You are on page 1of 21

‫‪‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪ ‬أثرُ القُرآنِ في إصْالحِ القُلوبِ‬

‫وسائل إصالح المجتمع ودر الشباب بهذا الواجب ‪‬‬


‫تم التحميل من منتديات ستار سات العربية‬
‫للمسيد زوروا موقعنا ‪www.star7arab.com‬‬
‫لفضيلة الشيخ سليمان الرحيلي‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪2‬‬
‫‪‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪ ‬أثرُ القُرآنِ في إصْالحِ القُلوبِ‬

‫وسائل إصالح المجتمع ودر الشباب بهذا الواجب ‪‬‬

‫العالم‪ ،‬أنزل علينا خير الكالم‪ ،‬وجعل‬


‫الحمد هلل الملك القدوس السالم الرحيم الرحمن ا‬
‫وأتم علينا‬
‫ا‬ ‫مطهرة للقلب من األدران واآلثام‪ ،‬وأنعم علينا باإلسالم‪ ،‬وأكمل لنا الدين‪،‬‬
‫تالوته ِّ‬
‫اإلنعام‪ .‬وأشهد أن ل إله إل اهلل وحده ل شريك له المعبود الحق على الدوام‪ ،‬وأشهد ا‬
‫أن محمدً ا‬
‫ُ‬
‫المبعوث رحمة لألنام‪ ،‬من التزم سنته اهتدى واستقام‪ ،‬ومن أعرض عن دينه تخ َّبط‬ ‫عبده ورسو ُله؛‬
‫يف دياجير الظالم‪  ،‬أتم صالة وأزكى سالم‪ ،‬ورضي اهلل عن آله وأصحابه الط ِّيبين األعالم‪ .‬أ اما‬
‫بعد‪:‬أ اما بعد‪:‬‬

‫فمعاشر الكرام؛ ُأحييكم بتحية أهل اإلسالم‪ ،‬تحية أهل الجنة؛ فالسالم عليكم ورحمة اهلل‬
‫وبركاته‪.‬‬
‫وأود ُهـــــــم في اهلل ذي اآللء‬ ‫الذيــن ُأحبــ ُهم‬
‫أهـــ ًال وسهـــ ًال ب َّ‬

‫مبني على‪ :‬قال اهلل قال رسوله ‪‬؛ تص ُلح به‬


‫علم ٌّ‬
‫أيها األحبة؛ ا‬
‫إن خير ما يجتمع عليه العباد‪ٌ :‬‬
‫القلوب‪ ،‬وتستقيم به الحياة‪ ،‬ويصرب به اإلنسان على مرارة الدنيا‪.‬‬

‫إن هذا الجتماع يف هذا المسجد المبارك من ال ُقربات إلى اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬لمن ُ‬
‫حسن‬ ‫ا‬
‫قصده‪ ،‬فنسأل اهلل ‪-‬عزوجل‪ -‬أن يرزقنا جمي ًعا اإلخالص‪ ،‬وأن يجعلنا من عباده الصالحين الذين‬
‫يستمعون القول فيتابعون أحسنه‪.‬‬
‫أيها الفضالء‪ ،‬أيها األخيار‪ ،‬أيها الحضور‪ ،‬خلق اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬اإلنسان ليكون خليف ًة يف‬
‫األرض‪ ،‬وليعمرها بأعظم عمارة؛ أل وهي توحيد اهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪ ،-‬وجعل يف اإلنسان‬
‫ُمضغ ًة إذا ص ُلحت ص ُلح الجسد كله‪ ،‬وإذا فسدت فسد الجسد كله؛ أل وهي القلب‪.‬‬
‫فهذه المضغة صغيرة الحجم‪ ،‬كبيرة األثر‪ ،‬تتوقف عليها حياة اإلنسان الحسية والمعنوية‪،‬‬

‫وهي قابل ٌة للصالح والفساد‪ ،‬فقد تكون صحيح ًة صالحة ًسليم ًة؛ ﭽ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭼ‬

‫[الشعراء‪ .] ٩٨ :‬وقد تكون مريض ًة عمياء صماء؛ ﭽ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ‬


‫لفضيلة الشيخ سليمان الرحيلي‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪4‬‬

‫ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﭼ [الحج‪.] ٦٤ :‬‬
‫صالحا يف‬
‫ً‬ ‫صالحا على ظاهره‪ .‬وشرهم وأقبحهم من أظهر‬
‫ً‬ ‫وخير الناس من ص ُلح قلبه وأثمر‬
‫ظاهره وباطنه فاسدٌ مظلم‪.‬‬
‫أج َس ِامك ُْم‪َّ ،‬وال َّإِلى َّ ُص َو ِرك ْم‪َ َّ ،‬و َلكن َّينْ ُظ َُّر َّإلىَّ‬
‫ولذا؛ قال رسول اهلل ‪ « :‬إنَّ َّاهلل َّال َّينْ ُظ َُّر َّإِلى َّ ْ‬
‫كمَّوأعمالكم»( ) وأشار ب ُأص ُبعه الشريفة ‪ ‬إلى صدره‪.‬‬
‫ُق ُلوبِ َّْ‬
‫وقوف على صالح القلوب‪ ،‬فإذا صلحت‬
‫ٌ‬ ‫فصالح األجساد وصالح الظاهر ‪-‬حقيق ًة‪ -‬م‬
‫القلوب صلح الجسد كله؛ ويف الحديث‪« :‬الَّيستقيمَّإيمانَّعبدََّّحتىَّيستقيمَّقل َُّبه»( )‪.‬‬
‫ولن يكون يف األرض صال ٌح إل بصالح القلوب‪ ،‬فالهتمام بصالحها أعظم الفرائض‪،‬‬
‫وأهم األمور‪.‬‬
‫وما عرفت البشرية طري ًقا لإلصالح أعظم من القرآن‪ ،‬وكيف ل يكون كذلك وهو كالم اهلل ‪-‬‬
‫سبحانه وتعالى‪ -‬الذي أنزله على أشرف ُرسله وخاتم أنبيائه وأعظم أوليائه؛ محمد بن عبد اهلل ‪،‬‬
‫والذي وصفه ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬بأوصاف كثيرة تدل على عظمته وبركته وعظيم تأثيره وشموله‪.‬‬

‫يقول ربنا ‪-‬سبحانه وتعالى‪ :-‬ﭽ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﭼ [يوسف‪.]٢ :‬‬

‫ويقول ‪-‬سبحانه‪ :-‬ﭽ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ [ص‪.] ٢٨ :‬‬

‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﭼ [األنعام‪.] ٥١١ :‬‬ ‫ويقول ‪-‬سبحانه‪ :-‬ﭽ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬


‫أن الهدى َّ‬
‫كل الهدى يف كتابه ‪-‬‬ ‫فاهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬وصف القرآن بكونه مباركًا وأمر باتباعه‪ ،‬وب اين ا‬

‫سبحانه‪-‬؛ فقال‪ :‬ﭽﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭼ [اإلسراء‪ ،]٨ :‬فتأمل قول ربنا ‪-‬سبحانه‬

‫وتعالى‪ :-‬ﭽﭣ ﭤ ﭥ ﭼ فأقوم طريق وأسلم طريق‪ .‬والطريق المستقيم هو ما يدل عليه كتاب‬

‫( ) أخرجه مسلم (‪ ، ) 652‬كتاب‪ :‬البر والصلة واآلداب‪ ،‬باب‪ :‬تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه وعرضه وماله‪.‬‬
‫من حديث أبي هريرة ﭬ‬
‫وحسنه األلباين يف السلسلة الصحيحة‪.)٩٢٢ /٤( :‬‬
‫ا‬ ‫(‪ )٢‬أخرجه أحمد يف مسنده (‪ .)٥٨٩ /3‬من حديث أنس بن مالك ﭬ‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪ ‬أثرُ القُرآنِ في إصْالحِ القُلوبِ‬

‫وسائل إصالح المجتمع ودر الشباب بهذا الواجب ‪‬‬

‫وتذكيرا‪ ،‬ولذلك يكون وق ُعه‬


‫ً‬ ‫اهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪ ،-‬ﭽ ﮖ ﮗ ﮘ ﭼ [هود‪ُ ،]٥ :‬ملئ مواعظ‬

‫كريما؛ ﭽ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬
‫على القلوب السليمة وق ًعا شري ًفا ً‬
‫ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﭼ [الحشر‪.]٢٥ :‬‬

‫لكل شيء‪ ،‬وشفا ٌء لما يف الصدور؛ ﭽ ﭯ ﭰ‬


‫بيان ِّ‬
‫كالم اهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬فيه ٌ‬

‫ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭼ [النحل‪.]٩٨ :‬‬

‫كل ظلمة إلى خير النور؛ ﭽ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬


‫هذا الكتاب ُيخرج الناس من ِّ‬

‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭼ [إبراهيم‪.]٥ :‬‬
‫فهذا القرآن فيه الشفاء‪ ،‬وفيه الصالح‪ ،‬وفيه الخير‪ ،‬وفيه السعادة‪ ،‬ولن تصلح القلوب أبدً ا إل‬

‫بكالم ربنا ‪-‬سبحانه وتعالى‪ ،-‬كما قال ربنا‪ :‬ﭽ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﭼ‬

‫[اإلسراء‪ ،] ٩٢ :‬وكما قال ربنا ‪-‬سبحانه وتعالى‪ :-‬ﭽ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬

‫ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﭼ [يونس‪ ،]١٥ :‬فالقرآن شفا ٌء من كل داء‪ ،‬شفا ٌء لهذه‬


‫تطهيرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫طهره‬
‫سال و ُي ِّ‬ ‫الصدور‪ ،‬شفا ٌء للقلوب من ِّ‬
‫كل شيء قبيح‪ ،‬يغسل القلب غ ً‬

‫مشروط بشرط عظيم؛ مشروط بالم ِّ‬


‫حل‬ ‫ٌ‬ ‫إل ا‬
‫أن أثر القرآن ‪-‬أيها اإلخوة‪ -‬يف إصالح القلوب‬

‫القابل؛ كما قال ربنا ‪-‬سبحانه‪ :-‬ﭽ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬

‫شرط لبد منه لكي يث ِّثر القرآن يف قلب اإلنسان‪ ،‬فالبد من قلب حاضر‪ ،‬ولبد‬
‫ٌ‬ ‫ﭮ ﭼ [ق‪ ]3٥ :‬فهذا‬
‫من سمع مصغي‪ ،‬ولبد أن يكون اإلنسان شهيدً ا‪.‬‬
‫ولذا؛ يقول البخاري ‪ $‬عن هذا القرآن‪" :‬ل يجد طعمه إل من آمن به"( )‪.‬‬

‫‪ )٥‬الصحيح ‪٥١١/٨‬‬
‫لفضيلة الشيخ سليمان الرحيلي‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪6‬‬

‫لكن طعمه ل ُينال إل لمن آمن به‪ ،‬وألقى السمع له‪،‬‬


‫القرآن له حالوة‪ ،‬القرآن له لذ ٌة عظيمة‪ ،‬ا‬
‫حاضرا شهيدً ا‪.‬‬
‫ً‬ ‫وكان قلبه‬
‫ويقول ابن القيم ‪" :$‬إذا أردت النتفاع بالقرآن‪ :‬فأجمع قلبك عند تالوته وسماعه‪ ،‬وألق‬
‫خطاب منه لك على لسان‬
‫ٌ‬ ‫سمعك‪ ،‬واحضر حضور من يخاطبه من تكلم به سبحانه منه إليه؛ فإنه‬
‫أن اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬يك ِّلمنا هبذا القرآن؟‬
‫رسوله ‪ ،) ("‬اهلل أكرب! هل استشعرنا هذا؟ هل استشعرنا ا‬
‫وما أعظم أثر هذا لو أيقناا به تمام اليقان!‬
‫ويقول ابن قتيبة ‪ " :$‬إذا حصل ال ُمث اثر و ُهو ال ُقرآن والمحل القابل و ُهو القلب الح اي‬
‫الشرط و ُهو اإلصغاء وانتفى المانع و ُهو اشتغال القلب و ُذهوله عن معنى الخطاب‬ ‫و ُوجد َّ‬
‫وانصرافه عن ُه إلى شيء آخر حصل األثر و ُهو النتفاع والتذكر "( )‪.‬‬
‫كثير من الناس يقولون‪ :‬إنا نسمع القرآن لكن ل يحصل لنا خشوع ول يحصل لنا تذكر‪ ،‬وما‬
‫ٌ‬
‫حاصل أثره يف القلوب؛ إذا ُوجد الم ا‬
‫حل القابل وتح َّقق‬ ‫ٌ‬ ‫ذاك إل لتقصير منهم‪ ،‬وإل فكالم اهلل‬
‫الشرط وانتفى المانع‪.‬‬
‫كثير من الناس يقرؤون كالم اهلل وقلوهبم منصرفة‪ ،‬قد يدور اللسان باأللفاظ لكن القلب‬
‫ٌ‬
‫يدور يف اآلفاق؛ فكيف يتأ اثر ُ‬
‫مثل هذا القلب بكالم اهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪-‬؟!‬
‫فينبغي علينا ‪-‬أيها اإلخوة‪ -‬أن نعالج قلوبنا عند تالوة كالم ربنا‪ ،‬بأن نحرص تمام الحرص‬
‫على أن تكون قلوبنا حية مستعدة لقبول الخير يف كالم ربنا ‪-‬سبحانه وتعالى‪ ،‬وأن تكون أسماعنا‬
‫مصغية‪ ،‬وأن تكون قلوبنا حاضرة‪ ،‬وأن نجاهد أنفسنا عن النصراف عن الشواغل والتفكير الذي‬
‫يحرص عليه الشيطان‪.‬‬

‫‪ (٥‬الفوائد ص ‪3‬‬

‫‪ )٢‬المصدر السابق ص ‪3‬‬


‫‪‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪ ‬أثرُ القُرآنِ في إصْالحِ القُلوبِ‬

‫وسائل إصالح المجتمع ودر الشباب بهذا الواجب ‪‬‬

‫واهلل ما بدأ مسلم يتلو القرآن إل جاء الشيطان يذكِّره‪ُ :‬اذكر كذا‪ُ ،‬اذكر كذا‪ ،‬افعل كذا‪ ،‬ف ِّكر يف‬
‫كذا‪ ،‬األمة تعاين من كذا‪ ،‬الناس بحاجة إل كذا‪ ،‬تذكَّر من العلم كذا‪ ،‬لم؟ ليصرفه عن سماع كالم‬
‫ألن إبليس يعلم علم اليقين ا‬
‫أن المسلم لو سمع كالم اهلل‬ ‫اهلل ح ًّقا وعن تدبر كالم اهلل صد ًقا؛ ا‬
‫وأصغى لكالم اهلل لستعصى عليه أ َّيما عصيان ولما استطاع الشيطان أن يوقعه يف العصيان‪.‬‬

‫وصالح القلوب ‪-‬أيها اإلخوة‪ -‬يكون بالتخلية والتحلية؛ بتخلية القلب من الفساد‪ ،‬وتحليته‬
‫بالصالح‪.‬‬

‫َّإصالحا‪ :‬أثره يف تحقيق التوحيد والرباءة من الشرك وأهله‪.‬‬


‫ً‬ ‫وأعظمَّأثرَّالقرآنَّيفَّالقلوب‬

‫مر على‬
‫فأجل علوم القرآن على اإلطالق‪ :‬علم التوحيد وما هلل من صفات الكمال‪ .‬فإذا ا‬
‫القلب اآليات يف توحيد اهلل وأسمائه وصفاته واستشعر القلب معاين هذه الصفات أثمر ذلك يف‬
‫عظيما‪ .‬وإذا أقبل القلب على اآليات وفهمها وفهم المراد‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وإقبال على الخير‬ ‫عظيما‬
‫ً‬ ‫صالحا‬
‫ً‬ ‫قلبه‬
‫هبا‪ ،‬وأثبت الصفات هلل ‪-‬عز وجل‪ -‬على وجه يليق بجالل اهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪-‬؛ امتأل قلبه من‬
‫حق إل اهلل‬
‫معرفة اهلل سبحانه وتعالى‪ ،-‬وامتأل قلبه ح ًّبا هلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪ ،-‬وأيقن أنه ل معبود ٌّ‬
‫وخيرا وطمأنينة‪.‬‬
‫ً‬ ‫صالحا‬
‫ً‬ ‫سبحانه وتعالى‪ ،-‬فيمتلئ‬

‫فالقلب ‪-‬أيها األحبة‪ -‬ل سالمة له ول صالح له إل بتوحيد رب العالمين‪.‬‬

‫وبقدر ما مع اإلنسان من صدق التوحيد وسالمة العتقاد بمقدار ما يحصل له من سالمة‬


‫الصدر وصالح القلب؛ ا‬
‫ألن القلب إنما خلقه اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬لمعرفة فاطره ومحبته وتوحيده وأن‬
‫ا‬
‫وأجل‪ ،‬فإذا تحقق هذا المقصود يف‬ ‫ب إليه مما سواه وأرجى عنده من ِّ‬
‫كل ما سواه‬ ‫يكون اهلل أح َّ‬
‫القلب حصل له الخير وحصلت له السعادة وحصلت له الطمأنينة‪.‬‬
‫لفضيلة الشيخ سليمان الرحيلي‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪8‬‬

‫َّإلىَّمعرفةَّاهللَّمعرفةَّر ُسلَّاهلل َّ‪-‬صلىَّاهللَّعليهمَّوسلم‪،-‬‬


‫ُ‬ ‫ويعظمَّاألثر َّيفَّالقلبَّإذاَّانضم‬
‫ُ‬
‫ومعرفة أحوالهم‪ ،‬وما جرى عليهم مع من وافقهم ومع من خالفهم‪ ،‬وما هم عليه من الصفات‬
‫العالية واألخالق الكريمة‪ ،‬ا‬
‫فإن القلب إذا علم هذا من كتاب اهلل أثمر ذلك يف قلبه محب ًة لرسل اهلل‬
‫وعمال بما هم عليه من األعمال الصالحة‪ ،‬ف ُتثمر‬
‫ً‬ ‫‪-‬صلى اهلل عليهم وسلم‪ -‬واقتدا ًء بأخالقهم‪،‬‬
‫عظيما لهم يف القلب؛ ُيثمر للقلب القتداء هبم‪ ،‬فيكون لقلب‬
‫ً‬ ‫معرفته لهم وألحوالهم وأعمالهم ح ًّبا‬
‫ب لهم ح ٌّظ من صالح قلوب األنبياء بمقدار ُح ِّبه لهم وبمقدار اقتدائه هبم ‪-‬عليهم السالم‪.-‬‬
‫المح ِّ‬
‫ُ‬

‫وخيرهم وأشر ُفهم محمدُ بن عبد اهلل ‪ .‬ومعرفة النبي ‪ ‬ومعرفة أحواله ومعرفة أخالقه‬
‫ُ‬
‫باعا صاد ًقا؛ بالهتداء هبديه ‪.‬‬
‫عظيما‪ ،‬ومحب ًة كربى له ‪ ،‬واقتدا ًء به‪ ،‬وا ِّت ً‬
‫ً‬ ‫صالحا‬
‫ً‬ ‫تثمر يف القلب‬

‫ويص ُلح َّالقلب َ‬


‫َّويعظم َّأثر َّالقرآن َّيف َّالقلب‪َّ :‬بأن َّيعلم َّعلم َّأهل َّالسعادة َّوالخير َّيف َّاآلخرةَّ‬ ‫َ‬
‫واألولى‪َّ،‬وأهلَّالشقاوةَّوالشرَّيفَّاآلخرةَّواألولى‪ :‬ويف معرفة القلب ألهل السعادة وألوصافهم‬
‫ترغيب للقلب يف‬
‫ٌ‬ ‫وألحوالهم وللطرق التي أوصلتهم للسعادة يف الدنيا والمنزلة العالية يف األخرى؛‬
‫أفعالهم ويف أحوالهم ويف محبة الصالحين والقتداء هبم‪.‬‬

‫ويف معرفة أحوال أهل الشر ومنازلهم والطرق التي أوصلتهم للشر وسوء حالهم يف الدنيا‬
‫وبغضا لطرائقهم و ُبعدً ا عنهم و ُبعدً ا عن‬
‫ً‬ ‫وسوء حالهم يف اآلخرة؛ معرفة القلب هبذا ُتثمر ً‬
‫بغضا لهم‬
‫صفاهتم‪ ،‬وهذا من أعظم ما يوصل العبد إلى دار النعيم‪ ،‬وينجيه اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬به من دار‬
‫الجحيم‪ ،‬وهذا من أعظم أثر القرآن يف قلوب العباد‪.‬‬

‫ويص ُلح َّالقلب َّبالقرآن َّبأن َّيعلم َّمنه َّالعبد ّ‬


‫َّأن َّالعبرة َّبصدق َّاإليمان َّوصالح َّاألعما؛ َّالَّ‬ ‫َ‬
‫بدعاوى َّاللسان َّواتّباع َّالهوى َّوالشيطان‪ :‬فالقرآن يرشد العبد بأن العربة بحسن حال اإلنسان‬
‫المجردة والغرتار بإعطاء اهلل للعبد ما يشاء من‬
‫َّ‬ ‫وإيمانه الصحيح وعمله الصالح‪ ،‬ا‬
‫وأن الدعاوى‬
‫‪‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪ ‬أثرُ القُرآنِ في إصْالحِ القُلوبِ‬

‫وسائل إصالح المجتمع ودر الشباب بهذا الواجب ‪‬‬

‫الدنيا من الرئاسات واألمور الدنيوية والتقاليد الموروثة ا‬


‫أن ذلك من طرق المنحرفين عن الحق‬
‫خيرا ول ُيثمر ح ًّقا‪.‬‬
‫ول ُينتج ً‬
‫واإلنسان فقيه نفسه وطبيب أمره‪ ،‬فإذا أردت ‪-‬يا عبد اهلل‪ -‬أن تعرف حقيقتك عند اهلل فانظر‬
‫إلى حقيقة اإليمان يف قلبك ومنزلة العمل الصالح يف قلبك ومنزلتك من الصالحات‪.‬‬

‫والقرآن ب اين لنا هذا؛ ﭽ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬

‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﭼ [سبأ‪ ،] 3٥ :‬ل ُي ا‬
‫قربك إلى اهلل‬
‫سبُْهُ» ( )‪.‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬
‫س ِّرعْْب ْهْنَ َ‬
‫نسب؛ « َوَمنْْبَطّْأَْب ْهْ َع َملُهُ‪ْ،‬لَمْْيُ َ‬
‫ف رئاسة ول سعة يف الدنيا وإنما يقربك من اهلل إيمان صادق وعمل‬
‫ل ُيقربك من اهلل شر ُ‬
‫صالح تكون به من أولياء اهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪ ،-‬فال يغرت بالدعاوى ول يركن إليها من غير إيمان‬
‫صادق ول عمل صالح إل األشقياء المنحرفون؛ فقد قال اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬عن اليهود والنصارى‪:‬‬

‫ﭽ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ‬
‫ﯹ ﯺ ﯻ ﭼ [البقرة‪ ، ]٥٥٥ :‬فلن يدخل الجنة إل من أتى بالربهان‪ ،‬والربهان‪ :‬هو‬

‫اإليمان الصادق والعمل الصالح؛ ﭽ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ‬

‫ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﭼ [البقرة‪ ، ]٥٥٢ :‬وقال اهلل ‪-‬عز وجل‪ :-‬ﭽ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬

‫ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭼ [النساء‪ ،]٥٢3 :‬فالغرتار بالدعاوى والمظاهر إنما هو‬


‫وطريق للمنحرفين‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫سبب لإلنحراف‬
‫ٌ‬
‫أن صدق الدعوى ا‬
‫وأن القرب من اهلل إنما هو باإليمان الصادق والعمل‬ ‫فإذا علم القلب ا‬
‫صالحا قري ًبا من كل خير بعيدً ا عن كل شر‪.‬‬
‫ً‬ ‫سليما‬
‫ً‬ ‫الصالح أقبل على هذا األمر‪ ،‬فكان هذا القلب‬

‫(‪ )٥‬أخرجه مسلم (‪ )٢٤٨٨‬يف كتاب‪ :‬الذكر والدعاء‪ ،‬باب‪ :‬فضل اإلجتماع على تالوة القرآن وعلى الذكر‪ .‬من حديث أبي هريرة‬
‫ﭬ‪.‬‬
‫لفضيلة الشيخ سليمان الرحيلي‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪10‬‬

‫بَّ‬
‫نَّأقبلَّعلىَّماَّيحبهَّاهللَّوتركَّماَّقدَّي َح ُّ‬
‫ُ‬ ‫بأنَّيع َلمَّمنَّالقرآن َّ ّ‬
‫أن ََّم‬ ‫ويص ُلحَّالقلبَّبالقرآن‪َ َّ:‬‬
‫َ‬
‫َّخيراَّمنه‪َّ.‬‬
‫َّعوضهَّاهلل ً‬
‫ويشتهىَّمنَّأجلَّاهلل ّ‬
‫ُ‬
‫خيرا منه؛ ف ُيثمر‬
‫عوضه اهلل ً‬
‫فيعلم قلب المثمن من تالوته للقرآن أنه ما ترك أحدٌ شي ًئا هلل إل ا‬
‫صالحا يف ذلك القلب؛ بأن يقدِّ م محبوب اهلل على محبوب نفسه‪ ،‬وهو يعلم علم اليقين ا‬
‫أن‬ ‫ً‬ ‫ذلك‬
‫خير منه يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫تركه لهذا األمر سيكون عنه عو ٌض ٌ‬
‫أل ترى ما ذكره اهلل عن المهاجرين األولين الذين هجروا أوطاهنم وأموالهم وأحباهبم هلل ‪-‬‬
‫سبحانه وتعالى‪-‬؟! هم ُيحبون المكان الذي كانوا فيه و ُيحبون أهليهم و ُيحبون أموالهم لكنهم‬
‫فعوضهم اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬طمأنين ًة يف قلوهبم‬
‫فرارا بدينهم َّ‬
‫تركوها وهاجروا هلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪ً -‬‬
‫وثبا ًتا على دينهم؛ حتى قيل ألحدهم من أحد الملوك‪" :‬أترتك دين محمد وأعطيك نصف ُملكي؟‬
‫أسيرا عند ذلك الملك‪ -‬أترتك دين محمد وأعطيك نصف ُملكي؟ فقال‪ :‬اخسأ‬
‫‪-‬وقد كان وقع ً‬
‫عدو اهلل؛ فو الذي نفسي بيده لو أعطيتني ملكك وملك العرب وملك العجم وما يف األرض‬
‫تركت دين محمد طرفة عين"( )‪.‬‬
‫ُ‬ ‫جميعها ما‬
‫خيرا؛‬
‫عوضه اهلل ً‬
‫صالح يف القلب أثمره يقي ٌن بأن من قدا م محبوب اهلل على محبوب نفسه ا‬
‫ٌ‬
‫والعز والتمكين‪.‬‬
‫َّ‬ ‫عوضه طمأنين ًة واستقام ًة وصالب ًة يف الدِّ ين‪ ،‬ا‬
‫وعوضه الرزق الواسع يف الدنيا‬ ‫ف ا‬
‫لما‬ ‫أل ترى ا‬
‫أن إبراهيم الخليل ‪-‬عليه وعلى نبينا وعلى أنبياء اهلل أفضل الصالة والتسليم‪ -‬ا‬
‫عوضه اهلل فوهب له إسحاق ويعقوب والذرية‬
‫اعتزل قومه وأباه وما يدعون من دون اهلل ا‬
‫الصالحين‪.‬‬
‫لما ملك نفسه من الوقوع مع امرأة العزيز التي هيأت نفسها له‪ ،‬وكانت ذات‬
‫ويوسف ڠ ا‬
‫سلطان عليه‪ ،‬وغ َّلقت األبواب وقالت‪ :‬هيت لك‪ ،‬ا‬
‫لما ملك نفسه مع ما يظهر يف الدنيا من حظوة لو‬

‫‪ )٥‬هو الصحابي الجليل عبد اهلل بن حذافة وأخرج هذه القصة ابن عساكر يف تاريخه من طريق البيهقي‪ ،‬وكذا الحافظ يف "‬

‫اإلصابة"‪ ،‬وله شاهد من حديث ابن عباس‪ ،‬موصول عند ابن عساكر‪ ،‬وابن األثير يف " أسد الغابة " ‪.٢٥٢ / 3‬‬
‫‪‬‬ ‫‪11‬‬ ‫‪ ‬أثرُ القُرآنِ في إصْالحِ القُلوبِ‬

‫وسائل إصالح المجتمع ودر الشباب بهذا الواجب ‪‬‬

‫فعل ومكانة لو فعل‪ ،‬وكانت المرأة تغريه بجمالها وتغريه بسلطاهنا وتغريه بأهنا ستجعل له مكانة يف‬
‫األرض ل يبلغها أحدٌ من الناس؛ لكنه ڠ صرب وأعرض عن امرأة العزيز؛ بل استحب السجن‬
‫على أن يقع يف هذا البالء؛ فعوضه اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬بأن م اكن له يف األرض يتبوأ منها حيث يشاء‬
‫ويستمتع بما شاء مما أحل اهلل‪.‬‬
‫لما رأوا فساد الناس واعتزلوا الناس وما يعبدون من دون اهلل؛ نشر اهلل لهم‬
‫وأهل الكهف ا‬
‫رحمته‪ ،‬وه َّيأ لهم أسباب الراحة‪ ،‬وجعلهم سب ًبا لهداية الضالين‪ ،‬فجعل لهم ثواب أولئك القوم‪.‬‬

‫لما أحصنت فرجها أكرمها اهلل‪ ،‬ونفخ فيه من روحه‪ ،‬وجعلها وابنها آية‬
‫ومريم بنت عمران ا‬
‫للعالمين‪.‬‬

‫عوضه‬
‫لما ألهت ُه الخيل عن ذكر ربه فأتلفها ألهنا ألهته عن ذكر اهلل ‪-‬سبحانه‪َّ -‬‬
‫وسليمان ڠ ا‬
‫وغواص‪.‬‬
‫عوضه بالريح التي تجري بأمره والشياطين كل بناء ا‬
‫اهلل بأعظم من الخيل‪َّ ،‬‬

‫عوضه اهلل من محبته‬


‫فمن ترك هواه وما هتواه نفسه من الشهوات لربه ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬ا‬
‫وعبادته وطمأنينة قلبه واإلنابة إليه والتوسيع عليه يف الدنيا ما يفوق لذات الدنيا ك َّلها‪ .‬فإذا علم‬
‫عظيما‪.‬‬
‫ً‬ ‫صالحا‬
‫ً‬ ‫القلب هذا األمر من تالوته للقرآن أ َّثر ذلك يف قلبه‬

‫َّالقلبَّيمرضَّوأنَّ‬
‫َّّ‬ ‫إذاَّقرأَّالقرآنَّوتدبرَّالقرآنَّيعلمَّأن‬
‫َ‬ ‫والمسلمَّ‪-‬أيهاَّاإلخوةَّواألخوات‪َّ -‬‬
‫حريصا على سالمة قلبه‪ ،‬حذ ًرا من آفات القلوب وأمراضها‪.‬‬
‫ً‬ ‫القلبَّيتقلَّب‪ ،‬فيكون‬
‫والمرض يف القرآن هو مرض القلوب؛ وهو نوعان‪:‬‬
‫‪ ‬مرض الشبهات‪.‬‬
‫‪ ‬ومرض الشهوات‪.‬‬
‫فالشبهات‪ :‬شكوك تطرأ على قلب اإلنسان تبعده عن الرحمن‪.‬‬
‫لفضيلة الشيخ سليمان الرحيلي‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪12‬‬

‫والشهوات‪ :‬ضعف اإلرادة أمام ملذات الدنيا حتى يقع العبد يف معصية اهلل ‪-‬سبحانه‬
‫وتعالى‪.‬‬
‫مريضا بمرض الشبهات ومرض الشهوات‪.‬‬
‫وقد يجتمع على العبد األمران‪ ،‬فيكون قلبه ً‬

‫ومرض الشبهات يف القلب ‪-‬أيها اإلخوة واألخوات‪ -‬أخطر األمراض على اإلطالق‪ ،‬فما‬
‫مرض اإلنسان بمرض أعظم من مرض الشبهات‪ ،‬وهو يثمر آفات خطيرة‪ ،‬أخطرها وأقبحها الشرك‬
‫باهلل ‪-‬تعالى‪ -‬وهو أشد الفساد وأعظم الظلم‪ ،‬وما أظلم قلب بأعظم من الشرك باهلل ‪-‬سبحانه‬
‫وتعالى‪.-‬‬

‫أيضا‪ -‬البدع الصارفة عن سنة النبي ‪ ‬المفسدة للقلوب؛ فإهنا ضاللة تظلم بالقلب‬
‫و ُيثمر ‪ً -‬‬
‫اهلل العمى"( )؛ أي عمى‬
‫وتفسده؛ ولذا قال بعض السلف‪" :‬من جلس إلى صاحب بدعة ‪ ،‬أورث ُه ُ‬
‫القلب‪ ،‬ا‬
‫فإن المبتدع ل يدل اإلنسان إل على الضاللة‪ ،‬ول يرشده إل على الشر‪ ،‬فيقود اإلنسان ‪-‬‬
‫والعياذ باهلل‪ -‬إلى عمى القلب‪.‬‬
‫حذرون من البدع‪ ،‬و ُي ا‬
‫حذرون من أهلها‪،‬‬ ‫ولذا كان السلف الصالح ‪-‬رضوان اهلل عليهم‪ُ -‬ي ا‬
‫و ُي ا‬
‫حذرون من مجالسة أهلها‪.‬‬
‫إن البدعة إذا وقرت يف القلب ُتظلم بقلب صاحبها حتى يقول ما ل يقبله العقالء ً‬
‫فضال عن‬ ‫ا‬
‫أن يقبله مسلم‪ ،‬ألم تسمعوا لبعض أهل البدع يقولون‪ :‬ا‬
‫إن الولي يستطيع أن يخلق الجنين يف بطن‬
‫أمه!؛ ل حول ول قوة إل باهلل! أهل الجاهلية األولى ما قالوا هذا األمر وإنما كانوا يقولون‪ :‬ا‬
‫إن‬
‫الخالق هو اهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪ ،-‬ولك ان البدعة ُتظلم بعقل صاحبها و ُتظلم بقلب صاحبها حتى‬
‫فضال عن‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫ويقول ما ل يستسيغه العقالء‬ ‫فضال عن كون الشرع يرده‪،‬‬
‫ً‬ ‫يعمل ما ل يستسيغه العقالء‬
‫كون الشرع يرده‪.‬‬

‫‪ (٥‬اإلبانة ‪ ٦٤4/٢‬وهو للفضيل بن عياض‬


‫‪‬‬ ‫‪13‬‬ ‫‪ ‬أثرُ القُرآنِ في إصْالحِ القُلوبِ‬

‫وسائل إصالح المجتمع ودر الشباب بهذا الواجب ‪‬‬

‫صغيرا ويبدأ‬
‫ً‬ ‫ومرض الشهوات ‪-‬أيها اإلخوة‪ -‬وما أدراك ما مرض الشهوات! قد يبدوا‬
‫قليال؛ ولكنه يتسلل إلى القلب‪ ،‬و ُيظلم بالقلب شي ًئا فشي ًئا إن لم يتب صاحبه منه‪.‬‬
‫ً‬

‫َغفرَّ‬
‫َّنزع َّواست َ‬
‫‪َّ،‬فإذاَّهو َ‬
‫َ‬ ‫َّإذاَّأخطأ َّخطيئةًَّنُكِتتَّيفَّقلبِ ِه َّ ُنكْتةٌَّسودا ُء‬
‫َ‬ ‫النبي ‪ ‬يقول‪« :‬إن َّالعبدَ‬
‫وتاب ِ‬
‫َّصق َلَّقل ُب ُه‪َّ،‬وإنَّعا َدَّزيدَ َّفيهاَّحتى َ‬
‫َّتعلوَّقل َبهُ» ( )‪.‬‬ ‫َ ُ‬

‫أعظم من‬
‫ُ‬ ‫أن العلماء يقولون‪ " :‬ا‬
‫إن مرض الشبهات‬ ‫غرك ا‬
‫ولذلك يا عبد اهلل! إياك ثم إياك أن ي ا‬
‫مرض الشهوات" فإهنم ل يقصدون هبذا أن ُيق ِّللوا من ِّ‬
‫شر مرض الشهوات؛ ولكنهم يريدون أن‬
‫شر مرض الشبهات‪ ،‬فمرض الشهوات شره عظيم وفساده يف القلب كبير‪.‬‬
‫يب اينوا َّ‬
‫وإياك يا عبد اهلل إياك أن تغرت بصغر الذنب فمن أقدم على الصغير أوشك أن ُيقدم على‬
‫َّفتقطعَّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫َّالحبل‬ ‫ُ‬
‫هَّ‪َّ،‬ويسرق‬ ‫ََّفتقطع َّيدُ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫‪َّ،‬يسرق َّالبيضة‬ ‫َ‬
‫َّالسارق‬ ‫الكبير؛ ولذلك يقول النبي ‪« :‬لعنَّاهللُ‬
‫يدُ ه» ( )‪ ،‬المعلوم ‪-‬يا إخوة‪ -‬أن البيضة ل تبلغ نصا ًبا ول ُتقطع اليد بسبب سرقتها‪ ،‬ا‬
‫وأن الحبل ل‬
‫يبلغ نصا ًبا ول ُتقطع اليد بسبب سرقته؛ ولك ان الذي يسرق البيضة يوشك أن يسرق ما فوقها‪ ،‬وأن‬
‫يسرق ما فوقها؛ حتى تقطع يده‪ ،‬فالذنوب يسير فيها اإلنسان شي ًئا فشي ًئا‪.‬‬
‫فانتبه يا عبد اهلل! ا‬
‫فإن اإلنسان قد يستصغر الذنب فيبدأ به‪ ،‬ثم يدخل فيما هو أعلى‪ ،‬ثم يدخل‬
‫فيما هو أعلى‪ ،‬ثم يدخل فيما هو أعلى‪ ،‬ثم يغفل عن التوبة‪ ،‬حتى يرين على قلبه ‪-‬والعياذ باهلل‪.-‬‬

‫وكبيــــرها؛ ُفهــو التـــقى‬ ‫خــ ِّل( ) الذ ُنـــوب صغيرها‬


‫َّ‬
‫الشــوك يحـــــذ ُر ما يرى‬ ‫واصنـــع كماش فوق أرض‬

‫‪ )٥‬أخرجه الرتمذي يف سننه (‪ )333٦‬كتاب‪ :‬تفسير القرآن‪ ،‬باب‪ :‬ومن سورة ويل للمطففين‪ .‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪ .‬وقال‪:‬‬
‫هذا حديث حسن صحيح‪.‬‬
‫‪ )٢‬متفق عليه؛ أخرجه البخاري (‪ )٤٦4٥‬يف كتاب‪ :‬الحدود‪ ،‬باب‪ :‬لعن السارق إذا لم ُيس َّم‪ .‬ومسلم (‪ )٥٤٩٥‬يف كتاب‪ :‬الحدود‪،‬‬
‫باب‪ :‬حد السرقة ونصاهبا‪ .‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬
‫‪ (3‬التبصرة لبن الجوزي ‪٢٦٥‬‬
‫لفضيلة الشيخ سليمان الرحيلي‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬‫‪14‬‬

‫َّ‬
‫إن الجبــــال من الحصى‬ ‫ل تحقـــــــــر َّن صغيــــــــــر ًة‬

‫ويقول القائل ( )‪:‬‬


‫ث الذ ال إدمانُها‬
‫وقــــد ُيور ُ‬ ‫يت ال ُق ُلوب‬
‫رأي ُت الذ ُنوب ُتم ُ‬
‫وخي ٌر لنفسك عصيا ُنــــــها‬ ‫وتر ُك الذ ُنوب حيا ُة ال ُق ُلـــوب‬

‫فالمرض ‪-‬أيها اإلخوة‪ -‬الذي ُذكر يف القرآن هو مرض القلوب‪ ،‬وقد ب َّين اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬ا‬
‫أن‬

‫القلوب تمرض بالشبهات ‪-‬كما قلنا‪-‬؛ كما قال اهلل ‪-‬عز وجل‪ :-‬ﭽ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬

‫ﮈ ﭼ [البقرة‪ ،]٥4 :‬وكما قال اهلل ‪-‬عز وجل‪ :-‬ﭽ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‬

‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﭼ [التوبة‪.]٥٢١ :‬‬

‫والقلوب قد تمرض بالشهوات ‪-‬كما قلنا‪-‬؛ ومن ذلك قول ربنا ‪-‬سبحانه وتعالى‪ :-‬ﭽ ﭪ‬

‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭼ األحزاب‪.3٢ :‬‬

‫فالقلب قد يمرض بالشبهة‪ ،‬وقد يمرض بالشهوة‪ ،‬وعالج هذين المرضين الف اتاكين إنما هو‬
‫بالقرآن‪ ،‬بكالم ربنا ‪-‬سبحانه وتعالى‪.-‬‬

‫يقول ابن القيم ‪" :$‬جماع أمراض القلوب‪ :‬هو أمراض الشبهات والشهوات‪ ،‬والقرآن‬
‫شفا ٌء للنوعين‪ ،‬فيه من الب ِّينات والرباهين القطع اية ما ُيب ِّين الحق من الباطل؛ فتزول أمراض الشبهة‪،‬‬
‫وأ اما شفاؤه ل مرض الشهوات فذلك بما فيه من الحكمة والموعظة الحسنة والتزهيد يف الدنيا‬
‫والرتغيب يف اآلخرة"( )‪.‬‬

‫( الجواب الكايف‪ ،‬لبن القيم (‪)34‬‬

‫‪ (٢‬إغاثة اللهفان ص ‪٦٦‬‬


‫‪‬‬ ‫‪15‬‬ ‫‪ ‬أثرُ القُرآنِ في إصْالحِ القُلوبِ‬

‫وسائل إصالح المجتمع ودر الشباب بهذا الواجب ‪‬‬

‫فإن اهلل يف كتابه الكريم َّ‬


‫حذر من غفلة‬ ‫ِ‬
‫َّوأهلها‪ ،‬ا‬ ‫ويص ُلح َّالقلب َّبالقرآن‪َّ :‬بالحذر َّمن َّالغفلة‬
‫َ‬
‫وحذر من الغافلين؛ ﭽ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﭼ [يونس‪ ،]٨٢ :‬ﭽ ﯮ‬
‫َّ‬ ‫القلب‪،‬‬

‫ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﭼ [األعراف‪ ،]٢4١ :‬ﭽ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ‬

‫ﭱ ﭼ [الكهف‪.]٢٩ :‬‬

‫َّأن ََّمن َّترك َّما َّينفعه َّوترك َّالخير َّمعَّ‬


‫َّمن َّالقرآن ّ‬ ‫ويص ُلح َّالقلب َّبالقرآن‪َّ :‬إذا َّ َع ِل َم َّالقلب َِّ‬
‫َ‬
‫َّمنَّاستعملَّنِعمَّاهللَّ‪-‬عزَّ‬
‫َّ‬ ‫وحرِ َم َّماَّينف ُعه‪ّ ،‬‬
‫وأن‬ ‫باالشتغا؛َّبماَّيضرهَّ ُ‬
‫ُّ‬ ‫اإلمكان َّابتالهَّاهللَّ‪-‬عزَّوجل‪َّ-‬‬
‫ِ‬
‫وجل‪َّ-‬يفَّمعاصيهَّأشغ َلهَّبها َّفانقلبتَّعليه ََّّن ً‬
‫قما‪.‬‬
‫لما زهدوا يف عبادة الرحمن ابتلوا بعبادة‬
‫اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬ب اين لنا يف القرآن أن المشركين ا‬
‫األوثان‪.‬‬
‫لما ُعرض عليهم اإليمان َّأول مرة فعرفوه ثم تركوه ق الب اهلل قلوهبم وطبع‬ ‫ا‬
‫وأن المشركين ا‬
‫عليها وختم عيها؛ فال يثمنون حتى يروا العذاب األليم‪.‬‬
‫الغي والضاللة؛ عوقبوا‬
‫ورضا بطريق ِّ‬
‫ولما ب اين لهم الصراط المستقيم وزاغوا عنه باختيارهم ً‬
‫ا‬
‫بأن أزاغ اهلل قلوهبم‪ ،‬وجعلهم حائرين يف طريقهم‪.‬‬
‫ور ُسله؛ أهاهنم اهلل بالعذاب المهين‪.‬‬
‫ولما أهانوا آيات اهلل ُ‬
‫ا‬
‫ولما استكربوا عن النقياد للحق؛ أذلهم اهلل يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫ا‬
‫وخربوها؛ ما كان لهم بعد ذلك أن يدخلوها إل خائفين‪.‬‬
‫ولما منعوا مساجد اهلل َّ‬
‫ا‬

‫تيسر له الخير فرتكه واشتغل عنه بضدِّ ه؛ ا‬


‫أن‬ ‫فالقاعدة الشرعية التي يدل عليها القرآن‪ :‬ا‬
‫أن من َّ‬
‫اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬يبتليه بالشرور ويحرمه ذلك الخير‪.‬‬

‫مَّاإلنسانَّأن َّالقلوبَّبيدَّالرحمنَّيق ِّلبهاَّكيفَّيشاء‪ ،‬ف ُيقبل‬


‫ّ‬ ‫أنَّيع َل‬
‫ويص ُلحَّالقلبَّبالقرآن‪َ َّ:‬‬
‫َ‬
‫على اهلل‪ ،‬ويسأله سالمة قلبه وثباته على الحق والهدى؛ ﭽ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ‬
‫لفضيلة الشيخ سليمان الرحيلي‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪16‬‬

‫ِ‬
‫القلوب َّث ِّبتَّ‬ ‫ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﭼ [آل عمران‪ ،] ٩ :‬وكان أكثر دعاء النبي ‪ُ « :‬‬
‫ياَّمق ِّل َ َّ‬
‫ب َّ‬
‫قلبيَّعلىَّدين ِ َ َّ‬
‫ك»( ) ‪.‬‬

‫ويص ُلح َّالقلب َّبالقرآن‪َّ :‬بأن ََّيع َلم َّصاحبه َّأن َ‬


‫َّخيره َّوسعادتَه َّيف َّسالمته َّللمسلمين َّاألخيارَّ‬ ‫َ‬
‫وسالمتهَّمنَّاألخالقَّالرديئة‪ ،‬يقول اهلل ‪-‬عز وجل‪ :-‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬

‫ﭗ ﭘ ﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ ﭡﭢﭣﭤﭥ ﭦﭧ‬


‫ﭨ ﭼ [الحشر‪.]٥4 :‬‬

‫َّوأنيسه َّف ُيكثر َّمن َّتالوته َّوتدبره َّفيكونَّ‬


‫َ‬ ‫َّسميره‬
‫َ‬ ‫ويص ُلح َّالقلب َّبالقرآن‪َّ :‬بأن َّيجعله َّالمسلم‬
‫َ‬
‫اَّعلىَّذكرهَّعامراَّبهَّوقته؛ فتحصل له طمأنينة القلب وسكينة القلب؛ ﭽ ﰈ ﰉ ﰊ‬
‫ً‬ ‫غال ًب‬

‫ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﭼ [الرعد‪.]٢٩ :‬‬
‫ويقول النبي ‪« :‬وما اجتمع قو ٌم يف بيت من بيوت اهلل‪ ،‬يتلون كتاب اهلل‪ ،‬ويتدارسونه بينهم‪،‬‬

‫إل نزلت عليهم السكينةُ‪ ،‬وغشيتهم الرحم ُة وح افتهم المالئك ُة‪ ،‬وذكرهم ُ‬
‫اهلل فيمن عنده» ( ) ‪.‬‬
‫أمر يجعله اهلل يف قلب اإلنسان فيطمئن ويوقن‪ ،‬ول‬
‫والسكينة ‪-‬أيها اإلخوة واألخوات‪ٌ -‬‬
‫يكون قل ًقا ول شاكًّا ول مرتا ًبا ‪ ،‬وهذه السكينة يسعد هبا اإلنسان ويزداد هبا اإليمان؛ ﭽ ﭬ ﭭ‬

‫ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭼ [الفتح‪ .]٦ :‬فذكر اهلل ول س َّيما تالوة القرآن‬


‫وسبب‬
‫ٌ‬ ‫وسبب لنزول السكينة يف القلوب‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫سبب لطمانينة القلوب‪،‬‬
‫فإهنا أعظم ذكر اهلل ‪-‬عز وجل‪ٌ -‬‬
‫أمر ُيصلح القلب ويكون له أعظم األثر يف القلب‪.‬‬
‫لغشيان الرحمة‪ ،‬وكل هذا ٌ‬

‫(‪ )٥‬أخرجه الرتمذي (‪ ،)3١٢٢‬كتاب‪ :‬الدعوات‪ ،‬باب‪ :‬حدثنا أبو موسى األنصاري‪ ،‬وصححه ووافقه الذهبي‪ ،‬وصححه األلباين يف‬
‫صحيح الجامع ( ‪ )34٨/٤‬وصحيح الرتمذي (‪.)٥٥٥/3‬‬
‫(‪ )٢‬أخرجه مسلم (‪ ،)٦٩٥3‬كتاب‪ :‬الذكر والدعاء والتوبة والستغفار‪ ،‬باب‪ :‬فضل الجتماع على تالوة القرآن‪ .‬من حديث أبي‬
‫هريرة ﭬ‪.‬‬
‫‪‬‬‫‪17‬‬ ‫‪ ‬أثرُ القُرآنِ في إصْالحِ القُلوبِ‬

‫وسائل إصالح المجتمع ودر الشباب بهذا الواجب ‪‬‬

‫فينبغي علينا ‪-‬أيها اإلخوة‪ -‬أن نحرص على أن نُكثر من تالوة كتاب ربنا وأن نجعل لخير‬
‫الكالم خير األوقات‪ ،‬ل ينبغي ‪-‬أيها اإلخوة‪ -‬أن نجعل لتالوة القرآن َّ‬
‫أقل أوقاتنا‪ ،‬أو األوقات التي‬
‫عظيما من وقتنا‪ ،‬فنتلوا كالم اهلل ونتدبر‬
‫ً‬ ‫ل نكون فيها فارغين؛ بل ينبغي أن نجعل لكالم ربنا ح ًّظا‬
‫كالم اهلل ونجعل قلوبنا تخشع صادق ًة لكالم اهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪.-‬‬

‫وبالجملة ‪-‬أيها الفضالء األخيار‪-‬؛ ا‬


‫إن الخير والنفع والصالح والسعادة يف الدنيا واآلخرة‪:‬‬
‫يف القرآن وتدبره‪ ،‬ولن تنتفع قلوبنا بأعظم من كالم ربنا ‪-‬سبحانه وتعالى‪.-‬‬
‫يقول اإلمام ابن القيم ‪" :$‬ل شيء أنفع للقلب من قراءة القرآن بالتدبر والتفكر؛ فإنه‬
‫يورث المحبة والشوق والخوف والرجاء واإلنابة والتوكل والرضا والتفويض والشكر والصرب‬
‫وسائر األحوال التي هبا حياة القلب وكماله"( )‪.‬‬
‫وكذلك يزجر عن جميع الصفات واألفعال المذمومة والتي هبا فساد القلب وهالكه‪ ،‬يقول‬
‫ابن القيم ‪" :$‬فلو عل م الناس ما يف قراءة القرآن بالتدبر لشتغلوا هبا عن كل ما سواها‪ ،‬فإذا قرأه‬
‫مرة‪ ،‬ولو ليل ًة كاملة"‪ ،‬فقراءة‬
‫كررها ولو مائة َّ‬
‫مر بآية هو محتاج إليها يف شفاء قلبه َّ‬
‫بتفكر حتى إذا َّ‬
‫القرآن بالتفكر هي ُ‬
‫أصل صالح القلب‪ ،‬ولهذا قال ابن مسعود ﭬ( )‪" :‬ل ت ُهذوا القرآن ه َّذ‬
‫وحركوا به القلوب‪ ،‬ول يكن هم أحدكم آخر‬ ‫ِّ‬
‫الشعر‪ ،‬ول تنثروه نثر الدَّ قل‪ ،‬وقفوا عند عجائبه ِّ‬
‫السورة" اهـ‪.‬‬

‫‪ (٥‬مفتاح دار السعادة ص ‪.٥٩٥‬‬

‫( رواه البيهقي يف شعب اإليمان ‪ ،3٦٦ /٥‬ويف سنن أبي داود ‪ ،٥٥ /٢‬أتى ابن مسعود رجل فقال‪ :‬إين أقرأ المفصل يف ركعة‪،‬‬
‫ونثرا كنثر الدقل؟ قال أبو سليمان الخطابي يف معالم السنن ‪" :٢٩3 /٥‬الهذ سرعة القراءة‪ ،‬وإنما عاب عليه‬
‫فقال‪ :‬أهذا كهذ الشعر ً‬
‫ذلك؛ ألنه إذا أسرع القراءة ولم يرتلها فاته فهم القرآن وإدراك معانيه"‪.‬‬
‫لفضيلة الشيخ سليمان الرحيلي‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪18‬‬

‫فصالحنا وخيرنا ‪-‬أيها اإلخوة‪ -‬بأن نتلوا كالم ربنا ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬متدبرين متفكرين‪،‬‬
‫خيرا و ُيثمر برك ًة و ُيثمر‬
‫صالحا و ُيثمر ً‬
‫ً‬ ‫خشوعا صاد ًقا يكون يف القلب ُيثمر‬
‫ً‬ ‫وأن نخشع لكالم ربنا‬
‫طمأنين ًة‪.‬‬

‫إن ََّمنَّأرادَّالصالحَّودعاَّإلىَّاإلصالحَّينبغيَّعليهَّأنَّيتمسكَّبكتابَّاهللَّ‪-‬سبحانهَّوتعالى‪َّ،-‬‬
‫َمسكهَّبكتابَّاهللَّأن ََّيتمسكَّبسنةَّالنبيَّ‪َّ.‬‬ ‫ِ‬
‫ومنَّت ُّ‬

‫وأفكار‬
‫ٌ‬ ‫وجماعات‬
‫ٌ‬ ‫أحزاب‬
‫ٌ‬ ‫واهلل ثم واهلل ثم واهلل لن ُيصلح قلوب األ َّمة ولن ُيصلح حال األ امة‬
‫ُيطلقها فالن وفالن؛ وإنما ُيصلح األ َّمة و ُيصلح قلوب األ َّمة‪ :‬لزوم كتاب اهلل ولزوم سنة رسول اهلل‬
‫‪ ‬بفهم سلف األ امة؛ فهذا هو طريق الصالح واإلصالح‪ ،‬ومن سلكه كان من المصلحين‪ ،‬ومن‬
‫تركه وقال سآوي إلى غيره يعصمني من الفتن‪ ،‬وقال سأكون من الجماعة الفالنية أو مع الحزب‬
‫ليكونن من‬
‫ا‬ ‫الفالين أو سآخذ بآراء فالن وفالن من دون كتاب اهلل وسنة رسول اهلل ‪‬؛ واهلل‬
‫المفسدين وليكون ان من الغارقين يف الفتن وليكون ان ممن يقو ُد األمة إلى الشر العظيم‪.‬‬

‫ِ‬
‫ينَّمصلحينَّفلنبدأ َّبأنفسنا؛ بأن نربطها بكتاب اهلل‬ ‫ِ‬
‫أنَّنكونَّصالح‬‫فإذا َّأردناَّ‪-‬أيهاَّاإلخوة‪َّ -‬‬
‫وسنة رسول اهلل ‪ ‬بخير فهم؛ بفهم األخيار‪ ،‬بفهم صحابة رسول اهلل ‪.‬‬

‫ثمَّلننقلَّذلكَّإلىَّبيوتناَّإلىَّزوجاتناَّإلىَّأبنائناَّإلىَّبناتنا؛ نع ِّلمهم الحرص على حفظ كالم‬


‫اهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪ ،-‬والحرص على تدبر كالم اهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪ ،-‬والحرص على العمل‬
‫بما يف كتاب اهلل ‪-‬عز وجل‪ ،-‬وأن نكون يف ذلك على منهج السلف الصالح ‪-‬رضوان اهلل عليهم‪.-‬‬
‫فإذا بنينا أسرتنا على هذا المنهج الرشيد اجتمعت األُس ُر على هذا الخير فتسعد البالد وتصلح‬
‫البالد واألحوال هبذا الطريق المستقيم‪.‬‬

‫فأسأل اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يرزقنا قلو ًبا سليمة‪ ،‬وأن ُيصلح‬

‫قلوبنا بكالمه ‪-‬سبحانه وتعالى‪ ،-‬وأن يجعل قلوبنا خاشع ًة له‪ ،‬منيب ًة له‪ِّ ،‬‬
‫موحد ًة له ‪-‬سبحانه‬
‫‪‬‬‫‪19‬‬ ‫‪ ‬أثرُ القُرآنِ في إصْالحِ القُلوبِ‬

‫وسائل إصالح المجتمع ودر الشباب بهذا الواجب ‪‬‬

‫وتعالى‪ ،-‬وأن يجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر‪ ،‬وأن يجعلنا رحم ًة على المثمنين‪ ،‬ورحم ًة على‬
‫البالد والعباد‪.‬‬

‫واهلل تعالى أعلى وأعلم‪ ،‬وصلى اهلل على نبينا وسلم‪.‬‬

‫‪‬‬

You might also like