You are on page 1of 44

1

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬

‫يسر موقع ميراث األنبياء أن يقدم لكم تسجيال لدرس يف شرح عقيدة اإلمامين‬

‫الرازيين التي رواها اإلمام عبد الرحمن بن حاتم الرازي ‪ -‬رحمهما اهلل ‪.-‬‬

‫ألقاه فضيلة الشيخ عبيد بن عبد اهلل الجابري ‪ -‬حفظه اهلل تعالى ‪ -‬يف مسجد‬

‫الرضوان بالمدينة النبوية‪.‬‬

‫نسأل اهلل ‪-‬سبحانه وتعالى – أن ينفع به الجميع ‪.‬‬

‫الدرس األول‬

‫إن الحمد هلل نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن‬

‫سيئات أعمالنا من يهده اهلل فال مضل له ومن يضلل فال هادي له‪ ,‬وأشهد أن‬

‫الإله إال اهلل وحده ال شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله‬

‫ين َآمنُوا ا َّت ُقوا ال َّلـ َه َح َّق ُت َقاتِ ِه َو َال ت َُموت َُّن إِ َّال َو َأنتُم ُّم ْس ِل ُم َ‬
‫ون ﴾‬ ‫ِ‬
‫﴿ َيا َأ ُّي َها ا َّلذ َ‬

‫‪2‬‬
‫احدَ ة َو َخ َل َق ِمن َْها ز َْو َج َها‬
‫﴿ يا َأيها النَّاس ا َّت ُقوا ربكُم ا َّل ِذي َخ َل َقكُم من َّن ْفس و ِ‬
‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫َ َّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُّ َ‬

‫ون بِ ِه َو ْاألَ ْر َحا َم إِ َّن ال َّلـ َه‬


‫ث ِمن ُْه َما ِر َجاال كَثِيرا َونِ َساء َوا َّت ُقوا ال َّلـ َه ا َّل ِذي ت ََسا َء ُل َ‬
‫َو َب َّ‬

‫َان َع َل ْيك ُْم َرقِيبا﴾‬


‫ك َ‬

‫ين َآمنُوا ا َّت ُقوا ال َّلـ َه َو ُقو ُلوا َق ْوال َس ِديدا ﴿‪ُ ﴾٠٧‬ي ْص ِل ْح لَك ُْم َأ ْع َمالَك ُْم‬ ‫ِ‬
‫﴿ َيا َأ ُّي َها ا َّلذ َ‬

‫َو َيغ ِْف ْر َلك ُْم ُذنُو َبك ُْم َو َمن ُيطِ ِع ال َّلـ َه َو َر ُسو َل ُه َف َقدْ َفا َز َف ْوزا َعظِيما ﴿‪﴾﴾٠٧‬‬

‫أما بعد‪...‬‬

‫فإن أصدق الكالم كالم اهلل‪ ,‬وخير الهدي هدي محمد – صلى اهلل عليه‬

‫وسلم‪ -‬وشر األمور محدثاتها‪ ,‬وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضاللة‪.‬‬

‫ثم أما بعد‪...‬‬

‫فأرحب بكم معاشر السامعين من المسلمين والمسلمات‪ ,‬يف أول لقاء ألتقيكم‬

‫فيه ‪ ,‬مع هذه الرسالة صغيرة الحجم وكبيرة الفائدة‪ ,‬عظيمة النفع‪ ,‬لدى كل ذي‬

‫‪3‬‬
‫عقيدة صحيحة ومنهج مستقيم‪ ,‬سالكا سبيل سيد المرسلين والمؤمنين محمد‬

‫– صلى اهلل عليه وسلم – عقيدة الرازيين‪.‬‬

‫وأسأل اهلل أن تكون هذه الجلسات مباركة علي وعليكم‪ ,‬وقبل أن أبدأ بشرح‬

‫ما يفتح اهلل به علي من فهم هذه العقيدة وقد جعلتها على شكل مسائل تسهيال‬

‫علي وعليكم‪ ,‬رأيت أن أقدم مقدمة بين يدي هذا الشرح فأقول مستعينا باهلل‪:‬‬

‫املقدمة ‪:‬‬

‫أوال‪:‬الغرابة أن يسأل اإلمام الحافظ المحدث أبو محمد عبد الرحمن بن‬

‫محمد المعروف بابن أبي حاتم أباه وأبا ُزرعة الرازيين ‪ -‬رحمهما اهلل ‪-‬هذه‬

‫الثالثة األسئلة التي ستسمعونها بعد هذه المقدمة‪ ,‬وإيضاح كشف هذه الغرابة‬

‫عند من يستغرب ذلك‪ ,‬إما لق ّلة فهمه أو لتلبيس عليه هون يف نف ِ‬


‫سه دراسة ِ‬
‫مثل‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬

‫الرسالة أو ألسباب أخرى أمور‪:‬‬


‫هذه ِّ‬

‫‪4‬‬
‫الرسالة وما سبقها ِم َّمن سمعتُموه من أهل العلم وسوف‬
‫أن هذه ّ‬
‫األول‪ّ :‬‬
‫األمر َّ‬

‫وأساسه وهو‬
‫ُ‬ ‫هتمت بهذا الجانب ألنّه أصل الدِّ ين‬
‫تسم ُعونه ‪-‬إن شاء اهلل‪-‬ا َّ‬

‫الرساالت اتّف َقت على الدّ عوة إليه جميع النُّبوات بدءا من نوح ّأول ُّ‬
‫الرسل‬ ‫زُبدة ِّ‬

‫إلى محمد خات َِمهم‪-‬عليهم الصالة والسالم‪ -‬أجمعين وهاكُم بعض ِ‬


‫األد ّلة‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ُ ّ‬

‫‪ّ ‬أوال‪ :‬من كتاب ر ِّبنا التنزيل الكريم الذي‪َّ ﴿ :‬ال َي ْأتِ ِيه ا ْل َباطِ ُل ِمن َب ْي ِن َيدَ ْي ِه‬

‫يل ِّم ْن َحكِيم َح ِميد﴾‪.‬‬ ‫َو َال ِم ْن َخ ْل ِف ِه ت ِ‬


‫َنز ٌ‬

‫ُوحي إِ َل ْي ِه َأ َّن ُه َال إِ َلـٰ َه إِ َّال َأنَا‬


‫ك ِمن رسول إِ َّال ن ِ‬
‫َّ ُ‬ ‫قال تعالى‪َ ﴿ :‬و َما َأ ْر َس ْلنَا ِمن َق ْب ِل َ‬

‫َفا ْع ُبدُ ِ‬
‫ون﴾‪.‬‬

‫اجتَن ِ ُبوا‬ ‫ِ‬


‫وقال تعالى‪َ ﴿ :‬و َل َقدْ َب َع ْثنَا في ك ُِّل ُأ َّمة َّر ُسوال َأ ِن ا ْع ُبدُ وا ال َّلـ َه َو ْ‬

‫ال َّطا ُغ َ‬
‫وت﴾‪.‬‬

‫مما أنزله إلينا عن طريق نب ّينا محمد‪ -‬ص ّلى اهلل عليه‬ ‫طابنا‬ ‫وقال تعالى يف ِ‬
‫خ‬
‫َّ‬

‫ك َأ َّال َت ْع ُبدُ وا إِ َّال إِ َّيا ُه َوبِا ْل َوالِدَ ْي ِن إِ ْح َسانا﴾‪.‬‬


‫وس ّلم‪َ ﴿:-‬و َق َض ٰى َر ُّب َ‬

‫‪5‬‬
‫تأمال هذه اآليات وما يف معناها من آي التنزيل الكريم وهو أشهر من‬
‫فمن كان ُم ِّ‬

‫أن أصل هذا الدِّ ين وهو دين اإلسالم الذي‬


‫أن يذكر وأكثر من أن يحصر تبين له ّ‬

‫ما بعث اهلل نبِيا وال رسوال إلى العب ِ‬


‫اد بدين سواه أصله أمران‪:‬‬ ‫َ‬

‫األول‪ :‬الدّ عوة إلى عبادة اهلل وحده والتحريض على ذلك والمواالة‬
‫‪ ‬األمر ّ‬

‫فيه وتكفير من تركه‪.‬‬

‫محض ح ِّقه فال حظ فيها ال‬


‫ُ‬ ‫‪ ‬وال ّثاين‪ :‬التّحذير من ِّ‬
‫الشرك يف عبادة اهلل وأنّها‬

‫الصالة‬
‫والسالم‪-‬وال لنبي مرسل‪ -‬عليهم ّ‬
‫الصالة ّ‬ ‫لم َلك ُم ّ‬
‫قرب ‪-‬عليهم ّ‬

‫الشرك‪ -‬والت ُ‬
‫َّغليظ يف‬ ‫ُ‬
‫والتغليظ يف ذلك يعني‪ -:‬يف التحذير من ِّ‬ ‫والسالم‪-‬‬
‫ّ‬

‫ذلك والمعاداة فيه وتكفير من فعله‪ ,‬ولعله يأتي مزيد تفصيل يف ثنايا ما‬

‫ُيعرض من مسائل هذه الرسالة إن شاء اهلل تعالى‪.‬‬

‫‪ ‬األمر الثاين‪ :‬أن األنبياء – عليهم الصالة والسالم‪ -‬دينهم واحد‪ ,‬ويف السنة‬

‫اء أوالد لِ َع َّالت ديننا واحد وأمهاتنا شتى ))‪.‬‬


‫اشر األَ ْنبِي ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫الصحيحة ((إِنَّا َم َع َ‬

‫‪6‬‬
‫وأخرج أحمد وغيره من حديث أنس –رضي اهلل عنه‪ -‬قال ‪ :‬قال رسول اهلل‪-‬‬

‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ (( -‬يا ُأبي إِ َّن اهللَ َأ َم َرنِي َأ ْن َأ ْق َر َأ َع َل ْي َ‬


‫ك ا ْل ُق ْر َ‬
‫آن قال‪:‬‬

‫َو َس َّمانِي َل َ‬
‫ك يارسول اهلل‪ ,‬قال‪ :‬نعم قال‪ :‬وذكرت عند رب العالمين‪ ,‬قال‪:‬‬

‫نعم‪ ,‬فبكى ُأبي‪-‬رضي اهلل عنه‪ ,-‬فقرأ رسول اهلل‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪))-‬‬

‫ِ‬ ‫ين َك َف ُروا ِم ْن َأ ْه ِل ا ْلكِت ِ‬ ‫﴿ َلم يك ِ ِ‬


‫َاب َوا ْل ُم ْشرِك َ‬
‫ين﴾[البينة ‪ ]٧ :‬وفيها إن الدين‬ ‫ُن ا َّلذ َ‬ ‫ْ َ‬

‫عند اهلل‪ :‬الملة الحنيفية المسلمة ال اليهودية وال النصرانية‪ ,‬وال المجوسية وال‬

‫المشركية إلى آخرها‪ ,‬وقد كان هذا ضمن آيات‪ ,‬تلكم السورة لكنها نسخت‬

‫تالوتها وبقي حكمها‪ ,‬وهذا إن شاء اهلل يأتي حينما تفتتح يف هذا المسجد مادة‬

‫أصول التفسير‪ ,‬فبان بهذا بطالن القول إن اليهودية والنصرانية ديانات سماوية‬

‫كما أن اإلسالم دين سماوي واهلل وباهلل وتاهلل ال يصدر هذا إال عن صنفين من‬

‫الناس‪:‬‬

‫‪7‬‬
‫‪ ‬أحدهما‪ :‬الجاهل الذي ينطق بما يسمع وال يعي كونه يردد كما يتردد‬

‫مع المتكلمين بين الجبال صوته‬

‫ٌ‬
‫مضل صاحب هوى شمر عن ساعد الجد للتقريب بين‬ ‫‪ ‬الثاين ‪ :‬أو ٌ‬
‫ضال‬

‫دين اهلل الحق الذي اتفقت عليه كل الرساالت وبين الباطل من ملل‬

‫اليهود والنصارى وغيرهم‪ ,‬فيجب الحذر على المسلمين والمسلمات‬

‫ممن يرفع عقيرته بهذه الدعوى‪ ,‬ألنه إما جاهل بدعوة النبي‪-‬صلى اهلل‬

‫عليه وسلم‪ -‬ودعوة السابقين له من األنبياء والرسل – عليهم الصالة‬

‫والسالم – أو كذاب مفتر‪.‬‬

‫‪ ‬األمر الثالث‪ :‬أن العناية بهذا الباب والوصية به وصى بها األنبياء ذريتهم‬

‫يم َبن ِ ِيه‬ ‫ِ‬


‫مع سائر أممهم ألم تقرأوا قول اهلل ـ عزوجل ـ ‪َ ﴿ :‬و َو َّص ٰى بِ َها إِ ْب َراه ُ‬

‫ين َف َال ت َُموت َُّن إِ َّال َو َأنتُم ُّم ْس ِل ُم َ‬ ‫ِ‬


‫ون﴾‬ ‫وب َيا َبن َّي إِ َّن ال َّلـ َه ْ‬
‫اص َط َف ٰى لَك ُُم الدِّ َ‬ ‫َو َي ْع ُق ُ‬

‫إبراهيم أبو األنبياء ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ـ‪-‬الذي ُأمر نبينا ‪ -‬صلى اهلل عليه‬

‫‪8‬‬
‫يم َحنِيفا﴾ يف آيات‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك َأ ِن ا َّتبِ ْع م َّل َة إِ ْب َراه َ‬
‫وسلم ‪ -‬أن نتبع ملته ﴿ ُث َّم َأ ْو َح ْينَا إِ َل ْي َ‬

‫أخر‪ ,‬ألم تقرأوا قوله تعالى‪ :‬وهو يشنع على اليهود والنصارى الذين يدعون‬

‫أنهم على ملة إبراهيم كذبا وزورا وبهتانا ‪ ,‬وكذلك قريش تقليد لليهود‬

‫والنصارى يف هذه الدعوة هم عبدة أوثان حين ُبعث رسول اهلل ـ‪-‬صلى اهلل‬

‫وب ا ْل َم ْو ُت إِ ْذ َق َال لِ َبن ِ ِيه َما‬


‫عليه وسلم ‪ -‬إليهم ﴿ َأ ْم كُنت ُْم ُش َهدَ ا َء إِ ْذ َح َض َر َي ْع ُق َ‬

‫يل َوإِ ْس َح َ‬ ‫اهيم وإِسم ِ‬


‫ِ‬ ‫ك َوإِ َلـٰ َه آ َبائِ َ‬
‫ون ِمن َب ْع ِدي َقا ُلوا َن ْع ُبدُ إِ َلـ َٰه َ‬
‫اق‬ ‫اع َ‬ ‫ك إِ ْب َر َ َ ْ َ‬ ‫َت ْع ُبدُ َ‬

‫إِ َلـٰها و ِ‬
‫احدا َون َْح ُن َل ُه ُم ْس ِل ُم َ‬
‫ون﴾‬ ‫َ‬

‫‪ ‬األمر الرابع‪ :‬أن جميع أئمة العلم واإليمان والدين من هذه الملة المباركة‬

‫ملة التوحيد والسنة كلهم أوصى بهذا‪ ,‬فأحيانا تكون الوصية والحض‬

‫والتحريض بناء على سؤال كما يف هذه الرسالة‪ ,‬وأحيانا بدافع الحال يرى‬

‫عالما أو إماما من األئمة حاجة الناس إلى الفقه يف دين اهلل عامة ورأسه فقه‬

‫االعتقاد‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫وبعد هذه المقدمة على بركة اهلل ندعو قارئنا فليقرأ‪.‬‬
‫قال احلافظ أبوالقاسم هبة اهلل بن احلسن بن منصور الطربي الرازي الاللكائي‬
‫املنت‪:‬اهلل وغفر له ولشيخنا وللحضور‪:‬‬
‫رمحه‬
‫أخربنا أبو زيد الشامي قراءة عليه قال‪ :‬أخربنا الشيخ أبوطالب عبد القادر بن‬
‫وصحبه‬ ‫وعلى آله‬
‫أمسع فأقر به‬ ‫عليهنبيهوهواألمين‬
‫يسمع وأنا‬ ‫قراءةعلى‬
‫والسالم‬
‫والصالةيوسف‬
‫العالمينحممد بن‬
‫ربالقادر بن‬
‫الحمدبنهللعبد‬
‫حممد‬
‫قال‪ :‬أخربنا الشيخ أبو اسحاق إبراهيم بن عمر بن أمحد الربمكي‪-‬رمحه اهلل تعاىل‬
‫أجمعين أما بعد‪:‬‬
‫‪ -‬قال‪ :‬حدثنا أبواحلسن على بن عبد العزيز بن مردك بن أمحد بن الربضعي قال‪:‬‬
‫أخربنا أبوحممد عبد الرمحن بن أيب حامت ـ أسعده اهلل ورضي عنه ـ قال‪ :‬سألت‬
‫أيب وأبا ُزرعة عن مذاهب أهل السنة يف أصول الدين وما أدركا عليه العلماء يف‬
‫مجيع األمصار وما يعتقدان من ذلك‪.‬‬

‫الشرح‪:‬‬

‫‪ ‬أوال‪ :‬تتضمن هذا العرض السند‪ ,‬سند هذه الرسالة إلى كاتبها وهو عبد‬

‫الرحمن بن محمد بن إدريس المعروف بابن أبي حاتم وحينما يفر ُغ من‬

‫يترجم لهؤالء الثالثة‪ ,‬الحافظ عبد الرحمن‪,‬‬


‫ُ‬ ‫الكتاب سنكلف من أبنائنا من‬

‫ووالده‪ ,‬وأبوزرعة – إن شاء اهلل تعالى ‪ -‬ترجمة مختصرة ُيفيدُ منها القارىء‬

‫ولعلها تقرأ يف هذا المسجد إن شاء اهلل تعالى‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫‪ ‬ثانيا‪ :‬استمعتم إلى ثالثة أسئلة كلها مهمة ‪:‬‬

‫‪ ‬األول‪ :‬سؤال عبد الرحمن أبا ُه وأبا زرعة الرازيين عن مذاهب أهل‬

‫السنة يف أصول الدين؟‬

‫عن مذاهب أهل السنة يعني عامة يف أصول الدين ‪ ,‬وذلكم ألن هذا الباب‬

‫هو الذي كثر فيه النزاع واشتدت فيه الخصومة بين أهل السنة ومخالفيهم‬

‫من أهل البدع على اختالف مذاهبهم ومشاربهم من جهمية ومعتزلة‬

‫وأشاعرة و ُكالبية وغيرهم ‪ ,‬فالبد من البيان والكشف عن الحق ‪.‬‬

‫‪ ‬السؤال الثاين‪ :‬ما الذي أدركه هذان اإلمامان‪ ,‬ماعقيدتهم؟ ما‬

‫مذهبهم؟ بأي شيء يدينون هلل ‪ -‬عزوجل ‪-‬؟ ما مكانة هذا الباب‬

‫عندهم؟‬

‫‪ ‬الثالث ‪ :‬ماذا يعتقدان؟‬

‫فمهمة السؤال األول‪ :‬تأتي من ِ‬


‫حب الشيخ عبد الرحمن الحافظ المحدث‬

‫‪11‬‬
‫معرفة من حوله من أهل األقطار‪ ,‬ومن يمكنه الوصول إليهم‪ ,‬ويمكنهم‬

‫الوصول إليه‪ ,‬إما مباشرة وإما بواسطة حتى يكون على بينة‪ ,‬يعرف من خاللها‬

‫أهل السنة ومخالفيهم‪ ,‬ف ُيعدُ العدة لمقابلة أهل السنة والفضل والتقى والصالح‬

‫بما يناسبهم من محبة يف ذات اهلل والذب عن أعراضهم واألخذ عنهم‪.‬‬

‫ومهمة السؤال الثاين‪ :‬أنه أحب أن يعرف عقيدة هذين الشيخين حتى لو‬

‫تعرض له معترض وإذا به يرد وقد أسلفنا قول يعقوب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‬

‫‪ -‬لبنيه ما تعبدون من بعدي؟‬

‫سبب كتابته ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬عن والده والرازي اآلخر‬


‫هذه الثالث األسئلة وهي ُ‬

‫‪ -‬رحم اهلل الجميع ‪ -‬هذه الرسالة وبثها يف الناس‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫املنت‪:‬‬

‫فقال أدركنا العلماء يف مجيع األمصار حِجازًا وعِراقًا ومصرًا وشامًا ومينا‬
‫فكان من مذهبهم‪:‬‬
‫أن اإلميان قولٌ وعمل يزي ُد وينقص‪.‬‬

‫الشرح‪:‬‬

‫بدأ الجواب فتأملوا قولهما‪ ,‬أدركنا العلماء‪ ,‬وذكروا أربعة أقطار مهمه يف ذاك‬

‫الوقت تكثر الرحالت إليها‪ ,‬الشام والعراق ومصر واليمن والحجاز خمسة‬

‫أقطار هي محط أنظار الناس ورحالتهم‪ ,‬فكان العالم وطالب العلم ينتابون هذه‬

‫األقطار ويرتدونها فالعالم يكتسب شيئين‪:‬‬

‫‪ ‬األول‪ :‬زيارته إخوانه أهل العلم والفضل يف تلكم األقطار الخمسة يف‬

‫ذات اهلل‪.‬‬

‫‪ ‬والثاين‪ :‬األخذ عنهم فقد يكون موافقا لما عنده فيقوى ظهره به ويشتد‬

‫نما معرفته وإزداد حصيلة علمية لم تكن‬


‫أزره‪ ,‬وقد يكون زائدا وكذلك َّ‬

‫‪13‬‬
‫عنده ‪.‬‬

‫أمر ثالث‪ :‬وهو أن هذا العالم يتيح له علماء األقطار اللقاء بطالبه‬
‫‪ ‬وثمة ٌ‬

‫فيحدثهم وقد يجلسون إليه مع طالبهم ال يستنكف عالم أن يجلس إلى‬

‫من هو دونه ومثله فضال عن من كان فوقه مرتبة علمية‪.‬‬

‫رحم بين أهله "‬


‫فالقاعده أوالمثل " العلم ٌ‬

‫يأخذ عن أهل أولئِك األقطار ويضمه إلى حصيلته التي‬


‫وأما الطالب‪ :‬فهو ُ‬

‫تحصل عليها من شيوخه يف قطره فمع مرور الزمن يكون عالما‪ ,‬يفيدُ منه أهل‬

‫قطره وقد يخلفهم وهاهنا يف الحقيقة أعرض شيئين‪:‬‬

‫‪ ‬األول‪ :‬وصية من إمام علم من أئِمة أهل اإلسالم والسنة عامة ومن أئِمة‬

‫المدينة ‪ ,‬إمام دار الهجرة ‪ ,‬اإلمام مالك ‪ -‬رحمه اهلل ‪" :-‬قال ما أفتيت‬

‫حتى أ ِذن لي سبعون من مشايخي" قالوا ولولم يأذنوا لك " قال‪ :‬ما‬

‫ٌ‬
‫لتلميذ لهم يف الدرس‬ ‫أفتيت " قالوا‪ :‬كانوا قديما إذا أرادوا أن يأذنوا‬

‫‪14‬‬
‫يختبرونه ويشددون عليه يف األسئلة ويحددون له المكان الذي ُيعلم‬

‫الناس فيه‪ ,‬هذا كله حتى يعلموا أنه خلفهم أو أنه عاونهم خلفهم‬

‫بعدهم‪ ,‬بعد رحيلهم أوعاونهم وكان جديرا بذلك‪.‬‬

‫‪ ‬وأما اآلخر فهو ‪ :‬فهو مقولة إرجافية وهي من إفراز قاعدة المعذرة‬

‫والتعاون وتلكم المقولة" ال عليك خذ العلم من كل أحد " هذه‬

‫القاعدة على إطالقها فاسدة بل األصل أن المبتدئ والمتوسط يطلب‬

‫العلم الشرعي عن أهل السنة‪ ,‬فإذا نضج واستوى واكتمل وحصل من‬

‫العلم ما يؤهله للتعليم ويحصنه من آفات البدع واألهواء واضطر إلى‬

‫علم ال يمكن الوصول إليه إال لدى صاحب هوى أخذه فقط‪ ,‬مع التفطن‬

‫إلى ما يبثه من سموم فكره المنحرف الملطخ بالبدع والمحدثات‪.‬‬

‫وهاهنا كذلك قاعدة أخرى وهي " نقبل الحق ممن جاء به " نقول نعم‬

‫فنحن طلبة حق وسعا ٌة إليه بكل ما نملك السعي الحديث لكن‬


‫ُ‬ ‫هذه قاعد ٌة‬

‫‪15‬‬
‫عندنا تفصيل‪ ,‬وهو أن الطريق للوصول إلى هذا الحق طريقان‪:‬‬

‫أحدهما‪ :‬طريق الطلب واألخذ والتلقي المحض وهذا ال يكون إال عن‬

‫صاحب سنة والضرورة قد أسلفت لكم المثال ‪.‬‬

‫الثاين‪ :‬طريق اإلطالق واالستماع بال حدود وهذا خطأ فإن قبل أن نتلقى من‬

‫الرجل نعرف ما عنده‪.‬‬

‫ٌ‬
‫طريق ثالثة‪ :‬وهي الموافقة وإيضاحها أن ما ير ُد علينا ال يخلو من حالين‬ ‫وثمة‬

‫بعد عرضه على ميزانيين‪:‬‬

‫النص واإلجماع فما وافقهما أخذناه ال طلبا‪ ,‬بل ألنه وافق ما‬
‫األول ‪ :‬وهما ُ‬

‫عندنا من كتاب ربنا وسنة نبينا ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وعلى وفق فهم‬

‫السلف الصالح‪.‬‬

‫والثاين‪ :‬الذي نرده وهو ما خالف نصا أو إجماعا فهذا نرده وإن كان ما وفد‬

‫صاحب سنة ألن المقصود التربية والتصفية‪.‬‬


‫ُ‬ ‫إلينا عنه‬

‫‪16‬‬
‫تعليم الناس دين اهلل الحق الذي أساسه التوحيد ثم سائر الطاعات‬
‫ُ‬ ‫فالتربية هي‬

‫من فرائض ونوافل‪ ,‬والتحذير من الشرك ثم من بعد سائر المعاصي صغائر‬

‫وكبائر ومنها البدع والمحدثات‪ ,‬هذه التربية والتصفية‪.‬‬

‫فالتربية‪ :‬تعليم‬ ‫‪‬‬

‫والتصفية‪ :‬تحذير‬ ‫‪‬‬

‫التصفية‪ ,‬ويمكن ضبطها بأنها الحيلولة بين المسلمين وما يكدر عليهم دينهم‬

‫الحق‪ ,‬إما منافاة ومضادة كلية الشرك والكفر وجحود ما هو معلوم فرضه من‬

‫الدين بالضرورة‪ ,‬أواستحالل ما هو تحريمه من الدين بالضرورة ـ أوينايف‬

‫كماله‪ ,‬فإن المعاصي تسلب كمال اإليمان إال إذا استحلها المرء ولعل هذا يأتي‬

‫له ٌ‬
‫بسط وقد ُبسط لكن ال مانع أن يأتي له بسط لمناسبة يف ثنايا هذه الرسالة إن‬

‫شاء اهلل تعالى ودليل التربية والتصفية كثيرة جدا وأسوق لكم ثالثة أحاديث‪:‬‬

‫الحديث األول ‪ :‬حديث عبد اهلل بن عمرو بن العاص ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ -‬عن‬

‫‪17‬‬
‫َان َح ًّقا َع َل ْي ِه َأ ْن‬
‫النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم – قال ((إِ َّن ُه َل ْم َيك ُْن َنبِ ُّي َق ْب ِلي إِال ك َ‬

‫َيدُ َّل ُأ َّم َت ُه َع َلى َخ ْيرِ َما َي ْع َل ُم ُه َل ُه ْم َو ُين ِْذ َر ُه ْم َش َّر َما َي ْع َل ُم ُه َل ُه ْم َوإِ َّن ُأ َّمتَك ُْم َه ِذ ِه‬

‫ور ُتنْكِ ُرون ََها)) الحديث‬ ‫ِ‬


‫يب آخ َر َها َب َال ٌء َو ُأ ُم ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُجع َل َعاف َيت َُها في َأ َّول َها‪َ ,‬و َس ُيص ُ‬

‫أخرجه أحمد ومسلم عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة من حديث عبد اهلل‬

‫بن عمرو بن العاص ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ -‬وله قصة‪.‬‬

‫الحديث الثاين‪ :‬أخرجه مسلم يف مقدمة صحيحه والبغوي وحسنه من حديث‬

‫ُون‬
‫أبي هريرة ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬عن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال(( َس َيك ُ‬

‫آخرِ ُأ َّمتِي أقوا ٌم ُي َحدِّ ُثو َنك ُْم بِ َما َل ْم ت َْس َم ُعوا َأ ْنت ُْم َوال آ َباؤُ ك ُْم ‪َ ,‬فإِ َّياك ُْم‬
‫فِي ِ‬

‫َوإِ َّي ُ‬
‫اه ْم)) أليس يف هذا يا معاشر المسلمين تحذير بليغ من النبي ‪ -‬صلى اهلل‬

‫عليه وسلم ‪ -‬ما أظن عاقال إال يقول بلى‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫ين َخ ِل ِيل ِه َف ْل َينْ ُظ ْر َأ َحدُ ك ُْم َم ْن ُيخَ الِ ْل)) هذا الحديث‬
‫الثالث‪(( :‬ا ْل َم ْر ُء َع َلى ِد ِ‬

‫وهو بمجموع طرقه ال يقل عن الحسن إن شاء اهلل تعالى ولم أتمكن من عرض‬

‫ولو بعض طرقه عليكم لضيق الوقت‪ ,‬التحذير من صنفين من الناس‪:‬‬

‫‪ ‬الصنف األول‪ :‬الجاهل الذي اليملك أهلية من العلم الشرعي‪ ,‬تأهله إلى‬

‫أن يعلم الناس دين اهلل الحق من الكتاب والسنة وفهم السلف الصالح‪,‬‬

‫وقد يكون ذا ثقافة عالية يف الطب‪ ,‬أوالكمياء‪ ,‬أوغير ذلك‪ ,‬لكن أزه من‬

‫أزه‪ ,‬ونفخه من نفخه ‪ ,‬فرفعوه حتى جعلوه داعية إلى اهلل‪ ,‬وهو أضل من‬

‫حمار أبيه وأمه يف هذا الباب‪ ,‬فيأتي باألحاديث الموضوعة‪ ,‬والقصص‪,‬‬

‫وتراهات الصوفية‪.‬‬
‫والحكايات‪َّ ,‬‬

‫‪ ‬الثاين‪ :‬الضال المضل صاحب الهوى‪ ,‬وقد يكون عنده علم غزي ٌز لكنه‬

‫نبذه وراء ظهره‪ ,‬لما تملك قلبه من الهوى‪ ,‬وغش الناس خواصهم‬

‫وعوامهم وشمر عن ساعد ِ‬


‫الجد يف حرف الناس عن دين اهلل –‬

‫‪19‬‬
‫عزوجل‪ -‬إما بالكل وإما بالجزء‪.‬‬

‫وثمة صنف ثالث‪ :‬وهم قوم عندهم علم شرعي‪ ,‬لكنهم فصلوا‬
‫َّ‬

‫تخصاصتهم عن فهم السلف الصالح فقذفوا يف أوساط طالب العلم ‪,‬‬

‫ومن يحضر لهم قواعد وأصول فاسدة‪.‬‬

‫هؤالء ثالثة أصناف يجب الحذر منهم ألنهم يفسدون على الناس دينهم‬

‫ويضلونهم وأما وصايا العلماء فمنها قول ابن عباس – رضي اهلل عنهما‪:‬‬

‫" تحدث البدعة يف المشرق أوالمغرب فيحملها الرجل إلي فإذا انتهت‬

‫إلي قمعتها بالسنة" إذا بطل قول من يرفع عقيرته مالكم والردود؟! فرقتم‬
‫َّ‬

‫الناس‪.‬‬

‫يف صحيح البخاري حديث طويل حديث جابر – رضي اهلل عنه‪" -‬محمدٌ‬

‫فرق بين الناس" ويف رواية‪َّ ":‬فرق بين الناس"‪ .‬قال الحافظ يف الفتح قال‬

‫الحافظ – رحمه اهلل – كما يف الفتح ‪ ":‬وكالهما متجه" فلماذا تنقمون‬

‫‪20‬‬
‫علينا حينما نرد على فالن وفالن؟ قالوا ‪ :‬التصرح باسمه قلنا‪ :‬السلف‬

‫يصرحون‪.‬‬

‫وإذا سلمنا لكم لماذا تنقمون علينا تصريحنا؟ إذا كان لكم سلف أنتم ولو كانوا‬

‫قلة يف عدم التصريح لماذا تنقمون علينا؟! لماذا تقولون‪ :‬لكم سلف ونحن لنا‬

‫سلف فتتوسطون ‪ ,‬تابع‪.‬‬

‫اإلميان قو ٌل وعمل يزيدُ وينقص‪.‬‬

‫نعم اإليمان قول وعمل هذه هي المسألة األولى أول مسائل هذه الرسالة بدأ‬

‫الشيخان اإلمامان الحافظان المحدثان ‪ -‬رحمهم اهلل ‪ -‬ورحم من مضى من‬

‫أئمتنا وعلمائنا الدعاة إلى بصيرة‪ ,‬الدعاة إلى اهلل على بصيرة‪ ,‬وحفظ من كان‬

‫حيا وإياكم وإيانا باإلسالم‪ ,‬والسنة يف الحياة الدنيا‪ ,‬ويف اآلخرة؛‬

‫فاإليمان ‪ :‬هو أصل األصول ‪,‬وقد تقدم ؛ فال دين؛ بل العمل صغيرا كان‪ ,‬أو‬

‫كبيرا دون اإليمان‪ ,‬اإليمان قول وعمل وهذه إحدى العبارتين‪ ,‬اإليمان قول‬

‫‪21‬‬
‫وعمل‪ ,‬يزيد بالطاعة وينقص؟‬

‫القارئ قال‪ :‬إن اإلميان قولٌ وعمل يزيدُ وينقص‪.‬‬

‫يزيد وينقص ‪ ,‬يزيد وينقص يزيد بماذا؟ بالطاعات من فرائض ونوافل‪,‬‬

‫اإليمان قول وعمل يزيد وينقص‪.‬‬

‫فالقول قوالن‪ :‬قول اللسان‪ ,‬وقول القلب‪.‬‬

‫فقول اللسان‪ :‬أساسه بل أساس الدين كله النطق بالشهادتين‪ ,‬فهما كذلك‬

‫مفتاح الدخول يف اإلسالم أساس الدين فمن لم ينطقهما من غير المسلمين لم‬

‫يكن مسلما وإن صلى وصام وحج أيضا نحن قد نفترض أشياء مستحيلة‪,‬‬

‫وزكى وبرالوالدين ووصل الرحم كل أعماله باطلة‪ ,‬إذا بلغته الرسالة‪ ,‬الرسالة‬

‫المحمدية ولم يستجب‪ ,‬ويتبع الشهاديتين كل قول حسن‪ ,‬وأعظمه القرآن‬

‫وكذلك التسبيح‪ ,‬والتهليل‪ ,‬والتكبير‪ ,‬والنصحية‪ ,‬وهذا هو قول اللسان‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫وقول القلب‪ :‬هو نيته عزيمته على فعل األوامر وترك النواهي وهاكم مثاال‬

‫ألستم تستعدون للصالة وعازمون عليها – إن شاء اهلل‪ -‬هذا هو قول قلوبكم‬

‫ٌ‬
‫مفروض عليك أومسنون وكذلك أن‬ ‫هذا هو قول القلب اعتقادك أن هذا العمل‬

‫عمل آخر محر ٌم عليك أومكروه هذا قول قلبك‪.‬‬

‫والعمل عمالن‪:‬‬

‫عمل القلب‪ :‬نعم وهو حركته‪ ,‬القلب فيه عزيمة ‪,‬وفيه عمل حركة‪ ,‬أنت تعتقد‬

‫أن هذا العمل مشروع هذا قول القلب‪ ,‬وتحرك قلبك‪ ,‬و كونك ترقب هذا‬

‫العمل بقلبك تتشوف إليه هذا هو عمل‪.‬‬

‫وعمل الجوارح ‪ :‬هذا معروف ‪.‬‬

‫هذه إحدى عبارتي أهل السنة‪ ,‬ولهم عبارة أخرى ‪:‬‬

‫"هو القول باللسان واالعتقاد بالقلب والعمل بالجوارح يزيد بالطاعة وينقص‬

‫بالمعصية" نعم‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫فمن اقتصر على تعريف الشيخين‪ ,‬وهما ليس بدعا فيه اختصر‪ ,‬ومن مشى على‬

‫العبارة الثانية بسط هذا محمود المشاحة فيه المعنى واحد يعني ليس هناك‬

‫منافاة بين البسط واالختصار‪.‬‬

‫والقول يزيد بالطاعة‪ ,‬اإليمان بضع نعم يزيد بالطاعات وينقص بالمعصية‪.‬‬

‫يزيد بالطاعات وحد اإليمان عند أهل السنة دليله من الكتاب الكريم آيات‬

‫كثيرة‬

‫ت‬ ‫ين إِ َذا ُذكِ َر ال َّلـ ُه َو ِج َل ْ‬


‫ت ُق ُلو ُب ُه ْم َوإِ َذا ت ُِل َي ْ‬ ‫منها قوله تعالى‪﴿ :‬إنَّما ا ْلم ْؤ ِمن َ ِ‬
‫ُون ا َّلذ َ‬ ‫َ ُ‬

‫الص َال َة َو ِم َّما‬


‫ون َّ‬
‫يم َ‬ ‫ون ا َّل ِذ ِ‬
‫ين ُيق ُ‬
‫َ‬ ‫يمانا َو َع َل ٰى َر ِّب ِه ْم َيت ََو َّك ُل َ‬
‫َع َل ْي ِه ْم َآيا ُت ُه زَا َدت ُْه ْم إِ َ‬

‫ات ِعندَ َر ِّب ِه ْم َو َمغ ِْف َر ٌة‬ ‫ك ُه ُم ا ْل ُم ْؤ ِمن َ‬


‫ُون َح ًّقا َّل ُه ْم َد َر َج ٌ‬ ‫ون ﴿‪ُ ﴾٣‬أو َلـٰئِ َ‬
‫َاه ْم ُي ِنف ُق َ‬
‫َر َز ْقن ُ‬

‫َو ِرز ٌْق َكرِ ٌ‬


‫يم ﴿‪﴾﴾٤‬‬

‫‪24‬‬
‫الشاهد ﴿ َو ِج َل ْ‬
‫ت ُق ُلو ُب ُه ْم ﴾ هذا الشاهد حينما يسمعون آيات الذكر الحكيم‬ ‫ّ‬

‫والسرور جمع‬
‫وجل ومن الوعد ينتَابها الفرح ُّ‬
‫تُتلى‪ ,‬قلوبهم من الوعيد ُيصيبها َ‬

‫والرجاء‪ ,‬والزيادة‪:‬‬
‫اهلل لهم بين الخوف َ‬

‫ُ‬
‫حدث يف قلوبهم وجل‬‫أوال‪ :‬إذا ذكر اهلل وجلت قلوبهم ‪ُ ,‬ذكر اهلل‪ِ ,‬ذكر اهلل ُي‬

‫سرون ويفرحون ‪ ,‬وعند‬


‫وهذا عمل القلب ولكن تظهر آثاره فهم عند الوعد ُي ُّ‬

‫والر َجاء‪.‬‬ ‫ِ‬


‫َخوفون جمع اهلل لهم بين الخوف ّ‬
‫الوعيد يت َّ‬

‫ال ّثانية‪:‬وإذا تُليت عليهم آياته زادتهم إيمانَا وهذه ِصفة ثانية ك ّل َما سمعوا آية‬

‫ازداد إيمانهم وقوي‪.‬‬

‫ال َّثالثة‪:‬يقيمون ّ‬
‫الصالة وهذا عمل‪.‬‬

‫وهو التّفويض واالعتِماد على اهلل‪-‬‬


‫الرابعة‪:‬وعلى ر ِّبهم يتوكلون عمل قلبي ُ‬
‫ّ‬

‫الضر‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وكشف ُّ‬ ‫عزّوجل‪-‬يف جلب النّف ِع‬

‫‪25‬‬
‫ومما رزقناهم ي ِنفقون فأهل هذه ِ‬
‫الصفات الخمس زكاهم‪-‬اهلل‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫الخامسة‪َّ :‬‬

‫ات ِعندَ َر ِّب ِه ْم‬ ‫ك ُه ُم ا ْل ُم ْؤ ِمن َ‬


‫ُون َح ًّقا َّل ُه ْم َد َر َج ٌ‬ ‫ّوجل‪-‬بهذاالوعد ﴿ ُأو َلـٰئِ َ‬
‫عز ّ‬

‫ِ‬
‫َو َمغْف َر ٌة َو ِرز ٌْق َكرِ ٌ‬
‫يم﴾‬

‫ك ُه ُم ا ْل ُم ْؤ ِمن َ‬
‫ُون َح ًّقا﴾ وهذا ثناء‬ ‫فأوال‪ :‬زكّاهم﴿ ُأو َلـٰئِ َ‬
‫ّ‬

‫ك ُه ُم ا ْل ُم ْؤ ِمن َ‬
‫ُون‬ ‫ال ّثاين‪ :‬وعدهم بثالثة ُأمور بعد أن أثبت لهم اإليمان ﴿ ُأو َلـٰئِ َ‬

‫َح ًّقا﴾‬

‫‪ ‬األول‪ :‬الدرجات عند اهلل‪ -‬ع َّز ّ‬


‫وجل‪-‬‬

‫‪ ‬ال َّثاين‪ :‬المغفرة‪,‬مغفرة ُّ‬


‫الذنوب‪.‬‬

‫وهوكل ِرزق يستأنس به المؤمن يف ُدنياه من‬


‫ُّ‬ ‫‪ ‬ال ّثالث‪ِّ :‬‬
‫الرزق الكريم‬

‫الصالح ويف الجنّة يف‬ ‫الكسب ال َّطيب الحالل والزّوج َّ‬


‫الصالح والولد َّ‬

‫عين رأت وال ُأ ٌ‬


‫ذن سم َعت وال خ َطر على ِ‬
‫قلب‬ ‫ِ‬
‫اآلخرة وفيها ما ال ٌ‬

‫َ‬
‫بشر‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫والنَّقص يأتي من ِجهتين‪:‬‬

‫نقص تفريط وهذا له جهات أو صفات منها‪:‬‬

‫* ترك الواجبات‪ ,‬التفريط يف الواجبات كالذي يتأخر عن صالة الجماعة بال‬

‫ثم ين ُقرها نقرا‪.‬‬


‫يتلهى حتّى يأتي آخر الوقت ّ‬
‫عذر أو ّ‬

‫ٌ‬
‫تفريط يف النّوافل‪ ,‬يف نوافل العبادات ونوافل العبادات‬ ‫* ومنها صورة ثانية‬

‫الصحيح‬
‫أن اهلل يجبر بها نقص الفريضة يوم القيامة يف الحديث ّ‬
‫من فوائدها ّ‬

‫الصالة)) فإن ُو ِجدت ت ََّامة‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬


‫ب َع َل ْيه ا ْل َع ْبدُ َي ْو َم ا ْلق َي َامة من عمله ّ‬ ‫(( َأ َّو ُل َما ُي َح َ‬
‫اس ُ‬

‫ثم يقول اهلل‪)) :‬هل لعبدي نوافل)) فإن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫أفلح ‪ ,‬وإن ُوجدت ناقصة َخاب وخسر ّ‬

‫ثم يتبعها سائر العمل هذه‬


‫كان له نوافل قال (( ُجبر أو ك ُِّمل نقص فريضته )) ّ‬

‫الصالة‪.‬‬
‫من فوائد ّ‬

‫وقال‪-‬ص ّلى اهلل عليه وس ّلم‪َ (( :-‬ما ِم ْن َعبْد ُم ْس ِلم ُي َص ِّلي لِ َّل ِه ك َُّل َي ْوم ثِنْت َْي‬

‫ت فِي‬
‫يضة ‪ ,‬إِ َّال َبنَى اهللُ َل ُه َب ْيتا فِي ا ْل َجن َِّة َأ ْو إِ َّال ُبن ِ َي َل ُه َب ْي ٌ‬
‫َع ْش َر َة َر ْك َعة َت َط ُّوعا َغ ْي َر َفرِ َ‬

‫‪27‬‬
‫ا ْل َجن َِّة)) أخرجه مسلم من حديث أم حبيبة بنت أبي ُسفيان‪-‬رضي اهلل تعالى‬

‫الرافضة عليهم‬ ‫ِ‬


‫عنهما‪ -‬ورضي كذلك عن ِّأمها وأخيها‪-‬وإن رغمت أنوف ّ‬

‫ِ‬
‫َل َعائ ُن اهلل ُ‬
‫المتتَابعة‪.‬‬

‫طر ِق النَّقص‪:‬ترك بعض الشعب وهذا يشير إليه قوله‪-‬‬


‫* الطريق الثالث‪ :‬من ُ‬

‫ص ّلى اهلل عليه وس ّلم‪ِ ((-‬‬


‫ون ُش ْع َبة َأ ْف َض ُل َها َال إِ َل َه إِ َّال اهللُ‬
‫ان بِ ْض ٌع َو َس ْب ُع َ‬
‫يم ُ‬
‫اإل َ‬

‫يم ِ‬
‫ان)) فهذا الحديث‬ ‫يق ‪َ ,‬وا ْل َح َيا ُء ُش ْع َب ٌة ِم َن ِ‬
‫اإل َ‬ ‫َو َأ ْدن َ‬
‫َاها إِ َما َط ُة األَ َذى َع ِن الطَّرِ ِ‬

‫يتضم ُن شيئين‪:‬‬
‫َّ‬

‫السنّة فشاهد القول قوله‬ ‫ِ‬


‫أوال‪:‬الدليل من السنة على حد اإليمان عند أهل ُّ‬
‫ًّ‬

‫أعالها ويف ِر َ‬
‫واية أع َظ ُمها وال ُمنافاة بين هذه‬ ‫الصحيحين َ‬
‫أفضلها ويف خارجِ ّ‬

‫الروايات وشاهد العمل إما َط ُة األذى ِ‬


‫عن ال َّطريق‪ ,‬وشاهد االعتقاد والحياء‬

‫اإلنسان ما‬
‫ُ‬ ‫قارف‬
‫َ‬ ‫عمل قلبِ ٌي وإن كانت تظهر آثاره إذا‬
‫شعب ٌة من اإليمان فالحياء ٌ‬

‫‪28‬‬
‫أويغ ِّطي َ‬
‫وجه ُه‬ ‫ب َعرقا ُ‬
‫يتص َّب ُ‬
‫الحياء كأن َ‬ ‫ُ‬
‫يبعث فيه َ‬ ‫ُيس َتحيا ِمنه أو ّطرأ ل ُه ما‬

‫رأسه‪.‬‬
‫ِّس َ‬
‫أو ُينك ُ‬

‫ّقص هو ُ‬ ‫ِ‬
‫ترك بعض ُّ‬
‫الشعب‪,‬‬ ‫الشيء ال ّثاين شاهدنا يف النّقص‪ ,‬الن ُ‬
‫وأما ّ‬
‫ثانيا‪َّ :‬‬

‫المرء ِبزيادتِها‪ ,‬وين ُق ُص بنُقصانِها فمثال من ع ِم َل‬


‫ِ‬ ‫إيمان‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫فهذه ُّ‬
‫الشعب يزدا ُد‬

‫أفضل من ص ِ‬
‫احب‬ ‫عمل ستِين َ‬
‫بأربعين ومن ِ‬
‫ِ‬ ‫أفضل ِم َّمن اكت َفى‬
‫خمسين ُشعبة ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬

‫ستكملها فال أفضل منه‪ ,‬وقد يكون هذا َ‬


‫الذي تركه‬ ‫ِ‬
‫واألربعين ومن ا‬ ‫ِ‬
‫لخمسين‬‫ا‬
‫َ‬

‫اإليمان‬
‫سمى َ‬ ‫السنّة فال َع ُ‬
‫مل من ُم َّ‬ ‫أهل ُّ‬ ‫ِ‬
‫واجبا وقد يكون نفال هذا هو اإليمان عند ِ‬

‫وهو من أركانه؛ ثم من حيث مكانته من اإليمان تفصيال؛ فإن العمل ينقسم بهذا‬

‫االعتبار إلى ثالثة أقسام‪-:‬‬

‫‪ ‬أحدها‪ :‬ما ينتفي اإليمان بانتفائه‪ ,‬وهو التوحيد‪,‬ومن الخصال العملية ترك‬

‫الصالة جحودا؛ ممن يعلم وجوبها‪ ,‬نعم هذا كفر‬

‫‪ ‬الثاين‪ :‬ما ُينايف كمال اإليمان؛مثاله‪ :‬ترك الزكاة تهاونا؛ وكذا صوم رمضان وكذا‬

‫‪29‬‬
‫فرض الحج؛فهذا فسق ُينايف كمال اإليمان وال ُيضاده بالكلية‪ ,‬مالم يجحد‬

‫وجوب هذه الخصال وما ُيمثالها عن علم‪.‬‬

‫‪ ‬الثالث‪ :‬ما ُينايف الكمال المستحب؛ ويمكن أن ُيقال ما ُي َّفوت فضيلة ينتفي بها‬

‫الكمال المستحب؛ ويمكن أن ُيقال ما يكون من تفويت الفضائل‪ ,‬أو ما يفوت‬

‫به من الفضائل‪ ,‬الكمال المستحب‪.‬‬

‫يعني‪ :‬الكمال المستحب انتهى؛ فلديه الكمال الواجب ولديه الكمال التام‪ ,‬إيمانه‬

‫يعني‪ :‬ليس فيه نقص؛ لكنه فوت أشياء مستحبة‪ ,‬نقص أجره‪ ,‬فاتت عليه فضائل‬

‫هذا يف النوافل‪.‬‬

‫قسم‬
‫هذه أقسام العمل من حيث منزلتها من اإليمان وترتب الحكم عليها؛ كل ٌ‬

‫ٌ‬
‫وسط يف‬ ‫له حكم‪ ,‬فال تجتمع يف حكم واحد‪ ,‬وبهذا ُع ِل َم توسط أهل السنة‪ ,‬وهم‬

‫كل شيء؛ فلم يقولوا العمل شرط صحة؛ ألن العمل يختلف؛ فلو قالوا ذلك‬

‫لوافقوا الخوارج‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫ولم يقولوا شرط كمال فيوافقوا مرجئة الفقهاء؛ مرجئة الفقهاء وهم ُمبتدعة‬

‫ُضالل‪ ,‬بدعهم علماء السنة وشددوا عليهم‪.‬‬

‫وأحب أن أنبه إلى أمر فاتني يف المقدمة‪ ,‬وهي أن هذه المسائل التي تلقاها‬
‫ُ‬ ‫هذا‬

‫المحدث اإلمام الشيخ عبد الرحمن بن ُمحمد المعروف بابن أبي حاتم‬
‫الحافظ ُ‬

‫المحدثين‪ ,‬والده وأبي زرعة الرازي ‪-‬رحم اهلل‬


‫عن اإلمامين الحافظين ُ‬

‫الجميع‪ -‬حكايتهم يدل على أن أئمة أهل السنة مجمعون على هذه العقائد‪,‬‬

‫ولم يختلفوا يف شيء منها؛ فال تغتروا بمن يرفع عقيرته ويقول‪ :‬الناس اختلفوا‬

‫يف العقيدة؛ إجماال هكذا‪ ,‬أو يقول‪ :‬الصحابة اختلفوا يف العقيدة‪ ,‬أويقول‪ :‬أهل‬

‫العلم اختلفوا يف العقيدة؛ هذا كذب وأنا أذكر لكم صورا ليست من األصول؛‬

‫بل هي من الفروع‪.‬‬

‫‪ ‬المثال األول‪ :‬اتفق أهل السنة والجماعة‪ ,‬وشاركهم بعض الطوائف من‬

‫المبتدعة على أن النبي‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬حدث له اإلسراء والمعراج‬

‫‪31‬‬
‫يقظة ال منام وبجسده وروحه؛ وإنما اختلفوا يف مسألة وهي‪ :‬هل رأى النبي ‪-‬‬

‫صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬ربه حين ُعرج به وجاوز سدرة المنتهى ‪ -‬صلى اهلل عليه‬

‫وسلم‪ -‬أو ال؟!‬

‫‪ ‬فعائشة ‪-‬رضي اهلل عنها‪ -‬تنفي هذا وتشدد فيه‪ ,‬فقد أخرج الشيخان عنها‪ :‬أن‬

‫مسروق بن أشجع التابعي المعروف ‪ -‬رحمه اهلل‪ -‬سألها ‪ ((-:‬يا أم المؤمنين‬

‫َه ْل َر َأى ُم َح َّمدٌ َص َّلى اهللُ َع َل ْي ِه َو َس َّل َم َر َّب ُه ليلة اإلسراء؟‪َ ,‬ف َقا َل ْ‬
‫ت‪ :‬يا ُبنَّي َقدْ َق َّ‬
‫ف‬

‫َش َعرِي ِم َّما ُق ْل َ‬


‫ت)) يعني‪ :‬اقشعر جسمي؛ وعادة اإلنسان إذا اقشعر شعره يقف‬

‫ان اهلل ِ َث َالث َم ْن َحدَّ َثك َُه َّن‬


‫من شدة الهول والخوف‪ ,‬ويف رواية قالت‪ُ (( :‬س ْب َح َ‬

‫َف َقدْ ك ََذ َب‪ -‬ويف رواية‪ -‬قد أعظم على اهلل الفرية‪ ,‬قال يا أمتاه أنظريني وال‬

‫تعجليني ألم يقل اهلل َو َل َقدْ َرآ ُه بِ ْاألُ ُف ِق ا ْل ُمبِ ِ‬


‫ين [التكوير ‪ ]3٣ :‬؟! قالت‪ :‬أنا أول األمة‬

‫سأل رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬قال‪ :‬رأى جبريل مرتين ‪ ))...‬وذكرت‬

‫الحديث‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫وابن عباس ‪ -‬رضي اهلل عنهما‪ُ -‬روي عنه اإلطالق "رآه" وروي عنه التقيد "‬

‫بفؤاده" ‪ ,‬وقال مرة ‪ -‬روي عنه مرة قال مرتين‪.‬‬

‫جمع أهل العلمل بحمل النهي يف خبر عائشة على الرؤية بالبصر‪ ,‬وحمل اإلثبات‬

‫يف حديث ابن عباس على الرؤية بالفؤاد‪ ,‬فاجتمعا‪ ,‬اجتمع القوم القوم لم يختلفوا‪.‬‬

‫‪ ‬ثانيا‪ :‬الصورة الثانية يف العرش والقلم‪ ,‬اتفق أهل السنة ومن وافقهم من طوائف‬

‫المبتدعة على أن العرش والقلم أول المخلوقات‪ ,‬ولم يسبقهما من‬


‫ُ‬

‫المخلوقات شيء؛ ففيما كان اختالفهم؟! كان اختالفهم‪ :‬هل كان السابق‬

‫العرش أوالقلم؟! يعني‪ :‬يف أيهما كان أوال وأسبق يف الخلق؟! فطائفة من أهل‬

‫العلم قالوا بأسبيقة العرش‪ ,‬وطائف ٌة قالت بأسبقية القلم‪.‬‬

‫َان اهللُ َع َّز‬


‫‪ ‬فدليل الطائفة األولى‪ :‬أهل أسبقية العرش‪ :‬استدلوا بحديث‪(( :‬ك َ‬

‫َان َع ْر ُش ُه َع َلى‬
‫َو َج َّل َوال َش ْي َء َغ ْي ُر ُه ‪ -‬ويف رواية ‪ -‬شيء قبله‪ -‬رواية ثانية‪-‬؛ َوك َ‬

‫ا ْلم ِ‬
‫اء))‪ ,‬ومأخذهم واضح؛ كان اهلل وال شيء غيره‪ ,‬إذا خلق العرش أوال هكذا‬ ‫َ‬

‫‪33‬‬
‫استداللهم‪.‬‬

‫‪ ‬والذين قالوا بأسبقية القلم استدلوا بحديث (( إن َأ َّو ُل َما َخ َل َق اهللُ ا ْل َق َل ُم))‬

‫الحديث ويف بعض طرقه ((إِ َّن َأ َّو َل َش ْيء َخ َل َق ُه اهللُ ا ْل َق َل ُم)) فكلتا الطائفتين لها‬

‫المجتهد‪ ,‬ماذا ُيرجح؟! من كانت عنده أهلية رجح بالدليل‪ -‬بدليل‬


‫دليل؛ بقي ُ‬

‫ما يراه‪-‬؛ ومن لم تكن عنده أهلية‪ ,‬فليس هذا مما كلفه اهلل بمعرفته؛ وإنما يجب‬

‫عليه ما أجمع عليه المسلمون و َدلت عليه السنة أن العرش والقلم أول‬

‫المخلوقات‪.‬‬

‫‪ ‬المثال الثالث‪-:‬‬

‫وهو عقدي من وجه‪ ,‬وفقهي من وجه آخر‪ ,‬هو حكمي يف الحقيقة وليس عقدي‬

‫خالص‪ ,‬وإن كانت له عالقة بالعقيدة ألنه يترتب عليه شيء‪.‬‬

‫تارك الصالة متهاونا مع إقراره بوجوبها؛ هل هو فاسق أو كافر؟! قوالن ألهل‬

‫العلم‪-:‬‬

‫‪34‬‬
‫‪ ‬فمذهب أبو حنيفة‪ ,‬والزهري ومالك والشافعي وهو إحدى الروايتين عن‬

‫أحمد‪ ,‬وبها قال جمل ٌة من أهل العلم من حنابلة وغيرهم يف مذهب الجمهور ‪-‬‬

‫رحم اهلل الجميع‪ -‬القول بتفسيقه‪.‬‬

‫‪ ‬والرواية األخرى عن أحمد ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬أنه كافر‪.‬‬

‫ذاكر ها‬
‫ولكلتا الطائفتين ما ُيسوغ ما ذهبت إليه من الحكم دليله من السنة؛ وأنا ٌ‬

‫هنا أمرين‪-:‬‬

‫‪ ‬األمر األول‪ :‬أن مثل هذه األمور ال يسوغ ألحد أخذ بقول فريق أن ُيثرب على‬

‫من ُيخالفه؛ألن الكل له كما سمعتم سلفه؛ ولسلفه دليله؛ لكنه إذا رجح شيء له‬

‫المتلقي على بصيرة وال ُيلزم؛ فمن َسرب‬


‫أن ُيدلل على ُرجحانه‪ ,‬حتى يكون ُ‬

‫على من ُيخالفه يف مثل هذه الصور فقد اشتط وارتكس يف البدعة من حيث‬

‫يشعر أوال يشعر‪.‬‬

‫‪ ‬األمر الثاين‪ :‬عامة أن لم نسمع عالما ُمعتدال كيسا حاذقا ُيثرب على من ُيخالفه‬

‫‪35‬‬
‫يف هذا األمر؛ وإنما ُيرجح ما يراه بالدليل‪.‬‬

‫‪ ‬وأمر خاص بالمسألة األخيرة‪ :‬لم نعلم عالما صاحب سنة فقيها حاذقا اشتط؛‬

‫فالمفسقون لم يصفوا المكفرين بأنهم خوارج‪ ,‬والمكفرون لم يصفوا‬

‫المفسقين بأنهم مرجئة؛ وإنما هذا من نواد ومفاريد وشواذ بعض من طلع علينا‬

‫هذا العصر‪.‬‬

‫مرجئ! ليش ما تقول تارك الصالة متهاونا كافر؟! ليش ما تقوله؟! عجيب! أنا‬

‫على هواك‪.‬‬

‫وال ُيخفيكم أين رجعت أخيرا إلى مذهب الجمهور‪ ,‬فمن بلغه عني غيره هاكم‬

‫ُرجوعه عنه؛ أنا رجعت عنه‪ ,‬ألدلة ظهرت لي‪ ,‬ما يستطع أحد ُيلزمني ليش؟!‬

‫علي ليش كدا! ما هذا الشغل؟ أنا لي سلف إن‬


‫موعلى كيفك! نعم؛ موحاكم َّ‬

‫وصفتني باإلرجاء فلي سلف يطولهم وصفك رغم أنفك‪ ,‬الجمهور مرجئة‪ ,‬ما‬

‫يصير ليش يا أخي تصفهم لماذا؟! تصفني باإلرجاء وال تصف الجمهور‬

‫‪36‬‬
‫بالمرجئة ليش؟! ما يف أحد يضرب رأسك بالسيف اآلن‪.‬‬

‫إذا أنت تكيل بمكيلين َّلعاب أنت‪ ,‬أنت لم تفهم السنة ولم تفقهها؛ واحد لما‬

‫قيل له ابن قدامة يقول‪ :‬تارك الصالة متهاونا فاسق‪.‬قال‪ :‬يخرب بيته‪!!.‬‬

‫ما شاء اهلل يخرب بيته على كيفك؟! أنت ياهذا قلبك خربان‪ ,‬البيت الذي بين‬

‫جوانحك خربان‪ ,‬لو كنت عاقال ما قلت هذا الكالم؛ لكن كما َيقولون بعض‬

‫الناس ينطبق عليه هذا المثل‪" :‬مجنون أخذ عصى " خذ ! يضرب يمين‬

‫وشمال ما يدري!!‬

‫وبهذا القدر نكتفي وال نحب أن نحبسكم أكثر من هذا ‪ ,‬وصلى اهلل وسلم‬

‫على نبينا محمد وعلى آله وصحبيه آجمعين‪.‬‬

‫هل تقيمون أوتعرضون بعض األسئلة؟! ما أدري!‬

‫القارئ‪ :‬ما رأيك يا شيخ؟‬

‫الشيخ‪ :‬أنت األمراء والشعب عبيد‬

‫‪37‬‬
‫القارئ‪ :‬جزاكم اهلل خيرا وبارك فيكم ونفع بكم ونصر اهلل بكم السنة وأهلها‬

‫الشيخ‪ :‬آمين آمين وإياكم والسامعين‬

‫األسئلة‬

‫السؤال‪:‬‬

‫يقول السائل‪ -:‬بارك اهلل فيكم‪ ,‬هل سب الصحابة ‪ -‬رضوان اهلل عليهم‪-‬‬

‫يختلف من حيث تعلقه بالحكم على المعين بالكفر أواالبتداع أو الفسق؛ وهل‬

‫ورد التقسيم عن السلف‪ ,‬أفيدونا بارك اهلل فيكم؟!‬

‫الجواب‪:‬‬

‫الذي أعلمه أوال أن سب الصحابة كلهم كفر؛ ألنه ُيكذب القرآن والسنة‬

‫اإلجماع‪ ,‬فكل هذه تضافرت على عدالتهم؛ وصدقهم وسابقتهم يف اإلمامة يف‬

‫الدين والفضل‪ ,‬وأن األمة عالة عليهم‪ ,‬فمن طعن يف الصحابة نسف السنة كلها‪,‬‬

‫َّ‬
‫وكذب رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬وكذب القرآن وطعن يف اهلل ‪ -‬عز‬

‫‪38‬‬
‫وجل ‪ -‬ألن مقتضى طعنه والزمه أن اهلل اختار لصحبة نبيه من ليس بصالح‬

‫للصحبة‪.‬‬

‫ويتغلظ األمر يف سب الشيخين ثم األربعة ثم العشرة؛ بل من يشك يف ُك ِّفر هذا‬

‫َك َفر‪ ,‬ألن هذا مما هو معلوم من الدين بالضرورة؛ نعم‪.‬‬

‫لكن سب أعيان من الصحابة ألمر ال يتعلق بدينه‪ ,‬يتعلق بإنفاقه‪ ,‬يتعلق مثال‬

‫بأخالقه مع الناس‪ ,‬فهذا كذلك ال يجوز بل هذا حرام‪ -‬يحرم ‪ -‬لقوله ‪-‬صلى‬

‫اهلل عليه وسلم‪(( -‬إذا ذكر أصحابي فامسكوا))‬

‫الساب فهذا ال بد من بلوغه الحجة الرسالية‪ ,‬وهو علمه بأن الصحابة خير‬
‫َّأما َّ‬

‫هذه األمة – يعني ‪ :-‬بعد رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬؛ فإن كان يعلم‬

‫ذلك قامت عليه الحجة الرسالية‪.‬‬

‫وأما إن كان لم تقم عليه الحجة بأن يكون بعيدا عن أهل العلم وسمع شخصا‬

‫فقد يكون سمع ويسب مثال معاوية‪ ,‬أو أبا سفيان‪ ,‬أو يحمل على حسان بقوله‪:‬‬

‫‪39‬‬
‫أنه جبان‪ ,‬أويحمل على معاوية بأنه‪ :‬بخيل‪ ,‬أو يحمل على عمر‪ -‬رضي اهلل عنه‬

‫‪ -‬يقول عنده شدة عنده شدة‪ ,‬ولم يقل شدة يف الحق؛ فهذه تلقاها‪ ,‬أودخل يف‬

‫اإلسالم حديثا فهذا ُيعرف ويعلم قدر الصحابة ‪-‬رضي اهلل عنهم‪-‬‬

‫السؤال‪:‬‬

‫أحسن اهلل إليكم يقول السائل السالم عليكم‪.‬‬

‫الشيخ‪ :‬وعليك السالم ورحمة اهلل وبركاته‪.‬‬

‫هل يجوز لي البقاء يف السعودية لطلب العلم من غير رضا أبي؟‬

‫الجواب‪:‬‬

‫هذا له حالتان‪-:‬‬

‫‪ ‬الحال األولى‪ -:‬أن يكون والداك محتاجان إليك ضرورة وليس عندهما من‬

‫خدم ُهما غيرك فسدد وقارب؛ حصل ما تيسر ثم اذهب‪ ,‬وعد بتأشيرة حج‬
‫ي ُ‬

‫أوعمرة أوزيارة أقارب لك وتزود‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫‪ ‬الحال الثانية‪ -:‬أن يكون عندهما من يخدمهما غيرك؛ فهذا ال يجب عليك؛‬

‫لكن كذلك واصلهم بالهاتف بالمكاتبة وعدهم أنك تعود إليهم‪ ,‬وعد إليهم‬

‫كلما استطعت‪.‬‬

‫‪ ‬الحالة الثالثة‪ -:‬وهي أن والديك يريدان منعك من التفقه يف دين اهلل عامة والسنة‬

‫خاصة؛ السيما االعتقاد؛ فال طاعة لهما‪.‬‬

‫إنما الطاعة يف المعروف‪ ,‬وال طاعة لمخلوق يف معصية الخالق‪ .‬هذا مما تقرر‬

‫حاصله من السنة ‪ ,‬هذا حاصل ما تقرر يف السنة‪.‬‬

‫السؤال‪:‬‬

‫أحسن اهلل إلكم يقول السائل‪ :‬شيخنا! هل يجزئ ُغسل الجمعة عن الوضوء‬

‫وهل تصح الصالة به وإن لم يتوضأ؟‬

‫الجواب‪:‬‬

‫الغسل غسالن‪-:‬‬

‫‪41‬‬
‫‪ٌ ‬‬
‫غسل كامل‪ :‬وهو أن يبدأ المسلم بعد االستنجاء وغسل الكفين بالوضوء‬

‫كوضوء الصالة‪ ,‬ثم ُيفيض الماء على بدنه بدءا برأسه مخلال شعره فالميامن ثم‬

‫المياسر ثم بقية الجسم؛ فهذا الغسل الكامل‪.‬‬

‫‪ ‬الثاين غسل مجزئ‪ :‬وهو غسل أعضاء الجسم كلها بما فيها أعضاء الوضوء‬

‫دون ترتيب؛ فكالهما ‪-‬إن شاء اهلل ‪-‬يجزئ عن الوضوء إال إذا انتقد وضوءه‬

‫أثناءه؛ بأن حصلت منه قطرات بول أوريح‪ ,‬فهذا ُيعيد الوضوء ال الغسل‪.‬‬

‫القارئ‪ -:‬بارك اهلل فيكم وجزاكم اهلل خيرا‪.‬‬

‫الشيخ‪ :‬وإياكم‪.‬‬

‫ولالستماع إىل الدروس املباشرة واملسجلة واملزيد من الصوتيات يُرجى زيارة موقع‬

‫مرياث األنبياء على الرابط ‪ www.miraath.net‬وجزاكم اهلل خريا‪.‬‬

‫‪42‬‬
43
44

You might also like