫فإنك تقيسه على ما رأيته من الخشب وما كان منه من الطاوالت التي رأيتها بعينك‪..‬‬
‫لكن ال ينبغي أن يجمد تساؤلك هنا‪ ،‬بل ينبغي لك كعاقل باحث عن الحقائق أن تتسائل‬
‫من أين وجد الخشب التي كانت منه تلك الطاولة؟ فتتأمل وتطرح نفس السؤال في كل‬
‫ما وجد قبل الخشب الذي رأيته وسلمت أن الطاولة وجدت منه؟؟ وعند ذلك ستدرك‬
‫إن شاء هللا تعالى أن الخشب والطاولة قد وجدتا من عدم‪ ،‬أي كانتا معدومتين في‬
‫(الخارج) ثم أحدثتا فيه بقدرة قادر وإرداة فاعل مختار‪..‬‬
‫وتوجيه الشيخ سعيد لك بأن تتأمل كلمة "من" في قولك‪( :‬وجد من العدم شيء)‬
‫يفيد بأنك تخيلت أن العدم مادة وجدت منه الموجودات الخارجية‪ ،‬والصواب أن تفهم‬
‫من قولنا أن المحدثات وجدت من العدم معنى آخر‪ ،‬وهو أنها وجدت في الخارج بعد‬
‫عدمها فيه‪..‬‬
‫وهللا الموفق‬

‫مجموع الفتاوى (‪)235-236 /18‬‬


‫ولم يذكر القرآن خلق شىء من ال شىء بل ذكر أنه خلق المخلوق بعد أن لم يكن شيئا‬
‫كما قال وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا مع اخباره أنه خلقه من نطفة‬

‫للفائدة العامة ‪...‬في جامع الرسائل البن تيمية (ص‪ ،237 :‬بترقيم الشاملة آليا)‬
‫والذي عليه أهل السنة والجماعة وعامة عقالء بني آدم من جميع األصناف‪ :‬أن‬
‫المعدوم ليس في نفسه شيئا وأن ثبوته ووجوده وحصوله شيء واحد‪ ،‬وقد دل على‬
‫ذلك الكتاب والسنة واإلجماع القديم‪ ،‬قال هللا تعالى لزكريا (وقد خلقتك من قبل ولم تك‬
‫شيئا) فأخبر أنه لم يك شيئا‪ .‬وقال تعالى (أوال يذكر اإلنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك‬
‫شيئا) وقال تعالى (أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون) فأنكر عليهم اعتقاد أن‬
‫يكونوا خلقوا من غير شيء خلقهم أم خلقوا هم أنفسهم‪ ،‬ولهذا قال جبير بن مطعم‪ :‬لما‬
‫سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قرأ هذه السورة أحسست بفؤادي قد انصدع‪.‬‬
‫ولو كان المعدوم شيئا لم يتم اإلنكار‪ ،‬إذا جاز أن يقال ما خلقوا إال من شيء‪ ،‬لكن هو‬
‫معدوم يكون الخالق لهم شيئا معدوما‪ .‬وقال تعالى (فأولئك يدخلون الجنة وال يظلمون‬
‫شيئا) ولو كان المعدوم شيئا لكان التقدير‪ :‬ال يظلمون موجودا وال معدوما‪ ،‬والمعدوم‬
‫ال يتصور أن يظلموه فإنه ليس لهم‪.‬‬

‫دقائق التفسير البن تيمية (‪)325 /2‬‬


‫وقوله تعالى إنما أمرنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون وذلك الشيء هو معلوم‬
‫قبل إبداعه وقبل توجيه هذا الخطاب إليه وبذلك كان مقدرا مقضيا فإن سبحان وتعالى‬
‫يقول ويكتب من ما يعلمه ما شاء كما قال النبي ص ‪ -‬في الحديث الذي رواه مسلم في‬
‫صحيحه عن عبد هللا بن عمر أن هللا قدر مقادير الخالئق قبل أن يخلق السموات‬
‫واألرض بخمسين ألف سنة وفي صحيح البخاري عن عمران بن حصين عن النبي‬
‫ص ‪ -‬أنه قال كان هللا ولم يكن شيء معه وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل‬
‫شيء ثم خلق السموات واألرض وفي سنن أبي داود وغيره عن النبي ص ‪ -‬أنه قال‬
‫أول ما خلق هللا القلم فقال له اكتب فقال ما أكتب قال ما هو كائن إلى يوم القيامة إلى‬
‫أمثال ذلك من النصوص التي تبين أن المخلوق قبل أن يخلق كان معلوما مخبرا عنه‬
‫مكتوبا فيه شيء باعتبار وجوده العلمي الكالمي الكتابي وإن كانت حقيقته التي هي‬
‫وجوده العيني ليس ثابتا في الخارج بل هو عدم محض ونفي صرف وهذه المراتب‬
‫األربعة المشهورة موجودات وقد ذكرها هللا سبحانه في أول سورة أنزلها على نبيه‬
‫في قوله إقرأ باسم ربك الذي خلق خلق اإلنسان من علق اقرأ وربك األكرم الذي علم‬
‫بالقلم علم اإلنسان ما لم يعلم وقد بسطنا الكالم في ذلك في غير هذا الموضع وإذا كان‬
‫كذلك كان الخطاب موجها إلى من توجهت إليه اإلرادة وتعلقت به القدرة وخلق وكون‬
‫كما قال إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون فالذي يقال له كن هو الذي‬
‫يراد وهو حين يراد قبل أن يخلق له ثبوت وتميز في العلم والتقدير ولوال ذلك لما‬
‫تميز المراد المخلوق من غيره‪.‬‬

You might also like