You are on page 1of 7

‫تقدير موقف‬

‫خلفيات اعتراف ترامب بالقدس‬


‫عاصمة إلسرائيل وتداعياته‬

‫مركز الجزيرة للدراسات‬

‫‪Al Jazeera Centre for Studies‬‬ ‫‪ 11‬ديسمبر‪/‬كانون األول ‪2017‬‬


‫‪Tel: +974-44663454‬‬
‫‪jcforstudies@aljazeera.net‬‬
‫‪http://studies.aljazeera.net‬‬
‫احتجاجات واسعة على موقف الرئيس األميركي دونالد ترامب من القدس (غيتي)‬

‫مقدمة‬

‫اعترف الرئيس األميركي‪ ،‬دونالد ترامب‪ ،‬يوم األربعاء ‪ 6‬ديسمبر‪/‬كانون األول ‪ ،2017‬بمدينة القدس عاصمة إلسرائيل‬
‫وأعلن عن خطط لنقل السفارة األميركية من تل أبيب إلى المدينة‪ .‬أنهت هذه الخطوة تقاليد السياسة الخارجية األميركية التي‬
‫امتدت لعقود وكانت تتجنب إعالن القدس عاصمة إلسرائيل في غياب اتفاق سالم إسرائيلي‪-‬فلسطيني‪ .‬سيكسر القرار توافق‬
‫اآلراء الدولي حول القدس ويسهم في الحكم مسبقًا على مسألة كان من المفترض أن تُترك للمفاوضات النهائية بين الجانبين‪،‬‬
‫مع إمكانية أن تؤجج مزيدًا من التوترات في المنطقة‪.‬‬

‫النزاع حول القدس‬

‫سيطرت إسرائيل على النصف الغربي من مدينة القدس إثر حرب عام ‪ ،1948‬بينما خضع الشطر الشرقي إلى السيطرة‬
‫األردنية والذي ض َّم المدينة القديمة بما فيها المسجد األقصى وقبة الصخرة‪ .‬بعد انتصارها في حرب األيام الستة عام ‪،1967‬‬
‫ض َّمت إسرائيل القدس الشرقية وأعلنت المدينة بشقيها الشرقي والغربي "عاصمة موحدة وأبدية" لها‪ .‬وعندما أصدرت‬
‫نص على اعتبار القدس "كاملة وموحدة" عاصمة إلسرائيل‪ ،‬رفض مجلس األمن‬
‫إسرائيل قانون القدس‪ ،‬عام ‪ ،1980‬والذي َّ‬
‫الدولي ذلك واعتمد القرار رقم ‪ 478‬الذي اعتبر الخطوة اإلسرائيلية انتها ًكا للقانون الدولي‪ ،‬ودعا الدول األعضاء إلى سحب‬
‫بعثاتها الدبلوماسية من المدينة‪ .‬وحتى عام ‪ ،2006‬كانت كوستاريكا والسلفادور هما الدولتان األخيرتان اللتان تنقالن سفارتهما‬
‫من القدس إلى تل أبيب‪ .‬فقبل القرار األميركي لم يكن يوجد بلد آخر يحتفظ بسفارة له في مدينة القدس‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫يشكل الجزء الشرقي من المدينة عاصمة‬
‫انتعشت آمال الفلسطينيين بعد توقيع اتفاق أوسلو‪ ،‬في عام ‪ ،1993‬بإمكانية أن ِّ‬
‫مستقبلية لهم ولكن‪ ،‬أصدر الكونجرس األميركي في عام ‪ 1995‬قانونًا ينص على نقل السفارة األميركية من تل أبيب إلى‬
‫القدس ووجوب االعتراف بـ"القدس كعاصمة لدولة إسرائيل"‪ .‬رفض الرؤساء األميركيون منذ ذلك الحين (بيل كلينتون‪،‬‬
‫جورج بوش االبن‪ ،‬باراك أوباما) تنفيذ القرار‪ ،‬وكانوا يوقِّعون على قرار بتأجيل التنفيذ كل ستة أشهر‪ .‬تحججت اإلدارات‬
‫األميركية "بحماية مصالح األمن القومي األميركي" من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى أرادت أن تحافظ على تكتيك متوازن في‬
‫العالقات المتوترة والهشة ما بين الفلسطينيين واإلسرائيليين‪.‬‬

‫سياقات القرار‬

‫كانت خطوة ترامب متوقعة منذ فوزه باالنتخابات الرئاسية في نهاية العام ‪2016‬؛ فقد تضمن برنامجه االنتخابي وعدًا أساسيًّا‬
‫ُخف إصراره‬
‫بنقل السفارة األميركية من مدينة تل أبيب إلى مدينة القدس في حال وصوله إلى البيت األبيض‪ .‬وبعد فوزه‪ ،‬لم ي ِّ‬
‫على تحقيق وعده‪ ،‬وأعلن أكثر من مرة أن ذلك ليس إال مسألة وقت؛ ففي يونيو‪/‬حزيران ‪ ،2017‬أ َّجل ترامب‪ ،‬كما فعل أسالفه‬
‫قرر ترامب‬ ‫السابقون‪ ،‬عملية نقل السفارة لمدة ستة أشهر ولكن‪ ،‬انقضت مهلة الستة أشهر األسبوع الماضي ً‬
‫وبدال من تجديدها َّ‬
‫إنجاز وعده ونقل السفارة‪.‬‬

‫دورا مه ًّما في اتخاذ ترامب لقراره‪ .‬داخليًّا‪ ،‬أصبحت التحقيقات المتعلقة بالتدخل الروسي‬
‫لعبت مجموعة من العوامل المركبة ً‬
‫في االنتخابات األميركية تقترب رويدًا رويدًا من طاقم ترامب وبعض أعضاء إدارته‪ .‬قبل أسبوعين تم توجيه االتهام لمستشار‬
‫األمن القومي السابق لترامب‪ ،‬مايكل فلين‪ ،‬وذلك بسبب إدالئه ببيان كاذب لمكتب التحقيقات االتحادي بشأن تدخل روسيا في‬
‫المقرب‬
‫َّ‬ ‫االنتخابات الرئاسية التي أُجريت في نهاية ‪ .2016‬كما أن التحقيقات يمكن أن تطول أيضًا صهره‪ ،‬جاريد كوشنر‪،‬‬
‫من إسرائيل‪ ،‬وبعض أركان إدارته؛ ما يعني أن ترامب بات في وضع داخلي يزداد هشاشة‪ ،‬وربما يريد أن يبعد الشبهات‬
‫عنه أو على األقل أن يؤجل النقاش حولها‪ .‬وفي ظل هذه الظروف‪ ،‬فعلى األغلب‪ ،‬يسعى ترامب إلى مراكمة الدعم من‬
‫اللوبيات الصهيونية المؤثِّرة في واشنطن‪ .‬عامل آخر ال يق ُّل أهمية يتعلق بسعي ترامب إلرضاء قواعد الحزب الجمهوري‬
‫المؤيدين لنقل السفارة وخاصة المحافظين‪ ،‬واإلنجيليين‪ .‬باإلضافة إلى الشخصيات التي دعمته‪ ،‬ماليًّا وسياسيًّا وإعالميًّا‪،‬‬
‫للوصول إلى البيت األبيض‪ ،‬فمنهم من دفع ‪ 25‬مليون دوالر بشرط أن تقوم الواليات المتحدة باالعتراف بالقدس عاصمة‬
‫يعزز موقف ترامب من نقل السفارة شعبيته بين هذه األوساط‪.‬‬
‫إلسرائيل‪ .‬من المرجح أن ِّ‬

‫لم تحدد األوضاع الداخلية في الواليات المتحدة خيارات ترامب فقط‪ ،‬بل أيضًا الوضع العربي واإلقليمي الراهن الذي يعاني‬
‫من تمزق وحروب أهلية وانهيار في الدول الوطنية‪ .‬طال االنقسام مجلس التعاون الخليجي‪ ،‬الذي حافظ لفترة طويلة على‬
‫عول ترامب وإدارته على‬
‫وضع سياسي واقتصادي مستقر نسبيًّا‪ ،‬وخاصة بعد حصار قطر‪ .‬وفي ظل هذه األوضاع‪َّ ،‬‬
‫امتصاص غضب حلفائه الرئيسيين من األنظمة العربية‪ ،‬وخاصة مصر والسعودية‪ ،‬اللذان يحتاجان للدعم األميركي في ظل‬
‫التوترات الداخلية‪ .‬فبينما يحتاج ولي العهد السعودي‪ ،‬محمد بن سلمان‪ ،‬الدعم األميركي الحتواء معارضيه الداخليين وتنصيب‬
‫زعامته في المملكة‪ ،‬يرغب السيسي في تجديد شرعيته وزعامته العام القادم عن طريق الفوز بوالية انتخابات ثانية‪ .‬تحدي‬
‫قرار ترامب ال يبدو أنه من ضمن األوراق التي يمكن لهذه األنظمة أن تلوح بها‪.‬‬

‫ال تقتصر المتاعب والتمزق على الواقع العربي‪ ،‬بل يمتد ذلك إلى القوى اإلقليمية الوازنة‪ ،‬وبالتحديد تركيا وإيران‪ ،‬مما يقلص‬
‫خياراتها في التصدي لقرار ترامب‪ .‬تشتبك إيران بالحرب األهلية السورية إلى جانب قوات األسد‪ ،‬وتعاني من وضع تفاوضي‬

‫‪3‬‬
‫هش فيما يتعلق باتفاقية برنامجها النووي مع اإلدارة األميركية‪ ،‬التي يهدد ترامب بإلغائها‪ ،‬وهو ما تدعمه فيه السعودية‬
‫واإلمارات‪ .‬تركيا أيضًا ليست بأفضل ً‬
‫حاال؛ فهي تعاني أيضًا من العديد من المتاعب الداخلية‪ ،‬أهمها تطلعات األكراد إلنشاء‬
‫دولة مستقلة على حدودها الجنوبية (كردستان) والتي يمكن أن تقوي شوكة القوى االنفصالية الكردية في جنوب شرق تركيا‪.‬‬

‫المكسب اإلسرائيلي‬

‫رحبت إسرائيل بقرار ترامب ودعا نتنياهو دول العالم ألن تحذو حذو الواليات المتحدة في نقل سفاراتها‪ .‬كما أعلنت الحكومة‬
‫اإلسرائيلية عن مشاريع لبناء آالف الوحدات السكنية الجديدة في المستوطنات‪ .‬وعلى األغلب‪ ،‬سوف تسعى إسرائيل إلى‬
‫إضفاء الشرعية على حوالي ‪ 200‬ألف مستوطن يعيشون في مستوطنات القدس الشرقية‪ ،‬بالرغم من أن تواجدهم يعتبر في‬
‫نظر القانون الدولي غير شرعي‪ .‬وهي بذلك‪ ،‬تهدف إلى تعزيز إجراءاتها في فرض وقائع جديدة لتثبيت سيادتها على المدينة‪،‬‬
‫وجعل من الصعب تجاوز الوقائع على األرض في أي حراك مستقبلي للتوصل إلى تسوية‪.‬‬

‫بالطبع‪ ،‬سوف تتصاعد سياسات إسرائيل لتهويد المدينة وطرد سكانها العرب والمستمرة منذ احتاللها عام ‪ .1967‬استطاعت‬
‫إسرائيل عزل المدينة عن محيطها الفلسطيني وفرضت على سكانها العرب سياسات تهويدية عنصرية بهدف دفعهم إلى‬
‫الرحيل‪ .‬فهم يعيش ون في أحياء مكتظة‪ ،‬ويصعب عليهم الحصول على رخص للبناء‪ ،‬ويعانون من التمييز المستمر‪ ،‬ويعيش‬
‫ثالثة أرباعهم تحت خطر الفقر‪ .‬في عام ‪ ،2015‬ش َّكل الفلسطينيون ‪ %37‬من أصل ‪ 850‬ألف شخص في مدينة القدس‪،‬‬
‫يعيش معظمهم في أحياء القدس الشرقية‪ .‬تسعى إسرائيل إلى تقليص هذا العدد إلى حده األدنى عن طريق إخراج األحياء‬
‫المكتظة من حدود مدينة القدس وضمها إلى تجمعات عمرانية أخرى‪.‬‬

‫وفي ظل سعي إسرائيل إلى تحويل المدينة إلى يهودية خالصة‪ ،‬تعاني المدينة وسكانها العرب من اإلهمال الشديد من قبل‬
‫السلطة الفلسطينية؛ حيث تتعدد المرجعيات الفلسطينية المعنية بالمدينة وتكثر خالفاتها‪ ،‬وتتراجع أهمية القدس على سلم‬
‫أولويات السلطة الفلسطينية‪.‬‬

‫عزلة أميركا‬

‫يعزل قرار ترامب أميركا عن لعب دور ف َّعال في الصراع الفلسطيني‪-‬اإلسرائيلي؛ فقد استطاع توحيد جميع العالم تقريبًا‪،‬‬
‫بمن فيهم بعض حلفائه المقربين في المنطقة‪ ،‬ضده‪.‬‬

‫رفضت الدول العربية واإلسالمية‪ ،‬بمستويات مختلفة‪ ،‬القرار األميركي‪ ،‬وحذَّرت الجامعة العربية من أن أي اعتراف بالقدس‬
‫سافرا على األمة العربية‪ .‬وستجتمع منظمة التعاون اإلسالمي في إسطنبول‪ ،‬في ‪ 13‬ديسمبر‪/‬كانون األول‬
‫ً‬ ‫سيكون هجو ًما‬
‫‪ ،2017‬في جلسة خاصة لتنسيق الرد‪.‬‬

‫باستثناء الواليات المتحدة األميركية‪ ،‬أكدت ‪ 14‬دولة من أصل ‪( 15‬مجموع أعضاء مجلس األمن الدولي) على التزامها‬
‫بقرارات الشرعية الدولية وقرارات مجلس األمن ذات الصلة‪ .‬كما رفضت الغالبية الساحقة من الدول المؤثرة خطوات ترامب‬
‫واعتبرتها مضرة بعملية السالم واالستقرار في المنطقة‪ .‬أبرز المواقف جاءت من اللجنة الرباعية الدولية المكونة من الواليات‬
‫المتحدة األميركية‪ ،‬واألمم المتحدة‪ ،‬واالتحاد األوروبي‪ ،‬وروسيا والتي تش َّكلت في العام ‪ 2002‬لإلشراف على عملية السالم‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫لم تمض ساعات قليلة على خطاب ترامب حتى أعلن األمين العام لألمم المتحدة‪ ،‬أنطونيو غوتيريس‪ ،‬معارضته ألي إجراءات‬
‫انفرادية من شأنها تهديد فرص السالم بين اإلسرائيليين والفلسطينيين‪ .‬االتحاد األوروبي رفض أيضًا بشدة القرار األميركي‬
‫المفوض األعلى للسياسة الخارجية باالتحاد األوروبي‪ .‬وهنا‪ ،‬برز بشكل واضح الموقفان‪،‬‬
‫َّ‬ ‫على لسان فيديريكا موغيريني‪،‬‬
‫األلماني والفرنسي‪ ،‬وهما الدولتان الفاعلتان في االتحاد‪ .‬الرئيس الفرنسي‪ ،‬إيمانويل ماكرون‪ ،‬كان أول رئيس غربي يرفض‬
‫قرار ترامب‪ ،‬معلنًا أن الوضع النهائي للقدس يجب أن تتم تسويته عن طريق المفاوضات‪ .‬المستشارة األلمانية‪ ،‬أنغيال ميركل‪،‬‬
‫ورئيسة الوزراء البريطانية‪ ،‬تيريزا ماي‪ ،‬عارضتا قرار ترامب أيضًا‪ .‬روسيا أيضًا رفضت قرار ترامب وأعربت عن قلقها‬
‫من أن يؤدي إلى تعقيد الوضع الداخلي في الشرق األوسط‪.‬‬

‫التداعيات‬

‫سيترك قرار ترامب تأثيرات عميقة من المحتمل أن تبدأ في التشكل على مستويين متداخلين‪.‬‬

‫عملية السالم والوضع الفلسطيني الداخلي‬


‫ش َّكل مصير مدينة القدس مسألة حيوية وحساسة في المفاوضات الفلسطينية‪-‬اإلسرائيلية؛ فقد تم تأجيل بحثها إلى مفاوضات‬
‫الوضع النهائي بسبب المكانة الدينية والسياسية التي تتمتع بها لدى أطراف الصراع المختلفة‪ .‬إن تغيير الوضع القائم‪ ،‬بعد‬
‫قرار ترامب‪ ،‬سوف يحمل معنى رمزيًّا عميقًا وسيتم اعتباره دع ًما للسيادة اإلسرائيلية على حساب الحقوق الفلسطينية في‬
‫المدينة‪ .‬اتحد المجتمع الدولي ‪-‬باستثناء الواليات المتحدة‪ -‬على أن مصير مدينة القدس يتحدد عن طريق االتفاق النهائي ما‬
‫بين الفلسطينيين واإلسرا ئيليين‪ .‬لكن‪ ،‬يبدو أن التوصل إلى توافق‪ ،‬أو حتى االنطالق في مفاوضات جادة‪ ،‬أصبح األن غير‬
‫وارد‪ .‬منذ أن فشلت جهود جون كيري‪ ،‬وزير الخارجية األميركي األسبق‪ ،‬عام ‪ ،2014‬في إحياء المفاوضات الثنائية ما بين‬
‫الفلسطينيين واإلسرائيليين‪ ،‬لم تجر أية محاوالت جادة للتوصل إلى تسوية‪ .‬كما أن موقف الرئيس الفلسطيني‪ ،‬محمود عباس‪،‬‬
‫وشرعيته أصبحا على المحك‪ .‬قبول المفاوضات‪ ،‬ضمن الشروط الحالية‪ ،‬سيكلف حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية‬
‫كبيرا من شرعيتهما التي كانت مبنية على الوعود المتتالية منذ أكثر من عشرين سنة بإقامة دولة فلسطينية عاصمتها‬
‫خص ًما ً‬
‫القدس؛ حيث أصبحت مهمتهم اآلن أكثر صعوبة في إقناع الشعب الفلسطيني بأي حلول مستقبلية ال تتضمن القدس عاصمة‬
‫للدولة الفلسطينية‪.‬‬

‫خالل األسبوع القادم سيحدد عباس خياراته‪ :‬إما البقاء في عملية السالم أو الخروج منها‪ .‬فمن المقرر أن يزور مايك بنس‪،‬‬
‫صرحوا بأنه‬ ‫َّ‬
‫ولكن مسؤولين فلسطينيين َّ‬ ‫نائب الرئيس األميركي‪ ،‬المنطقة‪ ،‬منتصف هذا الشهر‪ ،‬وأن يلتقي القيادة الفلسطينية‪.‬‬
‫سوف يكون غير مرحب به‪ .‬وفي حال عدم استقباله فإن ذلك يغضب اإلدارة األميركية وربما يدفعها لمعاقبة السلطة وقياداتها‪،‬‬
‫وهو ما سيحاول محمود عباس‪ ،‬على األرجح‪ ،‬تجنبه بالبحث عن توازن بين التصدي لقرار ترامب مع الحفاظ على خطوط‬
‫تواصل مع إدارته‪.‬‬

‫مع حالة الغليان المتصاعدة في الشارع الفلسطيني والمظاهرات المتواصلة منذ صدور القرار‪ ،‬تبقى الحسابات الداخلية‬
‫الفلسطينية شديدة التعقيد في ظل تأرجح موازين القوى ما بين الحركتين األقوى في الشارع الفلسطيني‪ :‬فتح وحماس‪ .‬نادت‬
‫جميع القوى الفلسطينية‪ ،‬بما فيها حركتا فتح وحماس‪ ،‬إلى النزول للشوارع واالحتجاج ضد القرار األميركي‪ .‬دعا كل من‬
‫رئيس المكتب السياسي لحركة حماس‪ ،‬إسماعيل هنية‪ ،‬والرئيس السابق للحركة‪ ،‬خالد مشعل‪ ،‬إلى إطالق انتفاضة فلسطينية‬
‫جديدة وإنهاء مسار أوسلو بانسحاب السلطة الفلسطينية من عملية السالم‪ .‬وإذا كانت حركة فتح تتفق‪ ،‬حتى اآلن‪ ،‬على قيادة‬

‫‪5‬‬
‫احتجاجات شعبية "مضبوطة" ضد القرار‪ ،‬فإنه من المستبعد أن توافق على تطويرها إلى انتفاضة شعبية يمكن أن تهدد مكانة‬
‫السلطة الفلسطينية وأجهزتها‪ .‬كم ا ال تزال إشكالية المصالحة ما بين الحركتين تراوح مكانها‪ .‬يعاني الجسم الفلسطيني من‬
‫انقسام سياسي‪ ،‬وأمني‪ ،‬واجتماعي حاد منذ أكثر من عشر سنوات‪ ،‬طالت تأثيراته كافة مناحي الحياة‪ ،‬وخاصة في قطاع غزة‬
‫التي تخضع لحصار مشدد‪ .‬بالرغم من الحراك الذي تال القرار األميركي لتسريع الوحدة ما بين الضفة وغزة‪ ،‬ال يبدو‪ ،‬على‬
‫تعجل في هذا الملف الشائك وسيبقى يراوح مكانه على أغلب تقدير‪.‬‬
‫األرجح‪ ،‬أن األحداث األخيرة سوف ِّ‬

‫وإذا كان الرئيس الفلسطيني مقيدًا بالحسابات السياسية المحلية واإلقليمية والدولية الحساسة‪ ،‬فإن الشارع الفلسطيني لديه‬
‫مباشرا لهبَّة‬
‫ً‬ ‫حسابات أخرى؛ حيث تعتبر مدينة القدس في صميم الهوية الفلسطينية المسلمة والمسيحية‪ .‬كانت المدينة سببًا‬
‫النفق عام ‪ 1996‬بعدما افتتحت الحكومة اإلسرائيلية نفقًا أسفل المسجد األقصى المبارك‪ ،‬وانتفاضة عام ‪ 2000‬التي اندلعت‬
‫بعد زيارة رئيس الوزراء األسبق‪ ،‬أرييل شارون‪ ،‬لباحات المسجد األقصى‪ ،‬وانتفاضة القدس (‪ )2015-2016‬والتي سميت‬
‫أيضًا بانتفاضة السكاكين‪ .‬وفي يوليو‪/‬تموز ‪ ،2017‬أدَّت الخطط اإلسرائيلية لتثبيت كاميرات أمنية في المسجد األقصى إلى‬
‫اندالع أسابيع من االضطرابات والمواجهات‪ .‬استطاعت التظاهرات الفلسطينية في القدس حشد الرأي العام العربي‬
‫واإلسرائيلي مما أدى في النهاية إلى خضوع الجانب اإلسرائيلي وإزالته للكاميرات‪ .‬على األرجح سوف تتصاعد االحتجاجات‬
‫الشعبية التي تلت القرار في األيام واألسابيع القادمة في القرى والمخيمات والمدن الفلسطينية‪ .‬وعلى األغلب سوف تعمل‬
‫حركة حماس على تطويرها إلى انتفاضة شاملة بينما ستحاول السلطة الفلسطينية ضبطها حتى ال تخرج عن السيطرة‪.‬‬

‫ديناميات إقليمية ودولية‬


‫تفاعل قرار ترامب بصورة مباشرة على مستويات عدة‪.‬‬

‫قلَّص الوضع العربي المنقسم اليوم والنزاعات والحروب العربية‪-‬العربية من ردَّات الفعل سواء الشعبية أو الرسمية؛ إذ مع‬
‫ازدياد االنقسامات في المنطقة العربية وتركيز الشعوب العربية على مآسيها المباشرة تصبح قضية فلسطين‪ ،‬والقدس‪ ،‬مسألة‬
‫تشكل الدول العربية أي ضغوطات فعَّالة على الواليات المتحدة األميركية لسحب القرار‪.‬‬
‫ثانوية‪ .‬لذلك‪ ،‬ليس من الوارد أن ِّ‬

‫وفي ظل تراجع العمل العربي المشترك‪ ،‬فإنه من المحتمل أن فاعليين دوليين آخرين سيعملون على توسيع نفوذهم‪ .‬أوروبيًّا‪،‬‬
‫يخشى االتحاد األوروبي حاليًّا من إعادة اشتعال الوضع الفلسطيني الداخلي أو زيادة حدة االستقطابات والصراعات في الشرق‬
‫األوسط والتي ربما تهدد الوضع ال هش في العديد من البلدان العربية وخاصة التي تحد إسرائيل‪ :‬لبنان‪ ،‬واألردن‪ ،‬ومصر‪،‬‬
‫وسوريا؛ حيث تتميز البيئة السياسية في هذه الدول بالهشاشة وعدم االستقرار‪ .‬وبالتالي تخشى الدول األوروبية من أن انهيار‬
‫الوضع الهش ربما يعيد تدفق الالجئين إلى القارة العجوز والتسبب في تفكك االتحاد الذي يشهد خالفات حادة حول مسألة‬
‫استقبال الالجئين‪ ،‬وخاصة المسلمين‪ .‬من المرجح أن يعمل االتحاد األوروبي على امتصاص صدمة القرار األميركي ومعالجة‬
‫تبعاته التي ال يرغب في تحولها إلى أداة أخرى لعدم االستقرار في المنطقة‪.‬‬

‫سيؤدي قرار ترامب‪ ،‬حسب أغلب التقديرات‪ ،‬إلى عزل تدريجي للدور األميركي في عملية السالم‪ .‬وهنا بالتحديد‪ ،‬يمكن فهم‬
‫الموقف الروسي الرافض وبشدة للقرار األميركي‪ .‬من المحتمل أن تسعى روسيا إلى تسويق نفسها في المنطقة على حساب‬
‫مصالح الواليات المتحدة األميركية‪ ،‬المنافس التقليدي لروسيا‪ ،‬باتخاذ مواقف أكثر تفه ًما لالحتياجات الفلسطينية‪/‬العربية بهدف‬
‫زيادة نفوذها وتمددها في المنطقة من جهة‪ ،‬وبروزها على الساحة الدولية كقطب مواز للواليات المتحدة من جهة أخرى‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫وربما يمكن فهم الزيارة المرتقبة للرئيس الروسي‪ ،‬فالديمير بوتين‪ ،‬األسبوع القادم إلى تركيا وإجرائه مباحثات مع الرئيس‬
‫التركي‪ ،‬رجب طيب أردوغان‪ ،‬تتناول مسألة القرار األميركي ضمن هذا السياق‪.‬‬

‫وبصورة مماثلة‪ ،‬يمكن فهم الموقف اإليراني الرافض للقرار والذي جاء على لسان المرشد األعلى للجمهورية اإلسالمية‬
‫جراء اشتراكها في الحرب‬
‫اإليرانية‪ ،‬آية هللا علي خامنئي؛ حيث تحاول إيران استثمار الموقف لترميم صورتها التي اهتزت َّ‬
‫األهلية السورية‪ .‬فالقدس هي القضية المثالية إليران وحلفائها (حزب هللا والنظام السوري) للتعبئة ضد الواليات المتحدة‬
‫وتحسين صورتهم التي فقدوها خالل السنوات الماضية في العالم اإلسالمي السُّني‪ .‬ولكن‪ ،‬ال يبدو أن تصعيد إيران وحلفائها‬
‫سيخرج عن مستوى التصريحات النارية بسبب رغبة إيران في المحافظة على االتفاق النووي مع الواليات المتحدة‪ ،‬والذي‬
‫يعمل ترامب حاليًّا على إلغائه‪.‬‬

‫أفق جديد‬

‫يبدو أن مرحلة ما قبل القرار سوف تختلف ع َّما سيليها؛ ألنها أنهت مرحلة كاملة من المراهنة على خيار التسوية برعاية‬
‫أميركية‪ ،‬وخاصة إذا قرر الشعب الفلسطيني مراكمة مجهوداته النضالية إلبطال القرار عن طريق تفعيل العمل الشعبي‬
‫المقاوم‪.‬‬

‫سيؤدي قرار ترامب وما خ َّ‬


‫طط له‪ ،‬من تغيير الوضع القائم في مدينة القدس‪ ،‬على األرجح‪ ،‬إلى نتائج عكسية‪ .‬ومن المتوقع‬
‫أن يُضعف أي دور مستقبلي للواليات المتحدة كوسيط محايد في عملية السالم‪ ،‬ويعوق األهداف التي حددتها إدارة ترامب‬
‫كاستراتيجية لها في الشرق األوسط‪ :‬التوصل إلى تسوية تُنهي الصراع العربي‪-‬اإلسرائيلي‪ ،‬ومحاربة الجماعات اإلسالمية‬
‫المسلحة‪ ،‬وحسر النفوذ اإليراني‪.‬‬

‫‪7‬‬

You might also like