Professional Documents
Culture Documents
أثرُ القُرآنِ في إصْلاحِ القُلوبِ. نسخة معدلة PDF
أثرُ القُرآنِ في إصْلاحِ القُلوبِ. نسخة معدلة PDF
فمعاشر الكرام؛ ُأحييكم بتحية أهل اإلسالم ،تحية أهل الجنة؛ فالسالم عليكم ورحمة اهلل
وبركاته.
وأود ُهـــــــم في اهلل ذي اآللء الذيــن ُأحبــ ُهم
أهـــ ًال وسهـــ ًال ب َّ
إن هذا الجتماع يف هذا المسجد المبارك من ال ُقربات إلى اهلل -عز وجل -لمن ُ
حسن ا
قصده ،فنسأل اهلل -عزوجل -أن يرزقنا جمي ًعا اإلخالص ،وأن يجعلنا من عباده الصالحين الذين
يستمعون القول فيتابعون أحسنه.
أيها الفضالء ،أيها األخيار ،أيها الحضور ،خلق اهلل -عز وجل -اإلنسان ليكون خليف ًة يف
األرض ،وليعمرها بأعظم عمارة؛ أل وهي توحيد اهلل -سبحانه وتعالى ،-وجعل يف اإلنسان
ُمضغ ًة إذا ص ُلحت ص ُلح الجسد كله ،وإذا فسدت فسد الجسد كله؛ أل وهي القلب.
فهذه المضغة صغيرة الحجم ،كبيرة األثر ،تتوقف عليها حياة اإلنسان الحسية والمعنوية،
وهي قابل ٌة للصالح والفساد ،فقد تكون صحيح ًة صالحة ًسليم ًة؛ ﭽ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭼ
ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﭼ [الحج.] ٦٤ :
صالحا يف
ً صالحا على ظاهره .وشرهم وأقبحهم من أظهر
ً وخير الناس من ص ُلح قلبه وأثمر
ظاهره وباطنه فاسدٌ مظلم.
أج َس ِامك ُْمَّ ،وال َّإِلى َّ ُص َو ِرك ْمَ َّ ،و َلكن َّينْ ُظ َُّر َّإلىَّ
ولذا؛ قال رسول اهلل « :إنَّ َّاهلل َّال َّينْ ُظ َُّر َّإِلى َّ ْ
كمَّوأعمالكم»( ) وأشار ب ُأص ُبعه الشريفة إلى صدره.
ُق ُلوبِ َّْ
وقوف على صالح القلوب ،فإذا صلحت
ٌ فصالح األجساد وصالح الظاهر -حقيق ًة -م
القلوب صلح الجسد كله؛ ويف الحديث« :الَّيستقيمَّإيمانَّعبدََّّحتىَّيستقيمَّقل َُّبه»( ).
ولن يكون يف األرض صال ٌح إل بصالح القلوب ،فالهتمام بصالحها أعظم الفرائض،
وأهم األمور.
وما عرفت البشرية طري ًقا لإلصالح أعظم من القرآن ،وكيف ل يكون كذلك وهو كالم اهلل -
سبحانه وتعالى -الذي أنزله على أشرف ُرسله وخاتم أنبيائه وأعظم أوليائه؛ محمد بن عبد اهلل ،
والذي وصفه -سبحانه وتعالى -بأوصاف كثيرة تدل على عظمته وبركته وعظيم تأثيره وشموله.
وتعالى :-ﭽﭣ ﭤ ﭥ ﭼ فأقوم طريق وأسلم طريق .والطريق المستقيم هو ما يدل عليه كتاب
( ) أخرجه مسلم ( ، ) 652كتاب :البر والصلة واآلداب ،باب :تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه وعرضه وماله.
من حديث أبي هريرة ﭬ
وحسنه األلباين يف السلسلة الصحيحة.)٩٢٢ /٤( :
ا ( )٢أخرجه أحمد يف مسنده ( .)٥٨٩ /3من حديث أنس بن مالك ﭬ.
5 أثرُ القُرآنِ في إصْالحِ القُلوبِ
كريما؛ ﭽ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ
على القلوب السليمة وق ًعا شري ًفا ً
ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﭼ [الحشر.]٢٥ :
ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭼ [النحل.]٩٨ :
ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭼ [إبراهيم.]٥ :
فهذا القرآن فيه الشفاء ،وفيه الصالح ،وفيه الخير ،وفيه السعادة ،ولن تصلح القلوب أبدً ا إل
شرط لبد منه لكي يث ِّثر القرآن يف قلب اإلنسان ،فالبد من قلب حاضر ،ولبد
ٌ ﭮ ﭼ [ق ]3٥ :فهذا
من سمع مصغي ،ولبد أن يكون اإلنسان شهيدً ا.
ولذا؛ يقول البخاري $عن هذا القرآن" :ل يجد طعمه إل من آمن به"( ).
)٥الصحيح ٥١١/٨
لفضيلة الشيخ سليمان الرحيلي 6
(٥الفوائد ص 3
واهلل ما بدأ مسلم يتلو القرآن إل جاء الشيطان يذكِّرهُ :اذكر كذاُ ،اذكر كذا ،افعل كذا ،ف ِّكر يف
كذا ،األمة تعاين من كذا ،الناس بحاجة إل كذا ،تذكَّر من العلم كذا ،لم؟ ليصرفه عن سماع كالم
ألن إبليس يعلم علم اليقين ا
أن المسلم لو سمع كالم اهلل اهلل ح ًّقا وعن تدبر كالم اهلل صد ًقا؛ ا
وأصغى لكالم اهلل لستعصى عليه أ َّيما عصيان ولما استطاع الشيطان أن يوقعه يف العصيان.
وصالح القلوب -أيها اإلخوة -يكون بالتخلية والتحلية؛ بتخلية القلب من الفساد ،وتحليته
بالصالح.
مر على
فأجل علوم القرآن على اإلطالق :علم التوحيد وما هلل من صفات الكمال .فإذا ا
القلب اآليات يف توحيد اهلل وأسمائه وصفاته واستشعر القلب معاين هذه الصفات أثمر ذلك يف
عظيما .وإذا أقبل القلب على اآليات وفهمها وفهم المراد
ً ً
وإقبال على الخير عظيما
ً صالحا
ً قلبه
هبا ،وأثبت الصفات هلل -عز وجل -على وجه يليق بجالل اهلل -سبحانه وتعالى-؛ امتأل قلبه من
حق إل اهلل
معرفة اهلل سبحانه وتعالى ،-وامتأل قلبه ح ًّبا هلل -سبحانه وتعالى ،-وأيقن أنه ل معبود ٌّ
وخيرا وطمأنينة.
ً صالحا
ً سبحانه وتعالى ،-فيمتلئ
وخيرهم وأشر ُفهم محمدُ بن عبد اهلل .ومعرفة النبي ومعرفة أحواله ومعرفة أخالقه
ُ
باعا صاد ًقا؛ بالهتداء هبديه .
عظيما ،ومحب ًة كربى له ،واقتدا ًء به ،وا ِّت ً
ً صالحا
ً تثمر يف القلب
ويف معرفة أحوال أهل الشر ومنازلهم والطرق التي أوصلتهم للشر وسوء حالهم يف الدنيا
وبغضا لطرائقهم و ُبعدً ا عنهم و ُبعدً ا عن
ً وسوء حالهم يف اآلخرة؛ معرفة القلب هبذا ُتثمر ً
بغضا لهم
صفاهتم ،وهذا من أعظم ما يوصل العبد إلى دار النعيم ،وينجيه اهلل -عز وجل -به من دار
الجحيم ،وهذا من أعظم أثر القرآن يف قلوب العباد.
ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﭼ [سبأ ،] 3٥ :ل ُي ا
قربك إلى اهلل
سبُْهُ» ( ). ِِ ِِ
س ِّرعْْب ْهْنَ َ
نسب؛ « َوَمنْْبَطّْأَْب ْهْ َع َملُهُْ،لَمْْيُ َ
ف رئاسة ول سعة يف الدنيا وإنما يقربك من اهلل إيمان صادق وعمل
ل ُيقربك من اهلل شر ُ
صالح تكون به من أولياء اهلل -سبحانه وتعالى ،-فال يغرت بالدعاوى ول يركن إليها من غير إيمان
صادق ول عمل صالح إل األشقياء المنحرفون؛ فقد قال اهلل -عز وجل -عن اليهود والنصارى:
ﭽ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ
ﯹ ﯺ ﯻ ﭼ [البقرة ، ]٥٥٥ :فلن يدخل الجنة إل من أتى بالربهان ،والربهان :هو
( )٥أخرجه مسلم ( )٢٤٨٨يف كتاب :الذكر والدعاء ،باب :فضل اإلجتماع على تالوة القرآن وعلى الذكر .من حديث أبي هريرة
ﭬ.
لفضيلة الشيخ سليمان الرحيلي 10
بَّ
نَّأقبلَّعلىَّماَّيحبهَّاهللَّوتركَّماَّقدَّي َح ُّ
ُ بأنَّيع َلمَّمنَّالقرآن َّ ّ
أن ََّم ويص ُلحَّالقلبَّبالقرآنَ َّ:
َ
َّخيراَّمنهَّ.
َّعوضهَّاهلل ً
ويشتهىَّمنَّأجلَّاهلل ّ
ُ
خيرا منه؛ ف ُيثمر
عوضه اهلل ً
فيعلم قلب المثمن من تالوته للقرآن أنه ما ترك أحدٌ شي ًئا هلل إل ا
صالحا يف ذلك القلب؛ بأن يقدِّ م محبوب اهلل على محبوب نفسه ،وهو يعلم علم اليقين ا
أن ً ذلك
خير منه يف الدنيا واآلخرة.
تركه لهذا األمر سيكون عنه عو ٌض ٌ
أل ترى ما ذكره اهلل عن المهاجرين األولين الذين هجروا أوطاهنم وأموالهم وأحباهبم هلل -
سبحانه وتعالى-؟! هم ُيحبون المكان الذي كانوا فيه و ُيحبون أهليهم و ُيحبون أموالهم لكنهم
فعوضهم اهلل -عز وجل -طمأنين ًة يف قلوهبم
فرارا بدينهم َّ
تركوها وهاجروا هلل -سبحانه وتعالىً -
وثبا ًتا على دينهم؛ حتى قيل ألحدهم من أحد الملوك" :أترتك دين محمد وأعطيك نصف ُملكي؟
أسيرا عند ذلك الملك -أترتك دين محمد وأعطيك نصف ُملكي؟ فقال :اخسأ
-وقد كان وقع ً
عدو اهلل؛ فو الذي نفسي بيده لو أعطيتني ملكك وملك العرب وملك العجم وما يف األرض
تركت دين محمد طرفة عين"( ).
ُ جميعها ما
خيرا؛
عوضه اهلل ً
صالح يف القلب أثمره يقي ٌن بأن من قدا م محبوب اهلل على محبوب نفسه ا
ٌ
والعز والتمكين.
َّ عوضه طمأنين ًة واستقام ًة وصالب ًة يف الدِّ ين ،ا
وعوضه الرزق الواسع يف الدنيا ف ا
لما أل ترى ا
أن إبراهيم الخليل -عليه وعلى نبينا وعلى أنبياء اهلل أفضل الصالة والتسليم -ا
عوضه اهلل فوهب له إسحاق ويعقوب والذرية
اعتزل قومه وأباه وما يدعون من دون اهلل ا
الصالحين.
لما ملك نفسه من الوقوع مع امرأة العزيز التي هيأت نفسها له ،وكانت ذات
ويوسف ڠ ا
سلطان عليه ،وغ َّلقت األبواب وقالت :هيت لك ،ا
لما ملك نفسه مع ما يظهر يف الدنيا من حظوة لو
)٥هو الصحابي الجليل عبد اهلل بن حذافة وأخرج هذه القصة ابن عساكر يف تاريخه من طريق البيهقي ،وكذا الحافظ يف "
اإلصابة" ،وله شاهد من حديث ابن عباس ،موصول عند ابن عساكر ،وابن األثير يف " أسد الغابة " .٢٥٢ / 3
11 أثرُ القُرآنِ في إصْالحِ القُلوبِ
فعل ومكانة لو فعل ،وكانت المرأة تغريه بجمالها وتغريه بسلطاهنا وتغريه بأهنا ستجعل له مكانة يف
األرض ل يبلغها أحدٌ من الناس؛ لكنه ڠ صرب وأعرض عن امرأة العزيز؛ بل استحب السجن
على أن يقع يف هذا البالء؛ فعوضه اهلل -عز وجل -بأن م اكن له يف األرض يتبوأ منها حيث يشاء
ويستمتع بما شاء مما أحل اهلل.
لما رأوا فساد الناس واعتزلوا الناس وما يعبدون من دون اهلل؛ نشر اهلل لهم
وأهل الكهف ا
رحمته ،وه َّيأ لهم أسباب الراحة ،وجعلهم سب ًبا لهداية الضالين ،فجعل لهم ثواب أولئك القوم.
لما أحصنت فرجها أكرمها اهلل ،ونفخ فيه من روحه ،وجعلها وابنها آية
ومريم بنت عمران ا
للعالمين.
عوضه
لما ألهت ُه الخيل عن ذكر ربه فأتلفها ألهنا ألهته عن ذكر اهلل -سبحانهَّ -
وسليمان ڠ ا
وغواص.
عوضه بالريح التي تجري بأمره والشياطين كل بناء ا
اهلل بأعظم من الخيلَّ ،
َّالقلبَّيمرضَّوأنَّ
َّّ إذاَّقرأَّالقرآنَّوتدبرَّالقرآنَّيعلمَّأن
َ والمسلمَّ-أيهاَّاإلخوةَّواألخواتَّ -
حريصا على سالمة قلبه ،حذ ًرا من آفات القلوب وأمراضها.
ً القلبَّيتقلَّب ،فيكون
والمرض يف القرآن هو مرض القلوب؛ وهو نوعان:
مرض الشبهات.
ومرض الشهوات.
فالشبهات :شكوك تطرأ على قلب اإلنسان تبعده عن الرحمن.
لفضيلة الشيخ سليمان الرحيلي 12
والشهوات :ضعف اإلرادة أمام ملذات الدنيا حتى يقع العبد يف معصية اهلل -سبحانه
وتعالى.
مريضا بمرض الشبهات ومرض الشهوات.
وقد يجتمع على العبد األمران ،فيكون قلبه ً
ومرض الشبهات يف القلب -أيها اإلخوة واألخوات -أخطر األمراض على اإلطالق ،فما
مرض اإلنسان بمرض أعظم من مرض الشبهات ،وهو يثمر آفات خطيرة ،أخطرها وأقبحها الشرك
باهلل -تعالى -وهو أشد الفساد وأعظم الظلم ،وما أظلم قلب بأعظم من الشرك باهلل -سبحانه
وتعالى.-
أيضا -البدع الصارفة عن سنة النبي المفسدة للقلوب؛ فإهنا ضاللة تظلم بالقلب
و ُيثمر ً -
اهلل العمى"( )؛ أي عمى
وتفسده؛ ولذا قال بعض السلف" :من جلس إلى صاحب بدعة ،أورث ُه ُ
القلب ،ا
فإن المبتدع ل يدل اإلنسان إل على الضاللة ،ول يرشده إل على الشر ،فيقود اإلنسان -
والعياذ باهلل -إلى عمى القلب.
حذرون من البدع ،و ُي ا
حذرون من أهلها، ولذا كان السلف الصالح -رضوان اهلل عليهمُ -ي ا
و ُي ا
حذرون من مجالسة أهلها.
إن البدعة إذا وقرت يف القلب ُتظلم بقلب صاحبها حتى يقول ما ل يقبله العقالء ً
فضال عن ا
أن يقبله مسلم ،ألم تسمعوا لبعض أهل البدع يقولون :ا
إن الولي يستطيع أن يخلق الجنين يف بطن
أمه!؛ ل حول ول قوة إل باهلل! أهل الجاهلية األولى ما قالوا هذا األمر وإنما كانوا يقولون :ا
إن
الخالق هو اهلل -سبحانه وتعالى ،-ولك ان البدعة ُتظلم بعقل صاحبها و ُتظلم بقلب صاحبها حتى
فضال عن
ً ُ
ويقول ما ل يستسيغه العقالء فضال عن كون الشرع يرده،
ً يعمل ما ل يستسيغه العقالء
كون الشرع يرده.
صغيرا ويبدأ
ً ومرض الشهوات -أيها اإلخوة -وما أدراك ما مرض الشهوات! قد يبدوا
قليال؛ ولكنه يتسلل إلى القلب ،و ُيظلم بالقلب شي ًئا فشي ًئا إن لم يتب صاحبه منه.
ً
َغفرَّ
َّنزع َّواست َ
َّ،فإذاَّهو َ
َ َّإذاَّأخطأ َّخطيئةًَّنُكِتتَّيفَّقلبِ ِه َّ ُنكْتةٌَّسودا ُء
َ النبي يقول« :إن َّالعبدَ
وتاب ِ
َّصق َلَّقل ُب ُهَّ،وإنَّعا َدَّزيدَ َّفيهاَّحتى َ
َّتعلوَّقل َبهُ» ( ). َ ُ
أعظم من
ُ أن العلماء يقولون " :ا
إن مرض الشبهات غرك ا
ولذلك يا عبد اهلل! إياك ثم إياك أن ي ا
مرض الشهوات" فإهنم ل يقصدون هبذا أن ُيق ِّللوا من ِّ
شر مرض الشهوات؛ ولكنهم يريدون أن
شر مرض الشبهات ،فمرض الشهوات شره عظيم وفساده يف القلب كبير.
يب اينوا َّ
وإياك يا عبد اهلل إياك أن تغرت بصغر الذنب فمن أقدم على الصغير أوشك أن ُيقدم على
َّفتقطعَّ
ُ َ
َّالحبل ُ
هََّّ،ويسرق ََّفتقطع َّيدُ
ُ ُ
َّ،يسرق َّالبيضة َ
َّالسارق الكبير؛ ولذلك يقول النبي « :لعنَّاهللُ
يدُ ه» ( ) ،المعلوم -يا إخوة -أن البيضة ل تبلغ نصا ًبا ول ُتقطع اليد بسبب سرقتها ،ا
وأن الحبل ل
يبلغ نصا ًبا ول ُتقطع اليد بسبب سرقته؛ ولك ان الذي يسرق البيضة يوشك أن يسرق ما فوقها ،وأن
يسرق ما فوقها؛ حتى تقطع يده ،فالذنوب يسير فيها اإلنسان شي ًئا فشي ًئا.
فانتبه يا عبد اهلل! ا
فإن اإلنسان قد يستصغر الذنب فيبدأ به ،ثم يدخل فيما هو أعلى ،ثم يدخل
فيما هو أعلى ،ثم يدخل فيما هو أعلى ،ثم يغفل عن التوبة ،حتى يرين على قلبه -والعياذ باهلل.-
)٥أخرجه الرتمذي يف سننه ( )333٦كتاب :تفسير القرآن ،باب :ومن سورة ويل للمطففين .من حديث أبي هريرة ﭬ .وقال:
هذا حديث حسن صحيح.
)٢متفق عليه؛ أخرجه البخاري ( )٤٦4٥يف كتاب :الحدود ،باب :لعن السارق إذا لم ُيس َّم .ومسلم ( )٥٤٩٥يف كتاب :الحدود،
باب :حد السرقة ونصاهبا .من حديث أبي هريرة ﭬ.
(3التبصرة لبن الجوزي ٢٦٥
لفضيلة الشيخ سليمان الرحيلي 14
َّ
إن الجبــــال من الحصى ل تحقـــــــــر َّن صغيــــــــــر ًة
فالمرض -أيها اإلخوة -الذي ُذكر يف القرآن هو مرض القلوب ،وقد ب َّين اهلل -عز وجل -ا
أن
القلوب تمرض بالشبهات -كما قلنا-؛ كما قال اهلل -عز وجل :-ﭽ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ
ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﭼ [التوبة.]٥٢١ :
والقلوب قد تمرض بالشهوات -كما قلنا-؛ ومن ذلك قول ربنا -سبحانه وتعالى :-ﭽ ﭪ
ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭼ األحزاب.3٢ :
فالقلب قد يمرض بالشبهة ،وقد يمرض بالشهوة ،وعالج هذين المرضين الف اتاكين إنما هو
بالقرآن ،بكالم ربنا -سبحانه وتعالى.-
يقول ابن القيم " :$جماع أمراض القلوب :هو أمراض الشبهات والشهوات ،والقرآن
شفا ٌء للنوعين ،فيه من الب ِّينات والرباهين القطع اية ما ُيب ِّين الحق من الباطل؛ فتزول أمراض الشبهة،
وأ اما شفاؤه ل مرض الشهوات فذلك بما فيه من الحكمة والموعظة الحسنة والتزهيد يف الدنيا
والرتغيب يف اآلخرة"( ).
ﭱ ﭼ [الكهف.]٢٩ :
ِ
القلوب َّث ِّبتَّ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﭼ [آل عمران ،] ٩ :وكان أكثر دعاء النبي ُ « :
ياَّمق ِّل َ َّ
ب َّ
قلبيَّعلىَّدين ِ َ َّ
ك»( ) .
ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﭼ [الرعد.]٢٩ :
ويقول النبي « :وما اجتمع قو ٌم يف بيت من بيوت اهلل ،يتلون كتاب اهلل ،ويتدارسونه بينهم،
إل نزلت عليهم السكينةُ ،وغشيتهم الرحم ُة وح افتهم المالئك ُة ،وذكرهم ُ
اهلل فيمن عنده» ( ) .
أمر يجعله اهلل يف قلب اإلنسان فيطمئن ويوقن ،ول
والسكينة -أيها اإلخوة واألخواتٌ -
يكون قل ًقا ول شاكًّا ول مرتا ًبا ،وهذه السكينة يسعد هبا اإلنسان ويزداد هبا اإليمان؛ ﭽ ﭬ ﭭ
( )٥أخرجه الرتمذي ( ،)3١٢٢كتاب :الدعوات ،باب :حدثنا أبو موسى األنصاري ،وصححه ووافقه الذهبي ،وصححه األلباين يف
صحيح الجامع ( )34٨/٤وصحيح الرتمذي (.)٥٥٥/3
( )٢أخرجه مسلم ( ،)٦٩٥3كتاب :الذكر والدعاء والتوبة والستغفار ،باب :فضل الجتماع على تالوة القرآن .من حديث أبي
هريرة ﭬ.
17 أثرُ القُرآنِ في إصْالحِ القُلوبِ
فينبغي علينا -أيها اإلخوة -أن نحرص على أن نُكثر من تالوة كتاب ربنا وأن نجعل لخير
الكالم خير األوقات ،ل ينبغي -أيها اإلخوة -أن نجعل لتالوة القرآن َّ
أقل أوقاتنا ،أو األوقات التي
عظيما من وقتنا ،فنتلوا كالم اهلل ونتدبر
ً ل نكون فيها فارغين؛ بل ينبغي أن نجعل لكالم ربنا ح ًّظا
كالم اهلل ونجعل قلوبنا تخشع صادق ًة لكالم اهلل -سبحانه وتعالى.-
( رواه البيهقي يف شعب اإليمان ،3٦٦ /٥ويف سنن أبي داود ،٥٥ /٢أتى ابن مسعود رجل فقال :إين أقرأ المفصل يف ركعة،
ونثرا كنثر الدقل؟ قال أبو سليمان الخطابي يف معالم السنن " :٢٩3 /٥الهذ سرعة القراءة ،وإنما عاب عليه
فقال :أهذا كهذ الشعر ً
ذلك؛ ألنه إذا أسرع القراءة ولم يرتلها فاته فهم القرآن وإدراك معانيه".
لفضيلة الشيخ سليمان الرحيلي 18
فصالحنا وخيرنا -أيها اإلخوة -بأن نتلوا كالم ربنا -سبحانه وتعالى -متدبرين متفكرين،
خيرا و ُيثمر برك ًة و ُيثمر
صالحا و ُيثمر ً
ً خشوعا صاد ًقا يكون يف القلب ُيثمر
ً وأن نخشع لكالم ربنا
طمأنين ًة.
إن ََّمنَّأرادَّالصالحَّودعاَّإلىَّاإلصالحَّينبغيَّعليهَّأنَّيتمسكَّبكتابَّاهللَّ-سبحانهَّوتعالىَّ،-
َمسكهَّبكتابَّاهللَّأن ََّيتمسكَّبسنةَّالنبيََّّ. ِ
ومنَّت ُّ
وأفكار
ٌ وجماعات
ٌ أحزاب
ٌ واهلل ثم واهلل ثم واهلل لن ُيصلح قلوب األ َّمة ولن ُيصلح حال األ امة
ُيطلقها فالن وفالن؛ وإنما ُيصلح األ َّمة و ُيصلح قلوب األ َّمة :لزوم كتاب اهلل ولزوم سنة رسول اهلل
بفهم سلف األ امة؛ فهذا هو طريق الصالح واإلصالح ،ومن سلكه كان من المصلحين ،ومن
تركه وقال سآوي إلى غيره يعصمني من الفتن ،وقال سأكون من الجماعة الفالنية أو مع الحزب
ليكونن من
ا الفالين أو سآخذ بآراء فالن وفالن من دون كتاب اهلل وسنة رسول اهلل ؛ واهلل
المفسدين وليكون ان من الغارقين يف الفتن وليكون ان ممن يقو ُد األمة إلى الشر العظيم.
ِ
ينَّمصلحينَّفلنبدأ َّبأنفسنا؛ بأن نربطها بكتاب اهلل ِ
أنَّنكونَّصالحفإذا َّأردناَّ-أيهاَّاإلخوةَّ -
وسنة رسول اهلل بخير فهم؛ بفهم األخيار ،بفهم صحابة رسول اهلل .
فأسأل اهلل -عز وجل -بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يرزقنا قلو ًبا سليمة ،وأن ُيصلح
قلوبنا بكالمه -سبحانه وتعالى ،-وأن يجعل قلوبنا خاشع ًة له ،منيب ًة لهِّ ،
موحد ًة له -سبحانه
19 أثرُ القُرآنِ في إصْالحِ القُلوبِ
وتعالى ،-وأن يجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر ،وأن يجعلنا رحم ًة على المثمنين ،ورحم ًة على
البالد والعباد.