You are on page 1of 16

‫دور الإعالم و�أثره في انت�شار «الإ�سالموفوبيا»‬

‫*‬
‫�إعداد‪ :‬عبير الفقي‬

‫مقدمة‬
‫ُيع ّد م�صطلح «الإ�سالموفوبيا» من امل�صطلحات اجلديدة ن�سبي ًا‪ ،‬وهو ي�شري‬
‫�إىل ظاهرة اخلوف ا َمل َر�ضي من الإ�سالم املوجود يف الغرب‪ .‬وقد مت ا�ستعارة‬
‫اجلزء الأخري «فوبيا» الذي معناه «ال ُّرهاب» من م�صطلحات علم النف�س لي�صري‬
‫معنى كلمة �إ�سالموفوبيا‪« :‬ال ُّرهاب من الإ�سالم» �أو «اخلوف من الإ�سالم»‪ .‬ومع‬
‫�أن بع�ض الباحثني يعتقدون �أن امل�صطلح يفيد يف و�صف احلالة ا َمل َر�ض ّية التي‬
‫يوجهون �إليه النقد‪ ،‬فريون‬ ‫يعاين منها الغرب جتاه الإ�سالم‪� ،‬إال �أن هناك من ِّ‬
‫عاد للم�سلمني ذاتهم �أكرث من معاداته للدين الإ�سالمي‬ ‫�أن امل�صطلح ُم�ض ِّلل و ُم ٍ‬
‫)‪(1‬‬
‫نف�سه‪.‬‬
‫مبتابعة و�سائل الإعالم الغربية‪� ،‬سنجد �أن ا�ستخدامها مل�صطلح‬
‫«الإ�سالموفوبيا» يف العادة ارتبط بظواهر ع ّدة‪ ،‬مثل وقوع �أو �إحباط �أحداث‬
‫�إرهابية ت�ستهدف املجتمعات الغربية‪ ،‬مما يثري ت�سا�ؤل الغربيني �أنف�سهم عن‬

‫* باحث دكتوراة – معهد البحوث والدرا�سات الإفريقية‪ ،‬جامعة القاهرة‪.‬‬


‫‪(1) Linda Edvardsson , “Islamophobia – Features of Islamophobia and Strategies‬‬
‫‪against it” Master Thesis, (Malmö : Malmö University, Fall 2008) P.6.‬‬

‫ربيع ‪2016‬‬ ‫‪- 161 -‬‬


‫توجهات ُمعادية للغرب و�سط الأقل ّيات امل�سلمة يف البلدان الغربية‪ ،‬وعن‬ ‫وجود ُّ‬
‫توجهات املجتمعات الغربية جتاه الإ�سالم وامل�سلمني‪ .‬كما �أن امل�صطلح ذاته‬ ‫ُّ‬
‫ارتبط ظهوره يف �آونة �أخرى باجلدل الدائر داخل املجتمعات الغربية جتاه طبيعة‬
‫تلك املجتمعات وهو ّياتها ومواقف ال ُّنخب ال�سيا�سية الغربية من تلك الق�ضايا‪ ،‬وما‬
‫�إذا كانت م�شاريع النخب الغربية الي�سارية املُنادية بالتع ُّددية واالنفتاح الثقايف‬
‫على املهاجرين والأقليات هي م�شاريع مفيدة للغرب‪� ،‬أم �أنها �أ�ض َّرت به‪ ،‬كما يرى‬
‫ذلك �أ�صحاب التوجهات اليمينية املنادون بالعودة �إىل الرتاث الثقايف التقليدي‬
‫(((‬
‫للغرب‪.‬‬
‫ويف الوقت نف�سه‪ ،‬ارتبط ا�ستخدام امل�صطلح بردود �أفعال العامل الإ�سالمي‬
‫جتاه بع�ض الإ�ساءات التي تع َّر�ض لها الإ�سالم من �شخ�صيات وم�ؤ�س�سات غربية‬
‫خمتلفة‪ ،‬كما حدث ر ّد ًا على الر�سومات الدامناركية امل�سيئة �إىل الر�سول ‪،‬‬
‫ور ّد ًا على ت�صريحات بابا الفاتيكان يف حق الإ�سالم‪ ،‬مما ا�ستف َّز عدد ًا من الدول‬
‫الإ�سالمية و�شعوبها وخا�صة باك�ستان‪ ،‬التي طالب برملانها بابا الفاتيكان بالرتاجع‬
‫(((‬
‫ع ّما �صدر منه من ت�صريحات �ضد الإ�سالم وامل�سلمني و�إقرانهم بالعنف‪.‬‬
‫نحاول يف هذه الدرا�سة �شرح م�صطلح الإ�سالموفوبيا‪ ،‬بتو�ضيح �سماته و�أ�سباب‬
‫ظهوره‪ ،‬ودور و�سائل الإعالم الغربية‪ ،‬ودور امل�سلمني يف انت�شار امل�صطلح‪ ،‬و�أخري ًا‬
‫كيفية التعامل مع ظاهرة الإ�سالموفوبيا وحماولة ال�سيطرة عليها‪ ،‬وذلك كما يلي‪:‬‬

‫((( �أبرز الأمثلة احلالية على ذلك هو مر�شح الرئا�سة الأمريكي «دونالد ترامب» الذي جعل من مهاجمة‬
‫املهاجري ��ن وخا�صة امل�سلمني واملناداة بعودتهم �إىل دولهم �أ�سا�س� � ًا حلملته االنتخابية‪ .‬والأكرث غرابة هو‬
‫وج ��ود العديد من امل�ؤيدين له يف تلك املطالب‪ ،‬وهو م ��ا يعطي االنطباع ب�أن ظاهرة الإ�سالموفوبيا لي�ست‬
‫فق ��ط خطاب ًا عدائي� � ًا �ضد امل�سلمني‪ ،‬ففي املا�ضي كان ��ت م�س�ألة عفوية غري منظمة‪� ،‬أم ��ا الآن فهي تبدو‬
‫وخمططة تدعمها م�ؤ�س�سات و�أموال طائلة‪ ،‬ويتق َّدمها �شخ�صيات �سيا�سية بارزة‬ ‫َّ‬ ‫حرك ��ة ممن َهجة ومم َّولة‬
‫وبخا�صة يف �أو�ساط احلزب اجلمهوري‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫مبن فيهم مر�شحو الرئا�سة‪،‬‬
‫‪(3) SBS News, “Vatican defends Pope Benedict”,15 SEP 2006 ,At,‬‬
‫‪http://www.sbs.com.au/news/article/2006/09/15/vatican-defends-pope-benedict‬‬

‫‪- 162 -‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪266‬‬


‫�أو ًال‪ :‬مظاهر الإ�سالموفوبيا‪ ،‬و�سماتها‬
‫يعب «الإ�سالموفوبيا» عن امل�شاعر ال�سلبية التي جتتاح املجتمع الغربي جتاه‬ ‫رِّ‬
‫ترتجم تلك امل�شاعر يف �سلوكات جُمحفة ِّ‬
‫بحق الإ�سالم وامل�سلمني‪.‬‬ ‫امل�سلمني‪ ،‬حيث َ‬
‫وهو ما �أظهرته العديد من البحوث والدرا�سات اال�ستق�صائية مل�ؤ�س�سات غربية‪،‬‬
‫ومنها م�ؤ�س�سة بريطانية تدعى (‪ )The Runnymede Trust‬تعنى ب�أمور حقوق‬
‫الإن�سان والأقليات وال ِعرق ّيات يف املجتمع الربيطاين‪ ،‬يف تقرير عام ‪ 1997‬من‬
‫حتد لنا جميع ًا»؛ �إذ قامت بو�ضع جمموعة‬ ‫ع�شرة ف�صول بعنوان‪« :‬الإ�سالموفوبيا‪ٍّ :‬‬
‫من املحدِّ دات �أو العنا�صر التي متى ُوجدت فثمة ظاهرة «الإ�سالموفوبيا»‪.‬‬
‫(((‬
‫وتلخ�صت هذه العنا�صر يف الثماين نقاط التالية‪:‬‬
‫‪ .1‬النظر �إىل الإ�سالم على �أنه كتلة متجان�سة �أحادية جامدة ال ت�ستجيب للتغيري‪.‬‬
‫‪ .2‬النظر �إىل الإ�سالم على �أنه كائن م�ستق ّل لي�س له قيم م�شرتكة مع الثقافات‬
‫الأخرى‪ ،‬وهو ال يت�أثر بها �أو ي�ؤثر فيها‪.‬‬
‫ين بالن�سبة للغرب‪ ..‬بربري وغري عقالين‪،‬‬ ‫‪ .3‬النظر �إىل الإ�سالم على �أنه دو ٌّ‬
‫بدائي وجن�سي النزعة‪.‬‬
‫‪ .4‬اعتبار الإ�سالم عنيف ًا وعدواني ًا وم�صدر خطر‪ ،‬مفطور ًا على الإرهاب وال�صدام‬
‫بني احل�ضارات‪.‬‬
‫‪ .5‬اعتبار الإ�سالم �إيديولوجية �سيا�سية لتحقيق م�صالح �سيا�سية وع�سكرية‪.‬‬
‫‪ .6‬الرف�ض التام لأي نقد يق َّدم من طرف �إ�سالمي للغرب‪.‬‬
‫‪ .7‬ا�ستعمال العداء جتاه الإ�سالم لتربير ممار�سات متييزية جتاه امل�سلمني‬
‫و�إبعادهم عن املجتمع املهيمن‪.‬‬
‫‪ .8‬اعتبار العداء جتاه امل�سلمني �أم ًرا عاد ًّيا وطبيع ًّيا وم َّرب ًرا‪.‬‬

‫‪(4) The Runnymede Trust, Islamophobia a challenge a challenge for us all report, (London: The‬‬
‫‪Runnymede Trust, 1991).‬‬

‫ربيع ‪2016‬‬ ‫‪- 163 -‬‬


‫وقد ّمتت متابعة النتائج التي ح�صلت عليها هذه الدرا�سات‪ ،‬و�إعداد تقرير‬
‫للمتابعة يف عام ‪ 2004‬بعد ‪ 9/11‬وال�سنوات الأوىل من حربي �أفغان�ستان والعراق‪،‬‬
‫ليظهر التقرير الثاين �أنه يف �أعقاب الهجمات الإرهابية �أ�صبحت احلياة �أكرث‬
‫(((‬
‫�صعوبة بالن�سبة للم�سلمني الربيطانيني‪.‬‬

‫ثانياً‪� :‬أ�سباب ظاهرة الإ�سالموفوبيا‬


‫ك� ِّأي ظاهرة �أخرى ف�إنَّ لظاهرة «الإ�سالموفوبيا» �أ�سباب متعددة تتفاوت يف‬
‫�أهميتها وق َّوتها‪ ،‬غري �أنها تت�ضافر فيما بينها لت�شكيل الظاهرة على النحو الذي‬
‫ترتاءى به‪.‬‬
‫ويعترب املراقبون �أن اخلوف من الإ�سالم وامل�سلمني لي�ست ظاهرة حديثة‪،‬‬
‫رجعون �أ�سباب ظهورها فى‬ ‫و�إمنا هي موجودة لدى الغرب منذ عدة قرون‪ ،‬و ُي ِ‬
‫الثقافة الغربية �إىل �أ�سباب لدى الغرب‪ ،‬و�أي�ض ًا �أ�سباب لدى امل�سلمني �أنف�سهم ‪،‬‬
‫�إىل جانب �أ�سباب م�شرتكة لدى الغرب وامل�سلمني‪ ،‬نو�ضحها كالتايل‪:‬‬

‫�أ‪ -‬الأ�سباب اخلا�صة بالغرب‬


‫‪� -‬أ�سباب تاريخية تعود �إىل جذور التناف�س احل�ضاري بني ال�شرق والغرب‪ ،‬وفرتة‬
‫ما بعد احلروب ال�صليبية‪ .‬فاحلروب ال�صليبية مل تكن �أول احتكاك بني الإ�سالم‬
‫والغرب‪ ،‬بل ُو ِج َد هذا االحتكاك منذ ال�سنني الأوىل من تاريخ الإ�سالم‪ ،‬عن طريق‬
‫الفتوحات الإ�سالمية عرب ال�شام وعرب ال�شمال الإفريقي‪ ،‬ثم الأندل�س وجزر البحر‬
‫الأبي�ض املتو�سط‪ .‬وما من �شك يف �أن احل�ضارة الإ�سالمية يف الع�صرين الأموي‬
‫والعبا�سي على وجه اخل�صو�ص‪ ،‬قد �أفادت من احل�ضارة اليونانية عرب جهود‬

‫‪(5) “Islamophobia: Understanding Anti-Muslim Sentiment in the West” , Gallup‬‬


‫‪Center, at: http://www.gallup.com/poll/157082/islamophobia-understanding-anti-‬‬
‫‪muslim-sentiment-west.aspx‬‬

‫‪- 164 -‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪266‬‬


‫الرتجمة التي قام بها العلماء العرب وامل�سلمون لكثري من املعارف التي كانت‬
‫�سائدة �آنذاك‪ ،‬عدا املعارف التي تتعلق بالعقائد الوثنية اليونانية‪ ،‬ثم كان اله�ضم‬
‫والتم ُّثل والإ�ضافة والإبداع ذو اخل�صو�صية الإ�سالمية‪ ،‬الذي �شارك فيه العلماء‬
‫امل�سلمون من الأجنا�س املختلفة املك ِّونة للح�ضارة الإ�سالمية‪ .‬وكان على �أوروبا �أن‬
‫تغط يف �سباتها‬‫تتلقى العلوم واملعارف على �أيدي علماء الإ�سالم بعد �أن كانت ُّ‬
‫التما�س‬
‫ّ‬ ‫العميق يف مرحلة ما �س ّموه بالع�صور الو�سطى‪ ،‬وكان ذلك عن طريق‬
‫(((‬
‫والتفاعل العميق يف كل من الأندل�س و�صقلية‪ ،‬وعرب احلروب ال�صليبية‪.‬‬
‫لقد طرحت �إ�شكالية ال�صراع بني ال�شرق والغرب من لدن العديد من ال�سيا�سيني‬
‫والدار�سني وال ُكتَّاب يف م�ؤلفاتهم‪ ،‬ومن �أ�شهرهم �صمويل هانتنجتون وكتابة‬
‫«�صدام احل�ضارات» الذي ينتهي �إىل �أن امل�صدر الأ�سا�سي لل�صراع يف ع�صر‬
‫ما بعد احلداثة فيما ي�سمى بالنظام العاملي اجلديد ما يزال يتمثل يف حقيقة ما‬
‫تتعر�ض له ثقافات العامل من ان�سحاق وتهديد بالتف ُّكك وال َّدمار‪ ،‬ب�سبب التناف�س‬
‫والتزاحم يف املوارد املادية واملعنوية (الثقافية)‪� ،‬أكرث مما يعود �إىل انق�سامات‬
‫(((‬
‫املرجح �أن يتغري هذا يف امل�ستقبل القريب‪.‬‬
‫ثقافية �أو دينية‪ ،‬و�أنه من غري َّ‬
‫‪� -‬أ�سباب نف�سية تعود �إىل ظاهرة اخلوف من الآخر‪ ،‬التي ُتعترب �أحد ال�سمات‬
‫الرئي�سية للح�ضارة الغربية املقرونة دائ ًما بهواج�س التفوق واخلوف � ً‬
‫أي�ضا على‬

‫ربيع ‪2016‬‬ ‫‪- 165 -‬‬


‫�أكرث انت�شار ًا منذ هجمات ‪ .9/11‬لقد حققت �أمريكا مكا�سب كبرية يف احلرب‬
‫على الإرهاب منذ ذلك الوقت‪ ،‬وتق َّل�صت قدرات تنظيم القاعدة بنحو كبري‪ ،‬ومت‬
‫الرجل الذي جاء لتج�سيد هجمات ‪.9/11‬‬ ‫ُ‬ ‫القب�ض على �أ�سامة بن الدن و ُق ِتل‬
‫لقد �أُجريت بعد تلك الفرتة العديد من الأبحاث وا�ستطالعات الر�أي‪ ،‬ومنها‬
‫ا�ستطالع �أجرته م�ؤ�س�سة جالوب يف �أغ�سط�س ‪ ،2011‬كانت نتيجته هي �أن ما‬
‫يقرب من ن�صف امل�سلمني الأمريكيني الذين �شملهم اال�ستطالع تع َّر�ضوا للتمييز‬
‫الديني �أو العن�صري يف العام املا�ضي‪ .‬ثم ا�ستطالع م�ؤ�س�سة زغبي الدولية‪ ،‬الذي‬
‫�صدر يف �سبتمرب ‪ 2010‬ليظهر �أن ‪ ٪41‬من الأمريكيني كانت �آرا�ؤهم �سلبية عن‬
‫(((‬
‫العرب‪ ،‬و ‪ ٪55‬منهم لديهم وجهة نظر �سلبية عن امل�سلمني‪.‬‬
‫‪� -‬أ�سباب ثقافية‪ ،‬تعود �إىل جوهر االختالف الثقايف بني احل�ضارة الإ�سالمية‬
‫واحل�ضارة الغربية؛ �إذ تتميز احل�ضارة الغربية بالطبيعة املادية‪ ،‬وترف�ض يف‬
‫جوهرها معظم القيم الروحية والأخالقية التي يدعو �إليها الإ�سالم‪ .‬فالثقافة‬
‫منطقة �أخرى ُمتنا َزع عليها يف تاريخ العالقات بني الإ�سالم والغرب‪ .‬كما �أن‬
‫ت�أثري احل�ضارة الإ�سالمية يف �أوروبا يف القرون الو�سطى كان حا�سم ًا ومل يكن من‬
‫إ�سالم‬
‫املمكن مقاومته‪ .‬وبالرغم من كراهية الأوروبيني يف الع�صور الو�سطى ال َ‬
‫كدين ‪� ،‬إال �أنهم مل ي�ستطيعوا �إخفاء �إعجابهم وت�أ ُّثرهم باحل�ضارة الإ�سالمية‬
‫وثقافتها املتم ِّثلة يف فال�سفتها و�شعرائها ورواة الق�ص�ص والفنانني وال�صوفيني‪،‬‬
‫الذين اخرتقوا امل�شهد الثقايف الأوروبي منذ القرن التا�سع حتى القرن ال�ساد�س‬
‫ع�شر؛ �إذ مل ي�ستطع �أحد �إنكار �أن احل�ضارة الإ�سالمية كان لها ت�أثريها الكبري يف‬
‫(((‬
‫�أوروبا‪ ،‬ومهدت ُّ‬
‫لتح�ضرها يف الع�صور احلديثة‪.‬‬

‫‪(8) Cecily Hilleary, “Analysis: US Fear of Islam Stronger Than Ever, Root Causes‬‬
‫‪Deep and Numerous”, Middle East Voices, JANUARY 9, 2012 at: http://‬‬
‫‪middleeastvoices.voanews.com/2012/01/with-al-qaida-weakened-and-bin-laden-‬‬
‫‪dead-us-islamophobia-stronger-than-ever/‬‬
‫‪(9) Ibrahim Kalin, “Islam and the West: Deciphering a Contested History”, Oxford‬‬
‫‪Islamic Studies Online, Oxford, at: http://www.oxfordislamicstudies.com/Public/‬‬
‫‪focus/essay0409_west.html‬‬

‫‪- 166 -‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪266‬‬


‫‪� -‬أ�سباب دميوجرافية‪ ،‬وهى اخل�شية من التنامي الدميوجرايف حلجم امل�سلمني‬
‫يف العامل‪ ،‬وبالذات يف املناطق التي ُتط ِّوق �أوروبا يف جنوب املتو�سط ويف داخل‬
‫�أوروبا الغربية نف�سها‪ .‬فكثري من احلروب واالنق�سامات التي طالت الدول‬
‫العربية‪ ،‬ونتج عنها هجرة العديد من ال�شعوب العربية لتلك الدول �إىل �أوروبا‪،‬‬
‫كانت الدول الغربية عام ًال �أ�سا�سي ًا يف حدوثها وامل�ستفيد الأول من تف ُّكك تلك‬
‫(‪((1‬‬
‫الدول وانهيارها‪.‬‬
‫‪ -‬املوقع اجلغرايف للدول الإ�سالمية‪� :‬شغل العامل الإ�سالمي وما يزال موقع ًا‬
‫ا�سرتاتيجي ًا بني مناطق العامل ‪ ،‬فمعظم �أنحاء العامل الإ�سالمي ُتط ُّل على‬
‫م�سطحات مفتوحة ت�سلكها �أهم الطرق البحرية العاملية‪ ،‬وال يقلل من �أهمية‬ ‫َّ‬
‫العامل الإ�سالمي وجود الدول احلبي�سة التي تفتقر �إىل هذا الإ�شراف على‬
‫امل�سطحات املائية مثل �أفغان�ستان يف �آ�سيا وت�شاد والنيجر ومايل يف �إفريقيا؛ �إذ �إنَّ‬
‫معظم الدول الإ�سالمية تتح َّكم يف منافذ مائ َّية ُت�سيطر على �أهم الطرق الدولية‬
‫كقناة ال�سوي�س يف م�صر‪ ،‬والدردنيل والبو�سفور يف تركيا‪ ،‬وجبل طارق يف املغرب‬
‫(‪((1‬‬
‫وغريها‪.‬‬

‫(‪ ((1‬بنظ ��رة �سريع ��ة على الوطن العربي �سنج ��د �أغلب الدول العربية الآن �إم ��ا �أ�صابها التفكك(ليبيا‪-‬‬
‫الع ��راق) �أو تعاين م ��ن عدم اال�ستق ��رار ال�سيا�سي واالقت�ص ��ادي (�سوريا‪ ،‬تون� ��س‪ ،‬م�صر) خا�صة‬
‫بع ��د ثورات الربي ��ع العربي‪ ،‬مما �أدى �إىل هروب العديد من العرب واللج ��وء �إىل الهجرة ال�شرعية‬
‫وغ�ي�ر ال�شرعي ��ة �إىل الدول الأوروبي ��ة‪ .‬لقد �أعلنت منظمة الهجرة الدولي ��ة يف تقريرها عام ‪2013‬‬
‫ع ��ن حال ��ة املهاجرين الع ��رب و�شم ��ال �إفريقيا لل ��دول الأوروبية‪ ،‬وقد ق ��ال ويليام ال�س ��ي �سوينغ‪،‬‬
‫املدي ��ر الع ��ام للمنظمة الدولي ��ة للهجرة ‪ ،‬ب�أنه ��م مل يعرفوا العد الإجمايل‪ ،‬حي ��ث تويف العديد من‬
‫املهاجري ��ن جمهويل الهوية يف ال�صح ��اري واملحيطات وكذلك يف حوادث �أخ ��رى‪ .‬غري �أنه �أ�ضاف‬
‫�أن التقدي ��رات ت�شري �إىل �أنَّ ‪ 236‬مهاجر ًا عل ��ى الأقل قد توفوا خالل هذه ال�سنة �أثناء �سعيهم وراء‬
‫حلمهم باحل�صول على حياة جديدة‪ ،‬و�أن ه�ؤالء الأ�شخا�ص بائ�سون �إىل درجة �أنه حتى خطر املوت‬
‫املحتم ��ل جد ًا مل يردعهم عن القيام به ��ذه الرحلة‪� ،‬سعي ًا وراء تلك احلياة اجلديدة‪ .‬انظر التقرير‬
‫ال�سنوي ملنظمة الهجرة الدولية لعام ‪� 2013‬ص ‪.28‬‬
‫(‪ ((1‬د‪ .‬رفع ��ت �سي ��د �أحم ��د‪ ،‬الإ�سالموفوبي ��ا وال�ص ��ورة النمطية عن الإ�س�ل�ام‪ ،‬القاه ��رة‪ :‬مركز يافا‬
‫للدرا�سات والأبحاث‪14،‬مار�س ‪.2012‬‬

‫ربيع ‪2016‬‬ ‫‪- 167 -‬‬


‫‪�-‬أ�سباب اقت�صادية تتعلق بال�ضغط على �سوق العمل واخل�شية من البطالة يف‬
‫الدول الأوروبية‪ ،‬وخوف املواطنني يف الدول الغربية من مزاحمة املهاجرين‬
‫العرب لهم يف العمل‪.‬‬
‫‪� -‬أ�سباب �سيا�سية‪ ،‬وهى انتهاء احلرب الباردة وتف ُّكك االحتاد ال�سوفيتي ال�سابق‪،‬‬
‫فقد ا�ستغلت الأحزاب اليمنية يف بع�ض البالد الغربية انت�شار مبادئ العوملة‬
‫والنظام العاملي اجلديد للرتويج لن�سق الكراهية والتحري�ض �ضد العامل الإ�سالمي‬
‫و�ضد الإ�سالم‪ ،‬حتت م�سميات «احلرب العاملية �ضد الإرهاب» ومواجهة «الفا�شية‬
‫دع َم ْت بع�ض جمموعات امل�صالح االقت�صادية وال�سيا�سية وكذلك‬ ‫الإ�سالمية»‪ ،‬وقد َّ‬
‫الأمنية هذه النظرة؛ بحيث اقتنعت امل�ؤ�س�سات الع�سكرية وال�سيا�سية الأمريكية‬
‫ب�ضرورة البحث عن عد ٍ ّو لها بعد انهيار االحتاد ال�سوفيتي ال�سابق‪ ،‬وقد وقع‬
‫اخليار على العامل العربي والإ�سالمي‪.‬‬
‫كل هذه الأ�سباب �أدت �إىل زيادة العداء والكراهية الغربية للإ�سالم‪،‬‬
‫ووجود ظاهرة الإ�سالموفوبيا وانت�شارها‪ ،‬طمع ًا يف ثروات العامل الإ�سالمي من‬
‫ناحية ‪ ،‬ورغبة يف ا�ستمرار الهيمنة عليه لفرتات طويلة من ناحية �أخرى‪ ،‬وهو‬
‫ما كان يتم لهذا الغرب اال�ستعماري �إما ب�أ�ساليب العدوان واحلروب املبا�شرة‪� ،‬أو‬
‫الو�سائل الناعمة كال�سيا�سية والثقافية‪ ،‬و�أحيان ًا ركوب الثورات الأخرية وتوظيفها‬
‫مل�صاحله للأ�سف ال�شديد‪.‬‬

‫ب ‪-‬الأ�سباب التث تعود �إىل امل�سلمني‪:‬‬


‫‪ -‬الواقع احل�ضاري للم�سلمني �أنف�سهم‪ ،‬خا�صة يف ظل حالة الرتاجع احل�ضاري‬
‫الراهن للم�سلمني‪،‬‬
‫مما جعل الر�صيد احلديث للأمة الإ�سالمية قلي ًال �أو منعدم ًا على �صعيد الإ�سهام‬
‫احل�ضاري وامل�شاركة يف ارتقاء الإن�سانية وتق ّدمها‪.‬‬

‫‪- 168 -‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪266‬‬


‫‪ -‬م�ستوى اخلطاب الديني‪ ،‬فم�ستوى اخلطاب الديني يف �أغلب الدول العربية‬
‫نف�سها ال يرتقي �إىل �سماحة الدين الإ�سالمي‪ ،‬وال يهتم بتقدمي ال�صورة احلقيقية‬
‫ال�سمحة للإ�سالم الذي يحثُّ على احرتام حقوق الإن�سان وخا�صة املر�أة‪ ،‬وكذلك‬
‫املختلفني معه يف العقيدة و�أ�صحاب احل�ضارات والثقافات الأخرى‪ ،‬التي حثَّ‬
‫الإ�سالم على التعارف وح�سن العالقات و�ضرورة التعاي�ش ال�سلمي والت�سامح‬
‫متزقها االختالفات املذهبية التي متنح الغرب‬ ‫معها‪ .‬ف�أغلب الدول العربية الآن ِّ‬
‫مت�ساحما مع املختلفني ديني ًا‪،‬‬
‫ً‬ ‫�صورة مت�شددة عن الإ�سالم؛ �إذ كيف يكون الإ�سالم‬
‫يف حني �أنَّ �أ�صحاب الديانة الواحدة من امل�سلمني �أنف�سهم خمتلفو املذهب‪،‬‬
‫يتحاربون ويقتلون بع�ضهم بع�ض ًا‪ .‬تلك هي ال�صورة امل�ص َّدرة للغرب التي ت�س َّبب‬
‫فيها امل�سلمون �أنف�سهم ب�سلوكاتهم التي ر َّوج لها �أي�ض ًا الإعالم الغربي‪ ،‬وهو ما‬
‫نطرحه يف اجلزئية التالية من الدرا�سة‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬دور الإعالم يف ظاهرة الإ�سالموفوبيا‬


‫ينق�سم دور الإعالم يف الرتويج للظاهرة الإ�سالمفوبيا �إىل دور �أجهزة‬
‫الإعالم يف الدول العربية ب�سلبيتها‪ ،‬وعدم �إدراكها ملا يواجهها من �أخطار‪ ،‬ودور‬
‫�أجهزة الإعالم يف الدول الغربية يف الرتويج للظاهرة‪ ،‬بب ِّثها ك َّل ما ُّ‬
‫يح�ض على‬
‫اخلوف وكراهية الإ�سالم وامل�سلمني‪.‬‬
‫فما قام به الإعالم الغربي من ت�شويه �صورة الإ�سالم وامل�سلمني خا�صة عقب‬
‫�أحداث ‪� 11‬سبتمرب‪ ،‬وما �صاحب ذلك من موجة عدائية عنيفة جتاه امل�سلمني يف‬
‫كل مكان من الدول الغربية‪ ،‬كان له الأثر ال�شديد يف انت�شار «الإ�سالمفوبيا» �أو‬
‫(‪((1‬‬
‫اخلوف من الإ�سالم وامل�سلمني‪.‬‬

‫‪(12) Mark Briskey," The importance of recognizing negative stereotypes in a post September‬‬
‫‪11 world Islam and its misrepresentation», Platypus Magazine, (Sydney: Australian Federal‬‬
‫‪Police, No. 77 - December 2002) p44.‬‬

‫ربيع ‪2016‬‬ ‫‪- 169 -‬‬


‫لقد �ساعدت �أحداث ‪� 11‬سبتمرب للأ�سف على تنميط امل�سلمني و�إعطاء انطباع‬
‫�سلبي عن الإ�سالم وامل�سلمني‪ ،‬وت�شويه �صورته‪ ،‬وهو ما ا�ستغلته بع�ض و�سائل‬
‫بح َرف َّية �شديدة تخدم م�صالح الغرب‪ .‬فعلى �سبيل املثال ث ّمة ت�صريح‬ ‫الإعالم ِ‬
‫لل�سيد جيم�س زغبي‪ -‬م�ؤ�س�س ورئي�س معهد وا�شنطن التابع للم�ؤ�س�سة العربية‬
‫الأمريكية‪ ،‬والذي كتب كثري ًا عن مو�ضوع اخلوف من الإ�سالم‪ -‬قال فيه‪�« :‬إن‬
‫ما حدث على مدى ال�سنوات الع�شرين املا�ضية كان هدف ًا لو�سائل الإعالم ب�شكل‬
‫خا�ص» «ابتداء �إىل ح ّد كبري بالراديو ‪ ...‬ثم ي�أتي التلفزيون ببثه على الهواء‬
‫مبا�شرة ‪ ...‬غري �أنه الآن هناك �أي�ض ًا عدد من املواقع التي �أ�صبح لها �شعبية كبرية‪.‬‬
‫وك ٌّل من هذه الو�سائل �أ�صبحت نوع ًا ما كحجرات �صدى لبع�ضها بع�ض ًا»(‪.((1‬‬
‫فو�سائل الإعالم تنقل عن بع�ضها بع�ض ًا ال�صورة امل�شوهة للإ�سالم‪،‬‬
‫مما ي�ساعد يف انت�شار الظاهرة على نحو �أ�سرع‪ .‬وعلى اجلانب الآخر ال تقوم‬
‫و�سائل الإعالم العربية �سواء احلكومية �أو القنوات اخلا�صة ب�أي دور يف مقاومة‬
‫الظاهرة‪ ،‬وبثِّ معلومات �صحيحة عن الإ�سالم من خالل قنواتها‪ .‬و�أدى النقل‬
‫دون حت ّري الدِّ قة �إىل زيادة التخ ُّوف من الإ�سالم وامل�سلمني يف الغرب‪ ،‬بل �أدى‬
‫�أي�ض ًا �إىل مهاجمتهم والتعامل معهم بعن�صر َّية؛ �إذ يتم التبليغ عن حاالت هجوم‬
‫على امل�سلمني يومي ًا‪ .‬فعلى �سبيل املثال ما حدث بعد الهجمات الأخرية على باري�س‬
‫ب�سبب ما ن�شر من ر�سوم كريكاتورية م�سيئة للر�سول(�صلى اهلل عليه و�س ّلم) يف‬
‫جملة «�شارل �أبدو»‪ ،‬دفعت بع�ض املتطرفني للقيام بتفجريات طالت املجلة وم�سرح ًا‬
‫ال�ضجة الإعالمية ب�ش�أن احلدث‬
‫َّ‬ ‫يف باري�س‪ ،‬مما نتج عنه �ضحايا ُكرث‪ ،‬كانت‬
‫كبرية ‪ ،‬ومبالغ ًا فيها‪ ،‬فبالرغم من حدوث �أحداث تفجريات يف دول عربية‪� ،‬إال �أن‬
‫ال�ضجة الإعالمية امل�صاحبة مل تكن مبثل ما حدث جتاه هجمات باري�س‪ .‬وقد نتج‬
‫عن الرتويج الإعالمي �ضد الإ�سالم وامل�سلمني يف �أعقاب تلك احلوادث الإرهابية‬

‫‪(13) Cecily Hilleary, Op.Cit., http://middleeastvoices.voanews.com/2012/01/with-al-qaida-‬‬


‫‪weakened-and-bin-laden-dead-us-islamophobia-stronger-than-ever/‬‬

‫‪- 170 -‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪266‬‬


‫يف الغرب‪� ،‬أنْ تع َّر�ض امل�سلمون يف بريطانيا وفرن�سا ودول غربية �أخرى للإ�ساءة‬
‫(‪((1‬‬
‫يومي ًا ب�سبب ال�سيا�سات امل�ش َّوهة للحكومات‪ ،‬والتح ُّيز الإعالمي يف تلك الدول‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬دور امل�سلمني يف انت�شار ظاهرة الإ�سالموفوبيا‬


‫�أظهر ا�ستطالع لـ «منتدى بيو» حول الدين واحلياة العامة ن�شر يف مار�س‬
‫�آذار عام ‪� 2006‬أنَّ وجهات نظر امل�سيحيني البي�ض الأمريكيني‪� ،‬سواء الإجنيليني‬
‫�أو الربوت�ستانت ب�ش�أن الإ�سالم وامل�سلمني هي الأكرث �سلبية ‪ .‬وكذلك ن�شر ايه بي‬
‫�سي نيوز ‪ /‬وا�شنطن بو�ست ا�ستطالع ًا منف�ص ًال يف ال�شهر نف�سه‪� ،‬أظهر �أنَّ ‪٪45‬‬
‫�شجع على العنف‪ ،‬و�أنَّ ‪ ٪64‬يعتقدون‬ ‫من الإجنيليني البي�ض يعتقدون �أنَّ الإ�سالم ُي ِّ‬
‫(‪((1‬‬
‫ديانات �أُخرى‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫�أنَّ الإ�سالم فيه تط ُّرف �أكرث من � ِّأي‬
‫تلك النتائج تطرح علينا �س�ؤ ًال ُم َّلح ًا عن الدور الذي �ساهم به امل�سلمون يف‬
‫تر�سيخ تلك الر�ؤى ب�ش�أن الإ�سالم وامل�سلمني من وجهة نظر الغرب‪ .‬هل �ساهمت‬
‫�سلوكات امل�سلمني يف الغرب �أو يف الدول العربية برت�سيخ تلك ال�صورة ال�سلبية‬
‫عنا؟ �إنَّ نظرة عادلة للأمور ت�ستوجب القول �إن بع�ض امل�سلمني �ساهم يف ذلك‬
‫ب�سلوكات انعك�ست �سل ًبا على �صورة الإ�سالم لدى الغرب‪ ،‬الذي لديه �أ�سا�س ًا‬
‫حتا ُمل‪ ،‬ويجد ما يغ ّذي تلك ال�صورة ال�سلبية‪� ،‬سواء من خالل ت�صريحات قادته‬
‫�أو و�سائل �إعالمية ُم�س َّي�سة ل�صالح اجتاه معني‪.‬‬
‫علينا م�صارحة �أنف�سنا و� اّأل نلقي عبء انت�شار اخلوف ا َمل َر�ضي من الإ�سالم‬
‫وامل�سلمني يف الغرب عليه‪ .‬فاملواطن الغربي مواطن عادي مثلي ومثلك يرغب يف‬
‫حياة كرمية‪ ،‬ويف �أن ي�شعر بالأمن يف وطنه‪ ،‬وتلك �أب�سط املطالب الإن�سانية؛ �إذ �إن‬

‫‪(14) Richard Sudan, “Increasing attacks on Muslims caused by media-hyped Islamophobia”,‬‬


‫‪Russa Today (RT), 8 Dec, 2015 14:46,at: https://www.rt.com/op-edge/325102-muslims-‬‬
‫‪attacks-media-britain/‬‬
‫‪(15) Cecily Hilleary, Op.Cit., http://middleeastvoices.voanews.com/2012/01/with-al-qaida-‬‬
‫‪weakened-and-bin-laden-dead-us-islamophobia-stronger-than-ever/.‬‬

‫ربيع ‪2016‬‬ ‫‪- 171 -‬‬


‫الغالبية من ه�ؤالء املواطنني ال تهتم بالقرارات التي يتَّخذها قادة دولهم‪ ،‬والتي‬
‫للأ�سف عليهم حت ُّمل تبعتها ال�سيا�سية واالقت�صادية واالجتماعية‪ .‬فالتفجريات‬
‫إ�سالم عنوان ًا لها يف العديد من‬ ‫التي قامت بها جماعات متطرفة تتخذ ال َ‬
‫الدول الغربية‪ ،‬مع وجود �ضحاياها م�سلمني فيه‪� ،‬إال �أنها �ص َّدرت �صورة �سلبية‬
‫عن الإ�سالم‪ ،‬و�أعطت انطباع ًا لدى الآخر‪ :‬الغربي‪� ،‬أنَّ ك َّل امل�سلمني متطرفني‬
‫و�إرهابيني‪ .‬تلك ال�صورة مل جتد َمن يغيرِّ ها‪ ،‬فال كيانات م� َّؤ�س�س َّية عربية وال‬
‫منظمات وال هيئات دينية ر�سمية قامت مبحاوالت جد َّية لتغيري تلك االنطباعات‬
‫عن الإ�سالم وامل�سلمني‪ .‬بل ميكن القول �إن التح ُّركات التي قامت بها تلك املنظمات‬
‫مت َّثلت يف االعرتا�ض �أو ال�شجب فقط‪ ،‬ومل تزد الأمر �إال �سوء ًا وتوتر ًا‪ .‬حتى الوفود‬
‫ال�شعبية التي تط َّوعت من بع�ض الدول ملحاولة تغيري االنطباع ال�سلبي الغربي على‬
‫امل�ستوى ال�شعبي‪ ،‬مل تكن جتد من ي�ؤازرها �أو ي�ساندها‪ ،‬ف�أ�صبح الأمر كمن يحرث‬
‫يف املياه‪� ،‬أو كمن يلقي بقطرة ماء يف املحيط‪.‬‬

‫خام�ساً‪ :‬كيفية التعامل مع الظاهرة‬


‫�إنَّ نظرة بع�ض امل�سلمني الذين يعي�شون يف الغرب‪� ،‬أو حتى يف الدول العربية‬
‫حول خمتلف الق�ضايا املحلية والعاملية تكون نظرة ازدرائية �أحيان ًا‪ .‬وتزداد هذه‬
‫امل�شاعر ك َّلما زاد الكيل مبكيالني يف ال�سيا�سة اخلارجية من القوى الغربية الكربى‬
‫على �سبيل املثال يف ت�أيدها لإ�سرائيل وما تفعله من انتهاكات حقوق الإن�سان‪ .‬كما‬
‫يرى املجتمع الإ�سالمي العاملي غزو واحتالل �أفغان�ستان والعراق با�سم احلرب‬
‫على الإرهاب‪ ،‬هو عمل �ضد الإ�سالم‪ .‬كذلك قد ي�ؤدي الإ�سالموفوبيا يف الغرب‬
‫وحت ُّيز و�سائل الإعالم الغربية �إىل �أن ي�صبح بع�ض امل�سلمني متطرفني بالفعل‪،‬‬
‫فقد ي�شعر البع�ض بالعزلة والنفور �إزاء ما يتعر�ضون له من �سخرية ومعاملة �سيئة‬
‫وعن�صرية يف بع�ض الدول‪ ،‬الأمر الذي ي�ؤدي �إىل رف�ضهم للقيم الغربية ‪ ،‬ومنها‬
‫الدميقراطية والتعددية الثقافية يف تلك الدول‪ .‬وهو ما يدفع معظمهم �إىل ُ‬
‫تعاظم‬

‫‪- 172 -‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪266‬‬


‫�شعورهم بالهوية الإ�سالمية‪ ،‬وااللتزام ال�صارم بالتعاليم الإ�سالمية التقليدية‪.‬‬
‫ويرى العديد من اخلرباء �أنَّ الأجيال اجلديدة من �شباب امل�سلمني يف الغرب‬
‫ي�شعرون بال�سخط وبالغربة املريرة‪ ،‬حتى �إن بع�ضهم قد ي�ؤيد الهجمات الإرهابية‬
‫كيان ما‪.‬‬
‫�ضد امل�صالح الغربية‪� ،‬أو يدعمها‪ ،‬لكونها و�سيلة لل�شعور باالنتماء �إىل ٍ‬
‫وربمَّ ا �أقل َّية فقط من �أولئك الذين يحملون مثل هذه الآراء ين�ض ّمون �إىل حركات‬
‫مت�شدِّ دة لقتال القوات الأمريكية والربيطانية واحلليفة‪ ،‬ف�أعداد امل�سلمني الذين‬
‫يتبنون تلك ال�سيا�سات املتطرفة هو عدد �صغري جد ًا مقارنة ب�أعداد امل�سلمني يف‬
‫العامل �أجمع‪� ،‬إال �أن اخلوف من الإ�سالموفوبيا قد ي�ساعد يف تزايد �أعدادهم‪.‬‬
‫�إنَّ كراهية الإ�سالم والتط ُّرف ميكن معاجلتها بدقة و�إزالتها‪ ،‬غري �أنه‬
‫يجب على الغرب �أي�ض ًا امل�شاركة يف ذلك عن طريق تب ّني ا�سرتاتيجيات ملكافحة‬
‫الإ�سالموفوبيا‪ ،‬من خالل معاجلة الأ�سباب ال�سيا�سية واالقت�صادية واالجتماعية‬
‫والثقافية للتطرف‪ ،‬عن طريق برامج التنمية وحل النزاعات ال�سيا�سية املزمنة‪.‬‬
‫كذلك ف�إن هناك �ضرورة للتعامل مع ال�ضجة الإعالمية الكبرية حول «الإ�سالم‬
‫ال�سيا�سي»‪ ،‬عن طريق تنظيم م�ؤمترات من منظمات �إ�سالمية‪ ،‬وغريها من‬
‫املنظمات‪ ،‬والرتكيز بق ّوة على احلوار بني احل�ضارات واحلوار بني الأديان‪،‬‬
‫للم�ساعدة على تعزيز احرتام جميع الأديان‪.‬‬
‫ويجب على القوى الغربية الكربى انتهاج �سيا�سات �شجاعة‪ ،‬حيوية ومتوازنة‬
‫لإحالل ال�سالم يف ال�شرق الأو�سط ويف العامل �أجمع‪ .‬وعلى امل�سلمني �أن يكونوا‬
‫�أكرث ن�شاط ًا يف العي�ش وفق ًا لتعاليم الإ�سالم احلقيقية‪ ،‬و�إدانة التطرف العنيف‬
‫والإرهاب‪ ،‬واحل�صول على ر�ؤية معرفية �إ�سالمية‪ ،‬واملبادرة لقيادة الب�شرية نحو‬
‫نظام عاملي عادل و�سلمي‪.‬‬
‫ويتط َّلب التعامل مع ظاهرة الإ�سالمفوبيا الكثري من اخلطوات وعالج‬
‫اجلوانب التي �أدت �إىل ظهورها‪ ،‬عن طريق حماولة ن�شر الإ�سالم الو�سطي من‬
‫ربيع ‪2016‬‬ ‫‪- 173 -‬‬
‫خالل امل�ؤ�س�سات الدينية الو�سطية‪ ،‬و�إظهار �سماحة الدين الإ�سالمي كما تتجلى‬
‫يف القر�آن �أو يف الأحاديث ال�شريفة‪ ،‬وحماولة تنقيح كتب الرتاث من الأحاديث‬
‫التي حت�ض على العنف وت�ؤدي �إىل �أن يت�شكك الغرب يف نوايا الإ�سالم‪ ،‬عندما‬
‫يحاول الغرب التعرف عليه من خالل قراءة مثل تلك الكتب‪.‬‬
‫فتقدمي الإ�سالم بو�سطيته و�إظهارة دين عدل وت�سامح هو الطريق احلقيقي‬
‫ملواجهة الكراهية الغربية �أو ظاهرة الإ�سالموفوبيا‪ .‬وهي خطوة بد�أت بع�ض‬
‫الدول العربية يف تنفيذها من خالل م�ؤ�س�ساتها الدينية‪ ،‬ون�شري على �سبيل املثال‬
‫�إىل زيارة �شيخ الأزهر الأخرية �إىل �أملانيا‪ ،‬يف حماولة لإجراء نقا�ش معتدل‪،‬‬
‫(‪((1‬‬
‫و�إظهار �صورة الإ�سالم املعتدل للغرب‪.‬‬
‫التع�صب الذي ف َّرقهم و�أعطى‬
‫ُّ‬ ‫ويجب على امل�سلمني �ضرورة البعد عن‬
‫للغرب �صورة م�شوهة عن الإ�سالم‪ ،‬فريون امل�سلمني وقد تفرقوا �إىل كتل و�أحزاب‬
‫احلي الواحد ويف امل�سجد‬
‫وجمموعات يف البلد الواحد‪ ،‬بل قد يكون ذلك يف ّ‬
‫الواحد‪ ،‬وهذه التكتالت لي�س بينها نوع من الت�سامح‪.‬‬
‫وهناك اجلانب الإعالمي؛ �سواء الإعالم الغربي �أو �إعالم الدول الإ�سالمية‬
‫‪ .‬فالأول عليه �أن يوظف �إمكاناته الكبرية يف حماولة فهم الآخر ون�شر وجهة نظره‬
‫يف الق�ضايا امل�شرتكة دون ت�شويه للحقائق يف الق�ضايا اخلالفية بيننا‪ .‬كما يجب‬
‫على الإعالم العربي الإ�سالمي ن�شر ح�ضارة الإ�سالم يف �شقها امل�ضيء‪ ،‬وهو الأبرز‬
‫ظهر حقيقة علمائنا ومفكرينا وفال�سفتنا و�أدبائنا‪،‬‬ ‫والأكرب‪ ،‬باللغات املختلفة ‪ ،‬ل ُن ِ‬
‫واالجتاه �إىل كتابة ح�ضارتنا وتاريخنا وتوثيق ذلك ب�أيدي علمائنا‪ .‬وكذلك يجب‬

‫‪(16) “Egypt›s Al Azhar Grand Imam visits Germany, set to give speech before Bundestag” ,Alahram‬‬
‫‪Online ,Tuesday 15 Mar.2016,at: http://english.ahram.org.eg/NewsContentP/1/191050/‬‬
‫‪Egypt/Egypts-Al-Azhar-Grand-Imam-visits-Germany,-set-to-.aspx‬‬

‫‪- 174 -‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪266‬‬


‫�إعادة توجيه الف�ضائيات العربية من �أجل التعريف بالإ�سالم عقيدة وعبادة‬
‫و�شريعة ومنهاج حياة وح�ضارة و�أخالق ًا‪ .‬و�أخري ًا ف�إن للم�ؤ�س�سات الإ�سالمية‬
‫والعربية دور ًا يف التوا�صل مع امل�ؤ�س�سات الغربية امل�شابهة‪ ،‬لذا يجب �إعادة تفعيلها‬
‫مرة �أخرى بد ًال من ا�ستمرار وجودها كم�ؤ�س�سات كرتونية ال قيمة لها‪ .‬وال يخفى‬
‫�أثر دور امل�ساجد واملراكز الثقافية واملنتديات واجلمعيات الإ�سالمية التي ترعى‬
‫امل�سلمني ثقافي ًا وديني ًا يف الدول الغربية يف مواجهة هذه احلملة املُمن َه َجة لت�شويه‬
‫الإ�سالم وامل�سلمني‪ ،‬وطم�س معامل احل�ضارة الإ�سالمية‪.‬‬

‫خامتة‬
‫نتجت ظاهرة الإ�سالموفوبيا عن العديد من الأ�سباب امل�شرتكة بني الغرب‬
‫وال�شرق‪ ،‬التي كانت ب�سبب من عدم وجود حوار حقيقي بني الطرفني‪ ،‬وعدم‬
‫تقدمي الوجه احلقيقي ال�سمح للإ�سالم‪ ،‬واتخاذ الدولة امل�ؤ�س�سات الإعالمية‬
‫�أدوات لتحقيق �أهدافها ال�سيا�سية بت�شويه الإ�سالم‪ ،‬ون�شر اخلوف بني مواطنيها‬
‫من الإ�سالم وامل�سلمني‪ ،‬لك�سب ت�أييدهم يف ما يتَّخذه قادتهم من قرارات غري‬
‫�صائبة‪.‬‬
‫بالإ�ضافة �إىل ذلك‪ ،‬ف�إن الدور املتخاذل من الدول العربية والإ�سالمية يف‬
‫ن�شر الإ�سالم ال�صحيح‪ ،‬والرتويج له عن طريق تكري�س جهودها من �أجل ذلك‪،‬‬
‫والتو�سع يف انت�شارها يف‬
‫ُّ‬ ‫كان عام ًال م�ساعد ًا يف ا�ستمرار ظاهرة الإ�سالموفوبيا‪،‬‬
‫الدول الغربية‪ ،‬ومعاناة امل�سلمني هناك من �سوء املعاملة والتمييز‪.‬‬

‫مراجع باللغة العربية‬


‫‪.1‬عماد علو‪« ،‬جدلية ال�صراع واحلوار بني الإ�سالم والغرب»‪ ،‬بغداد‪ ،‬جريدة الزمان امل�ستقلة‪ 7 ،‬يناير ‪.2014‬‬
‫‪ .2‬د‪ .‬رفعت �سيد �أحمد‪ ،‬الإ�سالموفوبيا وال�صورة النمطية عن الإ�سالم‪ ،‬القاهرة‪ :‬مركز يافا للدرا�سات‬
‫والأبحاث‪14،‬مار�س ‪.2012‬‬

‫ربيع ‪2016‬‬ ‫‪- 175 -‬‬


English Sources
1. Briskey, Mark,» The importance of recognizing negative stereotypes in a
post September 11 world Islam and its misrepresentation», Platypus Magazine,
(Sydney: Australian Federal Police, No. 77 - December 2002).
2. Cluck, Andrea Elizabeth,» Islamophobia in the Post -9/11 United States:
Causes, Manifestation, and Solutions», Mater thesis,) Missouri: Truman State
University, 2008).
3. Edvardsson, Linda,» Islamophobia –Features of Islamophobia and
Strategies against it», Master Thesis,( Malmö : Malmö University, Fall 2008).
4. Horowitz, David, Islamophobia: Thought Crime of the Totalitarian Future,
(Los Angeles: David Horowitz Freedom Center, 2011).
5. Huntington, Samuel P., «The Clash of Civilizations?», Foreign Affairs,
(New York: the Council on Foreign Relations, Summer 1993).
6 . Lewis, Bernard,» The Arab In history, (New York: Oxford University press,
1993).
7. The Runnymede Trust, Islamophobia a challenge a challenge for us all
report, (London: The Runnymede Trust, 1991).
8. SBS News, «Vatican defends Pope Benedict», 15 SEP 2006, AT,
HTTP://WWW.SBS.COM.AU/NEWS/ARTICLE/2006/09/15/VATICAN-
DEFENDS-POPE-BENEDICT
9. «Egypt’s Al Azhar Grand Imam visits Germany, set to give speech before
Bundestag», Alahram Online, Tuesday 15 Mar.2016,at: http://english.ahram.
org.eg/NewsContentP/1/191050/Egypt/Egypts-Al-Azhar-Grand-Imam-
visits-Germany,-set-to-.aspx
10.»Islamophobia: Understanding Anti-Muslim Sentiment in the West »,
Gallup Center, at: http://www.gallup.com/poll/157082/islamophobia-
understanding-anti-muslim-sentiment-west.aspx
11. Hilleary, Cecily,» Analysis: US Fear of Islam Stronger than Ever, Root
Causes Deep and numerous», Middle East Voices, JANUARY 9, 2012 at:
http://middleeastvoices.voanews.com/2012/01/with-al-qaida-weakened-and-
bin-laden-dead-us-islamophobia-stronger-than-ever/
12. Kalin, Ibrahim,» Islam and the West: Deciphering a Contested History»,
Oxford Islamic Studies Online, Oxford, at
http://www.oxfordislamicstudies.com/Public/

- 176 - 266 ‫املنتـ ــدى‬

You might also like