Professional Documents
Culture Documents
الحوار
الحوار
تحت اشراف:
استاذ/كتور:رشاد احمد عبداللطيف
Sec:14
الحوار :من ال ُمحاورة ؛ وهي ال ُمراجعة في الكالم
الجدال :من َجدَ َل الحبل إذا فَتَلَه ؛ وهو مستعمل في األصل لمن خاصم بما يشغل عن
.ظهور الحق ووضوح الصواب ،ثم استعمل في ُمقابَلَة األدلة لظهور أرجحها
س ِم َع ه
َّللاُ والحوار والجدال ذو داللة واحدة ،وقد اجتمع اللفظان في قوله تعالى { :قَ ْد َ
س ِمي ٌع او َر ُك َما ِإ هن ه
َّللاَ َ َّللاُ يَ ْس َم ُع ت َ َح ُ قَ ْو َل الهتِي ت ُ َجا ِدلُ َك فِي زَ ْو ِج َها َوت َ ْشت َ ِكي ِإلَى ه
َّللاِ َو ه
ير } (المجادلة )1:ويراد بالحوار والجدال في مصطلح الناس :مناقشة بين ص ٌ بَ ِ
ق ،ودفع كالم ،وإظهار ح هج ٍة ،وإثبات ح ٍ طرفين أو أطراف ،يُقصد بها تصحيح ٍ
.شبه ٍة ،وردُّ الفاسد من القول والرأي
وقد يكون من الوسائل في ذلك :الطرق المنطقية والقياسات الجدليهة من المقدّمات
وال ُمسلهمات ،مما هو مبسوط في كتب المنطق وعلم الكالم وآداب البحث والمناظرة
.وأصول الفقة
________________________________________
غاية الحوار
الغاية من الحوار إقامةُ الحجة ،ودف ُع الشبهة والفاسد من القول والرأي .فهو تعاون
صل إليها ،ليكشف كل طرف ما خفي على من ال ُمتناظرين على معرفة الحقيقة والتهو ُّ
صاحبه منها ،والسير بطرق االستدالل الصحيح للوصول إلى الحق .يقول الحافظ
العلم لمن دونه ، َ ق ،وإفاد ِة العا ِلم األذكى الذهبي ( :إنما وضعت المناظرة لكشف الح ّ ِ
األضعف
َ ) .وتنبي ِه األغف َل
هذه هي الغاية األصلية ،وهي جليهة ب ِيّنة ،وث َ همت غايات وأهداف فرعية أو ُمم ِ ّهدة
:لهذا الغاية منها
.إيجاد ح ٍّل وسط يُرضي األطراف -
التعرف على وجهات نظر الطرف أو األطراف األخرى ،وهو هدف تمهيدي هام - ُّ
.
الرؤى والتصورات - البحث والتنقيب ،من أجل االستقصاء واالستقراء في تنويع ُّ
وأم َكنَ ،ولو في حوارات تالية .المتاحة ،من أجل الوصول إلى نتائج أفضل ْ
________________________________________
وقوع الخالف بين الناس
الخالف واقع بين الناس في مختلف األعصار واألمصار ،وهو سنهة هللا في خلقه ،
فهم مختلفون في ألوانهم وألسنتهم وطباعهم و ُمدركاتهم ومعارفهم وعقولهم ،وكل
ذلك آية من آيات هللا ،نبهه عليه القرآن الكريم في قوله تعالى َ { :و ِم ْن آيَاتِ ِه خ َْل ُق
ت ِل ْلعَا ِل ِمينَ } الف أ َ ْل ِسنَتِ ُك ْم َوأ َ ْل َوانِ ُك ْم إِ هن فِي ذَ ِل َك ََليا ٍ ض َو ْ
اختِ ُ ت َو ْاأل َ ْر ِ
س َم َاوا ِ
ال ه
)(الروم22:
ي دا ُّل على االختالف في اَلراء واالتجاهات واألعراض . وهذا االختالف الظاهر ّ
وكتاب هللا العزيز يقرر هذا في غير ما آية ؛ مثل قوله سبحانه َ { :ولَ ْو شَا َء َرب َُّك
احدَة ً َوال َيزَ الُونَ ُم ْخت َ ِل ِفينَ (ِ )118إ هال َم ْن َر ِح َم َرب َُّك َو ِلذَ ِل َك َخلَقَ ُه ْم اس أ ُ همةً َو ِ
لَ َج َع َل النه َ
( }) .هود119:
) .يقول الفخر الرازي ( :والمراد اختالف الناس في األديان واألخالق واألفعال
ومن معنى اَلية :لو شاء هللا جعل الناس على دين واحد بمقتضى الغريزة والفطرة ..
ال رأي لهم فيه وال اختيار ..و ِإذَ ْن لما كانوا هذا النوع من الخلق ال ُمس ّمى البشر ؛ بل
الروح كالمالئكة ؛ كانوا في حيلتهم االجتماعية كالنحل أو كالنمل ،ولكانوا في ّ
ق والطاعة ؛ ال يعصون هللا ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون مفطورين على اعتقاد الح ّ ِ
ولكن هللا خلقهم بمقتضى حكمته كاسبين للعلم ال ّ ،ال يقع بينهم اختالف وال تنازع .
ُم ْل َهمين .عاملين باالختيار ،وترجيح بعض ال ُم ْمكنات المتعارضات على بعض ؛ ال
مجبورين وال مضطرين .وجعلهم متفاوتين في االستعداد وكسب العلم واختالف
.االختيار
) .أما قوله تعالى َ { :و ِلذَ ِل َك َخلَقَ ُه ْم } (هود119:
فلتعلموا أن الالم ليست للغاية ؛ فليس ال ُمراد أنه سبحانه خلقهم ليختلفوا ،إذ من
صيْرورة ؛ أي لثمرة المعلوم أنه خلقهم لعبادته وطاعته .وإنما الالم للعاقبة وال ه
.االختالف خلقهم ،وثمرته أن يكونوا فريقين :فريقا ً في الجنة ،وفريقا ً في السعير
لشأن وعمل ، ٍ وقدّ ت ُ ْحم ُل على التعليل من وجه آخر ،أي خلقهم ليستعده ك ٌل منهم
ويختار بطبعه أمرا ً وصنعة ،مما يَ ْستَتِبُّ به نظام العالم ويستقيم به أمر المعاش ،
.فالناس محامل ألمر هللا ،ويتخذ بعضهم يعضا ً سخريا ً
خلقوا مستعدين لالختالف والتفرق في علومهم ومعارفهم وآرائهم ومشاعرهم ،وما
يتبع ذلك من إراداتهم واختيارهم في أعمالهم ،ومن ذلك اإليمان ،والطاعة
.والمعصية
________________________________________
وضوح الحق وجالؤه
وعلى الرغم من حقيقة وجود هذا التهبايُن بين الناس ؛ في عقولهم و ُمدركاتهم وقابليتهم
منائر
َ معالم ،وجعل على الصراط المستقيم َ لالختالف ،إال أن هللا وضع على الح ّ ِ
ق
..) .وعليه ُح ِم َل االستثناء في اَلية في قوله ِ { :إ هال َم ْن َر ِح َم َرب َُّك } (هود119:
اختَلَفُواَّللاُ الهذِينَ آ َمنُوا ِل َما ْ وهو المنصوص عليه في اَلية األخرى في قوله { :فَ َهدَى ه
ق بِإ ِ ْذنِ ِه } (البقرة213: ) .فِي ِه ِمنَ ْال َح ّ ِ
ق فإنها َم ْهديهةٌ إليه ؛ تجردت من أهوائها ،وجدهت في تَلَ ُّمس الح ّ ِ وذلك أن النفوس إذا ه
إن في فطرتها ما يهديها ،وتأ همل ذلك في قوله تعالى { :فَأَقِ ْم َو ْج َه َك ِلل ِد ِ
ّين َحنِيفا ً بل ّ
اس ّين ْالقَيِّ ُم َولَ ِك هن أ َ ْكث َ َر النه ِ
َّللاِ ذَ ِل َك ال ِد ُ
ق ه اس َعلَ ْي َها ال ت َ ْبدِي َل ِلخ َْل ِ َّللاِ الهتِي فَ َ
ط َر النه َ ت ه
ط َر َفِ ْ
) .ال يَ ْعلَ ُمونَ } (الروم30:
هودانه ، طرة ،فأبواه يُ ّ ومنه الحديث النبوي (( :ما من مولود إال يُولدُ على ال ِف ْ
سون فيها من َج ْدعاء مجسانه ،كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء ،هل ت ُ ِح ّ َصرانه ،ويُ ِ ّ ويُن ِ ّ
)) .حتى أنتم تجدعونها ؟
ويُوضح ذلك ،أن أصول الدين ،وأ همهات الفضائل ،وأ همهات الرذائل ،مما يتفق
العالم الرشيد العاقل على ُح ْسن محموده وحمده ،واالعتراف بعظيم نفعه ،وتقبيح
ونصوص بينِّة ال تقبل صرفا ً وال ِ وذمه .كل ذلك في عبارات جليهة واضحة ، س ِيّئه ِ ّ
تأويالً وال جدالً وال مراءا ً .وجعلها أ ّم الكتاب التي يدور عليها وحولها كل ما جاء فيه
من أحكام ،ولم يُعذَ ْر أحد في الخروج عليها ،و َحذهر من التالعب بها ،وتطويعها
لألهواء والشهوات والشبهات بتعسف التأويالت وال ُمس ّ ِوغات ،مما سنذكره كأصل
من أصول الحوار ،ورفع الحرج عنهم ،بل جعل للمخطيء أجرا ً وللمصيب أجرين
الحق واستجالء المصالح الراجحة لألفراد ّ تشجيعا ً للنظر والتأمل ،وتَلَ ُّمس
.والجماعات .ولربك في ذلك الحكمة البالغة والمشيئة النافذة
________________________________________
مواطن االتفاق
ش ّ ِو روح التفاهم . إن ِب ْد َء الحديث والحوار بمواطن االتفاق طريق إلى كسب الثقة وفُ ُ ّ
.ويصير به الحوار هادئا ً وهادفا ً
الحديث عن نقاط االتفاق وتقريرها يفتح آفاقا ً من التالقي والقبول واإلقبال ،مما يقلّل
الجفوة ويردم ال ُه هوة ويجعل فرص الوفاق والنجاح أفضل وأقرب ،كما يجعل
.احتماالت التنازع أقل وأبعد
والحال ينعكس لو استفتح ال ُمتحاورون بنقاط الخالف وموارد النزاع ،فلذلك يجعل
ميدان الحوار ضيقا ً وأمده قصيرا ً ،ومن ثم يقود إلى تغير القلوب وتشويش الخواطر
،ويحمل كل طرف على التحفُّز في الرد على صاحبه ُمتتبِّعا ً لثغراته وزَ الته ،ومن
ثم ينبري إلبرازها وتضخيمها ،ومن ثم يتنافسون في الغلبة أكثر مما يتنافسون في
.تحقيق الهدف
تمرسين في هذا الشأن :ومما قاله بعض ال ُم ّ
وح ْل ما استطعت بينه وبين دَ ْع صاحبك في الطرف اَلخر يوافق ويجيب بـ ( نعم ) ِ ،
( ال ) ؛ ألن كلمة ( ال ) عقبة كؤود يصعب اقتحامها وتجاوزها ،فمتى قال صاحبك :
ت عليه كبرياؤه أن يظ ّل مناصرا ً لنفسه ( .ال ) ؛ أو َج َب ْ
تفوها مجردا ً بهذين الحرفين ،ولكنه تَحفُّز لكيان اإلنسان إن التلفظ بـ ( ال ) ليس ُّ
بأعصابه وعضالته وغدده ،إنه اندفاع بقوة نحو الرفض ،أما حروف ( نعم ) فكلمة
) .سهلة رقيقة رفيقة ال تكلف أي نشاط جسماني ( 5
ويُعين على هذا المسلك ويقود إليه ؛ إشعارك ُمحدثهك بمشاركتك له في بعض قناعاته
؛ والتصريح باإلعجاب بأفكاره الصحيحة وأدلته الجيدة ومعلوماته المفيدة ،وإعالن
الرضا والتسليم بها .وهذا كما سبق يفتح القلوب ويُقارب اَلراء ،وتسود معه روح
.الموضوعية والتجرد
وقد قال علماؤنا :إن أكثر الجهل إنما يقع في النفي ؛ الذي هو الجحود والتكذيب ؛ ال
في اإلثبات ،ألن إحاطة اإلنسان بما يُثْبتُه أيسر من إحاطته بما ينفيه ؛ لذا فإن أكثر
الخالف الذي يُورث الهوى نابع ؛ من أن كل واحد من المختلفين مصيب فيما يُثْبته أو
.في بعضه ،مخطيء في نفي ما عليه اَلخر
________________________________________
أصول الحوار
:األصل األول
:سلوك الطرق العلمية والتزامها ،ومن هذه الطرق
المرجحة للدعوى 1- ِّ .تقديم األدلة ال ُمث ِبتة أو
.صحة تقديم النقل في األمور المنقولة 2-
وفي هذين الطريقين جاءت القاعدة الحوارية المشهورة ( :إن كنت ناقالً فالصحة ،
) .وإن كنت مدهعيّا ً فالدليل
صا ِدقِينَ } وفي أكثر من وفي التنزيل جاء قوله سبحانه { :قُ ْل هَاتُوا بُ ْرهَانَ ُك ْم ِإ ْن ُك ْنت ُ ْم َ
سورة :البقرة ، 111:والنمل { . 64قُ ْل هَاتُوا بُ ْرهَانَ ُك ْم َهذَا ِذ ْك ُر َم ْن َم ِع َ
ي َو ِذ ْك ُر
صا ِدقِينَ } (آل َم ْن قَ ْب ِلي } (االنبياء { . )24:قُ ْل فَأْتُوا ِبالت ه ْو َراةِ فَاتْلُوهَا ِإ ْن ُك ْنت ُ ْم َ
) .عمران93:
:األصل الثاني
كالم المناظر ودليله من التناقض ؛ فالمتناقض ساقط بداهة .سالمة ِ
:ومن أمثلة ذلك ما ذكره بعض أهل التفسير من
ون } 1- اح ٌر أ َ ْو َم ْجنُ ٌ
س ِوصف فرعون لموسى عليه السالم بقوله َ { :
() .الذريات39:
وهو وصف قاله الكفار – لكثير من األنبياء بما فيهم كفار الجاهلية – لنبينا محمد
صلى هللا عليه وسلم .وهذان الوصفان السحر والجنون ال يجتمعان ،ألن الشأن في
الساحر العقل والفطنة والذكاء ،أما المجنون فال عقل معه البته ،وهذا منهم تهافت
.وتناقض بيّن
نعت كفار قريش َليات محمد صلى هللا عليه وسلم بأنها سحر مستمر ،كما في 2-
) .قوله تعالى َ { :و ِإ ْن يَ َر ْوا آيَةً يُ ْع ِر ُ
ضوا َويَقُولُوا ِس ْح ٌر ُم ْست َ ِم ٌّر } (القمر2:
.وهو تناقض ؛ فالسحر ال يكون مستمرا ً ،والمستمر ال يكون سحرا ً
:األصل الثالث
أال يكون الدليل هو عين الدعوى ،ألنه إذا كان كذلك لم يكن دليالً ،ولكنه اعادة
للدعوى بألفاظ وصيغ أخرى .وعند بعض ال ُمحاورين من البراعة في تزويق األلفاظ
وزخرفتها ما يوهم بأنه يُورد دليالً .وواقع الحال أنه إعادة للدعوى بلفظ ُمغاير ،
.وهذا تحايل في أصول إلطالة النقاش من غير فائدة
:األصل الرابع
سلهمات والثوابت قد يكون سلهمة .وهذه ال ُم َ
االتفاق على منطلقات ثابتة وقضايا ُم َ
مرجعها ؛ أنها عقلية بحتة ال تقبل النقاش عند العقالء المتجردين ؛ ك ُح ْس ِن الصدق ،
شكر ال ُمحسن ،ومعاقبة ال ُمذنب .وقُبحِ الكذب ،و ُ
سلهمات دينية ال يختلف عليها المعتنقون لهذه الديانة أو تلك .أو تكون ُم َ
سلهمات ،واالنطالق منها يتحدد ُمريد الحق ممن ال يريد وبالوقوف عند الثوابت وال ُم َ
.إال المراء والجدل والسفسطة
ففي اإلسالم اإليمان بربوبية هللا وعبوديهته ،واتهصافه بصفات الكمال ،وتنزيهه عن
صفات النقص ،ونبوة محمد صلى هللا عليه وسلم ،والقرآن الكريم كالم هللا ،والحكم
بما أنزل هللا ،وحجاب المرأة ،وتعدد الزوجات ،وحرمة الربا ،والخمر ،والزنا ؛
.كل هذه قضايا مقطوع بها لدى المسلمين ،وإثباتها شرعا ً أمر مفروغ منه
إذا كان األمر كذلك ؛ فال يجوز أن تكون هذه محل حوار أو نقاش مع مؤمن باإلسالم
.ألنها محسومة
فقضية الحكم بما أنزل هللا منصوص عليها بمثل { :فَال َو َر ِب َّك ال يُؤْ ِمنُونَ َحتهى
َّللاُ فَأُولَئِ َك
ش َج َر بَ ْينَ ُه ْم ( } ...النساءَ { . )65:و َم ْن لَ ْم يَ ْح ُك ْم بِ َما أ َ ْنزَ َل ه يُ َح ِ ّك ُم َ
وك فِي َما َ
الظا ِل ُمونَ } (المائدة45:ُ ) .ه ُم ه
:األصل الخامس
التجرد ،وقصد الحق ،والبعد عن التعصب ،وااللتزام بآداب الحوار
ُّ :
إن إتباع الحق ،والسعي للوصول إليه ،والحرص على االلتزام ؛ وهو الذي يقود
الحوار إلى طريق مستقيم ال عوج فيه وال التواء ،أو هوى الجمهور ،أو األتْباع ..
ٌ
باحث عن الحقيقة ،ينشد ق،طالب ح ّ ٍ
ٌ والعاقل – فضالً عن المسلم – الصادق
.الصواب ويتجنب الخطأ
ي أبو حامد ( :التعاون على طلب الحق من الدّين ،ولكن له شروط يقول الغزال ّ
وعالمات ؛ منها أن يكون في طلب الحق كناشد ضالّة ،ال يفرق بين أن تظهر
الضالّة على يده أو على يد معاونه .ويرى رفيقه معينا ً ال خصما ً .ويشكره إذا ه
عرفه
.الخطأ وأظهره له ) ..اإلحياء ج1
قط إال أحببت أن يُوفّقومن مقوالت اإلمام الشافعي المحفوظة ( :ما كلمت أحدا ً ّ
.ويُسدّد ويُعان ،وتكون عليه رعاية هللا وحفظه
ت الح ّجةُ على لسانه أو لساني ) .وما ناظرني فبالَ ْيتُ ! أ َ َ
ظ َه َر ِ
:وفي ذ ّم التعصب ولو كان للحق ،يقول الغزالي
للحق ،وينظرون ( ّ صب صب من آفات علماء السوء ،فإنهم يُبالغون في التع ّ إن التع ّ
إلى المخالفين بعين االزدراء واالستحقار ،فتنبعث منهم الدعوى بالمكافأة والمقابلة
والمعاملة ،وتتوفر بواعثهم على طلب نُصرة الباطل ،ويقوى غرضهم في التمسك
بما نُسبوا إليه .ولو جاؤوا من جانب اللطف والرحمة والنصح في الخلوة ،ال في
معرض التعصب والتحقير ألنجحوا فيه ،ولكن ل ّما كان الجاه ال يقوم إال باالستتباع ،
صب واللعن والتّهم للخصوم ،اتخذوا التعصب عادتهم وال يستميل األتْباع مث ُل التع ّ
) .وآلتهم
صب خالصا ً لطلب الحق ، والمقصود من كل ذلك أن يكون الحوار بريئا ً من التع ّ
خاليا ً من العنف واالنفعال ،بعيدا ً عن المشاحنات األنانية والمغالطات البيانيّة ،مما
يفسد القلوب ،ويهيج النفوس ،ويُولد النهفرة ،ويُوغر الصدور ،وينتهي إلى القطيعة
.
.وهذا الموضوع سوف يزداد بسطا ً حين الحديث عن آداب الحوار إن شاء هللا
:األصل السادس
:أهلية المحاور
إذا كان من الحق أال يمنع صاحب الحق عن حقه ،فمن الحق أال يعطى هذا الحق لمن
ال يستحقه ،كما أن من الحكمة والعقل واألدب في الرجل أال يعترض على ما ليس له
.أهالً ،وال يدخل فيما ليس هو فيه كفؤا ً
:األصل السابع
:قطعية النتائج ونسبيهتها
ي الداللة على الصواب أومن المهم في هذا األصل إدراك أن الرأي الفكري نسب ُّ
الخطأ ،والذي ال يجوز عليهم الخطأ هم األنبياء عليهم السالم فيما يبلغون عن ربهم
سبحانه وتعالى .وما عدا ذلك فيندرج تحت المقولة المشهورة ( رأيي صواب يحتمل
) .الخطأ ،ورأي اَلخر خطأ يحتمل الصواب
وبناء عليه ؛ فليس من شروط الحوار الناجح أن ينتهي أحد الطرفين إلى قول الطرف
اَلخر .فإن تحقق هذا واتفقنا على رأي واحد فنعم المقصود ،وهو منتهى الغاية .
وإن لم يكن فالحوار ناجح .إذا توصل المتحاوران بقناعة إلى قبول ك ٍل من منهجيهما
؛ يسوغ لكل واحد منهما التمسك به ما دام أنه في دائرة الخالف السائغ .وما تقدم من
.حديث عن غاية الحوار يزيد هذا األصل إيضاحا ً
وفي تقرير ذلك يقول ابن تيمية رحمه هللا ( :وكان بعضهم يعذر كل من خالفه في
.مسائل االجتهادية ،وال يكلفه أن يوافقه فهمه ) ا هـ .من المغني
ولكن يكون الحوار فاشالً إذا انتهى إلى نزاع وقطيعة ،وتدابر ومكايدة وتجهيل
.وتخطئة
:األصل الثامن
الرضا والقبول بالنتائج التي يتوصل إليها المتحاورون ،وااللتزام الجادّ بها ،وبما
.يترتب عليها
.وإذا لم يتحقق هذا األصل كانت المناظرة ضربا ً من العبث الذي يتنزه عنه العقالء
يقول ابن عقيل ( :وليقبل كل واحد منهما من صاحبه الحجة ؛ فإنه أنبل لقدره ،
.وأعون على إدراك الحق وسلوك سبيل الصدق
قال الشافعي رضي هللا عنه :ما ناظرت أحدا ً فقبل مني الح هجة إال عظم في عيني ،
) .وال ردهها إال سقط في عيني
________________________________________
آداب الحوار
:التزام القول الحسن ،وتجنب منهج التحدي واإلفحام 1-
إن من أهم ما يتوجه إليه ال ُمحاور في حوار ،التزام ال ُحسنى في القول والمجادلة ،
سن }(االسراء { . )53: ي أ َ ْح َ ففي محكم التنزيل َ { :وقُ ْل ِل ِع َبادِي َيقُولُوا الهتِي ِه َ
سن } (النحل125 : )و َجاد ِْل ُه ْم بِالهتِي ِه َ
ي أ َ ْح َ َ .
اس ُح ْسنا ً }(البقرة { 83: )وقُولُوا ِللنه ِ َ .
فحق العاقل اللبيب طالب الحق ،أن ينأى بنفسه عن أسلوب الطعن والتجريح والهزء
.والسخرية ،وألوان االحتقار واإلثارة واالستفزاز
ومن لطائف التوجيهات اإللهية لنبينا محمد صلى هللا عليه وسلم في هذا الباب ،
االنصراف عن التعنيف في الردّ على أهل الباطل ،حيث قال هللا لنبيه َ { :و ِإ ْن
َّللاُ يَ ْح ُك ُم بَ ْينَ ُك ْم يَ ْو َم ْال ِقيَا َم ِة فِي َما ُك ْنت ُ ْم فِي ِه
َّللاُ أ َ ْعلَ ُم بِ َما ت َ ْع َملُونَ ) ( )68ه
وك فَقُ ِل ه َجادَلُ َ
) .ت َ ْخت َ ِلفُونَ } (الحج 69-68 :
ين }(سـبأ . )24:مع أن بطالنهم ضال ٍل ُمبِ ٍ ى أ َ ْو فِي َ وقوله َ { :وإِنها أ َ ْو إِيها ُك ْم لَعَلَى هُد ً
.ظاهر ،وحجتهم داحضة
ويلحق بهذا األصل :تجنب أسلوب التحدي والتعسف في الحديث ،ويعتمد إيقاع
الخصم في اإلحراج ،ولو كانت الحجة بينه والدليل دامغا ً ..فإن كسب القلوب مقدم
على كسب المواقف .وقد ت ُ ْف ِحم الخصم ولكنك ال تقنعه ،وقد ت ُ ْس ِكته بحجة ولكنك ال
تكسب تسليمه وإذعانه ،وأسلوب التحدي يمنع التسليم ،ولو ُو ِجدَت القناعة العقلية .
والحرص على القلوب واستالل السخائم أهم وأولى عند المنصف العاقل من استكثار
األعداء واستكفاء اإلناء .وإنك لتعلم أن إغالظ القول ،ورفع الصوت ،وانتفاخ
األوداج ،ال يو ِلّد إال غيظا ً وحقدا ً و َحنَقا ً .ومن أجل هذا فليحرص المحاور ؛ أال يرفع
يقوي
صوته أكثر من الحاجة فهذا رعونة وإيذاء للنفس وللغير ،ورفع الصوت ال ّ
حجة وال يجلب دليالً وال يقيم برهانا ً ؛ بل إن صاحب الصوت العالي لم َي ْع ُل صوته –
في الغالب – إال لضعف حجته وقلة بضاعته ،فيستر عجزه بالصراخ ويواري
ضعفه بالعويل .وهدوء الصوت عنوان العقل واالتزان ،والفكر المنظم والنقد
.الموضوعي ،والثقة الواثقة
على أن اإلنسان قد يحتاج إلى التغيير من نبرات صوته حسب استدعاء المقام ونوع
األسلوب ،لينسجم الصوت مع المقام واألسلوب ،استفهاميا ً كان ،أو تقريريا ً أو
إنكاريا ً أو تعجبيا ً ،أو غير ذلك .مما يدفع الملل والسآمة ،ويُعين على إيصال الفكرة
، .ويجدد التنبيه لدى المشاركين والمتابعين
على أن هناك بعض الحاالت االستثنائية التي يسوغ فيها اللجوء إلى اإلفحام وإسكات
الطرف اَلخر ؛ وذلك فيما إذا استطال وتجاوز الحد ،وطغى وظلم وعادى الحق ،
:وكابر مكابرة ب ِيّنة ،وفي مثل هذا جاءت اَلية الكريمة
س ُن إِ هال الهذِينَ َ
ظلَ ُموا ِم ْن ُه ْم } (العنكبوت{ : َوال ت ُ َجا ِدلُوا أ َ ْه َل ْال ِكتَا ِ
ب إِ هال بِالهتِي ِه َ
ي أ َ ْح َ
46) .
ظ ِلم } (النساء :من اَلية{ 148 وء ِمنَ ْالقَ ْو ِل إِ هال َم ْن ُ
س ِ َّللاُ ْال َج ْه َر بِال ُّ
)ال يُ ِحبُّ ه
ففي حاالت الظلم والبغي والتجاوز ،قد يُسمح بالهجوم الحادّ المركز على الخصم
س ٌن أن يرى الناس الباطل مهزوما ًوإحراجه ،وتسفيه رأيه ؛ ألنه يمثل الباطل ،و َح َ
.مدحورا ً
وقبل مغادرة هذه الفقرة من األدب ،ال بد من االشارة إلى ما ينبغي من العبد من
استخدام ضمير المتكلم أفرادا ً أو جمعا ً ؛ فال يقول :فعلتُ وقلتُ ،وفي رأيي ،
ودَ َر ْسنا ،وفي تجربتنا ؛ فهذا ثقيل في نفوس المتابعين ،وهو عنوان على اإلعجاب
بالنفس ،وقد يؤثر على اإلخالص وحسن القصد ،والناس تشمئز من المتعالم
المتعالي ،ومن الالئق أن يبدلها بضمير الغيبة فيقول :يبدوا للدارس ،وتدل تجارب
.العاملين ،ويقول المختصون ،وفي رأي أهل الشأن ،ونحو ذلك
ض في صاحبه وأخيرا فمن غاية األدب واللباقة في القول وإدارة الحوار أال َي ْفت َ ِر َ
الذكاء المفرط ،فيكلمه بعبارات مختزلة ،وإشارات بعيدة ،ومن ثم فال يفهم .كما ال
يفترض فيه الغباء والسذاجة ،أو الجهل المطبق ؛ فيبالغ في شرح ماال يحتاج إلى
.شرح وتبسيط ماال يحتاج إلى بسط
وال شك أن الناس بين ذلك درجات في عقولهم وفهومهم ،فهذا عقله متسع بنفس
ط ْن ،وآخر يميل إلى األحوط في جانب التضييق ،وآخر يميل َر ْحبة ،وهذا ضيق العَ َ
إلى التوسيع ،وهذه العقليات والمدارك تؤثر في فهم ما يقال .فذو العقل الل ّماح
يستوعب ويفهم حرفية النص وفحواه ومراد المتكلم وما بين السطور ،وآخر دون
.ذلك بمسافات
.وهلل الحكمة البالغة في اختالف الناس في مخاطباتهم وفهومهم
ومن المفيد أن تعلم ؛ أن أغلب أسباب اإلطالة في الكالم ومقاطعة أحاديث الرجال
يرجع إلى ما يلي :
1-إعجاب المرء بنفسه .
2-حبّ الشهرة والثناء.
ظن المتحدث أن ما يأتي به جديد على الناس. ّ 3-
4-قِلهة المباالة بالناس في علمهم ووقتهم وظرفهم.
والذي يبدوا أن واحدا ً منها إذا استقر في نفوس السامعين كافٍ في صرفهم
،وصدودهم ،مللهم ،واستثقالهم لمح ِدّثهم.
وأنت خبير بأن للسامع حدّا ً من القدرة على التركيز والمتابعة إذا تجاوزها أصابه
شرود الذّهني .ويذكر بعضهم أن هذا الحد ال يتجاوز خمس عشرة الملل ،وانتابه ال ُّ
دقيقة.
ومن الخير للمتحدث أن يُنهي حديثه والناس متشوفة للمتابعة ،مستمتعة بالفائدة .هذا
خير له من أن تنتظر الناس انتهاءه وقفل حديثه ،فاهلل المستعان .
حتى إذا كانت الليلة الثانية ،عاد كل رجل منهم إلى مجلسه ،فباتوا يستمعون له ،
حتى إذا طلع الفجر تفرقوا ،فجمعتهم الطريق ،فقال بعضهم لبعض مثل ما قال أول
مرة ،ثم انصرفوا .حتى إذا كانت الليلة الثالثة أخذ كل رجل مجلسه ،فباتوا
يستمعون له ،حتى إذا طلع الفجر تفرقوا ،فجمعتهم الطريق ،فقال بعضهم لبعض :
ال نبرح حتى نتعاهد ال نعود .فتعاهدوا على ذلك .ثم تفرقوا .فلما أصبح األخنس بن
شريق أخذ عصاه ثم خرج ،حتى أتى أبا سفيان بن حرب في بيته فقال :أخبرني يا
أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد ؟ قال :يا أبا ثعلبه ،وهللا لقد سمعت أشياء
أعرفها وأعرف ما يُراد بها ،وسمعت أشياء ما عرفت معناها وال ما يُراد بها .قال
ت به ! .قال :ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل ،فدخل ألخنس :وأنا والذي َحلَ ْف َ
عليه بيته فقال :يا أبا الحكم ما رأيك فيما سمعت من محمد ؟ قال :ماذا سمعت !
تنازعنا نحن وبنو عبدمناف الشرف ؛ أطعموا فأطعمنا ،وحملوا فحملنا ،وأعطوا
ي رهان ،قالوا منّا نبي يأتيه الوحيالر َكب وكنّا كفرس ّ
فأعطينا ،حتى إذا تجاثينا على ُّ
من السماء ! فمتى نُدرك هذا ؟! وهللا ال نؤمن به وال نصدقه .قال :فقام عنه األخنس
وتركه .
– 6اإلخالص :
متممة لما ذكر من أصل التجرد في طلب الحق ،فعلى هذه الخصلة من األدب ِ ّ
يوطن نفسه ،ويُر ّ ِوضها على اإلخالص هلل في كل ما يأتي وما يذر في ال ُمحاور ان ِ ّ
ميدان الحوار وحلبته .
ومن أجلى المظاهر في ذلك :أن يدفع عن نفسه حب الظهور والتميُّز على األقران ،
وإظهار البراعة وعمق الثقافة ،والتعالي على النظراء واألنداد .إن قَ ْ
صدَ انتزاع
اإلعجاب والثناء واستجالب المديح ُ ،مفسد لألمر صارف عن الغاية.
وسوف يكون فحص النفس دقيقا ً وناجحا ً لو أن ال ُمحاور توجه لنفسه بهذه األسئلة :
-هل ث همت مصلحة ظاهرة تُرجى من هذا النقاش وهذه المشاركة .؟
-هل يقصد تحقيق الشهوة أو اشباع الشهوة في الحديث والمشاركة .؟
-وهل يتو هخى أن يتمخض هذا الحوار والجدل عن نزاع وفتنة ،وفتح أبواب من هذه
األلوان حق هها أن تسدّ .؟
ومن التحسس الدقيق والنصح الصادق للنفس أن يحذر بعض التلبيسات النفسية
والشيطانية فقد تتوهم بعض النفوس أنها تقصد إحقاق الحق ،وواقع دخيلتها أنها تقف
ت وهوى .ويدخل في باب االخالص والتجرد توطين النفس على إنتصار ذا ٍ
ِ مواقف
الرضا واالرتياح إذا ظهر الحق على لسان اَلخر ورأيه ،ويعينه على ذلك أن
يستيقن أن اَلراء واألفكار ومسالك الحق ليست ملكا ً لواحد أو طائفة ،والصواب ليس
حكرا ً على واحد بعينه .فه ُّم المخلص ومهمته أن ينتشر الحق في كل مكان ،ومن أ ّ
ي
ي فم.
ي وعاء ،وعلى أ ّمكان ،ومن أ ّ
إن من الخطأ البيِّن في هذا الباب أن تظن ّ
أن الحق ال يغار عليه إال أنت ،وال يحبه إال
أنت ،وال يدافع عنه إال أنت ،وال يتبناه إال أنت ،وال يخلص له إال أنت.
الخاتمه
ومن الجميل ،وغاية النبل ،والصدق الصادق مع النفس ،وقوة اإلرادة ،وعمق
ْ
ودخلت في مسارب اإلخالص ؛ أن تُو ِق َ
ف الحوار إذا وج ْدت نفسك قد تغير مسارها
اللجج والخصام ،ومدخوالت النوايا