You are on page 1of 2

‫ملحظات‪ ‬حول‪ ‬إصلح‪ ‬النظام‪ ‬الجبائي‪ ‬المغربي‪(1/5) ‬‬

‫المساءنشر في المساء يوم ‪2013 - 05 - 25‬‬

‫إن السياسة الجبائية‪ ،‬اليوم‪ ،‬لم تعد ذات أهداف مالية فقط وإنما باتت تروم تحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية‪ ،‬أي استعمال‬
‫السلطات للجباية بمفهومها الحديث كوسيلة للتدخل في‬
‫الحياة القتصادية والجتماعية وليس كوسيلة لتأمين تسديد النفقات العمومية فحسب‪ ،‬بمعنى الجباية ذات الوظائف المتعددة‪ ،‬ولذلك‬
‫»لم يعد مطلوبا‪ ،‬اليوم‪ ،‬فقط البحث عن أحسن وعاء جبائي على صعيد المردودية كما كان المر في السابق‪ ،‬ولكن أصبح البحث أكثر‬
‫عن إلى أي حد يمكن جعل الجباية وسيلة متميزة لتنفيذ السياسة القتصادية والجتماعية«؟‬
‫وفي المغرب‪ ،‬فإن حصيلة ونتائج السياسة الجبائية بصفة عامة خلل العقود الخيرة تبقى محدودة ول تساير التحولت التي يعرفها‬
‫المجتمع المغربي‪ .‬وقد أكدت ذلك العديد من التقارير التي أنجزها البنك العالمي‪ ،‬وكذلك العديد من الدراسات الكاديمية‪ ،‬بل إن‬
‫السلطات المسؤولة نفسها ما فتئت تشير إلى بعض النتائج السلبية لهذه السياسة‪ .‬وقد حاولت هذه السلطات‪ ،‬خلل العقد الخير‪،‬‬
‫إدخال عدة إصلحات على هذه السياسة في سبيل جعلها أكثر فعالية‪ ،‬لكن هذه التعديلت بقيت جزئية ومعزولة فلم تحقق في الغالب‬
‫الهداف المنشودة‪ ،‬وبالتالي أصبح من الضروري اليوم تحديد استراتيجية جبائية جديدة تساير التحولت التي يعرفها المغرب على‬
‫جميع الصعدة وتساهم في ضمان مستقبل أفضل؛ فهل يمكن ذلك‪ ،‬خصوصا وأننا نتكلم عن السياسة الجبائية حيث تتداخل العديد من‬
‫العوامل والعتبارات‪ ،‬مالية وسياسية واقتصادية واجتماعية‪ ،‬والمطلوب خلق توازنات بينها؟‬
‫بطبيعة الحال‪ ،‬يمكن هنا الرد باليجاب‪ ،‬ولكن في حالة اعتماد مقاربات جديدة في تحديد الدور الذي يمكن أن تلعبه السياسة الجبائية‬
‫في سبيل تحقيق ما سماه الستاذ بيروكس »التنمية الجديدة« ‪ ،‬وذلك بإحداث قطيعة مع بعض المقاربات أو المفاهيم القديمة حول هذا‬
‫الدور‪ .‬سنحاول من خلل هذا المقال تحديد بعض التوجهات التي يمكن اعتبارها أساسية وأولية لي استراتيجية جبائية‪ ،‬وذلك من‬
‫خلل محورين‪ :‬الول عقلنة النظام الجبائي‪ ،‬والثاني إعادة تنظيم سياسة التدخل الجبائي‪.‬‬
‫محاولة إصلح النظام الجبائي‬
‫ل توجد وصفة جاهزة لنظام جبائي معقلن‪ ،‬أو ضريبة »المعجزة« حسب تعبير ريفولي »تكون في نفس الوقت‪ ،‬سهلة التحصيل‪...‬‬
‫غير مؤلمة‪ ،‬وأكثر عدالة‪ ،‬وفعالة اقتصاديا‪ ،«...‬لذلك فإن إصلح النظام الجبائي المغربي في اتجاه عقلنته يعتبر مهمة صعبة‬
‫وتتطلب عدة أوراش إصلحية كبرى وعملية‪ ،‬تأخذ بعين العتبار‪ ،‬فشل مجموعة من الصلحات السابقة بسبب اقتصارها على‬
‫الجانب النظري‪ ،‬والتي عادة ما تميزت بكثرة الوعود والحلول غير القابلة للتنفيذ‪ .‬وسنحاول من خلل هذه الملحظات مناقشة أهم‬
‫التوجهات التي يجب أن تحظى بالهمية والولوية خلل إعداد توصيات المناظرة الوطنية الثانية‪ ،‬وذلك من زاويتين‪:‬‬
‫‪ -‬تفعيل دور الدولة على الصعيد الجبائي‪ ،‬لن أي إصلح يقتضي أن يكون مؤسساتيا ويرتبط بالدولة؛‬
‫‪ -‬توسيع الوعاء الجبائي في اتجاه أكثر عدالة‪ ،‬نظرا إلى اعتبار هذه الخيرة الممر الرئيسي لنجاح أي إصلح للنظام الجبائي‪.‬‬
‫‪ (1‬تفعيل دور الدولة على الصعيد الجبائي‪:‬‬
‫تعددت الدراسات التي اهتمت بموضوع الدولة في المغرب‪ ،‬والتي حاولت في أغلبها تحديد العلقة التي تربط الدولة بمحيطها‬
‫الداخلي والخارجي على صعيد الجباية‪ ،‬هل تتميز ب»الستقللية« أم ب«»التبعية«؟‬
‫فمن جهة‪ ،‬هناك الفئات الجتماعية المؤثرة التي تعبر عن إرادتها تأدية أقل ما يمكن من الضرائب حتى تتمكن من توسيع هامش‬
‫الربح‪ ،‬وفي نفس الوقت هي في حاجة إلى الدولة »المانحة« والتي هي مطالبة‪ ،‬بالضافة إلى دورها التنظيمي والمني‪ ،‬بتهييء‬
‫البنى التحتية وتوزيع المساعدات‪ ...‬أي كل ما له علقة بضمان الشروط الملئمة لتحقيق أكبر قدر من الربح‪ .‬ومن جهة أخرى‪،‬‬
‫هناك تأثير المؤسسات المالية الدولية أو البحث عن »الشرعية الخارجية« المتمثلة في كسب ثقة هذه المؤسسات والتي تهدف أغلب‬
‫توصياتها أساسا إلى ضمان استخلصا المديونية‪.‬‬
‫ولتجاوز مثل هذا النقاش نشير إلى أن شامبوتر خلص إلى أن الدولة بصفة عامة »تعكس دائما علقة القوى الجتماعية بدون أن‬
‫تكون هي فقط انعكاسا لهذه العلقة«‪ .‬كما أن فيركوبولوس يرى أن الدولة في المجتمعات النامية »تتمسك باستقلليتها وتشتغل‬
‫كجهاز‪ .‬وفي نظر الفقيه‪ ،‬فإن الجهاز ل يمكن أن يترك مكانه للعلقات الجتماعية التي ل يمكنها أن تزيل الدولة كجهاز«‪ .‬ومناقشة‬
‫السياسة الجبائية للدولة في المغرب من هذا المنظور تبين أن هذه الخيرة‪ ،‬كجهاز‪ ،‬لزالت تتوفر على استقلل‪ ،‬سواء تجاه بعض‬
‫الفئات الجتماعية المؤثرة أو في ما يخص علقتها بالمؤسسات المالية الجنبية‪ .‬وقد اتضح ذلك بجلء في عدة مناسبات‪ ،‬حيث‬
‫أصدرت بعض القرارات وضعتها في مواجهة مع هذه الفئات الجتماعية‪ ،‬كما عمدت إلى عدم تطبيق العديد من المقتضيات التي‬
‫أوصت بها المؤسسات الدائنة‪.‬‬
‫إذن‪ ،‬استغلل هذا الستقلل هو الذي سيساعد على تنفيذ سياسة جبائية فعالة‪ ،‬وذلك من خلل ثلثة محاور‪:‬‬
‫‪ (1 - 1‬ضرورة توفر إرادة سياسية واضحة‪ :‬خلص الستاذ نكاوسيفاتن في دراسته إلى أن النسبة القليلة من دول العالم الثالث التي‬
‫استطاعت إنجاح الصلحات الجبائية‪ ،‬بينت أن تطور أو عدم تطور جباية دولة نامية يرجع‪ ،‬بالساس‪ ،‬إلى قوة أو ضعف إرادتها‬
‫السياسية‪.‬‬
‫وهذه الخيرة تبرز قيمتها كعامل أساسي ومقرر في تحديد مستوى التنمية بالنسبة إلى هذه الدول‪ .‬لذلك‪ ،‬ل يمكن‪ ،‬اليوم‪ ،‬تحقيق أية‬
‫سياسة جبائية سوى إذا اعتمدت على هذه الرادة‪ .‬وأي إصلح جبائي هادف ل يتوفر على الشروط القوية لضمان نجاحه‪ ،‬وأهمها‬
‫طبعا الرادة السياسية الواضحة‪ ،‬سيكون مآله الفشل لن التقنيات الجبائية‪ ،‬مهما كانت أهميتها‪ ،‬يبقى أثرها ضعيفا بدون هذه‬
‫الرادة‪.‬‬
‫إذن‪ ،‬تتطلب الستراتيجية الجبائية الجديدة اليوم‪ ،‬قبل كل شيء‪ ،‬توفر الدولة على إرادة سياسية واضحة‪ ،‬تتم بلورتها في شكل ثقافة‬
‫جديدة في التعامل الجاد والحقيقي مع كل جوانب هذه الستراتيجية‪ ،‬وليس التعامل التمييزي أو التعامل بمكيالين الذي أصبح واقعا‬
‫يعترض أي إصلح يهم تدبير الشأن العام‪.‬‬
‫‪ (1 - 2‬ضرورة توفر دولة ذات سلطة قوية لتجاوز الصعوبات‪ :‬إن تنفيذ استراتيجية جبائية جديدة‪ ،‬ليس بالمهمة البسيطة‪ ،‬فالمر‬
‫يتطلب فرض إصلحات حقيقية ستواجه عدة صعوبات‪ ،‬إدارية وسوسيو‪-‬سياسية وأخرى ترتبط بضمان استمرارية هذه الصلحات‪.‬‬
‫لذلك‪ ،‬فإن هذه الستراتيجية تقتضي دولة ذات سلطة قوية لضمان تجاوز كافة الصعوبات المحتملة وتحقيق الهداف التنموية‪ .‬ويرى‬
‫نفس الستاذ أن الدولة ذات السلطة القوية هي التي تملك جهازا قادرا على أن يضمن إجبارية وإلزامية القرارات الصلحية‪ ،‬وأيضا‬
‫سلطة تتوفر على إرادة تطبيق كافة هذه القرارات على أرض الواقع‪:‬‬
‫أ‪ -‬سلطة قوية لتجاوز الصعوبات الدارية‪ :‬إن السياسة الجبائية الفعالة تتطلب إدارة كفأة وناجعة وتتوفر على العدد الكافي من‬
‫الموظفين المكونين‪ .‬كما أن الصلحات التي تتضمنها هذه السياسة لن تكون مجدية إل إذا رافقها تغيير عميق في العلقات بين‬
‫الجهاز الداري والمكلفين‪ .‬وفي هذا الطار‪ ،‬أكد الستاذ أردانت أننا »غالبا ما ننسى أن النظام الجبائي الحسن تصورا ل تكون له‬
‫قيمة إل بفضل الدارة التي تطبقه«‪ ،‬فدولة ذات سلطة قوية هي التي مكنت دول عديدة )اليابان‪ ،‬الصين‪ ،‬كوريا الجنوبية( من تكوين‬
‫إدارة جبائية صارمة وشريفة استطاعت تنفيذ الصلحات الجبائية الهادفة‪.‬‬
‫وبالنسبة إلى بلدنا‪ ،‬فالخطوات الصلحية اليجابية التي عرفتها الدارة الجبائية خلل العقد الخير تسير في اتجاه دعم هذا‬
‫التصور‪ ،‬فل ننفي العديد من المواقف الجريئة والقوية للدارة الضريبية المغربية والتي استطاعت من خللها تحسين العلقة‬
‫بمختلف المكلفين‪ ،‬سواء على صعيد التبسيط أو الستقبال أو توفير المعلومة؛‬
‫ب‪ -‬دولة قوية لتجاوز الصعوبات السوسيو‪-‬سياسية‪ :‬إن نهج سياسة جبائية فعالة‪ ،‬في إطار الستراتيجية الجديدة‪ ،‬سيحدث آثارا‬
‫إيجابية على صعيد العدالة الجتماعية‪ ،‬وكذا على صعيد التنمية القتصادية‪ .‬لكن ذلك سيعني الدخول في تحديات كبيرة مع مختلف‬
‫الفئات الجتماعية المستفيدة من إجراءات السياسة الجبائية الحالية‪ .‬لذلك‪ ،‬فإن دولة ذات سلطة قوية هي القادرة على تجاوز مثل‬
‫هذه المواجهات بنجاح‪ ،‬وإقناع هذه الفئات الجتماعية بأهمية الصلحات‪ ،‬وبالتالي تحقيق سياسة جبائية هادفة‪ .‬وقد بينت تجارب‬
‫بعض الدول أن السلطة القوية هي التي مكنتها من تحقيق أهدافها الصلحية )اليابان‪ ،‬كوريا‪ ،‬الصين‪ (...،‬لن نسبة قوة ردود فعل‬
‫الفئات المستفيدة ترجع بالساس إلى الطار السياسي الذي يأتي داخله أي إصلح‪.‬‬
‫لذلك‪ ،‬فإن الظرفية القتصادية الصعبة التي يعيشها المغرب تتطلب تحمل المسؤولية من طرف الحكومة وضمان انسجام حكومي‬
‫حقيقي من خلل برامج عملية قادرة على تفعيلها على أرض الواقع وبنهج مقاربة تشاركية حقيقية مع مختلف الفاعلين‪ ،‬معارضة‬
‫ومجتمعا مدنيا‪ ...‬لن المر يهم مستقبل البلد‪.‬‬

You might also like